أوّلاً: لم يثبت أنّ أوّل من أسلم هو أبو بكر، بل الوارد في روايات كثيرة تعسر عن الحصر خلاف ذلك!
منها:
ما رواه الطبري في تاريخه بسندٍ صحيح: ((عن ابن سعد، قال: قلت لأبي: أكان
أبو بكر أوّلكم إسلاماً؟ قال: لا. ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين، ولكن كان
أفضلنا إسلاماً))(1).
وهذا يعني أنّه أسلم بعد فترة
الدعوة السرّية التي استمرّت ثلاث سنوات على أقلّ التقادير، وانتهت بالخروج
من دار الأرقم، فإنّ المسلمين كانوا أربعين في ذلك الوقت، وبالتالي لم يكن
أوّل من أسلم حتّى من الرجال كما يدّعون!
والمتابع
لذكر المناقب والفضائل التي صرّح بها عمر في ترشيحه لأبي بكر في بيعة
السقيفة، أنّه لم يذكر هذه المنقبة! فإنّها لو كانت صحيحة وواقعية لكان
الاحتجاج بها أمضى من السكّين في الجزور، إلاّ أنّها لم تذكر، ولم يُشر
إليها، لعدم واقعيّتها ووجودها.
ثمّ إنّه لا يهم عند الدخول في
الإسلام كون الداخل شيخاً كان أم كهلاً أو شاباً، فإنّ ذلك لا تأثير له،
وإنّما الغاية بالسبق لا بالعمر.
ثانياً:
حتّى لو سُلّم أنّه أوّل من أسلم من الشيوخ أو الرجال، فإنّ الأُمور
بخواتيمها، وأن لا يلبس الإنسان إيمانه بظلم، ونحن نعتقد أنّ قبوله لتسنّم
منصب الخلافة مع وجود النصّ من الله تعالى ورسوله (صلّى الله عليه وآله) على
عليّ (عليه السلام) ظلم لنفسه ، وللدين وللمسلمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تاريخ الطبري 2: 60 ذكر من قال أنّه أسلم قبل أبي بكر جماعة .
ولو قلت :
ألا تعتبر سابقة أبي بكر في الإسلام ، وهجرته مع النبيّ (صلّى الله عليه وسلّم)، ونزول آية على ذلك، دليلاً على إيمانه؟
قلنا :
أوّلاً:
لم يثبت تقدّم إسلام أبي بكر على غيره كما يزعم ذلك أتباعه من أهل
السُنّة! فالثابت عندنا وعند كثير من المخالفين أنّ أمير المؤمنين(عليه
السلام) هو أوّل الصحابة إسلاماً(1).
ففي الحديث
الصحيح أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله) قال لفاطمة(عليها السلام): (أو
ما ترضين أنّي زوّجتك أقدم أُمّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً)(2).
ونقل
عنه(عليه السلام) أقوال كثيرة في أنّه(عليه السلام) أوّل من أسلم، وأوّل
من صلّى؛ منها: قوله(عليه السلام): (أنا الصدّيق الأكبر، آمنت قبل أن يؤمن
أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم)(3).
وقد ورد عن سعد بن أبي وقّاص: أنّ أبا بكر أسلم بعد أكثر من خمسين(4)، ومنه يعرف أنّه لم يكن من السابقين.
ثانياً:
أمّا نزول آية الغار، فإنّ المعنيّ بها رسول الله(صلّى الله عليه وآله)،
لأنّ الضمائر كلّها تعود عليه، حتّى عندما يأتي ذكر (صاحبه) فيها، فإنّ
ذكره - لو كان المقصود أبو بكر - كان مبهماً، وإنّما عرّفه بالإضافة إلى
رسول الله(صلّى الله عليه وآله) كونه معه في الغار، والمداليل المفهومة من
الآية لا تدلّ على إثبات إيمان الصاحب، أو فضله، أو تفضيله، بل التأمّل
فيها لا يثبت أكثر من أنّ أبا بكر كان مجرّد صاحب طريق للنبيّ(صلّى الله
عليه وآله)، وأنّه كان خائفاً على نفسه.
ونزول السكينة كان على
النبيّ(صلّى الله عليه وآله) دونه، ونهي النبيّ(صلّى الله عليه وآله) له عن
الحزن دليل على أنّ حزنه لم يكن لأجل النبيّ(صلّى الله عليه وآله)، وإلاّ
لما نهاه (صلّى الله عليه وآله).
إذ أنّ الحزن على النبيّ(صلّى
الله عليه وآله)، أو على أمر الدين أمر راجح شرعاً، فالنهي عنه نهي عن
الراجح المستحبّ، والنبيّ(صلّى الله عليه وآله) لا ينهى عن الخير أو
الطاعة، فثبت أنّ حزنه لم يكن لأمر الدين، فلم يبق إلاّ حزنه على نفسه.
ولقد
أجاد الشيخ المفيد (رحمه الله) في جواب استدلالهم بهذه الآية، والذي
أوردناه مع تفصيل منّا ضمن الأجوبة التي حملت العناوين التالية: (أبو بكر/
هل تعدّ المعية فضيلة، وصحبته للنبيّ(صلّى الله عليه وآله) لم تكن بطلب
منه، الصحبة لا تعدّ فضيلة له، وعلّة اصطحاب النبيّ(صلّى الله عليه وآله)
له في الهجرة، والسكينة لم تنزل عليه)، وغيرها.
ودمتم في رعاية الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإصابة 4: 464 (5704).
(2)
مسند أحمد بن حنبل 5: 26 حديث معقل بن يسار، المصنّف لعبد الرزّاق 5: 490
الحديث (9783) تزويج فاطمة، المصنّف، لابن أبي شيبة 7: 505 الحديث (68)
فضائل عليّ بن أبي طالب، شواهد التنزيل لقواعد التفضيل 1: 108 الحديث
(122)، تاريخ مدينة دمشق 42: 132 ترجمة الإمام عليّ.
(3) الآحاد
والمثاني، لابن أبي عاصم الضحّاك 1: 151 الحديث (186)، شرح نهج البلاغة،
لابن أبي الحديد 4: 122 (56) فصل فيما قيل من سبق عليّ إلى الإسلام، و 13:
200 (238) ذكر ما كان من صلة عليّ برسول الله في صغره، أنساب الأشراف 2:
146 الحديث (146) ترجمة أمير المؤمنين(عليه السلام)، المعارف: 169 أخبار
أبي بكر الصدّيق، الرياض النضرة 3: 110 الباب الرابع في مناقب أمير
المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
(4) تاريخ الطبري 2: 60 ذكر من قال أنّه أسلم قبل أبي بكر جماعة.
مركز الابحاث العقائدية