آية الله العظمى

السيد عدنان بن علوي الموسوي

قدس سره

نسبه وأسرته ومولده: هو العلامة السيد عدنان بن علوي آل عبد الجبار القاروني الموسوي ويتصل نسبه الرفيع بالسيد إبراهيم المجاب ابن الإمام موسى الكاظم (ع)، وأصل أسرته العلمية (القاروني) من توبلي إحدى القرى الشهيرة، ولكنه من مواليد البلاد القديم سنة 1302هـ-1884م على أقرب وجه.

أحواله الدراسية والعلمية :

أساتذته:

(( قرأ المقدمات على فضلاء عصره والعلماء الكبار، منهم خاله العلامة السيد علوي السيد حسين، ثم هاجر إلى النجف الأشرف في سن مبكرة ولشدة ذكائه وحضور ذهنه تقدم في دراسته سريعا، فتلمذ على يدي الشيخ هادي الشيخ عباس كاشف الغطاء، والشيخ ضياء الدين العراقي والفيلسوف العالم الكبير الشيخ عبد الكريم الزنجاني، بعد ذلك حضر أبحاث الشيخ ميرزا حسين النائيني والسيد أبي الحسن الأصفهاني المرجع الأعلى في عصره والشيخ محـمد رضا آل يس (وهؤلاء الأعلام هم خيرة مراجع النجف في النصف الأول من القرن الرابع عشر).

وصار له نبوغ في علم القواعد والمنطق والأصول والفقه والرياضيات وعلم الفلك، وفاقت محاضراته نشاطات من عاصره وباحثه وناظره في جو علمي مزدهر، وفي ظل استقرار الحوزات العلمية آنذاك وصار بعد ذلك من كبار المدرسين وكثر حوله الطلاب والمريدون.

عودته الأولى إلى البحرين:

رجع من هجرته العلمية إلى موطنه وسكن في دار مولده (البلاد القديم) فالتحق به جملة من الطلاب ليستقوا من منهله، منهم الشيخ العلامة محمد علي المدني الذي كان صديقا وصاحبا له وتربطه به علاقة نسب، وكان سبب عودته إلى البحرين هو تجديد العهد بوالدته العابدة الزاهدة بعد اقترانه بالمحمرة بابنة خاله السيد علوي السيد حسين القاروني سنة 1327هـ.

هجرته للنجف مرة أخرى:

استأنف الرحلة إلى النجف بالعراق مرة أخرى للمزيد من التحصيل ولحضور الأبحاث الخارجية مع أساطين العلماء في تلك الحقبة التاريخية في حدود سنة 1329هـ – 1911م.

ورافقه صاحبه وصديقه الشيخ محمد علي المدني، وأقاما في النجف حتى نهاية عام 1334هـ، في السنة التي احتلت بريطانيا العراق بعد انتصارها على الدولة العثمانية، والظاهر أن سبب عودتهما هو سوء الأوضاع السياسية وتوتر الأوضاع من جراء تصاعد الحرب العالمية الأولى، ومع ذلك فقد عادا بعد أن نالا من الإجازات والشهادات ما يثبت الفقاهة والأهلية لتولي كافة المناصب الشرعية .. وقد أقبل السيد عدنان وحظي بسمعة كبيرة وأحبه الناس فصار الموجه والمفضل والمرشد، لكثير من أهل بلده وغيرهم.

يقول ابنه السيد محمد صالح الخطيب الشهير أنه لما عاد والده مع صاحبه الشيخ محمد علي إلي البحرين سنة 1335 هـ ـ 1916 م، نشرت لقدومه أعلام الفرح والزينة، وأنشدت القصائد في حقه، وفي مقدمتهم صاحبه وتلميذه الشيخ محمد علي المدني، القائل في حقه قصيدة طويلة بمناسبة قدومه، من بينها هذه الأبيات:

فخرت أوال بطلعة البدر********من آل طه السادة الغرِّ

عدنان من بلغ الكمال ومن********قد جر أذيالا على النسرِ

من راع كل الناس سؤدده********متجددا بتجدد الدهرِ

مـن سـار للعليـاء يخـطـبها********حتى سرى بالنـجـم في القفرِ


ومنها يقول أيضا :

من معشر كانوا الهداة لنا********في عالم الأرواح والذّرِ

فشريعة المختــار من شـغف********ألقـت إليـه مقــالد الأمــرِ

إنسان أعينها الوحيد وعين********أناسها أغلوطة العصرِ

قد بذ شمس نهارها بسنا********منه اضمحلت ظلمة الكفرِ


وفي آخرها هذين البيتين :

