ما هي العبادة ؟

ما هي العبادة ؟ 
منتظر الاعرجي 

المقدمة :
تعد مشاعر العبادة من اقدم وادوم تجليات النفس الإنسانية و أحد اكثر آفاقها أصالة  ويستدل من دراسة اثار الحياة الإنسانية على وجود العبادة حيثما وجد الانسان . 

والذي يتفاوت هو كيفية العبادة وطبيعة المعبود فمن حيث الكيفية تتباين العبادة ابتدآءً من الرقص و الطقوس الجماعية الرتيبة التي ترافقها سلسلة من الأذكار و الأوراد وانتهاءً باسمى صور الخضوع و الخشوع وارفع أنماط الذكر و الثناء . 
(( وَ ما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَ تَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ )) الانفال ٣٥ 
اما من حيث طبيعة المعبود فقد تباين إبتداءً من الحجر والخشب وحتى الذات الأزلية الابدية المنزهة من الزمان و المكان .
((فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى‏ كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ *   فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بازِغَةً قالَ هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ *إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ حَنِيفاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ))
 الانعام ٧٦ - ٧٩ 
لم يبتدع الأنبياء العبادة و لم ياتوا بها من عندهم بل انهم عَلمّوا الانسان كيفية العبادة - اي نوع الأدب و الاعمال التي ينبغي ان تتم بها العبادة - و نهوا عن عبادة غير الله الواحد الاحد . 
حيث ان عبادة الذات المقدسة هي افضل وسيلة بامكانها ان تروض هذه العواطف و الميول و الرغبات و الشهوات كما انها هي التي يمكنها ان ترتقي بهذه العواطف و المشاعر في مدارج الكمال و تحولها الى طاقة تكاملية في حركة الانسان وأفضل انواع العبادة هو جهاد النفس - وسوف نشرح جهاد النفس ان شاء الله في بحث انواع العبادات - وعدم الانسياق مع الاهواء و الرغبات و الميول النفسية .
((  وَ أَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى‏ *فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى‏ )) النازعات ٤٠ - ٤١ 
ومن هنا كانت العبادة وكان العمل بما امر الله تعالى من تكامل الإيمان وثباته بحيث لا يكمل إيمان المؤمن الا بهذه العبادة وهذه الاعمال لانها هي التي توصله الى الله و الى الكمالات الإلهية  و الى الأهداف المقدسة و بدون العبادة و العمل يتسافل هذا الانسان ويتراجع حتى يتحول الى النفاق او الكفر - نعوذ بالله - 
ففي رواية معتبرة عن الامام الصادق - ع - قال : ( الإيمان لا يكون الا بعمل و العمل منه - اي من الإيمان - ولا يثبت الإيمان الا بالعمل ) 
وفي رواية اخرى عنه - ع - قال : ( من أقر بدين الله فهو مسلم ومن عمل بما امر الله فهو مؤمن ) 

تعريف العبادة :
و لتعريف العبادة نذكر مقدمتين ليتضح لنا معنى العبادة
المقدمة الاولى :
العبادة اما لفظية و اما عملية

اللفظية : هي عبارة عن سلسلة من العبادات و الأذكار التي تجري على ألسنتنا كقراءة القران و التسبيح و التقديس وأذكار الحج وأذكار الركوع و السجود . 
و العملية : فهي من قبيل الركوع و السجود و الوقوف بعرفات و الطواف و الصوم وزيارت المريض . 

وغالباً ما تشتمل العبادة على قسم لفظي وآخر عملي مثل الصلاة والحج وغيره كثير .

المقدمة الثانية:
 اعمال الانسان على قسمين .

اما ان تكون مجردة عن القصد الخاص ولا يؤدى كدلالة على شيء اخر وإنما يؤدى لأجل معطياته الطبيعية و التكوينية مثل المزارع عندما يزرع لا يريد الزرع نفسه و إنما يريد معطياته الطبيعية من الحبوب و الثمار وكذلك الخياط و السائق فكل هذه الاعمال الانسان لا يؤديها باعتبارها دلالة او مؤشر على سلسلة من الأحاسيس .

و اما ان تكون عن قصد و تؤدى باعتبارها دلالة على سلسلة من المقاصد و للتعبير عن نوع من المشاعر مثل لو هز احد رأسه دلالة على التصديق او السكوت عند البنت في الخطوبة دلالة على الرضى او الجلوس في نهاية المجلس دلالة على التواضع -عند من هو حقه صدر المجلس - او الانحناء لشخص من باب التقدير و التكريم العالي .
ومعظم اعمال الانسان من النوع الاول وقلما تكون من النوع الثاني .

ومن هاتين المقدمتين عرف العلماء العبادة عدة تعاريف  نذكر اربعه منها 

اولاً العبادة : هي عمل ذو معنى يؤديه الانسان للتعبير عن حقيقة او عدة حقائق . 
ثانياً العبادة : هي سير العبد من الخلق نحو الخالق . 
ثالثاً العبادة : هي الخضوع المطلق . 
رابعاً العبادة : هي فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لخالقه . 

وكل التعاريف تؤدي الى معنى واحد 
تعليقات