جواز الزواج من الصغيرة القاصرة

 مسألة جواز الزواج من الصغيرة من المسائل المتفق عليها بين الشيعة و السنّة الاّ بعض السنّة و هم [ابن شبرمة و أبو بكر الأصم و عثمان البتّى].

وهذا ما نبيّنه لك ضمن نقطتين هما:

النقطة الاولى:

في تعريف الزواج شرعاً: هو عقد يتضمن إباحة الاستمتاع بالمرأة بالوطء والمباشرة والتقبيل، والضم وغير ذلك، إذا كانت المرأة غير محرم بنسب أو رضاع أو صهر [ ملاحظة: لم يؤخذ في التعريف قيد البلوغ ]. اوهو عقد وضعه الشارع ليفيد ملك استمتاع الرجل بالمرأة، و حلّ استمتاع المرأة بالرجل .

وعرفه الحنفية بقولهم: عقد يفيد ملك المتعة قصداً، أي حلّ استمتاع الرجل من امرأة لم يمنع في نكاحها مانع شرعى، بالقصد المباشر، فخرج بكلمة (المرأة) الذكر والخنثى المشكل لجواز ذكوريته، وخرج بقوله (لم يمنع من نكاحها مانع شرعى) المرأة الوثنية والمحارم والجنيّة، وانسان الماء، لاختلاف الجنس [ ملاحظة: هنا أيضا لم يلاحظ من المستثنيات الصغيرة ].

والنكاح عند الفقهاء ومنهم مشايخ المذاهب الاربعة: حقيقة في العقد مجاز في الوطء لانه المشهور في القرآن و الاخبار، و قال الزمخشري وهو من علماء الحنفية، ليس في الكتاب لفظ النكاح بمعنى الوطء الاّ قوله تعالى [حتى تنكح زوجاً غيره] لخبر الصحيحين حتى (تذوق عسيلته) فالمراد به العقد، والوطء مستفاد من هذا الخبر [ أنظر الفقه الاسلامى و أدلته: 7/30ـ29، للدكتور وهبة الزحيلى و كذلك الفقه على المذاهب الاربعة الجزء الرابع ص 20 و ما بعدها ].

من هذه المقدمة نفهم ان العقد يبيح للرجل جميع الاستمتاعات خرج منها [الدخول بالمرأة] لدليل خاص به، فتبقى جميع الاستمتاعات تحت عموم جواز الاستمتاع، و هذا الامر لا يختلف فيه الفقهاء من الشيعة والسنة كما قلت.

يبقى السؤال التالى: هل يجوز زواج الصغيرة أو العقد على غير البالغة؟ هذا ما نبحثه في النقطة الثانية: لقد عقد الدكتور وهبة الزحيلى في كتابه (الفقه الاسلامى)، تحت عنوان: الأهلية و الولاية و الوكالة في الزواج و فيه مباحث ثلاثة :

المبحث الأوّل: أهلية الزوجين: يرى ابن شبرمة و أبو بكر و عثمان البتي رحمهم اللّه أنه لا يزوج الصغير والصغيرة حتى يبلغا، لقوله تعالى: (حتى إذا بلغوا النكاح)[النساء:6] فلو جاز التزويج قبل البلوغ، لم يكن لهذا فائدة، و لأنه لا حاجة بهما إلى النكاح، و رأى ابن حزم أنه يجوز تزويج الصغيرة عملاً بالآثار المروية في ذلك.

أما تزويج الصغير فباطل حتى يبلغ و إذا وقع فهو مفسوخ [ المحلى: 9/560،565 ].

و لم يشترط جمهور الفقهاء لانعقاد الزواج: البلوغ والعقل، وقالوا بصحة الزواج الصغير و المجنون.

الصغر: أما الصغر فقال الجمهور منهم أئمة المذاهب الأربعة، بل ادعى ابن المنذر الإجماع على جواز تزويج الصغيرة من كفء، و استدلوا عليه بما يأتى [ المغني: 6/487، المبسوط للسرخسي ب 4/212، البدائع: 2/240، 246 القوانين: ص 198 معنى المحتاج: 3/168 و ما بعدها ].

1 ـ بيان عدة الصغيرة: و هي ثلاثة أشهر ـ في قوله تعالى: (و اللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم، فعدتهن ثلاثة أشهر، و اللائي لم يحضن) [الطلاق:4] فإنه تعالى حدد عدة الصغيرة التي لم تحض بثلاثة أشهر كاليائسة، و لا تكون العدة إلا بعد زواج وفراق، فدل النص على أنها تزوج و تطلق و لا إذن لها.