خذها عروس الشعر في حلل********الشعرى لقطب الشرع تستقري

قـد عـاد مثل البـدء آخـرها********فخرت أوال بطـلـعة البدرِ


مقامه العلمي بين فقهاء عصره في الخليج:للأمانة التاريخية فإن السيد الجليل رحمه الله يعتبر عالم القرن الرابع عشر الهجري الأول في الخليج، ولا أقول هذا جزافا، فالشواهد على ذلك واقع الاعتراف به من قبل مراجع الدين وأساطين الحوزة في النجف (تلك الجامعة الإسلامية المشهورة). فلا يوجد عالم بحراني في بداية هذا القرن وبعد منتصفه اعترفت به النجف وأجيز من قبل علمائها واعترف بفضله وبتقدمه وذكائه مثل السيد . قال عنه المؤرخ الكبير الشيخ (أغابزرك الطهراني) في كتاب (نقباء البشر في القرن الرابع عشر):

((كان من أهل العلم البارعين، ورجال الفضل الكاملين درس على علماء عصره ومشاهيره، حتى حاز قسطا وافرا من المعرفة، وحظي بسمعة في بلاده، وأحبه الناس وصار موجها مبجّلا )).

وقال في حقه الشيخ سلمان بن عبد المحسن الخاقاني في مقدمة كتاب مشارق الشموس الدرية والمؤرخة في ربيع الأول عام 1390 هـ (( والمرحوم السيد عدنان سمعنا به كثيرا لأنه من علماء البحرين المبرزين في النصف الأول من هذا القرن ولكنا لم نعرف منزلته العلمية إلا من خلال كتابه هذا ـ فكتابه خير دليل على جليل منزلته في العلم وهو بالإضافة إلى الأدلة المنطقية التي يسوقها في مقام الاستدلال يمتاز بحسن الأسلوب ولعل حسن الأسلوب من مميزات علماء البحرين الذين يكتبون للتفهيم لا لبيان الأفضلية كما نشاهده في كتاب الحدائق الناضرة وغيرها )).

والسيد الكريم في حضوره الأبحاث مع أساطين عصره من الفقهاء الأعلام لفت نظرهم إلى تقدمه وتفوقه حتى قال فيه الفقيه الكبير الشيخ عبد الكريم الزنجاني في ضمن إجازته للسيد ما لفظه: (( حتى فاق السيد عدنان جملة الأمثال والأقران فهو بحمد الله ممن يشار إليه بالبنـان )).

وهذه مقتطفات من إجازات الفقهاء الواردة في كتاب مشارق الشموس الدرية للسيد المترجم:

الإجازة الأولى: من “الشيخ ميرزا محمد حسين النائيني الغروي” والتي أصدرها بتاريـخ 5 رجب 1332 هـ وفيها يقول ما لفظه في فقرة من إجازته: ((وبعد: فإن ولدنا العامل وقرة عيننا الفاضل المسدد … جناب السيد الجليل والشريف النبيل السيد عدنان السيد علوي آل عبد الجبار الموسـوي البحراني … قد أقام في النجف عدة سنين باذلا جهده في الاستفادة من الأساطين وقد حضر أبحاثي الفقهية والأصولية حضور تفهم وتحقيق وتعمق وتدقيق حتى بلغ رتبة الاجتهاد مقرونة بالصلاح والسداد فلجنابه العمل بما يستنبطه من الأحكام على النهج الجاري بين الأعـلام … )).

الإجازة الثانية : من “السيد أبي الحسن الأصفهاني”، وهذه فقرة من إجازته: ((وأن من أولئك الأعلام والأساطين البررة العظام الورع الثقة العدل جناب السيد عدنان بن السيد علوي بن عبد الجبار الموسوي البحراني فإنه أعزه الله وصانه ورعاه ممن جدّ وتعب فاجتهد وسما إلى أقصى معاني الكمال فحاز منها القدح العلي وصار ليث الأحكام وفصل الخصام أهلا ومحلا فهو عند الله مجتهد عدل يجب عليه أن يعمل بنظره ويحرم عليه العمل بقول الغير)).

وله رحمه الله مثلها من الإجازات من كل من الفقهاء الشيخ ضياء الدين العراقي، والشيـخ محمد رضا آل يس الكاظمي. والشيخ عبد الكريم الزنجاني، وكما قلنا بأن هؤلاء هم خيرة فقهاء النجف وصفوة أهل التقوى والفضل والمكانة والشرف رضوان الله عليهم جميعا.

