تنبيهات الاحتياط واثرها في الاستنباط الفقهي المعاصر

الفصل الثاني

وفيه مباحث ثلاثة وتمهيد

الأوّل : تنبيهات مسألة دوران الأمر بين الأمور المتباينة .

الثاني: تنبيهات مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين.

الثالث : أثر تنبيهات الاحتياط في الاستنباط الفقهيّ المعاصر .


المبحث الأوّل : تنبيهات مسألة دوران الأمر بين الأمور المتباينة

وفيه مطالب أربعة وتمهيد :

المطلب الأوّل : الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي ّ .

المطلب الثاني : منجّزيّة العلم الإجماليّ مشروطةٌ بالابتلاء بتمام الأطراف .

المطلب الثالث : منجّزيّة العلم الإجماليّ في أطراف الشبهة غير المحصورة .

المطلب الرابع : حكم ملاقي بعض أطراف المعلوم بالإجمال .


تمهيد


إنَّ الضابط في تشخيص كون أطراف الترديد هو التباين أو الأقلّ والأكثر الارتباطيّان أو الأقلّ والأكثر الاستقلاليّان ما يأتي:


1 – أنْ يكون في أطراف الترديد ما يكون الإتيان به موجباً للعلم بحصول الامتثال وسقوط التكليف بالنسبة إلى الأطراف الأُخر فيكون من الأقلّ والأكثر.  وحينئذٍ لا يخلو:


أ – إمّا أنْ يكون الإتيان بسائر الأطراف أيضاً موجباً للعلم بحصول الامتثال وسقوط التكليف بالنسبة إلى خصوص تلك الأطراف، كما إذا كان الإتيان بالأكثر موجباً للعلم بسقوط التكليف بالنسبة إلى جميع الأطراف، وهذا هو الأقلّ والأكثر الاستقلاليّان.  ومثاله: ما إذا علم أنّه مديونٌ، وتردّد بين كون ما عليه تسعة دراهم أو عشرة، فإنَّ إعطاء العشرة يوجب العلم بسقوط الدَين بالنسبة إلى العشرة والتسعة، وإعطاء التسعة أيضاً يوجب العلم بسقوط الدَين بالنسبة إلى خصوص التسعة.


ب – أو أنْ لا يكون الإتيان بسائر الأطراف غير الطرف الخاصّ – وهو الأكثر – موجباً للعلم بسقوط التكليف بالنسبة إلى خصوص تلك الأطراف؛ لاحتمال مطلوبيّتها منضمّناً إلى غيرها، فحينئذٍ يكون الترديد بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين. ومثاله: ما إذا علم بوجوب صلاة الظهر وتردّد بين أنْ يكون المكلّف به هو الصلاة مع السورة والقنوت أو هو الصلاة من دونهما أو هو الصلاة مع أحدهما، فإنَّ الإتيان بالأكثر – أي الصلاة مع السورة والقنوت – يوجب العلم بفراغ الذمّة بالنسبة إلى الصلاة من دونهما.  وأمّا الإتيان بسائر الأطراف – أي الصلاة مع السورة فقط أو الصلاة مع القنوت فقط أو الصلاة من دون السورة         والقنوت – فلا يوجب حصول العلم بفراغ الذمّة أصلاً، لا بالنسبة إلى خصوص تلك الأطراف، ولا بالنسبة إلى الطرف الخاصّ              – أي الأكثر –.


2 – أنْ لا يكون في أطراف الترديد ما يكون الإتيان به موجباً للعلم بحصول الامتثال وسقوط التكليف بالنسبة إلى الأطراف الأُخر، فيكون من دوران الأمر بين أمور متباينة.  


والتباين على نحوين:


الأوّل: أنْ يكون ذاتيّاً كدوران المكلّف به بين موضوعات مستقلّة كالصوم والصدقة ونحوهما.


الثاني: أنْ يكون عرضيّاً، كما إذا المكلّف به موضوعاً واحداً ذا أطراف متباينة، بأنْ تكون النسبة بين تلك الأطراف نسبة بشرط شيء وبشرط لا، كما إذا علم إجمالاً بوجوب الصلاة وتردّد بين كونها قصراً أو تماماً ([1]).


فالنتيجة: أنَّ ضابط الفرق بين المتباينين والأقلّ والأكثر عدم وجود قدر متيقّن من متعلّق التكليف في الأوّل ووجوده في الثاني.  والمراد بالارتباطيّين أنْ يكون امتثال الأمر على تقدير ثبوت التكليف بالأكثر مرتبطاً بالإتيان بالأكثر، وعدم كون الأقلّ كافياً في الامتثال حتّى بقدره وعلى حسبه، كما في التكليف بالصلاة المردّدة بين كونها مع السورة أو بدونها.  وبالاستقلاليّين أنْ لا يكون الامتثال مطلقاً مرتبطاً بحصول الأكثر بل يكون الإتيان بالأقلّ كافياً في حصول الامتثال بقدره وعلى حسبه.  


ثمّ إنّ الشكَّ في العبادة:


1 – إنْ كان في جزئيّة شيء لها كالسورة للصلاة، فلا إشكال في كونه حينئذٍ من باب الدوران بين الأقلّ والأكثر.  


2 – وإنْ كان في شرطيّة شيء لها:


·      فإنْ كان الشرط من الشروط الذهنيّة (+)، فلا إشكال حينئذ في كونه من الدوران بين المتباينين.


·      وإنْ كان من الشروط الخارجيّة (+ +)، ففي كونه من الدوران بين المتباينين أو الأقلّ والأكثر خلاف بين الأصوليّين ([2]).


 


المطلب الأوّل: الاضطرار إلى بعض أطراف العلم الإجمالي


إذا اضطرّ المكلّف إلى بعض أطراف العلم الإجماليّ:


·      فتارةً يكون الاضطرار إلى طرف معيّن.


·      وأخرى يكون الاضطرار إلى طرف غير معيّن.  


وعلى كلا التقديرين:


·      فتارةً يحصل الاضطرار قبل العلم الإجماليّ.


·      وأخرى يحصل الاضطرار بعد العلم الإجماليّ.


·      وثالثةً يحصل الاضطرار مقارناً للعلم الإجماليّ.  


وعلى جميع التقادير:


·      فتارةً يكون الاضطرار بعد تعلّق التكليف.


·      وأخرى يكون الاضطرار قبل تعلّق التكليف ([3]).


وفي المقام اثنتا عشر صورة حاصلة من ضرب 2 × 3 × 2، وهذه الصور كما يأتي:


الأولى: أنْ يحصل الاضطرار إلى طرف معيّن قبل تعلّق التكليف وقبل العلم الإجماليّ به، كما لو اضطرّ إلى شرب أحد المائعين مثلاً، ثمَّ علم بوقوع النجاسة في أحدهما بعد الاضطرار.


الثانية: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف معيّن بعد تعلّق التكليف بأحدها وقبل العلم الإجماليّ به، كما إذا كان أحد المائعين نجساً في الواقع، ولكنّه لم يكن عالماً به، فاضطرّ إلى شرب أحدهما ثمَّ علم أنَّ أحدهما نجساً قبل الاضطرار.


الثالثة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف معيّن قبل تعلّق التكليف وبعد العلم الإجماليّ به.


الرابعة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف معيّن بعد تعلّق التكليف وبعد العلم الإجماليّ به، كما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد المائعين، فاضطرّ إلى شرب أحدهما لرفع العطش.


الخامسة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف معيّن قبل تعلّق التكليف ومقارناً للعلم الإجماليّ.


السادسة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف معيّن بعد تعلّق التكليف ومقارناً للعلم الإجماليّ.


السابعة: أنْ يحصل الاضطرار إلى طرف غير معيّن قبل التكليف وقبل العلم الإجماليّ به.


الثامنة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف غير معيّن بعد تعلّق التكليف بأحدها وقبل العلم الإجماليّ به.


التاسعة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف غير معيّن قبل تعلّق التكليف وبعد العلم الإجماليّ به.


العاشرة: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف غير معيّن بعد تعلّق التكليف وبعد العلم به.


الحادية عشر: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف غير معيّن قبل تعلّق التكليف ومقارناً للعلم الإجماليّ.


الثانية عشر: أنْ يحدث الاضطرار إلى طرف غير معيّن بعد تعلّق التكليف ومقارناً للعلم الإجماليّ.


الأقوال في منجّزيّة العلم الإجماليّ في الصور المتقدّمة


القول الأوّل: ذهب الشيخ الأنصاريّ إلى عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ في الصور الأولى والثانية والثالثة والخامسة والسادسة والسابعة والتاسعة والحادية عشر.


بينما يكون العلم الإجمالي منجّزاً في الصور الرابعة والثامنة والعاشرة والثانية عشر ([4]).


 وتبعه أكثر مَنْ تأخر عنه كالمحقّقين النائينيّ ([5]) وعبد الكريم الحائريّ ([6]) والعراقيّ ([7])، والسيّدين الخوئيّ ([8]) والخمينيّ ([9]).


القول الثاني: ما اختاره الآخوند الخراسانيّ في متن كتابه المعروف كفاية الأصول ([10])، وفوائد الأصول ([11]) أيضاً، من عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ في جميع الصور المتقدّمة، وأنَّ الاضطرار إلى أيّ طرف من أطراف العلم الإجماليّ يوجب انحلاله مطلقاً، وعدم لزوم مراعاة الاحتياط في بقيّة الأطراف.


قال في متن الكفاية: (إنَّ الاضطرار كما يكون مانعاً عن العلم بفعليّة التكليف لو كان إلى واحد معيّن، كذلك يكون مانعاً لو كان إلى غير معيّن؛ ضرورة أنّه مطلقاً موجب لجواز ارتكاب أحد الأطراف أو تركه، تعييناً أو تخييراً، وهو ينافي العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينها فعلاً.  وكذلك لا فرق بين أنْ يكون الاضطرار كذلك سابقاً على حدوث العلم أو لاحقاً؛ وذلك لأنَّ التكليف المعلوم بينها من أوّل الأمر كان محدوداً بعدم عروض الاضطرار إلى متعلّقه، فلو عرض على بعض أطرافه لما كان التكليف به معلوماً؛ لاحتمال أنْ يكون هو المضطرّ إليه فيما كان الاضطرار إلى المعيّن، أو يكون هو المختار فيما كان إلى بعض الأطراف بلا تعيين) ([12]).  


الدليل على ذلك: إنَّ الاضطرار إلى أيِّ طرف من أطراف العلم الإجماليّ ممّا يستلزم عدم حصول العلم بحرمة واحد من الأطراف؛ إذ من المحتمل أنْ يكون الطرف المحرّم الواقعيّ هو الذي يختاره المضطرّ لرفع اضطراره وهو معذورٌ، فلا يكون ما سواه حراماً، فإذا تحقّق الاضطرار إلى فرد معيّن أو غير معيّن فلا يكون العلم الإجماليّ منجزاً. 


وبعبارة أخرى: إنَّ التكليف المعلوم بالإجمال مقيّدٌ بعدم الاضطرار، فإذا طرء الاضطرار إلى بعض الأطراف – سواء كان الطرف المضطرّ إليه معيّناً أم غير معيّن – لم يبقَ مع الاضطرار علمٌ بالتكليّف؛ لاحتمال وجود التكليف في الطرف الذي اضطرّ إليه فيما إذا كان الاضطرار إلى الفرد (الطرف) المعيّن، أو يكون التكليف موجوداً في الطرف الذي اختاره المضطرّ لرفع اضطراره فيما إذا كان الاضطرار إلى طرف غير معيّن.


 


 القول الثالث: ما اختاره الآخوند الخراسانيّ في هامش كتاب كفاية الأصول من عدم منجّزيّة العلم الإجماليّ في جميع الصور المتقدّمة باستثناء الصورة الرابعة، والتزم ببقاء منجّزيّة العلم الإجماليّ في الطرف غير المضطرّ إليه.  


قال في هامش الكفاية ما يأتي: (لا يخفى أنَّ ذلك إنّما يتمّ فيما كان الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه، وأمّا لو كان إلى أحدهما المعيّن، فلا يكون بمانع عن تأثير العلم للتنجّز؛ لعدم منعه عن العلم بفعليّة التكليف المعلوم إجمالاً، المردّد بين أنْ يكون التكليف المحدود في ذلك الطرف أو المطلق في الطرف الآخر؛ ضرورة عدم ما يوجب عدم فعلية مثل هذا المعلوم أصلاً، وعروض الاضطرار إنّما يمنع عن فعلية التكليف لو كان في طرف معروضه بعد عروضه، لا عن فعليّة المعلوم بالإجمال المردّد بين التكليف المحدود في طرف المعروض، والمطلق في الآخر بعد العروض، وهذا بخلاف ما إذا عرض الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه، فإنّه يمنع عن فعليّة التكليف في البين مطلقاً) ([13]).


 


دليل وتقريب ما ذكره الآخوند في هامش الكفاية:


إنَّ العلم الإجماليّ قد تعلّق بالتكليف المردّد بين المشروط (المحدود) والمطلق؛ لأنَّ التكليف في أحد الطرفين – وهو الطرف المضطرّ إليه – مشروطٌ بطروء الاضطرار، بينما التكليف في الطرف الآخر – على تقدير ثبوته – مطلقٌ ومستمرٌّ، فيكون المقام من قبيل تعلّق العلم الإجماليّ بالتكليف المردّد بين القصير والطويل، نظير ما إذا علم بوجوب الجلوس في هذا المسجد ساعة أو وجوبه في ذلك المسجد ساعتين، فحينئذٍ يكون الاضطرار إلى طرف معيّن موجباً لانتهاء التكليف في ذلك الطرف بانتهاء أمده؛ لأجل الاضطرار، وهذا لا يوجب انتهاء التكليف في الطرف الآخر غير المضطرّ إليه. 


 


المطلب الثاني: منجّزيّة العلم الإجماليّ مشروطةٌ بالابتلاء بتمام الأطراف


لا ريب في اعتبار القدرة العقليّة على جميع أطراف العلم الإجماليّ في منجّزيّته، واستحقاق العقوبة على مخالفته.


وإنّما وقع الكلام والاختلاف والإشكال بين الأصوليّين في أنّه هل يعتبر في توجّه التكليف والخطاب إلى المكلّف وتنجّزه عليه إمكان الابتلاء عادةً بجميع أطراف المعلوم بالإجمال أو لا يعتبر ذلك ؟ في المسألة أقوال:


1 – ما اختاره الشيخ الأنصاريّ ([14])، والمحقّق النائينيّ ([15])، من اعتبار ذلك في خصوص النهي والشبهات التحريميّة دون الأمر والشبهات الوجوبيّة. قال المحقّق النائينيّ: (وإنّما زيد هذا القيد في خصوص النواهي، ولم يعتبر في الأوامر التمكّن العاديّ من الفعل مضافاً إلى التمكّن العقليّ) ([16]).


2 – ما يستظهر من كلمات الآخوند الخراسانيّ ([17])، وصريح المحقّق العراقيّ ([18])، من اعتباره مطلقاً، سواء في النهي والشبهات التحريميّة أو الأمر والشبهات الوجوبيّة.


قال الآخوند الخراسانيّ: (الثاني: أنه لمّا كان النهي عن الشيء إنّما هو لأجل أنْ يصير داعياً للمكلّف نحوَ تركه، لو لم يكن له داعٍ آخر، ولا يكاد يكون ذلك إلاَّ فيما يمكن عادة ابتلاؤه به، وأمّا ما لا ابتلاء به بحسبها، فليس للنهي عنه موقع أصلاً) ([19]).


3 – ما تبنّاه المحقّق الأصفهانيّ ([20])، ووافقه عليه كلٌّ من السيّدين الخوئيّ ([21]) والخمينيّ ([22])، من عدم اعتباره مطلقاً، سواء في النهي والشبهات التحريميّة أو الأمر والشبهات الوجوبيّة.


 


أدلّة الأقوال


1 – دليل القول الأوّل: ما أشار إليه المحقّق النائينيّ كما عبّر عنه مقرّر بحثه: (...  لأنَّ الأمر بالفعل إنّما يكون لأجل اشتمال الفعل على مصلحة لازمة الاستيفاء في عالم التشريع، ولا يقبح من المولى التكليف بإيجاد ما اشتمل             على المصلحة بأيّ وجه أمكن، ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن القدرة العادية مع التمكّن العقليّ                    من تحصيلها) ([23]).


بتقريب: إنَّ قيد واعتبار إمكان ابتلاء المكلّف عادةً بجميع أطراف العلم الإجماليّ قد زيد في خصوص النواهي والشبهات التحريميّة، ففي النواهي يوجد قيدان:


الأوّل: التمكّن العقليّ من الشيء المنهيّ عنه، وهو قيدٌ مسلّمٌ به عند الأصوليّين كافّة.


الثاني: التمكّن العادي من الشيء المنهيّ عنه، الذي هو محلّ النزاع والكلام فيه في المقام.


وأمّا الأوامر والشبهات الوجوبيّة فلا يعتبر فيها إلاَّ القيد الأوّل، أي التمكّن العقليّ من الفعل المأمور به، ولا يعتبر أزيد من ذلك. وقد علّل المحقّق النائينيّ ذلك: بأنَّ الأمر بالفعل – كالصلاة مثلاً – إنّما يكون لأجل اشتمال الفعل على مصلحة لازمة الاستيفاء والتحصيل في عالم الجعل والتشريع، ولا يقبح من المولى التكليف بالأمر وإيجاد الفعل المشتمل على المصلحة الملِزمة بأيِّ وجه أمكن، ولو بتحصيل الأسباب البعيدة الخارجة عن قدرة المكلّف العاديّة مع التمكّن العقليّ من تحصيل هذه المصلحة. 


2 – دليل القول الثاني: فقد استدلّ الآخوند الخراسانيّ على اعتبار الابتلاء بجميع الأطراف مطلقاً بما يأتي: (...  ضرورة أنّه بلا فائدة ولا طائل، بل يكون من قبيل طلب الحاصل، كان الابتلاء بجميع الأطراف ممّا لابدَّ منه في تأثير العلم، فإنّه بدونه لا علم بتكليف فعليٍّ؛ لاحتمال تعلّق الخطاب بما لا ابتلاء به) ([24]).


ويمكن تقريب كلامه بما حاصله: إنَّ توجيه الخطاب إلى غير مورد الابتلاء لغوٌ وبلا فائدة؛ لأنَّ فائدة النهي هي إحداث الداعي في نفس المكلّف إلى ترك المنهيّ عنه، فإذا كان متروكاً بنفسه فيكون النهي عنه تحصيلاً للحاصل ولغواً، وهو محالٌ وممتنعٌ لا يصدر من المولى الحكيم، باعتبار أنَّ الترك حاصلٌ قهراً بسبب عدم الابتلاء به، فكيف يمكن طلب الترك بالخطاب ؟!!.


وأمّا المحقّق العراقيّ فقد وسّع الدليل أيضاً، وأضاف أمراً آخر على اعتبار الابتلاء بجميع الأطراف مطلقاً غير ما ذكره أستاذه الآخوند الخراسانيّ.  


ويمكن تقريب ما أضافه بما حاصله: إنَّ توجيه الخطاب مطلقاً، سواء كان في الأوامر أو النواهي بما يكون خارجاً عن مورد ابتلاء المكلّف أمرٌ مستهجنٌ عند العرف؛ لأنَّ البُعد عن العمل بمثابةٍ يرى العرف مثل هذا الشخص أجنبيّاً عنه، بحيث لا يحسنون توجيه الخطاب نحوه، ويعدّ تكليفه مطلقاً أمراً مستهجناً في نظرهم ([25]).


3 – دليل القول الثالث: فقد استدلّ أصحابه على عدم اعتبار الابتلاء بجميع الأطراف مطلقاً بعدّة وجوه منها:


الوجه الأوّل: ما ذكره المحقّق الأصفهانيّ


وحاصله: إنَّ حقيقة التكليف – أمراً كان أم نهياً – جعل ما يمكن أنْ يكون داعياً ويصلح أنْ يكون باعثاً، بحيث لو انقاد العبد للمولى لانقدح الداعي في نفسه بدعوة البعث في الأمر أو الزجر في النهي، فيفعل أو يتحرّك العبد بسبب جعل الداعي، وهذه الصفة محفوظةٌ سواء:


 أ – كان للمكلّف داعٍ إلى الفعل كما في الواجبات التوصليّة التي يأتي بها بداعي هواه لا بوجه قربيّ.


ب – كان للمكلّف داعٍ إلى تركه كما العاصي للتكاليف.


ج – لم يكن للمكلّف داعٍ إلى الفعل من قِبل نفسه كما في مقامنا.


فالنتيجة: أنَّ مجرّد كون التكليف خارجاً عن مورد الابتلاء لا يرجع إلى محصّل ([26]).


الوجه الثاني: ما ذكره السيّد الخوئيّ


وحاصله: إنَّ الغرض من الأوامر والنواهي الشرعيّة يختلف عن الغرض من الأوامر والنواهي العرفيّة، فإنَّ الغرض من الأوامر العرفيّة تحقّق الفعل خارجاً، والغرض من النواهي العرفيّة ترك الفعل خارجاً، وحينئذٍ كان الأمر بشيءٍ حاصلٍ بنفسه لغواً وطلباً للحاصل. بخلاف الأوامر الشرعيّة فإنَّ الغرض منها ليس مجرّد تحقّق الفعل في الخارج، وكذلك الحال في النواهي الشرعيّة، فإنَّ الغرض منها ليس مجرّد ترك الفعل في الخارج، بل الغرض من الأوامر صدور الفعل استناداً إلى أمر المولى، والغرض من النواهي الشرعيّة كون الترك مستنداً إلى نهيه؛ ليحصل لهم بذلك الكمال النفسانيّ.  وحينئذٍ لا قبح في الأمر بشيءٍ حاصلٍ بنفسه عادةً، ولا قبح في النهي عن شيءٍ متروكٍ بنفسه ([27]).


فالنتيجة: أنّه لا يعتبر في تنجيز العلم الإجماليّ عدم كون بعض الأطراف خارجاً عن محلّ الابتلاء.  


الوجه الثالث: ما ذكره السيّد الخمينيّ


وحاصله: إنَّ قبح التكليف بالخارج عن الابتلاء إنّما يكون في الخطاب الشخصيّ إلى آحاد المكلّفين، وأمّا الخطابات الكلّيّة المتوجّهة إلى عامّة المكلّفين فلا يقدح فيها عجز بعضهم عن الامتثال، وإنّما يقدح ذلك فيما إذا كان المكلّفين كافّة غير متمكّنين عادةً ([28]).


فالنتيجة: أنَّ الخطاب يكون فعليّاً، ولو كان بعض المكلّفين عاجزين من امتثاله؛ من جهة كون بعض الموارد خارجاً عن محلّ الابتلاء، نعم يكون العاجز معذوراً في تركه مع الاضطرار الفعليّ .


 


بعد استعراض الأقوال وأدلّتها فالظاهر أنَّ ما ذكره السيّد الخوئيّ من رأي ودليله هو الأحرى بالقبول؛ بعد الفرق الواضح بين الأوامر والنواهي الشرعيّة والعرفيّة على التفصيل الذي ذكره.


حكم الشكّ في الابتلاء


المعروف بين الأعلام أنَّ التكليف يكون فعليّاً في صورة العلم بكون موردٍ ما في معرض الابتلاء، كما لا شكَّ في عدم كون التكليف فعليّاً مع العلم بكون موردٍ ما خارجاً عن محلِّ الابتلاء.


وإنّما وقع الاختلاف بين الأعلام فيما إذا شُكَّ في موردٍ هل يكون داخلاً في محل الابتلاء أو يكون خارجاً عنه ؟ كما إذا علم إجمالاً بنجاسة إناء مردّد بين إنائه وإناء آخر يشكّ في دخوله في محلّ ابتلائه.


