ما هو الفرق بين القاعدة الفقهية والأُصولية

ما هو معنى القاعدة؟ وما هو الفرق بين القاعدة الفقهية والأُصولية التي نحن بصددها؟

معنى القاعدة
القاعدة لغة هي الأصل والأساس، كما ذكرت ذلك كتب اللغة (فراجع).
وأمّا اصطلاحاً ـ (كما ذكر في اللغة والفقه والأُصول ـ فهي الكلي الذي ينطبق على جزئياته، فقال في (المصباح): وكذا (المنجد)، واللفظ للأوّل و(القاعدة في الاصطلاح بمعنى الضابط وهي الأمر الكلي المنطبق على جميع جزئياته)(١).

وقال فخر المحققين في (إيضاح الفوائد): (والقواعد جمع قاعدة، وهي أمر كلي يبنى عليه غيره ويستفاد حكم غيره منه، فهي كالكلي لجزئياته والأصل لفروعه)(٢).
وهذا الأمر الكلي المنطبق على جزئياته هو المراد من قول علماء الأُصول في تعريف علم الأُصول، حيث قالوا: هو العلم بالقواعد المُمهِدة لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية. أو العلم بالقواعد التي تقع بنفسها في طريق استنباط الأحكام الشرعية الكلّية الإلهية.
وقال السيد مير علي في حاشيته على (القوانين): (القاعدة عبارة عن قضية كلّية يعرف منها أحكام جزئيّات موضوعها)(٣).
إذن تبين:
١ ـ أن الضابطة والقاعدة بحسب الاصطلاح لفظان مترادفان لمفهوم واحد.
٢ ـ المناط في القاعدة كونها أمراً كلياً ينطبق على مصاديق متعددة ويتفرع عليها فروعات متفاوتة، ولا فرق في ذلك بين كونها جارية في باب واحد أو أبواب متعددة.
٣ ـ إذن التفرقة بين الضابطة والقاعدة بكون الأُولى ممّا تجري في باب واحدٍ والثانية
ممّا تجري في أبواب متعددة، هو اصطلاح مُستحدَث غير موافق لما اصطُلح عليه في الأصول والفقه.

