داود بن محمد بن أبي شافيز

 آية الله العظمى

الشيخ داود بن محمد بن أبي شافيز

قدس سره

هو العالم المحقق الفقيه والشاعر الأديب الشيخ داود بن محمد بن أبي شافيز، كان وحيد عصره في العلوم كلها، وأحذق أهل زمانه في علم المناظرة، قال عنه صاحب أنوار البدرين بنقله عن الفقيه العلامة الشيخ سليمان الماحوزي: ((ما ناظر أحداً إلا أفحمه)) .

مكانته العلمية:

كانت له مناظرات علمية مع علماء عصره أشهرها مع العلامة السيد حسين الغريفي (قدس سره)، وقد تصدى الشيخ داود لمباحثة العلامة الشيخ حسين بن عبد الصمد العاملي والد الشيخ البهائي لما قدم إلى البحرين في نهاية القرن العاشر الهجري والمتوفى سنة 984 هجرية ، حيث إنه زار علماء البحرين واجتمع معهم في أحد مساجد جدحفص لمناظرته وكان بينهم الشيخ داود الذي تصدى له بالمباحثة والمناظرة ولما انفض المجلس رجع الشيخ حسين العاملي ( قدس سره ) إلى بيته، فكتب هذين البيتين تعبيراً عن عدم رضاه عن تلك المناظرة فقال:

أنـاسٌ في أوال قد تصدوا********لمحو العلم واشتغلوا بلم لم

إذا جادلتهم لم تلـق منهم******** سـوى حرفين لم لم لا نسلم

(( والظاهر أنه كان يركز في ذلك المنتدى العلمي على علل الأحكام وأدلة التشريع ونحوها بإصرارهم في المباحثة كما يتضح من قول الشيخ العاملي _ على استعمال لم وتكرارها بإلحاح))

وقد اعترف بفضله صاحب سلافة العصر في محاسن الدهر السيد على خان المدني وبالغ في إطرائه كما نقل بعض أشعاره وآدابه حيث قال عنه: “البحر العجاج إلا أنه العذب لا الأجُاج، رتبته في الأباءة شهيرة، ورفعته أسمى من شمس الظهيرة، ولم يكن في مصره وعصره من يدانيه في مده وقصره، وهو في العلم فاضل لا يسامى، وفي الأدب فاصل لم يكل له الدهر حساما”

ذكره صاحب أمل الآمل العلامة الشيخ الحر العاملي فقال: (( الشيخ داود بن أبي شافيز البحريني عالم أديب وشاعرٌ معاصر ذكره صاحب السلافة وأثنى عليه )) .

وقد عده الشيخ العلامة عبد الحسين الأميني من شعراء الغدير، ونقل له غديرية ( قصيدة في بيعة الغدير المباركة ). كما نقل له شيئاً من شعره على اختلاف أغراضه من موشحات ورثاء ومدح وغزل وقد ضبط كنيته (بابن أبي شافين) وليس ابن أبي شافيز على أساس اختلافها في كتب التراجم وتوحّد الكنية المضبوطة في أشعاره.

مصنفاته العلمية والأدبية :

1.رسالة موجزة في المنطق، اختار في بحثه أسلوب ومذهب الفليسوف الفارابي، وكانت في تحقيق عقد الوضع في المحصورات.

2.له شرح على الفصول النصيرية في التوحيد.

3.ومن آثاره الأدبية ديوان شعر، وشعره مبثوث في المجاميع الأدبية منها: المنتخب للشيخ الطريحي النجفي، وموسوعة الرائق للسيد أحمد العطار، ومجموعة الشيخ لطف الله البحراني، وموسوعة شعراء البحرين للشيخ محمد عيسى المكباس الديهي، ونتشرف بأن ننقل لك مقاطع من بعض قصائده في مختلف الأغراض الشعرية من هذه الموسوعة الثرية، منها قوله في الرثاء:

أجل مصابي في الحياة وأكبر********مصاب له كل المصائب تصغر

مصاب الآفاق أظلم نورهـا********ووجه التقى والدين أشعث أغبر

مصاب به أطـواد علم تدكدكت******** وأصبح نـور الديـن وهـو مغـبّر

وله في نفس الموضوع :

مصائب يوم الطف أدهى المصائب********وأعظم من ضرب السيوف القواضب

تذوب لها صمّ الجلاميد حسـرة********وتنهد منها شامخات الشناخب

بها لـبس الدين الحنيف ملابســاً********غرابيب سوداً مثـل لـون الغياهب

وله في رثاء الحسين (ع) قوله:

قفا بالرسوم الدارسات الدواثــر********ننوح على فقد البـدور الزواهـر

بدور لآل المصطفى قد تجللــت********بعارض جور فاختفت بدياجــر

ففي كل قطر منهم قمر ثـــوى********وجلّل من غيم الغمـوم بساتــر

وبالطف أقمار ثوين غـــوارب********ففاضت لهم حزناً غروب المحاجر

ويقول في نهايتها:

جلالكم { داود } في برد حبكــم********ففاقت على شمس النهار بزاهر

ولا أبتغي إلا الشفاعة في غـــد********لأنكم يـوم المعـاد ذخائـري

عليكم سلام الله ما تلــح مغـرم********يكفكف دمعاً في الرسوم الدواثر

وما صاح ورق في الغصون مغرداً******** وما لاح برق في خـلال مواطر

وقال في مدح الرسول الأكرم (ص):

أتعلم أنني أضحــي و أمســـي********أكرر فيــك درسـاً بعـد درس

وأصلى من لهيب الشوق نفســي******** وأتبع فيض دمعي بالزفير

فإن ضيعت شيئاً مــــن ودادي********فحسبـي حب أحمـد خير هادي

ومبعـوث إلــى كل العبـــاد********شفيع الخلـق و الهـادي البشيـر

وهل أصلـى لظى نــار توقـد******** وعندي حب خيـر الخلـق أحمد

وحب المرتضى الطهــر المسـدد********وحب الآل بـاق فـي ضميـري

وله من الشعر الوجداني:

قل لأهل العـذل لــو وجـدوا********من رسيس الحـب مـا نجــد

أوقـدوا فـي كـل جارحـة********زفـرة في الـقـلــب تتقـد

فأسعــد الهايــم أيـها اللايـم********فالهوى حاكم إن عصى أحـد

ولما سمع بنعي السيد حسين الغريفي ذي الكرامات استرجع فقال:

هـلك الصقــر يا حمــام فغني********طـرباً منك فوق عالي الغـصون

وفاته:

توفى هذا العالم الجليل في عام 1012 هجرية الموافق 1603 ميلادية ودفن في شمال مدرسته مباشرة وقبره مزار معروف، والجدير بالذكر أن مدرسته المسماة باسمه قد جرت عليها حادثة غريبة حيث دخل فيها النصارى (المستشرقون) في أحد السنين بعد وفاته (قدس سره)، واستأجروا بعض الحفارين واستخرجوا بعض الصناديق والكتب وهربوا بها حيث ساعدهم الهدوء في وقت الظهيرة والناس في مظاعنهم الصيفية بعد أن قاومتهم ثلة قليلة استطاع النصارى التخلص منها، وذكر صاحب أنوار البدرين هذه الحادثة و لـم يفصـل فيها.

كاتب البحث/ السيد هاشم السيد سلمان

تعليقات