كثرت المشاكل والشبهات والاوهام حول قضية حقوق المرأة في الاسلام، وخصوصا بعد ان صار الاتصال سهلا في الغرب فبدأ المجتمع العربي يقلد بعضاً من عادات وتقاليد الغرب، وبدأت صيحات الدفاع عن حقوق المرأة من المنظمات والجمعيات والمؤسسات الثقافية، إلا انهم لو يرجعون الى الاسلام الحقيقي لما وجدوا اي ظلم للمرأة، وأما هذا القانون الوضعي الموجود في المجتمعات فهو خلاف منهج الإسلام وأهل البيت (عليهم السلام)، لذلك قررنا في شيعة ويب فتح قسم خاص أسميناه (حقوق المرأة) لرد الشبهات وبيان مؤقف الاسلام في قضايا المرأة.
وأرجو من القرّاء المحترمين قبل الدخول في هذه المسائل أن يطلعوا إلى هذه النقاط التي كتبها الشهيد مطهري في كتابه نظام حقوق المرأة في الاسلام:
1 - المشكلة العالمية للعلاقات الأُسرية (العائلية)
إنّ مشكلة العلاقات الأُسرية في عصرنا الحاضر ليست من السهولة والبساطة بحيث تحل بملء بطاقات (القسائم) من قِبَل الأولاد والبنات، أو عقد الندوات من النوع الذي رأينا وسمعنا واطلعنا على مستواه الفكري، ولم تحلها بلادنا خاصة، ولا حلّها الآخرون ولا ادعوا حلّها حلاًّ واقعياً. يقول (ويل ديورانت) الفيلسوف وكاتب تاريخ الحضارة المعروف: (لو فرضنا أنّنا الآن في عام ألفين ميلادي وأردنا أن نعرف ما هو أعظم حدث وقع في الربع الأوّل من القرن العشرين. فسنرى أنّ هذا الحدث لم يكن الثورة الروسية، بل هو هذا التغيّر في وضع المرأة، فإنّ التاريخ قلّما شهد تغييراً مثيراً بهذه الدرجة وفي مثل هذه المدّة القصيرة، وقد شمل هذا التغيير البيت المقدّس الذي كان أساس نظامنا الاجتماعي وقاعدة الحياة الزوجية الواقي من اتباع الشهوات وتزلزل وضع الإنسان والقانون الأخلاقي الذي أخرجنا من الوحشية إلى الحضارة، وآداب المعاشرة، كل ذلك طالته هذه النقلة المضطربة التي شملت كل عادات وصور حياتنا وتفكيرنا).
والآن ونحن في الربع الثالث من القرن العشرين، تصل إلى آذاننا أكثر من ذي قبل، آهات المفكّرين الغربيين من تفكّك الأُسرة وضعف أُسس الزواج.... من تخلّي الشبّان عن قبول مسؤولية الزواج.... من النفور الأُمومة.... من تقلّص علاقة الأبوين وعلى الأخص علاقة الأُم بالأطفال... من تبذّل المرأة وحلول الهوى الطارئ محلّ الحب.... من ازدياد الطلاق المستمر.... من الزيادة المقرفة للأطفال غير الشرعيين، ومن ندرة وجود الإخلاص بين الزوجين.
هل نستقل أم نقلّد الغرب؟!
ممّا يؤسف له أنّ مجموعة من الجهلاء يتصوّرون أنّ الأُمور المتعلّقة بروابط الأُسرة، تشبه الأُمور المتعلّقة بتنظيم المرور، وسيّارات الأُجرة والسيارات العامّة لنقل الركاب، ومد أنابيب الماء والكهرباء والتي كانت قد حلّت عند الأوروبيين منذ سنوات على أحسن ما يُرام، وإنّنا لا نملك الأهلية واللياقة لوضع الحلول، ويجب علينا اتباع أُولئك بأسرع ما يمكن.
