قواعد الحديث

بقلم : سماحة آية الله السيد محيي الدين الغريفي

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد على نعمه والصلاة على خاتم أنبيائه

محمد وآله الطاهرين

 

كلمة

حول الكتاب

تفّظل بها إستاذنا المحقّق عَلَم الفقه والاصول واستاذ الحديث والتفسير آية الله العظمى السيد ابو القاسم الخوئي ـ دام ظله ـ نشرتها مشفوعة بشكر جزيل سائلاً من الله جل شأنه أن يمد في عمره الشريف ليرتوي رجال العلم من منهله العذب إنه سميع الدعاء.


 المُقَدّمَة

بحوث هذا الكتاب عرض ودراسة لأصول العمل بالحديث الحاكي للسنّة (1) ، أحد مصادر التشريع الإسلامي الأربعة. 

واحتياج الفقيه الى السنة في استنباط الحكم يفوق احتياجه الى مصادر التشريع الأخرى ، الكتاب ، والاجماع ، والعقل. 

فان آيات التشريع في الكتاب العزيز معدودة واشتهر انها نحو من خمسمائة آية مع المتكرر منها ، وإلا فهي لا تبلغ ذلك (2). أكثرها مطلقات قيّدت بالسنة. وبعضها مجملات فسّرت بها. فالعمل بجميع تلك الآيات الكريمة ـ مع قلتّها بلحاظ كثرة الاحكام ـ لا يكون إلا بتوسط السنة. 

والاجماع التعبدي التام إنما ثبت في موارد قليلة ، لاستناد المجمعين غالباً الى دليل آخر ، فاجماعهم مدركي لا حجية له. 

والعقل قاصر عن ادراك ملاكات الاحكام وعللها التامة ، إلا في موارد نادرة لا محيص له من الحكم بها ، كحسن العدل ، وقبح الظلم. 

فلم يبق لدينا إلا السنة التي ضاقت بها أصول الحديث ومجاميعه ، فانها وافية بما يحتاج اليه الفقيه في فتياه ، وان كثرت في العبادات ، وقلّت في المعاملات. فيكون البحث عن الحديث وقواعده من اهم الأبحاث عن مصدر التشريع وأصوله. 

ولذا اهتم الفقهاء قديماً بشأن الحديث ، واجهدوا انفسهم فيه حفظاً وتدويناً ، وتفسيراً ، ويشهد بذلك ما وصل الينا منهم من كتب وآثار. جروا على نهج السلف الصالح من أصحاب النبي (ص) ، والأئمة من أهل بيته (ع) ، فان اهتمامهم بالحديث غني عن البيان. 

والحديث قد يتواتر سنداً بحيث يحصل العلم بصدوره عن المعصوم (ع)

__________________

1 ـ وهي قول المعصوم (ع) أو فعله أوتقريره. 

2 ـ كنز العرفان ، ص 14.

 

 

فيجب العمل به لذلك ، لان العلم حجة ذاتية بدون توسط تعبّد شرعي ، وإن اختلف في أن العلم الحاصل بالتواتر ضروري او نظري. 

وعرّف المتواتر : بأنه الذي « بلغت رواته في الكثرة مبلغاً أحالت العادة تواطؤهم على الكذب ، واستمر ذلك الوصف في جميع الطبقات حيث تتعدد ، فيكون أوله كآخره ، ووسطه كطرفيه » (1). 

ويلحق به الحديث المحفوف بالقرائن الموجبة للقطع بصدوره عن المعصوم (ع) وان لم يتواتر ، فيجب العمل به لذلك ايضاً. وسيأتي البحث عنه مفصّلا. 

أما الحديث الغير المتواتر ، والمحفوف بتلك القرائن ـ وهو المسمّى بخبر الواحد ـ ، فقد اختلف قدامى الفقهاء في حجيته ، فاختار جماعة عدمها ، كالسيد المرتضى ، وابن ادريس ، بل نسب الى الاكثر ، وإن اختلفوا في إمكان التعبّد به وعدمه (2) ، حيث أغناهم عنه الاخبار المحفوفة بقرائن أفادتهم وثوقاً بصدورها عن المعصوم (ع). 

واختار آخرون حجيته ، كالشيخ الطوسي ، صرح بها في موارد من كتاب ( العدة ) مستدلاً بقوله : « ومما يدل ايضاً على صحة ما ذهبنا اليه انا وجدنا الطائفة ميّزت الرجال ... فلولا أن العمل بما يسلم من الطعن ، ويرويه من هو موثوق به جائز ، لما كان بينه وبين غيره فرق الخ » (3) ، ولكل من الفريقين أدلة بسطت في كتب الدراية والأصول. 

أما المتأخرون من الفقهاء فقد اجمعوا على حجيته ، وأقاموا الادلة عليها.

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ، ص 12. 

2 ـ انظر مقدمة كتاب السرائر ، والدراية للشهيد الثاني ص 27 ، ومعالم الاصول ص 184. 

3 ـ عدة الاصول ص 58.

 

 وعلى هذا الخلاف يبتني القول : بانسداد باب العلم في الاحكام وعدمه. فبناء على عدم حجية خبر الواحد ينسد باب العلم ، لندرة الخبر المتواتر لدينا ، وعدم حصول القطع بصدور جميع اخبارنا عن المعصوم (ع) وعدم وفاء مصادر التشريع الاخرى ببيان جميع الاحكام ، ولازمه التنزّل الى العمل بالظن المبحوث عنه في فصل ( دليل الانسداد ) من الاصول. 

وكذا الحكم بناء على اختصاص حجية ظاهر الخبر بالمشافهين ، لانهم الذين قصدوا بالإفهام ، كما يراه المحقق أبو القاسم القمي (1). 

أما بناء على حجيته في نفسه ، وحجية ظاهره لغير المشافهين به ينفتح باب العلم ، لوفاء الاحاديث مع باقي المصادر ببيان جميع الاحكام ، فيكون الفقيه عالماً بها تعبّداً ، وبحكم الشرع ، وهو كالعلم الوجداني يمنع معه العمل بالظن ، فانه « لا يغني من الحق شيئاً » (2). وللعمل بخبر الواحد قواعد وأصول يرتكز عليها استنباط أحكام الشرع منه. ولأجله وضعت هذا الكتاب. وعرضت فيه البحث على ضوء الادلة والبراهين مراعياً أسس القدماء ، ومراحل أطوارها ، فان أصبت الواقع فهو ، وإلا فالعصمة لأهلها. وأثبتّ النصوص فيه بألفاظها عند الحاجة ، وأشرت الى مصادرها في الهامش موجزاً ، حيث ذكرتها في آخر الكتاب مفصّلاً. سائلاً من الله جل شأنه أن يتقبله ، ويوفقني لما يرضيه إنه ولي التوفيق. 

النجف الأشرف

محي الدين الموسوي الغريفي

____________

1 ـ قوانين الاصول ص 403 ـ 440. 

2 ـ النجم / 28. 

 

 

بُحُوثُ الكِتاب

يشتمل هذا الكتاب على ثمانية بحوث. 

1 ـ تنويع الحديث. 

2 ـ أحاديث أصحاب الاجماع. 

3 ـ حياة البطائني علي بن أبي حمزة. 

4 ـ الحديث وشهرة الفتوى. 

5 ـ الأصول الرجالية ورجال ابن الغضائري. 

6 ـ الأحاديث المضمرة. 

7 ـ الأحاديث الموقوفة. 

8 ـ الأحاديث المعلّلة. 

وهناك فوائد وقواعد أخرى للحديث بحثنا عنها ضمن هذه البحوث. 

 

ـ 1 ـ

تَنويعُ الحَديث

 

 


اشتهر تنويع الحديث وتقسيمه الى الصحيح والحسن والموثّق والضعيف وهذه الأنواع الأربعة تسمى بأصول علم الحديث ، وهناك فروع لها ، واعتبارات لمعان شتى تبلغ ستة وعشرين نوعاً. بعضها يختص بالضعيف ، وهي ثمانية كالمرسل. والباقي يشمل غيره ، وهي ثمانية عشر كالمسند. فبالاضافة الى الأصول تبلغ أنواع الحديث ثلاثين نوعاً. قال الشهيد الثاني ـ عند عده لهذه الانواع ـ : « وذلك على وجه الحصر الجعلي او الاستقرائي لامكان إبداء أقسام أخر » (1). 

ويختص بحثنا بأصول التنويع الأربعة ، إذ الباقي فرع عنها فنقول.

قدم التنويع وحدوثه : 

يرعى جماعة من فقهائنا : أن تنويع الحديث اصطلاح حادث لم يك معروفاً لدى قدماء فقهاء الإمامية ، وعلماء الحديث منهم ، فان الخبر لديهم إما صحيح ، وهو الذي احتف بقرائن تفيد القطع ، او الوثوق بصدوره عن المعصوم (ع) ، وإما ضعيف ، وهو الذي لم يحتف بتلك القرائن ، قال الشيخ حسن بن الشهيد الثاني : « فان القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً ، لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ... واذا اطلقت الصحة في كلام من تقدم فمرادهم منها الثبوت او الصدق ». 

وقال : « وتوسعوا في طرق الروايات ، وأوردوا في كتبهم ما اقتضى رأيهم إيراده من غير التفات الى التفرقة بين صحيح الطريق وضعيفه ... اعتماداً منهم في الغالب على القرائن المقتضية لقبول ما دخل الضعف طريقه 

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 29.

 

الخ » (1). وبهذا صرح الشيخ يوسف البحراني (2) ، والفيض الكاشاني (3). 

ثمّ بحثوا عن محدث هذا الاصطلاح. فاختار الشيخ حسن بن الشهيد الثاني : أن محدثه السيد جمال الدين احمد بن طاووس ، فانه أول منوّع للحديث ، وتبعه تلميذه العلامة الحلي. وهو ظاهر كلام الشيخ محمد بن الحسن الحر (4). 

واختار الفيض الكاشاني : أن « اول من اصطلح على ذلك ... العلامة الحلي » (5). 

أما الشيخ يوسف البحراني فقد ردد في كلامه بين العلامة ، وشيخه ابن طاووس ، ونقله عن جملة من أصحابنا المتأخرين (6). 

والأول أصح ، لتصريح الشيخ حسن وغيره بوجود هذا الاصطلاح قبل زمن العلامة ، ونسبته الى استاذه ابن طاووس شيخ الفن ، الذي جمع الاصول الرجالية الخمسة في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ) ، وتبعه تلميذه العلامة الحلي ، فاشتهر وشاع في عصره ، كما هو شأن كل جديد أن يشتهر بعد مرور زمن على حدوثه. 

نعم سيأتي الايراد على ذلك : بأن أصل التنويع كان ثابتاً لدى القدماء ، وانما نقّحه ابن طاووس ، لا أنه أحدثه ليكون من المحدثات.

الأخباريون وتنويع الحديث:

وقد شجب الأخباريون تنويع الحديث ، وعدّوه من البدع التي يحرم 

____________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 3 ـ 13. 

2 ـ الحدائق ج 1 ص 14. 

3 ـ الوافي ج 1 ص 11. 

4 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 13 ـ وسائل الشيعة ج 3 ـ الفائدة 9. 

5 ـ الوافي ج 1 ص 11. 

6 ـ الحدائق ج 1 ص 14. 

 

العمل بها!. وبسطوا البحث في إبطاله ، وإثبات صحة جميع أخبار كتبنا الأربعة (1) ، بل جميع الأخبار التي نقلوها عن الكتب المعتبرة ، لأنها محفوفة بقرائن تفيد الوثوق بصدورها عن المعصوم (ع). 

وقد استدل الشيخ يوسف البحراني على ذلك بستة وجوه ، وقال : « الى غير ذلك من الوجوه التي أنهيناها في كتاب ( المسائل ) الى اثني عشر وجهاً ، وطالب الحق المنصف تكفيه الاشارة ، والمكابر المتعسف لا ينتفع ولو بألف عبارة » (2) ، كما استدل عليه الشيخ محمد بن الحسن الحر باثنين وعشرين وجهاً في الفائدة التاسعة التي عقدها لاثبات صحة أحاديث جميع الكتب التي جمع منها كتابه ( وسائل الشيعة ) ، وحكم بوجوب العمل بها أجمع. وعلى هذه الوتيرة جرى الفيض الكاشاني في كتابه ( الوافي ) (3) : وجميع ما ذكروه يتلخص في دعويين. 

الأولى : احتفاف جميع الأخبار التي يستدل بها في الشريعة بقرائن تفيد الوثوق والقطع بصدورها عن المعصوم (ع) ، فهي حجة بأجمعها ، فيبطل تنويعها ، لأن مقتضاه عدم حجية بعضها ، كضعيف السند. 

الثانية : انحصار الحجة من الأخبار لدى قدماء فقهائنا بما احتف بتلك القرائن ، فيكون التنويع بلحاظ رجال السند من الحادثات والبدع التي يحرم العمل بها.

صحة تنويع الحديث: 

والحق صحة هذا التنويع وضعف ما ذكر لابطاله. 

__________________

1 ـ الكافي للكليني والفقيه للصدوق والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي. 

2 ـ الحدائق ج 1 ص 15 ـ 24. 

3 ـ أنظر ج 1 ص 11. 

 

أما الدعوى الأولى فعهدتها على مدعيها ، فمن حصل له القطع بصدور جميع تلك الأخبار عن المعصوم (ع) كانت حجة في حقه ، ولا تبقى حاجة الى النظر في أسنادها ، فيبطل التنويع. أما الذي لم يحصل له القطع بذلك ، ولم تقم عنده تلك القرائن ، فلا مناص له من مراجعة اسناد الاحاديث ، والفحص عما هو الحجة من تلك الأنواع ، وهل أنه الحديث الصحيح فقط ، وهو الذي يرويه الإمامي العدل ، واختاره بعض الفقهاء كالسيد محمد في ( مدارك الأحكام ) ، او باضافة الموثق والحسن ، وهو المشهور ، هذا كله بناء على ما اتفق عليه المتأخرون ، واختاره بعض القدماء من حجية خبر الواحد ، وقد مر الاشارة اليه في مقدمة الكتاب. 

وأما الدعوى الثانية فالجواب عنها. 

أولاً : أن القدماء ـ لقرب عهدهم بالأئمة الأطهار (ع) ـ كان من السهل عليهم تحصيل القطع بصدور الأحاديث عنهم (ع) ، لكثرة القرائن الدالة على ذلك ، فلا تبقى حاجة الى التفتيش عن رجال السند كي يضطروا الى هذا التنويع. أما المتأخرون فقد خفت عليهم تلك القرائن لتطاول العهد ، وقدم الزمن ، وحيث قام الدليل لديهم على حجية خبر الواحد ، فلا مناص لهم من تنويعه وتقسيمه بلحاظ سنده ، وصفات راويه ثمّ النظر في شمول الدليل لأي قسم منه. 

وبذلك أجاب الشيخ حسن بن الشهيد الثاني معتذراً عن التنويع بعد اعترافه بحدوثه ، فقال : « فان القدماء لا علم لهم بهذا الاصطلاح قطعاً لاستغنائهم عنه في الغالب بكثرة القرائن الدالة على صدق الخبر ، وإن اشتمل طريقه على ضعف ... فلم يكن للصحيح كثير مزية توجب له التميز باصطلاح أو غيره. فلما اندرست تلك الآثار ، واستقلت الأسانيد بالأخبار اضطر المتأخرون الى تمييز الخالي من الريب ، وتعيين البعيد عن الشك ، 

 

فاصطلحوا على ما قدمنا بيانه الخ » (1). وقريب منه كلام الشيخ البهائي في كتابه ( مشرق الشمسين ) (2). 

وثانياً : أن القدماء وإن استفاضت عندهم تلك القرائن ، إلا أنهم لم يغفلوا عن حال الراوي وصفاته ، وكلماتهم صريحة في ذلك ، فلم تنحصر الحجة من الأخبار لديهم بما احتف بالقرائن المفيدة للقطع بصدوره كما ادعاه الاخباريون ، ووافقهم عليه بعض الأصوليين معتذراً عن حدوث التنويع بما عرفت ، بل الحجة عندهم على قسمين.

الحجة من الأخبار لدى القدماء 

الأول : الأخبار المحفوفة بتلك القرائن. ولأجله صحح الكليني والصدوق رحمهما الله جميع الأخبار التي في كتابيهما ( الكافي والفقيه ) ، وإن كان فيها الضعاف بلحاظ السند ، قال الكليني في مقدمة كتابه : « .. ويأخذ منه من يريد علم الدين ، والعمل بالآثار الصحيحة عن الصادقين : الخ ». وقال بعد روايات ذكرها في ميراث ابن الأخ : « هذا قد روي ، وهي أخبار صحيحة » (3) ، وقال الصدوق في مقدمة كتابه : « بل قصدت الى ايراد ما أفتي وأحكم بصحته ، وأعتقد فيه انه حجة فيما بيني وبين ربي » ، ولذا قال الفيض الكاشاني : « وقد جرى صاحبا كتابي ( الكافي والفقيه ) على متعارف المتقدمين في اطلاق الصحيح على ما يركن اليه ، ويعتمد عليه فحكما بصحة جميع ما أورداه في كتابيهما من الأحاديث ، وإن لم يكن كثير منه صحيحاً على مصطلح المتأخرين » (4). 

__________________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 13. 

2 ـ الحدائق ج 1 ص 15. 

3 ـ الكافي ج 7 ص 115. 

4 ـ الوافي ج 1 ص 11.

 

الثاني الأخبار التي رواها الموثوقون في النقل الممدوحون في السيرة ، ولأجله شرعوا في الجرح والتعديل تمييزاً للأخبار الضعيفة السند عن غيرها وقد ألفوا مجموعة كبيرة من الكتب في التراجم وبيان أحوال الرواة غير الأصول الرجالية المعروفة الآتية الذكر ، فألف البرقي ـ أحمد بن محمد بن خالد ـ المتوفى سنة 274 أو 280 هجري كتابه المعروف ب‍‌ ( رجال البرقي ) (1) المطبوع أخيراً منضماً الى ( رجال ابن داود ). وكتب ابن عقدة ـ أحمد بن محمد بن سعيد ـ المتوفى سنة 333 هجري عدة كتب في الرواة عن أهل البيت : منها ( كتاب الرجال ) الذي جمع فيه الراوين عن الإمام الصادق (2) وهم أربعة آلاف رجل ، وأخرج لكل رجل الحديث الذي رواه (3) وألف الصدوق المتوفى سنة 381 هجري كتابه الرجالي الكبير المسمى ب‍‌ ( المصابيح ) المشتمل على خمسة عشر مصباحاً ذكر فيها الراوين عن النبي (ص) من الرجال والنساء ، والراوين عن الزهراء وعن الأئمة المعصومين (ع) ، وذكر في المصباح الاخير الرجال الذين خرجت اليهم توقيعات من الإمام المنتظر عجل الله تعالى فرجه (4). 

وجروا على هذا النهج حين العمل بالروايات ، فاعتبروا صفات الراوي ولذا قال الصدوق في مقدمة كتابه ( المقنع ) : « وحذفت الاسناد منه ، لئلا يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يمله قاريه ، اذا كان ما أبينه فيه في الكتب الأصولية موجوداً مبيناً على المشائخ العلماء الفقهاء الثقات 4 الخ » ، وقال في كتابه ( الفقيه ) (5) : « وأما خبر صلاة يوم غدير خم ، والثواب المذكور فيه لمن صامه ، فان شيخنا محمد بن الحسن 

____________

1 ـ رجال النجاشي ص 55 ـ 69 وفهرست الشيخ الطوسي ص 21 ـ 28. 

2 ـ رجال النجاشي ص 55 ـ 69 وفهرست الشيخ الطوسي ص 21 ـ 28. 

3 ـ خلاصة الرجال للعلامة ص 98. 

4 ـ رجال النجاشي ص 377. 

5 ـ انظر ج 2 ص 55. 

 

ـ رضي الله عنه ـ كان لا يصححه ، ويقول : إنه من طريق محمد بن موسى الهمداني وكان غير ثقة ، وكل ما لم يصححه ... من الأخبار فهو عندنا متروك غير صحيح ». 

وجاء في مقدمة كتاب ( كامل الزيارات ) لابن قولويه « لكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا 4 برحمته ، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال يؤثر ذلك عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم ». ومثله ورد في مقدمة كتاب ( مزار محمد بن المشهدي ). 

وقال الشيخ الطوسي عند استدلاله على حجية خبر الواحد الذي لا يطعن في روايته : « ومما يدل أيضاً على صحة ما ذهبنا اليه أنا وجدنا الطائفة ميزت الرجال الناقلة لهذه الأخبار ، ووثقت الثقات منهم وضعفت الضعفاء ، وفرقوا بين من يعتمد على حديثه وروايته ومن لا يعتمد على خبره ، ومدحوا الممدوح منهم ، وذموا المذموم ، وقالوا : فلان متّهم في حديثه وفلان كذاب وفلان مخلط ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي. وفلان فطحي وغير ذلك من الطعون التي ذكروها ، وصنفوا في ذلك الكتب ، واستثنونا الرجال من جملة ما رووه من التصانيف في فهارستهم ، حتى أن واحداً منهم اذا انكر حديثاً نظر في اسناده وضعفه بروايته. هذه عادتهم على قديم الوقت وحديثه لا تنخرم. فلولا ان العمل بما يسلم من الطعن ويرويه من هو موثوق به جائز. لما كان بينه وبين غيره فرق ، وكان يكون خبره مطرحاً مثل خبر غيره ، فلا يكون فائدة لشروعهم فيما شرعوا فيه من التضعيف والتوثيق ، وترجيح الأخبار بعضها على بعض ، وفي ثبوت ذلك دليل على صحة ما اخترناه (1). 

__________________

1 ـ عدة الأصول ص 58.

 

 وهذا البيان من الشيخ الطوسي صريح في أن التوثيق والتضعيف والمدح والذم لرواة الأحاديث. كان معروفاً لدى القدماء ومعمولا به عندهم فكانوا يلحظون رجال سند الحديث حين العمل به. وعلى ذلك جرى السيد ابن طاووس ، فنقح ما أسسوه باطلاق لفظ الصحيح على الامامي (1) الموثق ولفظ الحسن على الامامي الممدوح ، وخص لفظ الموثق بغير الامامي. اذا وثق ، ولفظ الضعيف بغير الثلاثة تمييزاً لرجال الحديث بعضهم عن بعض. وبالطببع تتصف الأحاديث نفسها بهذه الأوصاف تبعاً لأوصاف رواتها. ولا ضير في ذلك. 

فلم يحدث السيد ابن طاووس شيئاً يستحق ان تثار الضجة من أجله وإنما جرى على سنة القدماء في شأن تمحيص الرواة ، وعمل بالأدلة القائمة على حجية كل خبر اعتبر راويه لتوثيق. او مدح. 

ولعل كثيراً من القائلين بحدوث التنويع. يعنون به ما ذكرناه من تجديده وتنقيحه من قبل السيد ابن طاووس ، لكن هذا ليس له تلك الأهمية ، ولا يناسب مزيد اعتناء الاخباريين في توهينه. 

فالقدماء والمتأخرون متفقون على انقسام الخبر بلحاظ رجال سنده الى الحجة ، وغير الحجة ، وانما البحث في تعيين مصاديقهما. كما أنهم متفقون على العمل بالخبر الذي احتف بقرينة أوجبت حصول القطع بصدوره عن المعصوم (ع) ، وان كان ضعيف السند. ولذا عمل كثير من المتأخرين بأخبار الرواة الذين ادعى الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ). ولم ينظروا الى حال الواسطة بينهم وبين المعصوم (ع) ، بناء على اقتران أحاديثهم بما يوجب الوثوق بصدورها عنه (ع). كما اشتهر بين المتأخرين أن عمل قدماء الفقهاء بخبر ضعيف يوجب اعتباره. فيكون عملهم بمنزلة 

____________

1 ـ وهو المعتقد بامامة الأئمة الاثني عشر فقط من أهل البيت (ع). 

 

القرينة المصححة للخبر. 

وقد اعترف الفيض الكاشاني بذلك ، وقال ، « وعلى هذا جرى العلامة والشهيد في مواضع من كتبهما ، مع أنهما الأصل في الاصطلاح الجديد الخ » (1). 

غايته أن تلك القرائن متوفرة لدى القدماء ، ونادرة لدى المتأخرين وسبق الاشارة اليه ، ولذا يقول الشيخ حسن بن الشهيد الثاني : « وغير خافٍ انه لم يبق لنا سبيل الى الاطلاع على الجهات التي عرفوا منها ما ذكروا حيث حظوا بالعين ، وأصبح حظنا الأثر ... ولو لم يكن الا انقطاع طريق الرواية عنا من غير جهة الاجازة التي هي أدنى مراتبها لكفى بها سبباً لإباء الدراية على طالبها » (2). 

وخلاصة البحث أن حجية الخبر تثبت بأحد امرين ، إما : سلامة سنده من الضعف ، وإما : احتفافه بقرينة الصحة ، وقد عمل القدماء والمتأخرون بهذين القسمين معاً ، وذكرهما الشيخ الطوسي بقوله : « إن خبر الواحد إذا كان وارداً من طريق أصحابنا القائلين بالامامة ، وكان ذلك مروياً عن النبي (ص) ، او عن احد من الأئمة (ع) ، وكان ممن لا يطعن في روايته ، ويكون سديداً في نقله ، ولم يكن هناك قرينة تدل على صحة ما تضمنه الخبر ـ لانه إان كان هناك قرينة تدل على صحة ذلك كان الاعتبار بالقرينة ، وكان ذلك موجباً للعلم ـ ... جاز العمل به. والذي يدل على ذلك اجماع الفرقة المحقة ، فاني وجدتها مجتمعة على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في أصولهم ، لا يتناكرون ذلك ولا يتدافعونه الخ » (3). 

__________________

1 ـ الوافي ج 1 ص 11. 

2 ـ منتقى الجان ج 1 ص 3. 

3 ـ عدة الأصول ص 51. 

 

وحيث عرفت صحة تنويع الحديث ، فقد عرفوا كل نوع بما يميزه عن الآخر.

تعريف أنواع الحديث : 

1 ـ فالصحيح : « مااتصل سنده الى المعصوم (ع) بنقل الإمامي العدل عن مثله في جميع الطبقات. 

2 ـ والموثق : « ما دخل في طريقه من نص الأصحاب على توثيقه مع فساد عقيدته ، ولم يشتمل باقيه على ضعف ». 

3 ـ والحسن : ما اتصل سنده الى المعصوم (ع) بامامي ممدوح من غير نص على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع مراتبه أو في بعضها ، مع كون الباقي من رجال الصحيح. 

4 ـ والضعيف « مالا يجتمع فيه شروط أحد الثلاثة المتقدمة ، بأن يشتمل طريقه على مجروح بالفسق ونحوه ، أو مجهول الحال ». 

ذكر الشهيد الثاني هذه التعاريف في ( درايته ) (1). فاشترط في الخبر الموثق أن لا يشتمل باقي طريقه على ضعف فقط. ومقتضاه عدم المانع من اشتماله على راوي حسن. كما اشترط في الخبر الحسن أن يكون جميع رواته إماميين ممدوحين ، او بعضهم مع كون الباقي من الصحاح ، ومقتضاه أنه لو كان فيهم موثق ألحق الخبر به. 

وهذا إنما يتم بناء على رأي الشهيد في أن الموثق أخس من الحسن والخبر يتبع أخس ما فيه من الصفات. أما بناء على ما اشتهر من كون الحسن أخس من الموثق ينقلب الاتصاف في محل البحث ، حيث يتصف 

__________________

1 ـ الدراية ص 19 ، وما بعدها.

 

 الخبر بالحسن لو عرض في طريقه راوي حسن وإن كان باقي رواته ثقاتاً فضلاً عن الصحاح ، لقاعدة تبعية الخبر لاخس صفاته. وعليه فلابد أن يضاف الى تعريف الموثق : عدم اشتمال طريقه على راوي حسن ، ويكتفي في تعريف الحسن بكون الراوي إمامياً ممدوحاً ، وعدم اشتمال باقي السند على ضعف. ولذا قال الشيخ الأصبهاني في ( الفصول ) (1) : « ولو تركب من القسمين الأخيرين [ أي الحسن والموثق ] ولو بمشاركة القسم الأول [ أي الصحيح ] ففي إلحاقه بالحسن أو الموثق قولان مبنيان على الخلاف في تعيين المرجوح منهما ، لأن حال السند تتبع لحال أخس رجاله ». 

وقد أورد الشيخ حسن بن الشهيد الثاني على والده : بأنه لا حاجة الى قيد « الإمامي » في تعريف الخبر الصحيح ، فان أخذ قيد العدل مغنٍ عنه ، لعدم اتصاف فاسد المذهب بالعدالة حقيقة (2). 

لكن الحق صحبة هذا القيد حيث حكي عن جماعة القول : بأن العدالة عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق ، على ما سيأتي بيانه عند البحث عن اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار ، وعليه فالتقييد بكون الراوي عدلاً لا يغني عن التقييد بكونه إمامياً. نعم بناء على اعتبار الايمان في العدالة كما هو المشهور يكون قيد « الإمامي » لغواً ، لكن وجود القول الاول يكفي في صحة التقييد به.

سلامة الخبر من العلة والشذوذ 

ثمّ إن الشهيد الثاني نقل عن العامة : أنهم اعتبروا في صحة الخبر

____________

1 ـ انظر مبحث تقسيم الخبر الى أقسامه الاربعة. 

2 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 5. 

 

سلامته من الشذوذ والعلة. 

وفسّر الشذوذ : بمخالفة الخبر لما رواه الناس. وفسّر العلة : بما يكون في الخبر « من أسباب خفيّة قادحة يستخرجها الماهر في الفن (1). 

وعقبّه ولده بقوله : « كالارسال فيما ظاهره اتصال ، ولا ينتهي المعرفة بها الى حد القطع ، بل تكون مستفادة من قرائن يغلب معها الظن ، أو يوجب التردد ، والشك » (2). 

ثمّ قال الشهيد : « وأصحابنا لم يعتبروا في حد الصحيح ذلك. والخلاف في مجرد الاصطلاح ، وإلا فقد يقبلون [ أي العامة ] الخبر الشاذ والمعلل ، ونحن قد لا نقبلهما ، وإن دخلا في الصحيح بحسب العوارض » (3). 

وقوّى ولد الشهيد اشتراط سلامة الخبر من العلة ، فقال : « وأما عدم منافاة العلة فموضع تأمل ، من حيث أن الطريق الى استفادة الاتصال ونحوه من أحوال الأسانيد ، قد انحصر عندنا بعد انقطاع طريق الرواية من جهة السماع ، والقراءة في القرائن الحالية الدالة على صحة ما في الكتب ولو بالظن ولا شك أن فرض غلبة الظن بوجود الخلل ، او تساوي احتمالي وجوده وعدمه ، ينافي ذلك ، وحينئذ يقوى اعتبار انتفاء العلة في مفهوم الصحة الخ » (4). 

ومراده بتساوي احتمالي وجود الخلل وعدمه هو الشك في وجوده ، فلم يترجح جانب عدمه ، ليحصل الظن بالعدم ، وتثبت الصحة ولو ظناً. ولذا صرح ب‍‌ « أن المناسب في تعريف الصحيح أن يقال : هو متصل السند بلا علة الى المعصوم (ع) برواية العدل الضابط عن مثله في جميع المراتب » (5).

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 20. 

2 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 6. 

3 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 20. 

4 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 8. 

5 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 11.

 

 ونبّه الشهيد الثاني على أنه ينبغي أن يزاد الى تعريف الحسن كون المدح مقبولاً ، فيقال في تعريفه : « ما اتصل سنده بامامي ممدوح مدحاً مقبولاً ، او غير معارض بذم ، ونحو ذلك » (1). إذ عند عدم قبول المدح يكون وجوده كعدمه ، وعند معارضته بالذم يتساقطان. ولذا كان المناسب العطف بالواو ، فيقول : مدحاً مقبولاً ، وغير معارض بذم. 

ولا يخفى أن اعتبار هذه الزيادة لا تختص بتعريف الحسن ، بل تجري في تعريف الصحيح ، والموثق أيضاً ، حيث يعتبر فيهما أن يكون التوثيق مقبولاً وغير معارض بذم. فلا وجه لتخصيص الحسن به ، كما فعله الشهيد.

الحجة من هذه الأنواع 

وبعد ثبوت صحة تنويع الحديث ، وتعريف كل نوع بما يميّزه عن الآخر ، بحث عن الحجة من تلك الانواع. 

فالصحيح منها حجة بلا خلاف بين القائلين بحجية خبر الواحد ، وهو القدر المتيقن ارادته من دليل الحجية ، بشرط أن لا يكون شاذاً ، او معارضاً بغيره من الأخبار المعتبرة ، حيث يطلب المرجح عند التعارض وربما عمل بالشاذ كما اتفق للشيخين في بعض الموارد (2). 

وأما الموثق والحسن ، فالمشهور حجيتهما. وخالف فيها جماعة ، فاشترطوا في اعتبار خبر الواحد أن يكون جميع رواته اماميين عدولاً ، ولذا قال الشهيد الثاني : « واختلفوا في العمل بالحسن. فمنهم من عمل به مطلقاً كالصحيح ، وهو الشيخ على ما يظهر من عمله ، وكل من اكتفى في العدالة بظاهر الإسلام ، ولم يشترط ظهورها. ومنهم من رده مطلقاً ، 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 24. 

2 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 25 ـ 26.

 

 وهم الأكثرون ، حيث اشترطوا في قبول الرواية الايمان والعدالة ، كما قطع به العلامة في كتبه الاصولية وغيره ... وكذا اختلفوا في العمل بالموثق نحو اختلافهم في الحسن. فقبله قوم مطلقاً. ورده آخرون وفصّل ثالث بالشهرة وعدمها الخ » (1). 

والحق حجيتهما معاً ، لقيام السيرة العقلائية على قبول كل خبر كان المخبر به موثوقاً به في نقله ، او حسن الظاهر ممدوحاً ، ولم يثبت ردع عنها من قبل الشرع. وسبق (2) نقل الشيخ الطوسي اعتبار الطائفة للمدوح وللموثوق به من الرواة ، واهتمامها بأمر المدح والذم. ودلت الروايات العديدة على اعتبار خبر الثقة. 

فروى عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين جميعاً عن الرضا (ع) قال : « لا أكاد أصل اليك أسألك عن كل ما أحتاج اليه من معالم ديني ، أفيونس بن عبد الرحمان ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ فقال (ع) : نعم » (3) فيكشف هذا السؤال عن أن 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 26. 

2 ـ انظر ص 21. 

3 ـ الوسائل ـ ح 34 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ـ رواه عن الكشي في رجاله ، عن محمد بن مسعود ، وهو العياشي ، عن محمد بن نصير ، عن محمد بن عيسى ، عن عبد العزيز بن المهتدي ، والحسن بن علي بن يقطين ، عن الرضا (ع). والرواية ضعيفة السند ، لان محمد بن نصير مشترك بين النميري الضعيف ، وبين الذي هو من أهل ( كش ) الثقة الجليل ، وكلاهما في طبقة واحدة ، ولم يعلم أن المراد هنا ايهما ، وذلك كافٍ في ضعف الرواية. على انهم ذكروا : أن الذي يروي عنه الكشي هو الثقة الذي من أهل ( كش ) ، والذي يروي عنه العياشي هو النميري الضعيف. والراوي عنه في هذه الرواية هو العياشي رواها عنه ، عن محمد بن عيسى وعين هذا السند ورد في روايتين ذكرا في ( جامع الرواة ) وجاء في التعليقة عليه : 

 

حجية خبر الثقة مفروغ عنه لدى السائل ، وانما كان السؤال عن الصغرى وهي وثاقة يونس ، وقد أقرّه الإمام (ع) على ذلك. وروى أحمد بن اسحاق عن ابي الحسن (ع) ، قال : « سألته وقلت : من أعامل ، وعمن آخذ ، وقول من أقبل؟ فقال (ع) : العمري ثقتي ... فانه الثقة المأمون قال : وسألت ابا محمد (ع) عن مثل ذلك فقال : العمري وابنه ثقتان ... فانهما الثقتان المأمونان » (1). 

وفي التوقيع الشريف الصادر عن الإمام المهدي (ع) « فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا الخ » (2). وعن الحسين بن روح ـ رضوان الله عليه ـ : أن الحسن العسكري (ع) سئل عن كتب بني فضّال. فقال (ع) : « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (3). 