ما هو الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأُصوليّة؟(٤)
ذكر السيد الإمام الخميني ـ قدّس سرّه ـ الفرق فقال: القاعدة الأُصولية: هي القاعدة الآليّة التي يمكن أن تقع كبرى استنتاج الأحكام الكلية الإلهية أو الوظيفة العملية، فالمراد بالآلية ما لا ينظر فيها، بل ينظر بها فقط، ولا يكون لها شأن إلاّ ذلك.
وأما القاعدة الفقهية، فهي نفسها حكم كلّي إلهي تثبت بها أحكام كلّية أُخرى وتكون منظوراً فيها، فقاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده هي قاعدة كلّية شرعية يكون مفادها كون تلك العقود موجبة للضمان، وواضح أنه يكون إيجاب الضمان حكماً منظوراً فيه، كما أنه حكم كلي تثبت به أحكام كلية اُخر منظور فيها لكل واحد من العقود الفاسدة الكذائية(٥).
أقول: إن هذا الفرق بين القاعدة الأُصولية والفقهية هو فارق أساسي وكلي بين حقيقتي القاعدتين، ولكن هذا الفرق الكلي هو فرق بينهما حقيقة وثبوتاً.
أما الفرق بين القاعدتين إثباتاً وفي مقام التطبيق فقد تصدى له جملة من الأعاظم:
١ ـ ما ذكره الشيخ النائيني ـ قدّس سرّه ـ فقال: إن القاعدة الفقهية تقدّم لنا من خلال تطبيقها أحكاماً جزئيّة، بخلاف المسألة الاُصولية فإنها تقدم لنا أحكاماً كلية. مثال ذلك: قاعدة الطهارة فإنه بتطبيقها على مواردها نستفيد أن هذا الماء طاهر وذاك الثوب طاهر وما شاكل ذلك، وهذه أحكام جزئية خاصة بموارد معينة، بينما نستفيد من خلال تطبيق مسألة ـ قاعدة ـ (حجية خبر الواحد): إن العصير العنبي الكلّي إذا غلى حرُم؛ لأن هذا العصير أو ذاك العصير الخاص يحرم إذا غلى.
ثم بيّن بأن القاعدة الفقهية قد تُقدم لنا حكماً كلياً أيضاً في الموضوع الكلي، كما لو شككنا في طهارة الفأرة أو الوزغ أو الأرنب وما شاكل ذلك فإنه نحكم بالطهارة لقاعدة الطهارة، والحكم بالطهارة في مثل ذلك ـ كما هو واضح ـ كلي إذ نظر إلى هذه الفأرة بخصوصها أو تلك، بل إلى الفأرة بشكل عام، وهكذا الحال في باقي الأمثلة.
ثم قال: ومع هذا يبقى المائز بين القاعدة الفقهية والمسألة الأُصولية محفوظاً؛ وذلك بأن نقول هكذا: إن القاعدة الفقهية قد تعطينا حكماً جزئياً ـ وهو الغالب ـ وقد تعطينا حكماً كلياً وهو نادر، وهذا بخلافه في المسألة الاُصولية فإنها لا تعطينا إلاّ حكماً كلياً.
قال المحقق النائيني ـ قدّس سرّه ـ: (ثم إن المائز بين المسألة الاُصولية والقاعدة الفقهية بعد اشتراكهما في أن كلاً منها يقع كبرى لقياس الاستنباط هو أن المُستنتَج من المسألة الأُصولية لا يكون إلاّ حكماً كلياً، بخلاف المُستنتَج من القاعدة الفقهية، فأنه يكون حكماً جزئياً وإن صلحت في بعض الموارد لاستنتاج الحكم الكلي أيضاً، إلاّ أن صلاحيتها لاستنتاج الحكم الجزئي هو المائز بينها وبين المسألة الاُصولية، حيث إنها لا تصلح إلاّ لاستنتاج حكم كلي)(٦).
٢ ـ ما ذكره السيد الخوئي ـ قدّس سرّه ـ من أن القاعدة الفقهية تشتمل على حكم شرعي عام يستفاد من تطبيقها الحصول على أحكامٍ شرعية جزئية هي مصاديق لذلك الحكم العام، بينما المسألة الأُصولية قاعدة تستبطن حكماً عاماً يستفاد منها استنباط أحكام شرعية كلية مغايرة لذلك الحكم العام.
مثال ذلك: قاعدة الطهارة التي هي قاعدة فقهية تنص على أن كلّ شيء يُشك في نجاسته فهو محكوم بالطهارة أنها قاعدة تتضمن حكماً شرعياً عاماً، وإذا طبّقناها على مواردها لم نحصل على أحكام اُخرى تغاير مضمونها، بل نحصل على أحكام تتفق ومضمونها إلاّ أنها أضيق منها، فإذا كان عندنا ملابس نشك في نجاستها فمن خلال تطبيق القاعدة عليها نحكم بأنها طاهرة، والحكم بالطهارة على الملابس المشكوك نجاستها هو بنفسه مضمون قاعدة الطهارة إلا أنه أضيق وخاص بالملابس.
وهذا بخلاف مسألة ـ قاعدة ـ (حجية خبر الثقة) التي هي مسألة اُصولية؛ فأنه من خلال تطبيقها نستفيد حرمة العصير العنبي إذا غلى فيما إذا دلّ خبر الثقة على ذلك، والحرمة المذكورة ليست مصداقاً لمضمون حجية خبر الثقة، بل هما شيئان متغايران تمام التغاير إلاّ أن أحدهما يُستنبط منه الثاني.
إذن القاعدة الفقهية حكم شرعي عام يُستفاد من خلال تطبيقها أحكام شرعية جزئية هي مصاديق لذلك الحكم العام، بخلاف المسألة الاُصولية فإن ما نحصل عليه منها هي أحكام شرعية مغايرة لذلك الحكم العام.
وبعبارة أُخرى: القاعدة الفقهية يُستفاد منها في مجال التطبيق على مصاديقها، بينما المسألة الاُصولية يُستفاد منها في مجال الاستنباط(٧).
٣ ـ ما ذكره الشهيد الصدر ـ قدّس سرّه ـ من أن المسألة الاُصولية هي العنصر المشترك في الاستدلال الفقهي والتي يستعملها الفقيه كدليل على الجعل الشرعي الكلي، كمسألة حجية خبر الثقة مثلاً، فإن الفقيه يستفيد منها في مقام الاستدلال في مختلف أبواب الفقه ولا تختص الاستفادة منها بباب دون آخر. كما أن المستفاد منها هو الحكم الشرعي الكلي دون الحكم الجزئي.
أما القاعدة الفقهية فهي، إمّا أن يُستفاد منها حكم جزئي لا كلي، أو أنها عنصر خاص ببعض أبواب الفقه وليس مشتركاً.
مثال الأوّل: قاعدة الفراغ حيث إن المستفاد من خلال تطبيقها صحة هذه الصلاة التي شُك في صحتها بعد الفراغ، أو صحة تلك الصلاة التي شُك في صحتها بعد الفراغ، ولا يُستفاد من تطبيقها حكم كلي.
مثال الثاني: قاعدة الطهارة فأنه وإن استُنبط منها حكم كلي أحياناً إلاّ أنها تختص ببعض أبواب الفقه وهو باب الطهارة، ولا يستفاد منها في مجالات أُخرى(٨).
أقول: إن الأعلام الثلاثة (النائيني والخوئي والصدر) عبّروا عن القاعدة الفقهية بالقاعدة ولكن لم يعبّروا عن القاعدة الاُصولية بالقاعدة، بل عبّروا عنها بالمسألة، فهل هناك نكتة لذلك؟
الجواب: لا داعي لهذا التحفظ فأن كلّ مسألة اُصولية يُستنتج منها حكم فقهي كلّي فهي قاعدة، كما عبرنا عن المسألة الفقهية التي يستفاد منها حكم كلي غير مشترك أو حكم جزئي بالقاعدة.


القواعد الأصولية
________________________
(١) المصباح المنير: ٥١٠ ـ قعد. وكذا راجع المنجد: ٦٤٣ ـ قعد.
(٢) إيضاح الفوائد ١: ٨.
(٣) قوانين الاُصول ١: ٥.
(٤) مع أن كلاً منهما يقع كبرى الاستنباط، مثلاً يقال: زيد شك بين الثلاث والأربع، وكلّ من شك بين الثلاث والأربع يبني على الأربع، إذن زيد يبني على الأربع. وكذا يقال: زيد كان على يقين من وضوئه فشك، وكلّ من كان على يقين من وضوئه فشك يبني على اليقين، إذن زيد يبني على اليقين (استصحاب).
(٥) مناهج الوصول ١: ٥١.
(٦) فوائد الاُصول ١: ١٩.
(٧) راجع المحاضرات ١: ٨.
(٨) راجع بحوث في علم الاُصول ١: ٢٤ ـ ٢٦.
تعليقات