الْحَتْمِيَّةُ الْجِينِيَّةُ وَألأِرادَةُ ألْأِنْسانِيَّةُ
زعيم الخيرالله
واليوم كَثُرَ الحديثُ عن الجيناتِ والجينومِ البشريِّ الذي يحددُ مصيرَ الانسان ويتحكم في سلوكهِ . اي : انَّ هناكَ حتمِيَّةً جِينِيَّةً تحدد شكلَ الانسانِ وطولَهُ ولونَ عينيهِ ، وكذلك صفاته النفسيَّة وسلوكهِ .
الجِيناتُ : هي مجموعةٌ من التعليماتِ تُحَدِّدُ ماهيةَ الكائنِ ومظهرَهُ وكيف ينحو ويتصرفُ في بيئتِهِ ؟ تُصنعُ الجيناتُ من مادةٍ تُدعى الحمض النووي الريبوزي منقوص الاوكسيجين DNA، وتعطي هذهِ الجيناتُ تعليماتٍ للكائنِ الحَيِّ كي يَصنَعَ جزيئاتٍ تُدعى " البرويتنات" .
الجين هو الوحدة الاساسية للوراثةِ في الكائنِ الحَيِّ .
وقد بولغ في الجينات وحتميتها ، وجعلوا لكل شيءٍ جيناً يتحكمُ فيهِ.ولكن تبدلت كثيرٌ من الحقائق حولَ مايتعلق بالجينات بعدما خرجت نتائجُ مشروع الجينوم البشري . كان الاعتقاد السائد انَّ الخَلِيَّةَ الواحِدَةَ تحتوي على (120000) جين ، وبعد نتائجِ الجينوم البشري تبين ان مجملَ الجيناتِ في الجسم الانساني هي (25000) جين فقط . كانت تبعاتُ هذا المشروعِ خطيرةً ، فالجيناتُ لاتكفي وحدَها لتفسير ِالحياة ِ، واختزال ُالسلوكِ البشريِّ في الجيناتِ غيرُ كافٍ ، وفشلت الجينات في تحديدِ مصيرِ الانسانِ . وصرّحَ لبيتون : ( نحنُ لسنا عبيداً لجيناتنا ) (عمرو الشريف، أنا تتحدثُ عن نفسها ، ص 109). وقال احد علماء الاحياء الحائزين على جائزة نوبل : ( انَّ تَمَيُّزَنا عن الكائناتِ الادنى منّا لايرجعُ الى زيادةِ عدد الجيناتِ ، ومن ثم لم يعد ممكناً الاعتمادُ على الآلِيَّةِ الجِينِيَّةِ وحدها لتفسير التطور. انَّ التميُّزَ الانسانِيَّ مازالَ سِراً يحتاجُ الى مزيدٍ من البحثِ) . " عمرو الشريف: انا تتحدثُ عن نفسِها ، ص 112".
القائلون بالحتميَّةِ الجِينِيَّةِ يقولون : ان لكل مرض ولكل سلوك جيناً يتحكم فيه ، فهناك جينٌ للسمنةِ ، وجينٌ للسلوكِ العدوانيِّ ، وجينٌ للشذوذ ، وجينٌ أنانيٌّ كما ادعى " ريتشارد دوكينز " عالم الاحياء البريطاني الذي الف كتاباً بهذا الخصوص سمّاهُ " الجينُ الانانِيُّ" . وهذا الكلام هو مجرد فرض ولايوجد دليلٌ علميٌّ عليه ؛ فمثلاً ذكورُ العناكب تلقح الاناث لتحقيق التكاثر وحفظ النوع ، ولكن بعد ان يُتمَّ الذكرُ عمليةَ التلقيح يتمُّ القضاءُ عليه . فهل نقول ان ذكورَ العناكبَ لديها جينٌ ايثاريٌ ؛ لانها ضحت بحياتها من اجل التكاثر وحفظ النوع ؟ لاهذا ولاذاك ، بل هذه العمليَّةُ تتمُّ بشكلٍ غرائزيٍّ دون معرفة مسبقة لذكور العناكبِ بما يحصل.عالم البيولوجيا السلوكيّة " آلان غرافين" انتقد دوكينز على كتابه : " الجين الاناني " ، قائلاً بأنَّهُ قد بالغَ في تبسيطِ العَلاقَةِ بينَ الجينِ والكائنِ الحيِّ .
ولكن كل الحتميات ، تجعلُ دورَ الأِنسانَ مقهوراً ومحكوماً ، واسيراً لهذه الحتميات ، لاارادةَ له ، هكذا يتحدث الملحد " سام هاريس " في كتابه : ( الارادة الحرة ) ، ان الانسانَ لاارادةَ حرةً له بل هو كائنٌ مقهورٌ وخاضعٌ لهذه الحتميات.
القُرآنُ الكَريمُ والأِرادَةُ الانسانِيَّةُ
-------------------------
الانسان في الرؤيةِ القُرآنِيَّةُ كائنٌ مختارٌ مريد جعلهُ الله تعالى خليفةً له في هذا الوجودِ ، الله تعالى تحدث عن الارادة الانسانية واعتبر الانسان كائناً يحتلُ المرتبةَ العُليا في هذا الوجود.واليك بعض الآيات التي تحدثت عن الارادة الانسانيَّةِ :
( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا).الأِسراء: الاية: (19).
(تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ). القصص: الاية: (83).
( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ ۚ). البقرة: الاية: 233.
(وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ). يوسف: الاية:(25).
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ).الفرقان: الاية:(62).
(فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا قَالَ يَا مُوسَىٰ أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ ۖ إِن تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ).القصص: الاية: (19).
(وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ). ۗ الاحزاب: الاية: 50 .
(مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ).هود: الاية: (15).
( مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ ۖ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ).الشورى: الاية: (20).
( إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا ).النساء: الاية:(35).
( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا ). النساء: الاية:(60).
(يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).التوبة: الاية:(32).
هذه بعضُ الآياتِ التي تحدثت عن الانسانِ باعتباره كائناً مريداً مختاراً وليس خاضعاً للحتميةِ الجينيَّةِ.
الارادةُ الانسانيَّةُ والمسؤوليَّةُ الأخلاقِيَّةُ
--------------------------------
هناكَ فرقٌ هائلٌ بين القولِ بالحتميَّةِ الجينِيَّةِ والقول بالارادةِ الانسانيَّة ، فالقولُ الأوَّلُ يجعَلُ من الانسانِ كائِناً غيرَ مسؤولٍ اخلاقِيّاً عن سلوكِهِ وممارساتهِ ؛ لانَّهُ مقهورٌ جينِيّاً .... وبين القول : ان الانسانَ كائنٌ مريدٌ يختارُ افعالَهُ بارادته وبقصدٍ كاملٍ . نعم الظروف من حولهِ قد تكون قيوداً وعوائق ؛ ولكنَّها لاتُلغي حريَّتَهُ ؛ لانَّ الحريَّةَ هي : وعيُ الضَّرورةِ ، فالانسانُ لايستطيعُ الطَيَرانِ في الجو ولكنَّهُ بوعيهِ لهذهِ الضروراتِ والقُيودِ استطاع ان يُصَنِّعَ الطائرةَ ويتجاوز كلَّ هذهِ القيودَ والضَّروراتِ . فالانسانُ بارادَتِهُ استطاعَ ان يحتلَّ المرتبةَ العُليا في هذا الوُجُودِ.