الشيخ أحمد بن فهد بن إدريس الأحسائي
(أوائل القرن التاسع عشر)
من أجلّة العلماء الإمامية وفقهائهم…بهذا الوصف يقدم لنا الشيخ يوسف البحراني في كشكوله صورة عن عالم من العلماء الذين بزغت شمسهم في منطقة الساحل الشرقي لشبه الجزيرة العربية، فكانوا ذلك النهر المعرفي الضخم الذي سقى الدنيا علماً وتقوى.
هو الشيخ أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس المضري أو «المقري»[1] الأحسائي الملقب بشهاب الدين والمعروف بابن فهد.
من أعلام الإمامية وفقهائها الثقاة أوائل القرن التاسع الهجري، حيث أرخ بقلمه انتهاء كتابه (خلاصة التنقيح) بتاريخ 23 رمضان 806ه.
آثاره
1. خلاصة التنقيح في المذهب الحق الصريح
وهو شرح استدلالي لكتاب (إرشاد الأذهان) للعلامة الحلي في الفقه، يقع في مجلدين كبيرين من أول الفقه إلى آخره.
قال الشيخ يوسف البحراني في (لؤلؤة البحرين):
«وقد وقع بيدي جلد من (شرح الإرشاد) للشيخ أحمد الأحسائي من كتاب النكاح، وفي آخره مكتوب – نقلاً من خط الشارح المذكور- ما صورته:
وحيث وفقّه الله تعالى لتكميل مقتضى ما أردناه من شرح الكتاب، وتيسّر لنا الذي قصدناه من إيضاح الخطاب، وأُعطينا من فيض رحمته كمال الأمنية، وسهّل لنا ما ألفناه في الملة الحنيفية، فانحبست خطوات الأقلام، وأنقض عنان الكلام، حامدين لربنا على سابغ النعم، ومصلين على سيد العرب والعجم، وعلى أهل بيته دعائم الإسلام، وسادات الأنام ما تباكر الضياء على الظلام، وصدخت في أفنائها ورق الحمام، ونبتهل إلى من لا تأخذه سنة ولا نوم أن يؤتينا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة. تمّ الكتاب الموسوم بخلاصة التنقيح في المذهب الحق الصريح في أواخر شهر رمضان في اليوم الثالث والعشرين منه أحد شهور سنة ست وثمانمئة هجرية، على يد مؤلفه العبد الغريق في المعاصي، الخائف يوم يؤخذ بالنواصي، أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس حامداً لله ومصلياً على رسول ربه، رب اختم بالخير وأعن…»[2]
وقال الشيخ اغا بزرك الطهراني في (الذريعة):
«رأيت المجلد الثاني منه من أول النكاح إلى آخر الديات في مكتبة سيدنا الشيرازي وعلى أوله وآخره خط السيد الحسين بن حيدر الحسيني الكركي ذكر أنه استكتبه لنفسه وقابله بنسخة لا تخلو من سقم في سنة (1020ه)، وهذه النسخة انتقلت في هذه الأواخر إلى مكتبة السيد حسين الهمداني في النجف ثم إلى مكتبة السماوي.»[3]
طبع الكتاب مؤخراً في قم المقدسة بإيران في مجلدين سنة (1422ه/2002م)، الناشر: المؤسسة الإسلامية للبحوث والمعلومات، عدد صفحات المجلد الأول: 552 صفحة، والمجلد الثاني: 585 صفحة، قياس (17×24سم).
2. الناسخ والمنسوخ
ذكره الطهراني في (الذريعة)، وشرحه عبد الجليل الحسيني القاري شارح (الجزرية في التجويد) سنة (972ه)، وقد شرح (الناسخ والمنسوخ) هذا في سنة (976ه) باسم ميرزا أحمد خان.[4]
أساتذته ومشايخه
أستاذه وشيخه المعروف أحمد بن المتوج البحراني، ودرس أيضاً على ابنه الشيخ ناصر.[5]
وقد جاء في (أنوار البدرين) في ترجمة ابن المتوج:
«ومن جملة مؤلفاته (مختصر التذكرة) وهو جيد ومفيد، مليح، كثير الفوائد، ظفرت منه بنسخة عتيقة مقررة عليه (قدس سره) قرأها عليه تلميذه الفقيه أحمد بن فهد بن حسن بن محمد بن إدريس بن فهد الأحسائي، وعليها الإجازة بخطه (قدس سره) تاريخها سنة اثنتين وثمانمئة.»[6]
تشابهه مع ابن فهد الحلي
أشار كل من ترجمه إلى تشابهه مع الشيخ أحمد بن محمد بن فهد الأسدي الحلي الملقب بجمال الدين والمعروف بابن فهد:
فلكلّ منهما شرح على (إرشاد) العلامة، وشرح ابن فهد الحلي يسمى (المقتصر).
ولكل منهما كتاب في الدعاء سمّاه (عدة الداعي).[7]
وكلاهما يعرفان بابن فهد.
واشتركا في التتلمذ على العلامة الأمجد الشيخ أحمد بن المتوج البحراني.
وكلّ منهما يروي عن الشيخ أحمد بن المتوج البحراني، عن الشيخ فخر الدين ابن العلامة الحلي.
