عبارة (أنت إلى خير) أو (على خير) في حديث الكساء

السؤال:
ما هو معنى كلام الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى أُمّ سلمة: (أنت إلى خير) أو (على خير)? لأنّ هذا الحديث يوجد في سنن الترمذي وباقي كتب السنة، ولكن لم توجد فيه عبارة: (ولكن هؤلاء أهلي وثقلي)? بل جاء فيه فقط: (‎أنت على مكانك وأنت على خير)(2)، وأنا لم أفهم معنى هذه العبارة؟هل يكون المعنى: يا أُمّ سلمة أنت من أهل البيت ولا حاجة بمجيئك تحت الكساء، (كما ورد في بعض كتب السنة) ولا تحتاجي أن أدعو لك? أو يكون المعنى: أنت لا تكوني من أهل البيت، بل أنّك على المنهج الصحيح والى خير، (كما ورد هذا المعنى في كتب الشيعة وبعض السنة)؟
وأنّ حديث الكساء مع روايته بألفاظ أخرى مثل: (أنت من أزواج النبيّ ولكن هؤلاء أهل بيتي) أو قول أُمّ سلمة: ((فوالله؛ ما أنعم رسول الله))، أو عبارة: ((فجذبه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من يدي، وقال: أنّك على خير))، أو عبارة: ((فَوددت أنه قال نَعَم، فكان أحبّ اليّ ممّا تطلع عليه الشمس وتغرب))، ومثل هذه العبارات لا تمتلك السند الصحيح عند أهل السنة، ولا تعتبر عندهم، وليست من الأحاديث التي يمكن الاستدلال بها عليهم.
الجواب:
 إنّ بعض علماء أهل السُنّة احتمل لجملة (أنتِ على خير) معنيين:
الأوّل: أنّ معناه؛ أنتِ لست من أهل بيتي، بل من أزواجي، وأنّ مآلك إلى خير وحسن العاقبة، وهذا المعنى هو ما يتمسك به الشيعة.
الثاني: أنّ معناه؛ أنت لست بحاجة للدخول تحت الكساء، لأنّك من أهل بيتي، فأزواجي من أهل بيتي.
والسبب في إيرادهم المعنى الثاني، هو أنّهم بعد أن قرروا في آية التطهير، أنّها نازلة في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) مستدلين بالسياق، وجدوا أنّ إلتزامهم هذا يعارض بوضوح مفاد حديث الكساء، الذي شخص فيه رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أهل البيت(عليهم السلام) وطبق آية التطهير على مصداقها الخارجي، فأضطروا - حفاظاً على عقيدتهم - لحمل بعض جمل الحديث على التأويل البعيد وغير المتعارف، حلاً منهم للتعارض الظاهر، والذي يودي بعقيدتهم، بعد أن كان سند الحديث صحيحاً لا يمكن ردّه, ولم يجدوا جملة تحتمل التأويل - ولو البعيد غير المألوف - سوى (أنتِ على خير)، فحملّوها المعنى الثاني الذي عرفت.
فكان فعلهم هذا؛ ليس تمسكاً بما هو ظاهر الحديث بمفرده، بل تمسكاً بالتأويل الذي لجأوا إليه، بعد جمعه مع المعنى الذي أرادوه من الآية. فإنّهم بعد أن إلتزموا بأنّ (أهل البيت) في آية التطهير في نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأخذوه كأصل موضوعي لا يقبل التبديل، اضطروا لحمل كلّ نص آخر يخالفه ظاهراً على المعنى المعني ولو بالتأويل, فلاحظ!
وإلاّ، فإنّ ظاهر الحديث بإنفراده، ودون النظر إلى الآية - أي حتى لو فرضنا عدم وجود آية في المقام - هو حصر معنى أهل البيت على مصداق هؤلاء الخمسة أصحاب الكساء(عليهم السلام)، وهو ظاهر من القرآئن الحالية واللفظية في قول وفعل النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في هذا الحديث.

