موقف أهل البيت (عليهم السلام) من اللسان وآفاته
السيد زين العابدين المقدس الغريفي
من اعظم النعم التي اكرم الله تعالى بها الانسان هو اللسان فهو الآلة والوسيلة التي يستعملها في بيان ما يختزنه من مشاعر وعواطف وأفكار كما يستعمله التواصل مع الاخر والحوار معه ، فان كان ما يخرج منه في طاعة الله سبحانه كالدعاء والتسبيح ومطلق الذكر وقضاء حوائج الناس فمأواه الجنة ونعيمها وان كان ما يخرج منه في غير طاعة الله تعالى كالكذب والغيبة والبهتان والنميمة والمراء وغيرها فمآواه جنهم وسعيرها ، هذا ما وعد به الرحمن وهو صادق الميعاد ، حيث قال تعالى : (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) .
وقد ركز اهل البيت (ع) على هذا الجانب وحثوا على تربية النفس وكبح جماح الهوى والابتعاد عن تصديقها في مثل هذه الموارد ، فقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: (النفس مجبولة على سوء الأدب، والعبد مأمور بملازمة حسن الأدب، والنفس تجري بطبعها في ميدان المخالفة، والعبد يجهد بردّها عن سوء المطالبة، فمتى أطلق عنانها فهو شريك في فسادها، ومن أعان على نفسه في هوى نفسه فقد أشرك نفسه في قتل نفسه]
ولم يترك ائمتنا (عليهم السلام) هذا الجانب دون علاج فوضعوا لنا الكثير من الخطوات التي ينبغي للمؤمن ان يتبعها للتخلص من هذه الآفات منها :
1- الابتعاد عن كل ما يغري النفس في ارتكاب تلك الآفات ، وهذا ما يدركه العقل اذ ان الوقاية خير من العلاج ، وبهذا صرت السنة الشريفة في مئات من النصوص والاحاديث .
2- الاشتغال بذكر الله سبحانه وتعظيمه واجلاله وشكره في كل آن من الاوقات ، قال تعالى : {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا] ، والذكر بانواعه محبوب ومستحب كالتسبيح والتهليل والتكبير والتحميد ونحو ذلك ، ويستحب دعاء الله سبحانه سرا وعلانية في الشدة والرخاء فقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : ( من سَرَّه أن يستجابَ له في الشدة، فليكثر الدعاء في الرخاء) .
3- الاشتغال بذكر معايب النفس واصلاحها ، فقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) انه قال : [طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس] ، وكذلك وصيته (ع) لولده الحسين (ع) : [واعلم أي بُني أنّه من أبصر عيب نفسه شغل عن عيب غيره] .
4- الصلاة على محمد وآل محمد ، فقد ورد ان رفعها يذهب النفاق .
5- طول السكوت ، فقد ورد عن رسول الله (ص) : [من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت] .
6- مجالسة أهل الدين من العلماء الربانيين والدعاة الرساليين ، فقد ورد عن الامام الصادق (ع) انه قال : [جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك ، فان الله يحيي القلوب بنور الحكمة كما يحيي الارض بوابل السماء] .
وتتعين تلك الامور بالنسبة للدعاة فالمسؤولية على عاتقهم اكبر واعظم لعلمهم بحسن الثواب وشدة العقاب يوم القيامة ، ولذا اوصى ائمتنا (ع) شيعتهم به بقولهم : [كونوا لنا دعاة صامتين] ، وفيه ان النفس تهوى الانسان الذي يتحلى بمكارم الاخلاق وتتقرب اليه تلقائيا دون شعور ويتخذ قدوة حسنة ، بينما كثير الكلام وان كان كلامه في طاعة الله سبحانه ينفر الاخر لان الاخر غير مستعد لتفهم النظرية الاسلامية ما لم يرى حسنها وجمال تطبيقها .
ومن الافات التي تفتك بمجتمعنا من امراض اللسان التي نهى عنها ائمتنا (ع) وحذروا منها لكونها الطريق لفساد المرء ومجتمعه وهي كالتالي :
1- الكذب : فقد روي انه قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ (ص) : [أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . فَقِيلَ لَهُ : أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلا ؟ فَقَالَ : نَعَمْ . فَقِيلَ لَهُ : أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ : لا] ، فوضع الكذب علامة يميز بها المؤمن من غيره .
2- الغيبة : فقد قال الله تعالى في ذم مرتكبها : ( .... وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ ) ، ويؤيده ما ورد عن رسول الله (ص) انه قال : [من اغتاب مسلما أو مسلمة لم يقبل الله تعالى صلاته ولا صيامه أربعين يوما وليلة، إلا أن يغفر له صاحبه] . وورد عن امير المؤمنين (ع) انه قال : [العاقل من صان لسانه عن الغيبة] .
3- البهتان : فقد ورد عن الرضا (ع) ، عن آبائه (ع) قال: قال رسول الله (ص) : [من بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه الله تعالى يوم القيامة على تل من نار، حتى يخرج مما قاله فيه] ، وورد ايضاً عن رسول الله (ص) : [أما علامة الفاسق فأربعة: اللهو واللغو والعدوان والبهتان] ، وورد ايضاً عن الصادق (ع) : [البهتان على البري أثقل من الجبال الراسيات] .
4- النميمة : فقد ورد عن أبي عبد الله (ع) انه قال : قال رسول الله (ص) : [ألا انبئكم بشراركم؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الاحبة، الباغون للبراء المعايب] .
فعلى كل إنسان أن يحذر من الوقوع في تلك المزالق ، دفعاً لعذاب الآخرة ورغبة في تحصيل رضا الله تعالى والحصول على نعيم الدارين ، حيث الراحة والاطمئنان في الدنيا والنعيم الأزلي في الآخرة .