محمّد بن الحسن بن زين الدين العامليّ (حفيد الشهيد الثاني وابن صاحب المعالم)

الشيخ محمّد بن الحسن بن زين الدين العامليّ (حفيد الشهيد الثاني وابن صاحب المعالم)

بقلم: الشيخ محمد حسين علي بحسون

هو الشّيخ الجليل فخر الدّين أبو جعفر محمّد بن جمال الدّين أبي منصور الحسن، بن زين الدّين المعروف بالشهيد الثّاني.

ولد شيخنا المترجم له ضحى يوم الإثنين العاشر من شهر شعبان المعظَّم عام ثمانين وتسعمائة.

ويبدو أنّ والده صاحب المعالم(رض) كان قد تفرّس فيه علائم العلماء وصفات العبّاد حتّى أنّه فدّاه بنفسه مع أخيه الشيخ عليّ(ره) ويظهر ذلك ممّا نقله ولد المترجم له، قال : “وعندي بخطَّ جدّي المرحوم المبرور الشّيخ حسن، ما هذا لفظه بعد ذكر مولد ولده زين الدّين عليّ -: ولد أخوه فخر الدّين محمّد أبو جعفر وفّقهما الله لطاعته وهداهما إلى الخير وملازمته، وأيّدهما بالسعد والإقبال في جميع الأمور، وجعلني فداهما من كلّ محذورٍ ضحى يوم الاثنين، العاشر من الشّهر الشّريف شعبان عام ثمانين وتسعمائة، وقد نظمت هذا التّاريخ عشيّة الخميس تاسع شهر رجب عام واحد وثمانين وتسعمائة بمشهد الحسين عليه السّلام بهذين البيتين، وهما :

أحمد ربّي الله إذ جاءني       محمّد من فيض نُعماه

تاريخه لا زال مثل اسمه      بجوده يسعده الله “([1])

نشأته :
لم تذكر المصادر التي ترجمت  للمؤلّف مكان ولادته على وجه الدقة والتّحديد، لكنّ ولده -في معرض الكلام عن اشتغاله العلميّ- ذكر أنّه سافر إلى مكّة بعد وفاة والده وصاحب المدارك وكان قد تتلمذ عليهما، ولم تذكر التراجم أنّه سافر قبل وفاتهما، وهذا يدلّ على أنّ ولادته ونشأته العلمية الأولى كانت في لبنان. مضافاً إلى أنّ الحرّ العامليّ في “أمل الآمل” ذكره ضمن علماء جبل عامل([2]).

اشتغاله بالعلم:
اشتغل أوّلًا عند والده والسيّد محمّد صاحب المدارك، فقرأ عليهما وأخذ عنهما الفقه والحديث والأصول والكلام وغير ذلك من العلوم، وقرأ عند والده المنتقى والمعالم وشرح الشرائع بتمامه وعند السيد محمد العاملي كتابه المدارك بتمامه، وما كتبه السيّد على المختصر النافع وكذا الاستبصار، ونال منهما إجازات، فلمّا انتقلا إلى رحمة الله بقي مدّة مشتغلاً بالمطالعة([3]).

ثمّ سافر إلى مكَّة المشرّفة وجاور بها سنين كثيرة، وكان فيها الميرزا محمّد بن علي الاسترابادي -الرجالي المعروف- فحضر عنده واختصّه بمحبّة وافية، فقرأ عليه الحديث وهذّب له كتاب الرجال وأحسن تبويبه([4]).

ثمّ رجع إلى لبنان وأقام به مدّة قليلة، فابتلي بحسّاد نصبوا له العداوة، فسافر إلى العراق، قاصداً كربلاء، وجاور بها الحائر المقدس، وبقي فيها مدّة طويلةً مشتغلاً بالتدريس والتصنيف، واستفاد منه كثير من طلاب العرب والعجم.

ثمّ ابتلي مرة أخرى بمن ناواه و آذاه، حتى أنّ بعض الحاقدين رماه بسهمٍ كتب الله تعالى له النجاة منه، فشدَّ رحاله إلى مكَّة المشرّفة وأقام فيها مدّةً، ثمّ رجع منها إلى العراق وبقي فيه مدّة.

“ثمّ عرض ما يقتضي الخروج منها، فسافر إلى مكَّة المشرّفة، وبقي فيها إلى أن توفّي رحمه الله”([5]) .

