تحريف القرآن الكريم عند الامامية بين الحقائق والاوهام
السيد زين العابدين المقدس الغريفي
تعمد اعداء التشيع قديماً وحديثاً الكذب والافتراء عليه ، لتشويهه أمام ابناء الامة حتى يبتعدوا عنه لئلا يتشيعوا ، فعمدوا الى افتراء التهم وكيل الاباطيل عليه في جوانب شتى سواء كانت عقدية أم عملية ، ومنها تحريف القرآن !! ، لكن حبل الكذب قصير والباطل لا يدوم ، فاليوم كُشف كذبهم عبر وسائل الاعلام من كتب وصحف وفضائيات .. وبان واقعهم بكذب دعواهم وزيف مدعاهم .
فاعتقاد الامامية بان القرآن هو كتاب الله سبحانه المنزل على رسوله (ص) المقرون بالتحدي على سبيل الاعجاز المحفوظ بين الدفتين بلا زيادة ولا نقصان ، وقد صرح غير واحد من اعلامنا في كتبهم كالصدوق والمفيد والمرتضى والطوسي بعدم التحريف واستدلوا لذلك فراجع .
وعليه فما يرد من شبهات حول القرآن الكريم باطل مردود لقوله تعالى : [لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ] فصلت/42 ، وقوله تعالى : [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]الحجر/9 ، ومما يدل على حفظه وبقاءه أمور :
الاول : ان القرآن الكريم كان قد جمع في عهد الرسول (ص) بأمر منه (ص) ، اذ أمر جملة من اصحابه بكتابة ما ينزل عليه من آيات وسموا بعد ذلك بكتاب الوحي وكان على رأسهم أمير المؤمنين (ع) وجملة من الانصار كابي بن كعب وزيد بن ثابت وابوه وغيرهم ، لكي يمنع دخول شبهة التحريف أو الزيادة والنقصان عليه ، وعليه دل النص والعقل .
الثاني : اقرار الائمة (ع) للمصحف الشريف اذ ارجعوا اتباعهم اليه في مقام العمل والاعتقاد ، وارجاعهم هذا لا يخلوا من امور ثلاثة : أما ان يكونوا قد ارجعوا اصحابهم الى كتاب محرف ، أو يكون ارجاعهم الى غير هذا المصحف أو يكون ارجاعهم الى هذا المصحف الموجود بين الدفتين ، وكلا الاحتمالين الاولين باطلان ، فاما الاول لعدم جواز التعبد بما هو محرف واما الثاني فلعدم وجود مثل هذا المصحف بين اصحابهم فيتعين الاحتمال الثالث والا كان كلامهم لغوا وحاشاهم .
الثالث : قد ترك رسول الله (ص) لامته ثقلين وخليفتين ، وأمر بالتمسك بهما وطاعتهما وعدم التخلف عنهما ، وعليه لابد من وجودهما في كل عصر لكي تعصم الامة من الضلال ، واثبات التحريف اثبات لكذب رسول الله (ص) والتالي باطل فلزم سلامة المصحف منه ، وهذا النص من اهم النصوص التي يستدل بها الامامية على اثبات احقيتهم منذ العصر الاول للرسالة .
الرابع : من الاصول المعتمدة في قبول الخبر أو عدمه عندنا هو الرد الى كتاب الله تعالى ، فما وافق الكتاب نأخذ به وما خالفه فهو زخرف ، فلو كان محرفاً كما يدعون فكيف يتم الرد اليه ؟!!! .
الخامس : ان الامامية أستدلوا بآيات الكتاب في اغلب موارد الدين عقيدة وشريعة وجعلوها اساساً في التشريع ثم اردفوها بالسنة تفسيرا وتبيينا وتفصيلا ، فلو كان محرفاً لما كان حجة في الاعتقاد والعمل فتامل .
اهتمام الشيعة بالقرآن الكريم لا يتناسب مع قولهم بالتحريف :
أهتم شيعة أهل البيت (ع) بالقرآن الكريم ، ببيان فضله وتلاوته وتدبره وتفسيره بما ورد عن أهل بيت النبوة (ع) ، ووضعوا لذلك الدراسات والابحاث ، كونه أول واعظم مصدر من مصادر التشريع في الاسلام .
وعلى هذا قام مذهب أهل البيت (ع) منذ العصر الاول للاسلام والى يومنا هذا اذ لم يكن القرآن غائبا عنهم فَهْمَا ًوتفسيرا وتدريساً ، كما يعد سلف الامامية أول من أسس لعلومه وصنف في فنونه ، نذكر منها :-
1- ما صنف في متشابه القرآن : ويعد أول من صنف فيه حمزة بن حبيب الزيات الكوفي احد القراء السبعة ومن اعلام القرن الاول ثم الشريف الرضي له كتاب (حقائق التأويل في متشابه التنزيل) وكذلك الشريف المرتضى له كتاب (المحكم والمتشابه) وغيرهم آخرون .
2- ما صنف في غريب القرآن : ويعد أول من صنف فيه آبان بن تغلب له كتاب (الغريب في القرآن) من اعلام القرن الثاني ثم المفضل بن سلمة له (ضياء القلوب في معاني القرآن وغريبه ومشكله) وتبعهم آخرون .
3- ما صنف في مجازات القرآن : وممن صنف فيه قطرب النحوي له (كتاب مجازات القرآن) في القرن الثاني ، ثم الشريف الرضي له (تلخيص البيان من مجازات القرآن) وآخرون .
4- ما صنف في آيات الاحكام : ويعد أول من صنف فيه محمد بن سائب الكلبي من اصحاب الامام الباقر ثم عباد بن عباس وتبعهم جمهرة كبيرة من اعلام الطائفة .
5- ما صنف في اسباب النزول : وممن صنف في هذا محمد بن خالد البرقي له (التنزيل والتعبير) في اواخر القرن الثاني ثم ابراهيم بن محمد الثقفي له (ما نزل من القرآن في امير المؤمنين) ، وغيرهم آخرون .
6- ما صنف في الناسخ والمنسوخ : وممن صنف في هذا عبد الرحمن الاصم المسمعي له (الناسخ والمنسوخ) من اعلام القرن الثاني ثم ابو الحسن دارم بن قبيصة التميمي له كتاب (الناسخ والمنسوخ) في اواخر القرن الثاني ثم علي بن ابراهيم بن هاشم له كتاب الناسخ والمنسوخ في اواخر القرن الثالث ، وقد صنف في هذا المجال جمهرة من اعلامنا فراجع .
كما لمع نجم علمائنا في التصنيف في معاني القرآن واجزاءه وتلاوته واعرابه .
وأما ما كتب في التفسير فاكثر من ان يحصى ولعل اهمها : تفسير ابي حمزة الثمالي وتفسير النعماني وتفسير فرات الكوفي وتفسير العياشي في القرن الثاني وتفسير علي بن ابراهيم في القرن الثالث وتفسير التبيان لشيخ الطائفة في القرن الرابع وتفسير مجمع البيان للطبرسي في القرن السادس وتفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ، حتى اصبح لدى الشيعة الامامية اليوم المئآت من كتب التفسير للقرآن وهذا يكشف عن مدى اهتمامهم الواسع في القرآن الكريم .
ولمن اراد التوسع والاطلاع مراجعة كتاب اعيان الشيعة للسيد محسن الامين وكذلك الذريعة للشيخ اغازبرك الطهراني وكذلك تاسيس الشيعة لعلوم الاسلام للسيد حسن الصدر .
وهنا يطرح التساؤل : هل يعقل ان يهتم الشيعة في اغلب عصورهم بما هو محرف ؟!!! اللهم هذا افك عظيم ثم لو كان هنالك تحريف لما سكت الائمة (ع) ولبينوا ذلك لاصحابهم (رض) ولتناقلت كتب الحديث ذلك مما هو صحيح يُعتمد عليه !! .
ما روي في فضل القرآن الكريم :
عند استقراء وتتبع ما رواه الشيعة من الاثار الواردة عن اهل البيت (ع) في اوامرهم في حفظ القرآن وتدبره وتعلمه يظهر مدى الاهتمام به فلا تكاد تخلو كتب الحديث من ذكر القرآن الكريم عندهم .
وكان من جملة ما ورد عنهم (ع) ما رواه ثقة الاسلام المحدث الكبير الشيخ الكليني (قدس سره) في كتابه الكافي وهي كالتالي :
1- عن سماعة بن مهران قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): [إن العزيز الجبار أنزل عليكم كتابه وهو الصادق البار، فيه خبركم وخبر من قبلكم وخبر من بعدكم وخبر السماء والارض ولو أتاكم من يخبركم عن ذلك لتعجبتم] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص599 .
2- عن أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): [أنا أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة وكتابه وأهل بيتي ثم امتي، ثم أسألهم ما فعلتم بكتاب الله وبأهل بيتي] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص600 .
3- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى فليجل جال بصره ويفتح للضياء نظره فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص600 .
4- عن أبي جميلة قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): كان في وصية أمير المؤمنين (عليه السلام) أصحابه: [اعلموا أن القرآن هدى النهار ونور الليل المظلم على ما كان من جهد وفاقة] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص600 .
5- عن أبي عبد الله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: [شكا رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وجعا في صدره فقال (صلى الله عليه وآله): استشف بالقرآن فإن الله عز وجل يقول: " وشفاء لما في الصدور] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص600 .
6- عن الخشاب، رفعه قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): [لا والله ولا يرجع الامر والخلافة إلى آل أبي بكر وعمر أبدا ولا إلى بني امية أبدا ولا في ولد طلحة والزبير ابدا وذلك أنهم نبذوا القرآن وأبطلوا السنن وعطلوا الاحكام، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): القرآن هدى من الضلالة وتبيان من العمى واستقالة من العثرة ونور من الظلمة وضياء من الاحداث وعصمة من الهلكة ورشد من أي يغنيك على ما كان لك من الشدة والفاقة] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص600 .
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: [إن القرآن زاجر وآمر يأمر بالجنة ويزجر عن النار] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص601 .