دعوته للقيام (بمقام الشيخ سليمان بن حرز بعد وفاته سنة 1340هـ) وإجابته للدعوة:

بعد وفاة الشيخ سليمان بن أحمد آل الحرز اختلت الساحة الدينية والقضائية، ومنيت المنطقة وما جاورها من السيحات والقرى والأرياف بفراغ مرجعي ديني كبير بعد أكثر من ربع قرن من عودة الروح العلمية والدينية والاجتماعية لها.

كان للشيخ أحمد ولد أصغر من الشيخ سليمان اسمه “أحمد” ولم يخلف أخاه لصغر سنه .

حينئذ اختلت الساحة العلمية من عالم يقوم بالوظائف الشرعية من أبناء حرز. فاضطر الأهالي وزعماء القرية وكبراؤها لاستدعاء العلامة السيد عدنان الموسوي الذي كان يسكن البلاد القديم آنذاك.

ولما وصلته الدعوة بإلحاح من وجهاء المنطقة، قبل دعوتهم، وقام بالوظائف الشرعية من إمامة جمعة وجماعة والأمور الحسبية والوصاية على الأيتام وقبول الأمانات والبحث العلمي والتدريس، كان السيد الجليل يواظب على صلاة الجمعة خلف الشيخ أحمد بن حرز، وابنه الشيخ سليمان الحرز وكان صديقا للأخير، وزميلا له في الدراسة في النجف الأشرف، مما ساعده على الاندماج مع الأهالي وكبار عوائل القرية مثل آل سند وآل الحلواجي وعائلة الكامل وعوائل أخرى.

وعاش معهم عزيزا مكرما مهابا محترما، مع تواضع منه جمّ وخلق رفيع وعلم غزير لدرجة أنه (رحمه الله) أسف على السنين التي ضاعت من عمره الشريف بعيدا عنهم، ومن مظاهر الاحترام والتبجيل لسماحته، أنه إذا خرج من بيته ينادي المنادي في السوق أن السيد خرج من بيته فيصمت من في السوق احتراما وينسلون للثم يده الكريمة أثناء مروره، وتعطل عمليات البيع والشراء حتى يختفي من الأنظار، كما يتسابق الرجال والشباب والصغار لأي مكان يحضره سواءً كان مأتما أو مسجدا أو مجلسا تقديسا للعلم والعلماء وتوقيرا له لكونه من سلالة الرسول صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين.

كان للشيخ أحمد بن حرز بنتا عالمة بالشريعة لم يجرؤ أحد أن يخطبها من أبيها لعدم وجود الكفء لها، شاءت الأقدار الإلهية أن تتزوج السيد عدنان، وهو السبب (مع جملة الأسباب الأخرى السابقة) الذي دعاه للاستقرار في جدحفص والتخلي عن السكن في البلاد القديم.

حياته الزوجية وذريته :

1. تزوج ببنت خاله وأستاذه في المحمرة سنة 1327هـ ـ 1909م، وأنجبت له السيد محمد صالح، الخطيب الحسيني المشهور، والشاعر العدناني، والبحاثة في فنون الأدب والتاريخ والفقه والعقائد، حيث ولد سنة 1338 هـ في البلاد القديم، ولما توفي عنه والده وهو ابن تسع سنوات كفله الشيخ محمد علي المدني، حيث كان الوصي عليه وابتعثته حكومة البحرين عام 1937م – 1356هـ للدراسة الإسلامية في (لكنهؤ) بالهند ورجع سنة 1940م – 1359هـ بعد انقطاع بعثته الدراسية بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية واضطراب الأوضاع السياسية في الهند والعالم آنذاك. ثم انتظم في سلك الخطابة الحسينية عام 1944م، واشتغل بالشعر والتأليف حتى صار من الخطباء البارزين، ونشب بينه وبين الجمهور في البحرين خلاف بسبب بعض الفقرات من كتابه (حصائل الفكر في أحوال الإمام المنتظر) الذي طبع سنة 1392هـ – 1972م، ولما سألت من أثق بهم من علماء الدين عن هذا الموضوع، أجابوني بأن الكتاب ليس عليه غبار من ناحية عقائدية، وكان من المدافعين عنه في ذلك الوقت الشهيد الشيخ عبد الله المدني، وغيرهم.

2. تزوج بالعالمة الفاضلة الورعة التقية سكينة بنت الشيخ أحمد بن حرز، فأنجبت له بنتا اسمها كريمة توفيت رحمها الله بعد وفاة والدها بسبع سنين في حدود سنة 1354هـ.