__________________

أن الذي يروي عنه العياشي هو الثقة لا النميري ولكن مراعاة الطبقة لا تأبى كونه النميري الخ. انظر ( جامع الرواة ج 2 ص 208 ).

1 ـ الوسائل ـ ح 4 ـ 5 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ـ رواه عن الكليني عن محمد بن عبد الله الحميري ، ومحمد بن يحيى جميعاً ، عن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن اسحاق ، عن ابي الحسن (ع). والسند صحيح. 

2 ـ الوسائل ح 41 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ، رواه عن الكشي ، عن علي بن محمد بن قتيبة المعروف بالقتيبي النيسابوري ، عن احمد بن ابراهيم المراغي قال : « ورد على القسم بن العلا ، وذكر توقيعاً شريفاً يقول فيه : « فانه لا عذر لاحد الخ ». وقد اختلفوا في اعتبار القتيبي والمراغي ، ولكن العلامة أدرجهما في القسم الاول من كتاب ( خلاصة الرجال ص 11 ـ 46 ) ، ووصف القتيبي بالفاضل كما ذكرهما ابن داود في القسم الاول من كتاب ( رجاله ص 23 ـ 250 ). وقال في المراغي : « ممدوح عظيم الشأن ». 

3 ـ الوسائل ح 14 ـ ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي ، رواه عن الشيخ الطوسي 

 

مع أنهم من الفطحية. 

واستدل الشيخ الأنصاري بهذا الحديث على لزوم الأخذ بما رواه بنو فضّال بلا حاجة الى النظر في حال رجال السند بعدهم (1). 

ونقل الشيخ الطوسي : أن الطائفة قد عملت بأخبار الفطحية ، والواقفه ، ونظائرهم إذا كان الراوي منهم موثوقاً به ، ولا يوجد في اخبارنا ما يخالف خبره ، ولم يعرف من الطائفة العمل على خلافه (2). فيكشف عن حجية خبر الموثق. 

وهنا أمران ينبغي التنبيه عليهما.

حول مدح الراوي 

الأول : إن مدح الراوي لما كان موجباً لاعتباره ، والاخذ بحديثه ، كالتوثيق ، فلماذا خصّوه بالامامي ، ولم يتعدوا عنه ، وهّلاً كان المدح بمنزلة التوثيق في اعتبار الراوي ، وعدّ حديثه حسناً وإن لم يكن امامياً. 

ويمكن الجواب عنه بأن اعتبار الإمامي الممدوح من أجل ثبوت عدالته بالمدح ، لانها عبارة عن حسن الظاهر ـ المفسّر بعدم ظهور ما ينافي العدالة ـ المقرون بالمدح. وهذا مختص بالإمامي ، لعدم اتصاف غيره بالعدالة وإن مدح او وثق. فالمدح إذن بنفسه لا يوجب اعتبار الراوي ، وانما إمارة عدالته ، بخلاف التوثيق ، فانه موجب لاعتبار الموثق بنفسه وإن لم 

__________________

في كتاب ( الغيبة ) ، عن ابي الحسين بن تمام ، عن عبد الله الكوفي خادم الحسين بن روح ، عن الحسين بن روح. والسند ضعيف ، لعدم وثاقة ابي الحسن بن تمام ، وعبد الله الكوفي.

1 ـ كتاب الصلاة للشيخ الأنصاري ص 2. 

2 ـ عدة الأصول ص 61.

 

يكن عدلاً ، فلا يختص بالإمامي. 

وبهذا اجاب السيد بحر العلوم عن ايراد آخر ، وهو أن اشتراط عدالة الراوي ينفي حجية الحسن مطلقاً. فقال : « التحقيق أن الحسن يشارك الصحيح في أصل العدالة ، وإنما يخالفه في الكاشف عنها ، فانه في الصحيح هو التوثيق ، او ما يستلزمه بخلاف الحسن ، فان الكاشف فيه هو حسن الظاهر المكتفى به في ثبوت العدالة على أصح الاقوال » (1). 

ولكن يورد عليه اولاً : بأنه منافي لما صرح به جماعة في مبحث العدالة من عدم ثبوتها بذلك ، فيتم هذا الجواب على بعض المباني ، كما أشار اليه السيد. وثانياً : بأنه منافي لما أخذوه في تعريف كل من الصحيح والحسن ، حيث اعتبروا في الصحيح كون الراوي امامياً عدلاً ، واعتبروا في الحسن كونه امامياً ممدوحاً من غير نصٍ على عدالته ، وهذا صريح في أن اعتبار الحسن ليس من أجل ثبوت العدالة بالمدح. على أن جعله قسيماً للصحيح يقضي بذلك ، وإلا لكان قسماً منه. وثالثاً : بمنافاته الاستدلال على حجية الحسن ببناء العقلاء على قبول خبر المخبر الممدوح الذي لم يظهر منه كذب او دس ، فان مقتضاه عدم دخل عقيدته في قبول خبره. 

نعم سبق (2) ان الشيخ الطوسي نقل عن أصحابنا : أنهم ميّزوا الرجال الناقلة للأخبار ، ووثّقوا الثقات منهم ، وضعّفوا الضعفاء ومدحوا الممدوح ، وذموا المذموم ، وقالوا فلان متهم في حديثه ، وفلان مخالف في المذهب والاعتقاد ، وفلان واقفي ، وفلان فطحي ، وغير ذلك من الطعون التي ذكروها الخ. ومقتضاه ان مدحهم للراوي ، واعتمادهم على حديثه لذلك مشروط بكونه امامياً حيث ذموا غيره ، وطعنوا فيه ، ولا 

____________

1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 1 ص 460. 

2 ـ انظر ص 21. 

 

يجتمع المدح والذم بالنسبة لشخص واحد. وعليه فتكون سيرة الطائفة الممضاة من قبل الشرع دليلاً على أن مدح الراوي لا يجدي في قبول خبره إلا إذا كان إمامياً. ولا يجري ذلك في التوثيق ، لنقل (1) الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخبار الثقة وإن لم يكن إمامياً مثل عبد الله بن بكير فيختلف المدح عن التوثيق.

هل تثبت العدالة بالتوثيق 

الثاني : إن الرجاليين كالنجاشي ، والشيخ الطوسي قد وثقوا كثيراً من الرواة غير الامامية وإن كانوا من الشيعة ، كالواقفة والفطحية ، كما وثقوا بعض الرواة من العامة مثل السكوني ، ولا شك في ان هذا التوثيق شهادة منهم بأمانة الموثق ، وصدقه في الحديث فحسب ، فلا تثبت به عدالته ، وعلى هذا السنخ نراهم وثقوا كثيراً من رواة الامامية ، فكيف يصح البناء على أنه شهادة بعدالتهم ، ولماذا لا يكون شهادة بتحرزهم عن الكذب وصدقهم في الحديث كغيرهم ، وما الفرق بين قول النجاشي في سماعة بن مهران : ثقة ثقة. مكرراً ، وبين قوله بعده في سري بن عبد الله السلمي : ثقة ، ليكون الأول : شهادة بصدق سماعة. والثاني : شهادة بعدالة سري. مع أن الشهادة الاولى اقوى وآكد بالتكرار. 

نعم يمكن القول. بأن توثيق الإمامي ، مع السكوت عن جرحه بما بخل بالعدالة يقضي بأنه عادل ، اذ لو كان هناك ما يجرحه لذكر. لكن الاعتماد على مثل هذا السكوت في اثبات العدالة مشكل. 

هذا كله في أنواع الحديث الثلاثة ، الصحيح ، والحسن ، والموثق. 

__________________

1 ـ عدة الأصول ص 61. 

 

وأما الضعيف وهو المرسل ، او المسند الذي لم يكن راويه موثقاً ، أو إمامياً ممدوحاً ، سواء كان مجهولاً ، او مجروحاً ، فليس بحجة ، لعدم الدليل على جواز العمل به ، فلم يخرج عن حد الظنون التي لا يجوز العمل بها. 

نعم ذكروا طريقين لجواز العمل بمثل هذا الحديث. احدهما كون الراوي له من أصحاب الاجماع اذا صح السند اليه ، وإن ضعف من بعده من الرواة. الثاني اشتهار العمل به لدى قدماء الفقهاء. 

وعليه يلزمنا البحث عن كلا الطريقين. ونقدم البحث عن الأول ، ونردفه بالبحث عن الثاني فنقول. 

 

 

(2)

احَاديثُ اصحابِ الأجماع

 

 

هناك جماعة من وجوه رواة أحاديث أهل البيت (ع) ، وثقاتهم ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، فسمّوا ب‍‌ ( أصحاب الاجماع ). 

ويعّد البحث عن ذلك من أهم أبحاث أصول الحديث ، وقواعده ، حيث يبتني عليه حكم مجموعة كبيرة من أحاديث الفقه الإمامي. ولذا قال الشيخ النوري : « ... فانه من مهمات هذا الفن اذ على بعض التقادير تدخل آلاف من الاحاديث الخارجة عن حريم الصحة الى حدودها ، او يجري عليها حكمها » (1). فالجدير بالفقيه أن يرعى هذا البحث بمزيد اهتمامه.

تصحيح أحاديث أصحاب الاجماع 

فقد بنى جماعة من أكابر الفقهاء على قبول كل حديث صح عن احد اصحاب الاجماع ، من غير لحاظ حال الواسطة بينه وبين المعصوم (ع) فالعبرة بصحة السند من أوله الى ذلك الراوي ، فمسانيده ، ومراسيله ، ومرافيعه ، ومقاطيعه ، كلها معدودة من صحاح الاحاديث ، تفسيراً لجملة ( تصحيح ما يصح عنهم ) بذلك. 

وصرح الشيخ محمد بن اسماعيل المعروف بابي علي في ( رجاله ) : بأن هذا المعنى ، والتفسير ، هو الظاهر المنساق الى الذهن من تلك الجملة. ونقل عن استاذه العلامة أنه اختاره ، وعزاه الى المشهور ، كما نقل عن بعض اجلاّء عصره دعوى الشهرة عليه ، وحكى عن المحقق الداماد في كتابه ( الرواشح السماوية ) نسبته الى الاصحاب مؤذناً بدعوى الاجماع عليه 

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل ج 2 ص 757. 

 

كما حكاه عن امين الدين الكاظمي (1). واختاره الشيخ المامقاني (2). 

ونقل الفيض الكاشاني عن جماعة من المتأخرين : أنهم فهموا من تلك الجملة الحكم بصحة الحديث المنقول عن احد اولئك الجماعة ، اذا صح عنهم ، حتى اذا رووا عمن هو معروف بالفسق والوضع فضلاً عما لو ارسلوا الحديث (3). واختاره الشيخ محمد بن الحسن الحر (4). 

وخالف في ذلك جماعة من المحققين ، فقالوا : بعدم الفرق بين اصحاب الاجماع ، وغيرهم في لزوم احراز وثاقة الواسطة بينهم وبين المعصومين (ع) ، كما يلزم احراز وثاقة الواسطة بيننا وبينهم. فلذا اضطررنا الى تفصيل البحث فنقول.

تعريف بأصحاب الاجماع 

إن الجماعة الذين ادعى الشيخ الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، أو ( تصديقهم ) ثمانية عشر رجلاً. قسّمهم الى طوائف ثلاث كل ستة منهم طائفة. 

فقال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من أصحاب ابي جعفر (ع) ، وابي عبد الله (ع) : « اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الاولين من أصحاب ابي جعفر 7 ، وأصحاب ابي عبد الله 7 ، وانقادوا لهم بالفقه. فقالوا : افقه الاولين ستة ، زرارة ، ومعروف بن خربوذ وبريد ، وأبو بصير الاسدي ، والفضيل بن يسار ، ومحمد بن مسلم الطايفي. قالو : وأفقه الستة زرارة. وقال بعضهم مكان ابو بصير 

__________________

1 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10. 

2 ـ مقباس الهداية ص 72. 

3 ـ الوافي ج 1 ص 12. 

4 ـ وسائل الشيعة ج 3 ـ الفائدة 7.

 

الاسدي : ابو بصير المرادي ، وهو ليث بن البختري ». 

ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي عبد الله (ع) « اجمعت العصابة على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم لما يقولون ، وأقرّوا لهم بالفقه ، من دون اولئك الستة الذين عددناهم ، وسمّيناهم ، ستة نفر ، جميل بن دراج ، وعبد الله بن مسكان ، وعبد الله بن بكير ، وحماد بن عثمان ، وحماد بن عيسى ، وابان بن عثمان. قالوا : وزعم ابو اسحاق الفقيه ـ وهو ثعلبة بن ميمون ـ : ان أفقه هؤلاء جميل بن دراج وهم أحداث اصحاب ابي عبد الله (ع) ». 

ثمّ قال تحت عنوان ( تسمية الفقهاء من اصحاب ابي ابراهيم (ع) ، وأبي الحسن الرضا (ع) : « أجمع اصحابنا على تصحيح ما يصح من هؤلاء ، وتصديقهم ، واقروا لهم بالفقه ، والعلم. وهم ستة نفر اخر ، دون الستة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب ابي عبد الله (ع). منهم يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري ، ومحمد بن ابي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن بن محبوب ، واحمد بن محمد بن ابي نصر. وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب : الحسن بن علي بن فضّال ، وفضالة بن أيوب. وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب : عثمان بن عيى وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمان ، وصفوان بن يحيى » (1). 

وقد نظم السيد بحر العلوم هذا الاجماع الذي نقله الكشي ، ولم يختلف معه إلا في ابي بصير ، حيث نقل الكشي انه الاسدي ، ثمّ نسب القول الى بعضهم : بأنه المرادي. اما السيد فقد ذكر أنه المرادي بقوله : « وليث يافتى ». واليك ما نظمه ، فقال. 

قد أجمع الكل على تصحيح ما

  يصح عن جماعة فليعلما

  

____________

1 ـ رجال الكشي ص 155 ـ 239 ـ 344.

 


وهم أولو نجابة ورفعة

  أربعة وخمسة وتسعة

  

فالستة الأولى من الأمجاد

  أربعة منهم من الاوتاد

  

زرارة كذا بريد قد أتى

  ثمّ محمد وليث يافتى

  

كذا الفضيل بعده معروف

  وهو الذي ما بيننا معروف

  

والستة الوسطى أولو الفضائل

  رتبتهم أدنى من الأوائل

  

جميل الجميل مع أبان

  والعبدلان ثمّ حّمادان

  

والستة الأخرى هم صفوان

  ويونس عليهم الرضوان

  

ثمّ ابن محبوب كذا محمد

  كذاك عبد الله ثم‏ّ أحمد

  

وما ذكرناه الأصح عندنا

  وشذ قول من به خالفنا (1)

  

ولم يزد الكشي في كتابه الذي بأيدينا على اولئك الثمانية عشر ، إلا أن ابن داود في ( رجاله ) عندما ترجم حمدان بن احمد ، نقل عن الكشي انه قال : « هو من خاصة الخاصة اجمعت ( الصحابة ) (2) على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه » (3). 

واحتمل الشيخ النوري : ان يكون ابن داود قد اعتمد في نقله على أصل ( رجال الكشي ). لان الكتاب الشائع الواصل الينا بهذا الاسم مختصره (4). وسيأتي التنبيه على ذلك عند البحث عن ( الأصول الرجالية ). 

وعد الشيخ النوري اصحاب الاجماع اثنين وعشرين رجلاً ، جمعاً بين ما اختاره الكشي ، وما نقله عن بعضهم. وبالاضافة لمن ذكره ابن دواد يبلغ عددهم ثلاثة وعشرين. مستدلاً عليه بأنه : « لا مناقاة بين 

____________

1 ـ ملحق خلاصة الرجال للعلامة ص 185. 

2 ـ هكذا ورد في النسخة المطبوعة. لكن الصحيح ( العصابة ) ، فانه اللفظ المعروف في هذا الاجماع ، والذي نقله الشيخ النوري عن ( رجال ) ابن داود. 

3 ـ رجال ابن داود ص 133. 

4 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 757. 

 

الاجماعين في الانفراد ، لعدم نفي أحد الناقلين ما أثبته الآخر. وعدم وجوب كون العدد في كل طبقة ستة ، وإنما اطلع كل واحد على ما لم يطلع عليه الآخر والجمع بينهما ممكن ، فيكون الجميع مورداً للاجماع » (1). 

ويورد عليه بأن الكشي انما نقل عن بعضهم كون الاربعة الآخرين من أصحاب الاجماع ، وهم ليث بن البختري ، والحسن بن علي بن فضال وفضالة بن أيوب ، وعثمان بن عيسى. ولم يرتضه هو ، ولم يعلم وثاقة ذلك البعض المنقول عنه ، فكيف يصح الاعتماد على قوله. 

وصرح الشيخ الطوسي : بأن هناك جماعة من الرواة عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، ولذا عمل بمراسيلهم. ونص على ثلاثة منهم ، فقال : « وإذا كان احد الراويين مسنداً ، والآخر مرسلا ، نظر في حال في المرسل ، فان كان ممن يعلم أنه لا يرسل إلا عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره. ولأجل ذلك سوت الطائفة بين ما يرويه محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، وأحمد بن محمد بن ابي نصر ، وغيرهم من الثقات الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به ، وبين ما أسنده غيرهم ، ولذلك عملوا بمراسيلهم اذا انفردوا عن رواية غيرهم الخ » (2).

الناقل لهذا الاجماع 

والأصل في دعوى هذا الاجماع هو الشيخ ابو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي صاحب كتاب ( الرجال ) المعروف ، فهو أول من ادعاه ، ونقله الجماعة عنه. ولذا كان من التسامح نسبة دعواه الى جميع 

__________________

1 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 757. 

2 ـ عدة الاصول ص 63.

 

من ذكره ، وتعرض له ، كما فعله الشيخ المامقاني قائلا : « وأول من ادعاه فيما نعلم الشيخ الجليل ابو عمرو الكشي في ( رجاله ) ، ثمّ الشيخ ، والنجاشي ثمّ من بعدهما من المتقدمين والمتأخرين ، كابن طاووس ، والعلامة وابن داود ، وصاحب المعالم ، والشهيدين ، والشيخ سليمان ، والسيد الداماد ، وغيرهم. حتى أنه لو صح وصف الاجماع المنقول بالتواتر ، لصح أن يقال : ان هذا الاجماع قد تواتر نقله ، وصار أصل انعقاده في الجملة من ضروريات الفقهاء والمحدثين ، واهل الدراية والرجال الخ » (1). 

فان بعض هؤلاء الجماعة المذكورين وغيرهم كان ناقلا لدعواه ، لا مدعياً له. وفرق واضح بين دعوى الاجماع ، ونقل دعواه. ولذا صرح الشيخ ابو علي في ( رجاله ) : بأن هذا الاجماع ربما ذكر في كلام النجاشي ، لكن بعنوان النقل عن الكشي ، لا انه ادعاه بنفسه (2). بل ناقش بعضهم في قبوله صريحاً. 

وأما الشيخ الطوسي فانه لم يدع الاجماع بالشكل الذي ادعاه الكشي في ثمانية عشر شخصاً ، وانما صرح بقبول مراسيل الثقات « الذين عرفوا بأنهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به » ، ونص على ثلاثة منهم كما سبق. لكن الشيخ النوري ذكر ان الشيخ الطوسي ناظر الى أصحاب الاجماع الذين ذكرهم الكشي. وهذا لم يثبت ، وسيأتي بحثنا معه حول ذلك. 

نعم ان الشهيد الثاني نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عن عبد الله بن بكير ، والاقرار له بالفقه والثقة (3) وهو على حد تعبير الكشي. لكنه لم نعثر على مصدر الشهيد لنرى أن الشيخ نقله عن الكشي ، او ادعاه بنفسه. على أنه ينافي ما فعله الشيخ في كتاب 

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 70. 

2 ـ منتهى المقال ص 10. 

3 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 131.

 

 ( العدة ) (1) ، حيث ذكر عبد الله بن بكير في صف الفطحية ، ولم يميزه عنهم واشترط في جواز العمل بروايتهم أمرين : عدم وجود المعارض لخبرهم ، وعدم إعراض الطائفة عن مضمونه بالافتاء بخلافه. فلو تم هذا الاجماع عند الشيخ لم يبق وجه للتسوية بين ابن بكير ، وسائر الفطحية. 

بل إن الشهيد نفسه نقل عن الشيخ الطوسي : الجرح الصريح لابن بكير ، وأنه قال ـ عند ذكر حديث له أسنده الى زرارة ـ : « ان اسناده الى زرارة وقع نصرة لمذهبه الذي أفتى به لما رأى أن أصحابه لا يقبلون ما يقوله برأيه ». وقال : « وقد وقع منه من العدول عن اعتقاد مذهب الحق الى الفطحية ما هو معروف. والغلط في ذلك أعظم من الغلط في اسناد فتياً يعتقد صحته لشبهة دخلت عليه الى بعض أصحاب الأئمة : » (2) ومقتضى هذا التصريح من الشيخ صدور الكذب الصريح من عبد الله بن بكير في اسناد الحديث الى ثقات المعصوم (ع). 

وأما السيد بحر العلوم فانه وإن نظم هذا الاجماع في ابياته السابقة من غير حكاية له عن احد ، إلا أنه قال ـ في كتاب ( رجاله ) في ابن ابي عمير وروايته لاصل زيد النرسي ـ : « وحكى الكشي في ( رجاله ) : اجماع العصابة على تصحيح ما يصح عنه ، والاقرار له بالفقه والعلم. ومقتضى ذلك صحة الاصل المذكور ، لكونه مما قد صح عنه الخ » (3). 

وكلامه هذا صريح في إسناد حكاية الاجماع الى الكشي ، لكنه سبق اختلافه معه في ابي بصير في أبياته السابقة ، وقوله في ذيلها : « وشذ قول من به خالفنا ». 

وأما الشهيد الثاني فانه بعد ما نقل عن الشيخ الطوسي : دعوى الاجماع 

____________

1 ـ أنظر ص 61. 

2 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 132. 

3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 366 ـ 367.

 

 في حق عبد الله بن بكير. لم يرتضه ، وقال : « وفيه نظر ، لانه فطحي المذهب ». وهو صريح في نقله حكاية الاجماع ، وخدشه فيه. وله نقاش متين في قبول مراسيل من ادعي : بأنه لا يروي ، ولا يرسل إلا عن ثقة كابن ابي عمير. ونقل عن السيد ابن طاووس في ( البشرى ) : أنه نازعهم في قبول مراسيله (1) والنقاش فيها معروف لدى الفقهاء نقله الشيخ ابو علي وغيره (2). ومقتضاه عدم الاعتناء بهذا الاجماع ، والا لزم قبولها. 

وصرح الشيخ ابو علي : بأن الشيخ الطوسي ربما يقدح في الحديث الذي صح عن هؤلاء الجماعة بالارسال الواقع بعدهم. وأجاب عن ذلك بأن : « الشيخ وغيره من المناقشين ربما لم يثبت عندهم الاجماع ، او لم يثبت وجوب اتباعه لعدم كونه بالمعنى المعهود ، بل كونه مجرد اتفاق ، او لم يفهموا على وفق المشهور ، ولا يضر ذلك ، او لم يقتنعوا بمجرد ذلك والاول أظهر بالنسبة اليه ، لعدم ذكره اياه في كتابه كما ذكره الكشي والنجاشي وأمثالهما ». 

وعلل توهين هذا الاجماع بقوله : « إذ لم نقف على من وافق الكشي في ذلك من معاصريه ، والمتقدمين عليه ، والمتأخرين عنه ، الى زمن العلامة او ما قاربه. نعم ربما يوجد ذكر هذا الاجماع في كلام النجاشي فقط من المتقدمين ، وذلك بعنوان النقل عن الكشي ، إلا أن غير واحد من علمائنا ـ منهم الشيخ البهائي طاب ثراه ـ صرح : بأن الامور الموجبة لعد الحديث من الصحيح عند قدمائنا وجوده في أصل معروف الانتساب الى احد الجماعة الذين اجمعوا على ( تصحيح ما يصح عنهم ) الخ » (3). 

وبذلك اتضح وهن القول : بأن كلمات جميع الذين نقلوا الاجماع 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 48 ـ 49. 

2 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10. 

3 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10. 

 

صريحة في المسلمية والقبول (1).

أدلة حجية هذا الاجماع 

وقد اختلفت طرق الاستدلال على حجية هذا الاجماع ، ولزوم العمل بمقتضاه ، فاختار الشيخ محمد بن الحسن الحر : أنه اجماع تعبدي ، وكاشف عن رأي المعصوم (ع) ، كسائر الاجماعات المنعقدة على بعض الاحكام (2) وتبعه الشيخ المامقاني قائلا : « والمراد بهذا الاجماع ليس هو المعنى اللغوي وهو مجرد اتفاق الكل ، بل المعنى المصطلح ، وهو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (ع) ، على أن يكون المجمع عليه هو القبول والعمل بروايات أولئك الذين قيل في حقهم ذلك اذ امام ذلك العصر بمرأى من أولئك العاملين بأخبار هؤلاء ومسمع ، مع عدم ظهور انكار لهم ولا ردع ، بل أقرهم على ذلك بل وأمر بالرجوع اليهم والأخذ منهم » (3). 

لكن الشيخ النوري أنكر ذلك فقال ، « بعد وضوح عدم كون المراد منه الاجماع المصطلح المعروف الكاشف عن قول المعصوم (ع) او رأيه بأحد الوجوه المذكورة في محله ». واختار وجهاً ثانياً للحجية بقوله : « إن اجماع العصابة على صحة أحاديث الجماعة اجماع على اقتران احاديثهم بما يوجب الحكم بصحتها » (4). 

أما الشيخ الطوسي فان كلامه السابق صريح : في أن عمل الطائفة بمراسيل اولئك الرواة الثلاثة ، وامثالهم من اجل أنهم لا يرسلون إلاّ عن ثقة ، فيكون اعتبار احاديثهم لوثاقة من يروون عنه. 

وصرح الشهيد الثاني : بأن كثيراً من الاصحاب ذكروا : أن ابن 

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 72. 

2 ـ وسائل الشيعة ج 3 ـ الفائدة 7. 

3 ـ مقباس الهداية ص 70 

4 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 759.

 

 أبي عمير لا يروي عن غير الثقة. (1) فالأخذ باخباره مطلقاً لذلك ، وهذا وجه ثالث وان ذكر في احاديث الثلاثة فقط ، حيث يمكن القول : بأنه المدرك لحجية أحاديث جميع اصحاب الاجماع. 

وهناك وجه رابع لاعتبار هذا الاجماع ، وهو أنه يفيد الحدس بوثاقة من روى عنه احد اولئك الجماعة ، كما ان توثيق الراوي في كتب الرجال انما يوجب الحدس بوثاقته ، وليس احد الحدسين بأقوى من الآخر. 

فعلى الوجه الثاني يحصل الوثوق بصدور احاديث أصحاب الاجماع عن المعصوم (ع) ، وعلى الوجه الثالث والرابع يحصل الوثوق برواتها ، وسبق كفاية احد الوثوقين في حجية الحديث. وإن اعتبرنا الحس في توثيق الراوي على ما سيأتي ، اما الوجه الاول فاجنبي عن التوثيق حيث تكون تلك الاحاديث حجة بالتعبد.

تحقيق البحث 

وتحقيق البحث : ان احد اصحاب الاجماع اذا روى عن ضعيف ، او ارسل الحديث ، فلم يعلم حال الواسطة بينه وبين المعصوم (ع) ، سواء كان المرسل هو ابن ابي عمير او غيره. 

فان حصل الوثوق الشخصي والاطمئنان بصدور ذلك الحديث فلا اشكال في حجيته ، ولزوم العمل عليه بالنسبة لذلك الشخص الواثق ، لقيام بناء العقلاء الممضى من قبل الشرع ، وكذا السيرة القطعية ، على حجية كل خبر حصل الوثوق بصدوره ويكون العمل في الحقيقة بذلك الوثوق الخاص ، لا الاجماع. 

وإن لم يحصل ذلك الوثوق يشكل العمل بذلك الحديث اعتماداً على هذا الاجماع ، لعدم الدليل على حجية خبر الراوي الذي لم يوثق او يمدح 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 48. 

 

ولم يحصل الوثوق بصدور خبره عن المعصوم (ع) ، فلم يبن العقلاء ، ولم تقم سيرة ولا نص ، على حجية مثل هذا الخبر ، وهذا الاجماع المدعى لا يصلح دليلا لاثبات الحجية ، لأمور.

معنى صيغة الاجماع 

الاول : إنه اختلف الفقهاء وعلماء الحديث في مؤدى الصيغة التي نقل عليها الاجماع وهي ( تصحيح ما يصح عنهم ). فاختار جماعة : أن معناها قبول كل حديث صح عن أصحاب الاجماع من غير لحاظ حال الواسطة بينهم وبين المعصوم (ع) وبه تمتاز احاديث اولئك الجماعة على ما سبق في صدر البحث. 

واختار آخرون ان تلك الصيغة لا تفيد إلا تصحيح ، او توثيق أولئك الجماعة فحسب. اما بقية رجال سند الحديث المتأخرين عنهم كالسابقين عليهم فلابد من إحراز وثاقتهم من طريق آخر ، فلو كان احدهم ضعيفاً لا تقبل روايته. وان نقلها عنه أحد أصحاب الاجماع. 

وهذا المعنى نقله الشيخ ابو علي في ( رجاله ) عن بعض أفاضل عصره ، وعن استاذه صاحب ( الرياض ) ، وأنه : بالغ في الانكار على المعنى الاول ، وقال : « بل المراد دعوى الاجماع على صدق الجماعة ، وصحة ما ترويه اذا لم يكن في السند من يتوقف فيه ، فاذ قال احد الجماعة حدثني فلان. يكون الاجماع منعقداً على صدق دعواه ، واذا كان فلان ضعيفاً ، او غير معروف لا يجديه ذلك نفعاً ». وأنه أدعى : بأنه لم يعثر في الكتب الفقهية. من اول كتاب ( الطهارة ) الى آخر كتاب ( الديات ) على عمل فقيه من فقهائنا بخبر ضعيف محتجاً : بأن في سنده احد الجماعة

 

وهو اليه صحيح » (1). 

ونقل الشيخ النوري : ان الاستاذ الاكبر نسب هذا المعنى في ( الفوائد ) الى القيل. وأن السيد محمد باقر الجيلاني في ( رسالته ) في تحقيق حال أبان صرح : بأن متعلق التصحيح الرواية بالمعنى المصدري ، أي قولهم : أخبرني او حدثني او سمعت من فلان ، ونتيجة العبارة ان احداً من الجماعة إذا تحقق أنه قال : حدثني فلان. فالعصابة اجمعوا : على انه صادق في اعتقاده. وأن المحقق الشيخ محمد في شرح ( الاستبصار ) قال : إن البعض توقف فيما اشتهر من معنى الاجماع قائلا : « إنا لا نفهم إلا كونه ثقة ». وإن السيد المحقق الكاظمي في ( عدته ) جعل اتفاق الكلمة : على الحكم بصحة ما يصح عنه. إمارة على وثاقة الراوي (2). 

واحتمل هذا المعنى الفيض الكاشاني (3) ، وحكى الشيخ الاصبهاني في ( الفصول ) (4) عن بعضهم اسناده الى الاكثر ، واختاره الفاضل الاسترابادي في ( لب اللباب ) مدعياً عليه الاجماع (5). 

ويدل عليه تعبير الكشي عن الستة الأوائل بقوله : « أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء ... والانقياد لهم بالفقه ». ولم يدع الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، فيصلح ان يكون قرينة على مراده من دعوى ذلك في حق الستة الاواسط والاواخر ، وانه التصديق والتوثيق فقط ، كالاوائل. وإمكان العكس في القرينية يوجب اجمال الكلام ، بحيث لا يمكن الاخذ بظهور تلك الدعوى في الاواسط والاواخر ، إن كان لها ظهور فيما ادعوه. ومع الغض عن ذلك ، والاخذ بظهورها فيهما لا تشمل الاوائل أبداً. 

__________________

1 ـ منتهى المقال ص 9 ـ 10. 

2 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 760 ـ 761. 

3 ـ الوافي ج 1 ص 12. 

4 ـ انظر باب معرفة توثيق المزكي للراوي. 

5 ـ مقباس الهداية ص 71. 

 

والقول : بأن دعوى غير الكشي : الاجماع على تصحيح ما يصح عن الستة الاوائل ، كالاواسط ، والاواخر يغنينا في اشتراك الجميع في هذا الاجماع. موهون ، حيث سبق ان الكشي هو الاصل في هذا الاجماع ، وتبعه الجماعة عليه ، فالاشكال على تعبيره وارد على اصل الاجماع. ولذا حكي عن جماعة من المتأخرين ، كابن طاووس ، والعلامة ، وابن داود : دعوى ذلك في خصوص الاواسط ، والاواخر. كما اختلف تعبير الفيض الكاشاني عن اصحاب الاجماع. فقال ـ عند ذكر طرق صحة الحديث عند القدماء ـ : « وكوجوده في أصل معروف الانتساب الى احد الجماعة الذين اجمعوا على تصديقهم ، كزرارة ... وعلى تصحيح ما يصح عنهم كصفوان بن يحيى الخ » (1). فأصحاب الاجماع طائفتان ، احداهما : حكي الاجماع على تصديقهم. والاخرى : على تصحيح ما يصح عنهم. 

وبعد هذا الاختلاف الشائع في المراد بتلك الصيغة ، وبناء جماعة من الاكابر على أن المراد بها تصديق اصحاب الاجماع ، وتوثيقهم فقط وتصريح الكشي بذلك في الستة الاوائل ، لا يبقى مجال للركون الى احاديث أولئك الجماعة ، إذا لم تثبت وثاقة الواسطة بينهم وبين المعصوم (ع).

 حول حجية هذا الاجماع 

الثاني : ان الاجماع الذي بحث الفقهاء عن حجيته ، واقاموا الادلة عليها ، إنما هو الاجماع على الفتوى في الحكم الشرعي ، ولذا عرفه الشيخ حسن بن الشهيد الثاني ب‍‌ « اتفاق من يعتبر قوله من الامة في الفتاوى 

__________________

1 ـ الوافي ج 1 ص 11. 

 

الشرعية على امر من الأمور الدينية » (1). وعرفه الخضري ـ من اهل السنة ـ ب‍‌ « اتفاق المجتهدين من هذه الامة في عصر على حكم شرعي » (2). 

نعم إن تعريف الشيخ الطوسي له ب‍‌ « اتفاق اهل الحل والعقد من أمة محمد (ص) ». وقول صاحب ( المبادي ) في تعريفه : « الاجماع في اصطلاح فقهاء أهل البيت (ع) هو اتفاق أمة محمد (ص) على وجه يشمل قول المعصوم (ع) » (3). وإن كان ظاهراً في الاطلاق ، إلا أن المراد به الاجماع على الحكم الشرعي. ولذا استدل الشيخ الطوسي على حجيته ب‍‌ ( قاعدة اللطف ) ، وأنه لا يخلوا عصر من امام معصوم حافظ للشرع (4). وقال ـ عند البحث عما لو اتفق فتوى الاصحاب على خلاف قول الإمام (ع) ـ : لو « كان على القول الذي انفرد به الإمام (ع) دليل من كتاب او سنة مقطوع بها لم يجب عليه الظهور ، ولا الدلالة على ذلك ، لان ما هو موجود من دليل الكتاب ، والسنة كاف في باب ازاحة التكليف. ومتى لم يكن على القول الذي انفرد به دليل على ما قلناه ، وجب عليه الظهور ، وإظهار من يبين الحق في تلك المسألة ، على ما قد مضى القول فيه ، وإلا لم يحسن التكليف » (5). 

وعليه فدليل حجية الاجماع لا يشمل مورد البحث لانه اجماع في موضوع ، وأجنبي عن الحكم والتكليف. نعم بالنظر لما استدل به اهل السنة على حجيته من قوله (ص) : « لا تجتمع أمتي على خطأ ». ونظائره (6) يشمل المورد في فرض اجتماع الامة. لكنه مفقود. بالإضافة الى أن الاجماع المدعى منقول لم تثبت حجيته في الاحكام فضلا عن 

__________________

1 ـ معالم الاصول ص 164. 

2 ـ أصول الفقه للخضري ص 299. 

3 ـ فرائد الاصول ص 48. 

4 ـ عدة الاصول ص 232. 

5 ـ عدة الاصول ص 247. 

6 ـ أصول الفقه للخضري ص 315.

