نقص الخبز يطرق أبواب العراق
القمح الذي يصنع منه الخبز والصمون والمعجنات مادة غذائية مهمة لأغلب العراقيين حالهم بذلك حال بقية البلدان العربية ، فالعرب من أكثر الشعوب استهلاكا للقمح ، وحسب تقديرات السكان لعام 2021 فان عددهم يشكل 5% من أجمالي سكان العالم ، إلا إنهم يستهلكون 25% من نسبة الاستهلاك العالمي من القمح ، و بعد اندلاع الحرب الروسية – ألأوكرانية ازدادت المخاوف من اشتداد أزمة القمح عالميا من حيث توفرها وارتفاع أسعارها ، باعتبار إن البلدين ( المتخاصمين ) يشكلان مصدرا مهما في توريد القمح لشعوب الأرض ، إذ تعد روسيا أكبر مصدر للقمح في العالم بحصة تقارب 18% من مجموع صادرات القمح العالمية كما تشكل أوكرانيا رابع مصدر على مستوى العالم ، وتبلغ إجمالي حصص روسيا وأوكرانيا 25% من مجموع صادرات القمح العالمية استنادا لأرقام السنوات الأخيرة ، وعلى اثر الحرب التي تزداد تداعياتها ولم تعرف نهاياتها بعد ازدادت أسعار القمح بمستويات متصاعدة لم تشهده البورصات منذ 2013 ، ولا تزال أسعار الحبوب تسجل ارتفاعا غير مسبوق في جلسات التداول في الأسواق العالمية ، والخطر الذي يواجه العالم حاليا ليس ارتفاع الأسعار فحسب وإنما انخفاض العرض .
والعراق ليس بمعزل عن الازمات العالمية التي تهدد توريد القمح ، فبلدنا يستهلك أكثر من 5 ملايين طن سنويا ، ويحتاج شهريا 450 ألف طن لتامين متطلبات البطاقة التموينية ، وسابقا كانت الزراعة المحلية تغطي جزءا مهما من الاحتياجات ، إذ تم تسويق أكثر من 4 ملايين طن سنويا خلال الأعوام السابقة وكدنا نبلغ الاكتفاء الذاتي حيث بقي الاستيراد بحدود 2 مليوني طن سنويا ، ولكنا اليوم بحاجة لاستيراد ضعف هذه الكمية لان الزراعة المحلية لم تعد قادرة على تحقيق نفس مستويات الإنتاج السابقة بسبب تقليص المساحات المزروعة إلى النصف لشحة الموارد المائية وعزوف بعض المزارعين عن زراعة هذه المادة ، بعد أن ( ماطلت ) الحكومة في تسديد قيمة الاستحقاقات عن تسويقهم لهذه المادة خلال السنوات الماضية ، والأمر الخطير في كل هذا هو تباين الأرقام عن خزين الحنطة الواردة في تقارير ديوان الرقابة المالية والصادرة عن وزارة التجارة ، فالرقابة المالية تقول إن الخزين لا يكفي لأكثر من شهر والتجارة تقول إن تقارير الرقابة قديمة والجديد إنها تقوم بزيادة مخزوناتها من حصاد الموسم الحالي وما يرافقه من إجراءات التسويق للسايلوات من الإنتاج المحلي ، وان الفجوة بين الإنتاج والاحتياجات ستتم تغطيتها بالاستيراد عند توفر الأموال التي ستوفر من قانون الأمن الغذائي ، ولكن هذا القانون لاقى اعتراضا وردا من المحكمة الاتحادية لمخالفته صلاحيات حكومة تصريف الأعمال استنادا للدستور ، مما يعني تأجيله لحين تشكيل الحكومة الجديدة التي لم نجد ضوءا لتشكيلها بعد ، والأمر المحرج إن الحنطة المنتجة محليا او المتبقي منها في مخازن التجارة لا تكفي لأكثر من نصف الاحتياجات الفعلية كغذاء ، والأسواق العالمية تشهد تطورات خطيرة يوما بعد يوم ، فقد أعلنت الهند التي يعول عليها عالميا في تعويض نقص الإمدادات عن اتخاذها قرارا بحظر صادراتها من القمح لبقية الدول لتامين أمنها الغذائي الوطني ولضبط الأسعار ، وربما تتخذ الدول الأخرى المنتجة للحنطة نفس القرار من باب التحوط والاحتياط .
وما نخشاه فعلا ، تضاءل فرص الحصول على القمح من المصادر العالمية للتوريد حتى لو توفرت الأموال بإيجاد وسيلة ممكنة للتمويل ، مما يجعل المخزونات ( الاستراتيجية ) وما سيتم إنتاجه هذا الموسم من القمح اقل من الاحتياج بكثير وتعريض شعبنا لمجاعة من نقص رغيف الخبز الذي قد يتحول لمادة نادرة إن لم يحسن التدبير سريعا في قادم الأيام .
باسل عباس خضير
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط