مشروعية السب واللعن والتبري

السؤال (وليد من الجزائر) :
في طريق البحث والتعلم من آل البيت لما علم وجوب تولي العترة بدءا من سيدها علي حبيب الله وكرم وجهه
سألتكم من قبل عن غياب الأسانيد في كتب الشيعة وقد أجبتموني بارك الله فيكم
الآن سؤالي:
أريد أن أتولى أل البيت بالعلم وأنا أتعلم حاليا حيث بدأت أصحح معلوماتي وأتعود على الصدمة بالسكينة والصبر والتفكر فليس سهلا ما تلقيته..
المهم
لكن أريد مع ذلك التورع والتحرز لنفسي عن لعن وسب أحد، حتى يطمئن قلبي، ليس ترددا أبدا ولكن حتى يتبين لي كما تبين لسيدنا ابراهيم عليه السلام الحق ثم يكفيني اتباع العترة واجتناب الظالمين بدون الحكم عليهم عند الله وأعتفد انه لا يجب دعوة البسطاء من العامة الى مذهب آل البيت والاكتفاء بتوجيهم الى الضرورات من العلم خشية فتنتهم.
الجواب: 
الأخ وليد المحترم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مسألة السب:
السب هو: الشتم، نحو «يا كلب، يا خنزير، يا حمار، يا خائن» وأمثاله من مصاديق الاهانة والتحقير.
إنّ السب غير جائز عندنا، فهو ليس من أخلاق الإسلام الأصيل، وهو فعل غير مشروع، وقد وردت عدة آيات وروايات في هذا الشأن منها:
1- قال تعالى في كتابه الكريم: (وَلا تَسُبُّوا الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ‏) الانعام/108.
2- و روي عن الإمام الصادق عليه السلام: (وَجَامِلُوا النَّاسَ وَلَا تَحْمِلُوهُمْ عَلَى رِقَابِكُمْ تَجْمَعُوا مَعَ ذَلِكَ طَاعَةَ رَبِّكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَسَبَّ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَيْثُ يَسْمَعُونَكُمْ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَعْلَمُوا حَدَّ سَبِّهِمْ لِلَّهِ كَيْفَ هُوَ إِنَّهُ مَنْ سَبَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدِ انْتَهَكَ سَبَّ اللَّهِ وَمَنْ أَظْلَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِمَّنِ اسْتَسَبَّ لِلَّهِ وَلِأَوْلِيَاءِ اللَّهِ، فَمَهْلًا مَهْلًا فَاتَّبِعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية – طهران، ج8 ص7.
3- وقال (عليه السلام) لنفر من الشيعة: «معاشر الشيعة كونوا لنا زيناً، ولا تكونوا علينا شيناً، قولوا للناس حُسناً، واحفظوا ألسنتكم، وكفّوها عن الفضول وقبيح القول» بحار الانوار ج 2 ص 192.
وغيرها ..
أما مسألة اللعن:
اللعن هو الطرد والابعاد عن رحمة الله قال الراغب الأصفهاني: (اللعن: الطرد والإبعاد على سبيل السخط، وذلك من الله في الآخرة عقوبة، وفي الدنيا انقطاع من قبول رحمته وتوفيقه، ومن الإنسان دعاء على غيره).
فقوله تعالى: {لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ}[النساء: 46]، معناه: أبعدهم وطردهم من رحمته، وإذا ورد في سياق الدعاء على الآخر، مثل "اللهم العن فلاناً" فيُراد به الطلب من الله أن يطرده من رحمته وعنايته، ويُبعده عن ساحة قُدْسِه ومحبَّتِه.
إنّ أسلوب اللعن مستنبط من القرآن الكريم فهو مشروع لأنه دعاء على الظالم او الفاسد او غيرهم، قال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [هود: ]، وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً}[الأحزاب: 64]، وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ}[الأحزاب: 57]، وقال عزّ مَنْ قال: {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ}[الرعد: 25]، ومن الملحوظ أنّ الله تعالى قد لَعَن اليهود في أكثر من مورد بسبب أفعالهم السيّئة قال تعالى: {... وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ}[النساء: 46].
