يومَ يُعرَفُ قَدرُ فاطمة ! - شعيب العاملي

 يومَ يُعرَفُ قَدرُ فاطمة !

شعيب العاملي

 بسم الله الرحمن الرحيم


عن الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، أنَّ جابراً طَلَبَ من الإمام الباقر عليه السلام أن يحدِّثَه حديثاً في فضل جدَّته الزهراء عليها السلام، لكن جابرَ لا يريدُ أيَّ حديث، يريدُ حديثاً إذا حدَّثَ به الشيعة (فَرِحُوا بِذَلِكَ) !


الأحاديث حول الزَّهراء عليها السلام عظيمةٌ، فمنها ما يُدخل السُّرور على قلب المؤمن، ومنها ما يُدخِلُ الغمَّ لعِظَمِ ما جرى عليها.


يستجيب الإمام الباقر عليه السلام، فينقل حديثاً عن أبيه عن جده عن النبي (ص) يقول فيه:

إِذَا كَانَ يَوْمُ القِيَامَةِ نُصِبَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ مَنَابِرُ مِنْ نُورٍ، فَيَكُونُ مِنْبَرِي أَعْلَى مَنَابِرِهِمْ يَوْمَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَقُولُ الله: يَا مُحَمَّدُ اخْطُبْ.

فَأَخْطُبُ بِخُطْبَةٍ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ بِمِثْلِهَا.


يُظهِرُ الله تعالى فضلَ وعظمة حبيبه المصطفى صلى الله عليه وآله في ذلك الموقف المهيب، حيثُ يرتفعُ منبره على كل المنابر، ويخطبُ بما لم يسمع به أحدٌ من الأنبياء والرُّسل، ثم يُنصبُ لعليٍّ عليه السلام منبرٌ أعلى من منابر الأوصياء، ويخطب بما لم يسمع به أحدٌ من الأوصياء، ثم للحسنين عليهما السلام، ويظهر منهما ما ظهر من أبيهما وجدِّهما من الفضل. 


ثُمَّ يُنَادِي المُنَادِي وَهُوَ جَبْرَئِيلُ (ع): أَيْنَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ ؟


أوَّلُ سيِّدَةٍ يؤتى على ذكرها يوم القيامة هي هذه السيِّدة العظيمة، سيِّدة النِّساء على الإطلاق، يُنادى بعدها باسم أمِّها الجليلة المكرَّمة خديجة بنت خويد، والسيدة الطاهرة مريم بنت عمران، وغيرهنّ من الكُمّل.


فَيَقُولُ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا أَهْلَ الجَمْعِ، لِمَنِ الكَرَمُ اليَوْمَ ؟


سؤالٌ في يوم القيامة، يعقبُ زلزلة الساعة التي قال عنها تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَت‏﴾، فمَن سيجيبُ اللهَ تعالى في ذلك اليوم؟! مَن يتجرَّأ على الخطاب في حضرة الرحمن تعالى ؟!


إنَّهم أهلُ الفضل والكمال، الذين أذن لهم في الكلام، وهم أهلُ هذه الآية ﴿لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً﴾.

فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَعَلِيٌّ وَالحَسَنُ وَالحُسَيْنُ [وَفَاطِمَةُ]: لله الواحِدِ القَهَّارِ.


الكَرَمُ كَرَمُ الله تعالى، واليوم يومُ الموقف العظيم الذي يوقفُ الله تعالى الخلق فيه للحساب، فلا ينطق من كلِّ الخلائق في الجواب إلا هؤلاء الخمسة !


 فَيَقُولُ الله جَلَّ جَلَالُهُ‏: يَا أَهْلَ الجَمْعِ، إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ الكَرَمَ لِمُحَمَّدٍ وَعَلِيٍّ وَالحَسَنِ وَالحُسَيْنِ وَفَاطِمَةَ !


ماذا تعني هذه العبارة العجيبة ؟ الله تعالى هو ذو الجلال والإكرام ﴿وَيَبْقى‏ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرام‏﴾، فالكَرَمُ لله تعالى، ثم يُعطي هذا الكَرَمَ مَن يشاء، ولكنَّه لا يُعطي إلا وِفقَ ميزان التقوى، أسمى وأرفع ميزان ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَتْقاكُمْ﴾.


هؤلاء أعرف خلق الله تعالى به، وأطوعهم لأمره، وأتقاهم له، استحقوا في ذلك اليوم أن يجعل سبحانه وتعالى (الكَرَمَ) المختصّ به لهم !