 

الموضوعات. بل ناقش البعض حتى في حجية الاجماع المحصل (1). 

فالقول بأن هذا الاجماع تعبدي وكاشف عن رأي المعصوم (ع) في غاية الوهن. ولذا رده الشيخ النوري. وقال الشيخ ابو علي : « لكن هذا الاجماع لم يثبت وجوب اتباعه كالذي بالمعنى المصطلح لكونه مجرد وفاق » (2). 

على أن المصدر لنقل هذا الاجماع كتاب ( رجال الكشي ) ، الذي رماه النجاشي بكثرة الأغلاط عند ترجمة مؤلفه بقوله : « وكان ثقة عيناً وروى عن الضعفاء كثيراً ... له كتاب الرجال ، كثير العلم ، وفيه أغلاط كثيرة » (3) وتبعه العلامة الحلي في ذلك (4). 

وجاء في كتاب ( قاموس الرجال ) (5) : « وأما رجال الكشي فلم تصل نسخته صحيحة الى احد حتى الشيخ والنجاشي ... وتصحيفاته اكثر من ان تحصى ، وإنما السالم منه معدود ... وقد تصدينا فيما سوى ذلك في كل ترجمة على تحريفاته ، بل قل ما تسلم رواية من رواياته عن التصحيف بل وقع في كثير من عناوينه ، بل وقع فيه خلط اخبار ترجمة باخبار ترجمة أخرى ، وخلط طبقة بأخرى ... ثمّ ان الشيخ اختار مقداراً منه مع ما فيه من الخلط والتصحيف ... وبعد ما قلنا من وقوع التحريفات في اصل الكشي بتلك المرتبة لا يمكن الاعتماد على ما فيه اذا لم تقم قرينة على صحة ما فيه ... ثمّ انه حدث في الاختيار من الكشي ايضاً تحريفات غير ما كان في أصله ، فانه شأن كل كتاب ، إلا انها لم تكن بقدر الأصل ولذا ترى نسخ الاختيار ايضاً مختلفة الخ ». 

____________

1 ـ الحدائق ج 1 ص 35. 

2 ـ منتهى المقال ص 10. 

3 ـ رجال النجاشي ص 363. 

4 ـ خلاصة الرجال ص 71. 

5 ـ أنظر ج 1 ص 43 ـ 46. 

 

ومن هنا يمكن عروض الزحاف في تعبيره عن الستة الاواسط والاواخر ب‍‌ « تصحيح ما يصح عنهم » ، وأن الصحيح ما عبر به عن الاوائل من التصديق والانقياد لهم بالفقه فقط.

التسامح في دعوى الاجماع 

الثالث : إن التسامح في دعوى الاجماع ، واستعمال لفظه في غير ما وضع له حدث كثيراً في كلام القدماء ، وذلك مما يوهن الاعتماد على دعواه في محل البحث. توضيح ذلك : 

أن الاجماع في اللغة عبارة عن الاتفاق ، فيقال : أجمع القوم على الامر أي اتفقوا عليه (1). 

وبذلك عرفه الفقهاء كما سبق ، وقال الشيخ الأنصاري : « ان الاجماع في مصطلح الخاصة ، بل العامة الذين هم الاصل له ، وهو الأصل لهم ، هو اتفاق جميع العلماء في عصر ، كما ينادي بذلك تعريفات كثير من الفريقين ... كما نراهم يعتذرون كثيراً عن وجود المخالف بانقراض عصره » (2). 

ومع ذلك نرى القدماء يدعون الاجماع أحياناً مع وجود المخالفين في المسألة ، بل ان الشخص منهم قد يتفق دعواه الاجماع على حكم ثمّ يدعيه على خلافه في موضع آخر. وبهذا أورد الشيخ يوسف البحراني على حجية الاجماع قائلا : « إن أساطين الاجماع ، كالشيخ والمرتضى وابن ادريس واضرابهم ، قد كفونا مؤونة القدح فيه ، وابطاله بمناقضاتهم بعضهم بعضاً في دعواه ، بل مناقضة الواحد منهم نفسه في ذلك ... ولقد كان عندي رسالة ، الظاهر أنها لشيخنا الشهيد الثاني 1 ، كتبها في 

__________________

1 ـ أقرب الموارد ، مادة جمع. 

2 ـ فرائد الأصول ص 48.

 

الاجماعات التي ناقض الشيخ فيها نفسه » (1). 

وعلة هذا التناقض في دعوى الاجماع الصادرة من أعلام الفقه ، أن مدرك حجية الاجماع دخول قول المعصوم (ع) في المجمعين ، فكما أن خبر الثقة ، وروايته عن المعصوم (ع) ، يكشف عن قوله (ع) كشفاً حسياً ، فالاجماع كذلك يكشف عن قوله (ع) ، اما كشفاً حدسياً كما عليه الاكثر ، لقاعدة اللطف ونحوها ، او حسياً كما عن بعضهم ، فيكون بمنزلة ما لو سمع الحكم من الإمام (ع) في جملة جماعة لا يعرف اعيانهم ، فيحصل بذلك العلم بقوله (ع). 

وقد أورد الشيخ الانصاري على الكشف الحسي بأنه « في غاية القلة بل نعلم جزماً : أنه لم يتفق لاحد من هؤلاء الحاكين للاجماع ، كالشيخين والسيدين ، وغيرهما. ولذا صرح الشيخ في ( العدة ) في مقام الرد على السيد ، حيث انكر الاجماع من باب وجوب اللطف ، بأنه لولا ( قاعدة اللطف ) لم يمكن التوصل الى معرفة موافقة الإمام (ع) للمجمعين » (2). 

وعليه فاذا حصل العلم للفقيه بقول المعصوم (ع) من فتوى جماعة بحكم يدعي الاجماع عليه ، وإذا اتفق له بعد ذلك حصول العلم بقول المعصوم (ع) من فتوى جماعة آخرين على خلاف الحكم الاول يدعي الاجماع على الثاني ، حيث ينكشف له خطأ الدعوى الاولى ، فيحدث التناقض بين دعوييه. ومثله اختلاف الفقيهين في دعوى الاجماع. قال المحقق الحلي : « وأما الاجماع فعندنا هو حجة بانضمام المعصوم (ع) ، فلو خلا المائة من فقهائنا عن قوله (ع) لما كان حجة ، ولو حصل في اثنين لكان قولهما حجة ، لا باعتبار اتفاقهما ، بل باعتبار قوله (ع) ، فلا تغتر إذن بمن يتحكم فيدعي الاجماع باتفاق الخمسة والعشرة من الاصحاب 

____________

1 ـ الحدائق ج 1 ص 37. 

2 ـ فرائد الاصول ص 51. 

 

مع جهالة قول الباقين ، إلا مع العلم القطعي بدخول الإمام (ع) في الجملة » (1). 

وقريب منه كلام السيد المرتضى ، والعلامة الحلي (2). 

لكن تسمية هذا المعنى إجماعاً مخالف لمعنى الاجماع لغة وعرفاً. ولذا قال الشيخ الانصاري : « إنهم قد تسامحوا في إطلاق الاجماع على اتفاق الجماعة التي علم دخول الإمام (ع) فيها لوجود مناط الحجية فيه ، وكون وجود المخالف غير مؤثر شيئاً ، وقد شاع هذا التسامح ... فالنكتة في التعبير عن الدليل بالاجماع مع توقفه على ملاحظة انضمام مذهب الإمام (ع) الذي هو المدلول الى الكاشف عنه ، وتسمية المجموع دليلا ، هو التحفظ على ما جرت سيرة أهل الفن من ارجاع كل دليل الى احد الادلة المعروفة بين الفريقين ، أعني الكتاب ، والسنة ، والاجماع ، والعقل. ففي إطلاق الاجماع على هذا مسامحة الخ » (3). 

واعتذر الشهيد الاول عن تناقض الاجماعات المنقولة بأمور فقال : « يثبت الاجماع بخبر الواحد ما لم يعلم خلافه ، لانه إمارة قوية كروايته. وقد اشتمل كتاب ( الخلاف ـ والانتصار ـ والسرائر ـ والفقيه ) على اكثر هذا الباب ، مع ظهور المخالف في بعضها حتى من الناقل نفسه. والعذر ، إما بعدم اعتبار المخالف المعلوم المعين كما سلف. وإما تسميتهم لما اشتهر إجماعاً. وإما بعدم الظفر حين ادعي الاجماع بالمخالف. وإما بتأويل الخلاف على وجه يمكن مجامعته لدعوى الاجماع ، وإن بعد ، كجعل الحكم من باب التخيير. وإما إجماعهم على روايته ، بمعنى تدوينه في كتبهم منسوباً الى الأئمة (ع) (4). 

وقيل في الاعتذار عن ذلك ايضاً : إن أصول الحديث كانت بأيدي 

__________________

1 ـ المعتبر ص 6. 

2 ـ فرائد الاصول ص 49. 

3 ـ فرائد الاصول ص 49 ـ 50. 

4 ـ الذكرى ص 4.

 

 القدماء « وربما اختلفت الاخبار في ذلك الحكم بالتقية وعدمها ، والجواز والكراهة ونحوها ، فيدعي كل منهم الاجماع على ما يؤدي اليه نظره وفهمه من تلك الاخبار ، بعد اشتمال اكثر تلك الاصول او كلها على الاخبار المتعلقة بما يختاره ، ويؤدي اليه نظره .. (1). 

وحيث كان للقدماء اصطلاحات خاصة في دعوى الاجماع ، كيف يصلح دليلا لنا ، كما في مسألتنا هذه.

اختلاف مباني الفقهاء 

الرابع : إن مباني الفقهاء مختلفة في العمل بالاخبار. 

1 ـ فيرى بعضهم حجية خبر كل مسلم لم يظهر منه فسق وإن لم يوثق او يمدح ، لان عدم الفسق ليس شرطاً في قبول خبر المسلم ، وإنما ظهور الفسق يكون مانعاً من قبوله ، لقوله تعالى « إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا الخ » (2). 

فمتى لم يعلم الفسق لا يجب التثبت ، لان الاصل عدم الفسق في المسلم ، وصحة قوله. 

نسب الشهيد الثاني هذا القول الى بعض آراء الشيخ الطوسي ، من اجل « أنه كثيراً ما يقبل خبر غير العدل ، ولا يبين السبب ». وقال : « وبهذا احتج من قبل المراسيل ». لكنه نسب الى أئمة الحديث ، والاصول الفقهية اشتراط عدالة الراوي. كما نسب الى الاكثر اشتراط الايمان والعدالة معاً. 

2 ـ ونسب الى جماعة الاكتفاء في ثبوت العدالة بظاهر الإسلام ، ولم يشترطوا ظهورها (3). وقال الشيخ الاصفهاني في ( الفصول ) ـ عند 

____________

1 ـ الحدائق ج 1 ص 39 ـ 40. 

2 ـ الحجرات / 7. 

3 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 26 ـ 27 ـ 65. 

 

البحث عن عدالة الراوي ـ : « الثاني ما حكي عن جماعة من المتقدمين من أنها عبارة عن الإسلام مع عدم ظهور الفسق. وعن ( الخلاف ) دعوى الاجماع عليه الخ ». 

لكن المشهور فتوى وعملا بحيث لا نعرف فيه خلافاً في العصور الاخيرة عدم الاكتفاء بالإسلام في ثبوت العدالة وإنما الإيمان شرط فيها لابد من إحرازه. 

ومن المستبعد أن يريد اولئك الجماعة اجراء جميع أحكام العدالة على ظهور الإسلام حتى جواز الايتمام في الصلاة ، وقبول الشهادة في الحكم والقضاء. ويكشف عن ذلك تفصيل الشيخ الطوسي بين العدالة المعتبرة في قبول الرواية فاكتفى فيها بوثاقة الراوي وسماها عدالة ، وبين العدالة المعتبرة في الشهادة وفي ترجيح أحد الخبرين المتعارضين فلم يكتف بذلك. فقال « ... وأما العدالة المراعاة في ترجيح احد الخبرين على الآخر فهو أن يكون الراوي معتقداً للحق مستبصراً ثقة في دينه متحرجاً من الكذب ، غير متهم فيما يرويه الخ ». وقال « فاما من كان مخطئاً في بعض الافعال ، او فاسقاً بافعال الجوارح ، وكان ثقة في روايته متحرزاً فيها فان ذلك لا يوجب رد خبره ، ويجوز العمل به ، لان العدالة المطلوبة في الرواية حاصلة فيه ، وانما الفسق بافعال الجوارح يمنع من قبول شهادته ، وليس بمانع من قبول خبره ، ولاجل ذلك قبلت الطائفة اخبار جماعة هذه صفتهم » (1). 

3 ـ ويرى جماعة وجوب العمل بجميع اخبار الكتب الاربعة ، بل بجميع اخبار الكتب الموثوق بها حتى ادعي عليه الاجماع ، كما سبق ويأتي. 

4 ـ ويرى آخرون عدم احتياج مشائخ الاجازة الى توثيق ، فيعملون باخبارهم اجمع وان لم يوثقوا. 

__________________

1 ـ عدة الاصول ص 60 ، وما بعدها.

 

5 ـ وبنى بعضهم على كفاية الظن في باب التوثيق لانسداد باب العلم بعدالة الرواة ، كما سيأتي البحث عنه. 

6 ـ وحكي عن احمد بن محمد بن خالد البرقي ووالده وجمع من العامة الاستدلال على حجية الخبر المرسل اذا كان المرسل له ثقة ، بان « رواية الفرع عن الاصل تعديل له ، لان العدل لا يروي إلا عن العدل وإلا لم يكن عدلا ، بل كان مدلساً ، وغاشاً » (1). 

فلا حاجة بعد ذلك الى التفتيش عن حال من روى عنه العدل ، لثبوت عدالته بروايته عنه. 

7 ـ واعتمد الشيخ الصدوق في تصحيح الاخبار على شيخه محمد بن الحسن بن الوليد ، وصرح : بان ما صححه شيخه المذكور هو الصحيح ، ومالم يصححه فمتروك ، وغير صحيح (2). 

8 ـ وعمل الشيخ الانصاري بروايات بني فضال اذا صح السند اليهم مطلقاً ، وان ارسلوا الحديث ، فهم بمنزلة اصحاب الاجماع عنده. واستند في ذلك الى ما رواه الحسين بن روح ـ رضوان الله عليه ـ عن الإمام العسكري (ع) : انه سئل عن كتب بني فضال. فقال (ع) : خدوا بما رووا ، وذروا ما رأوا » (3). ولذا قال الشيخ الانصاري ـ عند ذكره لرواية داود بن فرقد الواردة في الاوقات ـ : « وهذه الرواية ، وان كانت مرسلة ، إلا ان سندها الى الحسن بن فضال صحيح. وبنو فضال ممن امر بالاخذ بكتبهم ، ورواياتهم الخ » (4). 

لكن استاذنا المحقق اورد على ذلك ، اولاً : بضعف سند هذه الرواية الواردة في بني فضال ، حيث رواها الشيخ الطوسي ، عن ابي الحسين 

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 48. 

2 ـ الفقيه ج 2 ص 55. 

3 ـ الوسائل ح 14 ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي. 

4 ـ صلاة الشيخ الأنصاري ص 2. 

 

ابن تمام ، عن عبد الله الكوفي ، وكلاهما لم يوثقا. وثانياً : بأن المستفاد منها ان بني فضال وان كانوا من الفطحية ، إلا انهم كسائر الثقات الآخرين من الإمامية ، فلا يضر انحرافهم رأياً في قبول رواياتهم ، لا انها تقبل باجمعها ، وان رووا عن ضعيف ، او ارسلوا الحديث ، وإلا لكانوا اعلى قدراً من زرارة ، ومحمد بن مسلم ، ونظائرهما من فقهاء الرواة ، واعاظم الإمامية. 

وعليه فقبول كثير من الفقهاء أحاديث أصحاب الاجماع مطلقاً ، لاجل هذه المباني الخاصة ونظائرها ، لا يكون حجة على فقيه يرى بطلان تلك المباني. 

مناقشة أدلة حجية هذا الاجماع 

وبما قرأته وتقرؤه ظهر وهن الوجوه التي ذكروها لدلالة هذا الاجماع على أخبار اولئك الجماعة مطلقاً ، وسبق بيانها ، وانها اربعة. 

الأول : كونه اجماعاً تعبدياً ، وكاشفاً عن رأي المعصوم (ع) ، وسبق انه اضعف الوجوه (1).

قياس الاجماع بتوثيق الرجالي 

الثاني : قياس هذا الاجماع بتوثيق الرجالي ، بدعوى ان الحاصل منهما هو الحدس بوثاقة الراوي ، وليس احد الحدسين باقوى من الآخر ، فكما يقبل حديث الراوي الموثق في كتب الرجال ، يقبل حديث الراوي الذي روى عنه احد اصحاب الاجماع. ويورد عليه. 

أولاً : بما سبق من وهن الاجماع في نفسه. 

__________________

1 ـ انظر ص 49 ـ 51. 

 

وثانياً : بأن الاجماع على تصحيح ما يصح عن اولئك الجماعة لا يلازم وثاقة من رووا عنه ، اذ كما تطلق صحة الحديث لدى القدماء على ما رواه الثقات تطلق على المحتف بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور وان كان الراوي ضعيفاً وفاسقاً ، على خلاف مصطلح المتأخرين ، ولعل الاطلاق الثاني اكثر شيوعاً لديهم من الاول ، وقد سبق (1). 

ولذا قال الشيخ الاصبهاني في ( الفصول ) (2) : « ... فهذه العبارة منقولة عن المتقدمين وقد عرفت ان تصحيحهم لا يقتضي التوثيق ». وقال الشيخ النوري : « ... ما ذكره يتم على القول بكون مفاد العبارة وثاقة الجماعة المدكورين او وثاقتهم ووثاقة كل من كان في السند بعد احدهم. وأما على ما هو المشهور من ان المراد صحة احاديث الجماعة بالمعنى المصطلح عند القدماء ، فلا دلالة فيها ولو بالالتزام على وثاقتهم ، لجواز كون وجه الصحة احتفاف احاديثهم بالقرائن الخارجية التي تجامع ضعف راويها ، كما صرح به جماعة منهم الخ » (3). وعلى هذا فلا وجه لقياس هذا الاجماع بتوثيق الراوي في كتب الرجال.

حول تزكية الراوي 

وثالثاً : بأن توثيق الراوي ، وتزكيته في تلك الكتب ، مستند الى سبر حياته ، ومعرفة اقواله ، وأفعاله الكاشفة عن وثاقته تارة ، وضعفه اخرى لانها امارات يعرف بها حال الرجل ، وتقواه. ولا اشكال في الاعتماد عليها لدى الشرع ، والعرف ، في الجرح ، والتعديل. فيبتني عليها الحكم بعدالته ليؤتم به في الصلاة ، وتقبل شهادته ، وينفذ حكمه في القضاء اذا كان مجتهداً 

__________________

1 ـ انظر ص 19. 

2 ـ انظر فصل معرفة توثيق المزكي للراوي. 

3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 759. 

 

كما يبتني عليها الحكم بفسقه ، فلا يصح ذلك كله. 

فتوثيق الرجالي للراوي شهادة منه بوثاقته. فان اكتفي بخبر الثقة الواحد في الموضوعات فهو ، وإلا لزم التعدد ، والعدالة ، كسائر الامور التي يتوقف ثبوتها على البينة ، وقد التزم بذلك بعض المحققين (1). 

وصرح الشيخ الانصاري ـ عند البحث عن حجية قول اللغويين ـ : ب‍‌ « ان المتيقن من هذا الاتفاق هو الرجوع اليهم مع اجتماع شرائط الشهادة من العدد والعدالة ، ونحو ذلك لا مطلقاً!. ألا ترى أن أكثر علمائنا على اعتبار العدالة فيمن يرجع اليه من اهل الرجال ، بل وبعضهم على اعتبار التعدد. والظاهر اتفاقهم على اشتراط التعدد ، والعدالة في اهل الخبرة في مسألة التقويم ، وغيرها » (2). واين هذا من دعوى الاجماع على التصحيح ، فانها اجنبية عن الشهادة ، فكيف يصح قياسها بالتوثيق. 

وحيث كان التوثيق من باب الشهادة فلابد وأن يصدر عن حسن ، لعدم قبول الاخبار الحدسي فيها ، كما في خبر الثقة في الأحكام. ولذا قال الشيخ الأنصاري ـ عندما نفى الملازمة بين حجية الخبر وحجية الاجماع المنقول ـ : « ان الأدلة الخاصة التي أقاموها على حجية خبر العادل لا تدل الاّ على حجية الاخبار عن حسن الخ » (3). 

وقال : « ... فيما ذهب اليه المعظم ، بل اطبقوا عليه ، كما في ( الرياض ) من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات اذا لم يستند الى الحس وان علله في ( الرياض ) بما لا يخلو عن نظر : من أن الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحس مأخوذ في مفهومها. والحاصل انه لا ينبغي الاشكال في ان الإخبار عن حدس ، واجتهاد ، ونظر ، ليس حجة إلا على من 

__________________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 14. 

2 ـ فرائد الاصول ص 46. 

3 ـ فرائد الاصول ص 47.

 

 وجب عليه تقليد المخبر في الاحكام الشرعية الخ » (1). 

نعم لا يشترط الجزم بكون الإخبار حسياً ، بل يكفي احتمال صدوره عنه ، فلو اخبر النجاشي عن وثاقة راوي ، وشككنا في استناده الى حس أو حدس ، قبلنا خبره ، لقيام السيرة على كفاية احتمال الحس في قبول خبر الثقة ، فلو اخبر عن موت رجل قبل العقلاء خبره ، سواء علموا بانه اخبر عن حس ومشاهدة ، او احتملوا فيه ذلك ، كما احتملوا ان يكون اخبر عن حدس ، بان سمع صياحاً من جهة داره فاعتقد انه قد مات. 

اما اذا لم يحتمل الحس في التوثيق فلا يقبل ، ولاجله نوقش في توثيقات الرواة التي يرسلها المتأخرون بدعوى عدم احتمال وجود طريق معتبر لهم يتصل بمن احس بوثاقتهم ، للفصل الطويل بين الموثق والموثق وسيأتي البحث عن ذلك. 

وعليه فحصول الحدس بوثاقة من روى عنه اصحاب الاجماع لا يجدي في ثبوت وثاقتهم. والتوثيق في كتب الرجال لا يقبل منه إلا الحسي قطعاً او احتمالا ، فلا يقاس به الحدسي المحض. 

وهناك وجوه اخرى في شأن التوثيق استدل بها على كفاية تزكية الواحد في ثبوت الوثاقة. 

أولها : ان « التزكية فرع الرواية ، فكما (2) لا يعتبر العدد في الاصل فكذا في الفرع » (3) ، لان الاحتياط في الفرع لا يزيد على الاحتياط في الاصل. واشتهر الاستدلال بذلك بين المتأخرين. لكن نوقش بعدة وجوه (4). 

____________

1 ـ فرائد الاصول ص 48. 

2 ـ الوارد في المصدر لفظ « فكلما » والصحيح ما ذكرناه. 

3 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 69. 

4 ـ مقباس الهداية ص 59. 

 

ثانيها : ان التزكية بنفسها رواية مقابل القول بانها شهادة. وعلى هذا الاختلاف في حقيقتها بنى كثير من الفقهاء الخلاف في كفاية تزكية الواحد وعدمها ، حيث يكتفى به في الاول دون الثاني. 

وناقش فيه المحقق القمي : بان الرواية لها اطلاقان ، احدهما ، الخبر المصطلح الذي هو احد أدلة الفقه. ثانيهما : الخبر المقابل للانشاء. والتزكية ليست من الاول ليشملها دليل حجية خبر الواحد في الاحكام ، ولم يقم دليل على كفاية الواحد في مطلق الخبر (1). 

لكن استاذنا المحقق الحكيم قد استدل على كفاية تزكية الواحد الثقة بما دل على حجية خبره في الاحكام ، باعتبار ان التوثيق بمدلوله الالتزامي يؤدي الى الحكم الكلي (2). ولنا تعليق عليه في مبحث آخر. 

ومقتضى هذين الوجهين عدم صحة قياس هذا الاجماع بالتوثيق الرجالي. 

ثالثها : ان حجية خبر الواحد لما كانت من باب الاطمئنان العقلاني واشتراط العدالة تنبيه على ان خبر العادل مفيد له دون خبر الفاسق ، فلا شبهة في كفاية تزكية الواحد اذا افاد الاطمينان (3). 

ومقتضى هذا الوجه كون العبرة بالاطمينان ، ولا اشكال في حجيته لو حصل لشخص ، سواء كان مصدره تزكية الواحد ، او هذا الاجماع او غيرهما. لكن الاشكال في حصول الاطمينان بوثاقة من روى عنه اصحاب الاجماع بعد المناقشات السابقة فيه. 

رابعها : ان الاكتفاء بتزكية الواحد من باب الظنون الاجتهادية المرجوع 

__________________

1 ـ قوانين الاصول ص 464 ، وما بعدها. 

2 ـ المستمسك ج 1 ص 30 ـ 31. 

3 ـ مقباس الهداية ص 59. 

 

اليها عند انسداد باب العلم » (1). 

ومقتضاه كفاية الظن بالوثاقة وان حصل من هذا الاجماع. لكنه يتوقف على القول : بانسداد باب العلم في توثيقات الرواة. وسيأتي البحث عنه. على انه يمكن النقاش في حصول الظن بالوثاقة من هذا الاجماع ، لما سبق من النقاش فيه.

قرائن الصحة 

الثالث : ان الاجماع على صحة احاديث هؤلاء الجماعة اجماع على اقتران أحاديثهم بقرائن الصحة ، فيلزم العمل بها لذلك. والجواب عنه. 

أولا : بما سبق من وهن الاجماع في نفسه ، وعدم دلالة صيغته على ذلك ، حيث لم يظهر منها اكثر من تصديق اولئك الجماعة الثمانية عشر فحسب. 

وثانياً : بمنافاته للوجوه الثلاثة الاخرى المذكورة في حجية هذا الاجماع وهي كونه تعبدياً ، وكاشفاً عن رأي المعصوم (ع). أو أنه بمنزلة التوثيق في كتب الرجال. او ان أولئك الجماعة لا يروون إلا عن ثقة. وعليه فلا يبقى وثوق لارادة هذا المعنى من جملة ( تصحيح ما يصح عنهم ). 

وثالثاً : بأن أحاديث اولئك الجماعة كثيرة ، ومتفرقة في ابواب الفقه ، كما وأن الاصول والكتب التي نقلتها الينا عديدة ، لعدة مؤلفين : فكيف اختصت احاديثهم بتلك القرائن دون بقية احاديث الاصول ، والكتب الناقلة لها. نعم قد يدعى احتفاف جميع احاديث تلك الكتب ، والاصول بقرائن الصحة ، كما سبق (2) ، لكنه مبحث آخر. 

__________________

1 ـ قوانين الاصول ص 467. 

2 ـ انظر ص 17. 

 

ورابعاً : بأن الشيخ الطوسي نقل اجماع الإمامية على العمل بجميع الاخبار « التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في اصولهم ، لا يتناكرون ذلك ، ولا يتدافعونه الخ » (1). 

( وصرح الشيخ محمد بن الحسن الحر : بأن الشيخ الطوسي ، وغيره نقلوا « الاجماع على العمل بروايات الجميع الموجودة في الكتب المعتمدة » (2). فاذا كشف ذلك الاجماع عن اقتران احاديث اصحابه بقرائن الصحة فليكشف هذا الاجماع عن اقتران احاديث جميع تصانيفنا ، وأصولنا بذلك. 

لكن فقهاءنا لم يلتزموا به. كما أنهم لم يلتزموا بما جزم به الاخباريون من احتفاف جميع احاديث كتبنا الموثوق بها بالقرائن المفيدة للعلم بصدورها ولم يعملوا عند فقد النصوص بفتاوى الشيخ ابي الحسن علي بن بابويه الواردة في رسالته ( الشرائع ) ، مع ان الشهيد في ( الذكرى ) ، والمفيد الثاني ولد الشيخ الطوسي ، نقلا عمل قدماء الفقهاء بتلك الفتاوى « عند اعواز النصوص تنزيلا لفتاواه منزلة رواياته ». وذكر الشيخ الانصاري : ان غير واحد حكى ذلك عن القدماء (3). 

وعلى تقدير كشف ذلك الاجماع عن تلك القرائن لشخص ، وحصول الوثوق له بصدور تلك الاحاديث تكون حجة في حقه ، كما هو شأن كل وثوق شخصي. 

__________________

1 ـ عدة الاصول ص 51. 

2 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 7. 

3 ـ فرائد الاصول ص 98 ـ 311. 

 

اصحاب الاجماع لا يروون إلا عن ثقة 

الرابع : ان أصحاب الاجماع لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة؛ فيلزم العمل باحاديثهم لذلك. وهذه الدعوى لم تثبت بالصراحة في حق جميع اولئك الجماعة ، وانما ذكرها الشيخ الطوسي في ثلاثة منهم ، محمد بن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى ، واحمد بن محمد بن ابي نصر ، وعطف عليهم « غيرهم من الثقات الذين عرفوا : بانهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عمن يوثق به » على ما سبق (1) ، ولذا نقل الشهيد في ( الذكرى ) وغيره عن فقهائنا ، قبول مراسيل اولئك الثلاثة فحسب. للنص عليهم والاجمال في غيرهم. هذا بلحاظ الاصل والقاعدة. 

وأما عند العمل والتطبيق فنراهم اغفلوا البزنطي ، وصفوان ، وخصوا ابن ابي عمير بالذكر ، ولاجله أورد الشيخ المامقاني بقوله : « ... ونراهم في الفقه لم يلتزموا بذلك إلا في حق ابن ابي عمير ، ولا ارى للقصر عليه وجهاً ، لان المستند في حق مراسيل ابن أبي عمير هو الاجماع المزبور ، وهو مشترك بينهم ، فقبوله في ابن ابي عمير ، والاغماض عنه في يونس وصفوان ، والبزنطي مما لم افهم وجهه » (2). 

ويورد على الشيخ المامقاني بذكره ليونس مع الثلاثة ، ولم يذكره الشيخ الطوسي في كلامه. كا يورد على الوحيد البهبهاني باهماله للبزنطي في قوله ـ عند ذكر امارات الوثاقة ـ : « ومنها رواية صفوان بن يحيى ، وابن ابي عمير عنه ، فانها إمارة الوثاقة ، لقول الشيخ في ( العدة ) : إنهما لا يرويان 

__________________

1 ـ انظر ص 41. 

2 ـ مقباس الهداية ص 49.

 

 إلا عن ثقة » (1). مع ان الشيخ الطوسي عد البزنطي ثالثاً لهما. نعم ألحقه الوحيد بهما في ذيل كلامه ، لكنه لا وجه لفصله عنهما اولا ليحتاج الى الحاقه. 

وناقش الشيخ النوري الفقهاء في قبول مراسيل اولئك الثلاثة فحسب وعده من الخطأ المحض ، وصرح : بان الشيخ الطوسي ناظر الى اصحاب الاجماع ، وانهم لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، ومقتضاه قبول مراسيلهم جميعاً. وقال : « إلا ان المنصف المتأمل في هذا الكلام لا يرتاب في ان المراد من قوله : من الثقات الذين الخ ، أصحاب الاجماع المعهودين اذ ليس في جميع ثقات الرواة جماعة معروفون وبصفة خاصة مشتركون فيها ممتازون بها عن غيرهم غير هؤلاء ، فان صريح كلامه ان فيهم جماعة معروفين (2) عند الاصحاب بهذه الفضيلة ، ولا تجد في كتب هذا الفن من طبقة الثقات عصابة مشتركين في فضيلة غير هؤلاء » (3). 

لكن هذا يتوقف على الجزم بان الشيخ الطوسي ناظر في كلامه الى أصحاب الاجماع ، فيشترك الجميع في هذا الحكم ، ولا يختص بأولئك الثلاثة ، لكنه لم يثبت. ولم يحتمله احد من كلامه ، ولذا استدل القائلون بحجية أحاديث اصحاب الاجماع بعدة وجوه ، ولم يشيروا إلى كلام الشيخ ولو جرى فيهم لكان اولى بالذكر. 

والذي يبدو لي من كلام الشيخ الطوسي انه بصدد بيان كبرى كلية وهي قبول مراسيل كل من علم بأنه لا يرسل إلا عن ثقة ، ثمّ طبقها على اولئك الثلاثة ، لأنهم بعض مصاديقها. وعليه فتحتاج عند تطبيقها على 

____________

1 ـ تعليقة منهج المقال ص 10. 

2 ـ الوارد في النص ( معروفون ) ولكنه غلط. 

3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 758. 

 

غيرهم الى احراز عدم ارسالهم عن غير الثقة. ولذا اختلف الفقهاء في مراسيل بعض الاعاظم ، فقبلها جماعة لما احرزوا ذلك منهم ، وردها آخرون لعدم احرازه ، على ما سيأتي. 

نعم سبق أن جماعة فسروا جملة ( تصحيح ما يصح عن اصحاب الاجماع ) بقبول ما صح عنهم من الاحاديث مطلقاً ، بلا فرق بين مسانيدهم ومراسيلهم ، ومرافيعهم ، ومقاطيعهم ، فتكون مراسيلهم حجة لهذا الاجماع لا لما ذكره الشيخ الطوسي. ولذا قال الشيخ محمد حسن في ( جواهره ) (1) عند ذكره مرسلاً لحريز : « وخبر حريز وإن كان مرسلا ، إلا انه في السند حماد ، وهو ممن اجمعت العصابة على ( تصحيح ما يصح عنه ) ، فلا يقدح ضعف من بعده ». لكنه سبق الاشكال على هذا الاجماع من عدة وجوه ، فلا يصلح مدركاً لحجية مراسيل اولئك الجماعة.

 حاديث الثلاثة 

يبقى البحث في خصوص أحاديث البزنطي ، وصفوان ، وابن ابي عمير حيث ذكر الشيخ الطوسي انهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ، ونقل عن الطائفة انها سوّت بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم ، فان تم ذلك حصل امتياز لهؤلاء الرواة الثلاثة ، ولزم العمل باحاديثهم اجمع مسانيد ومراسيل. 

لكن ناقش فيه استاذنا المحقق الخوئي : بأن الظاهر من عبارة الشيخ الطوسي انه اجتهد في دعواه أن اولئك الثلاثة لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، حيث قال : « فان كان ممن يعلم بأنه لا يرسل إلا عن ثقة الخ ». وليس هذا شهادة منه بوثاقة من يروون عنه ، وإنما هو استعلام من حالهم 

__________________

1 ـ الجواهر ج 2 ص 316. 

 

بحسب اجتهاده ، فلا يكون حجة في حقنا. 

ويورد عليه ، بأنه منافي لما نقله الشيخ الطوسي من تسوية الطائفة بين مراسيل اولئك الثلاثة ، ونظائرهم ، وبين ما اسنده غيرهم ، لظهوره في ان عدم إرسال الثلاثة عن غير الثقة كان معروفاً لدى الطائفة ولاجله اعتمدت على مراسيلهم ، فلا يكون اجتهاداً منه. 

وأجاب الاستاذ عن ذلك : بان الشيخ الطوسي ، وإن نقل عن الطائفة التسوية بين مراسيل الثلاثة ، ومسانيد غيرهم ، إلا انه اجتهد في أن سبب ذلك عدم ارسالهم عن غير الثقة ، ولم ينقله لنا عن الطائفة.

تحقيق البحث 

والتحقيق أن مدرك القول : بأن اولئك الثلاثة لا يروون ، ولا يرسلون إلا عن ثقة ، احد امور ثلاثة ذكرها الشهيد الثاني في ( درايته ) موجزاً (1) وبسطنا البحث والجواب عنها هنا. 

الاول : استقراء حال جميع من يروون ، ويرسلون عنه من الرواة فلم ير فيهم ضعيف. والجواب عنه. 

أولا : عدم تصريح احد بذلك الاستقراء. 

وثانياً : عدم إمكانه في المراسيل للجهل بمن ارسل عنه ، خصوصاً مراسيل ابن ابي عمير التي امتازت على غيرها. ولذا قال الشهيد الثاني : إن دون اثبات هذا المعنى خرط القتاد ، وإن صاحب ( البشرى ) نازعهم في ذلك. فان ابن ابي عمير قد اضطر الى الارسال بسبب ضياع كتبه ، فهو نفسه قد غاب عنه اسماء بعض الذين روى عنهم ، فكيف يمكن لغيره 

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 48 ـ 49.