هذا وهم محض، فالغربيون في هذه الأُمور أعجز منّا وأكثر تورّطاً، وصيحات عقلائهم أعلى من صيحاتنا، ففيما عدا مسألة تعليم المرأة، نجدهم في باقي المسائل أعجز منّا، وقلّما يتمتّعون بالسعادة في بيوتهم.
الحتميّة التاريخية
والبعض الآخر لهم تصوّر آخر؛ فهم يرون أنّ ضعف نظام الأُسرة وسريان الفساد إليها ناتج عن تحرّر المرأة. وتحرّر المرأة هو نتيجة حتمية للحياة الصناعية والتقدّم العلمي والحضاري وحتمية تاريخية، ولابد أن نستسلم لهذا الفساد والاضطراب، ونغضّ النظر عن تلك السعادة العائلية التي كانت موجودة في الزمان القديم.
إذا كان هذا هو تفكيرنا، فهو سطحي جداً. أؤيّد أنّ العصر الصناعي قد ترك أثره ويتركه على العلاقات العائلية رضينا أم أبينا، ولكنّ العامل الأساس في تمزّق العائلة في أوروبا شيئان آخران.
الأوّل: العادات والتقاليد والقوانين الجائرة والجاهلة التي كانت سائدة بينهم قبل هذا القرن فيما يتعلّق بالمرأة إلى حدّ أنّ المرأة لم تحصل على حقوقها في الملكية لأوّل مرّة إلاّ في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
والثاني: إنّ الأشخاص الذين أرادوا إصلاح أوضاع المرأة سلكوا نفس الطريق الذي يسلكه اليوم بعض أدعياء الثقافة العصرية عندنا، وما الاقتراحات الأربعون إلاّ مظهر من مظاهر ذلك الطريق، لقد أرادوا تجميل حاجب المرأة، ففقأوا عينها.
وقبل أن تكون الحياة الصناعية مسؤولة عن هذا الاضطراب، كانت قوانين أوروبا القديمة وإصلاحاتها الجديدة هي المسؤولة الكبرى عن ذلك.
لذا فبالنسبة لنا - شعوب الشرق الإسلامي - لسنا ملزمين بسلوك الطريق التي سلكوا، والسير حيث ساروا، والخوض في أيّ مستنقعٍ خاضوا، إنّما يجب علينا أن ننظر إلى الحياة الغربية بيقظةٍ وحذر. فمن خلال الإفادة والاقتباس من العلوم والصناعات والتكنيك وقسم من النظم الاجتماعية القابلة للتعديل، نتجنّب تقليد العادات والقوانين التي جلبت لهم آلاف التعاسات والمصائب، مثل: تغيير قوانين إيران المدنية والعلاقات العائلية وجعلها مطابقة للقوانين الأوروبية.
2 - نحن والقانون المدني
بغضّ النظر عن كون هذه الاقتراحات هدماً للبيت والأُسرة ومخالفة للمتطلبات الروحية والطبيعية والاجتماعية، كما سنوضح ذلك فيما بعد، ولكن هل عرضت على القانون الأساسي؟ فمن جهة، يصرّح القانون الأساسي أنّ كل قانون يخالف قوانين الإسلام غير قانوني وغير قابل للعرض على المجلسين. ومن جهةٍ أُخرى، فإنّ أغلب مواد هذه المقترحات مخالفة لقانون الإسلام مخالفة صريحة. فهل إنّ الغربيين الذين يقلدهم مثقفونا العصريون على هذا النحو الأعمى، يرضون لقانونهم الأساسي أن يصبح ألعوبة بهذا الشكل؟
وبغضّ النظر عن الدين، فإنّ القانون الأساسي لكل بلد مقدّس عند أفراد ذلك البلد، وهو بالنسبة إلى إيران كذلك محل احترام الشعب الإيراني بأجمعه. فهل يمكن أن يوضع القانون الأساسي تحت الأقدام عن طريق الندوات وطبع القسائم ونشاط النواب؟
3 - العواطف الدينية للمجتمع الايراني
بغضّ النظر في الوقت الحاضر عن عيوب هذه المقترحات ومخالفتها الصريحة للقانون الأساسي، ومهما ننكر فلا يمكن أن ننكر أنّ أقوى عاطفة تحكم مشاعر الشعب الإيراني هي العاطفة الإسلامية. دعونا الآن عن القلّة التي تخلّت عن كل قيدٍ وشرط وصارت تجري وراء كل هرج ومرج وتحلل من الالتزام، فإنّ الأكثرية الساحقة لهذا الشعب ملتزمة بالمقرّرات الدينية.
