ألإِمامُ الحُسَيْنِ (ع) وَألْخُروجُ عَنِ ألْمَألُوفِ

 ألإِمامُ الحُسَيْنِ (ع) وَألْخُروجُ عَنِ ألْمَألُوفِ

زعيم الخيرالله

------------

لَيْسَ كُلُّ الناسِ لَهُم القُدرةُ للخروج عن المألوف ، وانما غالبيةُ الناسِ تسيرُ مع التَّيارِ وتمشي باتجاههِ . الذين يَخرُجُونَ عن المألوف ، ويغادرونَ ثقافةَ القطيع هم أُناسٌ استثنائيونَ ، يمتلكون رؤيةً للواقعِ سابقة على رؤيةِ أَكْثرِيَّةِ الناس ِ، ولديهم فهمُهم للواقع متقدم على فهم غالبيةِالناس . ووعيُهُم   متقدم على وعي َالسَّوادِ أَلأَعطَمِ مِنَ الناس . الخارجون  عن المألوفِ المتمردونَ عليه هم الذين يُلْقُونَ أَحجاراً في البركِ الراكدةِ ليُحدِثوا فيها حراكاً وهياجاً .

 لولا هذا الخُروجُ عن المألوفِ ، لما حَدَثَ إِبداعٌ في مجالاتِ العلم ، ولاتَطَوُّرٌ في الأفكار ؛ فنحن مدينونَ لما قَدَّمَهُ غاليلو ونيوتن وكوبرنيكوس ، في خروجهم عن المألوفِ وتفكيرهم خارجَ الصندوق ، ومدينون لكل الذين ساهموا في الابداع وتَجاوَزوا المألوفَ ، في حقولِ ألأدَبِ والفنِ والشعر وسائِرِ المعارِفِ الإنسانِيَّةِ .


القُرآنُ الكريمُ يرفضُ ثقافةَ المَألوفِ

-----------------------------

ألقُرآنُ الكَريمُ عابَ على الذينَ ألغَوا عُقُولَهُم واتَّبَعُوا الْثَقافةَ السائِدَةَ ألْمَألُوفَةَ من خلالِ إِتِّباعِ آبائِهِم حتى ولو كانَ آباؤُهُم لايمتلكونَ عِلماً ومعرفةً . يقول الله تعالى :

(بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ). الزخرُف: الاية: (22).

(وَكَذَٰلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ). الزخْرُف: الاية: (23).

(وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ). البقرة: الاية:(170).

 إِتِّباعُ أَلآباءِ سَيْرٌ مع المألوفِ والتَّيّارِ السائِدِ ؛ ولذا ؛ فَالمَسْأَلَةُ ليست باتباع السائد والمألوف وانما المَسْأَلَةُ هِيَ إِتِّباعُ العلمِ والحُجَّةِ والدَليلِ.


الامامُ الحسين(ع) وثَقافَةِ المألوفِ

---------------------------

كانَ خُروجُ الامامِ الحسينِ (ع) ضَدَّ يزيد بن معاويةَ خروجاً عن المألُوفِ والثقافةِ السائِدَةِ التي كانت ترى في يزيدَ خليفةً شرعياً للمسلمين ، وقد حَشَّدَ وُعاظُّ السلاطين الاجاديثَ المكذوبةَ لِشِرعَنَةِ حُكم يزيد . الامام خرج من المدينةِ رافضاً البيعة وكان هذا الخروجُ خُروجاً عن المألوفِ والسائِدِ ، وغادر الى مَكَّةَ  وخرج منها في الثامنِ من شهرِ ذي الحِجَّةِ ولم يكمل حَجَّهُ متوجهاً نحو العراق ، وكان هذا الخروجُ من مكةَ خروجاً غير مألوفٍ وخلاف الثقافَةِ السائِدَةِ .

وقد حَذَّرَهُ شخصيّاتٌ لها ثقلُها الاجتماعي والديني امثال ، عبدالله بن عباس ومحمد بن الحنفيّة وعبدالله بن عمر ، ولكنَّ الامامَ الحسين (ع) خرجَ على كلِّ هذا المَألوفِ وتوجه نحو العراق . خروج الامام (ع) بالاطفال والنسوة لم يكن خروجاً مألوفاً ومستساغاً عند الناس . ونفس خروجه سلام الله عليه بهذا العدد القليل في مواجهة دولةٍ عاتية في أوجِ قوتها وسطوتها لم يكن خروجاً مألوفاً . كانت الثقافة السائدة ، وكان المألوفُ هو طاعةُ الحاكمينَ مهما كانت قسوتُهم وظلمُهم . وهناك فقهٌ اسسه عبدُالله بن عُمَرَ بقوله : ( نحن مع من غلب ) ، وعلى ضوء هذه المقولَةِ المُخَدِّرَةِ نشأَ فقهٌ وهو امامة المتغلب ، الذي شَرَّعَ لسلطَةِ كُلِّ مُغامِرٍ نَزى على السُّلْطَةِ بعَمَلٍ مُسَلَّحٍ . هذا هو الفقه السائِدِ والمألوفِ الذي وقَفَ بوجههِ سَيِّدُ الشهداء عليه السلام . ولذلك بهذا الفقه السائد حكموا على الامام الحسين سيد شبابِ أهلِ الجَّنَّةِ بالخروجِ على وليِّ الامرِ ، وبهذا الفقه قال ابو بكر بن العربي: ( الحسين خرجَ عن حَدِّهِ فقُتِلَ بسيفِ جَدِّهِ ) .

 ومازالتِ هذهِ الأصواتُ النَّشازُ الى يومِنا هذا تَدينُ حركةَ الامام الحسين(ع) وتعتبره خارجاً على الشرعيَّةِ.

 الامامُ الحُسَيْنِ (ع) بهذا الخُروجِ غيرِ المألوفِ أرادَ أَن يَضَعَ الأمورَ في نِصابِها الصحيح ، ويصححُ لِلأمَّةِ مفاهيمَها وتصوراتِها ويَهُزُّ وجدانَها المُخّدَّرَ ؛ ولذلك فان نهضة الامام الحسين عليه السلام آتت أُكُلَها وطوت صفحةَ الظالمين وَأعادت للأُمَّةِ وعيها ووجدانها وعقلها المغيب وروحها التي تبلدت وتخدرت . هذه هي الرؤُيّةُ التي كان يمتلكُها سيّدُ الشهداء عليه السلام التي لم يمتلكُها الآخرون الذينَ عاشوا الثَّقافةَ السائِدَةَ المألُوفةَ .

السلامُ عليكَ يا أبا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك عليكم مني جميعاً سلام الله أبَداً مابقي الليلُ والنَّهار .

تعليقات