 

 الاطلاع عليهم ، ليعرف حالهم. 

قال الشيخ النجاشي في ابن أبي عمير : « وقيل : إن أخته دفنت كتبه في حالة استتاره وكونه في الحبس اربع سنين ، فهلكت الكتب ، وقيل بل تركتها في غرفة فسال عليها المطر فهلكت ، فحدّث من حفظه ، ومما كان سلف له في ايدي الناس ، فلهذا اصحابنا يسكنون الى مراسيله » (1) ولا ندري كيف صار ضياع كتبه ، وتلفها سبباً للسكون الى مراسيله. 

وقال الشيخ الكشي : « وذهبت كتب ابن ابي عمير ، فلم يخلص كتب احاديثه فكان يحفظ أربعين مجلداً ، فسماه نوادر ، فلذلك يوجد احاديث متقطعة الاسانيد » (2). 

وثالثاً : أنه ثبت رواية اولئك الثلاثة عن بعض الضعفاء ، فلم يبق وثوق للاخذ بتلك الكلية المدعاة ، وهي : لا يروون إلا عن ثقة. 

الثاني : شهادة اولئك الثلاثة واخبارهم : بانهم لا يروون ، ولا يرسلون الا عن ثقة. والجواب عنه. 

أولا : عدم نقل احد تلك الشهادة عن اولئك الثلاثة ، فلا طريق لثبوتها. 

وثانياً : انها كسائر الشهادات بتعديل الرواة يمكن معارضتها بجرح الثقات الآخرين لهم على تقدير ثبوته ، وبما ان الراوي مجهول في المراسيل لم يثبت عدم جرحه ليخلص توثيقه عن المعارض. ولذا قال الشهيد الثاني : « اذا قال الثقة : حدثني ثقة ، ولم يبينه لم يكف ذلك الاطلاق والتوثيق في العمل بروايته ، وان اكتفينا بتزكية الواحد ، اذ لابد على تقدير الاكتفاء بتزكيتة من تعيينه ، وتسميته لينظر في امره ، هل اطلق القوم عليه التعديل او تعارض كلامهم فيه ، او لم يذكروه. لجواز كونه ثقة عنده ، وغيره 

____________

1 ـ رجال النجاشي ص 229. 

2 ـ رجال الكشي ص 363.

 

 قد اطلع على جرحه بما هو جارح عنده ـ أي عند هذا الشاهد بثقته ـ وانما وثقه بناء على ظاهر حاله ، ولو علم به لما وثقه. وأصالة عدم الجارج مع ظهور تزكيته غير كاف في هذا المقام اذ لابد من البحث عن حالة الرواة على وجه يظهر به احد الامور الثلاثة من الجرح ، او التعديل ، او تعارضهما ، حيث يمكن » (1). 

نعم اختار جماعة كفاية مثل هذا التوثيق ، بدليل ان العبرة في باب الجرح ، والتعديل بالظن ، وهو يحصل من ذلك. قال الوحيد البهبهاني عند ذكر امارات الوثاقة ، والمدح : « ومنها ان يقول الثقة : حدثني الثقة وفي افادته التوثيق المعتبر خلاف معروف. وحصول الظن منه ظاهر ، واحتمال كونه في الواقع مقدوحاً لا يمنع الظن ، فضلا عن احتمال كونه ممن ورد فيه قدح كما هو الحال في سائر التوثيقات ، فتأمل الخ » (2). 

فالاكتفاء بمثل هذا التوثيق يبتني على القول بكفاية الظن بالوثاقة. وسيأتي البحث عنه في مبحث ( انسداد باب العلم في التوثيقات ). 

واكتفى المحقق الحلي بقول الراوي : اخبرني بعض اصحابنا. اذا عنى الامامية وإن لم يصفه بالعدالة اذا لم يصفه بالفسق. وعلل ذلك بقوله : « لان اخباره بمذهبه شهادة بانه من اهل الامانة ولم يعلم منه الفسق المانع من القبول. فان قال : عن بعض اصحابه. لم يقبل ، لامكان ان يعني نسبته الى الرواة واهل العلم ، فيكون البحث فيه كالمجهول ». 

وقد تعجب منه الشيخ حسن بن الشهيد الثاني بد اشتراطه العدالة في الراوي. واورد عليه بان الاصحاب لا ينحصرون في العدول. على ان « التعديل انما يقبل مع انتفاء معارضة الجرح له ، وانما يعلم الحال مع تعيين 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 73. 

2 ـ تعليقة منهج المقال ص 11.

 


المعدل وتسميته لينظر هل له جارح الخ » (1). 

وثالثاً : ثبوت رواية اولئك الثلاثة عن بعض الضعفاء ، فنحتمل ان يكون هو الذي ارسلوا عنه فكيف يصح الاخذ بمراسيلهم. 

الثالث : ان حسن الظن باولئك الثلاثة لورعهم ، واحتياطهم في امور الدين يقضي بان لا يروون ، ولا يرسلون الا عن ثقة. والجواب عنه. 

أولا : ان الورع والاحتياط لا يختص باولئك ، بل يوصف به كثير من رواة احاديث أهل البيت (ع) ، فيلزم العمل بجميع ما رووه مسانيد ومراسيل ، اخذاً بقاعدة ( حسن الظن ) ، بل متى حسن الظن براوي انه لا يروي ، ولا يرسل الا عن ثقة لزم العمل باحاديثه ، وان لم يكن من وجوه الرواة. 

وثانياً : ان ذلك اجتهاد ممن ادى حسن ظنه بهم الى تلك النتيجة لا شهادة بوثاقة من ارسلوا او رووا عنه ، فيختص الحكم بمن اجتهد بذلك وحصل له الوثوق دون غيره. وسبق ان الشيخ الطوسي اعطى قاعدة كلية وهي قبول مراسيل كل من علم : بانه لا يرسل إلا عن ثقة ، وطبقها على اولئك الثلاثة ، فاذا علم الفقيه ذلك من حال راوي لزمه العمل بمراسيله. 

ولذا حكي عن الشيخ محمد بن الحسن الحر في ( التحرير ) ، والشيخ البهائي في شرح ( الفقيه ) ، وظاهر الفاضل السبزواري في ( الذخيرة ) ، جعل مراسيل الصدوق كالمسانيد. وقال الفاضل المقداد في ( التنقيح ) في حق الشيخ الطوسي : « ومثله لا يرسل إلا عن ثقة ». كما قال في حق ابن ابي عقيل مثله. وقال الشهيد في ( الذكرى ) عند ارسال ابن الجنيد رواية عن اهل البيت (ع) : « وارساله في قوة المسند ، لانه من اعاظم العلماء » ومقتضى هذا التعليل قبول مراسيل الاعاظم مطلقاً. وقال صاحب ( التكملة ) 

____________

1 ـ معالم الاصول ص 198. 

 

إن مراسيل النجاشي كالمسانيد. 

قال الشيخ المامقاني بعد نقل ذلك : « يظهر مما سمعته من الشهيد في ( الذكرى ) ، والفاضل المقداد في ( التنقيح ) القول : بان كل ثقة لا يرسل ، ولا يروي الا عن ثقة الخ » (1). 

وسبق نقله ذلك عن جماعة بدليل ان « رواية الفرع عن الاصل تعديل له ، لان العدل لا يروي الا عن العدل وإلا لم يكن عدلا ، بل كان مدلساً وغاشاً » (2). وضعفها ظاهر. 

ولما لم يقم دليل يمكن الركون اليه في ان اولئك الثلاثة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة كانت المناقشة في مراسيل ابن ابي عمير معروفة لدى الاصحاب (3). وصرح جماعة بعدم قبولها. منهم الشهيد الثاني ، والسيد ابن طاووس (4) ، والمحقق في ( المعتبر ) ، والشيخ محمد السبط (5). 

وحيث انجر البحث الى مراسيل الأحاديث فقد ناسب التحدث عنها ولو موجزاً. فنقول :

مراسيل الأحاديث 

عرف الشهيد الثاني المرسل من الاحاديث ب‍‌ « ما رواه عن المعصوم 7 من لم يدركه ». وقال : « والمراد بالادراك هنا التلاقي في ذلك الحديث المحدث عنه ، بان رواه عنه بواسطة ، وان ادركه بمعنى اجتماعه به ونحوه. وبهذا المعنى يتحقق ارسال الصحابي عن النبي (ص) ، بان يروي الحديث عنه (ص) بواسطة صحابي آخر الخ » (6). فتارة تهمل الواسطة 

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 50. 

2 ـ مقباس الهداية ص 48. 

3 ـ منتهى المقال ص 9. 

4 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 48 ـ 49. 

5 ـ مقباس الهداية ص 49. 

6 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 47. 

 

لنسيان او غيره ، واخرى تذكر بلفظ مبهم ، كقول الراوي : عن رجل او عن بعض اصحابنا. ونحوه ، والكل مرسل. 

واختلف في حجية المرسل ، فاختار جماعة حجيته مطلقاً اذا كان المرسل ثقة ، سواء كان صحابياً ، ام جليلاً ام غيرهما ، وسواء اسقط واحداً من السند ام اكثر. وهو المحكي عن البرقي ووالده من الإمامية ، وجمع من العامة. منهم الآمدي ، ومالك ، واحمد ، وابو هاشم ، واتباعه من المعتزلة ، بل حكي عن بعضهم جعله اقوى من المسند واستدلو عليه بامور واضحة الوهن (1). 

وادعى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بالمراسيل اذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة ، كعملها بالمسانيد (2). ومقتضاه حجية المرسل مطلقاً بشرط عدم معارضة المسند الصحيح. 

لكن المشهور عدم حجيته. وهو المنسوب الى المحقق ، والعلامة ، والشهيدين ، وسائر من تأخر عنهم من فقهاء الامامية ، كما نسب الى الحاجبي والعضدي ، والبيضاوي ، والرازي ، والقاضي ابي بكر ، والشافعي ، وغيرهم من العامة (3). وجعله الشهيد الثاني اصح الاقوال للاصوليين ، والمحدثين مستدلا عليه بقوله : « وذلك للجهل بحال المحذوف ، فيحتمل كونه ضعيفاً ويزداد الاحتمال بزيادة الساقط ، فيقوى احتمال الضعف. ومجرد روايته عنه ليس تعديلا ، بل اعم » (4) فوثاقة الراوي ، او حسنه شرط في قبول روايته ، ولم يثبت في المرسل. كما لم يثبت ان ابن أبي عمير ونظائره من الثقات لا يرسلون إلا عن ثقة ، كي تقبل مراسيلهم مطلقاً. كما التزم به الشافعي في سعيد بن المسيب. 

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 48. 

2 ـ عدة الاصول ص 63. 

3 ـ مقباس الهداية ص 48. 

4 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 48. 

 

نعم لو اعتمدنا على احاديث اصحاب الاجماع مطلقاً ، تفسيراً لجملة ( تصحيح ما يصح عنهم ) بكفاية صحة السند اليهم ، صحت مراسيلهم وامتازت على غيرها. لكن سبق الاشكال في اصل الاجماع ، وفي تفسير جملته بذلك. 

كما انه اذا التزمنا بانجبار ضعف سند الحديث باشتهار عمل الفقهاء به ثبت حجية المرسل الذي عملوا به. ولذا قال استاذنا المحقق الحكيم ـ بعد ذكره لمرسلة ايوب بن نوح الواردة في صلاة العاري ـ : « وإرسالها غير قادح لاعتماد جماعة من الاكابر عليها ، كالفاضلين ، والشهيدين ، والمحقق الثاني ، وغيرهم » (1). وسيأتي البحث عن ذلك مفصلا. 

وقد يحصل الوثوق والاطمينان بصدور المرسل عن المعصوم (ع) فيكون حجة لذلك ، كما في كل حديث حصل الوثوق بصدوره. ولا يبعد حصوله في بعض المراسيل التي تسالم الفقهاء على العمل بها ، كالنبوي الشريف « على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي » حيث استدل به الفقهاء على ضمان اليد ما أخذته في عدة مباحث.

رواية أصحاب الاجماع عن الضعيف 

وسبق الاشارة الى أن ابن أبي عمير ونظائره قد ثبت روايتهم عن بعض الضعفاء. وذلك يوهن دعوى الشيخ الطوسي : انهم لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة. كما يوهن الاعتماد على احاديث أصحاب الاجماع مطلقاً ، بناء على ان الملاك في قبولها وثاقة من يروون عنه. 

وقد رد المحقق في ( المعتبر ) بعض الروايات بالطعن في سندها. 

__________________

1 ـ المستمسك ج 5 ص 317.

 

 ثمّ قال : « ولو قال قائل : إن مراسيل ابن ابي عمير يعمل بها الاصحاب منعنا ذلك ، لان في رجاله من طعن الأصحاب فيه ، فاذا ارسل احتمل أن يكون الراوي احدهم » (1). 

فمن الذين روى عنهم أصحاب الاجماع الحكم بن عتيبة. روى عنه الفضيل في ( الفقيه ) في باب ميراث الجنين ، وروى جميل بن دراج عن زكريا بن يحيى الشعيري عنه في ( الكافي ) في باب من اوصى وعليه دين وكذا في اقرار بعض الورثة بدين في كتاب الميراث (2). مع ان الكشي ترجمه ، وذكر عدة روايات في ذمه (3). كما حكي ذمه عن كتاب ( التحرير الطاووسي ) (4). 

ومنهم عمرو بن جميع الأزدي البصري قاضي الري ، فان له كتاباً رواه عنه يونس بن عبد الرحمن (5) مع ان الشيخ الطوسي ، والشيخ النجاشي ضعفاه صريحاً (6). 

ومنهم جماعة لم يذكروا بتوثيق ، او مدح ، فهم مجهولون ، كالحكم الاعمى. روى عنه الحسن بن محبوب في ( الفقيه ) في باب احكام المماليك والاماء في كتاب النكاح. وروى عنه ايضاً مرتين في ( الكافي ) في باب حد القاذف (7). وقال الشيخ الطوسي : « له أصل رويناه بالاسناد الأول عن ابن ابي عمير عن الحسن بن محبوب عن الحكم الأعمى » (8). وكالحكم 

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 49. 

2 ـ جامع الرواة ج 1 ص 266. 

3 ـ رجال الكشي ص 137. 

4 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 358. 

5 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 111. 

6 ـ رجال الشيخ الطوسي ص 249 ، ورجال الشيخ النجاشي ص 205. 

7 ـ جامع الرواة ج 1 ص 264. 

8 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 62.

 

 بن أيمن ، روى عنه ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى (1). 

ويمكن القول بان أمثال هذين الحكمين ، وإن لم يرد فيهم مدح او توثيق ، إلا أن رواية ابن ابي عمير ، ونظائره عنهم تكفي في وثاقتهم. 

ومنهم علي بن ابي حمزة البطائني. فان له اصلا رواه عنه الشيخ الطوسي باسناده عن احمد بن ابي عبد الله ، واحمد بن محمد بن عيسى عن ابن ابي عمير ، وصفوان بن يحيى جميعاً عنه (2). وروى عنه احمد بن محمد بن ابي نصر البزنطي أيضاً ، حيث قال الشيخ الصدوق : « وما كان فيه عن علي بن ابي حمزة فقد رويته عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر ، عن علي بن ابي حمزة » (3) وينصرف الى البطائني ، لانه المعروف صاحب الاصل دون الثمالي الثقة. 

فروى عنه هؤلاء الثلاثة الذين هم ملتقى دعوى الشيخ الطوسي ، واجماع الشيخ الكشي. مع ان ضعفه قد اشتهر ، وأصبح مضرباً للأمثال وبما انه مكثر من الرواية ، وهناك قائل بقبول روايته بل توثيقه ، ناسب جداً بسط البحث عن حاله. فنقول. 

____________

1 ـ جامع الرواة ج 1 ص 264. 

2 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 96 ـ 97. 

3 ـ الفقيه ج 4 ص 87 ـ 88 ، شرح المشيخة. 

 

 

ـ 3 ـ

حياة البطائني ـ عَليّ بن ابي حمزة

 

أدلة ضعف البطائني 

ترجمه النجاشي بقوله : « علي بن أبي حمزة واسم أبي حمزة سالم البطائني ابو الحسن مولى الأنصار كوفي. وكان قائد أبي بصير يحيى بن القاسم. وله أخ يسمى جعفر بن أبي حمزة. روى عن أبي الحسن موسى ، وروى عن أبي عبد اللّه 8 ، ثم وقف ، وهو أحد عمد الواقفة ، وصنف كتباً عدة » (1) ثم ساق كتبه. 

وذكره الشيخ الطوسي في ( الفهرست ) (2) ، وفي كتاب ( الرجال ) (3) في أصحاب الامام الكاظم (ع) ، ونص على وقفه فيهما كما ذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) من كتاب الرجال (4). 

فلم يتعرض له النجاشي في ( رجاله ) ، ولا الشيخ الطوسي في ( كتابه ) بمدح ، ولا قدح سوى الوقف الذي اشتهر به ، ودعا اليه. 

وصرح الشيخ الطوسي بذمه في كتاب ( الغيبة ) عند ذكره وكلاء الامام الكاظم (ع) المذمومين ، فقال : « فأما المذمومون منهم فجماعة ... منهم علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي ، وعثمان بن عيسى الرواسي ، كلهم كانوا وكلاء لأبي الحسن موسى (ع) ، وكان عندهم أموال جزيلة ، فلما مضى أبو الحسن موسى 7 وقفوا طمعاً في الأموال ، ودفعوا إمامة الرضا (ع) وجحدوه » (5). 

وأورد عدة روايات في ذمه في الفصل الذي عقده لذكر السبب 

__________________

1 ـ رجال النجاشي ص 175. 

2 ـ انظر ص 96. 

3 ـ انظر ص 353. 

4 ـ انظر ص 242. 

5 ـ الغيبة للشيخ الطوسي ص 227 

 

الباعث لقوم على القول بالوقف ، فقال : « فروى الثقات : أن أول من أظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني ، وزياد بن مروان القندي وعثمان بن عيسى الرواسي. طمعوا في الدنيا ، ومالوا الى حطامها ، واستمالوا قوماً ، فبذلوا لهم شيئاً مما اختانوه من الأموال ، نحو حمزة بن بزيع ، وابن المكاري ، وكرام الخثعمي ، وأمثالهم ». 

وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان أنه قال : « مات أبو ابراهيم 7 وليس من قوّامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، وكان ذلك سبب وقفهم ، وجحدهم موته طمعاً في الأموال ، كان عند زياد بن مروان القندي سبعون ألف دينار ، وعند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار. فلما رأيت ذلك ، وتبينت الحق ، وعرفت من أمر أبي الحسن الرضا 7 ما علمت تكلمت ، ودعوت الناس اليه. فبعثا إلي وقالا : ما يدعوك الى هذا؟ إن كنت تريد المال فنحن نغنيك ، وضمنا لي عشرة آلاف دينار ، وقالا : كف. فأبيت وقلت لهما : إنا روينا عن الصادقين : أنهم قالوا : إذا ظهرت البدع فعلى العالم أن يظهر علمه ، فان لم يفعل سلب نور الإيمان. وما كنت لأدع الجهاد وأمر اللّه على كل حال ، فناصباني وأضمرا لي العداوة ». 

وروى بسنده عن يعقوب بن يزيد الانباري ، عن بعض أصحابه قال : « مضى أبو ابراهيم (ع) وعند زياد القندي سبعون ألف دينار ... فأما ابن أبي حمزة فانه أنكره ، ولم يعترف بما عنده الخ ». 

وروى بسنده أن يحيى بن مساور قال : « حضرت جماعة من الشيعة وكان فيهم علي بن أبي حمزة ، فسمعته يقول : دخل علي بن يقطين على أبي الحسن موسى 7 فسأله عن أشياء فأجابه. ثم قال أبو الحسن 7 : يا علي صاحبك يقتلني ... قال علي : فمن لنا بعدك

 

يا سيدي. فقال (ع) : علي ابني هذا (ع) ... فقال يحيى بن الحسن لحرب : فما حمل علي بن أبي حمزة على أن برئ منه وحسده. قال : سألت يحيى بن مساور عن ذلك ، فقال : حمله ما كان عنده من ماله اقتطعه ليشقيه في الدنيا والآخرة ». 

وروى بسنده عن أبي داود ، قال : كنت أنا وعتيبة بياع القصب عند علي بن أبي حمزة البطائني ، وكان رئيس الواقفة ، فسمعته يقول : قال لي أبو ابراهيم 7 إنما أنت وأصحابك ـ يا علي ـ أشباه الحمير الخ ». 

وروى بسنده عن احمد بن عمر ، قال : « سمعت الرضا (ع) يقول في ابن أبي حمزة : أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى الى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني. وقال : إن أبا إبراهيم يعود الى ثمانية أشهر ، فما استبان لهم كذبه؟ ». 

وروى بسنده عن محمد بن سنان ، قال : « ذكر علي بن أبي حمزة عند الرضا 7 فلعنه. ثم قال : إن علي بن أبي حمزة أراد أن لا يعبد اللّه في سمائه وأرضه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون ، ولو كره اللعين المشرك. قلت : المشرك. قال : نعم واللّه وإن رغم أنفه ، كذلك هو في كتاب اللّه ، يريدون أن يطفئوا نور اللّه بأفواههم ، وقد جرت فيه ، وفي أمثاله ، إنه أراد أن يطفئ نور اللّه » (1). 

وذكره الشيخ الكشي في موارد ثلاثة من كتاب ( رجاله ) (2). 

وذكر فيها عدة روايات في ذمه ، فروى بعدة طرق ما نقله الشيخ الطوسي عن أبي داود. 

__________________

1 ـ أنظر هذه الروايات في كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ص 46 ، وما بعدها. 

2 ـ أنظر ص 255 ـ 277 ـ 288. 

 

وروى عن ابن مسعود ، عن علي بن الحسن بن فضال أنه قال : « علي بن أبي حمزة كذاب متهم ، روى أصحابنا : أن أبا الحسن الرضا (ع) قال ـ بعد موت ابن أبي حمزة ـ : إنه أقعد في قبره ، فسئل عن الأئمة : فأخبر بأسمائهم حتى انتهى إلي ، فسئل فوقف ، فضرب على رأسه ضربة امتلأ قبره ناراً ». 

وروى عن ابن مسعود أنه قال : « سمعت علي بن الحسن يقول : ابن أبي حمزة كذاب ملعون ، قد رويت عنه أحاديث كثيرة ، وكتبت تفسير القرآن من أوله الى آخره ، إلا أني لا أستحل أن أروي عنه حديثاً واحداً ». 

وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان قال : « مات أبو الحسن (ع) وليس من قوامه أحد إلا وعنده المال الكثير ، فكان ذلك سبب وقوفهم وجحودهم موته ، وكان عند علي بن أبي حمزة ثلاثون ألف دينار ». 

وروى بسنده عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت جعلت فداك إني خلفت ابن أبي حمزة ، وابن مهران ، وابن أبي سعيد اشد اهل الدنيا عداوة لك. فقال لي : ما ضرك من ضل اذا اهتديت ، إنهم كذبوا رسول اللّه (ص) ... وسمعته يقول ـ في ابن ابي حمزة ـ : « أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يهدى الى عيسى بن موسى ، وهو صاحب السفياني. وقال : إن أبا الحسن يعود الى ثمانية أشهر؟ ». 

وروى بسنده عن يونس بن عبد الرحمان. قال : « دخلت على الرضا (ع) فقال لي : مات علي بن أبي حمزة. قلت : نعم. قال (ع)

 

قد دخل النار. قال : ففزعت (1) من ذلك. قال (ع) : أما أنه سئل عن الامام بعد موسى أبي (ع) فقال : إني لا أعرف إماماً بعده. فقيل لابنه. فضرب في قبره ضربة اشتعل قبره ناراً ». 

وروى بسنده عن احمد بن محمد ، عن أبي الحسن (ع) أنه قال : « ... لما قبض رسول اللّه (ص) جهد الناس في إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره بأمير المؤمنين (ع) ، فلما توفي أبو الحسن (ع) جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه ، فأبى اللّه إلا أن يتم نوره الخ ». 

وروى بسنده عن اسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا حديثاً طويلاً عرض فيه النقاش الدائر بين البطائني والامام الرضا (ع) حول إمامته. وجاء في آخره : أن البطائني قال : « إنا روينا أن الامام لا يمضي حتى يرى عقبه. فقال أبو الحسن (ع) : أما رويتم في هذا الحديث غير هذا. قال : لا. قال (ع) : بلى واللّه لقد رويتم إلا القائم ، وأنتم لا تدرون ما معناه ، ولمَ قيل. قال له علي : بلى واللّه إن هذا لفي الحديث. قال له ابو الحسن (ع) : ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه. ثم قال : يا شيخ إتق اللّه ، ولا تكن من الصادين عن دين اللّه تعالى ». 

ولذا اشتهر بين الفقهاء ، والرجاليين ضعفه ، وعدم العمل بروايته فأدرجه العلامة الحلي في القسم الثاني من ( خلاصته ) الذي أعده للضعفاء من الرواة ، والذين لا يعمل بروايتهم. وقال عنه : إنه أحد عمد الواقفة. 

__________________

1 ـ الظاهر أن فزعه من اجل ذكر النار ، وعذابها ، فان المؤمنين إذا ذكرت النار عندهم وجلت قلوبهم. ولم يكن فزعه من أجل دخول البطائني فيها ، لأن يونس هو الذي كان يندد به ، ويعلن عن كذبه ، وبدعه ، وليس من الغريب أن يدخل المبدع المضلل النار. 

 

ونقل بعض الأدلة السابقة ، وقول ابن الغضائري : « علي بن أبي حمزة ـ لعنه الله ـ اصل الوقف ، وأشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم 7 » (1) وقال العلامة ـ في ترجمة الثمالي ـ : « لأن ابن أبي حمزة البطائني ضعيف جداً » (2). وهذه الجملة وردت في كلام الميرزا محمد ايضاً (3). 

وذكره ابن داود في القسم الثاني من ( رجاله ) الذي أعده للمجروحين ونقل بعض الروايات السابقة ، وكلام ابن الغضائري فيه (4). وضعّفه المجلسي صريحاً (5). 

وقال الشيخ المامقاني : « وإنما وقع الخلاف في وثاقته وعدمها على قولين. أحدهما : أنه ضعيف لا يعمل بخبره وهو المشهور بين علماء الرجال والفقهاء ، وقد سمعت التصريح به من جمع ، ولعنه من عده ، أقوى شاهد على نهاية ضعفه ، وقد صرح بوقفه وضعفه ، وعدم العمل بروايته جمع منه المحقق في ( المعتبر ) ، وسيد ( المدارك ) ، ومستنده ظاهر الخ » (6). 

هذه أدلة ضعفه ، ولا بد من النظر فيها فنقول. 

__________________

1 ـ خلاصة الرجال ص 111. 

2 ـ خلاصة الرجال ص 47. 

3 ـ منهج المقال ص 224. 

4 ـ رجال ابن داود ص 478. 

5 ـ وجيزة المجلسي ، ملحقة بخلاصة الرجال ص 158. 

6 ـ تنقيح المقال ج 2 ص 262

 

التحقيق في الأدلة

إن محض اتصاف الرجل بالوقف ، وصدور لعنه عن أهل البيت : لذلك لا يسقط حديثه عن الاعتبار لو كان ثقة في نفسه لا يكذب في قوله ، حيث لا يشترط في اعتبار الراوي العدالة ولا الايمان وإن اعتبرهما جماعة ، فلم يعملوا بخبر سيّئ العقيدة وإن كان ثقة ، لكن سبق وهنه (1). فلا تنافي بين وثاقة الرجل في حديثه ، وانحرافه عن أهل البيت (ع) في عقيدته. 

وعليه فما دل على وقف البطائني ، ولعنه لذلك ، وتعذيبه في الآخرة عليه ، لا يصلح دليلاً لإثبات ضعفه ، كما وأن تشبيهه وأصحابه بالحمير لا صلة له بالوثاقة ، فانه يعرب عن عدم انتفاعهم بما حملوه من علوم أهل البيت : وأحاديثهم ، فمثلهم « كمثل الحمار يحمل أسفاراً » (2) فيرتكز ضعفه إذن على ثلاثة أمور. 

الأول : إن قوله بالوقف ، وانحرافه عن الامام الرضا (ع) لم يكن لشبهة عرضت له ، وإنما دعاه اليه الطمع يما عنده من أموال الامام الكاظم (ع) ، حيث يلزمه تسليمها الى ابنه الرضا (ع) لو اعترف بامامته وهذا المعنى شاع واشتهر ، واستفاضت الروايات الدالة عليه ، التي وثق الشيخ الطوسي رواتها بقوله : « فروى الثقات أن اول من اظهر هذا الاعتقاد علي بن أبي حمزة البطائني ... طمعوا في الدنيا الخ » ما سبق. 

فقد تعمد البطائني الكذب في إخباره عن حياة الامام الكاظم (ع) وإنكاره لموته ، ليبقى وكيلاً عنه ، ولتبقى امواله في يده ، وذلك منتهى 

____________

1 ـ انظر ص 27 ـ 28. 

2 ـ الجمعة / 6

 

الضعف ، وسقوط الراوي عن الاعتبار ، فان صدقه في قوله أساس قبول روايته. ولم يكفه ذلك بل سعى حثيثاً ، وبذل أقصى جهوده في سبيل تركيز دعوته الكاذبة وتسييرها في الملاء الشيعي ، واستمال هو والقندي جماعة ببذل الأموال لهم في هذا السبيل ، وضمنا ليونس مالاً جزيلاً إن كف عن معارضتهما ، واستمرا في هذا التضليل ، ولذا قال الامام الرضا 7 : فلما توفي أبو الحسن جهد علي بن أبي حمزة في إطفاء نور اللّه ، كما جهد الناس بعد رسول اللّه (ص) في إطفاء نوره. 

وينبؤنا هذا عن مدى ما قام به البطائني من الافتراء في ترويج الباطل ولذا كان أصل الوقف وأساسه على حد تعبير مترجميه. ولم يرد في رجال الواقفة ، ولا غيرهم من بقية الفرق مثل الذم الوارد فيه ، وعليه كيف يصح الركون لمثله ، والعمل بحديثه. 

الثاني : شهادة علي بن الحسن بن فضّال بأنه كذاب لا يحل الرواية عنه ، وشهادته بأنه كذاب متهم. وسبق أن الشيخ الكشي روى هاتين الشهادتين ، عن محمد بن مسعود العياشي ، عن ابن فضال. والثلاثة ثقات. 

لكم يورد على الشهادة الأولى أن الكشي ذكرها تارة في حق المترجم عند ترجمته ، وأخرى في حق ولده الحسن (1) ، وان اختلفا بالسؤال والسماع. واحتمال صدور شهادتين من ابن فضال ، رواهما عنه العياشي بلفط واحد ، إحداهما في الأب ، والاخرى في الابن ، بعيد. بالاضافة إلى أن المذكور فيها : أنه كتب عنه تفسير القرآن من أوله إلى آخره. ومن المستبعد جداً أن يكتب ذلك عن الأب مرة ، وعن الابن أخرى. وعليه فلا تصلح هذه الشهادة دليلاً لضعفهما معاً ، وتخصيصها بأحدهما بلا 

____________

1 ـ رجال الكشي ص 342 

 

مرجح ، إلا أن يقال : بحدوث علم إجمالي من هذه الشهادة بضعف أحدهما فيسقطان معاً عن الاعتبار. 

ويمكن ترجيح اختصاص هذه االشهادة في الابن من أجل ذكر اسمه فيها صريحاً عند ترجمته ، وعدم ذكر اسم الاب عند ترجمته ، وإنما ورد « ابن أبي حمزة » ، ولا مانع من إرادة الابن منه نسبة الى جده ، ويكون الخطأ واقعاً في ذكر الشهادة عند ترجمة الأب ، إلا أن الذي يضعّف ذلك تكرار التعبير عن الأب بابن أبي حمزة في الروايات. 

أما الشهادة الثانية فانها سالمة عن هذا الايراد. لكن يمكن القول : بأن المراد بالكذب فيها الكذب في العقيدة ، لا الإخبار ، حيث يرى البطائني مذهب الوقف ، وابن فضال فطحي. وهذا جاري في الشهادة الأولى أيضاً ، فيكون عدم استحلاله الرواية عنه من أجل اختلافهما في العقيدة. وتصريحه برواية أحاديث كثيرة ، وكتابة تفسير القرآن عنه ، كاشف عن اعتماده عليه حينذاك قبل اختلال عقيدته بالوقف ، فلما اختلت لم يستحل أن يروي عنه. 

وقد ذكر الشيخ الطوسي : أن كثيراً من رجال الطائفة طعنوا في رواية المخالف في المذهب ، وانكروا عليه « نحو إنكارهم على من يقول بالتجسيم ، والتشبيه ، والصورة ، والغلو ، وغير ذلك. وكذلك من خالف في أعيان الأئمة (ع) لأنهم جعلوا ما يختص الفطحية ، والواقفة ، والناووسية وغيرهم من الفرق المختلفة ، بروايته لا يقبلونه ، ولا يلتفتون اليه الخ » (1). 

وابن فضال وإن كان فطحياً ، إلا أنه يمكن أن لا يعتمد على رواية الواقفة الذين ينكرون إمامة الرضا (ع) ، والأئمة من ولده (ع) ، لأن الفطحية يعتقدون بامامة الجميع ، ويضيفون اليهم عبد اللّه الأفطح بن 

__________________

1 ـ عدة الأصول ص 57

 

الامام الصادق (ع). 

والجواب عنه أن إرادة الكذب في العقيدة ، وإن أمكن ، حيث يصح إطلاق لفظ الكذب على الإنصراف عن الحق ، كالافك ، إلا أن المشهور في معناه لغة ، وعرفاً هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو فيه ضد الصدق (1). وهو المستعمل في كتب الجرح ، والتعديل لتعلق الغرض المهم بمعرفة صدق الراوي ، وتحرزه عن الكذب في حديثه. على أن تعقيب ابن فضال قوله : « كذاب » ، في شهادته الثانية بلفظ « متهم » يكشف عن إرادة المعنى الشائع من لفظ الكذب ، حيث لا يصح تهمته في العقيدة ، لأن وقفه جلي لا نقاش فيه ، وهو عمد الواقفة ، وإنما يتهم في القول ، والإخبار ، فان الكذاب قد يصدق ، إلا أنه متهم بالكذب في كل ما يخبر به ، ولأجله لا يقبل خبره مطلقاً. 

الثالث : ما رواه الشيخ الكشي بسنده (2) عن أبي الحسن الرضا (ع) 

____________

1 ـ مجمع البحرين ، وأقرب الموارد ، مادة كذب. 

2 ـ رواه عن شيخه علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري ، الذي وصفه الشيخ الطوسي في ( رجاله ص478 ) بالفاضل. وقال عنه النجاشي في ( رجاله ص 183 ) : إنه صاحب الفضل بن شاذان ، وراوية كتبه ، اعتمد عليه أبو عمرو الكشي في كتاب ( الرجال ). وذكره العلامة في القسم الأول من ( خلاصته ص 46 ). وكذا ابن داود ذكره في القسم الأول من ( رجاله 250 ). ولذا اعتمد عليه كثير ، وإن ناقش فيه آخرون عن محمد بن احمد بن يحيى الأشعري الثقة صاحب ( نوادر الحكمة ) ، عن أبي عبد اللّه الرازي ، وهو احمد بن اسحاق الثقة ، عن احمد بن محمد بن أبي نصر الثقة ، عن محمد بن الفضل ، وهو وإن اشترك بين جماعة إلا أن الذي يروي عن الرضا (ع) منهم اثنان. احدهما الأزدي الكوفي 

 

أنه قال في البطائني : « أما استبان لكم كذبه ، أليس هو الذي يروي : أن رأس المهدي يُهدى الى عيسى بن موسى (1) وهو صاحب السفياني. 

وقال : إن أبا الحسن يعود الى ثمانية أشهر »؟. 

__________________

الثاني ابن عمر ، حيث لم يذكر الشيخ الطوسي غيرهما في أصحاب الامام الرضا (ع) من ( رجاله ص 386 ـ 390 ) ، ووثق الأزدي فقط ، فيبقى الثاني مجهولاً. نعم هناك شخص ثالث يلقب بالبغدادي روى عن الامام الهادي (ع) ، ولم يستبعد في ( جامع الرواة ج 2 ص 173 ) ، كونه الأزدي الثقة.

