المقصود بالاصلاح في القرآن الكريم

د. فاضل حسن شريف

هنالك ارتباط بين المصلح والصلة بالله تعالى فالله يرفع عمل المصلح "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ" (فاطر 10). والمصلح عمله لنفسه "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا" (فصلت 46) (الجاثية 15).  والمؤمن المصلح يكون في مأمن من عقاب الله "مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ" (المائدة 69)، حتى الظالم اذا تاب واصلح فان الله يتوب عليه "ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ" (الانعام 54).

الله سبحانه يتولى اهل الاصلاح "إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ" (الاعراف 196). واذا عمل المصلح سيئة عليه ان يستغفر الله "وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا" (التوبة 120). ومن الاعمال الصالحة النيل من العدو "وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ" (التوبة 102). والعمل الذي ليس فيه صلاح غير مقبول حتى ولو كان من ابن نبي "قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ " (هود 46). وعلى المصلح ان يعمل قدر استطاعته "إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ " (هود 88).

 ان كثرة المال بدون انفاقه في الاعمال الصالحة والاولاد المفسدون في الارض كلها وبال على الانسان، وبالعكس عند الانفاق ووجود اولاد صالحين فان ذلك يعتبر من الباقيات الصالحات للانسان "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا" (الكهف 46). قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له).

الذين امنوا وعملوا الصالحات فاجرهم عند الله مضمون "فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ" (ال عمران 57) (النساء 173)، و "أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا" (الاسراء 9)، و "أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا" (الكهف 2)، و "إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا" (الكهف 30)، و "مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" (فاطر 7)، و "لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" (فصلت 8)، و "مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا" (الفتح 29)، و "لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ" (الانشقاق 25) (التين 6).

 المصلح الذي يقول ويعمل عكس قوله فلا خير في اصلاحه "قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ" (البقرة 11). وعلى الذي يتوب عليه ان يصلح ما افسده (البقرة 16). والاصلاح بين الناس هو الخير "أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ" (البقرة 224)، والاصلاح الى اليتامى "وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ" (البقرة 220)، وعند حصول مشاكل بين الناس فعليك بالاصلاح "فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ" (البقرة 182)، والاصلاح بين افراد الاسرة "وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا " (البقرة 228)، "إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا" (النساء 35)، والاصلاح بين الناس يعتبر معروف وصدقة  "الَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ" (النساء 114)،  والاصلاح بين الناس من التقوى"فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ" (الانفال 1)، والاصلاح بين المؤمنين"إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" (الحجرات 10).

الفساد عكس الاصلاح ومنها الفساد في الارض "الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (الشعراء 152)، و "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" (النمل 48) . والعناد والاصرار على الفساد من اكبر الافات التي تقف ضد الاصلاح "وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ" (البقرة 11-12).

من اسماء الرسل صالح عليه السلام فهو اسم على مسمى فافضل الاصلاح الدعوة الى الله"وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ" (الاعراف 73) (هود 61)، "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ" (النمل 45). فكيف لا وهو رسول حامل الاصلاح "أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ" (الاعراف 75) وقد دعوه بطلبات "وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" (الاعراف 77) "قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَٰذَا" (هود 62). ولكنهم عاندوا واستكبروا واصروا على عنادهم فقال لهم نبيهم صالح عليهه السلام "وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ" (الاعراف 85)، و  "إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ " (الشعراء 142). والانبياء الذين جاؤا بعده حذروا اقوامهم مما اصاب بقوم صالح من مهالك بسبب فسادهم وعدم اتباعهم الاصلاح الذي طلب منهم صالح عليه السلام "أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِح" (هود 89).

على المؤمن ان يدعو الله ليصبح من الصالحين ومن الدعاء الالتحاق مع المصلح المستسلم لله سبحانه "أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"(يوسف 101) "رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" (الشعراء 83)، ومن رحمة الله ان يجعل الانسان مصلحا "وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ" (النمل 19).  وادعو الله ان يجتبيك ربك لتكون من الصالحين "فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ " (القلم 50).

اول ما خلق الله الانسان ليكون خليفة طلب منه اصلاح الارض. والله يستخلف الارض للصالحين "أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ" (الانبياء 105)، ويريد الله من الخليفة ان يكون مصلحا حتى يستحق الاستخلاف "وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ" (النور 55).

 الانسان اساس الاصلاح فاذا صلح الانسان صلح المجتمع. فالفساد يظهر بما كسبت يد الانسان وجمع انسان ناس "ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ" (الروم 41)، او قوم "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ" (الرعد 11). الناس المصلحون يبعدهم الله سبحانه عن المهالك "وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ " (هود 117).

المصلح هو الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر "ولـتـكنْ مـنكم أمّـةٌ يـدعونَ إلى الخير ويأمـرون بالمعـروف وينهون عن المنكـر، وأولئك هُـم المفلحون" (ال عمران 104). فالمجتمع لا يصلح بوجود المنكر وانتشاره من رشوة وشعوذة وجهل ورذيلة. واساس الاصلاح العدل بين الرعية "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى" (النحل 90).

تعليقات