وبعبارة أخرى: هل يمكن الرجوع إلى إطلاقات أدلّة التكليف ويحكم بشموله للمورد المشكوك أو يُرجع إلى أصل البراءة أم يُرجع إلى أصل الاحتياط ؟ في المسألة أقوال:


القول الأوّل: ما تبنّاه الشيخ الأنصاريّ ([29])، وتبعه في ذلك المحقّق النائينيّ ([30])، من التمسّك بإطلاقات الأدلّة والحكم بكون المورد المشكوك داخلاً في محلّ الابتلاء.


الدليل على ذلك: إنَّ إطلاق ما دلَّ على حرمة شرب الخمر – مثلاً – يشمل صورتي الابتلاء وعدمه، والقدر الثابت والمتيقّن من التقييد والخارج عن هذا الإطلاق بحكم العقل هو ما إذا كان الخمر خارجاً عن مورد الابتلاء، بحيث يلزم النهي عن شرب الخمر الاستهجان بنظر العرف ([31]).


وعليه فإذا شُكَّ في استهجان النهي وعدمه في مورد الشكِّ في إمكان الابتلاء به وعدمه فالمرجع هو إطلاق الدليل.


 


تعقيب ومناقشة


يبدو أنّه لا مجال للتمسّك بأصالة الإطلاق في المقام؛ وذلك لأنَّ القيد على نحوين:


الأوّل: أنْ يكون القيد مصحّحاً للخطاب، إذ لا يصحّ الخطاب بدون القيد، كتقييد الخطاب بالقدرة العقليّة؛ فإنّه لا يصحّ توجيه الخطاب إلى المكلّف العاجز، فلا يصحّ الخطاب بدون القيد.


الثاني: أنْ لا يكون القيد مصحّحاً للخطاب، بل إنَّ الخطاب يصحّ سواء مع القيد أم بدونه، كتقييد خطاب الحجِّ بقيد الاستطاعة، فيمكن توجيه خطاب الحجِّ إلى المكلّف بدون تقييده بالاستطاعة الشرعيّة، أي وإنْ لم يكن مستطيعاً شرعاً، كما يمكن توجيه الخطاب إليه مقيّداً بالاستطاعة.


 فإذا ورد خطاب غير مقيّد بالاستطاعة الشرعيّة – مثلاً – وشككنا في دخلها في وجوب الحجِّ فمقتضى إطلاق الخطاب عدم دخل القيد (الاستطاعة) في الخطاب (وجوب الحجِّ).


فالنتيجة: أنَّ الخطاب وجوبيّاً كان أم تحريميّاً لا يصحّ بدون قيد الابتلاء – حسب الفرض –، وبالتالي لا معنى للتمسّك بالإطلاق عند الشكِّ في قيديّة الابتلاء، فيرجع الشكّ حينئذٍ إلى الشكِّ في أصل الحكم؛ إذ مع الشكِّ في الابتلاء يشكُّ في نفس الحكم، فتجري في البراءة.


القول الثاني: ما اختاره الآخوند الخراسانيّ ([32])، ووافقه من المعاصرين السيّد الخمينيّ ([33])، من جريان أصالة البراءة في المقام، وأنَّ حكم مشكوك الابتلاء حكم المعلوم خروجه عن محلّ الابتلاء.


الدليل على ذلك: إنَّ العلم الإجماليّ إنّما يكون منجّزاً للتكليف ويجب الاحتياط في تمام الأطراف إذا كان التكليف فعليّاً من جميع الجهات، ولا يكون التكليف كذلك إلاَّ إذا أُحرز الابتلاء بجميع الأطراف، والمفروض عدمه؛ إذ نحن نشكُّ في دخول بعضها في محلّ الابتلاء، فيصير التكليف مشكوكاً؛ لعدم فعليّته، ويكون مجرى لأصالة البراءة ([34]).


القول الثالث: ما ذكره المحقّق العراقيّ من جريان أصالة الاحتياط في المورد.


الدليل على ذلك: لأنَّ المقام يرجع في حقيقته إلى الشكِّ في القدرة المحكوم عليها عقلاً بوجوب الاحتياط؛ فإنّه بعد تماميّة مقتضيات التكليف من طرف المولى، وعدم دخل قدرة المكلّف بكلا قسميها – من الفعليّة والعاديّة – في ملاكات الأحكام يستقلّ العقل بلزوم رعاية الملاك بالاحتياط ([35]).  


القول الرابع: تفصيل السيّد الخوئيّ ([36]) بين:


1– الشبهة المفهوميّة (+) فنتمسّك بإطلاقات الأدلّة، وبالتالي يتوافق فيها مع رأي الشيخ الأنصاريّ والمحقّق النائينيّ.


2 – والشبهة المصداقيّة فتجري فيها البراءة، وبالتالي يتوافق فيها مع مبنى الآخوند الخراسانيّ.  


بعد استعراض الأقوال وأدلّتها فالظاهر أنَّ ما ذكره الآخوند الخراسانيّ من رأي ودليله هو الأحرى بالقبول، وأنَّ حكم مشكوك الابتلاء حكم المعلوم خروجه عن محلّ الابتلاء، ولا يكون التكليف فعليّاً إلاَّ إذا أُحرز الابتلاء بجميع الأطراف، والمفروض عدمه؛ إذ نحن نشكُّ في دخول بعضها في محلّ الابتلاء، فيصير التكليف مشكوكاً، والأصل البراءة .


 


المطلب الثالث: منجّزيّة العلم الإجماليّ في أطراف الشبهة غير المحصورة


تمهيد: في بيان ضابطة وتعريف الشبهة غير المحصورة


اختلفت كلمات الأصوليّين في تحديد وبيان ضابطة الشبهة غير المحصورة على أقوال، ومن استعراضها يتّضح تحديد الشبهة المحصورة أيضاً بحكم المقابلة، ومن هذه الأقوال:


1 – ما ذهب إليه زين الدين العامليّ المعروف بـ (الشهيد الثاني) (ت 965 هـ) ([37]) من أنَّ الميزان والضابط في تحديد الشبهة هو الصدق العرفيّ، ونسبه الأنصاريّ أيضاً إلى الشيخ الميسيّ (ت 938 هـ)، والمحقّق الكركي (ت 940 هـ) ([38]).


2 – ما اختاره السيّد محمّد العامليّ (ت 1009 هـ) ([39]) من أنَّ غير المحصور هو ما يعسر عدّها، فكلُّ شبهة يعسر على المكلّف عدّها تعتبر شبهة غير محصورة، ومُثّل له بنسبة الواحد إلى الألف ([40]).  ونُسب هذا القول للأكثر ([41]).


3 – ما تبنّاه كلٌّ من الشيخ الأنصاريّ ([42])، والسيّد السيستانيّ ([43])، من أنَّ غير المحصور ما كانت كثرة الاحتمال بحدٍّ يكون احتمال التكليف في كلِّ واحدٍ من الأطراف موهوماً لا يعتني ويعبأ به العقلاء، بل يرون الاعتناء به نوعاً من الوسوسة، فلا يعتني العقلاء إلى ذلك العلم الإجماليّ الحاصل فيما بين هذه الأطراف، ولا يرونه علماً، مثلاً لو علم أنَّ في مجموع البشر الموجود في العالم إنسان ذو رأسين فلا يرى العقلاء مثل هذا علماً يكون موجباً لتنجيز المعلوم كي يحكم العقل بوجوب الاجتناب عن جميع الأطراف في الشبهة التحريميّة، ووجوب الإتيان في الشبهة الوجوبيّة ([44]).


4 – ما نُسب إلى المحقّق الهمدانيّ (ت 1322 هـ) من أنَّ المراد من الشبهة غير المحصورة في المقام هو أنْ تكون أطراف المعلوم بالإجمال التي يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليها غير معلومة بالتفصيل بحيث لا يحتمل وجود فرد آخر يحتمل انطباق المعلوم بالإجمال عليه؛ لأنّه إنْ كانت الأطراف معلومةً بالتفصيل فتكون الشبهة محصورةً مضبوطةً محدودةً بتلك الأفراد المعلومة المعيّنة، سواء كانت هذه الأفراد قليلةً أم كثيرةً ([45]).


5 – ما ذكره الآخوند الخراسانيّ ([46])، وقريب منه ما نقله السيّد مصطفى الخمينيّ ([47])، من أنَّ ما قيل في تحديد ضابطة الشبهة المحصورة وغيرها لا يخلو من البعد؛ إذ لا دليل على شيءٍ من الضوابط التي ذكروها.  


وقريب منه أيضاً ما ذكره السيّد محمّد رضا الكلبايكانيّ (ت 1414 هـ) عندما سُئل عن ضابطة الشبهة غير المحصورة، فأجاب: (الظاهر أنَّ عدم وجوب الاحتياط في مواردها ليس لخصوصيّة في نفس غير المحصور حتّى تذكر له ضابطة، بل لكونه ملازماً لما لا يجب الاحتياط مع حصوله، كخروج بعض الأطراف عن محلّ الابتلاء، أو الاضطرار إلى ارتكاب بعضها، فلابدَّ من ملاحظة ذلك الملازم)([48]).  وهو ظاهر السيّد محمّد تقي الحكيم([49]).


6 – ما ذهب إليه المحقّق النائينيّ ([50]) من أنَّ غير المحصور ما كانت كثرة الأطراف بحدٍّ يستلزم عدم تمكّن المكلّف عادةً من المخالفة القطعيّة بارتكاب جميع الأطراف، وإنْ كان كلُّ طرف في نفسه مقدوراً عادةً، فلا يكون المكلّف متمكّناً من اقتحام تمام أطراف الشبهة غير المحصورة ([51]). والحاصل أنَّ الشبهة غير المحصورة ترتكز على ركيزتين:


الأولى: الكثرة العدديّة.                     


الثانية: عدم التمكّن من الجمع بين الأطراف في مقام الامتثال ([52]).


ومن هنا تختصّ الشبهة غير المحصورة لديه بخصوص الشبهات التحريميّة، أمّا الوجوبيّة منها فإنَّ الأطراف، وإنْ بلغت كثرتها ما بلغت، فإنَّ المكلّف يتمكّن من مخالفتها بتركها جميعاً ([53]).


7 – ما ذكره المحقّق العراقيّ في تحديد الشبهة غير المحصورة بقوله: (أنّه لو ] كانت [ أطراف العلم الإجمالي غير ]محصورة[ عرفاً بنحو يكون وجود التكليف في كلِّ محتمل في غاية الضعف الخارج عن مورد بناء العقلاء على الاعتناء بمثله حتّى في أمور معاشهم وأغراضهم) ([54]).


8 – ما اختاره السيّد حسين الطباطبائيّ البروجرديّ ([55]) من أنَّ غير المحصور ما تعسر موافقتها القطعيّة.  


9 – ما ذكره كلٌّ من الشيخ محمّد رضا آل ياسين (ت 1370 هـ) ([56])، والسيّد محسن الحكيم ([57])، والسيّد الخوئيّ ([58])، ووافقه على ذلك أكثر تلامذته منهم: السيّد محمّد الروحانيّ ([59])، والميرزا جواد التبريزيّ (ت 1427 هـ)([60])، والسيّد محمّد صادق الروحانيّ (معاصر)([61])، والسيّد تقي الطباطبائيّ القمّي (معاصر)([62])، والشيخ الوحيد الخراسانيّ ([63])، من أنَّ ضابط غير المحصورة أنْ تبلغ كثرة الأطراف حدّاً يوجب خروج بعضها عن مورد التكليف والابتلاء.  


قال السيّد الخوئيّ: (...  وضابط غير المحصورة أنْ تبلغ كثرة الأطراف حدّاً يوجب خروج بعضها عن مورد التكليف) ([64])، وخروجها عن محلّ الابتلاء، كما لو علم بنجاسة إنائه في الدار أو إناء زيد في الهند مثلاً ([65]).


10 – ما تبنّاه السيّد الخمينيّ ([66]) من أنَّ الميزان والضابط في الشبهة غير المحصورة أنْ تكون كثرة الأطراف بمثابة              لا يعتني العقلاء باحتمال كون الواقع في بعض الأطراف في مقابل البقيّة؛ لضعف الاحتمال الحاصل لأجل الكثرة.


11 – ما ذكره الشيخ الفيّاض بقوله: (... ضابط غير المحصورة أنْ تبلغ كثرة الأطراف حدَّاً يوجب ضعف احتمال ثبوت التكليف في كلِّ واحد منها بدرجة يكون الإنسان واثقاً ومطمئنَّاً بالعدم، فلذلك لا يجب فيها الاحتياط) ([67])، وقريبٌ منه ما ذكره أيضاً السيّد محمود الهاشميّ الشاهروديّ (معاصر) ([68]).


والظاهر أنَّ ما ذكره الشيخ الأنصاريّ من أنَّ غير المحصور ما كانت كثرة الاحتمال بحدٍّ يكون احتمال التكليف في كلِّ واحدٍ من الأطراف موهوماً لا يعتني ويعبأ به العقلاء هو الأحرى بالقبول.


 


 


الأقوال في منجّزيّة العلم الإجمالي في أطراف الشبهة غير المحصورة


اتّفقت كلمات الأصوليّين في أنَّ العلم الإجماليّ يكون منجّزاً لأطرافه في الشبهة المحصورة، واختلفوا في منجّزيّة العلم الإجماليّ لأطراف الشبهة غير المحصورة على أقوال، منها:


1 – التفصيل بين العلم الإجماليّ في الشبهات الوجوبيّة فلا تجب الموافقة القطعيّة بإتيان جميع الأطراف، وبين الشبهات التحريميّة فتحرم المخالفة القطعيّة.  وهو مختار الشيخ الأنصاريّ ([69])، وظاهر المحقّق العراقيّ ([70]).


2 – وجوب الموافقة القطعيّة في الشبهات الوجوبيّة، وحرمة المخالفة القطعيّة، بلزوم رعاية الاحتياط في كلتا الشبهتين إذا تمكّن المكلّف منهما، أي تجب الموافقة القطعيّة في الشبهات الوجوبيّة إذا تمكّن منها، كما تحرم المخالفة القطعيّة في الشبهات التحريميّة في صورة التمكّن منها. وتبنّاه الآخوند الخراسانيّ ([71])، وظاهر السيّد الخوئيّ ([72]).


3 – التفصيل بين الشبهات التحريميّة والشبهات الوجوبيّة، بأنَّ الحكم في الشبهة التحريميّة هو جواز المخالفة القطعيّة وعدم وجوب الموافقة القطعيّة، أمّا الحكم في الشبهات الوجوبيّة فيلزم الاحتياط في الجملة (إجمالاً)، فتجب الموافقة الاحتماليّة لا القطعيّة، ويتعيّن الإتيان ببعض أطراف الشبهة الوجوبيّة لا جميعها.  وهذا التفصيل اختاره النائينيّ ([73]).


4 – عدم وجوب الاحتياط مطلقاً، سواء في الشبهات الوجوبيّة أو التحريميّة، فلا تجب الموافقة القطعيّة، كما لا تحرم المخالفة القطعيّة.  


وهو مختار السيّد الخمينيّ([74])، وظاهر – تلميذه – الشيخ فاضل اللنكرانيّ (ت 1428 هـ) ([75])، وآخرين([76]).


 


والظاهر أنَّ ما ذكره الآخوند الخراسانيّ من لزوم الاحتياط في كلتا الشبهتين في صورة التمكّن منه هو الأحرى بالقبول؛ لمناسبته ومطابقته مع منجّزيّة العلم الإجماليّ.


الشكّ في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة


تقدّم آنفاً اتّفاق الأصوليّين على منجّزيّة العلم الإجماليّ في الشبهة المحصورة، والاختلاف في منجّزيّته في الشبهة غير المحصورة.  هذا إذا عُلم حال الشبهة أنّها محصورة أم لا. وأمّا إذا شُكَّ في كون الشبهة محصورة أم لا، فقد وقع الكلام بين الأصوليّين في أنّه هل الأصل كونها محصورة أو لا ؟ وفي المقام قولان:


1 – ما اختاره الشيخ الأنصاريّ من إجراء حكم المحصورة عليها.


قال ما يأتي: (فإذا شكَّ في كون الشبهة محصورةً أو غير محصورة...  فيجب ترك جميع المحتملات؛ لعدم الأمن من الوقوع في العقاب بارتكاب البعض) ([77]).


وأمّا السيّد محسن الحكيم ([78])، والسيّد محمّد الروحانيّ ([79])، السيّد السيستاني ([80])، والسيّد محمود الهاشميّ ([81])، فقد ذهبوا إلى الاحتياط الوجوبي بإجراء حكم المحصورة عليها، وظاهر ذلك أنَّ الأصل كون الشبهة محصورة، ولو احتياطاً.


قال السيّد محسن الحكيم: (...  ولو شُكَّ في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة فالأحوط وجوباً إجراء المحصورة) ([82])، وهو نفس اللفظ الذي ذكره السيّد السيستاني في رسالته العمليّة ([83]).  


2 – ما ذكره السيّد الخوئيّ ([84])، وأكثر تلامذته منهم: الشيخ الوحيد الخراسانيّ ([85])، والسيّد تقي الطباطبائي             القمّي ([86])، والسيّد محمّد صادق الروحانيّ ([87])، من الاحتياط الاستحبابي بإجراء حكم المحصورة عليها، وظاهر ذلك أنَّ الأصل عندهم عدم كون الشبهة محصورة.


قال السيّد الخوئيّ: (...  ولو شُكَّ في كون الشبهة محصورة أو غير محصورة فالأحوط استحباباً إجراء                 المحصورة) ([88])، ولا يجب على المكلّف اجتناب جميع الأطراف؛ إذ مناط التكليف هو العلم بالتكليف، ومع الشكِّ               فلا يجب عليه شيء ([89]).  


 


والظاهر أنَّ ما ذكره السيّد الخوئيّ هو الأحرى بالقبول؛ لعدم العلم بالتكليف حسب الفرض، والأصل العدم.


 


المطلب الرابع: حكم ملاقي بعض أطراف المعلوم بالإجمال


إذا كان لدينا إناءان نعلم إجمالاً بنجاسة أحدهما، ونفترض أنَّ ثوباً لاقى أحد الإناءين، فالثوب يسمّى بـ (الملاقي) – بالكسر –، ويسمّى أحد الإناءين بـ (الملاقى) – بالفتح –.  


فوقع الكلام هل يجب الاجتناب عن الثوب (الملاقي) كما يجب الاجتناب عن الإناءين أو أنّه لا يجب الاجتناب عن الثوب وإنّما يجب الاجتناب عن خصوص الإناءين ؟


والمعروف بين الأصوليّين أنَّ الواجب عقلاً رعاية الاحتياط في خصوص أطراف العلم الإجماليّ التي يتوقّف على اجتنابها في الشبهات التحريميّة، كوجوب الاجتناب عن الإناءين؛ تحصيلاً للعلم بترك الحرام.  أو يتوقّف على ارتكاب الأطراف، كوجوب الإتيان بكلا الطرفين كالجمعة والظهر؛ تحصيلاً للعلم بإتيان الواجب، وحصول العلم بالواجب أو حصول العلم بترك الحرام دون غيرها من بقيّة الأطراف، كالثوب الملاقي لأحد الأطراف، فإنّه لا يجب اجتناب عنه، وإنْ كان حاله حال بعض الأطراف – وهو الملاقى بالفتح – في كونه محكوماً بحكم واقعاً من جهة الطهارة أو النجاسة؛ إذ لو كان الطرف الملاقى (الإناء) طاهراً في الواقع كان الثوب الملاقي له محكوماً بحكمه وهو الطهارة، وإنْ كان الطرف الملاقى (الإناء) نجساً في الواقع كان الثوب الملاقي له محكوماً بحكمه وهو النجاسة ([90]).  


 


أقسام وحكم الملاقاة


وممّا تقدّم من أنَّ الواجب عقلاً هو وجوب الاحتياط في خصوص أطراف العلم الإجماليّ دون غيرها، أي لا يجب الاحتياط عن الملاقي (الثوب) فقد ذُكر في هذه المسألة أقسام ثلاثة وحكمها، وهذه الأقسام هي:


القسم الأوّل: وجوب الاجتناب عن الملاقى (الإنائين) دون الملاقي (الثوب)؛ لعدم كون الاجتناب عن الثوب مقدّمةً يتوقّف عليه التكليف المعلوم بالإجمال، وهو وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم بالإجمال المردّد بين الإناءين؛ ضرورة أنَّ التكليف المعلوم إجمالاً يتوقّف على الاجتناب عن الطرفين (الإنائين) فقط دون الملاقي لأحدهما (وهو الثوب).


وبعبارة أخرى: إنَّ اجتناب النجاسة المعلومة بالإجمال يتوقّف على اجتناب الإنائين فقط دون غيرهما، وأمّا احتمال نجاسة الملاقي (الثوب) فإنّه وإنْ كان موجوداً؛ لاحتمال أنَّ الثوب قد لاقى الإناء النجس واقعاً، إلاَّ أنّه على تقدير نجاسة الثوب يكون فرداً آخر من النجس لا ينطبق عليه التكليف المعلوم إجمالاً، وهو وجوب الاجتناب عن النجس المعلوم إجمالاً؛ لأنَّ نجاسة الثوب ليست معلومةً بل هي مشكوكة؛ لأنَّ الثوب قد لاقى إناء محتمل النجاسة ولم يلاقِ معلوم النجاسة ([91]).


فالنتيجة: أنّه لا يشمل الملاقي (الثوب) التكليف المعلوم بالإجمال ولا ينطبق عليه، وبالتالي لا يجب الاجتناب عنه. 


 


القسم الثاني: وجوب الاجتناب عن الملاقي (الثوب) دون الملاقى (الإناء) كما إذا :


·       حصل العلم الإجماليّ في الساعة الأولى بنجاسة إمّا الملاقي (وهو الثوب) أو نجاسة الإناء الأحمر.


·       ثمَّ حصل علمٌ إجماليٌّ ثانٍ في الساعة الثانية إمّا بنجاسة الإناء الأبيض أو نجاسة الإناء الأحمر، وأنَّ الثوب قد لاقى الإناء الأبيض.


حكم هذا القسم: وجوب الاجتناب عن الملاقي (الثوب)، وكذلك وجوب الاجتناب عن الإناء الأحمر؛ وذلك لأنَّ امتثال التكليف المعلوم بالإجمال – وهو وجوب الاجتناب عن النجس – متوقّفٌ على اجتناب الثوب والإناء الأحمر أيضاً، ولا يجب الاجتناب عن الملاقى – وهو الإناء الأبيض –؛ لأنَّ وجوب الاجتناب عن الإناء الأبيض فيه احتمالان (فرضان):


1 – أنْ يكون لأجل العلم الإجماليّ الحاصل في الساعة الثانية بين نجاسته ونجاسة الإناء الأحمر.


ففي هذا الفرض يكون العلم الإجماليّ غير منجّز؛ لأنَّ من شرائط تنجيز العلم الإجماليّ عدم سبق تنجّز التكليف بمنجّز آخر، والمفروض أنَّه مسبوقٌ بتنجيز العلم الإجماليّ الحاصل في الساعة الأولى إلى بعض الأطراف.


2 – أنْ يكون لأجل ملاقاة الثوب للإناء الأبيض، فهو وإنْ كان محتملاً؛ لاحتمال نجاسة الثوب واقعاً إلاَّ أنّه على تقدير نجاسته واقعاً يكون فرداً آخر غير معلوم النجاسة لا إجمالاً ولا تفصيلاً.


وذكر الآخوند الخراسانيّ ([92])، والمحقّق الأصفهانيّ ([93]) مثالاً آخر لهذا القسم وحاصله:


وجوب الاجتناب عن الملاقي (الثوب) دون الملاقى فيما إذا علمنا إجمالاً بنجاسة الثوب أو الإناء الأبيض، وأنَّ الثوب قد لاقى الإناء الأبيض في الساعة الأولى ثمَّ خرج الإناء الأبيض عن محلِّ الابتلاء ثمَّ علمنا في الساعة الثانية بنجاسة الثوب أو الإناء الأحمر ثمَّ صار الإناء الأبيض داخلاً في محلِّ الابتلاء ثانياً، ففي هذا الفرض يجب الاجتناب عن الثوب والإناء الأحمر دون الإناء الأبيض الملاقى.