1 ـ كتب في حاشية كتاب ( الغيبة ) للشيخ الطوسي ص 50 تعليق على هذا الحديث. وهو « المراد من المهدي هو محمد ابن الخليفة العباسي المنصور ، المتولي للخلافة سنة 158 ، ثمان وخمسين ومائة ، بعهد من أبيه المتوفى سنة 169 ، تسع وستين ومائة. وكان جده (*) السفاح عقد الخلافة أولاً لأخيه عبد اللّه المنصور ، وجعله ولي عهده ، ومن بعده لابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي ، ولكن المنصور عهد في موته لابنه المهدي محمد المزبور ، ثم أجبر عيسى بن موسى المذكور على الخلع ، فخلع نفسه عن الخلافة ، فجعلها المهدي لابنه الهادي موسى ، وبعده لابنه الآخر هارون. هذا مجمل خبرهما. وإنما أراد الامام 7 الطعن على علي بن أبي حمزة ، وتكذيبه في روايته : أن المهدي يقتل ، ويحمل رأسه الى عيسى بن موسى ». 

وقد وقع الخطأ في ( رجال ) ابن داود المطبوع ص 479 ، حيث نقل عن الكشي تلك الرواية هكذا. 

« أليس هو الذي يروي أن رأس المهدي يُهدى الى عيسى بن مريم 

(*) لا يخفى أن التعبير عن السفاح بجد المهدي غلط ، والصحيح أنه عمه.

 

وروى نظيره الشيخ الطوسي بسنده (1) عن أبي الحسن الرضا (ع). 

____________

وهو صاحب الشيباني ». والصحيح ما نقلناه هنا عن الكشي ، والشيخ الطوسي.

1 ـ رواه الشيخ الطوسي ، عن احمد بن محمد بن عيسى ، عن سعد بن سعد الأشعري ، وهما ثقتان ، عن احمد بن عمر ، وهو مشترك بين اثنين. أحدهما ابن أبي شعبة الحلبي ، وقد وثقه النجاشي ، قائلاً : « ثقة روى عن أبي الحسن الرضا 7 ، وعن أبيه من قبل الخ ». ( رجال النجاشي ص 72 ) والثاني الحلال بالحاء ، أو الخاء. وقد ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الرضا (ع) من كتاب ( رجاله ص 368 ) ووثقه. 

وذكره ثانياً في باب ( من لم يروِ عنهم : ) من ( رجاله ص 447 ). واستظهر ابن داود في ( رجاله ص 35 ) تعدد الرجل ، وأن الخلال بالمعجمة من أصحاب الرضا (ع) ، وبالمهملة ممن لم يروِ عنهم (ع) ، وذلك من أجل ذكر الشيخ له في كلا البابين ، فيدل على تعدده ، كما استظهره في القاسم بن محمد الجوهري ( ص 276 ). 

وفيه بحث يأتي. والمذكور في رجال الشيخ المطبوع بالمهملة في كلا البابين ، كما في ( فهرسته ص 35 ). لكن النجاشي ذكره بالمعجمة ، وصرح بروايته عن الرضا (ع) ، قائلاً : « احمد بن عمر الخلال يبيع الخل يعني الشيرج. روى عن الرضا (ع) ». ( رجال النجاشي ص 72 ) ويكشف تفسيره للخل بالشيرج عن غلط المعجمة ، لأن الشيرج يطلق عليه الحل بالمهملة. قال في ( مجمع البحرين ، مادة حلل ) : « والحل بتشديد اللام دهن السمسم ، ومنه الحلال بالتشديد أيضاً ». ودهن السمسم هو الشيرج وعلى تقدير تعدد الرجل لا أثر له في محل البحث ، لأن الراوي

 

..................................................................................................

____________

عن الرضا (ع) ، كما في هذه الرواية وثقة الشيخ الطوسي صريحاً ، كما وثق النجاشي الحلبي. 

وهناك راوي اسمه احمد بن عمرو بسكون الميم بعدها واو ، بن المنهال لكن ابن داود في ( رجاله ص 36 ) ذكر والده بلفظ عمر بفتح الميم وبدون واو ، ناقلاً له عن النجاشي. وهو غلط ، والصحيح ما ذكرناه كما في ( رجال النجاشي ص 58 ) و ( فهرست الشيخ الطوسي ص 37 ) ، وكل من ذكره بعدهما. وعليه فلم يوجد شخص ثالث يسمى بأحمد بن عمر غير ذينك الموثقين الحلبي والحلال ، مع الغض عما ذكره ابن داود من التعدد. 

نعم إن الشيخ الطوسي في ( التهذيب ) روى في باب الطواف رواية عن موسى بن القاسم ، عن اسماعيل ، عن احمد بن عمر المرهبي ، عن أبي الحسن الثاني (ع) ( التهذيب ج 5 ص 110 ). والظاهر انه أحد ذينك الرجلين الحلبي ، أو الحلال ، وكان يلقب بالمرهبي أيضاً ، فوصفه بذلك الراوي ، وتبعه الشيخ في ذكره. 

وأما أنه رجل ثالث غيرهما فبعيد جداً ، حيث لم يوجد له ذكر في كتب الرجال ، كفهرست الشيخ الطوسي ، وكتاب رجاله ، ورجال النجاشي والكشي ، وابن داود ، وخلاصة العلامة ، بل لم يذكر بهذا اللقب إلا في هذه الرواية ، ولم يذكر له غيرها ، ولذا اقتصر عليها في ( جامع الرواة ج 1 ص 57 ). وعليه فلا يضرنا عند الاطلاق. وان كان شخصاً ثالثاً. 

يبقى البحث في طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى فانه صحيح في ( مشيخة التهذيب ) ، لكنه يختص بما رواه فيه من الأحاديث حيث صرح في مقدمة مشيخته : بأن ذكره لتلك الطرق لتخرج أخبار كتابه عن حد المراسيل ، وتلحق بباب المسندات. وعليه فلا يمكن تصحيح 

 

فهاتان الروايتان صريحتان في إرادة الكذب في القول ، ولا يحتمل فيهما إرادة الكذب في العقيدة ، حيث أتبع الامام (ع) قوله : « أما استبان لكم كذبه » بقوله : « أليس هو الذي يروي الخ »؟. فيكون قد روى ذلك كاذباً. وأي شهادة في الدنيا تسقط الراوي عن حد الاعتبار أعظم من شهادة الامام (ع) بأنه يروي كاذباً. 

ويؤيده ما رواه الكشي بسنده عن اسماعيل بن سهل عن بعض أصحابنا وجاء في آخره : أن البطائني روى حديثاً بحضرة الرضا (ع) ، وحذف منه جملة ، فأنكر عليه الامام (ع) ذلك ، وبعد أن اعترف بها ، قال له الرضا (ع) : « ويلك كيف اجترأت على شيء تدع بعضه ... اتق اللّه ولا تكن من الصادين عن دين اللّه تعالى ». 

وهو صريح في أن البطائني قد تعمد الكذب بانكاره لبعض الحديث. 

وبعد هذا لا حاجة للبحث عما قيل في وجه اعتبار حديث البطائني أو توثيقه ، لأنه على تقدير أن يتم في نفسه لا يقوى على معارضة ما سبق

____________

حديث رواه الشيخ في غير ( التهذيبين ) ، مثل كتاب ( الغيبة ) اعتماداً على تلك الطرق. 

إذن فتنحصر طرق الشيخ العامة لكل ما رواه بطرقه المذكورة في كتابه ( الفهرست ). وقد ذكر فيه ( ص25 ) طريقين الى احمد بن محمد بن عيسى ، أحدهما فيه احمد بن محمد بن يحيى العطار ، والآخر فيه احمد بن محمد بن الحسن بن الوليد. فبناء على ما هو الأظهر من اعتبار هذين الرجلين يكون الطريق معتبراً ، بل يكفي اعتبار أحدهما في صحة الطريق ولذا صحح في ( جامع الرواة ج 2 ص 479 ) طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى في ( المشيخة ، والفهرست ) معاً ، ونقله عنه في ( مستدرك الوسائل ج 3 ص 723 ).

 

من أدلة تضعيفه. وعلى فرض صلاحيته للمعارضة يتساقطان ، وتكون النتيجة هي الضعف. ومع ذلك لا بأس بالتعرض لما قيل ، أو يمكن أن يقال في وجه ذلك ، وهو أمور.

أدلة اعتبار البطائني ونقاشها 

الأول : أن ابن أبي عمير ، والبزنطي ، وصفوان بن يحيى ، وقد رووا عنه ، وهم أقطاب الجماعة الذين حكى الكشي الاجماع على ( تصحيح ما يصح عنهم ) ، ونص الشيخ الطوسي على أنهم لا يروون إلا عن ثقة كما سبق ، وهو كاف في توثيقه. 

والجواب عنه أن تصحيح الحديث لدى القدماء لا يلازم توثيق راويه لشيوع إطلاق الصحيح لديهم على المحتف بالقرائن المفيدة للوثوق بالصدور وبنى جماعة من المتأخرين على صحة أحاديث اصحاب الاجماع وإن رووا عن فاسق. وعليه فاجماع الكشي لا يثبت التوثيق ، مع وهنه في نفسه ، كما سبق. 

إنما المهم دعوى الشيخ الطوسي : أن أولئك الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة. ولذا جعل الوحيد البهبهاني روايتهم عن البطائني مؤيداً لوثاقته (1) لكنه سبق وهن تلك الدعوى ، وأن الشيخ الطوسي ضعّف البطائني صريحاً في كتاب ( الغيبة ) ، وهو منافي لها ، بل ينافيها جميع ما سبق من أدلة ضعفه ، وسقوطه عن الاعتبار. فالعمل على تلك الأدلة. 

الثاني : ورود روايات أربع يمكن القول : بدلالتها على مدح البطائني أو صحة اعتقاده. نذكرها وإن كانت ضعافاً. 

__________________

1 ـ تعليقة منهج المقال ص 223. 

 

الأولى : نقلت عن الشيخ الطوسي في كتاب ( الغيبة ) بسنده ، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن يحيى بن القاسم ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده : ، قال : قال رسول اللّه 6 : « الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ، هم خلفائي ، وأوصيائي ، وأوليائي ، وحجج اللّه على أمتي بعدي ، المقر بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر ». قال الشيخ المامقاني بعد نقلها : « فانه لا يعقل وقف من روى هذه الرواية » (1). 

لكن يوهنه أولاً : عدم وجود هذه الرواية في كتاب ( الغيبة ) المطبوع. وثانياً : أنها ضعيفة السند. وثالثاً : أن البحث ليس في اعتقاده الوقف واقعاً كي يتنافى مع هذه الرواية ، بل الثابت انه قال بمذهب الوقف ودعا اليه طمعاً في المال ، لا لشبهة عرضت له ، وهذه الرواية على تقدير صحتها مؤيدة لذلك ، فيكون مصداقاً للآية الكريمة « وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم » (2). 

وإنما وصف بالوقف لتظاهره به ، ودعوته اليه حتى عد من عمد الواقفة ، واعترف به الشيخ المامقاني بقوله : « لا خلاف بينهم في كون الرجل واقفياً ، وقد تظافرت بذلك الأخبار ، وكلمات العلماء الاخيار الخ » (3). 

الثانية نقلت عن الشيخ الطوسي في كتاب ( التهذيب ) بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبي الحسن (ع) قال : « قلت له إن أبي قد هلك ، وترك جاريتين قد دبّرهما (4) ، وأنا ممن أشهد لهما ، 

__________________

1 و 3 ـ تنقبيح المقال ج 2 ص 262 

2 ـ النمل / 14. 

4 ـ التدبير تعليق عتق المولى عبده ، أو أمته بوفاته. وبما أن الوفاة دبر الحياة سمي ذلك التعليق تدبيراً ، فاذا توفي المولى تحرر المملوك المدبر. وتفصيله في كتب الفقه.

 

 وعليه دين كثير ، فما رأيك؟. فقال (ع) : رضي اللّه عن أبيك ، ورفعه مع محمد ، وأهله. قضاء دينه خير له ، إن شاء اللّه تعالى ». قال الشيخ المامقاني بعد نقلها : « فانه لا يعقل مثل هذا الدعاء من الامام (ع) للواقفي أو الامامي الغير المتقي » (1). 

لكن يوهنه أولاً : ضعف سند الرواية ، فلا تصلح مدركاً لأي حكم وثانياً : منافاتها للروايات العديدة الصادرة عن أبي الحسن الرضا (ع) في ذم البطائني ، والتنديد به ، وأنه كاذب ، ومشرك ، ومعذب في الآخرة وأن قبره قد امتلأ ناراً. فكان الامام (ع) مهتماً في الاعلان عن عظم جرمه ، فلا يمكن عادة صدور مضمون هذه الرواية عنه ، بحيث يدعو للبطائني ـ بعد الترضي عليه ـ بأن يرفعه اللّه مع محمد ، وآله (ص) في الدرجة التي لا يبلغها إلا المخلصون من الأتقياء. 

والذي يقوى في النفس أن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، لما رأى كثرة الروايات الصادرة عن الامام الرضا (ع) في ذم أبيه ، وتعذيبه بعد موته عظم عليه ذلك ، فروى هذا الترضي ، والدعاء نصرة لأبيه. وليس بالغريب بعدما كان ضعيفاً ، ومتهماً بالكذب. 

وثالثاً : أن الترضي ، والترحم على الميت لا يدل على وثاقة أو مدح ولذا صدر الترحم من الامام (ع) على جميع زوار قبر الحسين (ع) بل جميع الشيعة. وفيهم من فيهم. بل صدر الاستغفار من النبي (ص) حتى للمنافقين ، فنزلت الآية الكريمة « سواء عليهم استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر اللّه لهم الخ » (2). وفي آية أخرى « ... إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم » (3). فقال النبي (ص) : 

____________

1 ـ تنقيح المقال ج 2 ص 262. 

2 ـ المنافقون / 6. 

3 ـ التوبة / 81. 

 

لو علمت أني لو زدت على السبعين مرة لغفر ، لفعلت » (1). فترك النبي (ص) الاستغفار لهم بعدما أخبره اللّه تعالى أنهم يموتون على الكفر والنفاق. نقله الشيخ الطوسي عن الحسن ، وقال : « وقد كان النبي (ص) يستغفر لهم على ظاهر الحال بشرط حصول التوبة ، وأن يكون باطن المستغفر له مثل ظاهره ، فبين بها أن ذلك لا ينفع مع إبطانهم الكفر ، والنفاق » (2) 

الثالثة رواها الكشي بسنده عن رجل ، عن علي بن أبي حمزة. قال « شكوت الى أبي الحسن (ع) ، وحدثته الحديث ، عن أبيه ، عن جده فقال (ع) : يا علي هكذا قال : أبي ، وجدي 8. قال : قال : فبكيت. ثم قال (ع) : أو قد سألت اللّه لك ، أو أسأله لك في العلانية أن يغفر لك » (3). 

لكن يوهنها أولاً : ضعف سند الرواية ، وإرسالها. وثانياً : ورودها من طريق البطائني نفسه ، ولا تقبل شهادة الانسان في مدح نفسه ، أو توثيقها ، فلا اعتبار بما يرويه في سبيل ذلك. وثالثاً : منافاتها للروايات الكثيرة الصادرة عن الرضا (ع) في ذمه حال حياته ، وبعد موته. ورابعاً أن الاستغفار لشخص لا صلة له بالوثاقة ، أو المدح. 

الرابعة رواها الكشي بسنده عن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه : أنه مرض بالمدينة مرضاً شديداً ، وعنده إسحاق بن عمار ، ثم رحل عنه اسحاق الى مكة ، فأرسل له أبو الحسن (ع) بقدح فيه ماء ، وأمره بشربه فشربه فعوفي ، فسأله اسحاق عن سبب شفائه ، فأخبره بالقصة ، وقال : « فقلت : يا إسحاق إنه إمام ابن امام ، وبهذا يعرف الامام » (4). 

ولكن يوهنها أولاً : ضعف السند. وثانياً : كون راويها ابن البطائني المتهم بالكذب ، عن أبيه في حق نفسه ، فلا تقبل منه. وثالثاً : عدم 

__________________

1 ـ تفسير التبيان ج 5 ص 311. 

2 ـ تفسير التبيان ج 10 ص 14. 

3 ـ رجال الكشي ص 255. 

4 ـ رجال الكشي ص 279.

 

ثبوت أن المراد بأبي الحسن هو الرضا (ع) ، لأنها كنية أبيه الكاظم (ع) (1) أيضاً ، بل الغالب إرادته مع الاطلاق ، فتكون القصة معه (ع) ، فلا صلة لها بالبحث. 

وعلى فرض إرادة الرضا (ع) فغاية ما تدل عليه الرواية أمران. أحدهما : اعترافه بامامته (ع). وسبق : أنه لا ينافي إظهار مذهب الوقف وإخباره كذباً عن حياة الامام الكاظم (ع) طمعاً في المال ، فهو يعلم أن الرضا (ع) إمام بعد أبيه ، لكن غرته الدنيا ، وراقه زبرجها. ثانيهما : كونه مورد عطف الامام (ع) ، حيث سقاه الماء الذي عوفي به. وهو أجنبي عن الوثاقة ، والمدح ، فان العطف ، والتفضل ، والحنان شأن الأئمة من أهل البيت (ع) مع العدو ، والصديق. ولذا سقى الحسين (ع) الحر بن يزيد الرياحي ، وجماعته الخارجين لقتاله. 

____________

1 ـ أبو الحسن كنية لأربعة من أئمة أهل البيت (ع). الأول أمير المؤمنين علي (ع). الثاني الامام موسى الكاظم (ع). الثالث الامام علي الرضا (ع). الرابع الامام علي الهادي (ع). لكن الأحاديث المروية عن أمير المؤمنين (ع) لا تشتبه بغيرها ، حيث ذكر فيها اسمه الشريف أو لقبه غالباً. مع الفصل الطويل في الزمن بينه ، وبين الأئمة الثلاثة من ولده ، فمن يروي عنه لا يمكن أن يروي عنهم. وإنما الترديد في تلك الكنية يكون بين الأئمة الثلاثة ولذا ميز الامام الكاظم (ع) بلفظ الأول والماضي. ومّيز الرضا (ع) بلفظ الثاني. وميز الهادي بلفظ الثالث. وعليه فلو اقترنت الكنية عند إطلاقها بهذا المايز فهو ، وإلا لزم ملاحظة القرائن في تعيين الامام المروي عنه مثل طبقة الراوي ، ونحوه. فان فقدت تردد بين الثلاثة ، وإن ترجح إرادة الكاظم (ع) ، لأن المروي عنه (ع) في حياته لم يقترن بمايز.

 

الثالث : ما ذكره الشيخ المجلسي في ( وجيزته ) ، فانه بعدما ضعّف البطائني صريحاً نسب الى القيل كونه ثقة معللاً له بأمور ثلاثة. فقال : « وابن أبي حمزة البطائني ضعيف. وقيل : ثقة ، لأن الشيخ قال في ( العدة ) : عملت الطائفة بأخباره. ولقوله في ( الرجال ) (1) : له أصل ويقول ابن الغضائري في ابنه الحسن : أبوه أوثق منه » (2). 

وصرح الشيخ المامقاني بأن هذه الأمور التي أشار اليها المجلسي هي حجة توثيق البطائني ، الذي مال اليه ، أو قال به عدة من الأواخر. قال الشيخ محمد بن الحسن الحر بعد نقل خبر هو في طريقه : « واكثر رواته ثقات ، وإن كان منهم علي بن أبي حمزة ، وهو واقفي. لكنه وثقه بعضهم ». وبنى الشيخ المامقاني على ضعفه ، لكنه قبل أخباره ، وعدها من القوي ، وقدّم الصحيح عليها عند التعارض ، لأجل شهادة الشيخ بأن الطائفة قد عملت بأخباره (3). لكن الحق أن ما ذكره المجلسي لا يصلح دليلاً لوثاقة البطائني ، أو قبول أخباره. 

أما كونه ذا أصل (4) فلا صلة له بوثاقته ، أو قبول روايته ، فهو 

____________

1 ـ يطلق ( رجال الشيخ ) على كتابه الذي جمع فيه أسماء الراوين عن النبي (ص) ، والأئمة من أهل بيته ، قبال ( فهرسته ) الذي جمع فيه أسماء كتب الامامية من مصنفات ، وأصول. لكن المجلسي هنا أراد برجال الشيخ ( فهرسته ) فانه الذي نسب فيه الأصل الى البطائني ( ص 96 ) وأما ( رجاله ص 353 ) فلم يرد فيه ذكر الأصل ، بل قال « له كتاب ». 

2 ـ الوجيزة للمجلسي ـ ملحقة بخلاصة الرجال ص 158 

3 ـ تنقيح المقال ج 2 ص 262 

4 ـ أطلق قدامى فقهاء الامامية ، ومحدّثيهم لفظ الأصول على مجموعة من كتب رواة أحاديث أهل البيت (ع). وصرح الشيخ الطوسي في 

 

نظير ما لو قيل : له كتاب. ولذا قال الوحيد البهبهاني : « إن الحسن بن صالح بن حي الثوري متروك العمل بما يختص بروايته ، على ما صرح به في ( التهذيب ) مع أنه صاحب أصل ، وكذلك علي بن أبي حمزة البطائني مع أنه ذكر فيه ما ذكر ، الى غير ذلك الخ » (1). 

فدعوى ثبوت حسن الراوي بكونه ذا أصل ، لأنه من إمارات المدح 

__________________

مقدمة ( فهرسته ) بأن كثرة أصحابنا ، وانتشارهم في البلدان يحول دون استيفاء أصولهم ، وتصانيفهم. لكنه نقل ابن شهرآشوب عن الشيخ المفيد أنه حصر الأصول بقوله : « إن الامامية صنفوا من عهد أمير المؤمنين 7 الى زمان العسكري (ع) أربعمائة كتاب تسمى الأصول ». ( تعليقة منهج المقال ص 7 ). وصرح المحقق الحلي بأن هذا العدد من الأصول إنما صنف من أجوبة مسائل الامام الصادق 7 فقط. ( المعتبر ص 5 ). 

وعلى أي تقدير فالأصل أخص من الكتاب. ولذا قيل عن بعض الرواة : له أصل ، وله كتاب. فاضطروا الي بيان الفارق بينهما ، وذكروا وجوهاً في ذلك ، أقربها للصحة ما اختاره الوحيد البهبهاني بقوله : « الأصل هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم (ع) أو عن الراوي ». فلم يروِ فيه عن كتاب آخر ، وإنما اقتصر على ما سمعه عن الامام (ع) أو عمن سمع منه. مثلاً إن حريز بن عبد اللّه يروي تارة عن الامام الصادق (ع) ، وأخرى عن زرارة عنه (ع) ، والكتاب هو الذي تؤخذ أحاديثه من تلك الأصول غالباً ، ولأجله سميت أصولاً ، وإن وجد فيه حديث متصل السند سماعاً الى الامام (ع) بدون واسطة كتاب آخر. فان ذلك لا يجعله أصلاً. ( تعليقة منهج المقال ص 7 ).

1 ـ تعليقة منهج المقال ص 8.

 

ضعيف. وعلى فرض تسليمه لا ينفع في البطائني ونظائره. للتسالم على اشتراط كون الممدوح إمامياً. 

ودعوى أن الشيخ الطوسي ذكر الأصل بعنوان كونه معتمداً غير ثابت وعلى فرض ثبوته لا يثبت لنا حجية أخباره ما لم نثق بأسنادها ، أو صدورها عن المعصوم (ع). 

وأما قول ابن الغضائري في ابنه الحسن : « أبوه أوثق منه ». فالجواب عنه. 

أولاً : أن هذا القول لم ينقله لنا القدماء ، كالنجاشي والشيخ الطوسي عن ابن الغضائري ، ليثبت نسبته اليه ، حيث ينقلون عنه بالمشافهة ، ونحوها من الطرق المعتبرة. وإنما نقله المتأخرون ، كالعلامة مستندين الى كتاب ( الرجال ) المنسوب الى ابن الغضائري. وقد أفردناه ببحث يأتي ، وأسفرت النتيجة عن وهن الكتاب ، فلا يصح الاعتماد عليه. 

وثانياً : أن الفقهاء ، والرجاليين متفقون على ضعف الابن ، فالشهادة بكون الأب أوثق ممن اتفقوا على ضعفه لا تنفع الأب شيئاً وانما يكون المستفاد منها أن الابن أضعف من الأب ، فالملحوظ شدة ضعف الابن ، لا شدة وثاقة الأب ، وإلا لزم اشتراكهما فيها ، لقاعدة ( أفعل التفضيل ) الذي لا يطلق إلا عند الاشتراك في أصل المادة بين الطرفين مع الزيادة في الطرف المفضل ، وهو منافي لما اتفقوا عليه من ضعف الابن ، ولما هو المعلوم من حال ابن الغضائري ، وأنه سريع الجرح للرواة. بل ينافي عبارته هنا ، حيث قال في الابن : « واقف ضعيف في نفسه ، وأبوه أوثق منه » (1). 

فحكم أولاً بضعف الابن ، ثم عطف عليه تلك الجملة ، فيكشف 

____________

1 ـ خلاصة الرجال ص 102

 

عما ذكرناه ، وأنه لم يكن بصدد توثيق الأب. ويدل عليه أيضاً عدم توثيقه للأب عند ترجمته ، وانما اقتصر على قوله : « علي بن أبي حمزة لعنه اللّه ، أصل الوقف ، واشد الخلق عداوة للولي من بعد أبي ابراهيم 7 » (1) ولو كان ثقة لديه لوثقه. ولأجله لم ينسب أحد الى ابن الغضائري توثيق البطائني ، وولده. بل قال الشيخ الأصبهاني في ( الفصول ) (2) في الأب : « ولم يحك عن أحد توثيقه ». وكذا قال الشيخ المامقاني (3). وقال في الابن « ... أن الرجل غير معدّل ، ولا موثق ، ولا ممدوح ، بل مطعون فيه طعناً قادحاً فيه. وقد ورد مثل هذه الطعون المذكورة في أبيه » (4). والبعض الذي نقل عنه المجلسي توثيق البطائني لم يستند الى شهادة ابن الغضائري ، بل لمجموع الأمور الثلاثة السابقة. 

وأما دعوى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخباره فقد صرح بها عند البحث عن روايات الفطحية ونظائرهم. فقال : « وإن كان ما رووه ليس هناك ما يخالفه ، ولا يعرف من الطائفة العمل بخلافه وجب أيضاً العمل به إذا كان متحرجاً في روايته ، موثوقاً في أمانته ، وإن كان مخطئاً في أصل الاعتقاد ، فلأجل ما قلناه عملت الطائفة بأخبار الفطحية مثل عبد اللّه بن بكير ، وغيره ، وأخبار الواقفة مثل سماعة بن مهران ، وعلي بن أبي حمزة ... فيما لم يكن عندهم فيه خلافه » (5). 

فيمكن الاستدلال بهذا الكلام على حجية أخبار البطائني من جهتين. إحداهما : شهادة الشيخ بوثاقته ، بقوله : « إذا كان متحرجاً 

____________

1 ـ خلاصة الرجال ص 111. 

2 ـ فصل معرفة توثيق المزكي للراوي. 

3 ـ مقباس الهداية ص 72. 

4 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 290. 

5 ـ عدة الأصول ص 61.

 

 في روايته موثوقاً في أمانته الخ ». فيكون خبره موثقاً. الثانية : شهادته بأن الطائفة قد عملت بأخباره. فيحصل بواسطة عملها وثوق بصدورها عن المعصوم (ع). لكنه يمكن النقاش في كلا الشهادتين. 

أما الشهادة بالتوثيق فتناقش من وجوه. 

الأول : أني لم أر أحداً نسبها الى الشيخ الطوسي ، وعبارته تلك مشهورة ، ومعروفة ، فلم يستفد الفقهاء والرجاليون منها ذلك ، وإنما نسبوا اليه دعوى عمل الطائفة بأخباره فحسب ، ولعله من أجل عدم ظهورها في التوثيق ، وإنما ذكر الشيخ أمراً كلياً ، وهو أن الراوي الذي يتصف بذلك يجب العمل بروايته ، ثم علل به عمل الطائفة بأخبار أولئك الجماعة ، فيكون بصدد الاعتذار عن عملها ، وأنها لا ترتكب الجزاف ، لا بصدد إثبات توثيق المذكورين. 

الثاني : على تقدير ظهور عبارة الشيخ في توثيق البطائني تحتمل أنه قد استند في ذلك الى رواية ابن أبي عمير ، وصاحبيه عنه ، حيث ادعى في كتاب ( العدة ) : أنهم لا يروون إلا عن ثقة. وصرح في كتاب ( الفهرست ) : بأن ابن أبي عمير ، وصفوان بن يحيى قد رويا عنه. كما صرح الصدوق برواية البزنطي عنه. كما سبق. لكن عرفت وهن تلك الدعوى ، فلا يقبل التوثيق المبتني عليها. 

ويتحكم هذا الاشكال في جميع توثيقات الشيخ التي لا نعلم مدركه فيها ، اذا ثبت رواية أحد أولئك الثلاثة عن الشخص الموثق. 

ويمكن القول : بأن الشيخ الطوسي رأيناه لم يوثق بعض من روى عنه اُولئك الثلاثة ، فيكشف ذلك عن عدم استناده في توثيق البعض الآخر الى روايتهم عنه. لكنه يوهن بأن الشيخ قد أهمل النص على توثيق كثير من الثقات ، فلم يلتزم بالتصريح بالتوثيق في كل مورد يقتضيه كي يصلح تركه لتوثيق ذلك البعض كاشفاً عما ذكر.

 

 نعم سبق مناقشة دعوى الشيخ : أن أولئك الثلاثة لا يروون إلا عن ثقة ـ بأنه قد اجتهد في ذلك. وعليه فاذا وثق الشيخ شخصاً ، واحتملنا استناده الى رواية أحد الثلاثة عنه ، يدخل في مسألة تردد التوثيق بين الحسي والحدسي ، وقد بنى العرف على كفاية احتمال الحس في الإخبار. كما سبق لكن الظاهر اختصاص كفايته بصورة احتمال اجتهاد المخبر ، وبناء إخباره عليه. أما في صورة العلم باجتهاده ، واحتمال استناده في إخباره اليه ، كما في محل البحث ، فلم يعلم كفاية احتمال الحس حتى يثبت عدم الفرق بين احتمال الاستناد في الإخبار الى الاجتهاد المحتمل ، وبين احتمال الاستناد فيه الى الاجتهاد المعلوم. 

الثالث : أن توثيق الشيخ للبطائني معارض بما صرح به الشيخ في كتاب ( الغيبة ) من ذمه وتكذيبه فيتساقطان ، بل يعارضه جميع ما سبق من أدلة ضعفه ، فتقدم عليه ، ويسقط عن الاعتبار. 

وأما الشهادة بعمل الطائفة بأخباره. فتناقش من وجوه أيضاً. 

الأول : أن الشيخ لم ينقل عملها بخبره مطلقاً ، بل مشروطاً بأمرين أحدهما : عدم كون ما يرويه مخالفاً لما عليه عملها خارجاً ، الثاني : عدم وجود ما يخالفه من الروايات. ومقتضاه عدم صلاحيته لمعارضة غيره. فينحصر عملها في نطاق خاص ، فلا يصلح مدركاً لاعتبار أخباره مطلقاً. 

الثاني : أن الشيخ نقل عن أصحابنا أنهم لا يقبلون الأخبار التي يختص بروايتها الفطحية ، والواقفة ، ونظائرهم ، من الفرق المخالفة في أعيان الأئمة (ع) ، ولا يلتفتون الى ما يروونه (1). ومقتضى هذا الاطلاق عدم الفرق بين البطائني وغيره. وهو ينافي ما نقله سابقاً من اعتبار الطائفة لخبره بذينك الشرطين إلا أن نقيده بذلك. 

____________

1 ـ عدة الأصول ص 57. 

 

الثالث : أن مباني الفقهاء مختلفة في العمل بالأخبار على ما سبق. 

فلا نعرف الوجه الذي دعا الى العمل بخبره ، ولعله رواية أصحاب الاجماع أو ابن أبي عمير ، وصاحبيه عنه ، أو بعض المباني الأخرى التي لا يرى الفقيه حجيتها. 

الرابع : أن الشيخ الطوسي ادعى اجماع الطائفة على العمل بالأخبار التي رووها في تصانيفهم ، ودونوها في أصولهم. وادعى عمل الطائفة بالمراسيل اذا لم يعارضها من المسانيد الصحيحة (1). ومقتضى ذلك لزوم العمل بجميع أخبار تلك التصانيف والأصول ، بلا حاجة الى النظر في أسنادها ولزوم العمل بجميع المراسيل السالمة عن معارضة المسند الصحيح ، مع أن الفقهاء لم يقبلوا ذلك. ودعوى الشيخ في محل البحث نظير ذينك الدعويين فلا وجه لردهما ، والأخذ بها. 

الخامس : أن ما سبق ما أدلة ضعف البطائني ، وسقوط أخباره عن الاعتبار لا يبقي مجالاً للأخذ بهذه الدعوى والعمل بها.

حديث البطائني حال استقامته 

يبقى البحث في أن البطائني له حال استقامة حدّث فيها قبل موت الامام الكاظم (ع). فيمكن القول : بأن دعوى الشيخ عمل الطائفة بأخباره كاشفة عن قيام قرائن لديهم أورثتهم وثوقاً بصدور رواياته حال استقامته. والجواب عنه. 

أولاً : وهن تلك الدعوى في نفسها ، فلا تصلح للكشف عن ذلك. 

وثانياً : أن عبارة الشيخ ظاهرة في استمرار اعتماد الطائفة عليه ، 

__________________

1 ـ عدة الأصول ص 51 ـ 63 

 

لا في خصوص حال استقامته. وصدور بعض أخباره في تلك الحال غير مجدي ، لعدم حجية البعض الآخر الصادر بعد انحرافه ، ولا تمييز بينهما ، والعلم الاجمالي بعدم حجية بعض اخباره مانع من الركون اليها مطلقاً. 

وثالثاً : أن القدماء كثيراً ما يعتمدون على الخبر المحفوف بقرائن تفيدهم الوثوق بصدوره عن المعصوم (ع) وإن كان راويه ضعيفاً. فلا يكشف عملهم بأخبار البطائني عن صدورها حال استقامته. وقد نبه على ذلك الشيخ الأصبهاني في ( الفصول ) (1) ، وصرح : بأنه لا وجه لتخصيص رواية أصحابنا عن بعض الفرق المخالفة كالواقفة بحال استقامتهم ولذا رووا عن النوفلي ، والسكوني ، وليس لهما حال استقامة. 

وعلى تقدير حصول الوثوق لشخص بصدور جميع أخبار البطائني حال استقامته ، من دعوى الشيخ ، أو غيرها ، تكون حجة في حقه دون من لم ينكشف له ذلك. 

وخلاصة البحث أنه لم يقم دليل يمكن الركون اليه في توثيق البطائني أو اعتبار أخباره. وإنما المرجع تلك الأدلة الصريحة في ضعفه ، وسقوطه عن الاعتبار. وهو المشهور بين الفقهاء ، وأرباب التراجم. ويوهن به القول بأن أصحاب الاجماع أو ابن أبي عمير ، والبزنطي ، وصفوان لا يروون إلا عن ثقة. 

وبهذا ينتهي البحث عن الطريق الأول لتصحيح الحديث الضعيف السند ، وهو كون الراوي له من أصحاب الاجماع وجاء دور الطريق الثاني. فنقول. 

__________________

1 ـ انظر فصل معرفة توثيق المزكي للراوي.

 

 


 

 ـ 4 ـ

الحديث وَشهرة الفتوى

 

 آراء الفقهاء 

اشتهر بين الفقهاء المتأخرين أن الخبر الضعيف السند ينجبر بشهرة العمل له ، أي بفتوى أكثر الفقهاء بمضمونه ، واستنادهم اليه في مقام استنباط الحكم ، فيكون حجة لذلك. كما اشتهر أن الخبر الصحيح السند يوهن بشهرة الاعراض عنه ، أي باعراض أكثر الفقهاء ، وهجرهم له بالفتوى على خلافه. 

قال الشهيد الثاني : إن جماعة كثيرة أجازوا العمل بالخبر الضعيف اذا اعتضد بشهرة الفتوى بمضمونه في كتب الفقه. بتعليل أن ذلك يوجب قوة الظن بصدق الراوي ، وإن ضعف الطريق ، فان الطريق الضعيف قد يثبت به الخبر مع اشتهار مضمونه (1). 