3. ثم تزوج ببنت خاله الثانية (بعد وفاة أختها ) عندما سافر إلى المحمرة قبل تعيينه في القضاء الشرعي، وعاد بها إلى البلاد، وتوفى قبل أن يعقب منها ذرية.

مناصبه الشرعية: بالإضافة إلى إمامة الجمعة والجماعة والفتيا والتدريس وتولي الأمور الحسبية والوصاية على الأيتام في المنطقة وغيرها تحمل السيد مسئولية المناصب التالية:

أولا : رئاسة ديوان الأوقاف: يرجع تأسيس ديوان الأوقاف الجعفرية إلى سيدنا المترجم مع تلميذه وصاحبه الشيخ محمد علي المدني، فقد شمرا للجد والعمل والمثابرة بعزيمة قوية دون ملل وكسل لتسجيل الأوقاف من الدور والبساتين والنخيل والأراضي وشبكات صيد الأسماك (الحضور) في السواحل والبحار … الخ.

وقصدا لتسجيل الأوقاف في كل قرية وكل سيحة ومنطقة بوسائل مواصلات ذلك العصر (الحمير والبغال) وبمشقة بالغة، وكان للسيد جهود كبيرة في التأسيس ووضع القواعد الشرعية لوجوه الوقف، وما نراه من نمو في ريع الوقف ما هو إلا ثماراً طيبة من غرسه الكريم، وكان الداعي للتأسيس والتسجيل والرصد للأوقاف هو خوف السيد والشيخ من ضياعها أو التعدي عليها أو غصبها.

بالإضافة لسهولة الرجوع إليها وفض المنازعات في هذا الشأن بكل يسر عن طريق الاستـناد إلى سجلّها العام. وقد تم استئجار بيت في المنامة (مقراً لديوان الأوقاف) وُظِّف فيه ثلاثة من الكتاب وهم سيد من المنامة والحاج أحمد بن سند والحاج مسعود بن سند من وجهاء جدحفص.

ثانيا : القضاء وولاية أمور القاصرين :

مارس عمل القضاء وأمور القاصرين (الأيتام) وإصلاح ذات البين وإيقاع الطلاق، وإجراء العقود الزوجية بوصفه فقيها يمارس وظيفته الشرعية مع كافة الأمور التي يشتغل بها من إرشاد الناس وإقامة صلاة الجمعة وصلوات الآيات والجماعة والأعياد والفتيا والتدريس .. ورئاسة الأوقاف.

ولكن تولي القضاء الرسمي في العاصمة ( المنامة ) وولاية أموال القاصرين، لم يكن إلا في عام 1346هـ الموافق 1927م.

وكان السيد عدنان يقضي بصفة رسمية في المنامة قبل إنشاء مبنى المحاكم بشارع الحكومة ولم يستمر في هذا المنصب إلا ثلاث سنوات تقريباً، إذ توفي بعد ذلك مخلفا حسرة الناس عليه.

مناقبه الاجتماعية:

إن عمله في القضاء والأوقاف وإدارة أموال القاصرين وتولي كافة الوظائف الشرعية الأخرى لم يمنعه من مواصلة البحث والتدريس والتأليف فقد كان يجمع بين عنفوان الشباب والنشاط والذكاء الفطري والعلم الغزير، والهيبة والشخصية الفذة والأخلاق العالية النبوية العلوية، ومن صفاته الأخرى إظهار الأسى والحزن والتألم والبكاء لمصائب أهل البيت عليهم السلام، وخاصة في أيـام المحرم، إذ لا يرى باسماً. ومن خصاله الكرم والضيافة، إذ كانت يده ممتدة لفعل الخير ومساعدة الفقراء والمحتاجين، والاهتمام بطلاب العلم ورعايتهم ومساندتهم ماديا ومعنويا. وفي هذا قال عنه الخطيب الأديب جعفر بن علي البغدادي:

كريـم رحيـم عـالم عيلم معـاً********هو البحـر كالأمـواج فيه المواهب

وكم من صفات فيه لم يحص عدها********كما ليس تحصى في السماء الكواكب


ومن إنجازاته التعليمية:

أسس (المدرسة المباركة العلوية) مع عدد من الوجهاء والأعيان والتي افتتحت في عام 1347هـ. وهي مدرسة أهلية خيرية أسست لتعليم أهل القرى وجلب لإدارتها ناظر من العراق، ولما أسست دائرة المعارف الحكومية تبدل اسمها إلى (مدرسة الخميس الابتدائية) وهي إحدى المدارس الحكومية المجانية منذ ذلك الوقت.