أمّا وجوب الاجتناب عن الثوب والإناء الأحمر؛ فلتنجيز العلم الإجماليّ الحاصل في الساعة الثانية بين نجاسة الثوب ونجاسة الإناء الأحمر . وأمّا عدم وجوب الاجتناب عن الإناء الأبيض فلأنّه ليس طرفاً لعلم إجماليّ منجّز؛ لأنَّ العلم الإجماليّ في الساعة الأولى بين نجاسة الثوب والإناء الأبيض ليس منجّزاً بسبب خروج أحد أطرافه وهو الإناء الأبيض عن محلّ الابتلاء، وكذلك لا يكون العلم الإجماليّ الأوّل منجّزاً بعد دخوله في محلّ الابتلاء؛ لأنَّ العلم الإجماليّ الحاصل في الساعة الثانية قد سبقه في التنجيز فيكون مانعاً من تنجيز العلم الإجماليّ الأوّل ([94]). 


 فالنتيجة: عدم وجوب الاجتناب عن الملاقى (الإناء الأبيض)، ووجوب الاجتناب عن الملاقي (الثوب) في هذا المثال.


 


 


 


 


 


 


إيراد على النتيجة


وقد أورد المحقّق العراقيّ ([95]) على النتيجة التي توصّل إليها أستاذه الآخوند الخراسانيّ في هذا المثال، وتبعه في ذلك كلٌّ من السيّدين الخوئيّ ([96]) والخمينيّ ([97]).


وحاصل الإيراد: إنَّ خروج الشيء عن محلِّ الابتلاء لا يكون مانعاً عن جريان الأصل فيه إذا كان له أثرٌ فعليٌّ، وما نحن فيه كذلك، فإنَّ الملاقى (الإناء الأبيض) وإنْ كان خارجاً عن محلِّ الابتلاء، إلاَّ أنّه يترّتب على جريان أصالة الطهارة في الإناء الأبيض الحكم بطهارة ملاقيه (وهو الثوب)، وإذا جرت أصالة الطهارة في الإناء الأبيض فيعارض جريانها في الطرف الآخر (أي الإناء الأحمر) ويتساقطان، وبعد سقوطهما يجب الاجتناب عن الملاقى (الإناء الأبيض) والطرف الآخر (الإناء الأحمر)، وتصل النوبة إلى أصالة الطهارة الجارية في الملاقي (الثوب)، فتجري فيه؛ لسقوط معارضها (وهو أصالة الطهارة الجارية في الطرف الآخر – الإناء الأحمر –) ([98]).


فالنتيجة: عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي (الثوب)، ووجوب الاجتناب عن الملاقى (الإناء الأبيض) والطرف الآخر (الإناء الأحمر).


والمحقّق النائينيّ ([99]) – تبعاً للشيخ الأنصاريّ ([100]) – ذهب إلى عدم وجوب الاجتناب في الملاقي مطلقاً (أي في جميع الأقسام الثلاثة).


بتقريب: إنَّ الأصل الجاري في الملاقي (الثوب) متأخّرٌ رتبةً عن الأصل الجاري في الملاقى (الإناء الأبيض)؛ إذ الشكُّ في نجاسة الملاقي ناشٍ عن الشكِّ في نجاسة ما لاقاه (الإناء الأبيض)، ولا تصل النوبة إلى جريان الأصل في الملاقي إلاَّ بعد سقوط الأصل فيما لاقاه، وبعد سقوطه يجري الأصل في الملاقي بلا معارض ([101]).


 القسم الثالث: إذا علمنا بملاقاة الثوب للإناء الأبيض ثمَّ علمنا إجمالاً بأنَّ الإناء الأبيض أو الأحمر قد تنجّس قبل الملاقاة.


حكم هذا القسم: اختلفت أقوال العلماء في حكم هذا القسم على قولين:


1 – ما تبنّاه الشيخ الأنصاريّ ([102])، والمحقّق النائينيّ ([103])، من وجوب الاجتناب عن الإناء الأبيض (الملاقى) والإناء الأحمر دون الثوب (الملاقي)، قد تقدّم في القسم الثاني الوجه في عدم وجوب الاجتناب عن الثوب.  


2 – ما ذهب إليه الآخوند الخراسانيّ([104])، وظاهر المحقّق الأصفهانيّ ([105])، والسيّدين الخوئيّ([106]) والخمينيّ([107])، من وجوب الاجتناب عن الجميع (أي الإناء الأبيض، والإناء الأحمر، والثوب).


واستدلّ الآخوند الخراسانيّ على ذلك: بالعلم إجمالاً:


أ – إمّا بنجاسة الملاقي (الثوب) والملاقى (الإناء الأبيض).


ب – أو بنجاسة الإناء الأحمر.


فيتنجّز التكليف بالاجتناب عن النجس المعلوم في البين وهو الواحد – على تقدير كون النجس واقعاً هو الإناء الأحمر –، أو الاثنان – على تقدير كون النجس واقعاً هو الإناء الأبيض وملاقيه (الثوب) – ([108]).


 


والظاهر أنَّ ما ذكره الآخوند الخراسانيّ هو الأحرى بالقبول؛ إذ مع وجود العلم الإجماليّ فيتنجّز التكليف بلزوم الاجتناب عن الأطراف المعلومة في المقام .


المبحث الثاني: تنبيهات مسألة دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيّين


وفيه مطالب أربعة :


الأوّل : دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء التحليليّة الذهنيّة .


الثاني : حكم نسيان الجزء أو الشرط .


الثالث : حكم الزيادة في المركّبات عمداً أو سهواً .


الرابع : حكم تعذّر بعض الأجزاء ( قاعدة الميسور ) .


 


 


 


 


المطلب الأوّل: دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر في الأجزاء التحليليّة الذهنيّة (+)


المعروف أنَّ دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر على صورتين:


الأولى: دوران الأمر في الأجزاء الخارجيّة، كما إذا شككنا أنَّ الصلاة مركّبةٌ من تسعة أجزاء من دون السورة أو من عشرة أجزاء مع السورة .


وفي هذه الصورة ذهب الشيخ الأنصاريّ ([109]) تبعاً للمشهور ([110]) إلى جريان البراءة العقليّة والنقليّة عن وجوب المشكوك (السورة)؛ إذ أنَّ العلم الإجماليّ ينحلّ إلى علم تفصيليّ بوجوب التسعة وشكّ بدويّ بالجزء المشكوك، فتجري فيه البراءة .


الثانية: دوران الأمر في الأجزاء التحليليّة الذهنيّة، كما إذا دار الأمر بين المشروط والمطلق، وأنَّ الواجب هل هو مطلق الصلاة (أي الأكثر) أو الصلاة المشروطة بالطهارة (أي الأقلّ) ؟


ومثاله في الشرعيّات: ما إذا دار الأمر بين تعلّق التكليف بالتيمّم بالتراب (المشروط – الأقلّ) أو تعلّقه بمطلق الأرض (المطلق – الأكثر) الشامل للرمل والحجر وغيرهما .


ومثال آخر في الشرعيّات أيضاً: ما إذا دار الأمر بين تعلّق التكليف بإطعام الحيوان من دون خصوصيّةٍ (أي العامّ – الأكثر) أو تعلّقه بإطعام الحيوان المتميّز بفصل الناطقيّة – أي خصوص الإنسان – (أي الخاصّ – الأقلّ).


ومثاله في غير الشرعيّات: كما إذا دار الأمر بين الخاصّ المنطقيّ كالإنسان (أي الأقلّ) وعامّه كالحيوان (أي الأكثر)، وأنَّ الواجب هل هو الإتيان بالإنسان أو الحيوان ؟


 


ومحلّ الكلام في هذا التنبيه هو الصورة الثانية (أي دوران الأمر في الأجزاء التحليليّة الذهنيّة)


اختلفت كلمات الأصوليّين في حكمها على أقوال:


القول الأوّل: ما اختاره الشيخ الأنصاريّ ([111])، والسيّد الخمينيّ ([112])، من جريان البراءة العقليّة والنقليّة في الموردين، وهما:


1 – دوران الأمر بين المشروط بشيءٍ ومطلقه .


2 – دوران الأمر بين الخاصّ وعامّه .


الدليل على ذلك: استدلّ الشيخ الأنصاريّ على جريان البراءة العقليّة والنقليّة بما حاصله :


أمّا جريان البراءة العقليّة: فلأن المشروط مركّبٌ من أمرين:


الأوّل: ذات الصلاة (ذات الفعل) المؤلّفة من أجزاء خارجيّة أوّلها التكبير وآخرها التسليم .


الثاني: التقيّد بالطهارة، وهو جزءٌ ذهنيٌّ حسب الفرض؛ فإنَّ الوجوب المشكوك قد تعلّق بالتقيّد بالطهارة لا أنَّ الوجوب قد تعلّق بنفس الطهارة؛ إذ لو تعلّق الوجوب بنفس الطهارة لكانت جزءً لا شرطاً .


والأقلّ هنا وهو ذات الصلاة معلوم الوجوب تفصيلاً:


أ – إمّا بالوجوب النفسيّ لو كان – ذات الصلاة – هو متعلّق الأمر .


ب – أو بالوجوب الغيريّ لو كان متعلّق الأمر هو المشروط (+) .


وعليه فيكون وجوب ذات الصلاة معلوماً تفصيلاً، وأمّا وجوب ذات الصلاة مع التقيّد فهو غير معلوم، فتجري فيه البراءة العقليّة؛ لانحلال العلم الإجماليّ إلى علم تفصيليّ بوجوب ذات الصلاة وحدها إمّا بالوجوب النفسيّ أو الغيريّ، شكّ بدويّ في وجوبها مع التقيّد ([113]) .


فالنتيجة: يكون حال الشكِّ في الأجزاء التحليليّة حال الشكِّ في الأجزاء الخارجيّة مجرى للبراءة .


 


وأمّا جريان البراءة النقليّة (الشرعيّة): فلعموم أدلّة البراءة كحديث الرفع ([114]) الشامل للمقام .


 


 


تعقيب ومناقشة : يبدو أنّه لا مجال لجريان البراءة العقليّة في الأجزاء التحليليّة، بدعوى أنَّ الجزء التحليليّ كالجزء الخارجيّ ممّا يمكن اتّصافه بالوجوب الغيريّ المقدّمي؛ فإنَّ الجزء الخارجيّ – كالسورة – ممّا يمكن اتّصافه بالوجوب الغيريّ؛ إذ لكلِّ جزء خارجيّ وجود آخر مستقلّ غير وجود الجزء الآخر، فالسورة – مثلاً – جزءٌ مستقلٌّ مقابل الفاتحة والسجود وباقي الأجزاء، فيقال فيه حينئذٍ: هذا الجزء معلوم الوجوب إمّا نفسيّاً أو مقدّميّاً، وأمّا هذا الجزء فمشكوك الوجوب فتجري البراءة فيه .


وهذا بخلاف الجزء التحليليّ كذات المقيّد، كالصلاة والرقبة، وذات العامّ كالحيوان، فإنّه لا وجود له خارجاً؛ إذ لا وجود للجنس المنطقيّ (أي للعامّ) في الخارج غير وجود المجموع الواجب بالوجوب النفسيّ، فلا يتّصف ذات المقيّد والعامّ بالوجوب حتّى يقال: إنَّ وجوب ذاتهما معلوم تفصيلاً إمّا نفسيّاً أو غيريّاً فتجري البراءة عن الزائد المشكوك؛ فإنَّ ذات الرقبة لا تمتاز عن الرقبة المؤمنة في الخارج حتّى يقال: إنَّ ذات الرقبة معلومةٌ والإيمان مشكوكٌ فيه .


 


القول الثاني: ما ذهب إليه الآخوند الخراسانيّ ([115]) من التفصيل وحاصله:


1 – أمّا دوران الأمر بين المشروط بشيءٍ ومطلقه فتجري فيه البراءة النقليّة (الشرعيّة) دون العقليّة .


2 – وأمّا دوران الأمر بين الخاصّ وعامّه فلا تجري فيه البراءة مطلقاً لا العقليّة ولا النقليّة .


الدليل على عدم جريان البراءة العقليّة في كلا الموردين


وذلك لعدم وجود قدر متيقّن في المقام لينحلّ العلم الإجماليّ وتجري فيه أصالة البراءة، بخلاف موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، إذ تجري فيها البراءة؛ لانحلال العلمّ الإجماليّ بكون الأقلّ متيقّناً على كلِّ تقدير ([116]) .


الدليل على جريان البراءة النقليّة في المورد الأوّل – أي دوران الأمر بين المشروط ومطلقه –


وذلك لأنَّ الخصوصيّة في المشروط منتزعةٌ عن أمر خارج ومغاير للمشروط، كالطهارة المنتزعة عن أمر خارج عن الصلاة وهو الوضوء – مثلاً – .


فالنتيجة: يكون الدوران بين المشروط ومطلقه من الدوران بين الأقلّ والأكثر، فتجري البراءة النقليّة عن الأكثر المشكوك .


الدليل على عدم جريان البراءة النقليّة في المورد الثاني – أي دوران الأمر بين الخاصّ وعامّه –


إنَّ خصوصيّة الخاصّ تختلف عن خصوصيّة المشروط الآنفة الذكر؛ فإنَّ خصوصيّة الخاصّ منتزعةٌ عن نفس الخاصّ لا أنّها منتزعةٌ من أمر خارج عنه ومغاير له حتّى يمكن نفيها بأصل البراءة .


فالنتيجة: يكون دوران الأمر بين الخاصّ وغيره من الدوران بين المتباينين؛ إذ يكون الشكُّ حينئذٍ في كون الوجوب متعلّقاً بذات الخاصّ أم بذات العامّ، والمرجع فيه هو الاشتغال، وهو يقتضي الإتيان بالخاصّ ([117]) .ج


القول الثالث: ما تبنّاه المحقّق النائينيّ ([118])، وظاهر المحقّق العراقيّ ([119])، من التفصيل وحاصله:


1 – أمّا دوران الأمر بين المشروط بشيءٍ ومطلقه فتجري فيه البراءة العقليّة والنقليّة (الشرعيّة) معاً .


2 – وأمّا دوران الأمر بين الخاصّ وعامّه فلا تجري فيه البراءة مطلقاً لا العقليّة ولا النقليّة .


الدليل على جريان البراءة العقليّة والنقليّة في المورد الأوّل


وذلك لأنَّ كلاًّ من الشرط والجزاء ممّا تناله يد الوضع والرفع التشريعيّين، ولو بوضع منشأ انتزاعهما ورفعه ([120]) .


وبعبارة أخرى: إنَّ مرجع الشكِّ في شرطيّة شيءٍ للمأمور به إلى الشكِّ في أنَّ موضوع التكليف النفسيّ هل هو ذات الشيء أم الشيء مقيّداً بشيءٍ آخر ؟ وحينئذٍ تجري البراءة؛ لأنّه يرجع إلى الشكِّ في التكليف ([121]) .


الدليل على عدم جريان البراءة العقليّة والنقليّة في المورد الثاني


وذلك لرجوع المورد إلى التعيين والتخيير، والأصل هو التعيين لا التخيير .


بتقريب: لأنّه لا معنى للقول بأنَّ تعلّق التكليف بالجنس (العامّ) متيقّنٌ؛ فإنَّ الجنس لا تحصّل (وجود) له في الخارج إلاَّ في ضمن الفصل، فلا يعقل تعلّق التكليف بالجنس إلاَّ إذا كان متميّزاً بفصل، فتقيّده بالفصل متيقّنٌ، وإنّما الشكُّ في تقيّد الجنس بفصلٍ معيّنٍ – كالناطقيّة – كي يكون المأمور به (المكلّف به) هو الحيوان الخاصّ – كالناطق –، أو الشكُّ في تقيّد الجنس بفصلٍ من فصوله كي يكون المكلّف به هو الحيوان العامّ .


فالنتيجة: أنَّ المورد يدخل في مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير، والعقل يحكم بالتعيين – أي الحيوان الناطق –، وبالتالي لا مجال للبراءة . هذا أوّلاً .


وثانياً: إنَّ الترديد بين الجنس والنوع وإنْ كان بالتحليل العقليّ من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر، إلاَّ أنّه بنظر العرف يكون داخلاً في الترديد بين المتباينين ([122]) .


ثالثاً: إنَّ ملاك الأقلّ والأكثر غير متحقّق في المورد؛ فإنَّ الملاك هو كون الأقلّ على نحوٍ يكون سوى حدّه الأقلّيّة محفوظاً في ضمن الأكثر، وهو مفقودٌ في المقام؛ لأنَّ الطبيعيّ المطلق بما هو جامعٌ للحصص لا يكون محفوظاً في ضمن فرده كزيد – مثلاً – (+)، بل المحفوظ في ضمن زيد هو الحصّة الخاصّة من الطبيعيّ ([123]) .


فالنتيجة: أنَّ المقام لا يندرج في الأقلّ والأكثر أصلاً، فيُرجع إلى أصالة الاحتياط .


 


القول الرابع: ما اختاره السيّد الخوئيّ من التفصيل وحاصله:


1 – أمّا دوران الأمر بين المشروط بشيءٍ ومطلقه فتجري فيه البراءة العقليّة والنقليّة معاً، سواء كان ما يُحتمل دخله في المأمور به على نحو الشرطيّة موجوداً مستقلاًّ، كما إذا احتمل دخل شرط الاستقبال في الصلاة، أو لم يكن موجوداً مستقلاًّ عن المأمور به، بل كان الشرط من مقوّماته الداخلة في حقيقته، كما إذا احتمل اعتبار ودخل الإيمان في عتق الرقبة .


2 – وأمّا دوران الأمر بين الخاصّ وعامّه فقد وافق أستاذه المحقّق النائينيّ في رجوعه إلى دوران الأمر بينهما إلى دوران الأمر بين التعيين والتخيير، إلاَّ أنّه ذكر له أقساماً ثلاثة:


الأوّل: ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الأحكام الواقعيّة، كما إذا شكَّ في أنَّ صلاة الجمعة في زمن الغَيبة هل هي واجب تعيينيّ أم تخييريّ ؟ .


حكمه: جريان أصالة البراءة عن وجوب الإتيان بخصوص ما يحتمل كونه واجباً تعييناً، وتجري البراءة عن التعيين، وبذلك يخالف أستاذه المحقّق النائينيّ في هذا القسم .


الثاني: ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مرحلة الجعل في الأحكام الظاهريّة ومقام الحجّيّة، كما إذا شُكَّ في أنَّ تقليد الأعلم هل هو واجب تعيينيّ أو واجب تخييريّ ؟ .


حكمه: هو الحكم بالتعيين لا التخيير، وبذلك يوافق أستاذه المحقّق النائينيّ في هذا القسم .


الثالث: ما إذا دار الأمر بين التعيين والتخيير في مقام الامتثال؛ لأجل التزاحم، كما إذا كان هناك غريقان يحتمل كون أحدهما بعينه نبيّاً، ولم يتمكّن إلاَّ من إنقاذ أحد الغريقين، فيدور الأمر بين وجوب إنقاذ المحتمل كونه نبيّاً تعييناً أو تخييراً بينه وبين الغريق الآخر .


حكمه: هو الحكم بالتعيين لا التخيير، وبذلك يوافق أستاذه المحقّق النائينيّ في هذا القسم أيضاً ([124]) .


 


والظاهر أنَّ التفصيل الذي تبنّاه السيّد الخوئيّ هو الأحرى بالقبول، وأنّه لابدَّ من أخذ الأقسام الثلاثة بنظر الاعتبار، خصوصاً في مقام التفريق بين التعيين والتخيير بين مقام الجعل في الأحكام الواقعيّة والظاهريّة ومقام الامتثال .


المطلب الثاني: حكم نسيان الجزء أو الشرط (+)


المعروف بين الأصوليّين جريان البراءة عند الشكِّ في أصل الجزئيّة والشرطيّة، كالشكِّ في أنَّ الشارع المقدّس هل جعل السورة جزءً للصلاة أو لا ؟ وهل جعل الطهارة شرطاً أو لا ؟ .


ويقع الكلام في هذا التنبيه في سعة الجعل وضيقه بعد العلم بأصل ثبوته، فالمكلّف يعلم أنَّ الشارع قد جعل السورة جزءً ولكن يشكُّ في سعة هذا الجعل وضيقه، فلا يعلم هل جُعلت السورة جزءً حتّى في حال النسيان أم لا ؟ فيقال: إنّه إذا ثبتت جزئيّة شيءٍ – كالسورة مثلاً – وشُكَّ في اختلال العمل بتركه نسياناً فما هو مقتضى الأصل العمليّ ؟ .


أي لو كنّا نحن والأصل العمليّ ولم يرد دليل اجتهاديّ – كحديث لا تعاد (+ +) – يتناول حكم الناسي للجزء والشرط، فما الحكم في هذه المسألة ؟ وفيه أقوال:


الأوّل: ما اختاره الشيخ الأنصاريّ من اختصاص الجزئيّة أو الشرطيّة بالمتذّكر، وعدم عمومها للناسي .


بتقريب: أنّه لا يمكن توجيه الخطاب لخصوص الناسي بأنْ يقال: يا أيّها الناسي إنَّ الواجب في حقّك هو الأقلّ دون السورة المنسيّة – مثلاً –؛ فإنَّ في المقام احتمالين:


1 – فإمّا أنْ لا يلتفت الناسي إلى نسيانه، وحينئذٍ لا يعقل انبعاثه عنه؛ لأنَّ التكليف لا يمكن أنْ يكون باعثاً ومحرّكاً للعبد نحو العمل إلاَّ مع الالتفات إليه وإلى موضوعه، ومن الواضح أنَّ الناسي غير الملتفت إلى نسيانه لا يمكن أنْ يلتفت إلى موضوع التكليف .


2 – أو أنْ يلتفت الناسي إلى كونه ناسياً، وحينئذٍ انقلب إلى الذاكر، فلا يكون الحكم الثابت لعنوان الناسي فعليّاً في حقّه .


فالنتيجة: أنّه على كلا الاحتمالين – الالتفات وعدمه – يستحيل فعليّة التكليف في حقّه، ومع استحالة الفعليّة يمتنع جعل الحكم بالضرورة ([125]) .


تعقيب ومناقشة


يبدو أنَّ ما ذكره الشيخ الأنصاريّ قابلٌ للمناقشة؛ إذ أنّه يمكن تعلّق التكليف بالناسي ولكن لا بعنوانه، وذلك بوجوه منها:


1 – أنْ يُوجّه الخطاب بما عدا الجزء المنسيّ إلى مطلق المكلّف أعمّ من الذاكر والناسي، مثل أنْ يقال: " يا أيّها المكلّفون كُتب عليكم كذا وكذا "، ثمَّ يُوجّه خطاب آخر إلى خصوص الذاكر بالجزء أو الشرط الذي نساه الناسي، فحينئذٍ يختصّ الناسي بالتكليف بما عدا الجزء أو الشرط المنسيّ بلا المحذور الذي ذكره الشيخ الأنصاريّ؛ إذ لم يتوجّه إلى الناسي خطابٌ بعنوان الناسي ([126]) .


2 – أنْ يُوجّه إلى الناسي خطابٌ بما عدا الجزء المنسيّ يخصّه ولا يشمل هذا الخطاب الذاكر، ولكن لا بعنوان الناسي بل:


أ – إمّا بعنوان آخر عامّ يلازم الناسي بحيث يمكن الالتفات إليه مع زوال النسيان، كعنوان بلغمي المزاج ونحوه .


ب – أو بعنوان آخر خاصّ يختصّ بهذا الناسي كقوله: يا زيد، يا عمرو، يا صاحب الرداء الأبيض، ونحو ذلك، فيكون مثل هذا الخطاب صالحاً للداعويّة في حال النسيان بلا لزوم المحذور المذكور .


 


الثاني: ما تبنّاه الآخوند الخراسانيّ ([127]) من التفصيل بين البراءة الشرعيّة فتجري في المقام، دون البراءة العقليّة فلا تجري .


بتقريب: إنَّ حال الشكَّ في جزئيّة شيءٍ أو شرطيّته في حال النسيان كحال الشكَّ في أصل الجزئيّة أو الشرطيّة من جريان البراءة النقليّة دون العقليّة .