2 ـ الأمر بنكاح الإناث في قوله تعالى: (و أنكحوا الأيامى منكم)[النور:32] و الأيم: الأنثى التى لا زوج لها، صغيرة كانت أو كبيرة.

3 ـ زواج النبى (ص) بعائشة وهي صغيرة، فإنها قالت: «تزوجني النبى(ص) و أنا ابنة ست، و بنى بي وأنا ابنة تسع» [ متفق عليه بين البخاري و مسلم و أحمد /نيل الأوطار: 6/120) و في رواية عند البخاري ومسلم: [تزوجها و هي بنت سبع سنين، و زفت إليه و هي بنت تسع سنين ]. و قد زوجها أبوها أبو بكر رضى اللّه عنهما. و زوج النبى (ص) أيضا ابنة عمه حمزة من ابن أبى سلمة، و هما صغيران.

4 ـ آثار عن الصحابة: فقد زوج علي ابنته أم كلثوم و هي صغيرة من عروة بن الزبير، و زوج عروة بن الزبير بنت أخيه من ابن أخيه و هما صغيران، ووهب رجل بنته الصغيرة لعبد اللّه بن الحسن بن علي، فأجاز ذلك علي رضي اللّه عنهما و زوجت امرأة ابن مسعود بنتاً لها صغيرة لابن المسيب بن نخبة، فأجاز ذلك زوجها عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه.

5 ـ قد تكون هناك مصلحة بتزويج الصغار، و يجد الأب الكفء، فلا يفوت إلى وقت البلوغ. من الذي يزوج الصغار؟ و اختلف الجمهور القائلون بجواز تزويج الصغار فيمن يزوجهم. فقال المالكية و الحنابلة [القوانين الفقهية: ص 199، الشرح الصغير: 2/353، 356 و ما بعدها، المغني: 6/489 و ما بعدها كشاف القناع: 5/43ـ .47 ]: ليس لغير الأب أو وصيه أو الحاكم تزويج الصغار لتوافر شفقة الأب و صدق رغبته في تحقيق مصلحة ولده، والحاكم ووصي الأب كالأب. لأنه لا نظر لغير هؤلاء في مال الصغار و مصالحهم المتعلقة بهم، و لقوله (ص): (تستأمر اليتيمة في نفسها، و إن سكتت فهو إذنها، و إن أبت فلا جواز عليها)[ رواه أبو داود و النسائي ].

و روي عن ابن عمر أن قدامة بن مظعون زوج ابن عمر ابنة أخيه عثمان، فرفع ذلك الى النبي (ص) فقال: (إنها يتيمة و لا تنكح إلا باذنها) [ رواه أحمد و الدارقطني عن ابن عمر / نيل الأوطار: 6/121 و ما بعدها].

و اليتيمة: هي الصغيرة التي مات أبوها، لحديث: (لا يتم بعد احتلام) [ رواه أبو داود و حسنه النووي] فدل الحديث على أن الأب وحده هو الذى يملك تزويج الصغار.

و قال الحنفية [ البدائع: 2/240، المبسوط: 4/213 و ما بعدها] : يجوز للأب و الجد ولغيرهما من العصبات تزويج الصغير والصغيرة لقوله تعالى: (وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى) [النساء:3] أي في نكاح اليتامى، أي اذا كان خوف من ظلم اليتامى، فالآية تأمر الأولياء بتزويج اليتامى.

وأجاز أبو حنيفة في رواية عنه خلافا للصاحبين لغير العصبات من قرابة الرحم كالأم والأخت والخالة تزويج الصغار ان لم يكن ثمة عصبة، و دليله عموم قوله تعالى: (وأنكحوا الأيامى منكم و الصالحين) [النور:32] من غير تفرقة بين العصبات و غيرهم.

و قال الشافعية [ مغني المحتاج: 3/149، .169 ]: ليس لغير الأب و الجد تزويج الصغير والصغيرة، في حق الأب للآثار المروية فيه، فبقي ما سواه على أصل القياس.

و الحنابلة رأوا أن الأحاديث مقصورة على الأب، و الشافعية استدلوا بالأحاديث لكنهم قاسوا الجد على الأب، و الحنفية أخذوا بعموم الآيات القرآنية التي تأمر الأولياء بتزوج اليتامى أو بتزويجهن من غيرهم.

و قد أشرتط أبو يوسف ومحمد في تزويج الصغار الكفاءة و مهر المثل، لأن الولاية للمصلحة، و لا مصلحة في التزويج من غير كفء و لا مهر مثل.

و كذلك اشترط الشافعية في تزويج الأب الصغيرة أو الكبيرة بغير إذنها شروطاً سبعة وهي: الأول: ألا يكون بينه و بينها عداوة ظاهرة.