يعني صدق الراوي في خصوص ذلك الحديث الذي اشتهر العمل بمضمونه لا مطلقاً ، وإلا لكان موثقاً ، وزال ضعف الطريق الذي فرض ثبوته. ولذا لا يعامل ذلك الراوي معاملة الثقات في بقية أحاديثه التي لم يشتهر العمل بها. فيكون المراد حصول قوة الظن بصدور ذلك الحديث عن المعصوم (ع). 

نعم لو اشتهر العمل بجميع أحاديثه ، ولم ينصّوا على ضعفه أمكن القول : بأن منشأ ذلك كونه ثقة لكن يضعّفه احتمال احتفاف أحاديثه لديهم بقرائن أفادتهم وثوقاً بصدورها عن المعصوم (ع). 

وقال اليخ المامقاني عندما عدّ الأخبار المعتبرة : « ومنهم من زاد على ذلك الضعيف المنجبر بالشهرة نظراً الى كشفها عن قرينة شاهدة بصدوره 

__________________

1 ـ الدراية ص 27. 

 

من مصدر الحق ، وأن الشهرة القائمة على طبق الخبر لا تقصر في إيراث الوثوق عن التوثيق الرجالي » (1). يعني كشف الشهرة عن قرينة قائمة لدى أولئك الذين تحققت الشهرة بفتواهم. 

واختاره المحقق الحلي قائلاً : « والتوسط أصوب. فما قبله الأصحاب أو دلت القرائن على صحته عُمل به. وما أعرض الأصحاب عنه ، أو شذ يجب إطراحه لوجوه الخ » (2). وقال عند ذكر خبر رفعه محمد بن احمد بن يحيى : « وهذا وإن كان مرسلاً إلا أن فضلاء الأصحاب أفتوا بمضمونه » (3). 

كما اختاره المحقق الهمداني بقوله : « ... فلا يكاد يوجد رواية (4) يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق ، لولا البناء على المسامحة في طريقها ، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية ، بل المدار على وثاقة الراوي أو الوثوق بصدور الرواية وإن كان بواسطة القرائن الخارجية التي عمدتها كونها مدوّنة في الكتب الأربعة ، أو مأخوذة من الأصول المعتبرة ، مع اعتناء الأصحاب بها ، وعدم إعراضهم عنها ... ولأجل ما تقدمت الاشارة اليه جرت سيرتي على ترك الفحص عن حال الرجال ، والاكتفاء في توصيف الرواية بالصحة كونها موصوفة بها في ألسنة مشايخنا المتقدمين الذين تفحّصوا عن حالهم » (5). 

وخالف في ذلك جماعة من المحققين ، وبنوا على أن شهرة العمل بحديث لا تجبر ضعف سنده ، وشهرة الاعراض عنه لا توهن صحته. منهم 

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 37. 

2 ـ المعتبر ص 6. 

3 ـ المعتبر ص 286. 

4 ـ المذكور في النسخة المطبوعة ( خبر ) لكن الضمائر المؤنثة العائدة عليه تقتضي بأن الصحيح ( رواية ). ويناسبه السياق. 

5 ـ مصباح الفقيه ، الصلاة ص 12. 

 

الشهيد الثاني. فقال : « ووجهه على نحو الايجاز أنا نمنع من كون الشهرة التي ادعوها مؤثرة في جبر الخبر الضعيف ، فان هذا إنما يتم لو كانت الشهرة متحققة قبل زمن الشيخ ، والأمر ليس كذلك ، فان من قبله من العلماء كانوا بين مانع من خبر الواحد مطلقاً ، كالسيد المرتضى. والأكثر على ما نقله جماعة ، وبين جامع للأحاديث من غير التفات ( الى ) (1) تصحيح ما يصح ، ورد ما يرد. وكان البحث عن الفتوى مجردة لغير الفريقين قليلاً جداً ، على من اطلع على حالهم. فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمن الشيخ على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقق. ولما عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية ، جاء مَن بعده من العلماء ، واتبعه منهم عليها الأكثر تقليداً له إلا من شذ منهم. ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث وينقّب عن الأدلة بنفسه سوى الشيخ المحقق ابن إدريس ، وقد كان لا يجيز العمل بخبر الواحد مطلقاً. فجاء المتأخرون بعد ذلك ، ووجدوا الشيخ ، ومن تبعه قد عملوا بمضمون ذلك الخبر الضعيف لأمر ما رأوه في ذلك ، لعل اللّه يعذرهم فيه ، فحسبوا العمل به مشهوراً ، وجعلوا هذه الشهرة جابرة لضعفه ، ولو تأمل المنصف ، وحرر المنقّب لوجد مرجع ذلك كله الى الشيخ ، ومثل هذه الشهرة لا تكفي في جبر الخبر الضعيف ... وممن اطلع على هذه القاعدة التي بينتها ، وحققتها ، ونقبتها من غير تقليد ، الشيخ الفاضل المحقق سديد الدين محمود الحمصي ، والسيد رضي الدين بن طاووس ، وجماعة. قال السيد في كتاب ( البهجة لثمرة المهجة ) : أخبرني جدي الصالح ورّام بن أبي فراس ، أن الحمصي حدّثه أنه لم يبق للامامية مفتي على التحقيق ، بل كلهم حاكٍ. وقال السيد عقيبه : والآن فقد ظهر أن الذي يفتى به ، ويجاب عنه على سبيل ما حفظ من كلام 

__________________

1 ـ لم توجد كلمة ( الى ) في المصدر ، لكنه غلط. 

 

العلماء المتقدمين » (1). 

وقال الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني « ... وبأن الشهرة التي تحصل معها قوّة الظن هي الحاصلة قبل زمن الشيخ ـ رحمة اللّه ـ لا الواقعة بعده وأكثر ما يوجد مشهوراً في كلامهم حدث بعد زمان الشيخ ، كما نبه عليه والدي في كتاب ( الرعاية ) الذي ألّفه في دراية الحديث الخ » ثم ساق كلام والده الشهيد ملخصاً (2). 

وقال المحقق الأصبهاني في ( شرح الكفاية ) : « نعم الانصاف أن استناد المشهور اذا كشف عن ظفر الكل بموجب الوثوق كان ذلك مفيداً للوثوق نوعاً. لكنه غالباً ليس كذلك ، بل الغالب في تحقق الشهرة تبعية المتأخر للمتقدم في الاستناد الى ما استند اليه لحسن ظنه به واللّه أعلم » (3) واختاره استاذنا المحقق الخوئي.

الشهرة بين المتأخرين 

وصرح جماعة ، منهم الشهيد الثاني وولده في كلامهما السابق ، والشيخ الأنصاري (4) ، بأن الشهرة الصالحة للجبر والتوهين هي الشهرة لدى قدماء الأصحاب ، فلا عبرة بما اشتهر بين المتأخرين منهم. 

وبهذا يقضي استدلالهم على اعتبار الشهرة بأنها تكشف عن قرينة شاهدة بصدور الحديث عن المعصوم (ع) ، فان القرائن الشاهدة بذلك توفرت لدى القدماء ، وخفت على المتأخرين ، كما سبق في مبحث ( تنويع 

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 27 ، وما بعدها. 

2 ـ معالم الأصول ص 168 ـ 169. 

3 ـ نهاية الدراية ج 2 ص 166. 

4 ـ المكاسب ص 8. 

 

الحديث ). ولذا قال الشيخ المامقاني في الايراد على من لم يعتبر الشهرة « إن هذا المنع مما لا وجه له ، فان من لاحظ كثرة القرائن للمقاربين لعهد الأئمة : واختفاءها علينا اطمأن من اشتهار العمل بالخبر الضعيف بصدوره من مصدر الحق الخ ». 

ومع ذلك صرح بكفاية الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ. فقال : « ضرورة أن المدار على الوثوق والاطمئنان ، فاذا حصل من الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ فما المانع من جعلها بمنزلة توثيق الشيخ ، ومن تأخر عنه » (1). 

وتعدى بعضهم عن ذلك الى كفاية الشهرة ولو في آخر طبقة من طبقات الفقهاء فقط ، فتكون حجة لمن يأتي بعدها. فقال : « ثم إنه هل المراد بالأصحاب خصوص القدماء منهم ، أو كل طبقة بالنسبة لمن تأخر عنها احتمالان. والذي يظهر من تعليلات الجابرية في كلامهم هو الأول ولكن الظاهر عدم الخصوصية ، لاتحاد المناط ، أعني الوثوق ، فانه متى حصل كل مشمولاً لآية النباء والمستفاد منه مطلق الوثوق من مطلق السبب لا وثوق خاص ». 

ويورد عليه بأن مراده بالوثوق الحاصل من تلك الشهرة ، إن كان شخصياً فمن المستبعد جداً حصوله لشخص في كل مورد ، وعلى فرض حصوله يكون حجة بالنسبة اليه دون غيره. وإن كان نوعياً ، كما هو الظاهر من قياس الشهرة في كلام بعضهم بالتوثيق الرجالي المفيد للوثوق نوعاً فسيأتي النقاش فيه من أجل اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار مع أن المفروض هنا اختصاص الشهرة ببعض العصور المتأخرة ، فلا يصح القول : بأنها تكشف عن قرينة تشهد بصدور الخبر عن المعصوم (ع) بحيث خفت على جميع الفقهاء القدامى والمتأخرين دون أولئك الجماعة الذين عملوا به. واحتمال وجودها لا يجدي نفعاً. واستدلاله بآية النباء على كفاية 

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 37. 

 

الوثوق بالصدور ـ على فرض حصوله ـ سيأتي البحث عنه. 

على أن ما اختاره ينافي قوله في صدر كلامه : « وهذا النوع من الأخبار يحصل الوثوق بصدوره ، لأن سلفنا الصالح ـ رضوان اللّه عليهم ـ كانوا أقرب منا عهداً ، وأعرف بالأخبار ، ورواتها ، فعملهم بالضعيف لا بد وأن يكون من جهة احتفافه بقرائن كانت عندهم موجبة للأخذ به ». 

وقال : « ولا سيما بعد ملاحظة ما كان عليه السلف من الورع ، والتثبت وقرب العهد الخ ». 

وهو صريح في أن الوثوق إنما يحصل من عمل القدماء ، لقرب عهدهم بعصر المعصومين (ع). 

ومع ذلك يقول في تمهيد كتابه ، عند ذكر وهن الخبر بإعراض المشهور : « ويعللها ضعفاء المدرّسين بأن الأصحاب أقرب عهداً ، وأعرف بالأخبار ، وهو ـ كما تراه ـ استدلال على الظني بمثله ، وعلى حجية الشيء بما لا حجية فيه » (1). وهذا تهافت ظاهر ، حيث ندّد بما استدل به. والعصمة لأهلها. 

تحقيق البحث 

وتحقيق البحث يستدعي النظر أولاً : في شهرة العمل بالحديث ، وجبرها لضعف سنده. وثانياً : في شهرة الاعراض عنه ، وتوهينها لصحته. 

أما شهرة العمل فالبحث عنها في جهات. الأولى : في إمكان إحرازها الثانية : في حصول الوثوق منها بصدور الحديث عن المعصوم (ع) الثالثة : في حجية الحديث الموثوق بصدوره لأجلها. 

__________________

1 ـ انظر قواعد الفقيه ص ح ـ 26 ـ 34 ـ 35.

 

أما الأولى فقد سبق نقاش الشهيد الثاني فيها ، لأن العبرة بعمل القدماء بمضمون الخبر ، ولم يحرز ، لأنهم بين مانع من العمل بخبر الواحد مطلقاً كالسيد المرتضى ، فلا نحتمل استناد فتياه اليه ، خصوصاً مع ضعف سنده. ولذا ادعى السيد الاجماع في كثير من فتاواه. واحتمال كون الخبر متواتراً لديه لا يثبت استناد فتياه اليه. وبين جامع للأحاديث بدون فتوى ، وبلا تمييز بين ما يصح منها عن غيره ، ولو للبناء على صحة جميعها عنده ، كالكليني في كتابه ( الكافي ). وبين جامع لفتاوى مجردة عن الدليل ، فلم يعلم مستنده غالباً فيها ، مثل الشيخ المفيد في كتابه ( المقنعة ). 

ومحض موافقة الفتوى لمضمون الحديث لا تصلح لجبر ضعفه حتى عند القائلين بالجبر ، وإنما العبرة في ثبوت الاستناد اليه. ولذا قال المحقق الهمداني : « ... الشهرة تصلح جابرة للضعف من جميع الجهات ولكن بشرط استناد المشهور اليه في فتاواهم ، وعملهم به ، لا مجرد موافقة قولهم لمضمونه ، فانه خارجي غير مجدٍ في جبر ضعف الخبر ، كما تقرر في محله الخ » (1). وقال المحقق النائيني : « والشهرة العملية عبارة عن اشتهار الرواية من حيث العمل ، بأن يكون العامل بها كثيراً. ويعلم ذلك من استناد المفتين اليها في الفتوى الخ » (2). 

نعم إن القديمين من فقهائنا ، وهما ابن أبي عقيل الحسن بن علي العماني الحذّاء ، وابن الجنيد محمد بن أحمد الاسكافي الكاتب ، المعاصرين للشيخ الكليني ، قد كتبا في الفروع الفقهية ، واستدلا عليها. فكتب ابن أبي عقيل كتابه ( المتمسك بحبل آل الرسول (ص) ) ، وهو على ما ذكره الشيخ النجاشي « كتاب مشهور في الطائفة ، وقيل : ما ورد الحاج من خراسان 

____________

1 ـ مصباح الفقيه ـ الصوم ص 181. 

2 ـ أجود التقريرات ج 2 ص 99. 

 

إلا طلب ، واشتري منه نسخ الخ » (1). وكتب ابن الجنيد كتابه الكبير ( تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة ) المشتمل على عدة كتب ، عدها النجاشي عند ترجمته (2) ، واختصره في كتابه ( الأحمدي في الفقه المحمدي ). 

قال السيد بحر العلوم في ابن أبي عقيل : « وهو أول من هذّب الفقه ، واستعمل النظر ، وفتق البحث عن الأصول ، والفروع في ابتداء الغيبة الكبرى. وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد ، وهما من كبار الطبقة السابقة ، وابن أبي عقيل أعلى منه طبقة الخ » (3). 

ولكن كتب هذين العلمين لم تصل الينا ، وإنما نقل القدماء عنهما فتاوى خالية من الدليل غالباً. وكثير منها نادر انفردا به. بالاضافة لما اشتهر من عمل ابن الجنيد بالقياس ، فلا يركن الى قوله. قال النجاشي : « وسمعت شيوخنا الثقات يقولون عنه إنه كان يقول بالقياس » (4). وقال الشيخ الطوسي فيه : « ... كان يرى القول بالقياس ، فتركت لذلك كتبه ، ولم يعوّل عليها الخ » (5). 

وعليه فأقدم كتاب استدلال وصل الينا هو المبسوط للشيخ الطوسي بل تشير مقدمته الى أنه أول كتاب ألف لهذا الغرض ، بعد الغض عما كتبه الشيخان القديمان ، حيث ورد فيها « ... فاني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهين ، والمنتسبين الى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الامامية ، ويستنزرونه ، وينسبونه الى قلة الفروع ، وقلة المسائل. ويقولون إنهم أهل حشو ، ومناقضة ، وإن من ينفي القياس ، والاجتهاد لا طريق له الى كثرة المسائل ، ولا التفريع على الأصول ... وكنت على قديم 

__________________

1 ـ رجال النجاشي ص 35 ـ 36. 

2 ـ رجال النجاشي ص 273. 

3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 220. 

4 ـ رجال النجاشي ص 276. 

5 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 134. 

 

الوقت وحديثه متشوق النفس الى عمل كتاب يشتمل على ذلك الخ. » 

فالسابقون على الشيخ الطوسي من الفقهاء لم يحرز عملهم بالأخبار ، والمتأخرون عنه قلده الأكثر في ذلك ، كما اتبع الصدوق شيخه محمد بن الحسن بن الوليد في شأن تصحيح الخبر ، وعدمه. وعليه فلا تبقى شهرة يركن اليها في جبر ضعف سند الحديث. 

ويمكن القول بامكان إحراز تلك الشهرة. 

إما لأن فتاوى القدماء كانت مضمون روايات ، فيفهم من الفتوى وإن تجردت عن الدليل أن المفتي قد استند فيها الى الخبر الوارد بمضمونها ولذا نقل عمل قدامى الفقهاء بفتاوى الشيخ أبي الحسن علي بن بابويه الواردة في رسالته ( الشرائع ) « عند إعواز النصوص تنزيلاً لفتاواه منزلة رواياته » (1). بل يمكن ان يستفاد من قول الصدوق في مقدمة كتابه ( المقنع ) : « وحذفت الاسناد منه لئلا يثقل حمله ، ولا يصعب حفظه ، ولا يمله قاريه ، إذا كان ما أبينه في الكتب الأصولية موجوداً الخ ». أن ما أورده فيه من فتاوى عين متون الأحاديث. ولذا قال المحقق الهمداني : « ... ووقوع التصريح بخروج مؤونة القرية ، وخراج السلطان في عبارة ( الرضوي ) و ( الهداية ) و ( المقنع ) ، وغيرها مما يغلب على الظن كونه تعبيراً عن متون الأخبار لا يبقى مجال للتشكيك فيه » (2). كما وأن تعقيب بعض الروايات بالفتاوى موجود كما في ( الفقيه ) فمن هذا وذاك يمكن القول باحراز شهرة العمل في عصر الشيخ الطوسي ، ومن قبله. 

وإما لكفاية عمل الشيخ الطوسي ، ومن تأخر عنه ، فأنه بمنزلة عمل السابقين عليه ودعوى تقليد المتأخرين له في العمل بالأخبار سوء ظن بحملة 

__________________

1 ـ فرائد الأصول ص 98. 

2 ـ مصباح الفقيه ـ الزكاة ص 67.

 

 الشرع ، على حد تعبير البعض (1). 

وأما الجهة الثانية ، وهي حصول الوثوق بصدور الحديث عن المعصوم 7 من تلك الشهرة التي فرضنا ثبوتها ، فالنقاش فيها من أجل اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار. فمنها البناء على حجية خبر كل مسلم لم يظهر منه فسق ، وإن لم يوثق. ومنها تصحيح جميع أخبار كتبنا الأربعة ، بل جميع أخبار الكتب المعتبرة. ومنها الاكتفاء بالظن بالوثاقة لانسداد باب العلم فيها. ومنها الاعتماد على مشايخ الاجازة بلا توثيق لهم ونحوها كما سبق تفصيله (2). وعليه كيف يحصل الوثوق النوعي بصدور الحديث من العمل المبتني على وجوه اختلف الفقهاء في حجيتها. 

وأما الوثوق الشخصي فيختص حكمه بالواثق سواء حصل له من شهرة العمل ، أو غيرها من الطرق التي قد يحصل الوثوق لشخص منها. 

وأما الجهة الثالثة ، وهي حجية الحديث الضعيف السند الموثوق بصدوره لشهرة العمل به ، أو غيرها مما يفيد الوثوق فالبحث عنها يستدعي النظر أولاً في معنى الوثوق ، وهل أنه الاطمئنان ، أو غيره. فنقول.

حول الاطمئنان 

فسر الاطمئنان في اللغة بالسكون ، فيقال : اطمأن الرجل الى كذا أي سكن اليه. وزاد في ( أقرب الموارد ) « وآمن له ». وفسر الوثوق بالايتمان. فقال : وثق به. أي ائتمنه. 

وعليه فالوثوق ، والاطمئنان يشتركان في سكون النفس ، وركونها 

____________

1 ـ مقباس الهداية ص 37. 

2 ـ انظر ص 55 ، وما بعدها. 

 

للشيء ، ولذا قال الزمخشري : « اطمأن اليه سكن اليه ، ووثق به » (1) وقال صاحب ( أقرب الموارد ) في وثق : « رأيته متعدياً بالى في عبارة واردة في ( التاج ) هذا نصها : من العلماء الموثوق اليهم ، كأنه على معنى اطمأن اليهم ». 

فوثق يتعدى بالباء. فيقال : وثق به. واطمأن يتعدى بالى. فيقال اطمأن اليه. وتعديته بالباء في الألسن لتضمنه معنى وثق المتعدي بها ، كما في تعدية وثق بالى لتضمنه معنى اطمأن المتعدي بها. 

والاطمئنان حجة ببناء العقلاء الذي لم يردع عنه الشرع ، لأن احتمال الخلاف فيه موهون جداً لا يلتفت اليه إلا بعد التأمل ، ولأجله عّبر عن الاطمئنان بالعلم العادي. وحجيته مشهورة لدى الفقهاء.

 لحديث المطمأن بصدوره 

وعليه فلا إشكال في حجية الحديث المطمأن بصدوره عن المعصوم 7 من أجل شهرة العمل به ، أو غيرها مما أورث الاطمئنان. ولذا استدل الشيخ المامقاني على كفاية الشهرة الحاصلة بعد زمن الشيخ الطوسي : بأن العبرة بالوثوق ، والاطمئنان الحاصل منها ، كما سبق.  وعلى فرض النقاش في حجية الاطمئنان كما فعله البعض ، فلا مناص من الالتزام بحجيته هنا ، لقيام سيرة القدماء المتصلة بعصر المعصومين (ع) على حجية الاخبار الضعيفة السند إذا احتفت بقرائن الصدور. وقد عملوا بها لذك ، ومن المستبعد جداً أن تكون تلك القرائن مفيدة للقطع بصدور جميع تلك الأخبار المحفوفة بها ، وإنما أفادت الاطمئنان بصدورها. ولذا 

__________________

1 ـ أساس البلاغة ، مادة طمن 

 

حكم الكليني ، والصدوق بصحة جميع الأخبار المثبتة في كتابيهما. فالاطمئنان حجة في محل البحث. 

وليس من المجازفة دعوى الاطمئنان في عصرنا الحاضر بصدور الحديث الذي تسالم جميع الفقهاء على العمل به ، والاستناد اليه ، وإن كان ضعيف السند ، كالنبوي الشريف « على اليد ما أخذت حتى تؤدي » حيث استند اليه الفقهاء في كثير من الفتاوي ، وأثبتوه في عدة مباحث من الفقه ، وبسطوا القول فيهه عند البحث عن ضمان اليد. 

فبناء على أن الوثوق هو الاطمئنان ، وانه حجة مطلقاً ، أو في محل البحث خاصة يثبت حجية الخبر الذي حصل الوثوق بصدوره عن المعصوم 7 من تلك الشهرة ، أو غيرها. 

أما لو نوقش في اتحاد المعنى بين الاطمئنان ، والوثوق. فقيل : بأن الثاني أضعف من الأول ، أو نوقش في حجية الاطمئنان حتى في محل البحث ، أو لم يحصل الوثوق بالصدور من تلك الشهرة ، وإنما ظن به ، فلا دليل على حجية ذلك الخبر بعد فرض ضعف سنده ، فان خبر الواحد كسائر الامارات الظنية لا يكون حجة ما لم يقم عليه دليل بالخصوص. ولذا نفى حجيته السيد المرتضى ، وابن إدريس ، وغيرهما ، واعتبروا فيها ان يكون متواتراً. وخص الحجية بعض الفقهاء بما رواه الامامي العدل فلم يعمل بأخبار الثقات ، والحسان اقتصاراً على المتيقن في الخروج عن قاعدة عدم حجية الظنون ، وأنها لا تغني من الحق شيئاً. 

وأدلة حجية خبر الواحد لا تشمل ضعيف السند الذي لم يُطمأن صدوره ، فيبقى تحت الظنون التي لم يقم على حجيتها دليل. ويظهر ذلك بالنظر البسيط في تلك الأدلة ، ومؤداها.

 

مفاد أدلة حجية خبر الواحد 

فان الأخبار الآمرة بالرجوع الى ثقات الرواة مثل قوله (ع) : « فانه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنا ثقاتنا » (1). ونحوه صريحة في أن العبرة بصفات الراوي ، لا المروي ، فلا تشمل محل البحث. 

وكذا آية النبأ حيث علق فيها وجوب التبين على مجيء الفاسق. فتدل بالمفهوم على أن الجائي بالخبر اذا كان عادلاً قُبل خبره ، فيكون العبرة بصفات الراوي أيضاً. بل يدل الأمر بالتبين عند إخبار الفاسق على عدم حجية الخبر المبحوث عنه ، لفرض عدم وثاقة راويه فضلاً عن عدالته. 

لكنه قيل : إن منطوق الآية الكريمة دال على حجية الخبر الضعيف الذي اشتهر عمل الفقهاء به ، لأن المراد بالتبين فيها ما يعم تحصيل الظن بصدق الفاسق في خبره ، وذلك يتحقق بتحصيل تلك الشهرة. 

وأجاب عنه الشيخ الأنصاري بأن « التبين ظاهر في العلمي ... فمادة التبين ، ولفظ الجهالة ، وظاهر التعليل كلها آبية من إرادة مجرد الظن. نعم يمكن دعوى صدقه على الاطمئنان الخارج عن التحير ، والتزلزل الخ » (2). 

وهو في غاية الجودة ، فان التبين لغة بمعنى الوضوح ، والظهور ، ويستعمل لازماً ، فيقال : تبين الشيء. بمعنى اتضح ، ومتعدياً ، فيقال : تبينته. بمعنى أوضحته ، وفهمته (3) ، كما في الآية الكريمة ، ولا يصدق 

__________________

1 ـ الوسائل ، ح 41 ، ب‍‌ 11 ـ أحكام القضاء. 

2 ـ فرائد الأصول ص 77 ـ 78. 

3 ـ أقرب الموارد ، مادة بين. 

 

ذلك إلا مع العلم به ، أو الاطمئنان. فتدل الآية الكريمة على حجية الحديث المطمأن بصدوره ، وصدق راويه ، فضلاً عن كون الاطمئنان في نفسه حجة عقلائية. وعليه فالظن بصدق الراوي لشهرة العمل ليس بتبين ليجبر به ضعف سند الحديث. 

وأما السيرة ، وبناء العقلاء فموردهما الخبر الذي حصل الاطمئنان بصدوره ، أو كان راويه ثقة في نقله ، أما الخبر الفاقد لهذين الوصفين معاً فلا يشملانه ، كما هو شأن كل دليل لبي لا إطلاق له ، فلا عبرة بالظن بالصدور مع ضعف الراوي. 

وأما الاجماع الذي استدل به على حجية خبر الواحد ، فقيل : بشموله لما اشتهر العمل به. وأنه لا منافاة بين ثبوت الاجماع على حجية مطلق الخبر ليشمل المورد ، وعدم ثبوته في هذا الصنف من الخبر بخصوصه. لكن يوهنه. 

أولاً : اشتهار الخلاف في حجية خبر الواحد ين قدامى الفقهاء ، حيث أنكرها السيد المرتضى ، وأتباعه ، وحصروا الحجة بالمتواتر من الأخبار وإنما نقل الشيخ الطوسي الاجماع على حجيته. 

على أن هناك جماعة فهموا من كلام الشيخ الطوسي دعواه الاجماع على حجية الأخبار التي اشتهر نقلها ، وتدوينها في الكتب الدائرة بين الأصحاب ، وهي المحفوفة بقرائن الصحة ، لا كل خبر يرويه إمامي عدل فيكون الخلاف بين السيد المرتضى ، والشيخ الطوسي لفظياً ، حكي هذا عن المحقق الحلي في ( المعارج ) والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في ( المعالم ) والمحدّث الاسترابادي في ( الفوائد المدنية ). لكن ناقشهم الشيخ الانصاري في ذلك (1). وسبق في البحث عن ( تنويع الحديث ) صراحة كلام 

__________________

1 ـ فرائد الأصول ص 91 ـ 92. 

 

الشيخ الطوسي في عمل الطائفة بأخبار الثقات ، وإن لم تحتف بقرائن الصحة. 

وثانياً : عدم الاطلاق في دعوى الشيخ الطوسي ، وأتباعه الاجماع على حجية خبر الواحد بحيث يشمل كل خبر ، وإنما اختص بالخبر الواجد لشرائطه ، كوثاقة راويه ، ونحوها. ولذا نقل الشيخ في كتاب ( العدة ) رد الأصحاب لأخبار كثير من الطوائف لما لم يحرزوا أمانتهم في النقل. فيكون الغرض من تلك الدعوى مخالفة السيد المرتضى المانع من العمل بخبر الواحد بما أنه خبر واحد. 

وقد نبّه الشيخ الأنصاري على ذلك بقوله : « والحاصل أن معنى الاجماع على العمل بها عدم ردها من جهة كونها أخبار آحاد ، لا الاجماع على العمل بكل خبر خبر منها » (1). 

ومن هنا ظهر وهن قول المحقق الخراساني في ( كفايته ) : « فلا يبعد جبر ضعف السند في الخبر بالظن بصدوره ، أو بصحة مضمونه ، ودخوله بذلك تحت ما دل على حجية ما يوثق به » (2). 

فان تلك الأدلة القائمة على حجية خبر الثقة لا تشمل ضعيف السند وإن حصل الظن بصدوره. وكيف يحكم بدخول مظنون الصدور تحت ما دل على حجية ما يوثق به ، وهما متغايران. وقد فرض في صدر كلامه أن الظن « لم يقم على حجيته دليل » فيكون وجوده كعدمه فكيف يصلح جابراً لضعف سند الخبر ، فان ضم ما ليس بحجة الى ما ليس بحجة لا ينتج حجة؟. 

وسبق الاستدلال على جبر الشهرة لضعف سند الخبر بحسن الظن بفقهائنا الأقدمين ، فيكشف عملهم به عن احتفافه لديهم بقرائن الصحة ، والوثوق بصدوره عن المعصوم (ع). 

__________________

1 ـ فرائد الأصول ص 93 

2 ـ كفاية الأصول ج 2 ص 217

 

ويوهن بما سبق (1) من اختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار. ومعنى حسن الظن بهم أنهم لا يرتكبون الجزاف ، ولا يعملون بخبر ما لم يكن حجة لديهم ، وليس معناه صحة تلك المباني التي اعتمدوا عليها ، فلا يكشف عملهم عن قيام تلك القرائن لديهم ، وإنما عمل كل على مبناه. 

وهناك وجه آخر لاعتبار الشهرة ، وهو أن يقال : لو ساغ مخالفة ما اشتهر بين الفقهاء بترك ما عملوا به من الأخبار ، والعمل بما أعرضوا عنه منها ، للزم تأسيس فقه جديد غير ما هو المحرر في كتبنا الفقهية. 

وقد استدل بذلك استاذنا المحقق الحكيم على توهين الخبر المعرض عنه قائلاً : « ... بل لو بني على العمل بما أعرض عنه الأصحاب لحصل لنا فقه جديد ، فالمتعين تأويله أو طرحه الخ » (2). 

والجواب عن ذلك أن الفقه الجديد إنما يحصل لو علمنا بكل ما أعرضوا عنه وأعرضنا عن كل ما عملوا به من الأخبار. والأمر ليس كذلك ، فان غالب ما عمل به الأصحاب حجة في نفسه ، فنعمل به بدون توقف على اشتهار عملهم ، كما وأن غالب ما أعرضوا عنه ليس بحجة في نفسه ، فلا نعمل به بدون توقف على اشتهار إعراضهم. وهناك موارد أطبق الفقهاء فيها على العمل بخبر ضعيف السند ، أو الأعراض عن خبر صحيح السند ، فيحصل الاطمئنان من ذلك بحجية الأول ، وعدم حجية الثاني. وفي جميع ذلك نوافق ما اشتهر بين الاصحاب عملاً وإعراضاً. 

وما عدا ذلك موارد قليلة اشتهر بينهم الاعراض فيها عن الخبر الصحيح ، والعمل بالخبر الضعيف بحيث لا يلزم من مخالفتهم فيها محذور تأسيس الفقه الجديد ، إذ لا يزيد الخلاف فيها على الخلاف بينهم في كثير من فروع الفقه ، وغيرها كالخلاف بين من يقول بحجية الخبر الحسن والموثق 

____________

1 ـ انظر ص 55 ، وما بعدها. 

2 ـ المستمسك ج 5 ص 70.

 

 ومن يخصها بالصحيح. ولذا بنى الشهيد الثاني وجماعة على أن الشهرة لا تجبر ضعفاً ، ولا توهن صحة ، ولم ينشئوا فقهاً جديداً ، وإنما كتبوا نفس الفقه المحرر لدى الامامية ، بما فيه من الخلاف بين الفقهاء في بعض المسائل ، كما هو شأن الاجتهاد والنظر. 

ثم إن المحقق الحلي رد القول باستحالة التعبد بخبر الواحد ، وناقش القول بالانقياد لكل خبر ، بلزوم التناقض ، لدلالة بعض الأخبار على وجود الكذابين في الرواة ، كما ناقش القول بأن كل سليم السند يعمل به بأن الفاسق والكاذب قد يصدقان ، ولذا عمل علماؤنا في مصنفاتهم بأخبار بعض المجروحين. واختار العمل بما قبله الأصحاب ، وطرح ما أعرضوا عنه ، واستدل بوجوه ترجع كلها الى القول بعدم حجية خبر الواحد السالم السند في نفسه إلا أن يعمل به الأصحاب ، أو تدل القرائن على صحته (1). 

وحيث سبق في مبحث ( تنويع الحديث ) حجية خبر الراوي الموثق مطلقاً والممدوح إذا كان إمامياً ، وإن الأخبار المعتبرة صنفان سليمة الأسناد من الضعف ، والمحفوفة بقرائن الصحة لم يبق موجب لذكر تلك الوجوه والتعليق عليها. 

وأما أن الفاسق والكاذب قد يصدقان واقعاً ، فلا يقضي بقبول خبرهما إلا إذا حصل الاطمئنان بصدوره عن المعصوم (ع) من شهرة العمل أو غيرها. 

وبهذا يتم البحث عن شهرة العمل بالخبر ، وجبرها لضعف سنده. 

____________

1 ـ المعتبر ص 6. 

 

شهرة الاعراض عن الخبر 

وأما شهرة الاعراض عن الخبر فالمعروف تبعيتها في الحكم لشهرة العمل به ، فكل من قال بانجبار ضعف سنده بالعمل قال بتوهين صحته بالاعراض ، لوحدة الملاك بين المسألتين ، فكما يكشف العمل عن احتفاف الخبر بقرائن الصحة والصدور عن المعصوم (ع) ، يكشف الاعراض عن وجوه خلل في الخبر مانع من العمل به ، لأنه بمرأى من الأصحاب ومسمع وهو صحيح السند ، فلا يكون لهم عذر في هجره إلا ذلك الخلل المسقط له عن الاعتبار. 

وفصل المحقق الخراساني في ( كفايته ) بين الظن بصدور الخبر الضعيف السند الحاصل من شهرة العمل به أو غيرها ، وبين الظن بعدم صدور الخبر الصحيح السند الحاصل من شهرة الاعراض أو غيرها ، فقرّب انجبار ضعفه في الأول ، كما سبق ، وعدم وهن صحته في الثاني ، مستدلاً عليه بقوله : « لعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة ، ولا دليل اعتبار الظهور بما إذا لم يكن ظن بعدم صدوره ، أو ظن بعدم إرادة ظهوره » (1). 

وحكي عن الشيخ الطوسي أنه بنى على العمل بالخبر الصحيح السند وإن لم يعمل به الفقهاء ، ولذا عمل في ( النهاية ) بما رواه علي بن المغيرة من جواز التمتع بأمة المرأة من غير إذنها ، وإن طرحه الفقهاء » (2). وبنى على ذلك كل من ناقش في شهرة العمل ، وجبر ضعف السند بها. 

وتحقيق البحث أن شهرة الاعراض عن الخبر ولو لدى المتأخرين من الفقهاء إذا حصل منها الاطمئنان الشخصي بعدم صدوره عن المعصوم (ع) 

__________________

1 ـ كفاية الأصول ج 2 ص 218. 

2 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 65.

 

 أو بوجود خلل فيه مانع من العمل به سقطت حجيته ، لما سبق من حجية الاطمئنان في نفسه كالقطع الوجداني. لكن يختص حكمه بالشخص المطمئن دون غيره. ولا يبعد دعوى حصوله فيما لو تسالم جميع الفقهاء على هجر الخبر وعدم العمل به. أما اذا لم يحصل ذلك فلا تصلح تلك الشهرة لتوهينه بعدما كان حجة في نفسه. لأمور. 