أمّا جريان البراءة النقليّة: فلو لم يكن لدليل الجزئيّة أو الشرطيّة إطلاقٌ يدلّ على ثبوت وشمولها لحالة النسيان تصل النوبة إلى الأصل العمليّ، وهو يقتضي البراءة؛ إذ يشكُّ في جزئيّة السورة – مثلاً – حال النسيان، ويتردّد الأمر حينئذٍ بين الأقلّ والأكثر، فإنْ كانت السورة المنسيّة جزءً فالواجب هو الأكثر وإلاَّ فالأقلّ، فالأجزاء الأقلّ معلومة الوجوب، والجزء الزائد – وهو السورة – يشكُّ في وجوبه في حال النسيان فتجري البراءة عنه .


وأمّا عدم جريان البراءة العقليّة: فلعدم انحلال العلم الإجماليّ الموجب للاشتغال والاحتياط .


فالنتيجة: أنّه لولا البراءة الشرعيّة لكان مقتضى قاعدة الاشتغال عقلاً إعادة العمل الذي أخلّ بجزئه أو شرطه نسياناً، كما هو الحال في الجزء أو الشرط الذي ثبتت جزئيّته أو شرطيّته مطلقاً، ولو في حال النسيان .


فلولا البراءة الشرعيّة لكان حال الجزء والشرط حال الأركان؛ فإنَّ الإخلال بها يكون مضرّاً على كلِّ تقدير، سواء أكان عن عمدٍ أم سهو ([128]) .


 


الثالث: ما ذهب إليه أكثر مَنْ تأخّر عن الآخوند كالمحقّقين النائينيّ ([129]) وعبد الكريم الحائريّ ([130]) والعراقيّ([131]) والأصفهانيّ([132])، والسيّدين الخوئيّ([133])، والخمينيّ([134])، والميرزا هاشم الآمليّ (ت 1413 هـ)([135])، من جريان البراءة العقليّة والشرعيّة في الجزء والشرط المنسيّ .


 


والظاهر أنَّ ما ذكره الآخوند الخراسانيّ هو الأحرى بالقبول؛ إذ مع عدم انحلال العلم الإجماليّ فلا مورد لجريان البراءة العقليّة في الجزء والشرط المنسيّ، واللازم الاحتياط العقليّ، لو لم يقم دليل شرعيّ على البراءة، والمفروض قيامه على جريانها .


المطلب الثالث: حكم الزيادة في المركّبات عمداً أو سهواً (+)


محلّ الكلام في المقام ما إذا صدرت من المكلّف زيادة في عمله، كما إذا زاد جزءً في الواجب فهل تكون هذه الزيادة مبطلةً لعمله أو لا ؟ .


فيكون مرجع الشكِّ ها هنا إلى الشكِّ في الجزئيّة؛ لأنّنا عندما نشكُّ في كون الزيادة مبطلةً أو لا، أي نشكُّ في أنَّ عدم الزيادة هل هو معتبرٌ بنحو الشرطيّة أو الجزئيّة في الواجب أو لا ؟ .


 


تحديد محلّ النزاع في هذه المسألة


إنَّ محلّ النزاع في مبطليّة الزيادة ما إذا كان الجزء مأخوذاً بنحو اللا بشرط من جهة الزيادة، ولم يؤخذ في جزئيّته قيد الوحدة – أي بشرط الوحدة، أو قل: بشرط لا عن الزيادة – .


والوجه في ذلك: أنّه لو أُخذ بشرط لا من جهة الزيادة وبقيد الوحدة لم يصدق عليه زيادة الجزء حينئذٍ، ولم يدخل في محلِّ النزاع، بل يندرج في نقص الجزء، فالركوع – مثلاً – مأخوذٌ بشرط لا عن الزيادة، ومعتبرٌ في جزئيّته قيد الوحدة، فلو جاء به المكلّف مرّتين صدق عليه نقص الجزء لا زيادته؛ إذ لا فرق في عدم تحقّق الركوع ونقصه بين تركه رأساً وبين الإتيان به بدون شرطه وهو عدم تكرّره، فيصدق حينئذٍ أنَّ الصلاة ناقصةٌ وبلا ركوع .


 


الأقوال في المسألة


وقبل بيان الأقوال في المسألة فإنَّ الواجب على صورتين:


الأولى: ما إذا كان توصليّاً .                                                     الثانية: ما إذا كان عباديّاً .


أمّا الأقوال في الصورة الأولى: فالمعروف بين الأصوليّين أنَّ المورد هنا كالمورد في التنبيه السابق، فمَنْ ذهب إلى جريان البراءة النقليّة دون العقليّة – كالآخوند الخراسانيّ ([136]) – اختار في هذا المورد جريان البراءة النقليّة دون العقليّة أيضاً، وهكذا بالنسبة إلى بقيّة الأقوال الأخرى، فمشهور الأصوليّين القائلين بجريان البراءة العقليّة والنقليّة في المورد السابق اختاروا جريانها في هذا المورد أيضاً ([137]) .


وبعبارة أخرى: أنّه عند الشكَّ في أخذ عدم الزيادة جزءً أو شرطاً في الواجب فتجري البراءة العقليّة والشرعيّة فيه عند المشهور ويصحّ العمل، سواء كانت الزيادة بقصد العمل والتشريع أم بسبب الجهل القصوريّ أم التقصيريّ أم بسبب السهو والنسيان .


فالنتيجة: أنَّ الزيادة في الواجب التوصليّ لا تكون مبطلةً في جميع الصور المتقدّمة .


 


أمّا الأقوال في الصورة الثانية: ما إذا كان الواجب عباديّاً . فقد تعدّدت فيه الأقوال، منها:


القول الأوّل: ما اختاره المحقّق الحلّيّ (ت 676 هـ) من البطلان بالزيادة العمديّة في العبادة مطلقاً .


واستدلّ على ذلك: بأنَّ الزيادة تغييرٌ لهيأة العبادة الموظَّفة فتكون مبطلةً ([138]) .


تعقيب ومناقشة : إنَّ في عبارة المحقّق الحلّيّ " تغيير هيأة العبادة " احتمالين:


1 – أنْ يكون مراده تغيير الهيأة المعتبرة في الصلاة . وهذا الاحتمال ممنوعٌ؛ لأنَّ اعتبار الهيأة الحاصلة من عدم الزيادة هو أوّل الدعوى، فإذا شُكَّ فيه فالأصل البراءة عنه .


2 – أنْ يكون مراده تغيير الهيأة المتعارفة المعهودة للصلاة .


وهذا الاحتمال باطلٌ؛ إذ لا دليل على كون تغيير الهيأة المتعارف مبطلاً للصلاة .


فالنتيجة: أنَّ ما ذكره المحقّق الحلّيّ لا يرجع إلى معنى محصّل .


القول الثاني: ما تبنّاه زين الدين العامليّ المعروف بـ (الشهيد الثاني) ([139])، وظاهر المحقّق العراقيّ ([140])، من عدم البطلان بالزيادة العمديّة في العبادة مطلقاً .


واستدلّ الشهيد الثاني على ذلك: باستصحاب صحّة العبادة، بناءً على أنَّ العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحةً، والأصل بقاؤها وعدم عروض البطلان لها ([141]) .


تعقيب ومناقشة


إنَّ في كلام الشهيد الثاني باستصحاب الصحّة احتمالين:


1 – أنْ يكون المستصحب هو صحّة مجموع الصلاة .


وهذا الاحتمال غير موجود؛ إذ المفروض أنّه لم يتحقّق مجموع الصلاة بعد، فكيف يتمّ استصحابه ؟!! .


2 – أنْ يستصحب صحّة الأجزاء السابقة منها .


وهذا الاحتمال (أي استصحاب الأجزاء السابقة) غير مجدي، ولا ينفع في المقام؛ لأنّنا نقطع ببقاء صحّة الأجزاء السابقة، لكنّه لا يجدي في صحّة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الأجزاء والشرائط الباقية .


فالنتيجة: أنَّ ما ذكره الشهيد الثاني والمحقّق العراقيّ لا يمكن القبول به .


 


القول الثالث: ما ذكره الشيخ الأنصاريّ وحاصله:


إنَّ الزيادة العمديّة في العبادة تتصوّر على وجوه:


أحدها: أنْ يزيد جزءً من أجزاء الصلاة بقصد كون الزائد جزءً مستقلاًّ، كما لو اعتقد شرعاً أو تشريعاً أنَّ الواجب في كلَّ ركعة ركوعان، كما هو حال السجود .


الثاني: أنْ يقصد كون مجموع الزائد والمزيد عليه جزءً واحداً، كما لو اعتقد أنَّ الواجب في الركوع الجنس الصادق على الواحد والمتعدّد .


الثالث: أنْ يأتي بالزائد بدلاً عن المزيد عليه بعد رفع اليد عنه، وهو على نحوين:


1 – إمّا اقتراحاً، كما لو قرأ سورة ثمَّ بدا له في الأثناء أو بعد الفراغ أنْ يقرأ سورة أخرى؛ لغرض دينيّ ككون السورة الأخرى أكثر فضيلة من الأولى، أو لغرض دنيويّ كالاستعجال .


2 – أو لإيقاع العمل الأوّل على وجه فاسد بفقد بعض الشروط، كأنْ يأتي ببعض الأجزاء رياءً أو مع عدم الطمأنينة المعتبرة فيها، ثمَّ يبدو له في إعادته على وجه صحيح .


حكم هذه الصور


وقد حَكَمَ الشيخ الأنصاريّ على الوجه الأوّل بفساد العبادة مطلقاً، سواء نوى ذلك قبل الدخول في الصلاة أو في الأثناء؛ لأنَّ ما أتى به وقصد الامتثال به – وهو المجموع المشتمل على الزيادة – غيرُ مأمور به، وما أُمر به وهو ما عدا تلك الزيادة لم يقصد الامتثال به .


وبعبارة أخرى: إنَّ ما قصده لم يقع وما وقع لم يُقصد .


وأمّا الوجهان الأخيران: فمقتضى الأصل العمليّ عدم بطلان العبادة فيهما؛ لأنَّ مرجع ذلك الشكّ إلى الشكّ في مانعيّة الزيادة، وبالتالي يكون مرجعها إلى الشكِّ في أصل الشرطيّة عدمها، والمعروف أنَّ مقتضى الأصل فيه البراءة العقليّة والنقليّة معاً ([142]) .


القول الرابع: ما ذكره الآخوند الخراسانيّ ([143]) وحاصله:


إنَّ الزيادة على صور:


الأولى: أنْ يأتي بالزيادة بقصد جزئيّته على نحوٍ لو لم يكن الزائد جزءً في الواقع ودخيلاً في الواجب لما أتى بالواجب .   حكم هذه الصورة: تردّد فيها الآخوند :


أ – بين الحكم بالبطلان مطلقاً، سواء أكان الزائد جزءً ودخيلاً في الواجب واقعاً لم يكن كذلك؛ لعدم إمكان قصد التقرّب بالعمل المحرّم والمبغوض؛ إذ الفرض أنَّ العمل صار مبغوضاً ومحرّماً من جهة التشريع .


ب – وبين الحكم بالبطلان في صورة عدم دخل الزائد في الواجب فقط؛ وذلك لعدم تصوّر الامتثال في صورة عدم الدخل؛ إذ مع عدم الدخل واقعاً لا أمر واقعاً حتّى يُمتثل .


الثانية: أنْ يُشتبه ويُجهل حال الزائد هل يكون دخيلاً في الواجب أو لا ؟


حكم هذه الصورة: وجوب إعادة العمل العبادي؛ لأنّه يشكّ في حصول الامتثال بهذا العمل المشتمل على الزيادة، ومع الشكِّ في تحقّق الامتثال يحكم العقل بلزوم الإعادة بدون الزيادة؛ لأنَّ اشتغال الذمّة اليقينيّ يقتضي الفراغ اليقينيّ .


الثالثة: أنْ يأتي بالواجب على نحو يدعوه الوجوب إلى فعل الواجب على كلِّ حالٍ، سواء كانت الزيادة دخيلةً في الواجب أم لا . وبعبارة أخرى: أنَّ المكلّف قصد الامتثال على كلِّ حال سواء كانت الزيادة دخيلةً في الواجب أم لا.


حكم هذه الصورة: يكون العمل صحيحاً ولو كان المكلّف مشرّعاً في دخل الزائد في الواجب بأنْ قصد كون الزائد جزءً للواجب مع عدم علمه بجزئيّته واقعاً، فالعمل صحيحٌ؛ لأنّه مشرّعٌ في تطبيق ما أتى به مع المأمور به الواقعيّ ([144]) .


فالنتيجة: أنَّ المكلّف قصد امتثال الأمر الواقعيّ لكنّه أخطأ في التطبيق عندما جاء به مع الزيادة؛ لاعتقاده أنّه مع هذه الزيادة هو المأمور به الواقعيّ، والتشريع في تطبيق المأمور به لا ينافي قصد الامتثال والتقرّب؛ لأنّه قصد امتثال الأمر الواقعيّ، فلا تشريع في نفس الأمر حتّى يكون منافياً لقصد الامتثال والتقرّب، بل التشريع في التطبيق وهو لا يضرّ على كلِّ حالٍ، سواء كان الزائد جزءً ودخيلاً في الواجب واقعاً أم لا .


 


والظاهر أنَّ ما ذكره الشيخ الأنصاريّ هو الأحرى بالقبول، وأنَّ ما ذكره من الوجوه الثلاثة وحكمه بفساد العبادة في الوجه الأوّل مطلقاً، دون الوجهين الأخيرين هو الموافق للقواعد العامّة، والأصول المتّبعة .


المطلب الرابع: حكم تعذّر بعض الأجزاء ( قاعدة الميسور ) (+)


إذا علم بجزئيّة شيءٍ أو شرطيّته للمركّب ودار الأمر بين أنْ يكون جزءً أو شرطاً:


1 – مطلقاً، ولو في حال العجز منه .


2 – أو شرطاً وقيداً في خصوص حال التمكّن منه ([145]) .


فلو عجز عن فعل وإتيان بعض الأجزاء أو الشرائط فعلى الأوّل يلزم سقوط الأمر بالمركّب؛ لعدم القدرة عليه حينئذٍ، إذ أنَّ العجز عن الجزء أو الشرط صار سبباً لعدم القدرة على المركّب أو المشروط؛ فإنَّ المركّب عدم عند عدم جزئه، وكذا المشروط عدم عند عدم شرطه، ومن الواضح أنَّ القدرة على المأمور به شرطٌ في صحّة التكليف، فعند انتفائها يسقط الأمر .


وعلى الثاني يلزم ثبوت الأمر بالباقي – غير المتعذّر –؛ إذ ما دام الجزء أو الشرط ساقطاً حال التعذّر فالمركّب والمشروط هو خصوص الباقي، وهو مقدورٌ للمكلّف فيتعلّق به الأمر .


والكلام في هذا التنبيه يتناول محورين:


الأوّل: في مقتضى الأصل العمليّ بالنسبة للباقي (غير المتعذّر) .


الثاني: في قيام دليل اجتهادي يدلّ على ثبوت الأمر بالباقي، المعبّر عنها بـ (قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور) .


 


الكلام في المحور الأوّل: في مقتضى الأصل العمليّ


إنَّ الكلام في مقتضى الأصل العمليّ إنّما يقع بعد تحقّق افتراضين معاً:


1 – عدم وجود إطلاق لدليل الجزئيّة أو الشرطيّة ظاهرٌ في ثبوت الجزئيّة أو الشرطيّة في جميع الحالات .


2 – عدم وجود إطلاق لدليل الأمر بالمركّب أو المشرط يدلّ على ثبوت الأمر بالمركّب أو المشروط في مطلق الحالات، ولو مع تعذّر الجزء أو الشرط .


وبعبارة أخرى: إنَّ الأصل العمليّ يجري في المقام إذا وجد هذين الافتراضين معاً، وإلاَّ لو كان لدليل الجزء أو الشرط إطلاقٌ لكان مقتضاه ثبوت الجزئيّة أو الشرطيّة مطلقاً، ولو في حال التعذّر، ومقتضى هذا الثبوت سقوط الأمر عن الباقي، ولا تصل النوبة إلى الأصل العمليّ بل يؤخذ بالإطلاق .


وأمّا إذا لم يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاقٌ، بأنْ كان مجملاً أو مهملاً ولكن كان لدليل المأمور به – المركّب أو المشروط – إطلاقٌ فمقتضاه وجوب الإتيان بالباقي؛ فإنَّ إطلاق دليل المركّب والمشروط يقتضي مطلوبيّته مطلقاً، وإنْ تعذّر بعضه، ولا مجال حينئذٍ للأصل العمليّ أيضاً ([146]) .


فالنتيجة: أنّه لابدَّ في جريان الأصل العمليّ من عدم وجود الإطلاق:


أ – لا لدليل الجزئيّة أو الشرطيّة .


ب – ولا لدليل المركّب أو المشروط .


 


الأصل العمليّ الجاري في المقام: إذا لم يكن هناك إطلاقٌ لهما فما هو مقتضى الأصل العمليّ في المقام ؟


ذكر الأصوليّون احتمالين في جريان الأصل العمليّ:


الاحتمال الأوّل: أنَّ الأصل الجاري هو الاستصحاب، أي استصحاب وجوب الباقي بعد تعذّر بعض الأجزاء أو الشرائط، ولا تصلّ النوبة إلى جريان أصالة البراءة من وجوب الباقي – كما سيأتي بعد قليل –؛ لما ذكرنا في المبحث الأوّل من الفصل الأوّل من عدم جريان البراءة مع وجود الاستصحاب، وأنّه يتقدّم على البراءة .


تقريب جريان الاستصحاب: يمكن دعوى جريان الاستصحاب؛ وذلك لوجهين:


الوجه الأوّل: استصحاب كلّيّ الوجوب الثابت سابقاً للأجزاء المقدورة، فإنَّ الباقي كان معلوم الوجوب؛ لتعلّق الوجوب الغيريّ به، فإنَّ الوجوب الذي كان ثابتاً للباقي قبل تعذّر الجزء والشرط كان وجوباً مقدّميّاً، أي مقدّمة للكلِّ، وهو وإنْ زال بزوال وجوب الكلِّ ولكن يحتمل تعلّق الوجوب النفسيّ به، فيكون سبباً للشكِّ في بقاء الوجوب الجامع فيُستصحب، أي فنستصحب طبيعيّ وجوب الجامع بين الغيريّ المرتفع؛ بتعذّر بعض الأجزاء، والنفسيّ المحتمل حدوثه للباقي مقارناً لارتفاع الوجوب الغيريّ .


بتقريب: إنَّ الباقي كان واجباً قبل طرو التعذّر، فإذا شككنا في بقاء وجوبه بعد طرو التعذّر فنتمسّك بالاستصحاب للإثبات بقاء وجوبه .


الوجه الثاني: استصحاب الوجوب النفسيّ الثابت سابقاً للكلِّ (للمركّب) .


بتقريب: دعوى بقاء الموضوع بالمسامحة العرفيّة؛ إذ العرف يرى الباقي الفاقد لبعض الأجزاء والمركّب التامّ شيئاً واحداً، أي أنَّ الموضوع الحالي نفس الموضوع السابق بنظر العرف، فيقال حينئذٍ ويشار إلى الباقي: كان واجباً نفسيّاً سابقاً والآن كذلك . نظير استصحاب كرّيّة الماء الذي كان كرّاً وأريق منه بعضه فنشكّ في كرّيّته، فيقال: هذا الماء كان كرّاً والآن كذلك، مع وضوح أنَّ هذا الماء بالدقّة العقليّة ليس كذلك؛ لفرض أنّه قد نقص منه، ولكنّه بالمسامحة العرفيّة كذلك ([147]) .


تعقيب ومناقشة : إنَّ جريان الاستصحاب في المقام يبتني على تصحيح القسم الثالث من استصحاب الكلّيّ، وسيأتي في الفصل الثالث أنّه ليس بحجّة على رأي المشهور ([148]) .


وتقريبه: إذا كان الكلّيّ موجوداًُ في ضمن فردٍ ثمَّ علمنا بزوال وارتفاع ذلك الفرد، وشككنا في وجود فردٍ آخر مقارن لزوال ذلك الفرد، مثلاً إذا وجد كلّيّ الإنسان في ضمن زيد ثمَّ علمنا بذهاب زيد وشككنا في وجود عمرو مقارناً لذهابه فهل يصحّ استصحاب كلّيّ الإنسان الناشئ من الشكِّ في حدوث فرد آخر مع زوال الفرد السابق الذي حدث به الكلّيّ أو لا يصحّ؛ لأنَّ الكلّيّ الموجود في ضمن الفرد السابق متيقّن الارتفاع، والحصّة الجديدة مشكوكة الحدوث ؟


وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنَّ كلّيّ الوجوب الجامع بين النفسيّ والغيريّ موجودٌ في ضمن الوجوب الغيريّ من باب المقدّمة لوجوب الكلِّ، وعلمنا بارتفاع الوجوب الغيريّ، وشككنا في وجود وتحقّق الوجوب النفسيّ مقارن لارتفاع الوجوب الغيريّ، فالوجوب الغيريّ الذي كان متيقّناً في السابق قد ارتفع جزماً، والوجوب النفسيّ الذي نشكّ في حدوثه الآن لم يكن متيقّناً في السابق حتّى يُستصحب .


 


الاحتمال الثاني: جريان البراءة العقليّة عن وجوب الباقي إذا تعذّر بعض الأجزاء أو الشروط؛ للشكِّ في وجوب الباقي بعد العجز عن الجزء أو الشرط، فيكون العقاب على ترك الباقي عقاب بلا بيان، والمؤاخذة عليه بلا برهان ([149]) .


 


إشكال على سقوط الباقي بالبراءة: وقد يرد إشكال على سقوط الباقي عند جريان البراءة .


بتقريب: أنّنا وإنْ سلّمنا بجريان البراءة في المقام، وأنَّ العقل يستقلّ بالبراءة عن وجوب الباقي، إلاَّ أنَّ مقتضى حديث الرفع: ((رُفع عن أمتي تسعة: ... ما لا يعلمون ...)) ([150]) عدم الجزئيّة أو الشرطيّة؛ لأنَّ جزئيّة المتعذّر مجهولةٌ حال التعذّر، فيكون مقتضى الحديث هو عدم جزئيّة أو شرطيّة المتعذّر فقط في حال التعذّر، ومقتضى ذلك ثبوت الأمر بالباقي غير المتعذّر؛ لأنَّ ما هو مرفوع بالحديث هو المشكوك وهو خصوص المتعذّر، وأمّا ما عداه – أي غير المتعذّر – فباقٍ على حاله، فيلزم الإتيان به .       الجواب على الإشكال: وقد أجاب غير واحد من الأعلام على هذا الإشكال، ومنه ما ذكره الآخوند الخراسانيّ ([151])، والمحقّق الأصفهانيّ ([152])، وغيرهما .


وحاصل ما أفاده الآخوند: إنَّ حديث الرفع واردٌ مورد الامتنان، فيختصّ جريانه في موردٍ يستلزم نفي التكليف           لا إثباته، فإذا كان جريانه مستلزماً لإثبات التكليف كما فيما نحن فيه لم يجرِ؛ لمنافاته للامتنان في رفع الجزئيّة أو الشرطيّة في حال العجز نظراً إلى ما يثبت به وجوب الباقي – غير المتعذّر – ([153]) .


فالنتيجة: أنَّ الأصل العمليّ الجاري في المقام هو البراءة دون الاستصحاب .


الكلام في المحور الثاني: في قيام دليل اجتهاديّ يدلّ على ثبوت الأمر بالباقي


وأمّا ما يرتبط بالدليل الاجتهاديّ فقد اُدّعي ثبوت الأخبار الدالّة على وجوب الباقي عند تعذّر بعض الأجزاء، واُستفيد من هذه الأخبار قاعدة يصطلح عليها بـ (قاعدة الميسور)، أو (الميسور لا يسقط بالمعسور)، ومعها لا تصل النوبة إلى الأصل العمليّ:


1 – لا الاستصحاب لإثبات وجوب الباقي .