فكلُّ عطاءٍ من الله تعالى في ذلك اليوم يكون بهم ! 

وكلُّ مظاهر الجود الإلهي تظهرُ على يديهم !

لا يُنافسهم فيه منافسٌ، فالكريمُ الجوادُ قد (جَعَلَ الكرم لهم) !


ثمَّ يقول الله تعالى:

يَا أَهْلَ الجَمْعِ طَأْطِئُوا الرُّءُوسَ، وَغُضُّوا الأَبْصَارَ، فَإِنَّ هَذِهِ فَاطِمَةُ تَسِيرُ إِلَى الجَنَّةِ !


في الجَمع أنبياء الله ورسله، وفيهم المؤمنون الكمَّل والصدِّيقون والشهداء والعلماء، كلُّ هؤلاء يطأطئون رؤوسهم ! إنَّها فاطمة.. أوَّل من يسيرُ إلى الجنة.


لا تَسيرُ الزَّهراءُ على قَدَمَيها، كما سارت إلى باب بيتها عندما لاذَت وراءه! ليست خطواتها اليوم كخطواتها إلى المسجد لما قادوا عليَّاً.. فاليوم يوم الكرامة الإلهية.. اليوم ليس كالأمس.. تلك أيامٌ تجرَّأَ فيها الطغاة على إحراق بابها، واقتحام دارِها، وعصرها بين الحائط والباب.. 


وهذا يومٌ لا تسيرُ فيه على قَدَمَيها، بل يأتي لها جبرائيل بناقةٍ من نوق الجنّة (فَتُنَاخُ بَيْنَ يَدَيْهَا فَتَرْكَبُهَا)، ويبعث الله إليها مائة ألف ملك على يمينها ومثلهم على يسارها، يَحْمِلُونَهَا عَلَى أَجْنِحَتِهِمْ حَتَّى يُصَيِّرُوهَا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ.


بابُ الجنَّة أَمَلُ البَشَريَّة، الكُمَّلُ من المؤمنين يسألون الله تعالى أن يصلوا إلى هذا الباب، ومَن وَصَلَ إليه سارعَ في الدخول إلى جَنَّةٍ عرضها السماوات والأرض، أليس سَعيُ كلِّ مؤمنٍ هو للوصول إلى هذا الباب وولوجه ؟!


لكنَّ الزَّهراء ليست كسائر الخلق..


فَإِذَا صَارَتْ عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ تَلْتَفِتُ !

فَيَقُولُ الله: يَا بِنْتَ حَبِيبِي، مَا التِفَاتُكِ؟ وَقَدْ أَمَرْتُ بِكِ إِلَى جَنَّتِي ؟


الله تعالى العالِمُ بكلِّ شيء، يسألُ فاطمةَ عليها السلام لكي تُفصِحَ عن سرِّ هذه الإلتفاتة..


لا يصدُرُ عن هؤلاء العُظَماء فِعلٌ بلا سَبَب.. لقد وَصَلَت إلى باب الجنة لكنَّها تلتفتُ راغبةً بشيء آخر.. ليس هو الجنّة.. في النَّفسِ شيءٌ تُظهرُهُ الزَّهراء جواباً لسؤال رب العزّة والجلال.


فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، أَحْبَبْتُ أَنْ يُعْرَفَ قَدْرِي فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ !


الله أكبر.. ما أعظَمَ هذه الكلمة وأخطَرَها.

أحبَّت الزَّهراء أن يُعرَفَ قَدرُها، لا حقيقتها.. فتِلك لا يعرِفُها إلا خالقُها ووالدُها وبَعلها والأئمة من ذرِّيتها..


ولكن.. ألَم يُعرَف قَدرُها بعد كلِّ ما جرى ؟! 

ففي الدُّنيا أظهرَ النبيُّ لها من الفضل ما طبَّق الخافقين شهرةً، وفي الآخرة غضَّ الخلائقُ أبصارهم تعظيماً لها، وتقدَّمَت الخلائقَ إلى باب الجنة.. لكنَّها تُريدُ أن يظهر شيءٌ آخر من قَدرها !


هل السببُ في ذلك هو ما جرى عليها ؟! 

هل الظُّلامات التي وَقَعَت عليها هي السِّرُّ في أن تحين منها هذه الإلتفاتة؟!

أيُعقَلُ أن تدخُلَ الجنَّة مَن جَعَلَ الله لها (كَرَمَهُ) دون أن يظهر هذا الكَرَمُ العظيم ؟! 