الأول ما سبق من الاشكال في تحصيل شهرة إعراض قدامى الفقهاء الذين هم العبرة في شأن جبر ضعف سند الخبر ، وتوهين صحته. 

الثاني ما سبق الإشارة اليه في مقدمة الكتاب من اختلاف قدامى الفقهاء في حجية خبر الواحد ، حيث أنكرها السيد المرتضى وجماعة ، حتى قيل باستحالة التعبد به ، واشترطوا التواتر في حجيته. وعليه فلا يصلح إعراضهم عن الخبر الصحيح السند موهناً حيث يستند إلى عدم تواتره لديهم. ونحن لا نعتبر التواتر في حجيته. 

على أن بعض الفقهاء لم يعمل إلا بالخبر الصحيح الذي رواه الامامي العدل. وحيث ثبت لدينا حجية الموثق والحسن أيضاً فلا يكون إعراضه عنهما موجباً لوهنهما. 

الثالث أن الاعراض عن الخبر لا يثبت بمحض عدم فتوى الفقهاء بمضمونه ، بل يتوقف بالاضافة لذلك على اطلاعهم عليه ، واستفادتهم منه نفس المضمون الذي استفدناه بدون معارض له من الأخبار ويشكل إحراز هذه الشروط ، حيث نحتمل أنهم لم يروه دالاً على ما نراه دالاً عليه ، ولا يكون فهمهم حجة على أفهامنا. وبالطبع هذا لا يجري في الأخبار البالغة من الصراحة حداً بحيث لا يقع التشكيك في مفادها. واذا اتفقنا في مفاد الخبر نحتمل أنهم اطلعوا على ما يعارضه بنظرهم ، فتساقط الخبران أو تخيروا فاختاروا معارضه ، أو رجحوه لأمر ما. ومن البديهي أن هذا 

 

لا يحقق معنى الاعراض. وحيث لم نطلع على ذلك المعارض ، أو اطلعنا عليه فلم نر فيه أي معارضة ، أو رأينا مرجوحاً بمقتضى قواعد التعارض فأي مانع من العمل بذلك الحديث الذي أعرض عنه الأكثر بعدما تم سنداً ودلالة.

الاختلاف في مفاد الخبر 

وهذه الأمور أساس اختلاف الفقهاء في كثير من الأحكام ، بل نراهم يختلفون أحياناً في أصل وجود الخبر فيدعيه البعض ويستند اليه في الحكم ، وينكره الآخر. وما ذاك إلا لاختلاف أنظارهم في مفاده ، وإلا فمن البعيد عدم اطلاع المنكر عليه مع اشتهاره في جوامع الحديث.  فمن ذلك النيابة عن الميت في الحج الواجب ، حيث اختلفوا في لزومها من البلد ، أو كفايتها من الميقات. فاختار الأول جماعة. منهم الشهيد في ( اللمعة ) ، وعقّبه شارحها : بأن ذلك : « ظاهر أربع روايات في ( الكافي ) أظهرها دلالة رواية أحمد بن أبي نصر الخ ». وحيث كانت تلك الروايات الأربع متواترة لدى ابن إدريس ، ادعى تواتر الأخبار بالوجوب من البلد لكن العلامة في ( المختلف ) أورد عليه : بأنا لم نقف على خبر واحد فضلاً عن التواتر (1). ومن البعيد جداً عدم اطلاع العلامة على تلك الأخبار المشهورة بين الأصحاب ، فيبتني إنكاره لها على عدم دلالتها على المطلوب بنظره. 

وقد أوضح ذلك المعلق على الروضة بقوله : « ينشأ ذلك من اختلاف أنظارهم 4 في دلالة الروايات ، أو بعضها على المدعى سنداً 

__________________

1 ـ شرح اللمعة ج 1 ص 207 ـ 208.

 

 ومتناً ، وقصورها عن الافادة كذلك ، لا أنهم لم يظفروا بتلك (1) الأخبار كيف وهم قد بالغوا في تتبع الآثار ... ويؤيد ما قلناه أن أظهر الروايات دلالة في نظر الشارح في هذا الباب يقصر عن المدعى بزعمه ، فغيره منها بطريق أولى. وكذا العذر في كل موضع ادعى أحدهم قيام الدليل من رواية وغيرها على أمر وأنكره الآخر. وهذا هو الوجه في اختلافهم ، بل خلاف أنفسهم في غير القطعيات من المسائل الخ ». 

ولذا أجاب استاذنا المحقق الحكيم عن مخالفة رواية للمشهور ب‍‌ « أن إعراض المشهور إنما يقدح في الحجية لو كان كاشفاً عن اطلاعهم على عدم الصدور ، أو على وجه الصدور ، أو على قرينة تقتضي خلاف الظاهر ، بحيث لو اطلعنا عليها لكانت قرينة عندنا ، والجميع غير ثابت في المقام لجواز كون الوجه في الاعراض عدم فهمهم منها الوجوب » (2). 

الرابع أن غاية ما يحصل من شهرة الاعراض على فرض تحققها أحد أمرين. إما الظن بوجود خلل في الخبر مانع من العمل به ، أو الظن بعدم صدوره عن المعصوم (ع) ، فيزول لأجله الوثوق بالصدور. وكلاهما غير ضايرين بعدما كان الخبر في نفسه سالم السند والدلالة من الضعف. 

أما الأول فظن لم يقم على حجيته دليل. بالاضافة لخدش كثير من الفقهاء في بعض الأخبار بما لا يراه الآخرون صالحاً للخدش. وعليه فلا يسوغ رفع اليد عن ذلك الخبر حتى يثبت لنا الخلل المسقط له عن الاعتبار. 

وأما الثاني فكذلك ظن لا يصلح لتوهين الخبر ، لما سبق من ثبوت حجيته بأحد أمرين. إما سلامة سنده من الضعف ، أو حصول الاطمئنان بصدوره من القرائن. وكل منهما يكفي عند ثبوته وإن لم ينضم اليه الآخر 

____________

1 ـ الموجود في المصدر ( على ذلك ) والصحيح ما ذكرناه. 

2 ـ المستمسك ج 5 ص 375.

 

 وإنما تتأكد الحجية لو اجتمعا. وعليه فخبر الثقة حجة في نفسه وإن لم يحصل الوثوق لشحص بصدوره. وقد بنى العقلاء على ذلك ، ولذا نراهم لا يقبلون اعتذار من ترك العمل بخبر الثقة بعدم حصول الوثوق له بالصدور. وسبق تصريح المحقق الخراساني في ( كفايته ) بعدم اختصاص دليل اعتبار خبر الثقة بما اذا لم يكن ظن بعدم صدوره. 

وبهذا ظهر وهن القول : بأن شهرة الاعراض عن الخبر تكشف عن خلل فيه يمنع من العمل به فيسقطه عن الاعتبار. كما سبق (1) وهن القول : بأن العمل بما اشتهر الاعراض عنه يلزم منه تأسيس فقه جديد. 

يبقى البحث في دعوى أن أدلة حجية خبر الواحد لا تشمل ما اشتهر الاعراض عنه ، ومقتضى الأصل عدم حجيته. ولذا قال الشيخ الأنصاري : « وما ربما يظهر من العلماء من التوقف في العمل بالخبر الصحيح المخالف لفتوى المشهور أو طرحه مع اعترافهم بعدم حجية الشهرة فليس من جهة مزاحمة الشهرة لدلالة الخبر الصحيح من عموم أو إطلاق. بل من جهة مزاحمتها للخبر من حيث الصدور. بناء على أن ما دل من الدليل على حجية خير الواحد من حيث السند لا يشمل المخالف للمشهور الخ » (2). 

لكن سبق (3) شمول تلك الأدلة لهذا الخبر ، حيث دلت آية النبأ على كون العبرة بصفات الراوي ، فاذا أخبر العادل لا يجب التبين في خبره من دون تعليق على أمر آخر. كما أن الاخبار الآمرة بالرجوع الى ثقات الرواة صريحة في تعليق حجية الخبر على وثاقة راويه. وكذا بناء العقلاء قائم على قبول خبر الثقة وإن لم يحصل الوثوق بصدوره. 

وأما الاجماع فلم يقم على حجية هذا الخبر ، لكنا في غنى عنه بعد 

____________

1 ـ انظر ص 124. 

2 ـ فرائد الأصول ص 44. 

3 ـ انظر ص 121.

 

 قيام الدليل على حجيته ، فلا يضر الخلاف فيها. نظير الخلاف في حجية الخبر الموثق والحسن. بل الخلاف بين قدامى الفقهاء في أصل حجية خبر الواحد. 

نعم لو حصل من تلك الشهرة وثوق بعدم صدور الخبر أصلاً ، أو بعدم صدوره لبيان الحكم الواقعي فلا يكون حجة ، ولا تشمله أدلة الحجية.

الوضع والتقية في الأحاديث 

ويمكن الاستدلال على اعتبار تلك الشهرة بوجه لم أرَ مَن ذكره وهو أن كثيراً من الأحاديث صدرت عن أهل البيت (ع) مخالفة لما يرونه من حكم الشرع تقية (1) ليحفظوا الأنفس والأعراض والأموال من سطوة خلفاء الجور وولاتهم ، فلا يكون مفادها مراداً بالارادة الجدية. وكذا بعض أفعالهم ، وتقاريرهم المحكية عنهم (ع) ببعض الأخبار. 

____________

1 ـ اضطر الأئمة من أهل البيت (ع) الى استعمال التقية في أقوالهم وأفعالهم خوفاً من الحكام الجائرين في عصري الأمويين ، والعباسيين. فكانوا لا يبيحون بالحكم الواقعي إلا عند الأمن على أنفسهم ، وشيعتهم من أولئك الحكام. 

وقد استفاضت الأخبار بذلك عموماً وخصوصاً. منها صحيح معمّر بن خّلاد عن الامام الباقر (ع) قال : « التقية من ديني ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقية له ». وبمضمونه عدة من الأخبار ( الوسائل ب‍‌ 24 ـ الأمر بالمعروف ) فتدل باطلاقها على استعمال أهل البيت (ع) للتقية قولاً وفعلاً. ومنها صحيح زرارة عن أحد الصادقين (ع) قال : « ثلاثة 

 

....................................................................................................................

__________________

لا أتقي فيهن أحداً ، شرب المسكر ، ومسح الخفين ، ومتعة الحج » ( الوسائل ج 1 ب‍‌ 38 ـ الوضوء ) فتدل على استعمال الامام (ع) للتقية في غير الموارد الثلاثة. ومنها ما رواه علي بن يقطين عن الامام الكاظم (ع) فقد سأله عن الوضوء فأجابه على وفق المذهب السّني ، لمّا كان هارون الرشيد يرقب وضوءه. فلما زال الخطر عنه أمره بالوضوء على وفق مذهب أهل البيت (ع) قائلاً : « فقد زال ما كنا نخاف منه عليك » ( الوسائل ج 3 ب‍‌ 23 ـ الوضوء ». ومنها ما رواه خلاد بن عمارة عن الامام الصادق (ع) أنه قال : « دخلت على أبي العباس (*) في يوم شك وأنا أعلم أنه من شهر رمضان وهو يتغذى. فقال : يا أبا عبد اللّه (ع) ليس هذا من أيامك. قلت : لمَ يا أمير المؤمنين ، ما صومي إلا بصومك ، ولا إفطاري إلا بافطارك ، قال فقال أدنُ. قال : فدنوت فأكلت وأنا ـ واللّه ـ أعلم أنه من شهر رمضان ». وبمضمونه أخبار أخر ، ورد في بعضها « أفطر يوماً من شهر رمضان أحب إلي من أن يضرب عنقي ». ( الوسائل ب‍‌ 58 ـ أبواب ما يمسك عنه الصائم ). وقد علل الامام الباقر (ع) اختلاف جوابه في بعض الأحكام بقوله : « ... يا زرارة إن هذا خير لنا ، وأبقى لنا ولكم ». كما علل الامام الصادق (ع) اختلاف الشيعة في وقت الصلاة بقوله : « ... لو صلوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم ». ولذا قال الشيخ يوسف البحراني : « ... فلم يعلم من أحكام الدين على اليقين إلا القليل لامتزاج أخباره بأخبار التقية ، كما قد اعترف بذلك ثقة الاسلام ، وعلم الأعلام محمد بن يعقوب الكليني ـ نور اللّه تعالى مرقده ـ في جامعه الكافي الخ » ( الحدائق ج 1 ص 5 ـ 6 ). 

(*) أي السفاح ، أول خلفاء بني العباس.

 

...........................................................................

 ____________

وسار الشيعة على هدى أئمتهم (ع) في استعمال التقية فراراً من غياهب السجون ، وأعواد المشانق ، فكانوا كمؤمن « آل فرعون يكتم إيمانه » خوفاً من طاغية زمانه ، حيث كان التشيع من أعظم جرائم تلك العصور. قال ابن أبي الحديد : إن بني أمية اجتهدوا في إطفاء نور الامام علي (ع) « وتوعدوا مادحيه ، بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكراً ، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه ... » ونقل عن أبي جعفر الاسكافي أنه قال : « وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي 7 وعاقبوا ذلك الراوي له حتى أن الرجل إذا روى عنه حديثاً لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه ، فيقول : عن أبي زينب ». ( شرح نهج البلاغة ج 1 ص 17 ـ ج 4 ص 73 ). 

فأهل البيت (ع) وشيعتهم لم يستعملوا التقية إلا بعد أن دعت الحاجة اليها. وقد رخص فيها الشرع الاسلامي الأقدس. قال تعالى : « لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل فليس من اللّه في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة » ( آل عمران / 28 ). بل رخص في إظهار كلمة الكفر عند الاضطرار ، كما فعله عمار بن ياسر ـ رضوان اللّه عليه ـ حين اضطرته قريش الى النيل من النبي (ص) ، فنزل قوله تعالى : « من كفر باللّه من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان » ( النحل / 16 ) وقال له النبي (ص) : يا عمار إن عادوا فعد. ( الوسائل ب‍‌ 29 ـ الأمر بالمعروف ـ الدر المنثور ج 4 ص 132 ـ أسباب النزول ص 212 ). بالاضافة لما دل من الكتاب والسنة على نفي الضرر والحرج في الشرع ، وإباحة ما اضطر اليه المكلف ، فانه دال على مشروعية التقية ، لأنها

 

........................................................................

____________

عبارة عن وقاية النفس أو المال أو العرض من الأذى. ولذا استعملها جميع المسلمين عند الحاجة. 

فذكر الخطيب البغدادي أن أبا حنيفة كان يقول بخلق القرآن ، فاعترضه ابن أبي ليلى واستتابه ، فتاب وعدل الى القول : بأن القرآن من كلام اللّه تعالى. فقال له ابنه حماد : « كيف صرت الى هذا وتابعته. قال : يا بني خفت أن يقّدم علي ، فأعطيته التقية ». ( تأريخ بغداد ج 13 ص 379 ـ 380 ). ولسنا بصدد نقاش ما اعتذر به عن التقية ، وصلاحيته لها. 

وقال الآلوسي في ( تفسيره ) مشيراً الى الآية السابقة الناهية عن اتخاذ الكافرين أولياء : « وفي هذه الآية دليل على مشروعية التقية. وعرّفوها بمحافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء ، والعدو قسمان ، الأول من كانت عداوته مبنية على اختلاف الدين ، كالكافر والمسلم ، والثاني من كانت عداوته مبنية على أغراض دنيوية ، كالمال والمتاع والملك والامارة ومن هنا صارت التقية قسمين ... وعّد قوم من باب التقية مداراة الكفار والفسقة والظلمة ، وإلانة الكلام لهم ، والتبسم في وجوههم ، والانبساط معهم ، وإعطاؤهم لكف أذاهم ، وقطع لسانهم ، وصيانة العرض منهم ولا يعّد ذلك من باب الموالاة المنهي عنها ، بل هي سنة وأمر مشروع ، فقد روى الديلمي عن النبي (ص) الخ » ثم ساق الروايات الدالة على ذلك. 

إذن فمن العدوان أن تتخذ التقية وسيلة طعن في المذهب الامامي. فقد شرعها الكتاب والسنة. وأقرها العقل ، وقام عليها سيرة المسلمين. 

ومن الغريب أن يجمع الآلوسي بين اعترافه بمشروعية التقية استناداً الى الكتاب والسنة ، وبين نقده للشيعة لنسبتهم القول بالتقية الى الأئمة من أهل البيت (ع) ، وحمل بعض أفعالهم عليها. قائلاً : « وجل غرضهم

 

كما وأن كثيراً من الأحاديث لم تصدر عن الأئمة (ع) ، وإنما وضعها رجال كّذابون ونسبوها اليهم ، إما بالدس في كتب أصحابهم أو بغيره (1). وبالطبع لا بد وأن يكونوا قد وضعوا لها أو لأكثرها أسناداً صحاحاً ، كي تقبل حسبما فرضته عملية الدس والتدليس. 

____________

من ذلك إبطال خلافة الخلفاء الراشيدين ـ رضي اللّه تعالى عنهم ـ ويأبى اللّه ذلك ». وبسط كلامه على هذا النهج ( روح المعاني ج 3 ص 107 ، وما بعدها ). مع أن استعمال أهل البيت (ع) للتقية غير قابل للتشكيك وسبق بعض أحاديثهم في ذلك ، فكيف ساغ هذا النقد؟. واللّه يحكم بين عباده. 

1 ـ كما اضطر الأئمة من أهل البيت (ع) الى استعمال التقية فقد ابتلوا بجماعة من الزندقة الكذابين الذين بذلوا أقصى جهودهم في وضع الأحاديث ، ونسبتها اليهم (ع). فقد روى الكشي بسنده عن محمد بن عيسى أنه قال : إن بعض أصحابنا سأل يونس بن عبد الرحمان « وأنا حاضر فقال له : يا أبا محمد ما أشدك في الحديث ، وأكثر إنكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على رد الأحاديث؟ فقال : حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد اللّه 7 يقول : لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ما وافق القرآن والسنة ، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة ، فان المغيرة بن سعيد ـ لعنه اللّه ـ قد دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي. فاتقوا اللّه ، ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى ، وسنّة نبينا (ص) ... قال يونس ... وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن الرضا 7 فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد اللّه 7 وقال لي : إن أبا الخطاب كذب على أبي عبد اللّه 7 لعن اللّه أبا الخطاب. وكذلك أصحاب

 

وحيث لا علم لنا بتلك المجموعة من الأخبار المؤلفة من ذينك الطائفتين أعني الموضوعة ، والصادرة تقية ، ولا طريق لنا الى تمييزها عن الأخبار المعتبرة فكيف يسوغ العمل بكل خبر سالم السند من الضعف ، مع احتمال أن يكون من تلك المجموعة التي لا يصح العمل بها؟. 

____________

أبي الخطاب يدسون هذه الأحاديث الى يومنا هدا في كتب أصحاب أبي عبد اللّه ـ 7 الخ » ( رجال الكشي ص 146 ـ 147 ). 

ولذا قال الشيخ يوسف البحراني : « ... ورد عنهم : من أن لكل رجل منا رجلاً يكذب عليه ، وأمثاله مما يدل على دس بعض الأخبار الكاذبة في أحاديثهم (ع). ( الحدائق ج 1 ص 8 ). 

وليس هذا بغريب بعدما أكثر الكذابون من وضع الأحاديث ونسبتها الى النبي (ص). فروى الكليني بسنده عن سليم بن قيس الهلالي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال : « وقد كذب على رسول اللّه (ص) على عهده حتى قام خطيباً ، وقال : أيها الناس قد كثرت عليَّ الكذابة ، فمن كذب عليُّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار. ثم كذب عليه من بعده ، وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس. رجل منافق يظهر الايمان متصنع بالاسلام ، لا يتأثم ، ولا يتجرح أن يكذب على رسول اللّه (ص) الخ » ( الوسائل ح 1 ب‍‌ 14 ـ صفات القاضي ). 

ولذا كثرت الأحاديث الموضوعة في كتب أهل السنة. حتى ألف السيوطي ، والصغاني ، وأبو الفرج بن الجوزي وغيرهم كتباً في التنبيه عليها وأثبت المحقق الحجة الأميني في الجزء الخامس من كتابه ( الغدير ) تحت عنوان ( نظرة التنقيب في الحديث ) سلسلة لبعض الكذابين والوضاعين من رجال حديث أهل السنة ، فبلغوا ستمائة وعشرين شخصاً. كما وضع قائمة للأحاديث الموضوعة والمقلوبة من قبل بعض أولئك الرجال ، فبلغت

 

وترك العمل بجميع الأخبار المعتبرة سنداً المروية عن أهل البيت (ع) باطل قطعاً ، حيث لا طريق الى معرفة الأحكام الصادرة عنهم (ع) غالباً إلا تلك الأخبار ، فيتعين الرجوع الى فقهائنا الأقدمين في تمييز الحجة منها عن غيره لكثرة القرائن لديهم ، فيكشف عملهم بخبر عن عدم كونه من تلك المجموعة ، وقد فرضناه سالم السند من الضعف فيكون حجة ، كما يوجب إعراضهم عن خبر قوة احتمال كونه منها فيسقط عن الاعتبار. 

____________

ثمانية وتسعين ألف وستمائة وأربعة وثمانين حديثاً. وبالاضافة الى الأحاديث المتروكة والمسقطة عندهم بلغت أربعمائة وثمانية آلاف وثلثمائة وأربعة وعشرين حديثاً. 

وقد كثر الوضع والكذب في الحديث على عهد معاوية حيث اقتضت مصلحته الدنيوية ذلك فاصطنع رجال سوء من بعض الصحابة وغيرهم ، وغرّهم بالأموال الطائلة في هذا السبيل. قال ابن أبي الحديد عند ذكر أمير المؤمنين (ع) : « ... استولى بنو أمية على سلطان الاسلام في شرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره ، والتحريض عليه ووضع المعايب والمثالب له الخ ». ونقل عن شيخ المعتزلة أبي جعفر الاسكافي أنه قال : « إن معاوية وضع قوماً من الصحابة ، وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي 7 تقتضي الطعن فيه ، والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا (*) يُرَغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير ». ثم عرض بعض ما رووه في ذلك. ( شرح نهج البلاغة ج 1 ص 17 ـ ج 4 ص 63 ). 

 (*) الجعل بضم الجيم وسكون العين الأجر الذي يأخذه الانسان على فعل شيء.

 

وهذا العلم الاجمالي بوجود تلك المجموعة من الأخبار الغير المعتبرة في طي أخبارنا التي يجب العمل بها مهم جداً. ويتلخص الجواب عنه بوجوه. 

____________

إذن فمن الحيف أن ينسب القصيمي الكذب الى رجال الشيعة ويقول : « ليس في رجال الحديث من أهل السنة من هو متهم بالوضع و ( الكذابة ) (*) طمعاً في الدنيا الخ » ( الغدير ج 5 ص 184 ، نقلاً عن الصراع ج 1 ص 85 ). وما نسبه الدكتور صبحي صالح الى ابن أبي الحديد من قوله : « إعلم أن أصل الكذب في أحاديث الفضائل جاء من جهة الشيعة ». ( علوم الحديث ومصطلحه ص 321 ). وعلق في هامش كتابه أن مصدره ( شرح نهج البلاغة ج 2 ص 134 ). كما صرح في مراجع كتابه بأنه نقل عن طبعة القاهرة. 

لكن بعد مراجعتنا لمصدره لم نر تلك الجملة التي وضعها بين قوسين إشارة الى كونها منقولة بلفظها. وفتشنا عنها في بعض الأبحاث المناسبة فلم نرها ، وإنما وجدنا كلاماً لابن أبي الحديد في الجزء الثاني من تجزئته لكتابه وهو يقع في الجزء الأول ( ص 135 طبعة القاهرة الأولى ). ويقع في الجزء الثاني ( ص 59 طبعة القاهرة الثانية بتحقيق محمد أبي الفضل ابراهيم ). وهو وإن كان أجنبياً عن تلك الجملة ننقله بلفظه وهو. 

« وأعلم أن الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جداً ، ومن تأملها وأنصف علم أنه لم يكن هناك نص صريح ، ومقطوع به لا تختلجه الشكوك 

 (*) هكذا ورد في المصدر ، لكن لم أجد لها معنى مناسباً في اللغة فان ( الكذابة ) بالتشديد أنثى الكذاب ، كما أنها تطلق على الثوب المنقوش بألوان الصبغ كأنه موشى. ولو قال ( كذبة ) لصح ، فانها تستعمل بمعنى الكذب مبالغة. قال في ( تاج العروس ، مادة كذب ) : « ورجل كذبة مثال همزة ... وهو من أوزان المبالغة ».

 

.......................................................................

____________

ولا يتطرق اليه الاحتمالات ، كما تزعم الامامية ، فانهم يقولون : إن الرسول 9 نص على أمير المؤمنين 7 نصاً صريحاً جلياً ، ليس بنص يوم الغدير ، ولا خبر المنزلة ، ولا ما شابههما من الأخبار الواردة من طرق العامة وغيرها ، بل نص عليه بالخلافة ، وبامرة المؤمنين ، وأمر المسلمين أن يسلموا عليه بذلك ، فسلموا عليه بها وصرح لهم في كثير من المقامات بأنه خليفة عليهم من بعده ، وأمرهم بالسمع والطاعة له. ولا ريب أن المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول اللّه 9 يعلم قطعاً أنه لم يكن هذا النص ، ولكن قد يسبق الى النفوس والعقول أنه قد كان هناك تعريض ، وتلويح ، وكناية ، وقول غير صريح ، وحكم غير مبتوت الخ ». 

لكن تلك النصوص التي أشار اليها ابن أبي الحديد ، الواردة من طرق العامة ، لا تختلجها شكوك واحتمالات فهي واضحة الدلالة على استحقاق أمير المؤمنين علي (ع) بالخلافة بعد رسول اللّه (ص) ، حيث قرن اللّه تعالى ولاية علي (ع) بولايته ، وولاية رسوله (ص) في آية الولاية النازلة يوم تصدق راكعاً. وقرن النبي (ص) ولايته بولايته في حديث الغدير. وقال (ص) يوم جمع عشيرته الأقربين : فأيكم يوازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم. فأحجم القوم عنها غير علي (ع) ، وكان أصغرهم ، إذ قام فقال : أنا يا نبي اللّه أكون وزيرك عليه فأخذ رسول اللّه (ص) برقبته وقال : إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له ، وأطيعوا. 

وقد بسط البحث عن ذلك أعلام الامامية الباحثون عن الامامة ، ولم يبقوا مجالا لتشكيك مشكك. وكتبهم مشهورة فراجعها ، خصوصاً كتاب ( المراجعات ) للمرحوم المجاهد آية اللّه السيد عبد الحسين شرف الدين.

 

...........................................................................

____________

ومن الغريب أن يستشهد ابن أبي الحديد على عدم النص بما جرى بعد وفاة النبي (ص) ، وما هو إلا تنافس بين المسلمين في شأن الإمرة فطمع فيها الأنصار ، وادعاها المهاجرون والسيوف مسلولة في سبيل ذلك ، حتى كانت ( الفلتة ) في جو من الارهاب. والامام علي ، وبنو هاشم مشغولون بتجهيز النبي (ص). وما أن فرغوا حتى رأوا حدثاً لم يكن في الحسبان ، فامتنعوا من البيعة ، ومعهم نفر من الصحابة المخلصين ، وأقاموا الأدلة ، والنصوص النبوية على أن الخليفة الشرعي للنبي (ص) هو أمير المؤمنين علي (ع). ولم يبق إلا القتال في سبيل الخلافة ، فصبر علي (ع) « وفي العين قذى ، وفي الحلق شجاً » حقناً للدماء ، ورعاية لمعالم الاسلام ومظاهره. 

ثم إن الدكتور صبحي صالح قد وصف ابن أبي الحديد بالشيعي تتميماً لحجته حيث يكون الشاهد على الشيعة منهم مع أن تسننه أشهر من أن يخفى. وأبحاثه في ( شرح النهج ) شاهدة بذلك ، وإن فضّل أمير المؤمنين (ع) على غيره ، ومدحه بما يستحقه ، فان محض تفضيله ، ومدحه لا يوجب صدق التشيع. 

وقد اضطرب الاستاذ محمد أبو الفضل ابراهيم في مذهب ابن أبي الحديد فجعل له أدواراً ثلاثة تقّلب مذهبه فيها. الأول حينما نشأ في المدائن ، وتلقى عن شيوخها. وكان مذهبه الاعتزال. الثاني حين مدح أمير المؤمنين 7 بقصائده السبع العلويات ، وكان مذهبه المغالاة في التشيع ، يقول الاستاذ : « وفيها غالى وتشيع ، وذهب به الاسراف في كثير من أبياتها كل مذهب ». وقد كبر على الاستاذ أن يصدر ذلك المدح من أحد أعلام السنة ، فاضطر الى القول بتشيعه ، واستعرض أبياتاً من قصيدته العينية مستشهداً بها على ذلك ، مع أن قوله فيها :

 

الأول أن العلم الاجمالي بوجود الأخبار الموضوعة في ضمن الأخبار الصادرة عن أهل البيت (ع) مختص بعصرهم ، فلا علم لنا بوجودها في ضمن الأخبار الواصلة الينا عن طريق كتبنا المعتبرة. ويدل على ذلك أمور هي : 

أولاً : أن الأئمة الأطهار (ع) مذ أحّسوا بعروض الوضع والدس في الأحاديث أخذوا في تهذيبها ، وميزوا الصادر عنهم منها بأنه الموافق للكتاب والسنة. كما حّذروا شيعتهم من أولئك الواضعين ، وسمّوهم ليحذروهم ، كما سبق. 

ولذا اهتم الرواة بذلك فعرضوا أحاديثهم ، وما صنفوه من كتب فيها على الائمة (ع) فانكروا المكذوب منها وأقروا الباقي. فعرض عبيد اللّه بن علي الحلبي كتابه على الامام الصادق (ع) فصححه واستحسنه ، وقال 7 ، « ليس لهؤلاء مثله ». وعرض يونس بن عبد الرحمان كتابه على الامام العسكري (ع). وعرض عبد اللّه بن سعيد بن حنان الكناني كتابه الذي رواه عن آبائه في ( الديات ) على الامام الرضا (ع). 

قال الشيخ محمد بن الحسن الحر بعد أن حكى ذلك : « وقد صرح المحقق فيما تقدم أن كتاب يونس بن عبد الرحمان ، وكتاب الفضل بن 

__________________

ورأيت دين الاعتزال وإنني

  أهوى لأجلك كل من يتشيع

  

صريح في بقائه على اعتزاله ولسنا بصدد مناقشة الاستاذ حول ما سماه مغالاة واسرافاً. الثالث حين شرح ( نهج البلاغة ) ، وكان مذهبه الاعتزال الجاحظي. ( مقدمة شرح نهج البلاغة ص 14 ـ 15 ). 

وقد اُتهم الاستاذ محمود أبو رية بالتشيع أيضاً ، لأنه كشف الحال عن أبي هريرة في كتابيه ( أضواء على السنة المحمدية ، وشيخ المضيرة ) ، أنظر كتابه الثاني ص 13. 

 

شاذان كانا عنده ونقل منهما الأحاديث. وقد ذكر المحدثون وعلماء الرجال أنهما عرضا على الأئمة (ع) ». وقال : « مع أن كثيراً من الكتب التي ألفها ثقات الامامية في زمان الأئمة (ع) موجودة الآن موافقة لما ألفوه في زمان الغيبة » (1). 

وحّدث يونس بن عبد الرحمان فقال : « وافيت العراق فوجدت بها قطعة من أصحاب أبي جعفر 7 ووجدت أصحاب أبي عبد اللّه 7 متوافرين فسمعت منهم ، وأخذت كتبهم فعرضتها من بعد على أبي الحسن 7 فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبد اللّه 7 الخ » (2). 

وروى اسماعيل بن الفضل الهاشمي في الصحيح قال : « سألت أبا عبد اللّه (ع) : عن المتعة فقال (ع) : الق عبد الملك بن جريح فسله عنها فان عنده منها علماً. فلقيته فأملى عليّ شيئاً كثيراً في استحلالها ... فأتيت بالكتاب أبا عبد اللّه (ع) فقال : صدق. وأقر به » (3). 

إذن فلم يبق في تلك الكتب المعروضة على الأئمة الأطهار (ع) أي حديث موضوع قد دس فيها. وتلك الكتب ونظائرها هي التي اعتمد عليها أصحاب المجاميع في نقل الأحاديث. 

وثانياً : أن قدماء أصحابنا ـ رضوان اللّه عليهم ـ قد تنبّهوا لذلك وبذلوا أقصى جهودهم حول تمييز الأخبار المعتبرة عن غيرها ، وانتقاء ما دلت القرائن على أنه ليس بموضوع ولا مدسوس ، حتى أن الكليني لم يتم له جمع أحاديث كتابه ( الكافي ) إلا في مدة عشرين سنة (4). ولذا شهد 

__________________

1 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 7 ـ 9. 

2 ـ رجال الكشي ص 146. 

3 ـ الوسائل ج 5 ب‍‌ 11 ـ صفات القاضي. 

4 ـ رجال النجاشي ص 266. 

 

هو والصدوق بصحة ما في كتابيهما من الأخبار ، وقال الشيخ يوسف البحراني : « إن هذه الأحاديث التي بأيدينا إنما وصلت الينا بعد أن سهرت العيون في تصحيحها وذابت الأبدان في تنقيحها وقطعوا في تحصليها من معادنها البلدان الخ » (1). 

وثالثاً : أن أصول ثقات الرواة وكتبهم التي أخذ أصحاب المجاميع منها الأخبار كانت مشهورة بين الامامية. ونقل الشيخ الطوسي إجماعهم « على العمل بهذه الأخبار التي رووها في تصانيفهم ودونوها في أصولهم لا يتناكرون ذلك ، ولا يتدافعونه حتى أن واحداً منهم إذا أفتى بشيء لا يعرفونه سألوه من أين قلت هذا؟ فاذا أحالهم على كتاب معروف ، أو أصل مشهور وكان راويه ثقة ، لا ينكر حديثه ، سكتوا وسلموا الأمر في ذلك ، وقبلوا قوله الخ » (2). ومقتضاه أن تلك الأصول والكتب المشهورة خالية من الأخبار الموضوعة ، وإلا كان للنقاش فيها مجال واسع. 

ولذا قال السيد التفرشي : « إعلم أن الشيخ الطوسي ـ قدس اللّه سره ـ صرح في آخر ( التهذيب والاستبصار ) بأن هذه الأحاديث التي نقلناها من هذه الجماعة أخذت من كتبهم وأصولهم. والظاهر أن هذه الكتب والأصول كانت عنده معروفة ( كالكافي والتهذيب ) وغيرهما عندنا في زماننا هذا. كما صرح به الشيخ محمد بن علي بن بابويه ـ رضي اللّه عنه ـ في أول كتاب ( من لا يحضره الفقيه ). فعلى هذا لو قال قائل : بصحة هذه الأحاديث كلها ، وإن كان الطريق إلى هذه الكتب والأصول ضعيفاً ، إذا كان مصنفو هذه الكتب والأصول وما فوقها من الرجال الى المعصوم (ع) ثقاتاً لم يكن مجازفاً » (3). 

__________________

1 ـ الحدائق ج 1 ص 8. 

2 ـ عدة الأصول ص 51. 

3 ـ جامع الرواة ج 2 ص 548. 

 

ورابعاً : أن بعض تلك الكتب والأصول التي أخذ منها الأحاديث كانت أجوبة مسائلها بخط المعصوم (ع). كما وأن بعضها كان بخط الثقة من أصحاب المعصوم (ع) ، فلا يحتمل عروض دس فيها من قبل واضعي الحديث. قال الشيخ محمد بن الحسن الحر : « وقد صرح الصدوق في مواضع أن كتاب محمد بن الحسن الصفار المشتمل على مسائله ، وجوابات العسكري (ع) كان عنده بخط المعصوم (ع). وكذلك كتاب عبيد اللّه بن علي الحلبي المعروض على الصادق (ع) وغير ذلك » (1). وقال الصدوق عند روايته لبعض مكاتبات الصفار الى العسكري (ع) : « هذا التوقيع في جملة توقيعاته (ع) الى محمد بن الحسن الصفار عندي بخطه في صحيفة » (2). 

وخامساً : أن غالب الأحاديث التي دوّنها القدماء في مجاميعهم إنما تلقّوها عن مشايخهم الثقات بطريق السماع حتى تتصل بالمعصوم (ع). ومثل هذا الطريق لا يعرض له دس أو تزوير. 