2 – ولا البراءة عن وجوب الباقي .


وذلك لتقدّم الدليل الاجتهاديّ (الأمارة) على الأصل العمليّ، إمّا للحكومة كما عليه المشهور ([154])، أو للورود كما قوّاه الآخوند الخراسانيّ ([155])، أو للنصّيّة والأخصّيّة كما هو مختار السيّد محمّد باقر الصدر ([156]) .


وتجدر الإشارة إلى أنَّ في المقام روايات ثلاث يمكن أنْ يستدلّ بها على ثبوت قاعدة الميسور:


الأولى: الحديث النبوّي، وهو قوله (r): ((إذا أمرتكم بشيءٍ فأتوا منه ما استطعتم)) ([157]) .


الثانية: الحديث النبوّي، وهو قوله (r): ((لا يُترك الميسور بالمعسور)) ([158]) .


الثالثة: قوله (A): ((ما لا يُدركُ كلّه لا يُتركُ كلّه)) ([159]) .


 


وقبل مناقشة دلالة الروايات على القاعدة، فقد علّق الشيخ الأنصاريّ([160]) تبعاً للمشهور ([161]) على ضعف إسناد هذه الروايات بأنَّ ضعفها مجبورٌ باشتهار تمسّك وعمل الأصحاب بها في أبواب العبادات عامّة .


هذا بناءً على رأي المشهور من انجبار الخبر الضعيف بعمل المشهور، وأمّا بناءً على مختار السيّد الخوئيّ وبعض تلامذته من عدم صحّة هذا المبنى فالروايات الثلاث ساقطة عن الاعتبار والحجّيّة؛ لضعف سندها .


مناقشة دلالة الرواية الأولى: فقد ذُكر أنَّ فقرة الاستدلال فيها على قاعدة الميسور هي كلمة (منه) .


وقد اختلفت آراء الأصوليّين في استفادة القاعدة من الرواية الأولى على أقوال، منها:


القول الأوّل: ما ذكره الفاضل أحمد النراقيّ (ت 1245 هـ) أنَّ لمعنى كلمة (من) في قوله (r): ((فأتوا منه ...)) احتمالات أربعة:


الأوّل: أنْ تكون كلمة (من) للتبعيض، أي تبعيضيّة، ويكون (منه) مفعولاً لقوله (r): ((فأتوا)) .


ويكون المعنى كالآتي: فأتوا بعضه، أو: البعض الذي استطعتم .


الثاني: أنْ تكون كلمة (من) للتبعيض، ويكون المفعول قوله (r): ((ما استطعتم)) .


فيكون المعنى ما يأتي: فأتوا ما استطعتم حال كونه بعضه .


الثالث: أنْ تكون كلمة (من) مرادفة للباء . فيكون المعنى: فأتوا به ما دامت استطاعتكم .


الرابع: أنْ تكون كلمة (من) بيانيّة، بأنْ تكون بياناً:


أ – إمّا للمأتي (أي الشيء المراد إتيانه) .


ب – أو للموصول (قوله r ما).


فيكون المعنى: فأتوا ما استطعتم منه بعضاً أو كلاًّ .


ثمَّ أفاد أنَّ دلالة الحديث على القاعدة مبتنيةٌ على إرادة أحد الاحتمالات الآتية:


1 – إمّا الاحتمال الأوّل .


2 – أو الاحتمال الثاني .


3 – أو الشقّ (ب) من الاحتمال الرابع .


ثمَّ استظهر أخيراً أنَّ إرادة أحد هذه الاحتمالات غير معلوم، وبالتالي لا يدلّ الحديث على القاعدة ([162]) .


 


والآخوند الخراسانيّ ([163]) وإنْ رجّح ظهور كلمة (من) في الرواية في التبعيض، وأنَّ دلالتها وظهورها على ذلك ممّا لا يكاد يخفى إلاَّ أنّه استبعد دلالة الرواية على قاعدة الميسور .


بتقريب: إنَّ التبعيض المستفاد من كلمة (من) الواردة في الرواية فيه احتمالان:


الأوّل: أنْ يكون التبعيض بحسب الأجزاء .


الثاني: أنْ يكون التبعيض بحسب الأفراد .


والرواية لا تكون دليلاً على القاعدة إلاَّ إذا كان التبعيض بحسب الأجزاء – أي الاحتمال الأوّل – حتّى يدلّ على وجوب بعض أجزاء المركّب عند تعذّر بعضها الآخر .


وأمّا إذا كان التبعيض بحسب الأفراد فلا يدلّ على القاعدة؛ إذ يكون من بعض الصلاة – مثلاً – بعض أفرادها كصلاة الظهر أو العصر ونحوهما، لا بعض أجزائها .


فالنتيجة: أنّه مع هذا الاحتمال – أي احتمال إرادة التبعيض في الأفراد لا الأجزاء – لا يمكن الاستدلال بالرواية على القاعدة؛ لأنَّ الاحتمال يمنع من ظهور التبعيض بلحاظ الأجزاء . هذا أوّلاً


وثانياً: ولو سلّم ظهور كلمة (من) في التبعيض بحسب الأجزاء في الاستعمالات ولكنّه بقرينة المورد (+) لابدَّ من إرادة التبعيض بحسب الأفراد في المقام؛ لأنَّ مورد الرواية لا يتلائم مع المركّب ذي الأجزاء بل يتلائم مع الكلّيّ ذي الأفراد .


بتقريب: إنَّ المسئول عنه في الرواية هو وجوب تكرار الحجِّ وعدمه بعد تعلّق الأمر به، ولو أُريد التبعيض بحسب الأجزاء لا يكون جوابه (r) مرتبطاً بالسؤال؛ إذ لا معنى لوجوب بعض أجزاء الحجِّ في كلِّ عام ([164]) .


فالنتيجة: أنّه لابدَّ من إرادة التبعيض بحسب الأفراد، أي يؤتى بأفراد الواجب – الحجِّ – في كلّ عام .


وقريبٌ ممّا ذكره الآخوند الخراسانيّ ما يظهر من تلميذه المحقّق النائينيّ ([165])، والسيّد الخمينيّ ([166])، وبتقريب آخر .


وممَّنْ استدلّ أيضاً على عدم دلالة الرواية على القاعدة السيّدين البروجرديّ ([167]) والخوئيّ ([168]) بوجوه أخرى.


وحاصل ما أفاده السيّد الخوئيّ: إنَّ المحتملات من كلمة (من) الواردة في الرواية ثلاث:


الأوّل: كون كلمة (من) زائدة .


الثاني: كونها للتعدية بمعنى الباء .


الثالث: كونها مصدريّة زمانيّة .


واستظهر الاحتمال الثالث منها، وبالتالي فلا دلالة لها على القاعدة، مضافاً إلى ضعف سندها ([169]) .


 


القول الثاني: مختار الشيخ الأنصاريّ ([170])، وظاهر المحقّقين العراقيّ ([171]) والأصفهانيّ ([172])، من دلالة الرواية على القاعدة، واستبعدا الاحتمال الثالث والرابع بشقّيه .


أمّا استبعاد الاحتمال الثالث (أي كونها بمعنى الباء): فالذي يوهمه أنَّ الإتيان لا يتعدّى بنفسه وإنّما يتعدّى بالباء، ولكن الأمر ليس كذلك؛ إذ الإتيان – الذي هو فعل متعدّي – فيه احتمالان:


أ – فقد يتعدّى بنفسه، كقوله تعالى: [ وَلاَ يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلاً ] ([173]) .


ب – وقد يتعدّى بالباء، كقوله تعالى: [يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ]([174])، وقوله تعالى: [أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ]([175]).


وعليه: فالإتيان الوارد في الرواية كما يمكن أنْ يتعدّى بالباء، كذلك يمكن أنْ يتعدّى بنفسه .


وأمّا استبعاد الاحتمال الرابع: فإنّه لا معنى لكون كلمة (من) بيانيّة؛ لأنَّ مدخولها – وهو الضمير في قوله: فآتوا منه – لا يصلح لأنْ يكون بياناً للشيء، فإنَّ الضمير مبهم ([176]) .


ثمَّ ختم الشيخ الأنصاريّ كلامه في دلالة الرواية على قاعدة الميسور بـ (أنَّ المناقشة في ظهور الرواية من اعوجاج الطريقة في فهم الخطابات العرفيّة) ([177]) .


 


مناقشة دلالة الرواية الثانية: وقد اختلفت أنظار الأعلام في دلالتها على قاعدة الميسور على قولين:


القول الأوّل: ما اختاره كلٌّ من النراقيّ ([178])، والآخوند الخراسانيّ ([179])، من عدم دلالتها على قاعدة الميسور .


وقد أشكل الآخوند بإشكالين على الرواية، وحاصلهما:


الإشكال الأوّل: إنَّ حال هذه الرواية حال الرواية الأولى، فيتوقّف على ظهور الميسور بحسب الأجزاء لا الميسور بحسب الأفراد، وبما أنّه لم يظهر أنَّ المراد من عدم سقوط الميسور بالمعسور هل هو عدم سقوط الميسور من أجزاء المركّب بمعسورها أو عدم سقوط الميسور من أفراد العامّ بمعسورها ؟ فلا يصحّ الاستدلال بهذه الرواية على القاعدة؛ إذ مع احتمال إرادة غير الأجزاء لا يبقى مجالٌ للاستدلال بها .


تعقيب ومناقشة


إنَّ الآخوند الخراسانيّ إنْ كان:


أ – في مقام التشكيك في ظهور الرواية بإرادة الميسور من الأجزاء فاللازم عليه أنْ يبيّن جهة التشكيك وينبّه عليها، ولا معنى للاكتفاء بإلقاء الاحتمال فقط .


ب – يعترف بظهور الرواية بإرادة الميسور من الأجزاء لكن لأجل احتمال إرادة الميسور من الأفراد يستشكل ويتوقّف عن الأخذ بهذا الظهور فلا معنى لهذا الاستشكال والتوقّف لمجرّد الاحتمال؛ إذ الاحتمال


لا يصادم الظهور حسب الفرض .


 الإشكال الثاني للآخوند: إنَّ هذه الرواية لا تدلّ على عدم السقوط بنحو اللزوم كي تدلّ على المطلوب – وهو وجوب الإتيان بالباقي عند تعذّر أجزاء المركّب أو شرط من شرائطه –؛ وذلك لأنَّ الرواية لا تختصّ بالواجبات فقط بل تشمل المستحبّات أيضاً .


بتقريب: إنَّ الميسور عامٌّ يشمل الواجبات والمستحبّات، فإنْ قلنا بدلالة الرواية على وجوب الميسور لزم خروج المستحبّات عن عموم الميسور؛ إذ من الواضح عدم وجوب الميسور من المستحبّات التي تعذّر بعض أجزائها أو شرائطها، ومع القول بعدم وجوب الميسور فلا تدلّ الرواية على القاعدة .


فيدور الأمر حينئذٍ بين أحد تصرّفين (أي مخالفة لأحد الظهورين):


أ – إمّا تخصيص الميسور المذكور في الرواية بالواجبات فقط وإخراج المستحبّات منه، فيدلّ حينئذٍ على القاعدة وهو وجوب الباقي الميسور .


ب – أو التصرّف في ظهور الأمر في الوجوب وحمله على مطلق الرجحان، فلا يدلّ حينئذٍ على القاعدة .


وبما أنَّ تخصيص الميسور بالواجبات ليس بأولى من حمل الأمر على مطلق الرجحان، فلا مجال للاستدلال بهذه الرواية على وجوب الباقي الميسور .


القول الثاني: ما تبنّاه كلٌّ من الشيخ الأنصاريّ([180])، والمحقِّقين النائينيّ([181]) والأصفهانيّ([182]) والعراقيّ([183]) من دلالة الرواية على قاعدة الميسور، وأنّها ظاهرةٌ في عدم سقوط الميسور من الأجزاء .


واستدلّ المحقّق الأصفهانيّ بما حاصله: إنَّ السقوط متفرّعٌ على الثبوت، ولو كان المراد من الميسور هو ميسور الأفراد – كما احتمله الآخوند – فلا وجه لتوهّم سقوط الحكم عن فردٍ بسبب سقوطه عن فردٍ آخر ليحكم عليه بعدم السقوط ([184]) .


فالنتيجة: أنَّ السقوط المذكور في الرواية يناسب سقوط أجزاء المركّب بمعسورها، لا سقوط أفراد من العامّ بمعسور أفراد أخرى منه .


 


مناقشة دلالة الرواية الثالثة (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه)


قبل بيان الأقوال في دلالة هذه الرواية على قاعدة الميسور لابدَّ من ذكر مقدّمة، وحاصلها:


إنَّ تماميّة دلالة هذه الرواية على القاعدة يتوقّف على تحقّق شرطين معاً:


الأوّل: أنْ يكون المراد من لفظ (كلّ) في قوله (A): ((ما لا يدرك كلّه)) أحد أمرين:


أ – إمّا العموم المجموعيّ ليختصّ بمركّب له أجزاء كالصلاة ونحوها .


ب – أو الأعمّ من العموم المجموعيّ والإفراديّ، أي للجامع بينهما .


وأمّا إذا كان المراد من لفظ (كلّ) العموم الإفراديّ فقط فيختصّ حينئذٍ بعامٍّ له أفراد، كالعالم في قولنا: أكرم كلَّ عالم، ولا يدلّ حينئذٍ على القاعدة .


الثاني: أنْ يكون المراد من الموصول (ما) في قوله (A) خصوص الفعل الواجب .


وأمّا إذا كان المراد منه مطلق الفعل المأمور به – واجباً كان أم مستحبّاً – فليس للرواية دلالةٌ على القاعدة .


 


وبعد هذه المقدّمة نقول:


إنَّ الأعلام قد اختلفوا في استفادة القاعدة من هذه الرواية على قولين:


القول الأوّل: ما اختاره كلٌّ من النراقيّ ([185])، والآخوند الخراسانيّ ([186])، من عدم دلالة الرواية على القاعدة .


وقد استدلّ الآخوند على عدم تماميّة ووجود كلا الشرطين بما حاصله:


أمّا عدم وجود الشرط الأوّل: فلاحتمال أنْ يكون المراد من لفظ (كلّ) خصوص العموم الإفراديّ لا المجموعيّ، ولا الأعمّ منه ومن المجموعيّ، ومع هذا الاحتمال لا يمكن البناء على دلالة الرواية على القاعدة .


وأمّا عدم وجود الشرط الثاني: فلأنَّ الرواية لا دلالة فيها إلاَّ على رجحان الإتيان بالباقي – واجباً كان أم مستحبّاً – عند تعذّر بعض الأجزاء؛ وذلك لظهور الموصول (ما) في العموم، وشموله للواجبات والمستحبّات .


وعليه فلابدَّ أنْ يراد من جملة (لا يترك) معنى عامّ وهو مطلق الرجحان لكي يتلائم مع عموم الموصول الشامل للواجبات والمستحبّات، ومن الواضح أنَّ مطلق الرجحان لا يدلّ على حرمة ترك الباقي ووجوب الإتيان به ([187]) .


القول الثاني: ما تبنّاه الشيخ الأنصاريّ من دلالة الرواية على القاعدة، وتحقّق الشرطين معاً .


ثمَّ ختم الشيخ الأنصاريّ كلامه في دلالة الروايات الثلاث على قاعدة الميسور بـ: (أنَّ مقتضى الإنصاف تماميّة الاستدلال، لذا شاع بين العلماء – بل بين جميع الناس – الاستدلال بها في المطالب، حتّى أنّه يعرفه العوام، بل النسوان والأطفال) ([188]) .


 


والظاهر أنَّ ما ذكره الآخوند الخراسانيّ من عدم دلالة الروايات الثلاث على قاعدة الميسور هو الأحرى بالقبول، وأما ما تبنّاه الشيخ الأنصاريّ فلا يمكن المساعدة عليه .


 


 


 


 


 


 


 


 


المبحث الثالث :أثر تنبيهات الاحتياط في الاستنباط الفقهيّ المعاصر


 


وفيه مطلبان :


 


الأوّل : أثر تنبيهات الاحتياط في فقه الحجّ المعاصر.


الثاني : أثر تنبيهات الاحتياط في  الأمور المعاصرة في غير فقه الحجّ .


 


 


 


 


 


المطلب الأوّل : أثر تنبيهات الاحتياط في فقه الحجّ المعاصر


وفيه مسائل :


 الأولى :  الطواف في الطابق العلوي  ، والمجسّر الحديديّ العلويّ .


 الثانية : السعي في الطابق العلويّ .


 الثالثة : السعي في المسعى الجديد ( في التوسعة العرضيّة للمسعى ) .


 الرابعة : رمي المقدار الزائد من الجمار الثلاث .


 الخامسة: المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة.


 


 


 


المسألة الأولى: الطواف في الطابق العلوي، والمجسّر الحديديّ العلويّ


بعد توسعة المسجد الحرام سنة 1407 هـ في زمن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز آل سعود اُستحدث مطاف جديد في الطابق العلويّ للمسجد الحرام، وكذلك المجسّر الحديديّ العلويّ في عام 1434 هـ، وقد تقوم السلطات – أحياناً – بتوجيه الحجاج بالطواف به، وخصوصاً في أيّام الحجِّ، وتحديداً كبار السنّ والعجزة أصحاب العربات المتحرّكة.


والمشهور بين الفقهاء – ومنهم السيّد السيستانيّ ([189]) والشيخ الفيّاض ([190]) وغيرهما – عدم الاجتزاء بالطواف به إذا كان الطابق العلويّ أعلى بناءً من البيت الحرام ([191]).


واحتاط السيّد محمّد الصدر في المسألة، وذهب إلى الاحتياط الوجوبيّ بعدم الاجتزاء بها للعاجز، بينما أفتى بعدم الاجتزاء في غير العاجز ([192]).


وأمّا الشيخ جعفر السبّحانيّ (معاصر) فذهب إلى تفصيل في صورة كون الطابق العلويّ (أو المجسّر) أعلى بناءً من البيت الحرام، وحاصله:


·       بالنسبة للمختار فلا يصحّ الطواف به.


·       بالنسبة للمضطرّين – كالعجزة والمعوّقين – الذين لا يُسمح لهم بالطواف في أرض المسجد فيطوفوا به، والأحوط الاستنابة أيضاً لو أمكنهم ذلك ([193]).


والمعروف أنَّ ارتفاع البيت حوالي ثلاثة عشر متراً، ومن خلال التجربة الشخصيّة التي قام بها الباحث وغيره اتّضح أنَّ الطابق الأول للمسجد الحرام والمجسّر الحديديّ – والذي يطوف به أصحاب العربات المتحرّكة – أعلى بناءً من المسجد بمقدار 30 – 50 سنتمر تقريباً.


وعليه فعمليّاً لا يجوز الطواف في الطابق العلوي وفق فتاوى مشهور الفقهاء المعاصرين. هذا إذا أحرز أنّه أعلى بناءً من الكعبة.


وأمّا في صورة الشكِّ في أنّه أعلى بناءً أم لا، فالاحتياط (+) يقتضي الجمع بين:


أ – النيابة عن العاجز في المطاف الأرضي.


ب – الطواف به في المجسّر الحديديّ ([194]).


تطبيقاً لقاعدة الاحتياط والاشتغال؛ فإنَّ اشتغال الذمّة اليقينيّ بلزوم الطواف حول البيت يقتضي فراغ الذمّة اليقينيّ، إذ لا سبيل لنا – في صورة الشكِّ في أنَّ المجسّر أعلى أو أدنى بناءً من الكعبة – لإحراز ما يفرغ الذمّة هل هو الاكتفاء بالنيابة فقط أو بالطواف به على المجسّر فقط ؟ فيكون الاكتفاء بأحدهما من باب الفراغ الاحتماليّ لا اليقينيّ، لذا اقتضى الاحتياط الجمع بين التكليفيّن ([195]).


وفي مقابل هذا القول أفتى قسمٌ آخر من الفقهاء بالاجتزاء بالطواف بالطابق العلوي وإنْ كان أعلى بناءً من البيت الحرام، كالسيّدين محمّد وصادق الشيرازيّ ([196])، وآخرين.


 


 


المسألة الثانية: السعي في الطابق العلويّ


قد شملت توسعة سنة 1407 هـ المسعى أيضاً، فقد اُستحدث فيه عدّة طوابق فوق الطابق الأرضي يتمّ السعي فيها، وخصوصاً عند الزحام، وأحياناً يوجَّه أصحاب العربات المتحرّكة للسعي به.


وقد ذهب مشهور الفقهاء المعاصرين إلى عدم جواز السعي به؛ إذ أنَّ السعي به ليس سعياً بين الجبلين – الصفا والمروة –، والمفروض أنَّ السعي لا يتحقّق إلاّ بينهما حصراً ([197]).


وفي صورة السعي بالعربة للمعذورين (للعاجزين) عند منع السلطات من السعي في الطابق السفليّ فالاحتياط يقتضي الجمع بين:


·         الاستنابة عنهم في الطابق السفليّ.


·         السعي بهم في الطابق العلويّ ([198]).


وأمّا الشيخ جعفر السبّحانيّ (معاصر) فذهب إلى تفصيل بين ما إذا تعذّر على المكلّف السعي على الأرض فيجوز السعي بالطابق العلويّ، وإلاَّ فلا يُكتفى به؛ إذ أنَّ الطابق العلويّ أعلى من رأسي الجبلين، فلا يصدق أنّه سعى بين الصفا والمروة ([199]).


وفي مقابل ذلك أفتى بعض الفقهاء – منهم الشيخ الفيّاض ([200]) – بجواز السعي في الطابق العلوي، وقد علّل ذلك بأنَّ السعي فيه يكون سعياً بين الجبلين؛ إذ أنَّ ارتفاع الطابق العلويّ لا يتجاوز ستّة أمتار تقريباً، ومن البعيد جدّاً أنْ لا يكون للجبل أثرٌ في هذا المقدار – الأمتار الستّة –، وقد افترض أنَّ الجبل في الحقيقة أعلى منه إلاّ أنَّ السلطات السعوديّة عمدت إلى رفعه وإزالته أبان التوسعة، وأنشأت عليه الفنادق والبنايات ([201]).


 


 


المسألة الثالثة: السعي في المسعى الجديد (في التوسعة العرضيّة للمسعى)


قامت السلطات السعوديّة في سنة 1429 هـ بعملية توسيع المسعى أيضاً من الجهة الجانبيّة له من ناحية الساحة الخارجيّة، وقد كان عرض المسعى قبل التوسعة المذكورة لا يتجاوز العشرين متراً، وبعد التوسعة أصبح عرض المسعى ما يقرب من أربعين متراً، وحينها وجّه لفيفٌ من المؤمنين استفتاءات إلى الفقهاء حول حكم السعي في الزيادة العرضيّة الحاصلة في المسعى.


وقد أجاب السيّد السيستانيّ بالتفصيل وحاصله:


أ – إنَّ المكلّف إنْ أحرز أنَّ المسعى الجديد واقعٌ بين الجبلين – ولو من خلال الرجوع إلى بعض الفقهاء في مسألة تشخيص الموضوع، أي أنّه واقعٌ بين الجبلين – فلا إشكال في جواز السعي به.


ب – وإنْ لم يحصل له الإحراز المذكور فالأحوط لزوماً (+) عدم الاجتزاء بالسعي به ([202]).


بينما أفتى السيّد محمّد سعيد الحكيم بجواز السعي في المسعى بمقدار خمسة وثلاثين متراً فقط، والأحوط وجوباً عدم الاجتزاء بالأمتار الخمسة المتبقّية ما لم يحصل اطمئنان للمكلّف بدخولها بين الجبلين ([203]).


وأفتى كلٌّ من الشيخ جعفر السبّحانيّ ([204])، والسيّد موسى الزنجانيّ([205])، الشيخ الفيّاض([206])، بجواز السعي في الزيادة المستحدثة، وأنّه لا إشكال فيه؛ لأنّها واقعةٌ بين الجبلين، وأنَّ المسعى كان أوسع ممّا هو اليوم عليه، وكان هناك امتدادٌ لجبلي الصفا والمروة إلى الجانب الشرقيّ من المسعى، وقد طرأت عليه التغييرات فيما بعد([207]).