فَيَقُولُ الله: يَا بِنْتَ حَبِيبِي، ارْجِعِي فَانْظُرِي مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حُبٌّ لَكِ أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ ذُرِّيَّتِكِ، خُذِي بِيَدِهِ فَأَدْخِلِيهِ الجَنَّةَ !


تستديرُ الزَّهراء بناءً لأمر الله تعالى، بابُ الجنَّة ينتظرُها، الجنان تتزيَّن لاستقبالها، ويتشرَّفُ خُدّامُها بها، لكنَّها كما يقول الباقر عليه السلام:

وَالله يَا جَابِرُ إِنَّهَا ذَلِكَ اليَوْمَ لَتَلْتَقِطُ شِيعَتَهَا وَمُحِبِّيهَا كَمَا يَلْتَقِطُ الطَّيْرُ الحَبَّ الجَيِّدَ مِنَ الحَبِّ الرَّدِيِّ !


شيعتُها خلقوا من فاضل طينتها.. شيعتها أحيوا أمرَها في الدّنيا فأخذت بيدهم إلى باب الجنة، شيعتها تبرؤوا من أعدائها فنَظَرَت إليهم في تلك الساعة المهيبة.


فَإِذَا صَارَ شِيعَتُهَا مَعَهَا عِنْدَ بَابِ الجَنَّةِ يُلْقِي الله فِي قُلُوبِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتُوا ! 

ليست التفاتة فاطمة إلا بإيحاءٍ من الله تعالى، كما هي التفاتة شيعتها، فالله تعالى أراد أن يظهَرَ قدرُها، فأوحى لها بذلك، فقالت ما قالت وأظهَرَ عزَّ وجلَّ قَدرَها، والآن حانَ وقتُ ظهور فضلِ شيعتها:


فَإِذَا التَفَتُوا يَقُولُ الله: يَا أَحِبَّائِي مَا التِفَاتُكُمْ وَقَدْ شَفَعَتْ فِيكُمْ فَاطِمَةُ بِنْتُ حَبِيبِي ؟


هؤلاء أحبابُ الله، شيعة الزَّهراء.. أيُّ منزلةٍ عظيمةٍ هذه.. لقد نالَ هؤلاء قَبَساً من نور فاطمة، فبفضلها بلغوا ما بلغوا، فأرادوا أن يظهر فضلهم أيضاً:

فَيَقُولُونَ يَا رَبِّ أَحْبَبْنَا أَنْ يُعْرَفَ قَدْرُنَا فِي مِثْلِ هَذَا اليَوْمِ!


فَيَقُولُ الله: يَا أَحِبَّائِي ارْجِعُوا 


1. وَانْظُرُوا مَنْ أَحَبَّكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ 

2. انْظُرُوا مَنْ أَطْعَمَكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ 

3. انْظُرُوا مَنْ كَسَاكُمْ لِحُبِّ فَاطِمَةَ 

4. انْظُرُوا مَنْ سَقَاكُمْ شَرْبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ 

5. انْظُرُوا مَنْ رَدَّ عَنْكُمْ غِيبَةً فِي حُبِّ فَاطِمَةَ 


خُذُوا بِيَدِهِ وَأَدْخِلُوهُ الجَنَّةَ !


هكذا يظهرُ قَدرُ فاطمة، وقَدرُ شيعتها.. حيثُ يصيرُ أحدُهم شفيعاً لمن أحبَّه وأحسن إليه.. لحبِّ فاطمة.. فحبُّها واتِّباعها الميزان.. 

هنيئاً لمن ثَقُلت موازينه بحبِّ فاطمة..


قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: والله لَا يَبْقَى فِي النَّاسِ إِلَّا شَاكٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ مُنَافِقٌ ! (تفسير فرات  ص298).


تُفتَحُ أبوابُ الجنَّة في ذلك اليوم لفاطمة عليها السلام وشيعتها ومحبيِّها والمحسنين إليهم على حبِّها.. فما أعظمَ هذه المحبَّة التي تُكسِبُ رضا الرحمان، وما أعظم العذاب الذي سينال مُبغضيها وظالميها وسالبي حقِّها.. 


ههنا تجلّت الرحمة الإلهية، وكَرَمُ الإله، وعلى أولئك يظهر غضبُ الله وشديد عقابه.. أعاذنا الله من ذلك.. 


والحمد لله رب العالمين.


الخميس 18 جمادى الأولى 1443 هـ

تعليقات