في من نزلت آية التطهير مع الادلة والمصادر

السؤال :


بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وآله الأطهار، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد.
أُريد أن أستعلم منكم عن شيء مهم جداً، وهو خاص بآية التطهير، فآية التطهير وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ﴾ في سورة الأحزاب، جاء قبلها وبعدها آيات تخاطب نساء النبيّ وأزواجه(صلّى الله عليه وآله)، وكمثل ما عوّدتمونا أن نتدبّر آيات القرآن، فهل هذا يدلّ على أنّ أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله) من (أهل البيت)؟
على الرغم من ذلك وجدت في كتب أهل السُنّة، وفي صحيح البخاري حديث نبوي معناه: أنّ أهل البيت هم: النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وفاطمة والحسن والحسين ومولانا أمير المؤمنين(عليهم السلام).



الجواب :

مركز الابحاث العقائدية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نقول: ممّا أجمع عليه أهل النقل من المسلمين كافّة أنّ آية التطهير قد نزلت لوحدها منفردة دون ما قبلها وما بعدها، وهذا شيء متّفق عليه(1), فمن هنا يبطل القول بأنّها نازلة في خصوص النساء؛ لورود سبب نزول صحيح عند الجميع، وهو: أنّها نزلت في أصحاب الكساء(عليهم السلام).
وكذلك يبطل القول بأنّها نازلة في الاثنين معاً: النساء وأصحاب الكساء(عليهم السلام)؛ لعدم ذكرهنّ في سبب النزول, وعدم إدخال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمّ سلمة مع طلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها وعظمتها التي لا تنكر.
وأمّا من يحتجّ على دخول النساء بمسألة السياق, فالسياق لا يُستدلّ به مع ورود سبب نزول بخلافه.
وكذلك فإنّ السياق قد هُدم بمجيء ضمير التذكير خلافاً لما قبلها ولما بعدها, فيكون الخطاب حينئذ غير متوجّه لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطعاً، مهما كانت تأويلاتهم لضمير التذكير في ﴿ عَنكُمُ ﴾, ﴿ وَيُطَهِّرَكُم ﴾, فلو أراد الله تعالى إبقاء السياق في الكلام مع النساء لَما أعرض عن ضمير التأنيث إلى التذكير؛ فإنّ ذلك يهدم السياق ويوهم السامع.
وعلى كلّ حال فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يبيّن سبب النزول حتى تعرف الأُمّة المراد؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِم ﴾ (النحل:44), فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضّح نزول آية التطهير لوحدها دون ما قبلها وما بعدها, وكذلك بيّن حصر أهل البيت المقصودين في آية التطهير، قولاً وفعلاً، بحصرهم في الكساء وقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي...)، كما خصّهم الله تعالى بذلك بقوله: ﴿ إِنَّمَا ﴾.
ونكتفي لتأكيد قولنا هذا، بقول أبي المحاسن الحنفي في كتابه (معتصر المختصر)، وهو من علماء السُنّة؛ إذ قال فيه: ((والكلام لخطاب أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تم إلى قوله: ﴿ وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ ﴾ (الأحزاب:33), وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ ﴾ استئناف تشريفاً لأهل البيت وترفيعاًَ لمقدارهم؛ ألا ترى أنّه جاء على خطاب المذكر فقال: ﴿ عَنكُمُ ﴾ ولم يقل: (عنكن)؟! فلا حجّة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية..
يدلّ عليه: ما روي أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمة فقال: (السلام عليكم أهل البيت، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً )))(2). انتهى كلامه؛ فإنّه كلام حقّ قلَّ من نطق به.