وبخلاف ما كان يتوقّعه البعض، فإنّ الدراسة وطلب العلم لم يكونا السبب في الفصل بين الأُمّة ودينها، بل العكس هو الصحيح، فبالرغم من أنّ التوجيه الديني الصحيح قليل، والحرب الفكرية الدعائية للاستعمار شديدة ضدّ الدين، إلاّ أنّنا نجد المتعلّمين والمثقفين يتجهون نحو الإسلام بشكل مطّرد. والآن أتساءل كيف ستنسجم هذه القوانين مع وجود هذه المشاعر الموجودة شئنا أم أبينا؟ وكيف سنتصرّف حين لا يتفق قانون العرف مع الحكم الشرعي الصريح؟ لنفرض أنّ امرأة - على أثر الخلاف والغضب - رجعت إلى المحكمة واستصدرت حكم طلاقها من زوجها على الرغم منه، ثم تزوّجت من رجلٍ ثانٍ. هذه المرأة وزوجها الجديد في الوقت الذي يعتبران نفسيهما بحكم القانون العرفي زوجاً وزوجة؛ يدركان في عمق وجدانهما الديني أنّهما أجنبيان عن بعضهما وأنّ اتصالهما غير مشروع، وأطفالهما أولاد زنا وأنّهما من وجهة نظر الدين يستحقان الإعدام.
في هذه الحالة، ماذا ستكون حالتهما النفسية؟ وبأيّ عين سينظر الأصدقاء والأقارب المتديّنون إليهما والى أولادهما؟ إنّنا في الواقع لا يمكن أن نغيّر الوجدان الديني للشعب بتغيير أو وضع قانون ما، وللأسف أو لحسن الحظ أنّ وجدان أكثر الأقرباء باتفاق الناس ليس خلواً من العاطفة الدينية.
فلو أنّكم جئتم من الخارج بمتخصّص حقوقي ونفساني وطلبتم رأيه وقلتم: إنّنا نريد أن نضع مثل هذا النوع من القوانين ولكنّ الأساس النفسي لأكثرية الشعب هو كذا وكذا، وانظروا هل سيوافقونكم؟ أم
سيقولون إنّ ذلك سيؤدّي إلى آلاف المشاكل الروحية والاجتماعية؟
والمقارنة بين هذا النوع من القوانين والقوانين الجزائية من ناحية الآثار السيّئة التي تتركها، خطأ محض. فالفرق بين القانونين كالفرق بين السماء والأرض، وإنّ تغيير أو تعطيل القوانين الجزائية يلحق الأذى والضرر بالمجتمع كلّه، ويزيد المنحرفين جرأةً وحرصاً على تحدّي القوانين. أمّا القوانين المتعلّقة بروابط الزوجين والأطفال فإنّها ترتبط بحياة الأفراد الشخصية والخاصة، وتدخل في معركة مباشرة في مقابل العاطفة الدينية للشخص. ومثل هذه القوانين تبقى معطّلة في حالة تمكّن الدين وغلبة الوجدان وتؤدّي المشاكل التي تنتج عنها إمّا إلى إلغائها في النهاية رسميّاً - رضينا أم أبينا - أو إلى إضعاف الوازع الديني نتيجة حدوث الصراعات الدينية داخل نفس الإنسان.