كيف نفهم القرآن ؟

 س : كيف نفهم القرآن ؟


ج : ١ - لا شكّ أن الفهم الإجمالي للقرآن الكريم لا يختصّ بفئة معينة ، فقد جاء القرآن ليستفيد منه الجميع ، وهو ما أكدته آيات كثيرة ، كما أكدت دائماً أنّ القرآن كتاب هداية للمتقين . فهو نور ومنوِّر ، مبين ومبيِّن للحقائق والوظائف . وواضح جداً أن المستفيدين مباشرة من القرآن هم الذين بُعث فيهم النبي (صلى الله عليه وآله) . وفي التاريخ قصص عديدة تحدّثت عن أفراد كانوا كافرين بالإسلام ويعارضونه ، ولكنهم بعد أن استمعوا لبعض آيات القرآن وأدركوا معانيها تعلّقوا بالإسلام تعلّقاً شديداً واستهدوا بهداه .


٢ . لقد كان المسلمون يتعرّفون على تكاليفهم الشرعية من خلال الأحكام والأوامر الجهادية التي كانت تنزل على النبي  (صلى الله عليه وآله) على صورة آيات قرآنية يبلّغها لهم ويتلوها عليهم ، ولا شكّ في أن معظم القرآن ـ وليس القليل منه ـ ميسّر لفهم عامة الناس ، كما صرّحت بذلك بعض الآيات القرآنية وشهد معناها الواضح عليه . وكذلك فان كل من له معرفة بالتاريخ والسيرة النبوية يعلم أن ذلك من مسلّماتهما .


٣ . إن القرآن مع كون معظمه ميسّراً لفهم العامة قد نزل أولا : باللغة العربية ، وثانياً : بلغة عصر النبي ، وثالثاً : كان خطاباً شفهياً وليس خطّياً ، فهو كان كلاماً مباشراً خوطب به الناس تدريجياً وبمناسبات مختلفة ، ولم يكن بشكل كتاب مؤلّف جرى تنظيمه من ألفه إلى يائه ، وكان النبي يلقي على الناس ما ينزل إليه من آيات مشافهة فيحفظونها أو يكتبونها ، وعلى المهتمين بدراسة القرآن وفهمه أن يولوا هذه المسائل الثلاث وما يترتب عليها اهتماماً كبيراً وهي الأسباب في عدم فهم القرآن في زماننا :


اولاً : الإحاطة باللغة العربية لأن لغة القرآن هي العربية ، ولا شك أن فهم المتن العربي يقتضي ـ في من يطالعه ـ الإلمام جيداً بلغة العرب . 


من هنا ، فإن المعرفة الجيّدة بالصرف والنحو واللغة ، وقابلية الاستفادة من الكتب اللغوية ( بالالتفات إلى أن لبعض المفردات عدّة معان، الأمر الذي يقتضي مقدرة نسبية في الاستفادة من الكتب اللغوية لتحديد المعنى المناسب ) .



ثانياً : ضرورة الاطلاع على الثقافة العربية في الحجاز ونجد واليمن ومناطق أخرى في عصر النبوة ، فقد ذكرت أن القرآن جاء بالعربية المعاصرة للبعثة ، ويعلم كل من لديه معرفة باللغات ، أن اللغة عند كل الشعوب تتطور وتتغيرى. فان هناك مفردات لغوية تعطي الآن معنىً مغايراً للمعنى الذي أعطته قبل ألف وثلاثمئة عام ، لذا تجب معرفة معاني المفردات القرآنية في ذلك العصر ، فإذا اكتسبت إحدى المفردات اليوم معنىً نميل إليه ونرغب أن يكون هو المعنى الذي تقصده الآية من استخدامها لتلك المفردة ، فمن الخطأ حمل هذه المفردة على ذلك المعنى باعتباره المقصود في عصر نزول القرآن ، إذ لم يكن لهذا المعنى أي وجود في ذلك العصر .

إضافة إلى ما سبق ، فمن غير الممكن أن لا يأخذ أي موضوع ـ يكتب أو يقال ـ بالاعتبار الظروف الاجتماعية وغيرها التي تكتنف عصر صدور الموضوع ، لأنه قيل أو كتب وسط تلك الأجواء ، لذلك ثمة مجموعة من القرائن تساعد على فهم قصد المتحدّث والكاتب .


ثالثاً : إن القرآن ليس مؤلّفا على شكل كتاب إنما هو مجموعة من الآيات والسور التي تنزّلت على مدى ثلاثة وعشرين عاماً ، وفي مناسبات مختلفة ، ولظروف متنوعة ، ثم جمعت بشكل كتاب . ولم يكن تنظيم الآيات وترتيبها حسب نزولها ووحيها ، فإن الأدلّة التاريخية تثبت أن بعض الآيات وضعت في آخر سورة من السور مع أنها نزلت قبل ذلك بسنين . من هنا ، فإذا رأينا أحياناً أن المعنى الظاهر والواضح لآية لا يرتبط ارتباطاً كاملاً مع موضوع الآيات اللاحقة أو السابقة ، فيجب أن لا يستولي علينا الشكّ والريب ، فنحاول عبثاً أن نفرض معنى للآية كي نوجد الترابط بينها وبين تلك الآيات .

تعليقات