أساتذته ومشايخه[6]:
والده الفقيه الحسن بن الشّهيد الثّاني؛ صاحب كتاب ( معالم الدين).
السيّد محمّد بن السيد عليّ نور الدين بن أبي الحسن الموسويّ العاملي ؛ صاحب كتاب “مدارك الأحكام “.
الميرزا محمّد بن عليّ الأسترابادي؛ الرجالي المعروف .
الميرزا محمّد أمين الأسترابادي.
الأمير نصر الدين حسين؛ وهو من أسرة ابن معصوم.
الشّيخ شرف الدّين الدمشقي؛ وهو من علماء العامة.
تلامذته والرواة  عنه[7] :
ولده الشّيخ زين الدّين.
الشّيخ إبراهيم بن إبراهيم بن فخر الدّين العاملي البازوري.
الشّيخ أحمد بن أحمد بن يوسف السوادي العاملي العيناثي.
الشّيخ حسين بن الحسن العاملي المشغري.
الشّيخ عليّ بن أحمد بن موسى العاملي النّباطي.
الشّيخ عليّ بن محمود العاملي المشغري، خال والد الحرّ العاملي(ره).
الأمير فيض الله بن عبد القاهر الحسيني التفرشي.
المولى محمد محسن الكاشاني ؛ المعروف بالفيض الكاشاني.
الشيخ محمد بن جابر بن عباس العاملي المشغري النجفي.
الأمير السيد حسن القاييني.
الشيخ صقر بن عبّاس الكربلائيّ.
السيّد المير شرف الدين علي بن حجّة الله الشولستاني.
وغيرهم كثير من العلماء والأعلام الذين تتلمذوا عنده وأجازهم في جبل عامل وكربلاء ومكّة المكرّمة.

مصنفاته[8]:
إنّ شخصية كهذه نشأت في ظلال فحول الحاضرة العلميّة العامليّة و الكربلائيّة كان من الطبيعي أن يكون لها نتاجٌ غزيرٌ، فقد أثرى-رحمه الله- المكتبة الحوزويّة بمصنّفات عديدة في ميادين شتّى زادت على عشرين مصنفاً. أهمها:

استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار: شرح على كتاب (الاستبصار) في الحديث لشيخ الطائفة الطوسي، وهو أحد الكتب الأربعة الحديثية المعتبرة عند الإماميَّة، وقد حُقِّق وطُبِع في سبعة أجزاء.
تعليقاتٌ على كتاب (مدارك الأحكام) لأستاذه السيد محمد الموسوي..
حاشية أُصول الكافي.
حاشية على شرح اللمعة الدمشقية . وصل فيها إلى كتاب الصلح.
“معاهد التنبيه” وهي حاشية على العبادات من كتاب “من لا يحضره الفقيه ” للشيخ الصدوق.
حاشية كتاب الرّجال، للميرزا محمّد الأسترابادي.
حاشية المطوّل في البلاغة.
حاشية على أُصول (معالم الدّين) لوالده.
ديوان شعر.
“روضة الخواطر ونزهة النّواظر” وهو كتابٌ مشتملٌ على فوائدَ ومسائلَ وأشعارٍ له ولغيره، وحِكَمٍ وغيرها، ملتقَطةٍ من كُتُبٍ شتّى.
شرح الإثني عشريّة لوالده.
شرح تهذيب الأحكام لشيخ الطائفة الطوسي.
كتابٌ جامعٌ مشتملٌ على نصائحَ ومواعظَ وحكمٍ ومراثٍ وألغازٍ ومدائحَ ومراسلاتٍ شعريةٍ بينه وبين شعراء أهل العصر، وأجوبةٍ منه لهم في المدائح والألغاز.
رسالة في تحريم القهوة المعمولة من البنّ وتحريم التتن. توجد نسخة منها في مكتبة (ملك) .
كشف الرموز الخفيّة في شرح الروضة البهية، لجدّه الشهيد الثاني، في شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني.
أقوال العلماء فيه:
ذكره علماء التراجم بالمدح الكثير واصفين إيّاه بعبارات تدلّ على سعة اطّلاعه وغزارة إنتاجه العلمي كما ظهر ذلك في عرض مصنفاته.

