بين المرجعيتين الشيعية والكلدانية آية الله السيستاني والبطريرك ساكو مثالا

 بين المرجعيتين الشيعية والكلدانية

آية الله السيستاني والبطريرك ساكو مثالا

اتابع ليس ككلداني فحسب، بل وكعراقي ايضا، ناهيك عن مجال عملي كمحامي، المشهد المسيحي العراقي الذي تطور تباعا وتصعيدا منذ سحب رئيس الجمهورية للمرسوم الجمهوري السابق لغبطة البطريرك لويس ساكو، رئيس الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم وهو مفتوح على تصعيدات اخرى.

في هذا المقال لن اتناول المرسوم بخلفياته وتاثيراتنه وطرق معالجته، فتلك المحاور على أهميتها ليست موضوع المقال وساعود اليها في مقالات قادمة وقريبا.

المقال هو محاولة لتفعيل الحوار بشان القضية والسعي لمعالجتها من خلال تناولها من مختلف جوانبها وبحيادية وموضوعية بعيدا عن التاجيج والشعبوية ولما هو خير الشعب والوطن العراقي.

الملاحظة الوحيد التي اوردها هنا بشان المرسوم هي ما سبق لي ايرادها في مقال سابق نشرته قبل ايام بعنون (ماذا كان سيكون لو...) وهي: لو ان البطريركية كانت امتلكت الحكمة والتزمت المسؤولية كانت اغلقت الباب على التصعيد وفتحت الباب للحل. كيف؟

مع صدور المرسوم الجمهوري بسحب المرسوم السابق لو ان البطريركية كانت اكتفت باصدار تصريح رزين وحكيم وهادئ من قبيل:

(تفاجئنا بنشر جريدة الوقائع العراقية بعددها المرقم 4727 في 3 تموز 2023 مرسوما جمهوريا لفخامة رئيس الجمهورية الدكتور عبداللطيف رشيد يسحب فيه المرسوم الجمهوري المرقم 147 لسنة 2013 والذي كان قد اصدره حينها فخامة الرئيس الراحل جلال طالباني.

ان البطريركية الكلدانية ومن موقعها كمرجعية من المرجعيات الدينية المسيحية العراقية المهمة، واستمرارا لدورها التاريخي في الحرص على الوحدة الوطنية حيث بادرت وقدمت الكثير في هذا المجال وبخاصة في الاوضاع التي مر بها وطننا وشعبنا العراقي العزيز تؤكد التزامها بذات الدور وستتواصل مع رئاسة الجمهورية و فخامة الرئيس المشهود له تشاركه في هذا الحرص لمتابعة ومعالجة الموضوع وبما يحفظ الكرامات والمقامات ويخدم الصالح العام. والرب يبارك.)

لما كان حصل التصعيد الذي وصل مديات تهدد الامن المجتمعي والسلم الاهلي (راجع بيانات البطريركية وكيف انها تماثل بين سحب المرسوم وداعش!! وكيف انها تهدد باستقدام التدخل الاجنبي!!!).

وكانت فتحت الباب واسعا لمعالجة الموضوع بالقنوات الهادئة مستثمرة في مقام مرجعيتها وعلاقاتها واحترام المرجعيات الدينية والسياسية والمجتمعية لها.


المتابع لتصريحات البطريرك ساكو في الاعلام، واخرها في مؤتمره الصحفي بعد وصوله الى اربيل منسحبا من بغداد، انه يماثل مرجعيته ووجوب التعامل معها كما هو الحال مع مرجعية اية الله العظمى السيستاني.

لا احد ينكر او يغفل اهمية مرجعية البطريرك ساكو كاحدى المرجعيات المسيحية ضمن مرجعيات مسيحية اخرى ومرجعيات صابئية وايزيدية، ولا احد من هذه المرجعيات الدينية ومعها السياسية والمجتمعية انكر ان الكنيسة الكلدانية هي اكبر الكنائس المسيحية الامر الذي ينسحب على بطريرك الكنيسة الكلدانية ليكون اكبر المرجعيات المسيحية العراقية، يضاف اليها علاقاته الدولية.


ولكن الذي خلق ويخلق الفارق في التعامل مع مرجعية البطريرك ساكو بالمقارنة مع مرجعية اية الله السيستاني هو مجموعة امور، من بينها:

اولا: بخلاف السيستاني فان الحضور الاعلامي المتكرر والمبالغ فيه للبطريرك في لقاءات حوارية تلفزيونية في شؤون وتفاصيل مختلفة وتتضمن مواقف سياسية وغيرها جعلته بالتاكيد عرضة للنقد من هنا او هناك وباشكال ومضامين مختلفة باختلاف الناقد.

حتى ان ظهور البطريرك في الاعلام هو اكثر من مرجعيات حزبية وسياسية.

وهذا فارق كبير بين السيستاني المتقشف في الظهور الاعلامي حافظا بذلك مقامه ومحصنا اياه من النقد والتجريح وبين ساكو الذي يلهث وراء الاعلام وبالتالي ما يترتب عليه من نتائج عليه تقبلها. 

ولا يمكن له بذلك ان يطالب التكافؤ في التعامل معه كما هو مع السيستاني.