مؤلفاته:

له آثار علمية قيمة جدا تدل على تضلعه في المعقول والمنقول وفقاهته وغزارة علمه وحصافة رأيه وبعد نظره، وهي كالتالي:

1.هداية الوصول إلى علم الأصول.

2.مشارق الشموس الدرية في أحقية مذهب الأخبارية (بحث في الأدلة الشرعية).

3.شمس العلوم المضية في شرح اللمعة الدمشقية (بحث فقهي).

4.غاية المرام في تقريب علم النحو إلى الأفهام (بحث في قواعد اللغة العربية).

5.آية الشفاء في منافع الذكر والدعاء .

6.مجموعة خطب الجمعة والأعياد (من عام 1340هـ إلى 1348هـ).

7.مجموعة من القضايا التي حكم فيها يوم كان قاضيا.

8.دفتر الوقوفات (المسمى بدفتر سيد عدنان) ولا زال المرجع في منازعات الأوقاف القديمة، إذ هو السجل التأسيسي الموثق والمعتمد لإدارة الأوقاف الجعفرية والمحكمة الشرعية (الدائرة الجعفرية).

الوضع السياسي والاجتماعي والقضائي في عصره:

تعد الفترة التي بدأ فيها السيد بتولي مسئوليته الشرعية من أحلك الفترات في تاريخ البحرين السياسي والاجتماعي الحديث حيث عصفت بها قوى الاستعمار الأجنبي مبدية تدخلها السافر في شئون البحرين الداخلية، وتعرض استقلال البلاد لمفاهيم جديدة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والقسوة، وصار الوضع كما مر سابقا في ترجمة الشيخ سليمان بن حرز.

وعلى المستوى الاجتماعي تعرض نظام الأمن السائد للاختلال والاضطراب، وقامت السياسة الجديدة للمعتمد السياسي البريطاني بصب الزيت على النار، مما عقد الأمور، وهوجمت القرى الآمنة واشتعلت الفتن بين أفراد المجتمع.

ومن الأوضاع الاجتماعية الأخرى:

شيوع الفقر وتدني مستوى التعليم بسبب عدم وجود مدارس نظامية أو دينية في القرى إلا الكتاتيب (تعليم القرآن والحديث) التي يقوم بعض المعلمين والمعلمات بتدريسها الصبيان والفتيات للقادرين .. وبعض حلقات طلبة العلم الديني الفقهي في بعض زوايا المساجد. ولا يوجد في تلك الفترة إلا القليل ممن يعرف الكتابة والقراءة منهم الحاج أحمد بن سند والحاج مسعود بن سند وهما من كتاب ديوان الأوقاف.

أما الوضع القضائي في عصره:

فقد كان قاضي قضاة الطائفة الشيعية المرحوم العلامة الفقيه الشيخ خلف بن أحمد العصفور أحد أحفاد العلامة الأوحد الفقيه المتبحر في علوم أهل البيت عليهم السلام الشيخ حسين العصفور المقلد لأكثر أهل البحرين والخليج من الشيعة الإمامية. تولى القضاء الشرعي في المنامة بعد رجوعه إلى موطنه الأصلي في عام 1316هـ – 1898م، بعدها أجبر على السفر ثم استدعي ليتولى القضاء الرسمي في المنامة خلفا للشيخ سليمان بن حرز عام 1340هـ، 1921م. وصارت له سيطرة ونفوذ بين الطائفة الشيعية على غرار الشيخ قاسم المهزع قاضي قضاة الطائفة السنية، وتوجد أيضا من المحاكم الأخرى (المجلس العرفي) عبارة عن محكمة مدنية، ومحكمة لفض منازعات الغوص تدعى (سالفة الغوص) قضاتها من النواخذة. ومحكمة للأجانب في دار المعتمدية البريطانية يرأسها المعتمد السياسي المقيم في البحرين، أما القضايا الكبرى والجنايات فكان الحكم والفصل فيها لحاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة مع المستشار بلجريف في محكمة بيت الدولة.

موقفه من الوضع السياسي والاجتماعي والقضائي :

من ناحية الوضع السياسي فكان موقفه، لا يختلف عن زميله الشيخ سليمان بن حرز في تأييد استقلال البلاد وشجب التدخل الأجنبي في شئونها الداخلية.

