مع عقيدتنا بأن النبي يعلم الغيب كيف نوجه تفسير قوله تعالى : (و لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء)

السؤال : مع عقيدتنا بأن النبي (صلى الله عليه واله) يعلم الغيب كيف نوجه تفسير قوله تعالى :  (و لو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير و ما مسني السوء) ..؟


الجواب : ذكر الشيخ مكارم الشيرازي في تفسير الامثل هذا السؤال فقالً:
ألم يكن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يعلم الغيب؟!

ثم اجاب عليه بقوله:
يحكم بعض السطحيين لدى قراءتهم لهذه الآية - وبدون الأخذ بنظر الإعتبار الآيات القرآنية الأخرى، بل حتى القرائن الموجودة في هذه الآية أيضاً - أنّ الآية آنفة الذكر دليل على نفي علم الغيب عن الأَنبياء نفياً مطلقاً... مع أنّ الآية - محل البحث - تنفي علم الغيب المستقل وبالذات عن النّبي، كما أنّها تنفي القدرة على كل نفع وضرّ بصورة مستقلة.

ونعرف أنّ كل إنسان يملك لنفسه وللآخرين النفع أو الضر.

فبناءً على ذلك فإنّ هذه الجملة المتقدمة شاهد واضح على أنّ الهدف ليس هو نفي مالكية النفع والضر أو نفي علم الغيب بصورة مطلقة، بل الهدف نفي الإِستقلال، وبتعبير آخر: إنّ النّبي لا يعرف شيئاً من نفسه، بل يعرف ما أطلعه الله عليه من أسرار غيبه، كما تقول الآيتان (26) و (27) من سورة الجن (عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول فإنّه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً).

وأساساً، فإنّ كمال مقام القيادة لا سيما إذا كان الهدف قيادة العالم بأسره، وفي جميع المجالات الماديّة والمعنوية، هو الاحاطة الواسعة بالكثير من المسائل الخفية عن سائر الناس، لا المعرفة بأحكام الله وقوانينه فحسب، بل المعرفة بأسرار عالم الوجود، والبناء البشري، وقسم من حوادث المستقبل والماضي، فهذا القسم من العلم يطلعه الله على رسله، وإذا لم يطلعهم عليه لم تكمل قيادتهم!... وبتعبير آخر: إنّ احاديث الأنبياء والرسل وسيرتهم ستكون محدودة بظروف عصرهم ومحيطهم، لكن عندما يكونون عارفين بهذا القسم من أسرار الغيب فسيقومون ببناء حضارة على مستوى الأجيال القادمة، فتكون مناهجهم صالحة لمختلف الظروف والمتغيّرات...
تعليقات