رجل في زمن العاصفة
السيد علي عبد الحكيم كما عرفته
مفهوم الرجولة في القران الكريم انها موقف وثبات على المبدأ , وعقلية مسؤولة عن حياة الناس في زمن هبت عاصفة ,وحوادث متلاحقة اقتلعت الكثير من مواقفهم , وصمد من امتحن الله قلبه بالأيمان ويعد ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه . لا اغالي ان الحقبة البعثية خاصة في زمن فرعون العراق صدام حسين كانت فترة كارثية بامتياز خاصة على العلماء الشيعة وبعض السنة.
اقلها ان تمكن هذا الرجل من {إنهاء الدراسات الحوزوية الشيعية في العراق ولم يبق درس فقهي الا في النجف الاشرف فقط}وسيق رجال الدين والخطباء الحسينيين الى الموت وامتلات السجون بالأحرار ورجال الفكر واصحاب المواقف.
وصلت الحال ان يرفع البعثيون شعار{ اذا قال صدام قال العراق} وتلبدت سماء العراق بالغيوم الحمراء من كثرة الدم والقتل والتغييب. انه زمن العاصفة .
بعد عودتي من النجف الاشرف, وتعايشت مع المأساة التي صبت على علماء الشيعة .عدت الى البصرة .في زمن كانت العاصفة على اشدها, واقول للتاريخ{ان صدام وزبانيته تمكنوا من اسكات المنبر الحسيني في اغلب المحافظات} الا بعض المجالس التي تستجدي الموافقة من دائرة الامن والمنظمة الحزبية.
بدات على اثرها ارتقي المنبر الحسيني في البصرة التي اقتصرت على ثلاثة خطباء فقط ذلك الوقت .واشهد بالله كان اصحاب المجالس يبذلون جهودا مضنية للحصول على موافقة الحزب وجهاز الامن الطاغوتي. في تلك الاجواء القاتمة التقيت مع سماحة الفقيد السيد علي عبد الحكيم الصافي. طاب ثراه.
زارني في مجلس البيضان في ليلة رمضانية. واستمع لي جيدا وعرض علي ان اقدم محاضرات بعد شهر رمضان في جامع الابلة. كان دقيقا في إبلاغي بما يضمره. في قلبه مشروع محاضرات دينية طوال ايام السنة كل يوم جمعة فهمت انه يريد التعويض عما يعانيه الناس من حرمان تام للمحاضرات في التلفزيون والراديو . فكان رايه ان نستثمر يوم الجمعة . واثمرت تلك المحاضرات حضوراً كبير تمتلآ القاعة والحرم واحيانا يجلس جمهور المستمعين في حديقة الجامع.
ثم جاءت الخطوة الثانية حين استحدث تلك الفترة قبل المجلس الحسيني يوم الجمعة بشرح مسائل شرعية من الرسالة العملية , فكان جامع الابلة منارا للفكر وكهفا حصينا لمن ينهل العلم الشرعي والقرآني لمدرسة اهل البيت{ع}.
دعاني السيد علي الصافي يوما الى مكتبه الخاص وسألني . هل تعلم ان دائرة امن المعقل ترسل الى مجلسنا كل يوم جمعة عددا من افراد الامن .؟ اجبت نعم بلا شك.. ثم سألني كم تقدر عدد الرفاق الذين جاءوا للمراقبة وكتابة التقارير ؟.. قلت لا اعلم . قال اقدرهم اكثر من عشرين فردا . ولكن اوصيك بوصايا حتى لا يتمكن هؤلاء ان ينالوا منا .ومن جمهور المستمعين.!!
اوصاني بثلاث وصايا قال انها كافية لو عملت بها.. الاولى اياك ان تتعرض لشخص صدام او اعضاء القيادة. لان ذلك الموت المحقق. الثانية لا تتعرض للقضايا الخلافية خاصة التاريخية لأنها تثيرهم وتكون ردة فعلهم غلق الجامع واعتقال الناس . الثالثة تحدث عن حقيقة الائمة ودورهم في نشر الاسلام لان الناس متعطشة للمعرفة .. ولا يفوتني ان اذكر ان السيد علي عبد الحكيم على اثر تلك المحاضرات ارسلني للدراسة في النجف الاشرف.وبدلا من ان يزودني بتزكيه بقبولي .. ارسل ولده السيد حسنين الصافي معي ليختار مكانا في المدرسة المهدية للدراسة الحوزوية . هكذا وقف الرجل بوجه العاصفة.
الشيخ عبد الحافظ البغدادي
2/11/2022