بل حتّى مع الشكِّ في دخولها فلا بأس بالسعي فيها؛ لأنّه من باب الشكِّ في الشبهة المفهوميّة، وقد تقرّر في علم الأصول أنَّ الشكَّ في الشبهة المفهوميّة إنْ كان راجعاً إلى الشكِّ بين الأقلّ والأكثر فيكون مجرى لقاعدة البراءة.


بتقريب: إنَّ امتداد جبل الصفا لم يحدّد شرعاً بحدود معيّنة في الخارج، ومن هنا يكون الشكُّ في واقع مفهوم امتداده سعة وضيقاً. وعلى هذا فبما أنَّ الشكَّ فيه يكون شكّاً في مفهوم الامتداد فالشبهة مفهوميّة، وعليه فيرجع الشكُّ فيه في أنَّ المسعى الجديد (والطابق العلويّ) هل هو بين الصفا والمروة إلى الشكِّ في أنَّ الخطاب الشرعيّ في مرحلة الجعل المتعلّق بالسعي الموجّه إلى المكلّف هل هو متعلّقٌ بالسعي في المسعى القديم تعييناً أو بالجامع بين السعي في المسعى القديم والسعي في المسعى الجديد (والعلويّ) تخييراً، وهو عنوان أحدهما؟


فإذن يكون المقام داخلاً في كبرى مسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير في الشبهة الحكميّة، والمعروف جريان أصالة البراءة عن تعيين وجوب السعي في المسعى القديم.


فالنتيجة: أنَّ الحاجّ مخيّرٌ بين السعي في المسعى القديم والسعي في المسعى الجديد (أو العلويّ) ([208]).


 


والظاهر أنَّ الاحتياط الذي تبنّاه السيّد السيستانيّ هو الأحرى بالقبول، فإنّه طريق النجاة؛ وذلك لتعارض الشهادات الحسيّة من أهل الخبرة في مقدار عرض المسعى. ويتأكّد هذا الاحتياط باعتبار أنَّ السعي بين الصفا من الأركان التي يبطل الحجّ بتركها جهلاً ولو قصوراً فضلاً عن عمّا إذا كان عن علم وعمد .


 


 


المسألة الرابعة: رمي المقدار الزائد من الجمار الثلاث


فقد قامت السلطات السعوديّة قبل سنوات بعملية زيادة في طول وعرض الجمار الثلاث، بل وأنشأت عدّة طوابق لها؛ لغرض التخفيف من الزحام والتدافع الحاصل عند الرمي، وخصوصاً رمي جمرة العقبة (الجمرة الكبرى) في يوم العيد، وقد كان عرض الجمرة قبل الزيادة المذكورة متر تقريباً، وطولها قامة إنسان معتدل أو تزيد قليلاً (تقريباً متران)، وبعد الزيادة أصبح عرضها ما يقارب الثلاثين متراً عرضاً، وعدّة طوابق طولاً.


وعليه فإنَّ هناك زيادةً في طول وعرض الجمرة عمّا كانت عليه سابقاً، وقد تعامل الفقهاء مع هذا التطوّر الحاصل في مقدار وزيادة الجمار وكما يأتي:


فقد أفتى بعض الفقهاء منهم الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ ([209])، والشيخ الفيّاض ([210])، والسيّدين محمّد وصادق الشيرازيّ ([211])، والشيخ محمّد السند ([212]) إلى جواز رمي المقدار الزائد طولاً وعرضاً، سواء أكان الحاجّ متمكّناً من رمي المقدار المزيد عليه (الأصلي) أم لا.


وقد علّل الشيخ الفيّاض ذلك بأنَّ (الجمرة الموجودة في زمن المعصومين Dلم تبق جزماً، بل الجمرة الموجودة قبل سنين غير باقية؛ لأنّها دُفنت تحت الأرض، وبُنيت عليها بناية حديثة بارتفاع عدّة أمتار باسم الجمرة، وعلى هذا فوظيفة الحاجِّ رميها تنفيذاً لهذا الشعار الإسلاميّ الذي هو رمزٌ للابتعاد من أخطر عدوه...) ([213]).


وقد خالفهم أكثر المعاصرين – منهم السيّد الخوئيّ([214]) والسيّد السيستاني([215]) والسيّد الحكيم([216])، وغيرهم – وذهبوا إلى تفصيل حاصله:


أ – إذا كان الحاجّ متمكناً من رمي المقدار الأصلي (المزيد عليه) : فيتعيّن رميه على الأحوط وجوباً، أو الرجوع في حكم هذه المسألة إلى مَنْ يجوّز رمي المقدار الزائد مع مراعاة الأعلم فالأعلم.


ب – لم يكن متمكّناً من رمي المقدار الأصلي (المزيد عليه) : فيتعيّن الاحتياط بالجمع بين رمي المقدار الزائد بنفسه والاستنابة لرمي المقدار الأصليّ، أو الرجوع في حكم هذه المسألة إلى مَنْ يجوّز رمي المقدار الزائد مع مراعاة الأعلم فالأعلم ([217]).


بينما ذهب الشيخ جعفر السبّحانيّ إلى تفصيل آخر مفاده: أنّه (يجب الرمي باتّجاه الموقع الذي رماه إبراهيم A، والذي عُيِّن في السابق بالأسطوانة التي كانت محاطةً بحوض صغير، ويوجد الآن محلّ هذه الأسطوانة جدار مرتفع، يناهز طوله 8 أمتار تقريباً، فإنْ عُلم بوضوح اتّجاه الأسطوانة، فعلى المحرم أنْ يرمي هناك، وإلاَّ فيكفي رمي الجدار في أيِّ موقع منه) ([218]).


المسألة الخامسة: المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجة


إنَّ من الأمور الواجبة في الحجِّ المبيت بمنى ليلة الحادي عشر والثاني عشر من شهر ذي الحجّة ([219])، ولا يبطل الحجّ بترك المبيت، ولو كان ذلك عن علم وعمد، نعم تجب كفّارة شاة عن ترك المبيت في كلِّ ليلة ([220]).


وبعد ازدياد عدد الحجاج وخاصّة في السنوات الأخيرة حتّى بلغ ما يقارب ثلاثة ملايين حاجّ، اضطرّت السلطات السعوديّة إلى بناء خيم بعض الحجاج خارج منى، وكذلك في المناطق المشكوك كونها من منى، وكذلك عمدت السلطات إلى البناء العموديّ من خلال تشييد عمارات ذات طوابق متعدّدة تقع على السفح بالقرب من منطقة الجمرات.


أمّا حكم المبيت في المناطق الواقعة خارج منى فلا إشكال في عدم جوازه.


وأمّا المبيت في المناطق المشكوكة فقد ذهب مشهور المعاصرين – منهم السيّد الخوئيّ([221]) والسيّد السيستانيّ([222]) وآخرون – إلى عدم الاجتزاء به، وأنّه لابدَّ وأنْ يكون في منطقة (وادي) منى؛ للاحتياط فإنَّ اشتغال الذمّة اليقينيّ يقتضي فراغها اليقينيّ.


وقد خالف في ذلك الشيخ الفيّاض وذهب إلى جوازه؛ لنفس ما ذكرناه في مسألة السعي في المسعى الجديد، من أنّه شبهة مفهوميّة يشكّ فيها في الأقلّ والأكثر، وتكون مجرى لقاعدة البراءة ([223])، كما تقدّم تفصيل دليله عند الحديث في السعي في المسعى الجديد.


وأمّا المبيت في العمارات المشيّدة على سفح الجبل فذهب السيّد السيستانيّ إلى عدم الاجتزاء بالمبيت فيها، نعم لو تمَّ إزالة شيء من الجبل بحيث أصبح السفح جزءً من الوادي (وادي منى) فلا إشكال في المبيت فيه؛ إذ يعدّ جزءً من منى حينئذٍ، وكذلك يجوز المبيت في الجسور (الكباري) الموجودة ضمن حدود منى([224])، خلافاً للشيخ الفيّاض القائل بجواز المبيت على الجبال والسفوح المحيطة بمنى مطلقاً؛ إذ أنّها تعدّ جزءً من منى([225]).


 


 


 


 


 


المطلب الثاني : أثر تنبيهات الاحتياط في  الأمور المعاصرة في غير فقه الحجّ


وفيه مسائل :


الأولى : الحبر الجاف ونحوه في مواضع الوضوء أو الغسل .


الثانية : السجود على المحارم الورقيّة ( الكلينكس ) .


 الثالثة : خمس الأرباح في صورة التضخّم الماليّ.


الرابعة  : الحكم عند الشكّ في حقيقة الفقاع ( البيرة ) .


 الخامسة : تلقيح المرأة بماء رجل أجنبيّ .


 السادسة : لزوم العدّة على المرأة التي زرع فيها بويضة مخصّبة .


 السابعة : دوران  انتساب الولد بين صاحبة الرحم وصاحبة البويضة .


 الثامنة : تولّي النساء المناصب العليا ( السلطة ) . 


 


المسألة الأولى: الحبر الجاف ونحوه في مواضع الوضوء أو الغسل


اتّفقت كلمات الأعلام على لزوم عدم وجود حاجب (مانع) على أعضاء الوضوء والغسل عند الطهارة الحدث، أصغراً كان أم أكبر، فيجب رفع كلُّ ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة ([226]).


وعليه فقد قسّم الفقهاء الشيء الطارئ على أعضاء الوضوء والغسل إلى أقسام ثلاثة:


الأوّل: أنْ يتيقّن أنَّ الموجود لا يكون مانعاً من وصول الماء إلى ما تحته، أي لا يكون له جرمٌ حائلٌ من وصول الماء إلى البشرة، كأكثر الأصباغ الغذائيّة.


حكمه: لا إشكال في جواز الوضوء أو الغسل معه، ولا يضرّ وجوده، ولا يمنع من الحكم بصحّة الوضوء والغسل.


الثاني: أنْ يتيقّن أنَّ الموجود يكون مانعاً من وصول الماء إلى ما تحته، أي يكون له جرمٌ حائلٌ، كالقير والأصباغ النايلونيّة (صبغ البويه) ونحوهما.


 حكمه: لا إشكال في عدم جواز الوضوء أو الغسل معه، ويلزم رفعه قبل الطهارة من الحدث.


الثالث: عدم العلم (الشكّ) في كون الموجود مانعاً من وصول الماء إلى ما تحته أم لا ؟ كالحبر الموجود في قلم الجاف ونحوه، والذي كثيراً ما يبتلي به المكلّفون خصوصاً العاملين في مجال الكتابة والبحث.


حكمه: لابدَّ من إزالته قبل الوضوء والغسل ([227])؛ لأصالة الاحتياط، فإنَّ اشتغال الذمّة اليقينيّ يقتضي فراغ الذمّة اليقينيّ، وبما أنّنا مشغولون الذمّة بإيصال الماء إلى البشرة، فنشّك – مع وجود هذا الشيء المشكوك المانعيّة – في وصول الماء إلى البشرة، ونشكّ بفراغ الذمّة في صورة الوضوء مع وجوده، فلابدَّ من رفعه؛ تحصيلاً لفراغ الذمّة اليقينيّ.


وتجدر الإشارة إلى أنَّ المورد ممّا كثر الابتلاء به في هذا الزمان خصوصاً عند بعض الشباب الذين يستعملون مادّة الجل؛ لتصفيف الشعر.


وحكمه لزوم رفع الجل إذا شكَّ في كونه مانعٌ من وصول الماء (الرطوبة) إلى البشرة أو الشعر ([228])؛ تطبيقاً لقاعدة الاحتياط.


 


 


تفريع: الحبر المستعمل في الانتخابات


وفي الضوء الأقسام الثلاثة المتقدّمة فإنَّ حبر الانتخابات إنْ كان له جرمٌ، فهو يؤثّر على صحّة الطهارة من الحدث – غسلاً كان أم وضوءً أم تيمّماً –، وأمّا في صورة الشكِّ فيلزمه رفعه، فإنْ يمكنه ذلك فالاحتياط الوجوبيّ يقتضي الجمع بين:


·         الوضوء إنْ كان محدثاً بالأصغر، أو الغسل إنْ كان محدثاً بالأكبر.


·         والتيمّم ([229]).


نعم إذا أحرز أنّه مجرّد لون وليس جرماً، فلا بأس به، وتصحّ الطهارة معه.


 


 


المسألة الثانية: السجود على المحارم الورقيّة (الكلينكس)


المعروف بين الفقهاء لزوم السجود على ما يصحّ السجود من الأرض أو ما أنبتته من غير المأكول والملبوس، واستثنوا السجود على القرطاس المعدّ للكتابة إذا كان مصنوعاً ممّا يجوز السجود عليه أو من القطن أو الكتّان ([230]) .


ووقع الكلام في حكم السجود على المحارم الورقيّة (الكلينكس). وفيه صور:


الأولى: ما إذا تيقّن أنّها مصنوعةٌ ممّا يصحّ السجود عليه.


حكمه: لا إشكال في جواز السجود عليه.


الثانية: ما إذا تيقّن أنّها مصنوعةٌ من مواد لا يصحّ السجود عليه، كما لو أُنتج من مواد صناعيّة.


حكمه: عدم صحّة السجود عليه.


الثالثة: ما إذا شكَّ في أنّها مصنوعةٌ من مواد يصحّ السجود عليها أم لا.


حكمه: لا يجوز السجود عليها([231])؛ لأصالة الاحتياط، فإنَّ اشتغال الذمّة اليقينيّ يقتضي فراغ الذمّة اليقينيّ.


 


المسألة الثالثة: خمس الأرباح في صورة التضخّم الماليّ


إذا خمّس المكلّف رأس ماله، وبمرور سنة ماليّة زاد رأس ماله بسبب التضخّم الناجم عن زيادة حجم النقود المتداولة، ولكن البضاعة لم تتغيّر بل بقي مقدارها ثابتاً. فيقع التساؤل عن صدق الربح على الزيادة الحاصلة من التضخّم ليتعلّق به الخمس أم لا ؟


والجواب: أنّه يصدق عليه الربح في هذه الحالة؛ لأنَّ التذبذبات المحدودة وقصيرة المدّة لم يعترف بها حتّى الآن في عرف السوق، ويقتصر بحثها على المحافل العلميّة. بمعنى أنّه في المجتمعات الحاليّة تُراعى أصغر التغييرات في التضخّم في حساب الديون والمطالبات في عرف السوق.


فمثلاً: تقوم المصارف في هذه البلدان كلّ عام بإضافة فرق التضخّم إلى فوائد الودائع عند دفعها، وهذا يعني أنَّ حساب التضخّم يعتبر من الأصول الاقتصاديّة. ففي هذه البلدان يمكن ملاحظة التضخّم في جميع المعاملات التجاريّة.


وأمّا في البلدان الأخرى – كالعراق وإيران مثلاً – فإنَّ هذا الموضوع مقصورٌ على المحافل العلميّة فقط، ومن المعلوم أنَّ المسائل الفقهيّة تدور مدار الموضوعات العرفيّة لا الموضوعات الخاصّة بالمحافل العلميّة ([232]).


ومع صدق الزيادة الموجبة للزوم الخمس والشكِّ في سقوطه في الفرض المذكور فتجري أصالة الاشتغال والاحتياط في المقام؛ فإنَّ اشتغال الذمّة اليقينيّ يقتضي الفراغ اليقينيّ.


 


 


 


المسألة الرابعة: الحكم عند الشكّ في حقيقة الفقاع (البيرة)


الفقاع أو يسمّى عند أهل العصر بـ (البيرة) (+) من الأعيان النجسة لدى فقهاء الإماميّة، ولذا يحرم تناولها، والحكم المذكور من جهة النجاسة والحرمة فيه سواء أكان حقيقة الفقاع ما اتّخذ من الشعير أم من غيره , وهذا ما عليه بعض الفقهاء ([233]).


بيد أنَّ بعضاً من متأخّري فقهاء الإماميّة يرون أنَّ الحكم المتقدّم – أي النجاسة والحرمة – يخصّ المتّخذ من الشعير ([234])؛ وذلك لأنَّ حقيقة الفقاع مشكوكٌ فيه فهل الفقاع خصوص المتّخذ من ماء الشعير فقط أو المتّخذ منه ومن غيره ؟


بمعنى أنَّ هناك شكّاً في الموضوع – الفقاع – من جهة ضيق وسعة المفهوم، ومن المعلوم أنَّ الحكم تابعٌ لموضوعه سعة وضيقاً.


ونلاحظ أنَّ هناك قدراً متيقّناً للحكم بكون الشراب فقاعاً وذلك في صورة المتّخذ من ماء الشعير. وهذا لا خلاف فيه، وإنّما الخلاف في المتّخذ من غير ماء الشعير، فهل يكون فقاعاً أيضاً ليترّتب عليه حكمه أو لا ([235]) ؟


ونجد ذلك بوضوح في الشركات العالميّة اليوم المعنية بتصنيع الفقاع (البيرة) فإنَّ بعضاً منها تصنّعه من الشعير، وأخرى من غيره. لذا اقتضى البحث أنْ يسلط الضوء حول حكم الشكِّ في مادّة تصنيعه.


وفي المسألة صورتان:


الأولى: ما إذا أحرز وعلم أنَّ هذا الشراب (السائل) متّخذٌ من ماء الشعير. وحكم هذه الصورة محلّ اتّفاق بين الفقهاء في الحكم بكون الشراب فقاعاً، ويترّب عليه حكمه.


الثانية: ما إذا أحرز أنَّ هذا الشراب متّخذٌ من غير ماء الشعير. وهو محلّ الكلام في مسألتنا.


والمعروف بين الأعلام اقتصارهم في الحكم – النجاسة والحرمة – بخصوص المتّخذ من الشعير؛ لأنّه القدر المتيقّن , وأمّا المتّخذ من غير الشعير فمشكوكٌ فيه فتجري بلحاظه أصالة البراءة ([236]).


وبعبارة أخرى: إنَّ حقيقة الفقاع مردّدٌ بين المتّخذ من خصوص الشعير فقط (الأقلّ)، أو المتّخذ من الشعير وغيره (الأكثر)، فالدوران في هذه المسألة من دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الاستقلاليّين , فالمتّخذ من الشعير يحكم بحرمته ونجاسته بلا إشكال , وأمّا المتّخذ من غير الشعير فلا يحكم فيه بالحرمة والنجاسة.


 


وتجدر الإشارة إلى أنَّ الفرق بين هذه المسألة والمسألة التي ذكرناها في تطبيقات البراءة من الحكم بجواز بيع وشرب ماء الشعير الموجود في الأسواق وعدم الحكم بنجاسته ما لم يحصل العلم أو الاطمئنان بكونه فقاعاً، أنَّ المسألة السابقة تتحدّث عن سائل مصنوع من ماء الشعير، وأنّه لا شكَّ في مكوناته ومحتوياته، إلاَّ أنّنا نشكَّ أنَّ ماء الشعير هذا الموجود في الأسواق هل صار فقاعاً أم لا ؟ أي نشكّ هل وصل من خلال إجراء بعض الإضافات وطريقة التصنيع إلى صيرورته فقاعاً أو لا ؟ أي الشكّ في الموضوع الخارجيّ بعد إحراز مفهومه (عنوانه) بحسب الأدلّة. فالمسألة هناك من موارد الشبهة المصداقيّة.


وأمّا مسألتنا الآن فالشكَّ في مفهوم (عنوان) الفقاع وأنّه خصوص المتّخذ من ماء الشعير أم الأعمّ منه ومن غيره. فالمسألة هنا من موارد الشبهة المفهوميّة.


 


المسألة الخامسة: تلقيح المرأة بماء رجل أجنبيّ


جرت في السنوات الأخيرة عمليات غير قليلة لتلقيح بويضة المرأة بماء الرجل بواسطة حاضنة خارجيّة (رحم صناعيّ) شبيهة بالرحم الطبيعيّ. وذهب أكثر الفقهاء إلى جواز هذه العمليّة بعنوانها الأوّليّ فيما إذا كان التلقيح بماء الزوج، واختلفوا فيما إذا كان بما رجل أجنبيّ وخصوصاً إذا كان من محارمها.


وتجدر الإشارة إلى أنَّ طريقة الشرع وتحذيره وتشديده في أمر الفروج، ومبدأ تكّون الولد أنّها لا تستباح إلاَّ بإذن شرعيّ، فمجرّد احتمال الحرمة كافٍ في وجوب الكفِّ والاحتياط، وقد دلّ على الاحتياط عددٌ من الروايات منها:


صحيحة شعيب الحدّاد قال: ((قلت لأبي عبد الله (A) رجلٌ من مواليك يقرأك السلام وقد أراد أنْ يتزوّج امرأة وقد وافقته وأعجبه بعض شأنها، وقد كان لها زوجٌ فطلّقها على غير السنّة، وقد كره أنْ يقدم على تزويجها حتّى يستأمرك فتكون أنت تأمره ؟ فقال أبو عبد الله (A): هو الفرج وأمر الفرج شديد، ومنه يكون الولد ونحن نحتاط فلا يتزوّجها)) ([237]).  وخبر العلا بن سيابة عن الإمام الصادق (A) عن امرأة وكّلت رجلاً بأنْ يزوّجها من رجل إلى أنْ قال: فقال (A): ((إنَّ النكاح أحرى وأحرى أنْ يحتاط فيه، وهو فرجٌ ومنه يكون الولد)) ([238]).


والمعروف عدم جواز مثل هذه عمليات، وأنَّ أصالة الاحتياط جاريةٌ في المقام عند الشكِّ في مشروعيّة مثل هذه الوسائل، وقد (عُلّل عدم جواز النكاح بمطلوبيّة الاحتياط ولزومه في هذا الباب من ناحية أنَّ منه يكون الولد، ومقتضى عموم العلّة لزوم الاحتياط فيما هو مبدأ تكوّن الولد، وعليه فلو شُكَّ في جواز التلقيح الصناعيّ لا سبيل إلى الرجوع إلى البراءة، بل المرجع هو أصالة الاحتياط المتّفق عليها في هذا الباب. فالأظهر عدم جواز التلقيح بنطفة رجل              أجنبيّ) ([239])، وحرمة هذه العمليّة المؤدّية إلى اختلاط الأنساب، كما أنَّ حكم معاملة الرحم المستأجَرة باطلةٌ؛ لأنّها معاملةٌ على عمل محرّم، ولا تستحقّ المرأة الأجرة، وإذا أخذتها فيجب عليها إرجاعها إلى صاحبها ([240]).


وقد صرّح بعض الأعلام بعدم جوازه كالسيّد الخوئيّ([241])، والسيّد السيستانيّ ([242])، وآخرين ([243]).


واحتاط آخرون في المسألة كالسيّد محمّد سعيد الحكيم ([244]).


فقد ذكر السيّد السيستانيّ أنّه (لا يجوز تلقيح المرأة بمنيّ غير الزوج، سواءً أكانت ذات زوج أم لا، و ]سواءً[ رضي الزوج والزوجة بذلك أم لا، ]وسواءً أ[ كان التلقيح بواسطة الزوج أم لا) ([245]).


وقال السيّد محمّد سعيد الحكيم أنَّ (الأحوط وجوباً ] عدم جواز [ تلقيح بويضة المرأة بحيمن الرجل الأجنبي تلقيحاً صناعيّاً خارج الرحم، بحيث ينتسب الكائن الحيّ لأبوين أجنبيّين ليس بينهما سبب محلَّلٌ للنكاح) ([246])، و (لا يترتّب الزنى ولا يجب الحدّ، وإنّما هو ] عملٌ [ محرّمٌ لا غير) ([247]).


وتجدر الإشارة إلى أنَّ السيّد محمود الهاشميّ ([248])، والسيّد عليّ الخامنئيّ ([249]) قد ذهبا إلى جواز تلقيح المرأة بنطفة رجل أجنبيّ، وأنّه لا مانع منه في حدّ نفسه؛ ولعلّه لجريان أصالة البراءة في المقام (+)، ولكن يجب الاجتناب عن المقدّمات المحرّمة من قبيل النظر واللمس الحرام وغيرهما. ويرث كلّ منهما الآخر؛ لأن المستثنى من الإرث هو ولد الزنا، وهو ليس كذلك ([250])، ولكن الأفضل تجنّب الحمل بهذه الطريقة مهما أمكن ([251]).


