الْبَضْعَةُ والمِنِّيَّةُ وحُجِّيَّةُ الزهراء على بنيها
زعيم الخيرالله
جاءت الروايةُ عن النبي (ص) : ( فاطمةُ بضعَةٌ مني ) ، وهذا التعبير لم يرد لاحدٍ في الاحاديث النبويَّة الا للزهراء عليها السلام .اما ماورد في حقِ عليٍّ عليه السلام وحق ابنائها صلواتُ الله عليهم فهو التعبير بكلمة " مِنِّي) . فقد جاء عن النبي (ص) أَنَّهُ قال: ( عليٌّ مِنِّي وَأَنا منهُ) ، وورد قول النبي(ص) عن الامام الحسين عليه السلام قوله: ( حسينٌ مني وانا من حسين) ، وهذا فارق بين التعبيرين ، فالبضعة هي قطعة اللحم ، اي ان فاطمةَ هي الجزء المباشر المبتضَع من رسول الله (ص) ،وَالْبَضْعِيَّةُ -في حَدِّ نفسها- ليستْ لها قيمَةٌ استقلالِيَِّةٌ وانما قيمتُها اِضافِيَّةٌ أَيْ: بما أُضيفتْ اليه فلو اضيفت الى أَكملِ الخلقِ تكتسبُ اعلى الدرجات وان أُضيفَتْ الى شَرِّ الخلقِ تكتسبُ أَسوَأَ الدَرَكاتِ ، فَلَوْ قُلْنا أَنَّ ابنةَ ابي جَهلٍ بضعةٌ منهُ فَانَّها يضافُ اليها كلُّ ما لابي جهلٍ من الدَرَكاتِ ،
وأمّا اذا قلنا أنّ فاطمةَ (ع) بضعَةٌ من محمدٍ رسولِ الله فانه يضافُ اليها كل مالرسول الله من كمالاتٍ ومقاماتٍ ، كيف ورسولُ اللهِ(ص) أَكملُ الخلقِ. اما التعبير بمني فيوحي بأنَّهُ الجزء غير المباشر والذي يصل الى الرسول عبر وسائط سواءً كانت الواسطةُ واحدةً أو متعددةً .الى جانب هذا المعنى النسبي للمِنِّيَّةِ ، هناك معنى الرسالِيَّةِ ، كما جاء في الآياتِ الكريمةِ :
(فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ).(36)، فهنا مِنِّيَّةُ الاتباع ومنيّة الخط .
(قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي).البقرة: الاية:249. وهناك مِنِّيَّةُ العمل .
(وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي). طه: الاية: (39). وهنا مِنِّيَّةُ المحبة .
وَنوحٌ عليه السلام خاطبَ الله تعالى بأَنَّ ابنَهُ من أَهلهِ :
(وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ). هود: الاية: (45). تحدث نوحٌ عن المِنِّيَّةِ بينه وبينَ الله تعالى ؛ لانَّ اللهَ تعالى وعَدَهُ بنجاةِ اهله، ولكنَّ الجواب الالهي كان حاسماً :
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ). هود: الاية:(46) . فالمِنِّيَّةُ هنا مِنِّيَّةُ عَمَلٍ لامِنِّيَّة نَسَبٍ .
وأهلُ البيتِ عليهم السلام حازوا كلا المِنَّتَيْنِ ، منية النسب ومنية الخط والرسالة والعمل.
اما رواية الامام العسكري (ع):(نحن حجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة عليها السلام حجّة الله علينا).حتى لو لم يثبت سندياً ولكنَّ ذلك لايعني انه لم يصدر ؛ فقد تكون أحاديث ضعيفةً سندياً ولكننا نقطع بصدورها . وقد قيل في توجيهِ هذهِ الرواية أَقوالٌ :1- الحُجِّيَّةُ ناتجةٌ عن اتصالٍ غيبيٍّ روحيٍّ ، وهذا الراي قال به آية الله الشيخ الوحيد الخراساني .2- حجيتها في بعض العلوم التي لم تصل الى الائمة الا عن طريقها عليها السلام .3- ان هذهِ الروايَةُ تتعلقُ بعالم الانوار ؛ لانَّ نورَها مظهرٌ لاسماء اللهِ وصفاتِهِ . 4- ان معنى حجيَّةِ الزهراء عليها السلام ، ان الله احتجَّ بها على الائمةِ قبلَ ان يحتجَ على الخلق .ومهما قيل في توجيه هذه الرواية ، فانني اخلص الى نتيجة : انَّ فاطمةَ عليها السلام حجةٌ على ابنائها لكونها بضعة من رسول الله (ص) ، وهم منهُ والفارقُ بين البضعةِ والمنيّة يجعلها حجةً عليهم سلام الله عليهم.