مدحه صاحب الحدائق(رض) فقال: (وكان الشّيخ محمّد المذكور فاضلاًَ محقّقاً مدقّقاً ورعاً فقيهاً متبحّراً)([9]).

وقال الحرّ العاملي في ترجمته: (كان عالماً فاضلاًَ، محقّقاً مدقّقاً، متبحّراً جامعاً كاملاً، صالحاً ورعاً، ثقة، فقيهاً محدّثاً، متكلَّماً حافظاً، شاعراً أديباً، منشئاً جليل القدر، عظيم الشأن، حسن التّقرير)([10]).

ومدحه صاحب الروضات في معرض بيانه لنسخة المترجم له لكتاب الرّجال لأستاذه الاسترابادي، قائلاً: (نسخة كتاب الرّجال الكبير بخطَّ هذا الرفيع جنابه، العادم للعديل وللنظير)([11]).

وجاء في كتاب (أعلام المجاورين بمكة المعظَّمة):

(الشيخ محمّد بن الشيخ حسن صاحب المعالم بن الشهيد الثاني (ت ۱۰۳۰ھ) عالمٌ فاضلٌ، عابدٌ ناسكٌ، زاهدٌ ربانيٌّ، محدثٌ، فقيهٌ رجاليٌّ…)([12]).

زهده وتقواه :
يظهر من ترجمته في كتب العلماء أنّه(ره) كان آيةً في الزهد والتقوى والورع، فكان من جملة احتياطه وتقواه أنّه بلغه أنّ بعض أهل العراق لا يُخرِج الزكاة، فكان كلَّما اشترى من القوت شيئاً زكويّاً زكَّاه قبل أن يتصرّف فيه([13]).

وقد ذكر ولده الشيخ علي أنّ أفعاله كانت منوطة بقصد القربة([14]).

وقد ذَكَر أيضاً في أحواله:

(..وطلبه سلطان ذلك الزّمان -عفى الله عنه- مرّة من العراق، فأبى ذلك، وطلبه من مكَّة المشرّفة، فأبى، فبلغه أنّه يعيد عليه أمر الطلب، وهكذا صار، فإنّه عيّن له مبلغاً لخَرْج الطّريق، وكان يكتب له ما يتضمّن تمام اللَّطف والتّواضع، وبلغني أنّه قيل له: إذا لم تقبل الإجابة فاكتب له جواباً، فقال: إن كتبت شيئاً بغير دعاءٍ له كان ذلك غير لائقٍ، وإن دعوت له فقد نُهينا عن مثل ذلك، فألحّ عليه بعض أصحابه، وبعد التأمّل قال: ورد حديثٌ يتضمّن جواز الدّعاء لمثله بالهداية، فكتب له كتابةً، وكتب فيها من الدّعاء “هداه الله” لا غير)([15]).

خطّه وأدبه :
إلى جانب الصفات الرفيعة العلميّة والنفسانيّة فقد كان ذا خطٍّ جميلٍ وشعرٍ لطيفٍ.

قال السيّد الخوانساري: (وقد كان عندنا من كتب خزانة سيّدنا وسمّينا وشيخ إجازتنا العلامة الرشتي -أعلى الله تعالى مقامه- نسخة كتاب الرّجال الكبير، بخطَّ هذا الرفيع جنابه [يعني به المترجم له] العادم للعديل والنظير، وعندنا الآن أيضاً بخطَّه الحسن الَّذي يقارب في الحسن خطَّ والده الجليل الشّيخ حسن رحمة الله تعالى عليهما، على ظهر كتاب الفقيه الَّذي صحّحه أبوه المذكور في نجف الغريّ -على مشرّفه السلام.)([16])

وأمّا شعره فقد تميّز بطابع الرقّة والسلاسة ما يثير العواطف ويطرب الأسماع، وليس ذلك بعجيبٍ وهو المتربّي في كنف والده صاحب المعالم(ره) الذي كان شاعراً أديباً وإن لم يشتهر به([17])، كما كان له نثر ومراسلات مع أدباء عصره .

قال الميرزا عبد الله الأفندي: كان عالماً فاضلاً … حافظاً شاعراً أديباً منشئاً جليل القدر عظيم الشأن حسن التقرير ([18]) .