وقد أدّت وجوه التشابه هذه إلى الاشتباه بينهما لدى بعض المترجمين، وحتى القبر الذي في كربلاء والمشتهر أنه لابن فهد الحلي هناك من يرى أنه لابن فهد الأحسائي.[8]
واستظهر السيد محسن الأمين في (أعيان الشيعة) أن الشيخ أحمد بن المتوج الذي يروي عنه ابن فهد الحلي هو غير الذي يروي عنه ابن فهد الأحسائي فهما رجلان أحدهما: أحمد بن عبدالله بن سعيد بن المتوج، والثاني أحمد بن عبدالله بن محمد بن علي بن الحسن بن متوج؛ فابن فهد الأحسائي من تلامذة الأول، وابن فهد الحلي من تلامذة الثاني.[9]
مترجموه
وردت ترجمته في المصادر التالية:
أنوار البدرين: ص396-398.
ريحانة الأدب (بالفارسية): ج8 ص144-145.
لؤلؤة البحرين: ص176-177.
كما ترجمه الشيخ يوسف البحراني أيضاً في (كشكوله) (ج1 ص303)، وقال عنه:
«الشيخ شهاب الدين أحمد بن فهد بن إدريس المقري الأحسائي، الفاضل العالم المشهور بابن فهد أيضاً، من أجلة العلماء الإمامية وفقهائهم، يروي عن الشيخ فخر الدين أحمد بن عبد الله المشهور بابن المتوج البحراني، عن الشيخ فخر الدين ولد العلامة، ويروي عنه الشيخ جمال الدين الأحسائي حسن الشهير بالمطوع الجرواني الأحسائي، كذا ذكره ابن أبي جمهور في أول كتاب (عوالي اللآلي).»
أعيان الشيعة: ج3 ص66.
طبقات أعلام الشيعة… الضياء اللامع في أعلام القرن التاسع: ص3.
عدة الداعي في الأدعية والأوراد: ذكره صاحب (أنوار البدرين).
كفاية الطالبين في أحوال الدين.
النهاية في خمسمئة آية التي عليها مدار الفقه.
الوسيلة في فتح مقفلات القواعد.[10]
الذريعة: ج24 ص10، ج7 ص222.
أعلام هجر: ج1 ص222-225.
أدباء هجر (مخطوط): (ص4-5).
تاريخ البحرين: ص89.
نبذة عن حياته
عاش (رضوان الله عليه) فترة من الزمن في مدينة الحلة بالعراق، ويظهر أنه تلقى فيها دروسه العلمية، كما إنه اتخذها وطناً، إذ كانت وقتذاك المركز الرئيسي لإشعاع علم أهل البيت (عليهم السلام) وإليها كان يأوي كبار علماء الإمامية،[11] ويضيف صاحب (تاريخ البحرين) بأن للشيخ الأحسائي شعراً جيداً كثيراً ومراثي في الإمام الحسين (عليه السلام).
وفاته ومرقده
فيما يتعلق بوفاته يتفق معظم مترجميه إلى أن تاريخ حدوثها يعود إلى مطلع القرن التاسع الهجري (بعد عام 806ه)، أما مثواه ومرقده ففيه خلاف:
إذ يؤكد صاحبا (أعلام هجر) و(دائرة المعارف الشيعية)[12] بأن الشيخ الأحسائي توفي ودفن في الحلة بالعراق. ومرقده معروف إلى الآن ومشهور، بل يوجد في (أعلام هجر) صورة لمرقده، وتوضيح لمكانه في محلة الطاق بشارع الكوازين إلى جانب جامع الكوازين وهو عبارة عن غرفة كبيرة عليها قبة صغيرة طليت بالصبغ الأخضر.[13]
بينما يشير صاحب (أدباء هجر) بأن مدفن الشيخ، وحسب التتبع، في قرية (أكل)، وجاء في كتاب (أمل الآمل) أن مدفن ابن فهد الأحسائي في المشهد المعروف بمشهد النبي صالح في قرية (أكل) في البحرين، وبعض حفدته يقطن هناك.[14]
علماً بأنه لم يتم التأكد من أنّ مدفن الشيخ الأحسائي في كربلاء، بل إنّ القبر المعروف في مدينة كربلاء قرب منطقة المخيم هو لابن فهد الأسدي الحلي، كما ورد في (مراقد المعارف)، بأنّ هذا هو سيرة علمائنا الأقدمين والمتأخرين.[15]
——————
[1] في (أنوار البدرين) ص73: «المضري»، بينما في (كشكول الشيخ يوسف البحراني) ج12 ص299: «المقري».
[2] الشيخ يوسف البحراني: لؤلؤة البحرين؛ ص177.
[3] اغا بزرك الطهراني: الذريعة؛ ج7 ص222.
[4] المصدر السابق؛ ج24، ص10.
[5] الشيخ علي البلادي القديحي: أنوار البدرين؛ ص73.
[6] المصدر السابق؛ ص72.
[7] المصدر السابق؛ ص398.
[8] المصدر السابق؛ ص398.
[9] السيد محسن الأمين: أعيان الشيعة؛ ج3 ص66.
[10] ورد ذكر الكتب الثلاثة السابقة في (تاريخ البحرين) ص89.
[11] السيد هاشم الشخص: أعلام هجر؛ ج1 ص223.
[12] السيد حسن الأمين: دائرة المعارف الشيعية؛ ج3 ص83.
[13] أعلام هجر؛ ج1 ص223.
[14] أدباء هجر (مخطوط)؛ ص3.
[15] الشيخ محمد حرز الدين: مراقد المعارف؛ ج1 ص80.