أما عن الموقف من الأمور الاجتماعية فلم يختلف أيضا عن سلفيه الشيخ أحمد وابنه الشيخ سليمان، حيث كان ينصح قومه بالابتعاد عن الفتن والشنآن والعصبية التي سرت في الأمة بسبب مخالفة الشرع وتجاوز الأعراف الحسنة والعادات الأصيلة، فكان يأمر الناس في خطب صلاة الجمعة أو في مجالسه بالتمسك بالشريعة الغراء والقيم الأخلاقية الرفيعة ويذكرهم بالعذاب وسوء العاقبة بسبب المخالفات الشرعية ويركز في وعظه لهم بتحكيم الشرع الإلهي المقدس في كل أمورهم الدنيوية، وأن يتمسكوا بحبل الله جميعا وأن لا يتفرقوا عن علمائهم، حتى يعيش المجتمع في سلام وعزة وأمان ورخاء، ليتغلبوا على الفتن التي أضرت بالعباد والبلاد، وكلها كانت تصب في مصلحة المستعمرين الأجانب.

وعن إسهاماته في محاربة الفقر فإنه رفع من شأن الفقراء بالعطاء، وله دور في تأسيس الأوقاف – كما أسلفنا – والتي كان ريعها يصرف على الأنشطة الدينية والتعليمية ومساعدة الضعفاء.

أما عن موقفه من الوضع القضائي:

ذكرنا أنه رحمه الله بعد وفاة سلفه عام 1340هـ – 1921م، استلم جميع مناصبه الدينية والشرعية في المنطقة وما جاورها من القرى، واقتدى به كثير من أهل المدن في البحرين، وبعض شيعة الخليج، واستمر في وظائفه الشرعية ولم يستلم منصباً قضائياً رسمياً في المنامة، إذ كان يشغله في تلك الفترة منذ عام 1340م العلامة الكبير الشيخ خلف العصفور باقتدار وقوة شخصية ونزاهة وعلم غزير.

وفي أعقاب ترحيل الشيخ خلف (رحمه الله) رشح التجار والأعيان في الطائفة الشيعية السيد عدنان لتولي المنصب القضائي، تهدئة للناس، ولملء الفراغ الكبير الذي حدث في القضاء الشرعي. فعين من قبل الحكومة في ذلك الوقت رئيسا للقضاة الشيعة في البلاد، (أي قاضي البلاد الرسمي للطائفة الجعفرية) بالإضافة إلى ولاية أموال القاصرين والأوقاف، فهدأت الرجفة، وسكنت العاصفة، واستمر السيد يقضي في المنامة عاصمة البلاد حتى وفاته، وكما ذكرنا فإن الفترة التي بقي فيها في منصب القضاء الرسمي ثلاث سنوات تقريبا وكان الشيخ محمد علي المدني زميله في القضاء بصفته مسانداً ومعاضداً له في شئون الأحكام القضائية الشرعية.

وفاته:

فوجئ شعب البحرين فجر يوم الخميس الواحد والعشرين من رجب من عام ألف وثلاثمائة وثمانية وأربعين هجرية الموافق 22 / 12 / 1929م بوفاة سيدنا المترجم (رضوان الله عليه) بعد عمر قصير بلغ السادسة والأربعين، وقد خيم الحزن والأسى عموم البلاد من أقصاها إلى أقصاها، وبعد تشييع فريد مهيب بمشاركة كبار الأعيان والأشراف والمسئولين في الحكومة، وكافة الأهالي من الرجال والشباب، دفن في مثواه الأخير في مقبرة أبي عنبرة بالبلاد القديم وقبره مقام يقصده الزوار مجاورا لقبر الشيـخ حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي والد الشيخ محمد البهائي قدس الله أسرارهم. وقد رثاه نجله السيد محمد صالح بقصيدة طويلة منها هذه الأبيات:

له مجد إسحـاق وعـزة يوسـف********وعلم ابن عـباس وايـمان سلمـانا

له الله من شخص فقدناه أمة********وشهم تبنته الفضائل لقمانا

فكم منصب في عهده كان شاغلا********له ودواما بعده شاغرا كانا

مناصب حكم لا يزال غموضها********يجدد مهما استيقظ الدهر أجفانا

وأحكام شرع قبل كانت بعينه********تدار فأعيا بعده الحكم أعيانا

إمــام حبـاه الله أسـرار ديـنه********فأوضحها في الكتب والنطق تبيانـا


كاتب البحث/ السيد هاشم السيد سلمان

تعليقات