وذكر ولده الشيخ علي في جملة تصانيفه: (وله كتابٌ مشتملٌ على أشعارٍ له ولغيره، ومراسلاتٍ بينه وبين من عاصره، وكتابٌ جامعٌ مشتملٌ على مواعظَ ونصائحَ وحكمٍ ومراثيَّ وألغازٍ ومدائحَ ومراسلاتٍ شعريّةٍ بينه وبين أهل العصر، وأجوبةٍ منه لهم في المدائح والألغاز.

ولقد كان رحمه الله، جيّد الشعر، كثير النظم، سريعه، يشتمل شعره على معانٍ دقيقة وألفاظٍ رشيقةٍ، ومواعظَ شريفةٍ، وفوائدَ منيفةٍ)([19]) .

وصرّح الحرّ العامليّ أنّ له ديوان شعر، وقال : (وله شعر حسن)([20]) .

فمن  قصائده في الرثاء الحسيني([21]) وقد اخترنا منها قوله :

كيف ترقا دموع أهل الولاء      والحسين الشّهيد في كربلاء

جدّه المصطفى الأمين على الوحي من الله خاتم الأنبياءِ

وأبوه أخو النبيِّ عليٌّ      آية الله، سيّد الأوصياءِ

أمّه البضعة البتول، أخوه      صفوة الأولياء والأصفياءِ

يا لها من مصيبةٍ أصبح الدّين     بها في مذلَّةٍ وشقاءِ

وله قصيدة يمدح فيها أُستاذه السيّد محمّد العاملي؛ صاحب المدارك، يقول في مطلعها :

يا خليليَّ باللّطيف الخبير     وبودّ أضحى لكم في الضّمير

خصّصا بالثنا إماماً جليلاً   وخليلاً أضحى عديم النّظير

ثمّ رثاه بعد وفاته بقصيدة قال فيها :

ما لفؤادي مدى بقائي     قد صار وقفاً على العناء

وما لجسمي حليفٌ سقِمٌ     بدا به اليأس من شفائي([22])

وفاته:
توفي رحمه الله ليلة الاثنين العاشر من شهر ذي القعدة من سنة ثلاثين بعد الألف من الهجرة النبوية الشريفة ،كما نقل ولده عن خط تلميذه الشيخ حسين المشغري(ره)([23]). وقد ظهرت له كرامات قُبيل وفاته وبعدها كعلمه بأيّام أجله كما ذكر ولده في الدرّ المنثور([24])،وسماع تلاوة القرآن عنده يوم وفاته([25]).


المصادر:

 [1]الدر المنثور:2/685.

 [2]أمل الآمل:1/138.

 [3]الدر المنثور:2/673.

 [4]المصدر السابق.

 [5] الدر المنثور:2/674.

[6] الدر المنثور؛ 2\273،274؛ موسوعة طبقات الفقهاء؛ 11\258.

[7] أمل الآمل؛ ج1؛ ص25،31،118،134. وج2؛ ص218.

الدر المنثور؛ ج2؛ ص676.

مفاتيح الشرائع؛ ج1؛ ص17.

أعيان الشيعة؛ ج9؛ص198.

أعلام المجاورين بمكة؛ ص466،467؛471.

طبقات أعلام الشيعة؛ ج8؛ القرن 11؛ ص222.

[8] الدر المنثور؛ ج2؛ ص676، 677.

أمل الآمل؛ ج1؛ ص138.

العقد الإيماني؛ ص878،879.

 [9]لؤلؤة البحرين:82.

 [10]أمل الآمل:1/139.

 [11]روضات الجنّات:7/39.

 [12]أعلام المجاورين بمكة المعظمة:1/464.

 [13]الدر المنثور:2/675.

 [14]الدر المنثور:2/673.

 [15]الدر المنثور:2/675.

 [16]روضات الجنّات:7/39.

 [17]ينظر الدر المنثور:2/668.

 [18]رياض العلماء:5/58.ومثل هذه العبارة في أمل الآمل:1/139.

 [19]الدر المنثور:2/678.

 [20]أمل الآمل:1/139.

 [21] وقد وضع فيها بصمته الموسوعية من علم وفقاهة و عقائد محقة و تاريخ وأدب وغيرها، تجدها كاملة في أمل الآمل:1/140-141.

 [22]لؤلؤة البحرين:84.

 [23]الدر المنثور:2/676.

 [24]المصدر السابق.

 [25]الدر المنثور:2/675.

تعليقات