سيرة العقلاء
1ـ تعريف السيرة العقلائية
عرف الأصوليون سيرة العقلاء بتعاريف عديدة :
1 ـ هي عبارة عن استمرار عمل العقلاء بما هم عقلاء على شيء سواء انتحلوا إلى ملة أم لم ينتحلوا ، ومنهم المسلمون .
2 ـ هي صدور العقلاء عن سلوك معين باتجاه واقعة ما صدورا تلقائياًً ، شريطة ان يتساووا في صدورهم عن هذا السلوك على اختلاف أزمنتهم وأمكنتهم ، وتفاوت ثقافتهم ومعارفهم وتعدد نحلهم واديانهم ، وذلك مثل الأخذ بظواهر الكلام .
3 ـ عبارة عن استمرار عمل الناس وتبانيهم العملي على فعل شيء أو تركه .
والمقصود من الناس هم العقلاء بما هم عقلاء .
4 ـ والمقصود من السيرة ما هو اعم من السلوك الخارجي ، فهي تشمل المرتكزات العرفية والمواقف العقلائية التي لم تظهر بصورة فعل وسلوك خارجي على طبقها لعدم تحقق عنوانها بعد والعنوان الجامع للمواقف العقلائية سواء تجسدت في سلوك خارجي أم لا .
ويمتاز هذا العنوان الجامع عن باقي تحديدات السيرة بالسعة والشمول لمسائل لا مبرر لطرحها في بحث السيرة الا اذا فسرناها به .
5 ـ وهي تسالم العقلاء على أمر ما . أو الميل الموجود عند العقلاء ـ المتدينين وغيرهم ـ نحو سلوك معين دون ان يكون للشرع دور ايجابي في تكوين هذا الميل.
م/ رسالة ماجستير "سيرة العقلاء و المتشرعة عند أصوليي الامامية" الطالبة: ثريا عبد الناصر صبيح الرماحي، بإشراف: الأستاذ المساعد السيد عدنان البكاء.
2 ـ سمات السيرة العقلائية
والذي يمكن استخلاصه من هذه التعريفات ، هو ان للسيرة العقلائية سمات تميزها من غيرها من الظواهر الاجتماعية وهي :
السمة الأولى : العقلانية
وهي صدور السيرة من العقلاء بما هم عقلاء ، أي بما تمليه عليهم فطرتهم وسجيتهم ، لان الفطرة هي العامل في نشوء هذه السيرة ، و إرجاعها إلى أمر فطري هو الذي يبرر اشتراكها بين أبناء البشر كافة ، لان الفطرة هي الأمر المشترك بين جميع أبناء البشر .
وقد ذكر النائيني تـ (1355) هـ ، ان مبدأ السيرة العقلائية لا يخلو من شقوق ثلاثة ، وما يصح منها هو إرجاعها إلى الفطرة ، قال : ( ان مبدأ الطريقة العقلائية ، لا تخلو اما ان تكون لقهر قاهر وجبر سلطان جائر قهر جميع عقلاء عصره على تلك الطريقة ، واتخذها العقلاء في الزمان المتأخر طريقة لهم واستمرت من مرتكزاتهم ، واما ان يكون مبدأها أمر نبي من الأنبياء في عصر حتى استمرت .
واما ان تكون ناشئة عن فطرتهم المرتكزة في أذهانهم بحسب ما أودعها الله تعالى في طباعهم بمقتضى الحكمة البالغة حفظا للنظام ، ولا يخفى بعد الوجه الأول بل استحالته عادة ، وكذا الوجه الثاني فالمتعين هو الوجه الثالث )
اما سبب بُُعد الوجه الأول والثاني فهو : ان السلطان الجائر وان قهرهم على عمل ما يِِِِقهرهم في زمانه لا في جميع الأزمان ، كما لا يمكن ان يكون عملهم ناشئ من أمر نبي لأن بقية الطوائف التي لا تؤمن بدينه لماذا عملت بهذا العمل ؟ اذا نقطع ان العمل نابع من داخلهم ، ولكن ما الذي يدعوهم إلى هذا العمل ؟
ان الذي يدعوهم إلى هذا العمل هو :
أولا : المرتكزات الذهنية الثابتة في أعماق النفوس ، وهذه المرتكزات تحصل عادة بالمزاولة والاستمرار على العمل بشيء ، وهي تحدد مواقف الانسان وتحركاته إليها كالجبلة والفطرة ومن هذا القبيل التقاليد والعادات الموجودة بين مجتمعات العالم على اختلافها من مجتمع إلى آخر وهي تحدد مواقف المجتمع وسلوكه الخارجي سعة وضيقا .
الثاني : الخصوصية الكامنة في نفس ما تقوم عليه السيرة ، فمثلا قد جرت السيرة العقلائية على العمل بالظواهر ، ومن الواضح ان هذه السيرة من العقلاء لا يمكن ان تكون جزافا وبلا نكتة ، بداهة انه لا يعقل بناء العقلاء على العمل بشيء جزافا وبلا نكتة ، والنكتة المبررة لعمل العقلاء بها هي اقربيتها إلى الواقع من ظواهر الأفعال واقوائيتها في الكشف , وهذه النكتة هي التي تبرر عملهم بها دون غيرها , فالسيرة الجارية من العقلاء على العمل بها تدور مدار هذه النكتة وجودا وعدما سعة وضيقا .
ان المرتكزات العقلائية لا تكشف عن وجودها منذ وجود العقلاء على سطح الأرض ، بل هي تتبع عللها ومناشئها ، ولما كانت العلل والمناشئ تختلف باختلاف العصور ، فقد تكون موجودة منذ القدم وقد تكون حادثة ، والنكتة في ذلك ان المجتمع العقلائي يختلف باختلاف العصور و الأزمنة فالمجتمع ألعقلائي البدائي غير الناضج يختلف عن المجتمع العقلائي الناضج فكريا وثقافيا واجتماعيا ، ومن الطبيعي ان المجتمع العقلائي كلما نضج وتطور واجه الواقع والموضوعات الجديدة
المختلفة التي قد تكون ملائمة لطبع المجتمع ومرتكزاته وقد تكون منافرة له.
السمة الثانية : الشمولية
تمتاز سيرة العقلاء بالشمول والعموم ، فلا تختص بزمان دون زمان ولا بمكان دون مكان ولا بمذهب دون مذهب .
السمة الثالثة : التلقائية
تصدر سيرة العقلاء من العقلاء صدورا تلقائيا غير معلل .
السمة الرابعة : الإلزام
تمتاز سيرة العقلاء بالالزام بالسير على وفقها ، فمن يشذ عن السيرة يكون محلا لذم العقلاء .