ثانيا: بخلاف السيستاني فان لغة ومضامين الظهور والتصريحات الاعلامية للبطريرك ساكو هي لغة لا تتناسب مع مقامه البطريركي حيث يستعمل فيها مفردات تسقيطية غير لائقة كالتي يستعملها رواد مقاهي الارصفة، كما انها تتضمن تهم وتشهير باطراف اخرى بما يتيح لهم، ان ارادوا الالتجاء الى القضاء، كما فعل البطريرك ذاته حين اعتبر بعض تصريحات البرلماني السابق، السيد جوزيف صليوا، عن ادارة املاك الكنيسة الكلدانية بانها تشهير بغبطته، فاقام دعوى قضائية. نعم ان البطريرك اقام دعوى قضائية ضد النائب جوزيف بتهمة التشهير وطالبه فيها بتعويض مليار دينار!! ولكنه خسر القضية.

يتساءل البطريرك ساكو كيف انه يستدعى للقضاء وهو مرجعية دينية.

الجواب ببساطة هو ان الذي يحصنك من القضاء ليس المقام البطريركي بل التصرف والحديث بما يليق ويتناسب مع هذا المقام، وفي حال عدم الالتزام بما يليق بالمقام والاستمرار بالتشهير (او ما يعتقده المقابل تشهيرا)، فان المقابل يحق له الالتجاء الى القضاء الذي سينظر في القضية ويصدر حكمه وفق السياقات القانونية لصالحك او ضدك بحسب توفر الادلة من عدمها، كما فعل في القضية التي اقمتها انت وبمقامك البطريركي ضد ابن كنيستك النائب السابق جوزيف صليوا.

فكيف هنا ايضا تتوقع التكافؤ بين مرجعيتك ومرجعية السيستاني.


ثالثا: ليس هذا فحسب، بل ولغة المراسلات البروتوكولية ايضا للبطريركية حيث الافتقار الى السياقات السليمة التي تحفظ المقامات المقابلة وبالتالي تحفظ ضمنيا مقام البطريركية. رسالة الانسحاب من بغداد الى اربيل والتي تم نشرها على موقع البطريركية الرسمي كرسالة مفتوحة تضمنت في صيغتها الاولى اخطاء املائية تعكس التشنج الذي فيه البطريرك. وبعد الانتباه على الاخطاء تم سحبها واعادة نشرها مع الابقاء على هفوة بروتوكولية وأدبية لا يعقل الوقوع فيها (الا اذا كانت متعمدة) حيث بقيت الرسالة معنونة بصفة النكرة:

الى: رئيس جمهورية،

الى: رئيس مجلس الوزراء،

دون ان يحدد كما هو المنطق والبروتوكول اسم الدولة (العراق) ودون ان يسبقها بصفة: فخامة رئيس جمهورية العراق، ودولة رئيس الوزراء العراق.

ناهيك عن مضمونها في دعوتها الاستهزائية التهكمية رئيس الجمهورية الى تعيين ريان وعائلته في مناصب متعددة ليست من شان رئاسة الجمهورية، ومن بينها تهكمه واستهزاءه برئاسة الجمهورية ودعوتها لتعيين الوزيرة ايفان جبرو في منصب امانة سر البطريركية!!!


رابعا: بخلاف السيستاني الذي يحرص دائما على احترام الشخصية المعنوية والسيادة الوطنية العراقية ويحصنها من محاولات التدخل الخارجي فان البطريرك ساكو جهارا نهارا يهدد باستقدام التدخل الخارجي في خلافاته واختلافاته مع بابليون او حاليا مع رئاسة الجمهورية.

واخرها تهديده باقامة دعوى قضائية على رئيس الجمهورية امام القضاء البريطاني كون الرئيس يحمل الجنسية البريطانية!!

ومعها ايضا تشكي القس الكلداني في مصر عند الرئيس السيسي ضد الرئيس العراقي، وهذا بمباركة بطريركية تجلت في نشر الموقع الرسمي للبطريركية رسالة التظلم!!

البطريرك ساكو يرى ان قضيته تستحق وتستوجب التدخل الخارجي ولكنها لا تستحق طرحها في اجتماع تشاوري مع اساقفة الكنيسة الكلدانية ذاتها وفي مجمع سنهاديقي. ولا تستحق منه دعوة المرجعيات الدينية والمسيحية الاخرى الى اجتماع تشاوري.


خامسا: بخلاف السيستاني فان شخصية البطريرك التي يعكسها وتبينها الافعال والاقوال هي شخصية نرجسية حين اختصر الكنيسة الكلدانية والشعب المسيحي في العراق بشخصه. 

المرجعيات الحكيمة تنظر الى الامور بما هو للصالح العام بعيدا عن الشخص الفرد. والتصعيد الذي يقوم فيه البطريرك ليس لصالح المسيحيين والعراقيين والعيش المشترك. حتى ان البطريرك ساوى بين سحب المرسوم الذي هو اجراء يتحمل الخطا ويمكن معالجته وبين ارهاب داعش!!!

تصريح خطير جدا.

المرجعيات الحكيمة، السيستاني مثلا، تسعى لطرح حل لكل مشكلة. ومرجعية البطريرك ساكو تطرح مشكلة لكل حل.


في مقالات قادمة سنناقش المرسوم الجمهوري وخلفياته وكيديته وتاثيراته.

الى اللقاء


يمكن الاطلاع على التصريحات والمواقف المشار اليها بزيارة موقع البطريركية الكلدانية:

https://chaldeanpatriarchate.com/



المحامي وديع شابا

22 تموز 2023


تعليقات