حاجَتُنا الى قَليلٍ من الحِكْمَةِ لا الى كَثيرٍ من العِلْمِ
زعيم الخيرالله
هَلْ البَشَرِيَّةُ -اليوم- في حاجَةٍ الى كَثيرٍ من العِلمِ ، أَم الى قليلٍ مِنَ الحِكْمَةِ ؟ البشريةُ-اليوم- تعيشُ في عصر العلم ، وعصر تدفق المعلوماتِ ، وعصر التقدم التكنولوجي . والسؤالُ الذي يُطْرَحُ بقوةٍ ، هَلْ استطاعَ العلمُ ان يحل كلَّ أَزَماتِ الانسان ؟ أم ازدادت مع التقدم العلمي تعقيداً ؟ هل استطاعً العلمُ أن يوقفَ الحروب أم زادها اشتعالاً بانتاج اسلحةٍ بيولوجية ونووية وكل اسلحة الدمار ؟ هل استطاعَ العلمُ ان يضعَ قدمَ الانسان في الطريق الصحيح ؟ هل استطاعً العلم ان يحد من اطماع الانسان وجشعه وانانيته؟ هل نحنُ بحاجةٍ الى علمٍ كثيرٍ ام الى حكمةٍ قليلةٍ نحلُ بها الازمات ونواجه بها التحديات والكوارث الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الانسان؟
للاجابة عن هذهِ التساؤلاتِ لابُدَّ من تحديد ماألمقصودُ من العلم ومن الحكمة؟ العلم : هو امتلاك المعلومة وتحقيق الانجازات من خلالها ، أمّا الحكمةُ فهي ان تضع هذه المعلومة في الموضع الصحيح .
المهندس الكيميائي الذي اخترع الديناميت " الفريد نوبل" عام 1867 ، والذي ادى الى تفجيرات ، وايضاً حدث انفجار في معمل العائلة ادى الى وفاة خمسة اشخاص منهم اخوه الاصغر " ايميل" ، والذي اوصى بجائزة نوبل للسلام التي تعطى لكل جهد علمي سواء في الطب او الكيمياء او الفيزياء او المجالات الانسانية يسهم في تحقيق السلام تكفيراً عن اختراعهِ المدمر. الفريد كان عالماً وكان ذكياً ولكنَّ علمهُ وذكاءهُ لم يمنع من وقوع الكوارث . علمهُ تنقصهُ الحكمة التي توجه مسار هذا الاختراع الهام ؛ ليكون في خدمة البشرية .
في الحروب المدمرة ، لاينقص الجيوش العلم بادوات الحرب وفنون القتال ولااستخدام اخر ماانتجه العلم من اسلحة دمار ، وانما تنقص هذه الجيوش الحكمة في استخدام هذه الاسلحة في موضعها الصحيح .
الله تعالى يقول :(يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ).البقرة: الاية: (269). من يؤت الحكمة اوتي خيراً كثيراً لامن يؤتى العلم ؛ لان العلمَ بلاحكمةٍ قد يؤدي الى دمار البشرية . والله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء ، فالله تعالى آتى الحكمة لقمان ، العبد الاسود الذي لايابهُ به أحدٌ ولكنه عند الله كبير :
(وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ).لقمان: الاية:(12). آتى الله الحكمةَ لقمانَ ولم يؤت فرعون الا السفه الذي ادعى الالوهية سفهاً : (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ).القصص: الاية: (38). هذه الدعاوى دعاوى سفهية ، لم يؤته الله الحكمة ، الحكمة يؤتيها الله من اصطفاهم وكرمهم .
نحن نحتاج الحكمة في علاقاتنا الاجتماعية وفي بيوتنا التي تنخرها من داخلها الصراعات بسبب فقدان الحكمة . المرأة الحكيمة هي التي تستوعب غضب الزوج والرجل الحكيم هو الذي يستوعب انفعالات زوجته ، من السفه ان تتحول الاسرة الى ساحة للصراعات وتصفية الحسابات والافتراءات وكيل الاتهامات . قليلٌ من الحكمة يكفي في حل مشكلاتنا الاسرية والمجتمعية والسياسية والاقتصادية . ابليس كان عالماً ولكنه لم يكن حكيماً اذ تحدث مع رب العزة والجلال بمنطق السفاهة : (قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ).الاعراف: الاية: (12). انه تحدث مع ربه الذي امره بالسجود لادم ، كان المفروضُ أن يعرف حدوده وان يعرف ان مقامه هو مقام العبودية وان مقام الله هو مقام الربوبية ، وان يطيع الامر الالهي ، ولكن فقدانه للحكمة قادهُ الى الشقاء الابدي .
حتى في الملك والحكم نحتاج الحكمة فالله تعالى آتى داود الحكمة مع الملك وفصل الخطاب :
( وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ ). ص: الاية:(20). وفي الختام اذكر باننا نحتاج حكمةً وبصيرةً في التعاطي مع المشكلات والتحديات التي تواجهنا وليس الى شحن رؤوسنا بالمعلومات دون معرفة كيفية الاستفادة من هذه المعلومات وتوظيفها بالشكل الصحيح.