7- عن يونس بن عمار قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): [إن الدواوين يوم القيامة ثلاثة: ديوان فيه النعم وديوان فيه الحسنات وديوان فيه السيئات، فيقابل بين ديوان النعم وديوان الحسنات فتستغرق النعم عامة الحسنات ويبقى ديوان السيئات فيدعى بابن آدم المؤمن للحساب فيتقدم القرآن أمامه في أحسن صورة فيقول: يا رب أنا القرآن وهذا عبدك المؤمن قد كان يتعب نفسه بتلاوتي ويطيل ليله بترتيلي وتفيض عيناه إذا تهجد فأرضه كما أرضاني قال: فيقول العزيز الجبار: عبدي أبسط يمينك فيملاها من رضوان الله العزيز الجبار ويملا شماله من رحمة الله، ثم يقال: هذه الجنة مباحة لك فاقرأ واصعد فإذا قرأ آية صعد درجة] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص602 .
8- عن الزهري قال: قال علي ابن الحسين (عليهما السلام): [لو مات من بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون القرآن معي. وكان (عليه السلام) إذا قرأ " مالك يوم الدين " يكررها حتى كاد أن يموت . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص602 .
9- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أهل القرآن في أعلى درجة من الآدميين ما خلا النبيين و المرسلين فلا تستضعفوا أهل القرآن حقوقهم فإن لهم من الله العزيز الجبار لمكانا عليا] . الكافي . كتاب فضل القرآن . ج2 . ص602 . باب فضل حامل القرآن . ح1 .
10- عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: [من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة وكان القرآن حجيزا عنه يوم القيامة، يقول: يا رب إن كل عامل قد أصاب أجر عمله غير عاملي فبلغ به أكرم عطاياك، فيكسوه الله العزيز الجبار حلتين من حلل الجنه ويوضع على رأسه تاج الكرامة ثم يقال له: هل أرضبناك فيه؟ فيقول القرآن: يا رب قد كنت أرغب له فيما هو أفضل من هذا فيعطى الامن بيمينه والخلد بيساره ثم يدخل الجنة فيقال له: اقرأ واصعد درجة، ثم يقال له: هل بلغنا به وأرضيناك فيقول: نعم. قال: ومن قرأه كثيرا وتعاهده بمشقة من شدة حفظه أعطاه الله عز وجل أجر هذا مرتين] .
موقفنا ممن قال بتحريف القرآن :
لا ريب ان من انكر القرآن الكريم أو انكر آية منه أو رد عليه أو انتقص كافر بالإسلام مارق عنه ، بل ان تعمد توهينه بشتى طرق التوهين كفر وهذا مما يتفق عليه اعلام الامامية ، قال الشيخ المظفر في معرض حديثه عن اعتقاد الامامية بالقرآن الكريم : [ونعتقد ايضاً بوجوب احترام القرآن الكريم وتعظيمه بالقول والعمل ، فلا يجوز تنجيس كلماته حتى الكلمة الواحدة المعتبرة جزأ منه على وجه يقصد انها جزء منه ... كما لا يجوز احراقه ، ولا يجوز توهينه بأي ضرب من ضروب التوهين الذي يعد في عرف الناس توهينا ، مثل رميه أو تقذيره أو سحقه بالرجل أو وضعه في مكان مستحقر ، فلو تعمد شخص توهينه وتحقيره بفعل واحد من هذه الامور وشبهها فهو معدود من المنكرين للاسلام وقدسيته المحكوم عليهم بالمروق عن الدين والكفر برب العالمين] عقائد الامامية : ص41-42 .
أما من قال بتحريف القرآن الكريم لشبهة وهو معتقد بان القرآن هو كتاب الله تعالى ومعجزة الرسول (ص) فهو ضال على غير هدى لكن لا يحكم بكفره ، شأنه شأن الصحابي عبد الله بن مسعود الذي انكر كون المعوذتين من القرآن وكان يحكهما من مصحفه ، ولم يكفره المسلمون عامة .
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : [وأيضا فإن السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي و أنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة وأنكر بعضهم رؤية محمد ربه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة ، وكان القاضي شريح ينكر قراءة من قرأ ( بل عجبتَ ) ويقول : إن الله لا يعجب ، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه ، وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول ( بل عجبتُ ) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة ، وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة ، وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن ، من إنكار بعضهم قوله {أَفَلَمْ يَيْئَسْ الَّذِينَ آمَنُوا} وقال : إنـما هي ( أولم يتبين الذين آمنوا ) ، وأنكر الآخر قراءة قوله {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} . إنـما هي : ( ووصى ربك ) ، وبعضهم : كان حذف المعوذتين ، آخر يكتب سورة القنوت . وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر ، ومع هذا فلم يكن قد تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر] . مجموع الفتاوى لابن تيمية : ج12 ص492 .
فلم يكفر من قال ان المعوذتين ليستا من المصحف وكذلك من اضاف سورة القنوت اليه لشبهة ، مع ان الاجماع قام على بطلانها ، فكذلك موقف الشيعة في عدم التكفير .
ونسأل الله سبحانه وتعالى ان يهدي الجميع لما فيه الفلاح والنجاح انه نعم المولى ونعم النصير .