يتساءل البعض عن موقف بعض الفقهاء من تلقيح البويضة خارج الرحم بماء الاجنبي، ثم ادخال البويضة الملقحة في الرحم، حيث احتاط بعض الفقهاء، وحكم البعض الاخر بعدم لزوم الاحتياط استناداً إلى جريان البراءة، مع وجود روايات تدل على حرمة اهراق المني في رحم الاجنبية، وهنا أنقل جوابين لآية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله):
١- السؤال: هل يجوز تلقيح المرأة بالحويمن المستخرج من ماء رجل أجنبي؟ وما هو الفرق بينه وبين البويضة المخصّبة، حيث ذكرتم جواز نقلها إلى رحم امرأة أجنبيّة؟
الجواب: إدخال نطفة الرجل الاجنبي في رحم المرأة حرام، سواء أكان ذلك بإدخال مائه، أو بإدخال الحويمن المستخلص منه، وهو المستفاد من بعض النصوص المعتبرة، وأمّا البويضة المخصّبة خارج الرحم بحويمن الرجل الاجنبي فلا دليل على حرمة إدخاله في رحم المرأة.
٢- السؤال: اذا كان العقم بسبب الزوج فهل يجوز حقن المرأة بماء غير الزوج و قد يكون هذا الشخص من المحارم للزوجة؟
الجواب: لا يجوز، بل حتى إذا تمّ التخصيب في خارج الرحم ثمّ أرسلت البويضة المخصّبة في رحم الزوجة على الأحوط.
وقد شنع البعض على هذا، وجعله سبباً للطعن في المراجع العظام!
بقلم / الشيخ حيدر السندي
وليس ثَم جواب أفضل من بيان أن هذا المشنع يدعي الغيرة على مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، وهو في تشنيعه يلغي منهجهم ويتبع غير سبيلهم، وذلك بأن يقال:
إن حقيقة جواب السيد السيستاني (حفظه الله) ومن وافقه بيان لحكم ظاهري للتلقيح خارج الرحم، وادخال شيء جديد متخلق من التلقيح وهو البويضة الملقحة، وهو غير المني ولا تشمله روايات حرمة اهراق الماء في رحم الاجنبية.
وهذا الحكم الظاهري نتيجة حتمية بعد عدم بيان النبي (صلى الله عليه واله) والأئمة (عليهم السلام) مع سعة علمهم لحرمة وضع البويضة الملقحة في الرحم، بل قالوا: (رفع عن أمتي مالا يعلمون)، و (كل شيء لك حلال حتى يرد فيه نهي)، فما ذكرته الفتوى مأخوذ من قول المعصومين (عليهم السلام)، والله تعالى له الحكم المطلق، والمعصومون ناطقون عنه فلا ينبغي أن نكون ملكيّين أكثر من الملك، وندعي فطرة أنقى من فطرتهم جهلاً، فالراد عليهم راد على الله.
لا قيمة لما نراه بلا علم وبينة
وقد يقول قائل: لا نرى فرقاً بين تلقيح البويضة خارج الرحم وادخالها في الرحم وبين اهراق ماء الاجنبي مباشرة، فالعلة في التحريم واحدة.
والجواب: لا قيمة لما يراه العباد ويدعونه بلا علم وبينة، فنحن متدينون بما يحكم به رب العباد، وقد حدد لنا تعالى منهج الاستدلال، وما بينه هو المفرّق في مقام الافتاء، ولو كان للعباد أن يفرقوا وفقاً لأهوائهم لجعلت عدة المطلقة كعدة المتمتع بها، أو كعدة الوفاة، فأي فرق من جهة حصول النكاح و الفِراق؟!
ولجعل الطواف مع جعل الكعبة عن اليمين كالطواف مع جعلها على الشمال، فأي فرق فكلاهما طواف؟!
وكيف لنا أن نحيط بملاكات أحكام الله فنقيس وضع البويضة على اهراق المني، فنتبع منهج أبي حنيفة، و نقول كما قال أبان في دية اصابع المرأة: (إن هذا كان يبلغنا ونحن في العراق فنقول إن الذي جاء به شيطان)، فنهاه الامام (عليه السلام) وبين له أن السنة اذا قيست محق الدين، وليس ما يقوم به البعض من التشنيع استناداً إلى أوهام مع عدم مراعاة ما تقتضيه الأدلة المُلزم بها الفقيه في مقام الافتاء إلا من اتباع المزاج بلا آية بينة و دليل شرعي تام.
نعم، للفقيه أن يبحث الادلة بحثاً علمياً وينقد الاستدلال بنقد علمي، ويختار رأياً، وأين هذا من تشنيع من لم يعرف الاجتهاد ولا طرقه الاستدلالية؟