 


 


المسألة السادسة: لزوم العدّة على المرأة التي زرع فيها بويضة مخصّبة


إذا تمَّ زرع البويضة المخصّبة بحويمن الزوج في رحم غير المدخول بها فلم تنزرع، ثمَّ انفصلت بالطلاق – مثلاً – فيقع السؤال عن وجوب العدّة عليها أو لا ؟


ومثله السؤال عن وجوب العدّة فيما إذا كان المزروع هي البويضة المطّعمة بخليّة غير جنسيّة من بدن الزوج – بناءً على تحقّق الانتساب بها – ؟


وفي جوابه وجهان (احتمالان):


الأوّل: قصور أدلّة العدّة عن ثبوتها في المقام، وهذا يقتضي جريان البراءة عن لزوم العدّة (+ +).


الثاني: استبعاد التفكيك بين المقام وبين نظائره كـ:


أ – المدخول بها – غير الصغيرة واليائسة – التي يعلم عدم حملها من زوجها.


ب – غير المدخول بها إذا دخل ماؤه في مهبلها ولكن عُلم عدم حملها منه؛ لمصادفته أيّام عدم خصوبتها.


فإنّه لا إشكال بين الفقهاء في ثبوت العدّة عليهما بالطلاق ونحوه؛ نظراً إلى التنصيص عليه في بعض الأدلّة، وإطلاق بعضها الآخر ([252])، ومن المعلوم أنَّ عدم اختلاط المياه وحفظ الأنساب حكمة لتشريع العدّة على المطلّقة ومَنْ بحكمها، وليس علّةً له ليدور مداره وجوداً وعدماً ([253]).


وهذا يقتضي الاحتياط بلزوم العدّة عليها (+).


والراجح من هذين الاحتمالين هو الثاني؛ لعدم الفرق بينها وبين المرأة في الموردين (أ + ب).


 


 


 


المسألة السابعة: دوران انتساب الولد بين صاحبة الرحم وصاحبة البويضة


إذا حصل الحمل نتيجة تخصيب البويضة المأخوذة من امرأة بحويمن الرجل ثمَّ زرعها في رحم امرأة أخرى.


 والمحتملات فيها أربعة:


الأوّل: أنْ لا يكون أيّ من المرأتين أمّاً للوليد.


دليله: إنَّ الأمّ هي الأنثى التي يتكوّن الولد من بويضتها بعد التحامها بحويمن الذكر أو ما بحكمه وتحتضنه في رحمها مدّة الحمل، فإذا لم تكن البويضة منها أو لم تكن هي الحامل للجنين فلا تستحقّ اسم الأمّ.


الثاني: أنْ تكون كلٌّ من المرأتين أمّاً للوليد. ورجّحه السيّد عليّ الخامنئيّ في الجملة بعد أنَّ ألحق الوليد بصاحبة البويضة بنحو فتوى، وبصاحبة الرحم بنحو الاحتياط ([254]).


دليله: إطلاق الآيات المباركة والروايات الشريفة على إطلاق الأمّ على:


أ – صاحبة البويضة التي تنقل صفاتها الوراثيّة.


ب – صاحبة الرحم التي تحمل الجنين ثمَّ تضعه.


وغاية ما يستفاد من هذه الأدلّة أنَّ صاحبة البويضة أمٌّ، كما أنَّ الحامل بالجنين أمٌّ، ولا ضير في تعدّد الأمومة النسبيّة.


الثالث: أنْ تكون صاحبة البويضة هي الأمّ للوليد دون صاحبة الرحم، وصرّح به السيّد محمود الهاشميّ ([255])، وهو ظاهر السيّد محمّد سعيد الحكيم، فقد ذكر أنّه (إذا كان مبيض الزوجة عاطلاً عن العمل ] وقد [ اُخذ بيضة من امرأة أجنبيّة وإخصابها بحيامن الزوج ومن ثَمَّ زرعها في رحم الزوجة... فإنّه ينسب للزوج وللأجنبيّة صاحبة البويضة. لكن في ترتّب التوارث بينه وبينهما إشكال، واللازم التصالح) ([256]). وقريبٌ منه ما تبنّاه الشيخ ناصر مكارم الشيرازيّ مضيفاً إلى أنَّ (الحاضنة ] صاحبة الرحم [ بمنزلة أُمّه بالرضاعة وتحرم عليه) ([257])، ولا إرث ولا نسب بينهما، والوليد من محارم صاحبة الرحم فقط، نعم يلزم أخذ إذنها في العمليّة المذكورة. وأمّا أُمّه حقيقةً فصاحبة البويضة، وأمّا صاحبة الرحم فتكون بحكم أمّه الرضاعيّة ([258]).


دليله: إنَّ الأمّ لغة أصل كلِّ شيء وعماده ([259])، وإنّما يطلق على المرأة باعتبار أنَّ أصل الجنين منها، ومعلوم أنَّ أصل الجنين من البويضة التي تفرزها المرأة، وأمّا احتضان البويضة في الرحم وتغذيتها عن طريق الدم فهو يشبه احتضان الوليد وإرضاعه، فكما أنَّ أمومة المرضعة الحاضنة ليست أمومة حقيقيّة فكذلك أمومة صاحبة الرحم؛ إذ لا دور لها في الصفات الوراثيّة التي يكتسبها الطفل.


الرابع: أنْ تكون صاحبة الرحم هي الأمّ للوليد دون صاحبة البويضة. وهذا الاحتمال تبنّاه جمعٌ من الفقهاء منهم السيّد الخوئيّ ([260]).


دليله: قوله تعالى: [ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ] ([261]).


 بتقريب: إنَّ الولادة لغةً وعرفاً هي وضع المرأة جنينها ([262])، والآية الكريمة دالّةٌ على حصر الأمّ في التي تلد الطفل، فهي حاسمةٌ للنزاع فيما هو المناط في صدق اسم الأمّ، ولا مجال معها لأيٍّ من الاحتمالات الثلاثة الأولى ([263]).


وذكر تلميذه السيّد محمّد رضا السيستانيّ أنَّ أقوى المحتملات هو الاحتمال الرابع، ويأتي بعده الاحتمال الثاني، وأمّا الاحتمال الثالث فممّا لا يمكن المساعدة عليه، وأمّا الاحتمال الأوّل فهو ضعيف للغاية ([264]).


وتجدر الإشارة إلى أنَّ السيّد السيستاني قد احتاط في المسألة، فذكر أنّه (لو نقلت بويضة المرأة الملقّحة بحويمن الرجل إلى رحم أخرى فنشأ فيها وتولّد ففي انتسابه إلى صاحبة البويضة أو إلى صاحبة الرحم إشكالٌ فلا يترك الاحتياط (+) فيما يتعلّق بذلك من أحكام الأمومة والبنوّة، نعم لا يبعد ثبوت المحرّميّة بينه وبين صاحبة الرحم وإنْ لم يحكم بانتسابه إليها) ([265])، والمتحصّل (أنّه مع عدم الوصول إلى نتيجة حاسمة في تشخيص مَنْ هي الأمّ النسبيّة للولد، هل هي صاحبة البويضة أو صاحبة الرحم ؟ فالمرجع الأصول الحكميّة... ولكن هذا مع عدم حصول العلم الإجماليّ بالحكم الإلزاميّ للطرف المعني من الولد أو المرأتين أو الآخرين، وإلاَّ ] مع حصول العلم الإجماليّ فـ [ يلزم رعاية الاحتياط) ([266]).


 


 


 


 


المسألة الثامنة: تولّي النساء المناصب العليا (السلطة)


بعد ما أخذت الديمقراطيّة مأخذها في المجتمعات الغربيّة منذ قرون من الزمن، ها قد حطّت بظلالها في المجتمع الإسلاميّ، وتحديداً في العراق بعد سقوط النظام السابق، إذ أنَّ المرأة جزءٌ من الأمّة، والمعروف أنّه ليس لأيِّ فرد أو جماعة أو سلطة نصيبٌ من الحاكميّة، والمشرّع هو الله سبحانه وتعالى و " الحاكميّة لله تعالى وحده بلا شريك "، فقد وقع الكلام في جواز أنْ تتقلّد المرأة للمناصب الآتية في الدولة الإسلاميّة:


1 – الرئاسة العليا للبلاد.


2 – رئاسة الوزراء.


3 – الوزارة بأنواعها: التفويضيّة، التنفيذيّة، والاستشاريّة.


4 – قيادة الجيوش بأنواعها.


5 – الإمارة على الجهاد ضد المشركين.


6 – قيادة حروب المصالح، مثل قتال أهل البغي من المسلمين والمخالفين، والمحاربين وقطّاع الطرق.


7 – ولاية الشرطة.


8 – ولاية الاستخبارات (الشرطة السرّيّة) ([267]).


 وقد ذهب أكثر الفقهاء إلى عدم جواز تولّيها لبعض المناصب كرئاسة البلاد ونحوها، معلّلين ذلك بـ (أنَّ مجرّد الشكِّ في جواز تولّي المرأة لرئاسة الدولة كافٍ في الحكم بعدم الجواز؛ لأنَّ الأصل الأوّليّ في باب الولايات هو عدم ثبوت الولاية لأحد على أحد، وليس لدينا في المقام عمومٌ أو إطلاق لفظيّ يدعى شموله للمرأة، فيجب الاقتصار فيما خالف الأصل على المقدار المتيقّن وهو الرجل) ([268])، وأنَّ أصالة الاحتياط والاشتغال محكّمةٌ في المقام، مضافاً لدعوى الإجماع ([269]).       وفي قبال ذلك ذهب الشيخ محمّد إسحاق الفيّاض إلى جواز أنْ تتولّى المرأة المناصب العليا.


وقد استدلّ على ذلك بما حاصله: إنَّ المرأة المسلمة إذا سترت بدنها وهندامها من الأجنبيّ، مع المحافظة على كرامتها وشرفها وعفّتها... جاز لها التصدّي لكلِّ عمل لا ينافي واجباتها في الإسلام، سواء أكان ذلك العمل عملاً اجتماعيّاً – كرئاسة الدولة مثلاً – أو غيرها من المناصب، أم فرديّاً كقيادة السيّارة والطائرة ونحوها ([270]).


وبالجملة: إنَّ ذهاب المشهور بمنع المرأة من التصدّي لهذه الأمور ناشٍ من دعوى الإجماع، والحال أنّه ليس بحجّة في المقام ما لم يحرز ثبوته في زمن المعصومين (D)، ووصل إلينا من ذلك الزمان يداً بيد وطبقة بعد طبقة، ولا طريق لنا إلى إحراز ذلك أصلاً.


فالنتيجة: أنَّ للمرأة التصدّي لجميع المناصب بشرطين:


1 – المحافظة على كرامتها وعفّتها وصلابتها في الإيمان وسترها الإسلاميّ وشرفها.


2 – أن لا ترتكب عملاً محرّماً.                                    ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة ([271]).



) [1]) ظ الخراسانيّ، محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 94 – 95. ظ المروّج، محمّد جعفر: منتهى الدراية، 6 / 8.


(+) الشروط الذهنيّة: هي الّتي تكون متّحدة مع المشروط في الخارج كالقصر والإتمام والجهر والإخفات.


(+ +) الشروط الخارجيّة: هي الّتي لا تتّحد مع المشروط في الخارج كالطهارة والاستقبال وغيرهما بالقياس إلى الصلاة.                   ظ القزوينيّ، السيّد عليّ الموسويّ: تعليقة على معالم الأصول، 6 / 12.


) [2]) ظ القزوينيّ، السيّد عليّ الموسويّ: تعليقة على معالم الأصول، 6 / 12.


) [3]) ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 102 – 105.


) [4]) ظ فرائد الأصول، 2 / 425.


) [5]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 94 – 102.


) [6]) ظ درر الفوائد (درر الأصول)، 2 / 119.


) [7]) ظ مقالات الأصول، 2 / 244 – 245.


) [8]) ظ الصافي الأصفهانيّ، الشيخ حسن: الهداية في الأصول (تقريرات بحث السيّد الخوئيّ)، 3 / 397 و 401.


) [9]) ظ أنوار الهداية، 2 / 209 – 210.


) [10]) ظ كفاية الأصول، 3 / 102 – 105.


) [11]) ظ فوائد الأصول (المطبوع ضمن حاشية رسائل الشيخ الأعظم)، ص 95.


) [12]) كفاية الأصول، 3 / 102 – 103.


) [13]) كفاية الأصول، 3 / 102 – 103.


) [14]) ظ فرائد الأصول، 2 / 233.


) [15]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 51.


) [16]) م، ن.


) [17]) ظ كفاية الأصول، 3 / 105 – 109.


) [18]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 338.


) [19]) كفاية الأصول، 3 / 105 – 106.


) [20]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 601.


) [21]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 395.


) [22]) ظ أنوار الهداية، 2 / 214 – 219.


) [23]) الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 51 – 52.


) [24]) كفاية الأصول، 3 / 106.


) [25]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 338. ظ هامش المحقّق العراقيّ على فوائد الأصول ، 4 / 52.


) [26]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 602 – 60.


) [27]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 395 – 396.


) [28]) ظ أنوار الهداية، 2 / 214 – 219.


) [29]) ظ فرائد الأصول، 2 / 238.


) [30]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 55 – 58.


) [31]) للتفصيل ينظر: الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، 2 / 238. الكاظميّ، محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 55 – 58. الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 108 – 109.


) [32]) ظ كفاية الأصول، 3 / 108.


) [33]) ظ أنوار الهداية، 2 / 221.


) [34]) ظ الخراسانيّ، محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 108. ظ المروّج، محمّد جعفر: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، 6 / 96.


) [35]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 342.


) [36]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 395 – 396.


(+) الشبهة المفهوميّة: هي عدم العلم بانطباق العنوان على المصداق (الفرد) الخارجيّ؛ لعدم معرفة حدود العنوان، كما لو لم نعلم صدق الغناء على صوت خاصّ؛ لعدم علمنا بحدود وعنوان الغناء. ظ الحكيم، السيّد عبد الهادي: الفقه للمغتربين ، ص 49.


) [37]) ظ روض الجنان (الطبعة الحجريّة)، مؤسسة آل البيت (D)، 1404 هـ، ص 224.


) [38]) ظ فرائد الأصول، 2 / 268.


) [39]) ظ مدارك الأحكام، مؤسسة أهل البيت (D) لإحياء التراث، 1410 هـ، 3 / 353.


) [40]) ظ اليزديّ، السيّد محمّد كاظم: العروة الوثقى، 1 / 41.


) [41]) ظ النورانيّ، الشيخ مصطفى الأردبيليّ: قواعد الأصول، 3 / 89.


) [42]) ظ فرائد الأصول، 2 / 433 و 438.


وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا التعريف هو الذي فهمه أكثر مَنْ تأخّر عن الشيخ الأنصاريّ كالمحقّقين النائينيّ والعراقيّ والحائريّ، والسيّدين الخمينيّ والروحانيّ، وغيرهم. للتفصيل ينظر: أجود التقريرات، 3 / 472. نهاية الأفكار، 3 / 328. درر الفوائد، ص 471. تهذيب الأصول، 2 / 290. منتقى الأصول، 5 / 140.


بينما شكّك بعض الباحثين بهذه النسبة إلى الشيخ الأنصاريّ قائلاً: (والعجيب من بعض الأعلام نسبتهم هذا التعريف إلى الشيخ الأعظم ] الأنصاريّ [، والحال أنّه في نهاية البحث قد صرّح بعدم وثوق نفسه الشريفة بشيءٍ من التعاريف التي ذكرها، ومنها هذا التعريف). القطيفيّ، ضياء السيّد عدنان: مشكاة الأصول (تقرير بحث السيّد حسين الشمس في العلم الإجماليّ وتنبيهات الاشتغال)، مؤسسة بوستان كتاب، قم – إيران، 1428 هـ، ص 156 – 157.


) [43]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 23.


) [44]) ظ البجنورديّ، السيّد حسن بن عليّ أصغر الموسوي: منتهى الأصول،2 / 284.


) [45]) ظ البجنوردي، السيّد حسن بن عليّ أصغر الموسوي: منتهى الأصول، 2 / 284.


) [46]) ظ كفاية الأصول، 3 / 110.


) [47]) ظ تحريرات في الأصول، 7 / 425.


) [48]) إرشاد السائل، ط الأولى، دار الصفوة، بيروت – لبنان، 1413 هـ، ص 195 – 196.


) [49]) ظ الأصول العامّة للفقه المقارن، ص 517 – 518.


) [50]) ظ الكاظميّ: فوائد الأصول (تقريرات النائينيّ)، 4 / 117. ظ الخوئيّ: أجود التقريرات (تقرير النائينيّ)، 3 / 471 و 472.


) [51]) ظ الهاشمي، السيّد محمود: بحوث في علم الأصول (تقرير بحث السيّد محمّد باقر الصدر)، 5 / 234.


) [52]) ظ القطيفيّ، ضياء السيّد عدنان: مشكاة الأصول (تقرير بحث السيّد حسين الشمس)، ص 158.


) [53]) ظ الحكيم، السيّد محمّد تقي: الأصول العامّة للفقه المقارن، ص 517.


) [54]) مقالات الأصول، 2 / 241.


) [55]) ظ حجّتيّ: حاشية على كفاية الأصول (تقرير بحث السيّد حسين البروجرديّ)، 2 / 287 – 289.


) [56]) ظ اليزديّ، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي: العروة الوثقى (الطبعة المحشّاة بتعليقات الأعلام)، 1 / 110.


) [57]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 26.


) [58]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 20. وتجدر الإشارة إلى إنَّ مقرّر بحث السيّد الخوئيّ قد ذكر ما يأتي: (لم يظهر لنا معنى محصّل مضبوط للشبهة غير المحصورة). البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 375.


) [59]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 20.


) [60]) ظ صراط النجاة، تعليق: الميرزا جواد التبريزيّ، 2 / 429.


) [61]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 24.


) [62]) ظ مباني منهاج الصالحين، نشر وطبع: دار السرور، بيروت – لبنان، 1418 هـ، 1 / 241.


) [63]) ظ منهاج الصالحين، 2 / 13.


) [64]) منهاج الصالحين، 1 / 20. وللتفصيل ينظر: اليزديّ، محمّد كاظم: العروة الوثقى (الطبعة المحشّاة بتعليقات الأعلام)، 1 / 109. مركز المعجم الفقهي: المصطلحات، ص 1452. فتح الله، الدكتور أحمد: معجم ألفاظ الفقه الجعفري، ص 241.


) [65]) ظ القمّي، السيّد تقي الطباطبائي: مباني منهاج الصالحين، 1 / 241.


) [66]) ظ أنوار الهداية، 2 / 231.


) [67]) منهاج الصالحين، 1 / 33.


) [68]) ظ منهاج الصالحين، ط السابعة، مؤسسة الفقه ومعارف أهل البيت (D)، 1434 هـ، 1 / 28.


) [69]) ظ فرائد الأصول، 2 / 257 و 265.


) [70]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 331.


) [71]) ظ كفاية الأصول، 3 / 109.


) [72]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 375 – 376. ظ الهاشمي، السيّد محمود: بحوث في علم الأصول (تقرير بحث السيد محمد باقر الصدر)، 6 / 142.


) [73]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 118 – 119.


) [74]) ظ أنوار الهداية، 2 / 228. ظ السبّحانيّ، الشيخ جعفر: تهذيب الأصول (تقرير بحث السيّد الخمينيّ)، 2 / 395.


) [75]) ظ الأحكام الواضحة، ط الخامسة، مركز فقه الأئمّة الأطهار (D)، مطبعة اعتماد، قم – إيران، 1424 هـ، ص 17.


) [76]) ظ الشيرازيّ، السيّد مرتضى الحسينيّ: الأوامر المولويّة والإرشاديّة، ط الأولى، دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع، بيروت – لبنان، 1431 هـ، ص 191.


) [77]) فرائد الأصول، 2 / 273.


) [78]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 26.


) [79]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 20.


) [80]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 23.


) [81]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 28.


) [82]) منهاج الصالحين، 1 / 26.


) [83]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 23.


) [84]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 20.


) [85]) ظ منهاج الصالحين، 2 / 13.


) [86]) ظ مباني منهاج الصالحين، 1 / 242.


) [87]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 24.


) [88]) منهاج الصالحين، 1 / 20.


) [89]) ظ القمّي، السيّد تقي الطباطبائي: مباني منهاج الصالحين، 1 / 242.


) [90]) للتفصيل ينظر: الخراسانيّ، محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 111. آل الشيخ راضي، الشيخ محمّد طاهر: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، 7 / 125 – 126. الشيرازيّ، السيّد محمّد: الأصول (مباحث الحجج والأصول العمليّة)، 2 / 207 – 209. المروّج، السيّد محمّد جعفر: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، 6 / 135 – 156.


) [91]) ظ الأنصاري، مرتضى: فرائد الأصول، 2 / 240 – 245. ظ الكاظميّ، محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث النائينيّ)،            4 / 118 – 119. ظ الخوئيّ، السيّد أبو القاسم: أجود التقريرات (تقريرات بحث النائينيّ)، 3 / 446 و 450 – 453.


) [92]) ظ كفاية الأصول، 3 / 113.


) [93]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 614 – 622.


) [94]) ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 113.


) [95]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 363 – 364.


) [96]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 423.


) [97]) ظ الخمينيّ، السيّد روح الله: أنوار الهداية، 2 / 251.


) [98]) ظ البروجرديّ، محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث العراقيّ)، 3 / 363 – 364. ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 423. ظ الخمينيّ، السيّد روح الله: أنوار الهداية، 2 / 251.


) [99]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 118 – 119. ظ الخوئيّ، السيّد أبو القاسم: أجود التقريرات (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 3 / 446 و 450 – 453.


) [100]) ظ فرائد الأصول، 2 / 240 – 245.


) [101]) ظ الأنصاري، مرتضى: فرائد الأصول، 2 / 240 – 245. ظ الكاظميّ، محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 118 – 119. ظ الخوئيّ، السيّد أبو القاسم: أجود التقريرات (تقريرات بحث النائينيّ)، 3 / 446 و 450 – 453.


) [102]) ظ فرائد الأصول، 2 / 240 – 245.


) [103]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 118 – 119. ظ الخوئيّ، السيّد أبو القاسم: أجود التقريرات (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 3 / 446 و 450 – 453.


) [104]) ظ كفاية الأصول، 3 / 114.


) [105]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 614 – 622.


) [106]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 410 – 425.


) [107]) ظ أنوار الهداية (الهامش)، 2 / 242.


) [108]) ظ كفاية الأصول، 3 / 114.


(+) وقد تسمّى بـ (حكم دوران الأمر بين المشروط وغيره، أو بين الخاصّ والعامّ) .


والمقصود بـ (المشروط) هو الأقلّ، والمقصود بـ (غيره) المطلق وهو الأكثر، والمقصود بـ (بالخاصّ، وهو الأقلّ) المنطقيّ لا الخاصّ الأصوليّ، والمقصود بـ (العامّ، وهو الأكثر) المنطقيّ أي الجنس المنطقيّ لا العامّ الأصوليّ .


ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 127 .


) [109]) ظ فرائد الأصول، 2 / 317 .


) [110]) للتفصيل ينظر: الأصفهانيّ، الشيخ محمّد حسين بن عبد الرحيم: الفصول الغرويّة (الطبعة الحجريّة)، دار إحياء العلوم الإسلاميّة، 1404 هـ، ص 357 . الأصفهانيّ، محمّد حسين: نهاية الدراية، 2 / 627 – 644 . الحاشية على المكاسب، أنوار الهدى، قم، 1418 هـ، 2 / 392 . الصدر، السيّد محمّد باقر: مباحث في الأصول، الناشر: مقرّر، قم، 1408 هـ، 4 / 164 .


) [111]) ظ فرائد الأصول، 2 / 357 .