وأخيراً، فلعلّ وضع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذه الآية وسط آيات خطاب الله تعالى ورسوله لنساءه (قبلها وبعدها)، إنّما كان للتمييز فيما بين نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام)، المتماثلين بالقرب منه، والصلة به، والملاصقة له(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
فنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد طُلب منهنّ الالتزام بأوامر الله تعالى، والحذر من مخالفتها؛ فإنّهن لسن كغيرهنّ من النساء، فيجب عليهنّ الالتزام أكثر من غيرهنّ, لأنّهنّ لا يمثّلن أنفسهنّ فحسب، وإنّما ينتمين إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويُحسبن عليه, فيجب عليهنّ عدم الإساءة إليه بتصرفاتهنّ غير المسؤولة..
فقد قال الله تعالى: ﴿ وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ ﴾ (الأحزاب:34)، أي: تذكّرن وانتبهن للتعاليم التي خرجت إلى الناس من بيوتكنّ، فأنتنّ أولى بتذكّرها وذكرها, وذلك بعد تخييرهنّ واختيارهنّ الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم), فكأنّ تلك الآيات الشريفة شروط وخطوط يبيّنها الله تعالى لهنّ، وأوجبها عليهن.
أمّا الخطاب الذي ذكر أهل البيت(عليهم السلام) فكان خطاباً يختلف عن ذلك الخطاب المتوجّه إلى نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فأهل البيت(عليهم السلام) ذكروا في هذه الآية مدحاً، ورفعاً لشأنهم، كما قال أبو المحاسن، ودون قيد أو شرط, فيكون ذكر شطري قرابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبيان حالهم والتمييز بينهم.
وبيان حالهم نكتة لطيفة من الله تعالى في جمعهم بمكان واحد؛ فقد يساء لأهل البيت(عليهم السلام) بالفهم الخاطئ بسبب التنديد الوارد في النساء ومطالبتهنّ بالإلتزام وتذكّر أحكام الله، وعدم إيذاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتضييق عليه، فيدخلهم في ذلك التخيير من الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه يشملهم وأنّهم مطالبون بتذكر آيات الله وعدم مخالفتها, فلذا جيئ بهذه الجملة المعترضة والآية الكريمة في وسط ذلك الجو لينزه أهل البيت(عليهم السلام) عن ذلك العتاب وذلك الإلزام وتلك الشروط, ويدفع ذلك التوهم بمدحهم مدحاً عظيماً مؤكداً ومخصصاًً لهم بذلك الفضل دون من سواهم, والله العالم.
وأمّا ما ذكرته عن البخاري، فغير دقيق؛ لأنّ البخاري لم يروِ حديث الكساء، وإنّما رواه مسلم.
ودمت في رعاية الله
(1) انظر: مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، صحيح مسلم 7: 130 باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الترمذي 5: 30 سورة الأحزاب، المستدرك على الصحيحين 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، السنن الكبرى للبيهقي 2: 149 باب (أهل بيته الذين هم آله).
ولفط رواية أحمد: ((حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن نمير، قال: ثنا عبد الملك، يعنى: ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أُمّ سلمة تذكر أنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلت بها عليه، فقال لها: ادعى زوجك وابنيك. قالت: فجاء عليّ والحسين والحسن فدخلوا عليه، فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري، قالت: وأنا أُصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، قالت: فأخذ فضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: (اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً). قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟ قال: (إنّك إلى خير، إنّك إلى خير))).
(2) معتصر المختصر 2: 267، في باب أهل البيت.

