(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ (143)
ممكن تفسير الآية ؟ وماذا فعل الله بالجبل ؟ وكيف طلب نبي الله موسئ رؤية الله؟
جزاكم الله خير الجزاء
ج/
(1)إنّ نبي الله موسى (عليه السلام) يعتقد بعدم رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا والاخرة، لانه يلزم منه التجسيم.
(2)وإنما طلب موسى(ع) رؤية المولى عز وجل لم يكن بدافع من نفس موسى (عليه السلام) ، بل بضغط من قومه .
(3)وهو يعلم أنّ الله تعالى سيظهر له معجزة, تبين عظمته, وصدق نبوة موسى(ع), كما هو واضح في الآية الشريفة.
(4)ويؤيد ذلك ما روي عن عليّ بن محمّد بن الجهم : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى (عليهما السلام) ، فقال له المأمون : يا بن رسول الله أليس من قولك انّ الأنبياء معصومون ؟ قال : بلى ، فسأله عن آيات من القرآن ، فكان فيما سأله أن قال له : فما معنى قول الله عزّ وجلّ (( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلّمه ربّه قال ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني )) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) لا يعلم أنّ الله ـ تعالى ذكره ـ لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال ؟
فقال الرضا (عليه السلام) : إنّ كليم الله موسى بن عمران (عليه السلام) علم أنّ الله تعالى عن أن يرى بالأبصار ، ولكنّه لما كلّمه الله عزّ وجلّ وقرّ به نجيّاً ، رجع إلى قومه فأخبرهم أنّ الله عزّ وجلّ كلّمه وقرّبه وناجاه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعت ، وكان القوم سبعمائة ألف رجل ، فاختار منهم سبعين ألفاً ، ثمّ اختار منهم سبعة آلاف ثمّ اختار منهم سبعمائة ثمّ اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربّه ، فخرج بهم إلى طور سينا ، فأقامهم في سفح الجبل ، وصعد موسى (عليه السلام) إلى الطور وسأل الله تبارك وتعالى أن يكلّمه ويسمعهم كلامه ، فكلّمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام ، لأنّ الله عزّ وجلّ أحدَثه في الشجرة ، ثمّ جعله منبعثاً منها حتى سمعوه من جميع الوجوه ، فقالوا : لن نؤمن لك بأنّ هذا الذي سمعناه كلامَ الله حتى نرى الله جهرةً ، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عزّ وجلّ عليهم صاعقةً فأخذتهم بظلمهم فماتوا ، فقال موسى : يا ربّ ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا : إنّك ذهبت بهم فقتلتهم لأنّك لم تكن صادقاً فيما ادّعيت من مناجاة الله إيّاك ، فأحياهم الله وبعثهم معه ، فقالوا : إنّك لو سألت الله أن يريك أن تنظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حقّ معرفته ، فقال موسى (عليه السلام) : يا قوم إنّ الله لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وإنّما يعرف بآياته ويعلم باعلامه، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى (عليه السلام) : ياربّ إنّك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم ، فأوحى الله جلّ جلاله إليه : يا موسى إسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم ، فعند ذلك قال موسى (عليه السلام) : (( ربّ أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل (بآية من آياته) جعله دكّاً وخرَّ موسى صعقاً فلمّا أفاق قال سبحانك تبت إليك )) , يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي ـ وأنا أوّل المؤمنين) منهم بأنّك لا تفرى .
فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن ( والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ـ الصدوق ، التوحيد : 121 برقم 24 باب ما جاء في الرؤية ) .
س1: ما هو المراد من تجلّي الله؟
ج: أي أنّ الله أظهر إشعاعة من أحد مخلوقاته على الجبل (وتجلّي آثاره بمنزلة تجليه نفسه)
س2: ولكن ماذا كان ذلك المخلوق؟
هل كان هذا المخلوق عبارة عن:
أ-إحدى الآيات الإلهية العظمية التي بقيت مجهولة لنا إلى الآن.
ب-أو أنّه نموذج من قوة الذرَّة العظيمة.
ت-أو الأمواج الغامضة العظيمة التأثير والدفع.
ث-أو الصاعقة العظيمة الموحشة التي ضربت الجبل وأوجدت برقاً خاطفاً للأبصار وصوتاً مهيباً رهيباً وقوّة عظيمة جداً، بحيث حطّمت الجبل ودكّته دكّاً ؟!
س3: ماذا أراد الله بهذا العمل؟
ج: كأنّ الله تعالى أراد أن يُرِىَ - بهذا العمل - شيئين لموسى (عليه السلام) وبني إسرائيل:
الأوّل: أنّهم غير قادرين على رؤية ظاهرة جد صغيرة من الظواهر الكونية العظيمة، ومع ذلك كيف يطلبون رؤية الله الخالق.
الثاني: كما أن هذه الآية الإلهية العظيمة مع أنّها مخلوق من المخلوقات لا أكثر، ليست قابله للرؤية بذاتها، بل المرئي هو آثارها، أي الرجة العظيمة، والمسموع هو صوتها المهيب.
بعبارة أخرى: إنّ أصل هذه الأشياء أي تلك الأمواج الغامصة أو القوة العظيمة فلا هي ترى بالعَين، ولا هي قابلة للإدراك بواسطة الحواس الأُخرى، ومع ذلك هل يستطيع أحد أن يشك في وجود مثل هذه الآية، ويقول: حيث أنّنا لا نرى ذاتها، بل ندرك فقط آثارها فلا يمكن أن نؤمن بها.
فإذا يصح الحكم هذا حول مخلوق من المخلوقات، فكيف يصح أن يقال عن الله تعالى: بما أنّه غير قابل للرؤية، إذن لا يمكننا الإيمان به، مع أنّه ملأت آثاره كل مكان؟
بعبارةٍ أخرى: إنّ الله تعالى لا يتجلى ذاته بل بقدرته الجبارة, فقوله (تجلى ربك) أي تجلت قدرته سبحانه وتعالى, وآياته العظيمة, فكأن من يرى قدرة الله وآياته يرى عظمته.