) [112]) ظ أنوار الهداية، 2 / 314 . ظ السبّحانيّ، الشيخ جعفر: تهذيب الأصول (تقرير بحث السيّد الخمينيّ)، 2 / 401 .


(+) كون ذات الصلاة واجبةً بالوجوب الغيري باعتبار أنَّ ذات الصلاة تكون مقدّمة لتحقّق متعلّق الأمر وهو الصلاة المشروطة .


) [113]) ظ الأنصاري، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، 2 / 357 .


) [114]) الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه: الخصال، 2 / 417 . التوحيد، ص 353 .


) [115]) ظ كفاية الأصول، 3 / 127 – 129 .


) [116]) ظ آل الشيخ راضي، الشيخ محمّد طاهر: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، 7 / 185 .


) [117]) ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 128 – 129 .


) [118]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 208 .


) [119]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 396 – 397 .


) [120]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 208 .


) [121]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 396 – 397 .


) [122]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 208 .


(+) بناءً على مختار الشيخ الرئيس أبو عليّ الحسين بن عبد الله بن الحسن بن عليّ بن سينا (ت 428 هـ) وكلّ مَنْ تأخّر عنه من أنَّ العلاقة بين الكلّيّ الطبيعيّ وأفراده كالعلاقة بين الآباء المتعدّدين والأبناء المتعدّدين، خلافاً لما نسبه إلى الرجل الهمدانيّ من أنَّ العلاقة بينهما كالعلاقة بين الأب الواحد والأبناء المتعدّدين . وللتفصيل ينظر: السبزواريّ، ملاّ هادي: شرح المنظومة، قسم الفلسفة، مؤسسة انتشارات دار العلم، قم، ص 99 . الطباطبائيّ، السيّد محمّد حسين: بداية الحكمة، تح عبّاس عليّ الزارعي السبزواريّ، مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1418 هـ، ص 78 . نهاية الحكمة، تح عبّاس عليّ الزارعي السبزواريّ، ط الرابعة عشرة، مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين، قم، 1417 هـ، ص 93 .


) [123]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 396 – 397 .


) [124]) ظ الهاشميّ، السيّد عليّ: دراسات في علم الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 3 / 436 – 446 .


(+) وقد يسمّى: (حكم الجزء أو الشرط المتروك نسياناً)، أو (الشكُّ في إطلاق الجزء والشرط لحالة النسيان)، والمعنى واحد .


ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 131 . ظ المروّج، محمّد جعفر: منتهى الدراية، 6 / 271 .


(+ +) ونصّ الحديث: قال أبو جعفر الباقر (A): ((لا تعاد الصلاة إلاَّ من خمسة: الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود)) . الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، 3 / 227 .


) [125]) ظ فرائد الأصول، 2 / 363 .


) [126]) ظ الاشتهارديّ، الشيخ عليّ بناه: تقرير بحث السيّد حسين البروجرديّ في القبلة والستر والساتر ومكان المصلّي، تحقيق ونشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ، ط الأولى، قم، 1416 هـ، 2 / 137 .


) [127]) ظ كفاية الأصول، 3 / 131 – 132 .


) [128]) ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 132 .


) [129]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 210 .


) [130]) ظ درر الفوائد (درر الأصول)، 2 / 141 – 143 .


) [131]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 420 – 422 .


) [132]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 659 – 666 .


) [133]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 460 – 465 .


) [134]) ظ أنوار الهداية، 2 / 333 – 347 .


) [135]) ظ مجمع الأفكار، مطبعة علميّة، قم، 1395 هـ، 3 / 562 – 566 .


(+) وقد يسمّى: (الشكُّ في مبطليّة الزيادة)، والمعنى واحد . ظ المروّج، السيّد محمّد جعفر: منتهى الدراية، 6 / 271 .


) [136]) ظ كفاية الأصول، 3 / 133 .


) [137]) للتفصيل ينظر: البروجرديّ، محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث العراقيّ)، 3 / 268 . الأصفهانيّ، الشيخ محمّد حسين: نهاية الدراية ، 2 / 627 – 644 . البهسوديّ، محمّد سرور: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 437 – 439 .


) [138]) ظ المعتبر في شرح المختصر، مؤسسة سيّد الشهداء (A)، قم، 1364 هـ.ش، 2 / 379 .


) [139]) ظ تمهيد القواعد (طبعة حجريّة)، منشورات مكتبة بصيرتي، قم، ص 273 .


) [140]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 467 و 4 / 241 .


) [141]) ظ تمهيد القواعد (طبعة حجريّة)، ص 273 .


) [142]) ظ فرائد الأصول، 2 / 370 – 371 .


) [143]) ظ كفاية الأصول، 3 / 133 – 134 .


) [144]) م، ن .


(+) وقد يسمّى هذا التنبيه بـ (حكم الشكِّ في كون الجزء أو الشرط ركناً)، أو (الشكُّ في إطلاق الجزء والشرط لحال العجز)، والمعنى واحد . ظ المروّج، السيّد محمّد جعفر: منتهى الدراية في توضيح الكفاية، 6 / 324 .


) [145]) ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 135 .


) [146]) ظ الأنصاريّ، الشيخ مرتضى: فرائد الأصول، 2 / 395 .


) [147]) للتفصيل ينظر: الخراسانيّ، محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 136 . الخوئيّ، أبو القاسم: أجود التقريرات (تقريرات بحث النائينيّ)، 2 / 444 . البروجرديّ، محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقريرات العراقيّ)، 3 / 449 . الأصفهانيّ، محمّد حسين: نهاية الدراية، 2 / 697 – 701 . البجنورديّ، السيّد حسن: منتهى الأصول، 2 / 344 – 347 . البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 472 – 474 . الخمينيّ، السيّد روح الله: أنوار الهداية، 2 / 380 – 385 .


) [148]) ظ آل شيخ راضي، الشيخ محمّد طاهر: بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، 7 / 215 .


) [149]) ظ الخراسانيّ، الآخوند محمّد كاظم: كفاية الأصول، 3 / 135 .


) [150]) الكلينيّ، محمّد بن يعقوب: الكافي، 2 / 463 . الصدوق، محمّد بن عليّ ابن بابويه: مَنْ لا يحضره الفقيه، 1 / 59 .


) [151]) ظ كفاية الأصول، 3 / 135 .


) [152]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 695 – 696 .


) [153]) ظ كفاية الأصول، 3 / 135 .


) [154]) ظ الإيرواني، الشيخ باقر: الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، 4 / 368 – 369 .


) [155]) ظ كفاية الأصول، 3 / 281 .


) [156]) ظ الإيرواني، الشيخ باقر: الحلقة الثالثة في أسلوبها الثاني، 4 / 372 – 374 .


) [157]) الإحسائيّ، ابن أبي جمهور: عوالي اللآلئ، تح المرعشيّ والشيخ العراقيّ، مطبعة سيّد الشهداء، قم، 1403 هـ، 4 / 58 . البخاري، محمّد بن إسماعيل: صحيح البخاري، دار الفكر، بيروت ، 1401 هـ، 8 / 142 . النيشابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت – لبنان، 1401 هـ، 4 / 102 .


) [158]) الإحسائيّ، ابن أبي جمهور: عوالي اللآلئ، 4 / 58 .


) [159]) الإحسائيّ، ابن أبي جمهور: عوالي اللآلئ، 4 / 58 .


) [160]) ظ فرائد الأصول، 2 / 390 .


) [161]) للتفصيل ينظر: المقداد السيوري: التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، تح السيّد عبد اللطيف الحسيني، مطبعة الخيام، قم، 1404 هـ، 1 / 117 . الطباطبائيّ، السيّد عليّ: رياض المسائل، ط الأولى، مؤسسة النشر الإسلاميّ، قم، 1412 هـ، 1 / 222 و 6 / 201 . الوحيد البهبهاني، الشيخ محمّد باقر: الفوائد الحائريّة، مجمع الفكر الإسلاميّ، قم، 1415 هـ، ص 437 – 438 . المجاهد، السيّد محمّد الطباطبائي: مفاتيح الأصول، مؤسسة آل البيت (D) لإحياء التراث، قم، ص 522 .


) [162]) ظ عوائد الأيّام، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، قم، ص 262 – 265 .


) [163]) ظ كفاية الأصول، 3 / 137 – 138 .


(+) المسمّى بـ (مناسبة الحكم للموضوع) .


) [164]) ظ كفاية الأصول، 3 / 137 – 138 .


) [165]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 245 – 255 .


) [166]) ظ أنوار الهداية، 2 / 388 – 389 .


) [167]) ظ الحجّتيّ البروجرديّ، الشيخ بهاء الدين: حاشية على كفاية الأصول (تقرير بحث السيّد حسين البروجرديّ)، انتشارات أنصاريّان، قم، 1413 هـ، 2 / 210 .


) [168]) ظ البهسوديّ، السيّد محمّد سرور الواعظ: مصباح الأصول (تقرير بحث السيّد الخوئيّ)، 2 / 478 – 480 .


) [169]) م، ن .


) [170]) ظ فرائد الأصول، 2 / 390 .


) [171]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 456 .


) [172]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 702 .


) [173]) الأحزاب: 18 .


) [174]) الطلاق: 1 .


) [175]) النساء: 18 .


) [176]) ظ الأصفهانيّ، الشيخ محمّد حسين: نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 702 .


) [177]) فرائد الأصول، 2 / 391 .


) [178]) ظ عوائد الأيّام، ص 265 .


) [179]) ظ كفاية الأصول، 3 / 139 – 140 .


) [180]) ظ فرائد الأصول، 2 / 391 – 392 .


) [181]) ظ الكاظميّ، الشيخ محمّد عليّ: فوائد الأصول (تقريرات بحث المحقّق النائينيّ)، 4 / 255 .


) [182]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 703 .


) [183]) ظ البروجرديّ، الشيخ محمّد تقي: نهاية الأفكار (تقرير بحث المحقّق العراقيّ)، 3 / 457 – 458 .


) [184]) ظ نهاية الدراية في شرح الكفاية، 2 / 703 .


) [185]) ظ عوائد الأيّام، ص 265 .


) [186]) ظ كفاية الأصول، 3 / 143 .


) [187]) ظ كفاية الأصول، 3 / 143 .


) [188]) فرائد الأصول، 2 / 394 .


) [189]) ظ مناسك الحجِّ وملحقاتها، ص 180.


) [190]) ظ استفتاء شفوي موجّه لمكتب سماحته.


) [191]) ظ العبّوديّ، الشيخ واثق: موجز أعمال العمرة المفردة، دار البذرة، مطبعة الكلمة الطيّبة، ص 9.


) [192]) ظ فقه الفضاء، ص 71.


) [193]) ظ مناسك الحجِّ وأحكام العُمرة، ط الأولى، نشر وطبع مؤسسة الإمام الصادق (A)، قم، 1428 هـ، ص 83.


(+) ليس المقصود من الاحتياط في المقام الاحتياط الوجوبيّ في الحكم الذي يجوز الرجوع فيه إلى الغير، بل المورد من الفتوى بالاحتياط؛ إذ الشبهة في المقام مقرونةٌ بالعلم الإجماليّ بوجود تكليف في عهدة المكلّف يقضي فراغ ذمّته منه يقيناً.


) [194]) ظ السيستانيّ، السيّد محمّد رضا: محاضرات فقهيّة في الحجِّ (البحث الفقهيّ الخارج)، محاضرة يوم 7 / ربيع الأوّل / 1436 هـ.


) [195]) ظ السرّاج، عباس: أخطاء الحاجّ والمعتمر: 25 – 26.


) [196]) ظ جامع المسائل الشرعيّة، دار العلوم، الكويت، ص 252 – 253.


) [197]) سؤال شفوي موجّه لمكتب سماحة السيّد السيستاني.


) [198]) ظ الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم: الفتاوى الجديدة، ص 151.


) [199]) ظ مناسك الحجِّ وأحكام العُمرة، ص 100.


) [200]) ظ مناسك الحجِّ، ص 203.


) [201]) ظ الاستفتاءات الشرعيّة، ص 230.


(+) ليس المقصود من الاحتياط في المقام الاحتياط اللزوميّ في الحكم الذي يجوز الرجوع فيه إلى الغير، بل المورد من الفتوى بالاحتياط؛ إذ الشبهة في المقام مقرونةٌ بالعلم الإجماليّ بوجود تكليف في عهدة المكلّف يقضي فراغ ذمّته منه يقيناً.


) [202]) ظ مناسك الحجِّ وملحقاتها، ص 210. ظ دائرة الإرشاد والبحوث: مناسك الحجِّ على المذاهب الخمسة، ط الأولى، 1434 هـ، ص 101.


) [203]) استفتاء شفوي موجّه لمكتب سماحته.


) [204]) ظ مناسك الحجِّ وأحكام العُمرة، ص 103.


) [205]) استفتاء شفوي موجّه لبعثة سماحته الدينيّة في موسم الحجِّ.


) [206]) ظ مناسك الحجِّ، ص 205. ظ الاستفتاءات الشرعيّة (العبادات)، ص 312.


) [207]) ظ السبّحانيّ، الشيخ جعفر: مناسك الحجِّ وأحكام العُمرة، ص 103.


) [208]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: مناسك الحجِّ، ص 205 و 241 و 286.


 


وتجدر الإشارة إلى أنَّ الشيخ الفيّاض قد أشار أيضاً إلى أنَّ الشكَّ في المقام داخلٌ تحت عنوان الشبهة المفهوميّة؛ إذ لم يرد في الراويات تحديد امتداد الصفا والمروة عرضاً. وهذا بخلاف الشكِّ في العلامات المنصوبة كحدود عرفات – مثلاً – فلا يكون داخلاً تحت عنوان الشبهة المفهوميّة لتجري فيه البراءة – بناءً على مختار الشيخ الفيّاض – بل يدخل تحت عنوان الشبهة المصداقيّة؛ لأنَّ حدود عرفات قد تمَّ تعيينها في الروايات، فلابدَّ من الفحص والتأكّد من دخول مكان الوقوف ضمن عرفات، وإلاَّ فلابدَّ من الاحتياط والوقوف في مكان يتيقّن أنّه في عرفات. للتفصيل ينظر: مناسك الحجِّ، ص 223.


) [209]) ظ مناسك الحجِّ، ص 184.


) [210]) ظ مناسك الحجِّ، ص 244.


) [211]) ظ جامع المسائل الشرعيّة، ص 252 – 253.


) [212]) ظ الماحوزيّ، أحمد: سند الناسكين (تقرير بحث الشيخ السند)، مطبعة الكلمة الطيّبة، 1430 هـ، ص 328.


) [213]) ظ تعاليق مبسوطة على مناسك الحجِّ، ط الأولى، مطبعة أمير، 1418 هـ، 10 / 491.


) [214]) ظ مناسك الحجِّ، ص 183.


) [215]) ظ مناسك الحجِّ وملحقاتها، ص 238.


) [216]) ظ مناسك الحجِّ والعُمرة، ص 241.


) [217]) ظ السرّاج، عبّاس: جامع مناسك الحجِّ في سؤال وجواب (وفق فتاوى خمسة مراجع)، ص 296.


) [218]) مناسك الحجِّ وأحكام العُمرة، ص 118.


) [219]) ظ نجف، محمّد مهدي: المختصر في أعمال الحجِّ، ص 255.


) [220]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: مناسك الحجِّ، ص 256.


) [221]) ظ مناسك الحجِّ، ص 156.


) [222]) ظ مناسك الحجِّ وملحقاتها، ص 275.


) [223]) ظ مناسك الحجِّ، ص 225. ظ الاستفتاءات الشرعيّة (العبادات)، ص 314.


) [224]) استفتاء شفوي موجّه لمكتب سماحة السيّد السيستاني.


) [225]) ظ مناسك الحجِّ، ص 240 و 285. ظ الاستفتاءات الشرعيّة، ص 247.


) [226]) للتفصيل ينظر: الخوئيّ، أبو القاسم: منهاج الصالحين، 1 / 26. السيستانيّ، عليّ: منهاج الصالحين، 1 / 31.


) [227]) ظ الحكيم، السيّد عبد الهادي: الفقه للمغتربين، (فتاوى السيّد السيستانيّ)، ص 104.


) [228]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: الاستفتاءات الشرعيّة، ص 39.


) [229]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: الاستفتاءات الشرعيّة (العبادات)، ص 56.


) [230]) ظ السيستانيّ، السيّد عليّ: المسائل المنتخبة، ص 112.


) [231]) ظ الحكيم، السيّد عبد الهادي: الفقه للمغتربين، (فتاوى السيّد السيستانيّ)، ص 104.


) [232]) ظ الشيرازيّ، الشيخ ناصر مكارم: الفتاوى الجديدة، ص 123. ظ الهوادر، حسن محمّد: الرافد في أحكام خمس الأرباح والفوائد (طبقاً لفتاوى السيّد الخوئيّ والسيّد السيستانيّ)، ط الثالثة، دار البذرة، مطبعة الكلمة الطيّبة، النجف الأشرف، 1435 هـ، ص 169 – 192.


(+) البيرة : هي شراب يصنع من نقيع الشعير المخمّر، وهي الفقاع أيضاً.


ظ الخوئيّ، السيّد أبو القاسم: صراط النجاة (تعليق الميرزا جواد التبريزيّ)، 1 / 33.


) [233]) للتفصيل ينظر: الطوسيّ , محمّد بن الحسن: المبسوط في فقه الإماميّة، ط الثانية, المطبعة الحيدريّة , قم, 1387 هـ , 1 / 36. المحقّق الحلّيّ , جعفر بن الحسن: شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام , تح محمّد علي بقّال , ط الثانية , مطبعة شريعة , قم ، 1424 هـ، 1 / 25 و 3 / 175 – 176. العلاّمة الحلّيّ , الحسن بن يوسف بن المطهّر: تذكرة الفقهاء , تح مؤسسة آل البيت (D) لإحياء التراث، ط الأولى , مطبعة ستاره, قم, 1414هـ، 1 / 65. النراقيّ، الشيخ أحمد بن محمّد مهدي: مستند الشيعة في أحكام الشريعة, تح مؤسسة ال البيت (D) , طبعة الأولى , مطبعة ستاره , قم – إيران، 1416 هـ , 1 / 190. النجفيّ , الشيخ محمّد حسن: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، ط السادسة, , دار الكتب الإسلاميّة , النجف الأشرف، 1379 هـ، 6 / 39.


) [234]) للتفصيل ينظر: اليزديّ, محمّد كاظم: العروة الوثقى , 1 / 56. الحكيم , السيّد محسن الطباطبائي: منهاج الصالحين , 1 / 15. الخوئي , السيّد أبو القاسم: منهاج الصالحين، 1 / 109.


) [235]) ظ الجبوريّ، صلاح عبد المهدي إبراهيم: دوران الأمر بين الأقل والأكثر – دراسة في المبنى والتطبيق (أطروحة دكتوراه) , جامعة الكوفة – كلّيّة الفقه، 2013 م، ص 162 – 163.


) [236]) ظ الغرويّ , الميرزا عليّ: التنقيح في شرح العروة الوثقى (تقرير بحث السيّد الخوئي)، 3 / 128.


) [237]) الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب: الكافي، 5 / 424.


) [238]) الطوسيّ، الشيخ محمّد بن الحسن: تهذيب الأحكام، 6 / 215.


) [239]) الروحانيّ، السيّد محمّد صادق: المسائل المستحدثة، ص 10 و 16.


) [240]) ظ الحسنيّ، شهاب الدين: التلقيح الصناعيّ بين العلم والشريعة، دار الهادي للطباعة والنشر ، 2001 م، ص 22 و 174.


) [241]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 427.


) [242]) ظ المسائل المنتخبة، ص 413. ظ منهاج الصالحين، 1 / 427.


) [243]) ظ المحموديّ، السيّد محسن: أحدث الفتاوى (وفق فتاوى مجموعة من الأعلام)، ص 233 – 234.


) [244]) ظ فقه الاستنساخ البشريّ وفتاوى طبّيّة، ص 23.


) [245]) المسائل المنتخبة، ص 413. منهاج الصالحين، 1 / 427.


) [246]) فقه الاستنساخ البشريّ وفتاوى طبّيّة، ص 23.


) [247]) مرشد المغترب، ص 374.


) [248]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 444 – 445.


 


وتجدر الإشارة أنَّ السيّد محمود الهاشميّ قد فصّل في المقام بين ما إذا كان التلقيح بوضع نطفة الرجل الأجنبيّ في رحم المرأة فقد احتاط وجوباً بعدم جوازه، وبين ما إذا تمَّت عمليّة التلقيح خارج الرحم ثمَّ نُقل الجنين إلى رحمها فحكمه الجواز؛ للبراءة من حرمته.


) [249]) ظ أجوبة الاستفتاءات (المعاملات)، ص 73.


(+) بناءً على تماميّة هذا القول فتعدّ هذه المسألة من تطبيقات باب البراءة.


) [250]) ظ الهاشميّ، السيّد محمود: منهاج الصالحين، 1 / 445.


) [251]) ظ المحموديّ، السيّد محسن: أحدث الفتاوى (وفق فتاوى مجموعة من الأعلام)، ص 233.


(+ +) بناءً على تماميّة هذا الاحتمال فتعدّ هذه المسألة من تطبيقات باب البراءة.


) [252]) الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن: وسائل الشيعة، 15 / 65 و 469 و 403.


) [253]) ظ السيستانيّ، السيّد محمّد رضا: وسائل الإنجاب الصناعيّة (دراسة فقهيّة)، ص 385.


(+) بناءً على تماميّة هذا الاحتمال فتعدّ هذه المسألة من تطبيقات باب الاحتياط.


) [254]) ظ أجوبة الاستفتاءات (المعاملات)، ص 72 – 73 و 91.


) [255]) ظ منهاج الصالحين، 1 / 445.


) [256]) مرشد المغترب (توجيهات وفتاوى)، ص 372.


) [257]) الفتاوى الجديدة، ص 469.


) [258]) ظ الهاشميّ، السيّد محمود: منهاج الصالحين، 1 / 445.


) [259]) ظ ابن منظور، أبو الفضل محمّد بن مكرّم: لسان العرب، نشر أدب الحوزة، قم – إيران، 1405 هـ، 12 / 31.


) [260]) ظ المسائل الشرعيّة، 2 / 320.


) [261]) سورة المجادلة، 2.


) [262]) ظ الطيّب، أسعد: ترتيب العين للخليل بن أحمد الفراهيديّ، طبعة إيران، 1414 هـ، 3 / 1982.


) [263]) ظ الخوئيّ، السيّد أبو القاسم: المسائل الشرعيّة، 2 / 320.


) [264]) ظ وسائل الإنجاب الصناعيّة (دراسة فقهيّة)، ص 450.


(+) ليس المقصود من الاحتياط في المقام الاحتياط اللزوميّ في الحكم الذي يجوز الرجوع فيه إلى الغير، بل المورد من الفتوى بالاحتياط؛ إذ أنَّ الشبهة في المقام مقرونةٌ بالعلم الإجماليّ.


) [265]) المسائل المنتخبة، ص 414. منهاج الصالحين، 1 / 427. الحكيم، السيّد عبد الهادي: الفتاوى الميسّرة (فتاوى السيّد السيستانيّ)، ص 433.


) [266]) السيستانيّ، السيّد محمّد رضا: وسائل الإنجاب الصناعيّة (دراسة فقهيّة)، ص 461.


) [267]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: المسائل المستحدثة، ص 6.


) [268]) شمس الدين، محمّد مهدي: أهليّة المرأة لتولّي السلطة، ط الأولى، المؤسسة الدوليّة للدراسات ، بيروت ، 1995 م، ص 144.


) [269]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: موقع المرأة في النظام السياسيّ الإسلاميّ، ط السابعة، نشر دار البذرة، مطبعة الكلمة الطيّبة، النجف الأشرف، 1432 هـ، ص 9.


) [270]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: الاستفتاءات الشرعيّة، ص 455.


) [271]) ظ الفيّاض، الشيخ محمّد إسحاق: المسائل المستحدثة، ص 6 – 9.

تعليقات