أحكام التشريح في منظور عصري
مقتبس من: فقه الحضارة، السيد السيستاني، ص 13-15
التشريح عملية يفرضها الواقع الطبي كشفا عن الجرائم حينا ، وتعليما لطلاب الدراسات الطبية حينا آخر ، وتوصلا إلى حقائق الأشياء المجهولة بعض الأحايين ، وهو بعد مادة تدريسية على منتسبي كلية الطب اجتيازها بنجاح .
والمشكلة المعاصرة التي يعاني منها الطب في البلدان الإسلامية والعربية هي حرمة الإنسان حيا وميتا عند المسلمين في ضوء تعليمات الدين الحنيف ، فالمسلمون لا يسلمون موتاهم للتشريح لهذا الملحظ من وجه ، وللعاطفة المتأصلة في النفوس من الشفقة والعطف بهذا الميت أو ذاك لقربه منهم ، ولحبهم له ، ولحرمته عندهم ، فكيف يسلمونه استسلاما ، وهم يستطيعون الحفاظ عليه من كل غائلة وهو واجبهم الشرعي الذي لا محيص عنه .
والطب العدلي ، والغرض العلمي يتطلبان معا توفير الجثث للتشريح ، وقد اضطرت جملة من المؤسسات الطبية إلى استيراد الجثث من الخارج ، أو شرائها من الذين يبيعون جثثهم في حياتهم ، وذلك لتحقيق الجانب العلمي والتعليمي والعدلي الذي توفره نتائج التشريح في هذه المستويات بخاصة .
ولما كانت ضرورة التشريح قائمة بذاتها ، ولا خلاص منها ، ولا مناص عنها ، فقد استفرغ الفقه الحضاري جهده التشريعي ، وأعطى الحلول الكفيلة بتقليص حجم المشكلة إلى أدنى مستوى ممكن . فلا يجوز تشريح بدن الميت المسلم ، ويجوز تشريح بدن الميت الكافر ما عدا محقون الدم ، ومع هذا فيجوز تشريح بدن الميت الكافر محقون الدم في حالتين هما : إذنه في حال الحياة بذلك ، أو إذن وليه بعد وفاته . وعند الضرورة القصوى يجوز تشريح بدن المسلم في حالة توقف حياة أحد المسلمين عليه ضمن تدرج سيأتي فيما بعد . وإليك في هذا الضوء معالجة سماحة السيد السيستاني دام ظله الوارف للموضوع من خلال ما توافر لدينا من فتاواه الشرعية :
1 - لا يجوز تشريح بدن الميت المسلم ، فلو فعل ذلك لزمته الدية على تفصيل مذكور في كتاب الديات .
2 - يجوز تشريح بدن الميت الكافر بأقسامه إذا لم يكن محقون الدم في حال حياته ، وإلا - كما لو كان ذميا - فالأحوط لزوما الاجتناب عن تشريح بدنه ، نعم إذا كان ذلك جائزا في شريعته - مطلقا أو مع إذنه في حال الحياة ، أو إذن وليه بعد الوفاة - فلا يبعد جوازه حينئذ . وأما المشكوك كونه محقون الدم في حال الحياة ، فيجوز تشريح بدنه إذا لم تكن أمارة على كونه كذلك .
3 - لو توقف حفظ حياة مسلم على التشريح ، ولم يكن تشريح الكافر غير محقون الدم ، أو مشكوك الحال ، جاز تشريح غيره من الكفار ، وإن لم يكن ذلك أيضا ، جاز تشريح المسلم ، ولا يجوز تشريح المسلم لغرض التعلم ونحوه ما لم تتوقف عليه حياة مسلم .
بالإضافة إلى ما تقدم فقد تطلب بعض الدوائر في بعض الحالات تشريح جثة المتوفى لمعرفة سبب الوفاة . فمتى يجوز السماح لها بذلك ؟ ومتى لا يجوز .
وقد أفتى سماحة السيد دام ظله بقوله :
لا يجوز لولي الميت المسلم أن يسمح بتشريح جسد الميت للغرض المذكور ونحوه ، ويلزمه الممانعة منه مع الإمكان .