وظاهر جملة (أنتِ على خير) هو ما ذكرناه من المعنى الذي يتمسك به الشيعة، وهو المستعمل في لغة العرب لإخراج من يراد إخراجه، ولم يعهد منهم أن يستخدموا هذه الصيغة بمعنى دخول المخاطب بها في من خصّوه وميّزوه بالقيود والخصائص المذكورة في الكلام، فإنّ ظاهرها النفي بتقدير (لا) قبلها، وإذا أراد العربي أن يعطي مفاد الإيجاب، يجب أن يأتي بصيغة أخرى تفيده، بأن يقول مثلاً (وأنت كذلك), فلم يعهد من العرب بأنّهم إذا عزلوا أو خصوا جماعة من ضمن آخرين موجودين في نفس المكان بصفة أو إضافة معينة كوصفهم بالأضياف أو الشجعان مثلاً، ثم اعترض شخص حاضر فأجيب (بأنتَ على خير) أو (أنتَ مكانك) أنّه سيشمله هذا الوصف أو الإضافة، بل بالعكس فإنّه تأكيد بالخروج فوق ما لو لم يُقَل له مثل ذلك.
ولاحظ أنت؛ إذا دخلت إلى مطعم، وكان فيه أشخاص من ضمنهم بعض أصدقائك الحميمين، فناديت صاحب المطعم وقلت له: هؤلاء أضيافي، بعد أن أجلست أصدقاءك على طاولة خاصّة وعزلتهم عن بقية الناس, فهل يفهم صاحب المطعم أنّ البعض الآخر، يجوز أن يُقدم لهم الطعام على حسابك بكونهم أضيافك؟ ولو جاء شخص من الحاضرين وأراد الجلوس على نفس الطاولة وأنت قلت له: (أنتَ على خير)، أو (أنتَ مكانك) ولم تسمح له بالجلوس على الطاولة بمحضر صاحب المطعم, فهل يجوز لصاحب المطعم أن يجعله من أضيافك، أو أنّك لا تعذره وتعاتبه وكلّ الناس الحاضرين؟ ولا حجّة له بالقول؛ بأنّه أوّل معنى (على خير) بأنّك تعدّه من أضيافه الأساسيين الأصليين، بعد أن سبق كلامك القرائن الحالية بعزل أصدقائك على طاولة خاصّة, فلاحظ.
والذي يقطع الشك في هذا الحديث، الأحاديث الأخرى الكثيرة التي توضح هذه الجملة بما لا لبس فيها، والتي ذكرت أنت جملة منها, وبعض هذه الأحاديث صحيحة على موازين أهل السُنّة كما في مسند أحمد، عن شهر بن حوشب، عن أُمّ سلمة، الذي في آخره: (( فرفعت الكساء لأدخل معهم، فجذبه من يدي وقال: (انّك على خير) ))(3)، ورواه أبو يعلى في مسنده(4).
ثم أين أنت من القاعدة التي تقول: أنّ الأحاديث يقوي بعضها البعض؟

ونحن هنا نريد أن ننبه على شيء: وهو أنّ الحكم بصحة طريق معين، لا يعني أنّ رجال هذا الطريق لم يتكلم فيهم أحد بمغمز، وإلاّ فلا يسلم رجل من رجال أهل السنّة، فإنّه لا بد أن تجد أنّ هناك أحداً من أصحاب الجرح والتعديل طعن في هذا الرجل أو ذاك، وهكذا كلّ رواتهم، وإنّما الحكم عليه يكون من مجموع أقوال أصحاب الجرح والتعديل, فلاحظ. فإنّ كثيراً من المشاغبين المجادلين المتشدقين، تراهم من أجل تضعيف رجل في طريق الحديث ينقلون طعنه من أحد أصحاب الجرح والتعديل، ويغمضون أعينهم عن مجمل ما ورد فيه محاولين إيهام مجادليهم، وتراهم في مكان آخر يأتون بالمدح لنفس الرجل من رجالي آخر!!
والآن نعود لنفس الموضوع: وهو إنّا فوق ما ذكرنا من ظاهر الحديث, نجد أنّ تكرار الفعل من رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الظاهر من متن الروايات، يقطع كلّ شك في الإختصاص, بل تكرار قراءة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) للآية عند المرور على بيت فاطمة(عليها السلام) يرسخ هذا الإختصاص في أذهان المسلمين.
بل روى مسلم عن عائشة أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قرأ بعد أن أدخلهم تحت الكساء: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))(5)، وقراءة الآية على من تحت الكساء وفيها أدات الحصر (إنّما) بحضور عائشة وغيرها قاطع للتوهم والمناقشة في الإختصاص، فلاحظ.
مركز الابحاث العقائدية
تعليقات