رواية : إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك

 🟣 بطلان الاستدلال بقول الشيخ المفيد على حرمة التقليد في فروع الدين ، وكذلك مناقشة الرواية ( إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك ... ) 🟣


قال الشيخ المفيد قدس سره :

(( ولا يصح النهي عن النظر لأن في العدول عنه المصير إلى التقليد والتقليد مذموم باتفاق العلماء ونص القرآن والسنة .

قال الله تعالى ذاكراً لمقلدة من الكفار وذاماً لهم على تقليدهم : ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم ) زخرف ٢٣ - ٢٤ .


وقال الصادق عليه السلام : ( من دخل في هذا الدين بالرجال أخرجه منه الرجال كما أدخلوه فيه ، ومن دخل فيه بالكتاب والسنة زالت الجبال قبل أن يزول ) بحار الانوار  ج ٢ ص ١٠٥


وقال عليه السلام : ( إياكم والتقليد ، فإنه من قلد في دينه هلك) إن الله تعالى يقول : ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ) ( التوبة ٣١ ، فلا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ، ولكنهم أحلوا لهم حراماً ، وحرموا عليهم - حلالاً ، فقلدوهم في ذلك ، فعبدوهم وهم لا يشعرون ) .


وقال عليه السلام : ( من أجاب ناطقاً فقد عبده ، فإن كان الناطق عن الله تعالى فقد عبد الله ، وإن كان الناطق عن الشيطان فقد عبد الشيطان ) .


ثم قال قدس سره : فصل :


ولو كان التقليد صحيحاً والنظر باطلاً لم يكن التقليد لطائفة أولى من التقليد لأخرى ، وكان كل ضال بالتقليد معذوراً ، وكل مقلد لمبدع غير موزور ، وهذا ما لا يقوله أحد ، فعلم بما ذكرناه أن النظر هو الحق والمناظرة بالحق صحيحة ، وأن الأخبار التي رواها أبو جعفر رحمه الله وجوهها ما ذكرناه ، وليس الأمر في معانيها على ما تخيله فيها، والله ولي التوفيق )) انتهى كلامه ص ٧٣ و ٧٤ .


أقول : وكلامه قدس سره واضح يتعلق بأصول الدين والتقليد فيه غير جائز عند مشهور العلماء وانما أوجبوا فيها النظر والاستدلال  ، ولا يتعلق كلامه بفروع الدين الذي جوزه جميع العلماء ضمن شروط معينة . وكيف يحرم التقليد وهو كان مرجع تقليد وعنده رسالة عملية بأسم المقنعة ؟! .


ولكن قد يقال ان قول الامام عليه السلام : اياكم والتقليد … الى اخره  تدل على ذم التقليد وحركته .


✍️ والجواب : أن هذه الرواية غير موجودة في المجاميع الحديثية والكتب المشهورة ، فقط توجد في كتاب تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ، وهي رواية مرسلة لم يثبت صدورها من الامام عليه السلام فلا يجوز الاستناد اليها في إثبات أي حكم شرعي .


✍️وهكذا يمكن المناقشة في دلاتها فأن وجه الاستدلال بها أمران : الاول : الاطلاق  والثاني : التعليل .

١ - اما الاطلاق فقوله (عليهالسلام) : ( اياكم والتقليد ) فان النهي مطلق أي سواءً أكان تقليداً في الاصول او الفروع . 


٢ - واما الوجه الثاني هو التعليل فان قوله : ( من قلد في دينه هلك ) علة ، وهي عامة فتشمل التقليد في الفروع .


🔶 ويمكن ذكر ثلاث مناقشات في دلالتها ، هذا لو سلمنا صحة سندها وتقدّم انه غير صحيح .


1⃣ - ان الامام عليه السلام استدل بالآية الكريمة وهي واضحة في وجه الذم والتحريم وهو ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ ) أي انهم اعتبروا هذا المقلَّد مصدراً للتشريع من دون الله ، وهذا ممّا لا شك في حرمته ، فلا أحد يقول ان مقلَّده ومرجعه هو مصدر التشريع في مقابل الله تعالى .  اما من يجيز التقليد فانه يقول ان المجتهد الذي نريد تقليده انما نقلده لأنه مجرد طريق الى الكشف عن الكتاب والسنة ولأنه يستند في شرعيته إلى انه يجد ويجتهد لتحصيل احكام الشريعة ، وليس ممّن يعتبر نفسه ربّاً من دون الله ، اذن هذه القرينة واضحة لتحديد مراد الإمام (عليه السلام) : فانه من قلّد في دينه هلك .


2⃣ - أن مفاد (ذلك) في كلام الامام إذ قال ( ولا والله ما صلوا لهم ولا صاموا ولكنهم احلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا فقلدوهم في ذلك ) أي أنهم قلدوهم في تحريم الحلال وعكسه ، ولا قائل بجواز تقليد المرجع اذا احل الحرام أو حرم الحلال . بل من يفعل ذلك يحرم تقليده وتسقط عدالته وهو من كبائر الذنوب . أذن الرواية لا تدل حرمة اتباع المجتهد العادل الجامع للشرائط المستفرغ وسعه لكي يصل الى حلال الله فيفتي على طبقه بالحلية أو يصل الى الحرام فيفتي على طبقه بالتحريم . 


3⃣ - هذه الرواية لو فرض انها تامة دلالة ولكن لابد من طرحها بسبب الروايات المتعددة التي دلت (على أن الرواية الموافقة كتاب الله فخذوا به وما خالف كتاب الله فدعوه ) وهذه لرواية مخالفة للأدلة الكثيرة القرآنية والروائية الدالة على جواز التقليد بل وجوبه كقوله تعالى : ( فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) فان على المنذَر في ما انذر فيه ان يرتدع ، رغم انه ليس بمجتهد في ذلك ، لأن المنذرين عادة مقلدون ، لأن الاجتهاد في كل ما ينذَر به الانسان يقتضي سنين من الدراسة في الادلة .

تعليقات