حكم الكذب في موضع التقية
أنّ الإنسان إذا خاف على نفسه أو عياله أو على مؤمن من عدوّ أو ظالم فله أن يخالف الشريعة في حدود ما يرتفع به الخوف والإكراه ، كما إذا أجبره العدوّ أن يظهر كلمة الكفر ، أو يفعل بعض المنكرات كشرب الخمر - مثلا - وهدّده بالقتل أو الضرب الشديد إن لم يفعل ، فالقاعدة تجوّز له أن يرتكب ذلك ليدرأ الخطر عن نفسه وعياله والمؤمنين .
والمصدر الشرعي للقاعدة عدّة آيات وروايات ، ونكتفي بذكر الآيتين الدالّتين على الموضوع ، وهما :
أوّلا - قوله تعالى : لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً . . . « 3 » .
فقد نهت الآية عن إظهار الموالاة والمحبّة للكافرين إلّا في صورة التقيّة كما إذا كان الكفّار غالبين على المؤمنين مثلا .
قال العلّامة الطبرسي - بعد نقل الآية - : « . . وفي هذه الآية دلالة على أنّ التقيّة جائزة في الدين عند الخوف على النفس . . . » « 4 » .
وقال الإمام الرازي - بعد نقل الآية - : « واعلم أنّ نظير هذه الآية قوله تعالى :
إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ ، ثمّ قال : المسألة الرابعة : اعلم أنّ للتقيّة أحكاما كثيرة ، ونحن نذكر بعضها :
الحكم الأوّل - أنّ التقيّة إنّما تكون إذا كان الرجل في قوم كفّار ، ويخاف منهم على نفسه وماله فيداريهم باللسان ، . . . إلى أن قال :
الحكم السادس - قال مجاهد : هذا الحكم كان ثابتا في أوّل الإسلام لأجل ضعف المؤمنين فأمّا بعد قوّة دولة الإسلام فلا ! ! وروى عوف عن الحسن : أنّه قال : التقيّة جائزة للمؤمنين إلى يوم القيامة ، وهذا القول أولى ؛ لأنّ دفع الضرر عن النفس واجب بقدر الإمكان » « 1 » .
الثاني : قوله تعالى : مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ وَلكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ « 2 » .
والآية نزلت - كما هو المعروف - في عمّار ووالديه وجماعة من المؤمنين حيث عذّبوا حتّى قتل والد عمّار ، لكنّه أظهر - من شدّة التعذيب - كلمة الكفر وقلبه مطمئنّ بالإيمان ، فأتى - عمّار - رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله باكيا ، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يمسح عينيه ويقول : « ما لك ؟ إن عادوا لك فعد لهم بما قلت » « 3 » .
قال الرازي بعد ذكر الواقعة :
المسألة الرابعة : يجب هاهنا بيان الإكراه الذي عنده يجوز التلفّظ بكلمة الكفر ، وهو أن يعذّبه بعذاب لا طاقة له به ، مثل التخويف بالقتل ، ومثل الضرب الشديد والإيلامات القويّة » « 4 » .
هذا وقد بحث الفقهاء حول القاعدة ، وحدودها ، والخوف المجوّز لذلك ، وما يستثنى منها كالدماء ونحوها : فقالوا - مثلا - : « لا تقيّة في الدماء » بمعنى أنّ التقيّة لا تبرّر إراقة دم المسلم ، وذلك لما ورد : « . . . إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم ، فإذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة » « 1 » .
والنصوص الواردة في التقيّة عن طريق أهل البيت عليهم السلام كثيرة .
----------------------------