الثاني: أن يزوجها من كفء.

الثالث: أن يزوجها بمهر مثلها.

الرابع: أن يكون من نقد البلد.

الخامس: ألا يكون الزوج معسراً بالمهر

السادس: ألا يزوجها بمن تتضرر بمعاشرته كأعمى و شيخ هرم.

السابع: ألا يكون قد وجب عليها الحج، فإن الزوج قد يمنعها لكون الحج على التراخي، ولها عوض في تعجيل براءتها، و يجوز أن يزوج الصغير أكثر من واحدة و أجاز المالكية للأب تزويج البكر الصغيرة، و لو بدون صداق المثل، و لو لأقل حال منها، أو لقبيح منظر، وتزوج البالغ بإذنها، إلا اليتيمة الصغيرة التي بلغت عشر سنين، فتزوج بعد استشارة القاضي على أن يكون الزواج بكفء و بمهر المثل.

و رأى الحنابلة: أن يزوج الأب ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل و غيره ولو كرهاً: لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، و هذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة في تزويجه فجاز له بذل المال فيه كمداواته فهذا أولى، و إذا زوج الأب ابنه الصغير، فيزوجه بإمرأة واحدة لحصول الغرض بها، و له تزويجه بأكثر من واحدة إن رأى فيه مصلحة، و ضعف بعض الحنابلة هذا، إذ ليس فيه مصلحة، بل مفسدة، و صوب أنه لا يزوجه أكثر من واحدة أما الوصي لا يزوجه أكثر بلا خلاف لأنه تزويج لحاجة، و الكفاية تحصل به، إلا أن تكون غائبة أو صغيرة أو طفلة و به حاجة، فيجوز أن يزوجه ثانية..

و لسائر الأولياء تزويج بنت تسع سنين فأكثر بإذنها، لما روى أحمد عن عائشة: (إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة) أي في حكم المرأة [ انظر: الفقه الاسلامي و ادلته: 7/179 ـ .183 ].

و هذه بعض المستندات الروائية و غيرها عندنا (الإمامية): نفي الحديث: قال عبد الله بن الصلت: « سألت أبا الحسن عن الجارية الصغيرة يزوجها أبوها ألها أمر إذا بلغت؟ قال: لا، وقال محمد بن بزيع: سألت الرضا (عليه السلام) يزوجها أبوها ثم يموت وهي صغيرة ثم تكبر قبل ان يدخل بها زوجها أيجوز عليها التزويج أو الامر اليها؟ قال: يجوز عليها تزويج أبيها».[ وسائل الشيعة ابواب عقد النكاح باب 6 ].

وجواز النكاح مشروطاً باذن ابيها متفق بين الفقهاء إلا أنهم اختلفوا في جوازه باذن الجد للأب وفي جواز ردّها وفسخها بعد البلوغ، فيقول الشيخ الطوسي (رضى الله عنه) : «يجوز للرجل ان يعقد على بنته إذا كانت صغيرة لم تبلغ مبلغ النساء من غير استيذان لها ومتى عقد عليها لم يكن لها خيار وان بلغت»[ النهاية / سلسلة الينابيع الفقهية ج18 : 105 ].

ويقول ابن زهرة: ((والولاية التي يجوز معها تزويج غير البالغ سواء كانت بكراً أو قد ذهبت بكارتها بزوج أو غيره ... مختصة بابيها وجدها له في حياته)) [ غنية النزوع / سلسلة الينابيع الفقهية ج18: 283 ].

وقال ابن حمزة: ((الذي بيده عقدة النكاح اربعة ... الاب والجد مع وجود الاب إذا كانت طفلة أو بالغة غير رشيدة ... ومن يعقد عليها: حرة وأمة بالغة وطفل والبالغة رشيدة ...))[ الوسيلة / سلسلة الينابيع الفقهية ج18 : 298 ]. وقال المحقق الحلي: ((تثبت ولاية الاب والجد للأب على الصغيرة وان ذهبت بكارتها بوطء أو غيره)) [ جواهر الكلام ج29: 172 ].

فهل بعد هذا البيان يبقى مجال للاستغراب و التساؤل عن مسألة الزواج من الصغيرة؟! و في الختام نقول: على فرض ان أهل السنة لم يقولوا بجواز ذلك، فهذا لا يعنى اننا أيضا نمنع ذلك و ذلك لاننا نتبع الدليل فاذا ثبت عندنا الدليل الشرعي على جواز الزواج من الصغيرة نأخذ به حتى لو خالفنا جميع الناس لان الحق [النص] أحق أن يتبع.

و السلام عليكم و رحمة اللّه وبركاته.

تعليقات