 تعقيب على الجواب :

ابو خديجة السوري / سوريا

بسم الله وله الحمد، والصلاة والسلام على النبيّ المصطفى محمّد وآل بيته الطيّبين الطاهرين، موضع سرّه وعيبة علمه، وغاية منّه وطوله، فله الحمد بما منّ وتفضّل على عباده المؤمنين.
اللّهمّ عجّل لوليّك الفرج، وسهّل له المخرج، وارزقنا شفاعته وخيره ودعاءه.
إنّ ورود هذه الآية في القرآن الكريم ضمن آيات تتعلّق بزوجات الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أدّى لكثير من التأويل في دلالاتها من قبل علماء العامّة؛ فمنهم من قال: بخصوصيتها بزوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومنهم من قال: بل تشمل الآية الكريمة رسول الله وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، ومنهم من ذهب أبعد من ذلك بقوله: أنّها تشمل بالإضافة لزوجاته عليه الصلاة والسلام وعليّ وفاطمة والحسنان(عليهم السلام)، كلّ قرابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلمّ) من بني هاشم، رجماً بالغيب، خلافاً للحقّ والمنطق، ومخالفة لسُنّة النبيّ الأعظم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الصحيحة المتواترة مع ادّعائهم التمسك بالسُنّة، ولذا أطلقوا على أنفسهم: أهل السُنّة والجماعة.
ولاشكّ في أنّ القارئ المنصف لهذه الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة والواردة في كتب أهل السُنّة والجماعة، يجد أنّ هناك عناية خاصّة من قبل رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بيان مَن هم أهل البيت المقصودين في هذه الآية الكريمة، درءاً للخلاف ومنعاً للتأويل، والقول بالرأي الشاذ والتعصّبات المنحرفة التي أدّت لهوان أهلها ووقوعهم في الفتن، فضلّ من تبعها إلى يوم الدين، ولم يفهم ما جاء به الرسول الأكرم(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذه الأحاديث الشريفة سوى أتباع مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فأشاعوا هذا الفهم ونادوا به، فاصطدموا بفهم المخالفين ونصب الناصبين الذين أبوا إلاّ أن يكذبوا قول رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ويكذّبوا أمّهات المؤمنين اللاتي روين الحديث، ويكذّبوا صحاحهم ورواتهم.
فواعجبي ممّن هانت عليه نفسه، وأغلق عقله، وصغى قلبه عن الحقّ، فضلّ وغوى، وفي جرفٍ هارٍ هوى!
وقد بيّن أئمّتنا(عليهم السلام) وعلماؤنا المتقدّمون والمتأخّرون رضوان الله عليهم أجمعين، أنّ الآية إنّما تختصّ بالخمسة أصحاب الكساء، وهم: فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها، صلوات الله عليهم أجمعين، وجاؤوا بأدلّة كثيرة كافية وافية لمن أراد معرفة الحقّ.
وأسأل الله التوفيق والقبول فيما أقول في الردّ على المخالفين في قولهم: أنّ الآية الشريفة تشمل زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم):
أخي المسلم المنصف! كلّنا يعلم أنّ سورة الأحزاب المباركة نزلت قبل وفاة الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بسنوات عديدة، ولو أنّ الآية الكريمة موضوع البحث تشمل زوجات النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، فهذا يعني أنّ الله عزّ وجلّ قد دفع عنهنّ الذنوب، فكنّ ممّن اختار وحفظ وصان بأمر إلهي، لا يجوز لأحد من البشر أن يخرق هذا الحجاب الإلهي والأمر الربّاني، وإن كان الأمر كذلك فما كان لرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يخالف أمر ربّه (والعياذ بالله) في طهارة زوجاته الواردة في الآية كما تزعمون، عندما وصفهنّ بـ(صويحبات يوسف) في مرض وفاته (تنزّه عن ذلك) صلوات الله عليه.
إلاّ أن تقولوا كما قال سلفكم: ((إنّه يهجر))! أو: ((اجتهد فأخطأ)) - سبحان الله عمّا تصفون - فله أجر! كما هو شأنكم في تبرير ضلالات وانحرافات أئمّتكم.
وأنت تعلم أخي المسلم من هنّ صويحبات يوسف(عليه السلام)، تلكم النسوة الغاويات اللاتي مُلئت قلوبهن وعقولهن الشهوة الضالّة، ففتنّ بجمال يوسف(عليه السلام) وراودنه عن نفسه، فكنّ مثلاً للذنب والرجس، حيث قطّعن أيديهنّ شغفاً عندما ظهر بينهنّ يوسف(عليه السلام)، لجماله وطلعته البهيّة.
فهل تحتوي صحاحكم على الكذب؟
ولا تعجل أخي المسلم فتستنكر هذا القول، وتبدأ كعادتك في تكذيب الخبر والشتم، فتحمّل نفسك ما لا تطيقه من الذنوب والآثام، فإليك مصادر هذا الحديث ونصّه من أصحّ كتب الحديث لديكم:
- صحيح البخاري (باب الرجل يأتمّ بالإمام ويأتمّ الناس بالمأموم).
- صحيح البخاري (باب أهل العلم والفضل أحقّ بالإمامة).
- صحيح مسلم ، بشرح النووي.
- صحيح الترمذي (باب مناقب أبي بكر).
- (مسند أحمد).
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين، اللّهمّ تقبّل منّا، واقبلنا، واجعلنا من أتباع الحقّ وأهله، وثبّتنا عليه،
اللّهمّ صلّ على نبيّ الهدى محمّد وآل بيته الطيّبين الطاهرين.
تعليقات