إنّ المتأمّل في الآيات القرآنيّة المشتملة على ألفاظ اللعن يلفت انتباهه أمر هام وهو توجيه اللعن فيها إلى العنوان العام- عنوان الظالم أو الكافر- لا إلى الأشخاص بأعيانهم وأسمائهم- باستثناء إبليس- وهذا الأسلوب (لعن العنوان) يخفف من نتائج اللعن السلبية.
نعم أنّ المصلحة العامة قد تقتضي فضح بعض المخادعين أو المعاندين والضالّين المضلّين، وبيان أنّهم ملعونون ومطرودون من رحمته تعالى حتى لا يتأثّر بهم عامة الناس، ولا يأخذوا منهم معالم دينهم.
وهذه هي الغاية من قيام الشيعة بلعن بعض الرموز التي كانت وبالاً على الإسلام بظلمها وجبروتها ومكرها وخداعها واللعب في الدين وغير ذلك، فالشيعة يلعنون هذه الشخصيات للمصلحة العامة وبيان انهم مطرودون من رحمة الله تعالى، وكذلك يلعنون لسبب مهم آخر وهو البراءة من أعداء الله والائمة (عليهم السلام) وبالتالي يظهر المنافق من الموالي الصادق والمؤمن.
التبري من أعداء آل محمد (عليهم السلام):
إلى جانب المولاة لأهل البيت (ع) لابد من التبري من أعدائهم، حتى لا يكون الانسان مزدوجا في شخصيته، والتبرّي، هو الإنزجار والتنفر من أعداء الله والأولياء الصالحين، وجذور هذا المصطلح في القرآن الكريم وتوزعت على عشرين سورة قرآنية. كما أنّ جميع المذاهب أوجبت على أتباعها التبرّي من أعداء الله انطلاقاً من إيمانها بأنّها المصداق الأوحد لأولياء الله وانحصار هذا المفهوم بها، فيما يندرج مخالفوها تحت مقولة أعداء الله الذين يجب التبرّي منهم.
في هذه القضية تعتقد الشيعة أنّ الإمامة في حقيقتها عبارة عن منصب إلهيّ ، يتم تعيين الإمام فيه من قبل المولى تعالى، لأنّه يمثّل استمرارًا للرسالة، وضمانة لحفظها و بقائها، وقد بيّن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم هوية الأئمة (ع) الذين سيأتون من بعده، وعليه فلأهمية موقع الإمامة في الإسلام ومكانتها تعتقد الشيعة أنّ الذين منعوا الأئمة من تأدية وظائفهم التي كُلِّفوا بها، أو الذين كانوا يكيدون لأئمة أهل البيت (ع) انطلاقا من حقدهم، هم أعداء الله عز وجل ويجب التبرّي منهم.
وهناك أحاديث من النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبين لنا الذين لابد لنا أن نتبرأ منهم؛ مثلا في حديث منهصلى الله عليه وآله وسلم إلى الإمام عليعليه السلام جاء: «اَنـَا سِلْمٌ لِمَنْ سالَمْتَ و حَرْبٌ لِمَنْ حارَبْتَ» أو «الأئمة بعدي إثنا عشر إماما و الرد عليهم كارد عليّ»، و كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الإمام عليعليه السلام والسيدة فاطمةعليها السلام والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام: «اَنـَا حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ و سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ».
الصدوق، الاعتقادات، ص 78 ــ 81 و125؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16 ، ص 177 ــ 183.
كذلك كان أئمة الشيعة (عليهم السلام) يُعَيِّنُون المصاديق التي يتعلق بها حكم التبري، مثل:
1- الذين ظلموا العترة الطاهرة للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهتكوا حرمتهم .
2- الذين غيروا سنّة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم و الذين نفوا المصطفون من أصحاب النبيصلى الله عليه وآله وسلم .
3- الذين قسّموا أموال الفقراء بين الأغنياء .
4- الذين حاربوا أئمة أهل البيت عليهم السلام.
5- وقتلة الإمام علي عليه السلام وكل قاتلي الأئمة وأهل البيت عليهم السلام.
مع الإلتفات إلى أنه من منظار الشيعة لا يستحق كل من ليس بشيعي التبرّي، بل يشمل وجوب التبري الأشخاص الذين نصبوا العداوة (نصبوا علم العداوة) بالنسبة إلى العترة الطاهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم.
ودمتم في رعاية الله.
تعليقات