الحاكمُ الاسلامِيُّ بينَ الشَّرْعِيَّةِ وَالمَشْروعِيَّةِ
زعيم الخيرالله
-------------
هناكَ اِشكالاتٌ تُثارُ حولَ أَئِمَّةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام الذينَ حكموا المسلمين وأخصُّ منهم علياً (ع) ، والامام الحسن (ع) ، والامام الرضا(ع) .النصوصُ التي وردت عن الامامِ عليٍّ عليه السلام الذي جاء الى الخلافة من خلال ثورةٍ شعبِيَّةٍ أسقطت الخليفة عثمان وجاءت بعلي عليه السلام. في الكتاب الذي بعثهُ (ع) الى معاوية ، يقول عليٌّ عليه السلام:
(اِنَّهُ بايعني القومُ الذينَ بايعوا أَبا بكرٍ وعمرَ وعثمانَ على مابايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهِدِ أَن يختارَ ، ولا للغائبِ أَنْ يَرُدَّ ، وانَّما الشورى للمهاجرينَ والانصار، فان اجتمعوا على رجُلٍ وَسَمَّوهُ اماماً كانَ ذلكَ لله رضا). "شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد،ج14،ص35".
قد يَظُنُّ البعضُ أَن هذا الكتاب الى معاوية يرينا ان الامامَ علياً (ع) يقول بأنَّ شرعِيَّةَ الحاكمِ الاسلامي شرعية انتخابية ؛ وبالتالي ينتفي القولُ بالنص على الامام علي (ع) وبقية ائمة اهل البيت عليهم السلام ، كما تقول الشيعةُ .
ولكنَّ هذا الكلامَ ليسَ دقيقاً ؛ لإن الكتاب جاء في سياق الرد على معاوية الذي كان يؤمن بخلافة من سبقوا علياً عليه السلام ؛ فهو من باب " ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم" .هذا أولاً، وثانياً : هناك خلطٌ بين الشرعيَّةِ والمَشروعيَّةِ . الشرعيَّةُ مصدرُها عُلويٌّ سماويٌّ الهِيٌّ ، والمشروعية مصدرُها سُفْلِيٌّ أَرضِيٌّ بَشَرِيٌّ . الشرعيَّةُ مصدرُها اللهُ تعالى ، بينما المَشروعِيَّةُ مصدرُها البشر ،وأعني بالمشروعية، المقبولية ودعم حكمه من قبل الأمة، اصطلاح المشروعية أعني به المقبولية، ولامشاحة في الإصطلاح. كانت في الماضي أَنظِمَةٌ تستند الى نظرية الحق الالهي في حكمها للناسِ . أي: انها تستند الى الشرعيةِ في حكم الناس ، وتفرض سلطانَها وسطوتها وهيمنتها على الناس على أَساسِ هذهِ الشَّرعِيَّةِ ، وهذه هي الانظمةُ الثيوقراطِيَّةُ . وهناك انظمةٌ تستندُ الى ارادة الامة والانتخابِ الشعبي أي: انها تستندُ الى المشروعيّةِ ، وهذه هي الانظمة الديمقراطية.
وان كانت الانظمَةُ الديمقراطِيَّةُ ترى في ارادةِ الناس شرعيَّةً للحكم ؛ لانها اما انها الغت الاله نهائياً من تفكيرها أو أَنَّها حددتهُ في مساحةٍ معينة ، كالكنيسة والمسجد والمعبد ، إنها عزلت الله تعالى عن التدخل في شؤون الحكم وقضايا الحياة، وأعطت صلاحيات الله للشعب. بينما الرؤية الاسلامية لاهل البيت عليه السلام واتباعهم تقول: انَّ الامامَ(ع) يكتفي بشرعيته ان لم يكن حاكماً ، فيمارس دورَ التوجيه والارشاد والامر بالمعروفِ والنَّهي عن المُنْكَرِ . اما اذا مارس الحكم فلابدَّ ان تجتمع لهُ الى جانب شرعيته ، المشروعيَّة ، وهي قبولُ الامةِ لهُ .فالامام علي رغم شرعيته الالهية لم يفرض حكمه على الناس بالقوة والاكراهِ استناداً الى هذه الشرعيَّةِ .حينما ادارت الامةُ ظهرَها لهُ بقي جليس داره ، وحينما جاءته الامة مطالبةً بهِ حاكماً تصدى للحكم . وهكذا مع الامام الحسن الذي ثبتت شرعيتَهُ بنص الرسول (ص) : ( الحسن والحسين امامان قاما أَو قعدا) ، ولكن عندما تصدى الامامُ الحسن للحكم ، جاء تصديه بعد بيعة الامةِ له . ونهض الامام الحسين عليه السلام في مواجهة الطغيانِ الاموي ، لان رسائل البيعة اتته من الكوفة وبعض وجهاء البصرة . وكذلك الحالُ معَ الامامِ الرضا(ع) ، َفقد بايعهُ الناسُ ليكون ولياً للعهدِ. اما الائمة بعد الامام الحسين عليه السلام فاكتفوا بشرعيتهم فقط دون الحاجة الى المشروعيَّةِ (المقبولِيَّة) ، لانَّهم لم يكونوا حاكمين . خلاصة هذه الفكرة : انَّ الامامَ المعصومَ (ع) لابد لهُ من مقبولية الناس له (المشروعية) ليكون حاكماً ، اما اذا لم يتصد للحكم فيكتفي بشرعيته من خلال النصوص على امامته ويمارس دور التوجيه والارشاد وحل الازمات التي تواجهها الامة. الأمة لاتعطي شرعية للحاكم؛ لأن الشرعية مصدرها الله تعالى بل تعطي حاكميةً، وتعطي سلطةً ؛ ولذا قيل: أن الأمة مصدر السلطات لامصدراً للتشريع، لانها تعطي سلطةً، وتعطي حاكميةً ولا تعطي شرعيةً. هذه الفكرة تفيدنا في التصدي للحركات التكفيرية المتطرفة التي تريد ان تفرض هيمنتها من خلال ادعاء الشرعية عبر تطبيقها للشريعة التطبيق المشوه وتفرض وجودها بالقوة والنار والحديد ، نقول هذه لاتنسجم وروح الاسلام ، الذي يريد من الحاكم ان يأتي الى الحكم على اساس المقبوليَّة له من الجماهير . هناك انظمةٌ تستند الى مشروعياتٍ مزيفة كالبيعةِ التي تؤخذ قهراً من الجماهير ، وكالانتخابات المزيفة. وما أريد قولهُ : ان الحاكمَ الذي يأتي الى الحكم عبر انقلابٍ عسكري وقوة الحديدِ والنارِ لامشروعيَّةِ له.في نظام الجمهورية الاسلامية المستند الى ولاية الفقيه ، الفقيه فيه يستند الى شرعية المعصوم بالنصب العام ولكنه مع ذلك لم يكتف بشرعيته من نص المعصوم، وانما استند الى المشروعية أيضاً ، وطالب الجماهير بالحضور الى الساحة، وانتخاب حكامها وولاتها.
مع فائق التقدير