وخلاصة البحث أن وجود الأخبار الموضوعة في عصر المعصومين (ع) لا يمنع من العمل بالأخبار التي ضمتها مجاميع قدماء أصحابنا المعتبرة ، مثل كتبنا الأربعة ونظائرها ، فانها خالية من ذلك.

مع الدكتور فياض 

وقد ظهر بهذا وهن ما كتبه الدكتور عبد اللّه فياض تحت عنوان ( كتب الحديث عند الشيعة الامامية ) ، حيث قارن بينها وبين كتب الحديث عند أهل السنة. فقال : « ومن الجدير بالذكر أنه لم تجرِ عملية تهذيب وتشذيب 

__________________

1 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 9. 

2 ـ الوسائل 2 ب‍‌ 28 ـ غسل الميت. 

 

شاملة لكتب الحديث عند الشيعة الامامية على غرار العملية التي أجراها المحدثون عند أهل السنة ، والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة. ونتج عن فقدان عملية التهذيب لكتب الحديث المشهورة عند الشيعة الامامية مهمتان هما أولا : بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عندهم ... وأعتقد أن إهمال العلماء الذين جاؤوا بعد ابن ادريس الحلي لآرائه ، ورميه بالتخليط ، يمكن أن يعد من أهم الأسباب التي أدت الى بقاء مجموعات الحديث عند الشيعة الامامية دون تهذيب وتشذيب حتى يومنا هذا. ثانياً : تسرّب أحاديث الغلاة ... إلى بعض كتب الحديث عند الشيعة ، وقد تنّبه أئمة الشيعة الامامية ، وعلماؤهم الى الأخطار المذكورة وحاولوا خنقها في مهدها ، ولكن نجاحهم لم يكن كاملاً نتيجة لعدم قيام عملية تهذيب شاملة لكتب الحديث » (1). وبحثنا معه. 

أولاً : في كتب الحديث عند أهل السنة ، فان أصحها لديهم ( صحيح البخاري ) الذي لم يروِ فيه عن الامام الصادق (ع) ، وإنما روى عن كثير ممن اشتهر بالفسق والكذب ، مثل عمران بن حطان الخارجي ، وحريز بن عثمان الرحبي ، وسمرة بن جندب سفاك الدماء ، وعكرمة الخارجي (2) 

____________

1 ـ الاجازات العلمية عند المسلمين ص 98 ، وما بعدها. 

2 ـ اشتهر عكرمة هذا بوضع الحديث ، والكذب فيه. ولذا كذبه مجاهد ، وابن سيرين ، كما في ( طبقات القراء ) للجزري ج 1 ص 515. وأعرض عنه مالك بن أنس ، ومسلم ، كما في ( تذكرة الحفّاظ ) للذهبي ج 1 ص 96. وقال مالك : « لا أرى لأحد أن يقبل حديثه ». كما في ( تهذيب التهذيب ) لابن حجر ج 7 ص 269. وللمزيد من ذلك راجع كتابنا ( آية التطهير ) ص 55 ـ 59 ـ 126 ـ 127. 

 

ولذا قال السيد محمد بن عقيل في ( نصائحه ) : « وهنا يتحير العاقل ، ولا يدري بماذا يعتذر عن البخاري الخ » (1). 

وجاء في كتاب ( أضواء على السنّة المحمدية ) (2) للاستاذ محمود أبي ريّة : أن البخاري كان يروي بالمعنى ، وأن الخطيب البغدادي في ( تاريخ بغداد ج 2 ص 11 ) روى عنه أنه قال يوماً : « رب حديث سمعته بالبصرة كتبته بالشام ، ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر. فقيل له : يا أبا عبد اللّه بكماله. فسكت ». 

وجاء فيه أيضاً : أن البخاري مات قبل أن يتم تبييض كتابه ، وأنه استُنسخ من الأصل الذي عند صاحبه ، وفيه أشياء لم تتم ، وأشياء مبيّضة منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئاً ، ومنها أحاديث لم يترجم لها ، فأضيف بعض ذلك الى بعض. وقد انتقده الحفّاظ في عشرة ومائة حديث ، منها 32 حديثاً وافقه مسلم على تخريجها ، و 78 حديثاً انفرد هو بتخريجها. وكذلك ضعّف الحفاظ من رجال البخاري نحو 80 رجلاً ، ومن رجال مسلم 160 رجلاً. والأحاديث التي انتقدت عليهما بلغت مئتي حديث وعشرة. 

وقد أورد الشيخان البخاري ، ومسلم في صحيحيهما كثيراً من الأحاديث التي يمتنع صدورها عن النبي (ص) ذكر المرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين منها أربعين حديثاً لراوي واحد ، وهو أبو هريرة الدوسي في كتابه الذي عنونه به ، وجعلها نموذجاً لأحاديثه. قائلاً : « الأذواق الفنية لا تسيغ كثيراً من أساليب أبي هريرة في حديثه ، والمقاييس العلمية عقلية ونقلية لا تقرّها. وحسبك عنواناً لهذه الحقيقة أربعون حديثاً صحت عنه الخ ». ثم ساق الأحاديث بتعاليقها. وعد فصلاً لانكار السلف 

__________________

1 ـ النصائح الكافية ص 93. 

2 ـ انظر ص 274 ـ 275. 

 

لأحاديثه (1). 

وبحث الاستاذ محمود أبو ريّة عن أبي هريرة ، وأحاديثه في كتابه ( أضواء على السنّة المحمدية ). ثم توسّع في البحث ، ونشره في كتاب بعنوان ( شيخ المضيرة ). وقد أثبت فيه أن أبا هريرة كان وضاعاً يدلّس في حديثه ، ويستقي من كعب الأحبار ، الذي بث اسرائيلياته من طريقه وقد كّذبه الصحابة ، وردّوا عليه في حياته باعترافه. وانقطع الى بني أمية فوضع أحاديث في فضل معاوية ، وأخرى على الامام علي (ع). كما وأن له أحاديث لا يمكن قبولها ، أخرجها عنه البخاري ، ومسلم في صحيحيهما وأنه لم يصحب النبي (ص) إلا سنة ، وتسعة أشهر ، ثم انتقل الى البحرين لا كما اشتهر من صحبته ثلاث ، أو أربع سنين. وعلى كلا التقديرين فقد روى عن النبي (ص) عدداً ضخماً من الأحاديث بلغت 5374 حديثاً ، أخرج البخاري منها 446 حديثاً. 

ولذا كبر على الاستاذ أبي زهرة وجماعته أن يمس أبو هريرة ، لأن كشف حاله يوجب خدش أصول حديثهم التي اعتمدوا عليها ، يقول أبو زهرة : « ... كأولئك الذين لا يحلو لهم إلا أن يتهجموا على الصحابي أبي هريرة ، ليهدموا البخاري ، ومسلماً ، وغيرهما من كتب السنة الصحاح » (2). 

وعليه كيف تكون رواية البخاري ومسلم عن أمثال أولئك الرواة ، وأمثال تلك الأحاديث عملية تهذيب وتشذيب ، كما يقوله الدكتور؟ ، ليكون « كتابهما أصح الكتب بعد كتاب اللّه العزيز » ، كما ينقله الدكتور عن ابن الصلاح بدون تعقيب. 

وإن غاية ما يقال في اعتبار صحاح أهل السنة : إن مؤلفيها قد اجتهدوا 

__________________

1 ـ ابو هريرة ص 54 ـ 182. 

2 ـ الامام الصادق ص 460.

 

 في صحة أخبارها ، فالبخاري اجتهد في صحة الأحاديث التي أثبتها في صحيحه ، وهكذا كل مؤلف اجتهد في صحة أحاديث كتابه ، وقلّدهم خلفهم في ذلك ، كتقليدهم في فروع الفقه مذاهب أربعة على وجه الحصر فأين عملية التهذيب الشاملة « التي أجراها المحدثون عند أهل السنة ، والتي تمخض عنها ظهور الصحاح الستة المعروفة »؟. 

نعم هناك جماعة أجروا عملية تهذيب لأحاديث أهل السنة بعد ظهور الصحاح الستة ، لا قبلها لتكون وليدة تلك العملية. منهم السيوطي في كتابه ( اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة ). ومنهم الحسن بن محمد الصغاني في كتابه ( الدرر الملتقطة ). ومنهم أبو الفرج بن الجوزي في كتابه الذي ألفّه لهذا الغرض. ومنهم محمد طاهر بن علي الهندي الفتني في كتابه ( تذكرة الموضوعات ). وقد جمعه من كتب ألّفت في هذا الموضوع ، أشار اليها بقوله : « ومما بعثني اليه أنه اشتهر في البلدان ( موضوعات الصغاني ) وغيره ، وظني أن إمامهم كتاب ابن الجوزي ونحوه ... وأنا أورد بعض ما وقع في ( مختصر ) الشيخ محمد بن يعقوب الفيروزابادي ... وفي ( المقاصد الحسنة ) للشيخ العلامة أبي الخير شمس الدين السخاوي ، وفي كتاب ( اللآلئ ) للشيخ جلال الدين السيوطي ، وفي كتاب ( الذيل ) له ، وفي كتاب ( الوجيز ) له ، و ( موضوعات الصغاني ) ، و ( موضوعات المصابيح ) التي جمعها الشيخ سراح الدين عمر بن علي القزويني ، و ( مؤلّف ) الشيخ علي بن ابراهيم العطار ، وغير ذلك الخ » (1). وسبق الاشارة أيضاً الى ذلك (2). 

وثانياً : في كتب الحديث عند الشيعة الامامية ، حيث ذكر الدكتور 

____________

1 ـ تذكرة الموضوعات ص 3 ـ 4. 

2 ـ انظر ص 136.

 

 الكتب الثمانية المشهورة منها (1) ، ونظر اليها على مستوى واحد ، فحكم بأن أحاديثها خام لم يجر عليها عمليات تهذيب وتشذيب الى يومنا هذا. 

ويوهنه الأدلة السابقة التي ثبت بها أن ثقات رواة الامامية ، والقدماء من مؤلفي كتبهم الأربعة ، ونظائرها من الكتب المعتبرة قد أجروا أكبر عملية تهذيب للأحاديث ، حتى لم يبق مجال للقول بتسرّب الأحاديث المدسوسة الى تلك الكتب. كما أنهم صرفوا العمر في سبيل انتقاء الأحاديث الصحيحة بنظرهم ، وقد استغرقت جهود الشيخ الكليني في ذلك زمناً يناهز ربع القرن حتى انتج كتابه ( الكافي ) ، وشهد بصحة جميع أحاديثه. كما شهد الصدوق بصحة أحاديث كتابه ( الفقيه ) ، وأنها الحجة فيما بينه وبين اللّه تعالى. 

ولم أدر كيف لا تعتبر تلك الجهود عملية تهذيب لتكون كتبنا الأربعة ونظائرها ناجمة عنها؟ ، فهي تفوق ما أجراه المحدثون من أهل السنة عند جمع أحاديث صحاحهم الستة. مع الغض عما سبق من النقاش في بعض رواتها ، وأحاديثها. 

وإنا وإن لم نلتزم بصحة جميع أحاديث كتاب ما ، بل ننظر إليها من طريق مدارك حجية خبر الواحد ، وقواعد الجرح والتعديل ، لكنا نقول : إن مؤلفي تلك الكتب الأربعة ، ونظائرهم من قدامى المؤلفين لم يوردوا في كتبهم كل حديث رأوه أو سمعوه ، وإنما اجتهدوا ، وأجهدوا أنفسهم في انتقاء ما كان معتبراً لديهم على ضوء قرائن التصحيح ، وأصول التزكية ، ولذا اهتموا بطرق الأحاديث ، والبحث عنها. ولا نعرف شيئاً وراء ذلك يسمى تهذيباً ، وتشذيباً. فالحكم بخلو جميع تلك الكتب من عملية 

____________

1 ـ وهي الكافي 1 ، الفقيه 2 ، التهذيب 3 ، الاستبصار 4 ، الوافي 5 الوسائل 6 ، مستدرك الوسائل 7 ، بحار الأنوار 8. 

 

التهذيب ، وجريانها في جميع الصحاح الستة عند أهل السنة ، فيه حيف ظاهر. 

وقد صرح الدكتور بأن الناتج عن فقدان عملية التهذيب بقاء الأحاديث الضعيفة بجانب الأحاديث المعتبرة في بعض المجموعات الحديثية عند الشيعة ومثّل لذلك ب‍‌ ( الكافي والفقيه والبحار ). ولا ندري ما يعني بالبعض الآخر الذي لم يبق فيه حديث ضعيف من الكتب الثمانية.  وقد أجمل الدكتور في قوله : « تسرب أحاديث الغلاة ... الى بعض كتب الحديث عند الشيعة » ، حيث يصلح لارادة كل كتاب من تلك الثمانية ، وإن قال عن أحاديث ( البحار ) عند ذكره : « وربما كان بعضها موضوعاً ». 

وحيث كان عملنا بالأخبار على ضوء تلك المدارك والقواعد فلا يمكن إعطاء ضابطة كلية تميز الأحاديث المعتبرة عن غيرها ، لاختلاف مباني الفقهاء في العمل بالأخبار ، كاختلافهم في الجرح والتعديل ، ولذا اضطروا الى تنقيح تلك المباني ، والاجتهاد فيها. وعليه فتكثر الأحاديث الضعيفة على مبنى وتقل على مبنى آخر ، وقد تنعدم بالنسبة للكتب التي ادعي احتفاف أخبارها بالقرائن المفيدة للوثوق بصدورها أجمع عن المعصوم (ع). 

وهذا الاختلاف في شأن الجرح والتعديل ، وقواعد العمل بالحديث ثابت لدى أهل السنة أيضاً. 

يبقى البحث في دعوى أن اللازم من تلك الأمور السابقة وجوب العمل بجميع الأخبار المدوّنة في الكتب الأربعة ، ونظائرها من كتب القدماء المعتبرة. 

والجواب عنها أن الثابت بتلك الأمور سلامة الأخبار الواردة في تلك الكتب من الوضع والدس ، بمعنى أن كل راوي ورد في أسنادها قد حدّث

 

بها ، لا أنها مكذوبة عليه ، ومدسوسة في كتابه من قبل الواضع الداس لكنه لا يلزم من ذلك التعبد بصدورها أجمع عن الامام (ع) ، لتوقف حجية الخبر على أمرين ، أحدهما إحراز نقل الراوي له. ثانيهما إحراز وثاقته. والأمور السابقة إنما تثبت لنا أن الراوي كمحمد بن سنان نقل الخبر عن الامام (ع) ، لا أنه مكذوب عليه. أما وثاقته فنحتاج الى إحرازها من طريق آخر ، كوثاقة بقية رجال سند الخبر. 

نعم لو حصل من تلك الأمور وثوق ، واطمئنان بصدور تلك الأخبار بأجمعها عن المعصوم (ع) كانت حجة لذلك وإن لم يثبت وثاقة رواتها وكذا لو اطمأن الفقيه بصدور بعضها لكونه موجوداً في الكتاب المعروض على المعصوم (ع) ، أو قامت القرائن على أن الجواب بخطه (ع). 

وهذا جاري في اعتبار نفس الكتاب ، والأصل الناقل للأخبار ، حيث لا يثبت اعتباره إلا بعد إحراز وثاقة مؤلفه ، وصحة نسبته اليه ، فلا يجدي أحدهما. ولذا بحث الفقهاء عن صحة طرق الشيخين الطوسي ، والصدوق الى أصحاب الكتب ، والأصول التي نقلا عنها الأخبار ، فحكموا بصحة بعضها ، وضعف البعض الآخر. كما هجر كثير منهم روايات كتاب الفقه المنسوب الى الامام الرضا (ع) ، لعدم ثبوت تلك النسبة لديهم. 

نعم لو حصل اطمئنان بصحة نسبة الكتاب الى مؤلفه كفى وثاقته في اعتباره ، وإن لم يثبت صحة الطريق اليه. 

هذا كله بالنسبة للأحاديث الموضوعة ، 

وأما الأحاديث الصادرة تقية فقد انحصرت بالأحاديث المتعارضة ، إذ لا يمكن عادة صدور الحكم عن المعصوم (ع) مخالفاً للواقع تقية ولا يصدر ما يخالفه من بيان الحكم الواقعي ، لا عنه ، ولا عن معصوم آخر طيلة عصور المعصومين (ع). بل ورد التصريح في بعض الأخبار بالقاء

 

المعصوم (ع) الخلاف في الحكم بين الشيعة حفظاً لهم من جور الحاكمين وعلل في بعض الأخبار بقوله (ع) : لو اجتمعتم على أمر واحد لصدقكم الناس علينا ، ولكان أقل لبقائنا وبقائكم الخ » (1). وبقوله (ع) : « لو صلّوا على وقت واحد لعرفوا فأخذ برقابهم » (2). 

وقد وضع الأئمة من أهل البيت (ع) طريقاً لمعرفة الحجة من الخبرين المتعارضين ، وهو عرضهما على كتاب اللّه تعالى ، والأخذ بما وافقه ، وترك ما خالفه. إذ لا إشكال في أن الموافق هو الذي صدر لبيان الحكم الواقعي فان لم يذكر الحكم في الكتاب أخذ بما خالف العامة ، وهجر ما وافقهم إذ لا إشكال في أن الموافق هو الذي صدر تقية. 

الوجه الثاني : أن العلم الاجمالي بوجود ذينك الطائفتين من الأخبار أعني الموضوعة ، والصادرة تقية ضمن الأخبار الواصلة الينا ، على تقدير تحققه ، لا أثر له ، فان هذه الأخبار على قسمين ، أحدهما تضمن حكماً غير الزامي ، والأخر تضمن حكماً إلزامياً. ولا أثر للعلم الاجمالي في الأول فيجري الأصل في الثاني بلا معارض ، ويعمل بأخباره بعد سلامة السند والدلالة من الضعف. 

ويورد عليه بأن الأثر ثابت لهذا العلم حتى في القسم الأول ، من أجل استناد الفقيه الى أخباره ، وفتواه على طبقها ، إذ تارة يفتي الفقيه بالوجوب ، وأخرى بالاستحباب ، وثالثة بالكراهة ، وفي جميع ذلك محتاج الى حجة يستند اليها في فتواه ، وعليه فالحكم الالزامي وغيره سواء في اعتبار سلامة مدركه من الخدش ، فيتنجز ذلك العلم الاجمالي. 

الوجه الثالث : أن العلم الاجمالي المذكور على تقديره قد اتحل بعدم العمل بكثير من الأخبار الواصلة الينا ، لأمور دعت الى ذلك ، منها ضعف 

__________________

1 ـ الكافي ج 1 ص 65. 

2 ـ الحدائق ح 1 ص 6.

 

 سند الخبر أو دلالته ، وعدم وجود الجابر لهما. ومنها شذوذه ، وهجر الفقهاء له ، ومنها حمله على التقية عند اقتضاء القواعد ذلك. ومنها وجود المعارض له المسقط عن الاعتبار. وعليه نحتمل بل نظن بوجود ذينك الطائفتين من الأخبار في تلك المجموعة التي لم نعمل بها ، فلا يبقى لنا علم إجمالي بوجودهما ضمن أخبارنا المعمول بها. 

واحتمال وجودهما بينها غير ضاير ، حيث لا يعتنى باحتمال كون الخبر موضوعاً ومدسوساً بعد إطلاق دليل حجية خير الثقة ، كما لا يعتنى باحتمال صدوره تقية بعد جريان أصالة الظهور ، فان مقتضى حجية ظاهر الكلام أن مفاده مراد للمتكلم بالارادة الجدية ، فلا عبرة باحتمال إرادة خلاف ظاهره من سخرية ، أو امتحان ، أو تقية ، أو غيرها ما لم تقم قرينة على ذلك. هذا ما بنى عليه العقلاء عند التحاور ، والتفهيم. 

وخلاصة البحث أنه لم يقم دليل يمكن الركون اليه في إثبات قاعدة كلية مقتضاها حجية كل خبر اشتهر عمل الفقهاء به وإن كان ضعيف السند ووهن كل خبر اشتهر الاعراض عنه وإن كان صحيح السند. 

نعم لو حصل الوثوق في مورد بصدور الخبر عن المعصوم (ع) من شهرة العمل أو غيرها كان حجة ، وإن ضعف سنداً. كما أنه لو حصل الوثوق بعدم صدوره أصلاً ، أو بعدم صدوره لبيان الحكم الواقعي من شهرة الاعراض ، أو غيرها سقطت حجيته ، وإن صح سنداً. فالعبرة بذلك الوثوق.  وعليه فلو تعارض خبران في الدلالة ، أحدهما حصل الوثوق برواته والآخر بصدوره جرى عليهما أحكام المتعارضين لحجية كل منهما في نفسه. 

نعم لو قلنا بانسداد باب العلم في توثيقات الرواة ، واكتفينا بالظن فيها كان الخبر الموثوق بصدوره هو الحجة دون معارضه الذي حصل الظن 

 

بوثاقة رواته. كما أنه لو انعكس الأمر ، فانسد باب العلم بالنسبة للوثوق بالصدور ، دون الوثوق بالرواة ، كان خبر الثقة هو الحجة دون معارضه الذي حصل الظن بصدوره. أما لو انسد باب العلم فيهما كان الخبر الذي حصل الظن بصدوره معارضاً لما حصل الظن بوثاقة رواته لحجية الظن فيهما معاً. فانسداد باب العلم بالنسبة للوثوق بصدور الأحاديث الواصلة الينا لا يثبت حجية الظن به ما لم ينسد باب العلم في توثيقات الرواة ، وبالعكس. 

وعليه يلزم النظر في شأن التوثيقات الصادرة في حق رواة الأحاديث وهل أنها تفي بالمطلوب ليكون باب العلم منفتحاً فيها ، فلا يضطر الى التنّزل الى العمل بالظن. 

وتفصيل البحث عن ذلك يستدعي النظر في الأصول الرجالية التي هي المرجع في باب التوثيقات فنقول. 

 

 

ـ 5 ـ

الاُصُول الِرجاليّة وَرِجَال ابن الغَضَائري

 

الأصول الرجالية 

لنا أصول في الحديث نعرف بها متنه وأسماء رواته ، مثل كتبنا الأربعة. 

ولنا أصول في الرجال نعرف بها حال بعض اولئك الرواة ، وما قيل فيهم من قدح ومدح وتوثيق وتضعيف ، لتوقف صحة العمل بخبر الواحد على احراز اعتبار رواته ، فيضطر الفقيه الى النظر في تلك الأصول. وهي. 

1 ـ كتاب أبي الحسين احمد بن العباس النجاشي الأسدي المتوفى سنة ( 450 هجري ) ، المعروف ب‍‌ ( رجال النجاشي ). 

2 ـ كتاب الشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة ( 460 هجري ) ، المعروف ب‍‌ ( الفهرست ). 

3 ـ كتابه الثاني المعروف ب‍‌ ( رجال الشيخ الطوسي ). 

4 ـ كتابه الثالث الذي اختاره من كتاب الشيخ الأقدام أبي عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي المعدود في طبقة الشيخ الكليني المتوفى سنة ( 329 هجري ) ، وسماه ب‍‌ ( اختيار الرجال ) ، كما يسمى اليوم ب‍‌ ( معرفة أخبار الرجال ) ، وبه عنوان الكتاب المطبوع ، واشتهر ب‍‌ ( رجال الكشي ) (1). 

__________________

1 ـ صرح بذلك جماعة. منهم الشيخ يوسف البحراني قائلاً : « وكتاب الكشي المذكور لم يصل الينا وإنما الموجود المتداول كتاب ( اختيار الكشي ) للشيخ أبي جعفر الطوسي الخ » ( لؤلؤة البحرين ص 403 ). ونقل الشيخ أبو علي عن جملة من مشايخه : أن كتاب ( رجال الكشي ) « كان جامعاً لرواة العامة والخاصة ، خالطاً بعضهم ببعض ، فعمد اليه

 

5 ـ كتاب أبي الحسين احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ، المعاصر للشيخ الطوسي والنجاشي ، ألّفه في خصوص الضعفاء من الرجال ويعرف ب‍‌ ( رجال ابن الغضائري ). 

وقد جمع السيد جمال الدين احمد بن طاووس المتوفى سنة ( 673 هجري ) هذه الأصول الرجالية الخمسة في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ). 

كما جمعها الشيخ عناية اللّه القهبائي في كتابه ( مجمع الرجال ). 

وهناك كتب أخرى كثيرة للقدماء ألفت في الرجال ، نص عليها أرباب التراجم والسير ، وسبق (1) الاشارة الى بعضها. منها ( رجال ) احمد بن محمد بن خالد البرقي. لكنها لم تعد من الأصول. 

ويمكن تعليل إهمالها ، وحصر الأصول في تلك الخمسة بعدم وصولها الى أيدي الفقهاء ، وإنما ذكرت عند تراجم مؤلفيها ، لكن هذا لا يتم بالنسبة ل ( رجال البرقي ) المطبوع أخيراً منضماً الى ( رجال ابن داود ) فانه من أجزاء كتابه ( المحاسن ) الشهير. فيتحكم الايراد على إهماله عند 

____________

شيخ الطائفة ـ طاب مضجعه ـ فلخصه ، وأسقط منه الفضلات ، وسماه ب‍‌ ( اختيار الرجال ) ، والموجود في هذه الأزمان ، بل وزمان العلامة وما قاربه إنما هو ( اختيار الشيخ ) ، لا الكشي الأصل ). ( منتهى المقال ص 285 ). وجاء في كتاب ( الذريعة ج 1 ص 365 ) : ان كتاب الرجال المتداول المشهور ب‍‌ ( رجال الكشي ) هو للشيخ الطوسي ، اختاره من ( رجال الكشي ) الذي اسمه ( معرفة الناقلين ) ، كما ذكره ابن شهرآشوب في ( معالم العلماء ) ، وكانت فيه أغلاط كثيرة ، كما ذكره النجاشي ، فجرد شيخ الطائفة ما فيه من الأغلاط وهذبه ، فسمي ( اختيار الرجال ). 

1 ـ أنظر ص 20.

 

 تعداد الأصول. 

وقد يعتذر عن إهماله بأن مؤلفه لم يتعرض فيه لجرح أو تعديل ، وإنما عد فيه بعض أصحاب النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع). والغرض المهم معرفة حال الراوي من حيث الوثاقة والضعف. 

ولكنه يوهن بأن البرقي أوضح فيه طبقات من ذكرهم من الرواة ، ومن أدرك الأئمة (ع) منهم ، وتلك ثمرة بالنسبة لرواة الحديث. على أنه قد وصف بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) ب‍‌ ( الأصفياء ) وهو فوق حد التوثيق ، كما وصف جماعة منهم ب‍‌ ( الأولياء والخواص ) وعليه يستحق أن يضاف الى الأصول الخمسة فتعد ستة.

الأصول ورواة الحديث 

وليس في تلك الأصول الرجالية الستة كتاب شامل لجميع رواة أحاديثنا بحيث يكشف عن حالهم ، توثيقاً وتضعيفاً ومدحاً وجرحاً. 

1 ـ فالشيخ الكشي اقتصر في كتاب ( رجاله ) على الرواة الذين ورد فيهم أحاديث مدحاً أو ذماً ، وأهمل الباقين جميعاً. وبتعبير آخر ، إنه اقتصر على ذكر الروايات الواردة في حق الرواة. على أن كتابه قد رماه النجاشي بكثرة الأغلاط ، كما سبق (1). 

2 ـ والشيخ النجاشي وضع كتاب ( رجاله ) لذكر كتب الامامية وتصانيفهم ، وإنما ذكر المؤلفين لها بالعرض ، فلم يذكر من ليس له كتاب من الرواة. ولذا قال في مقدمة كتابه : « فاني وقفت على ما ذكره السيد الشريف ... من تعيير قوم من مخالفينا ، أنه لا سلف لكم ، ولا مصنّف 

____________

1 ـ أنظر ص 51.

 

 وهذا قول من لا علم له بالناس ... وقد جمعت من ذلك ما استطعته ولم أبلغ غايته ، لعدم أكثر الكتب ، وإنما ذكرت ذلك عذراً الى من وقع اليه كتاب لم أذكره ... أذكر المتقدمين في التصنيف من سلفنا الصالحين ». 

وقد جرح وضعّف كثيراً من أولئك الرواة المؤلفين. كما لم يوثق كثيراً منهم ، مثل عبد اللّه بن بكير (1) ولم يشر الى خلافه في المذهب. 

3 ـ والشيخ الطوسي في كتابه ( الفهرست ) جرى على ذلك مقتصراً على ذكر كتب الشيعة من تصانيف وأصول وذكر أصحابها تبعاً لذكرها. وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه ، فقال : « فاني لما رأيت جماعة من شيوخ طائفتنا من أصحاب الحديث عملوا ( فهرست ) كتب أصحابنا ، وما صنّفوه من التصانيف ، ورووه من الأصول ، ولم أجد أحداً استوفى ذلك ... عمدت الى كتاب يشتمل على ذكر المصنفات والأصول ... فاذا ذكرت كل واحد من المصنّفين ، وأصحاب الأصول فلا بد من أن أشير الى ما قيل فيه من التعديل والتجريح ، وهل يعوّل على روايته أولاً ... 

____________

1 ـ هو من وجوه الرواة الذين نقل الكشي الاجماع على تصحيح ما يصح عنهم ، وتصديقهم لما يقولون ، والاقرار لهم بالفقه ، وقال : « قال محمد بن مسعود : عبد اللّه بن بكير ، وجماعة من الفطحية ، هم فقهاء أصحابنا ... وعد عدة من أجلة الفقهاء العلماء » ( رجال الكشي ص 239 ـ 221 ). وصرح الشيخ الطوسي بتوثيقة في ( الفهرست ص 106 ). 

نعم إن بعض المتأخرين لا يعملون بروايته من أجل أنه فطحي. لكن الحق أن اختلال مذهبه لا يضر بوثاقته ، والعمل بروايته. وقد وثق النجاشي كثيراً من الفطحية ونظائرهم ، فقال عند ذكر عمار بن موسى الساباطي ، وأخويه قيس وصباح : « وكانوا ثقاتاً في الرواية » ( رجال النجاشي ص 206 ). 

 

فاذا سهل الله إتمام هذا الكتاب فانه يُطلع على أكثر ما عمل من التصانيف والأصول الخ ». 

فلم يذكر الشيخ في ( فهرسته ) غير المصنّفين وأصحاب الأصول من الرواة. 

على أنه لم يجر على ما وعد به في المقدمة من الاشارة الى ما قيل فيهم « من التعديل والتجريح » ، حيث أهمل توثيق كثير من وجوه الرواة ، مثل زكريا بن آدم ( ص 73 ) ، وزرارة بن أعين ( ص 74 ) ، وسلمان الفارسي ( ص 80 ) ، وعبيد بن زرارة ( ص 107 ) ، وعبد الرحمن بن الحاج ( ص 108 ) ، وعمار بن موسى الساباطي ( ص 117 ) ، وليث المرادي ( ص 130 ) ، ومحمد بن اسماعيل بن بزيع ( ص 139 ) ، ومحمد بن الحسن الصفار (143) ، ومحمد بن علي بن محبوب ( ص 145 ) ومعاوية بن عمار ( ص 166 ). 

ولا يصح الاعتذار عن ذلك بأن أمثال هؤلاء الرواة لا يحتاجون الى توثيق ، لأن بعضهم محتاج اليه مثل عمار الساباطي الفطحي ونظائره ، حيث خدش فيه جماعة ، وإن اشتهر توثيقه ، واعتبار حديثه ، وصرح الشيخ بوثاقته في كتاب ( التهذيب ) ، فقال : « ... عمار بن موسى الساباطي وهو واحد قد ضعفه جماعة من أهل النقل ، وذكروا أن ما ينفرد بنقله لا يعمل به ، لأنه كان فطحياً ، غير أنا لا نطعن عليه بهذه الطريقة ، لأنه وإن كان كذلك فهو ثقة في النقل لا يطعن عليه فيه » (1). فكان يلزمه النص على توثيقه في ( الفهرست ) حسبما ألزم به نفسه. كما نص عليه النجاشي عند ترجمته (2). 

على أنه لم يهمل توثيق كل من لا يحتاج اليه. ولذا وثق الشيخ الكليني 

__________________

1 ـ التهذيب ج 7 ص 101. 

2 ـ رجال النجاشي ص 206.

 

 صريحاً ( ص 135 ) ، ومحمد بن أبي عمير ( ص 142 ). وعظّم الصدوق ( ص 145 ). 

فترك الشيخ الطوسي لتوثيق راوي في كتابه ( الفهرست ) لا يصلح دليلاً لبنائه على عدم وثاقته. 

4 ـ وابن الغضائري ألّف كتابه في الضعفاء من الرواة خاصة. على أنه جرح فيه كثيراً ممن لا يستحق الجرح على ما سيأتي بيانه. 

5 ـ والبرقي لم يذكر في كتابه جرحاً ولا تعديلاً للرواة وإنما عد طبقاتهم بدون استيفاء ، وإن وصف بعض أصحاب أمير المؤمنين (ع) بما سبق. 

6 ـ والشيخ الطوسي وإن وضع كتاب ( رجاله ) لاستقصاء جميع الرواة من مؤلفين وغيرهم ، موثقين ومجروحين ، حتى الذين لم يدركوا عصر المعصومين (ع) ، ولذا قال في مقدمته : « فاني أجبت الى ما تكرر سؤال الشيخ الفاضل فيه من جميع كتاب يشتمل على أسماء الذين رووا عن النبي (ص) ، وعن الأئمة (ع) من بعده الى زمان القائم (ع) ، ثم أذكر بعد ذلك من تأخر زمانه عن الأئمة (ع) من رواة الحديث ، أو من عاصرهم ولم يروِ عنهم (ع) ». 

لكنه لم يلتزم بالتصريح بالتوثيق في كل مورد يقتضيه. فكان غرضه استقصاء الرواة فحسب وإن صرح بتوثيق كثير منهم بالعرض. وعليه فلا يكون تركه لتوثيق راوي دالاً على عدم وثاقته عنده ، ولذا أهمل النص على توثيق كثير من وجوه الرواة وثقاتهم. 

منهم أبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي ، ذكرهما في أصحاب النبي (ص) ( ص13 ـ 27 ). 

ومنهم صعصعة بن صوحان ، وكميل بن زياد النخعي ، ذكرهما في أصحاب أمير المؤمنين (ع) ( ص 45 ـ 56 ).

 

 ومنهم أبان بن تغلب ، ذكره في أصحاب علي بن الحسين (ع) ( ص82 ). وفي أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 106 ). وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 151 ). 

ومنهم محمد بن مسلم الثقفي ، ذكره في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 135 ). وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 300 ). وفي أصحاب الامام الكاظم (ع) ( ص358 ). 

ومنهم زرارة بن أعين ، ذكره في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 123 ) ، وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 201 ) ولم يوثقه فيهما ، وذكره في أصحاب الامام الكاظم (ع) (1) ( ص 359 ) ووثقه. 

ومنهم ليث المرادي أبو بصير ، ذكره في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 134 ) ، وفي أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 278 ) ، وفي 

____________

1 ـ إن تأخر وفاة زرارة عن وفاة الامام الصائق (ع) يقضي بامكان روايته عن الامام الكاظم (ع) ، ليصح عده من أصحابه (ع) ، كما فعله الشيخ الطوسي في كتاب ( رجاله ). لكنه ورد في الأحاديث أن زرارة كان بالكوفة ، فوصله نبأ وفاة الامام الصادق (ع) ، فأرسل ولده عبيداً ليفحص عن الامام (ع) بعده ، ثم توفي قبل رجوع ولده ( رجال الكشي ص 102 ـ 104 ) ، ومقتضاه أن زرارة لم يصحب الامام الكاظم (ع) ولم يروِ عنه. بالاضافة لما صرح به الشيخ المامقاني بقوله : « وقد تصفحنا ( وسائل الشيعة ) الجامعة لأخبار الكتب الأربعة من البدو الى الختام في أيام متتالية فلم نجد لزرارة عن أبي الحسن موسى (ع) رواية واحدة ، ولا يعقل روايته في غير الفروع وعدم روايته في الفقه مع كونه عمدة فنه ولا يصدق كونه من أصحاب الكاظم (ع) مع عدم روايته عنه » ( تنقيح المقال ج 1 ص 445 ). 

 

أصحاب الامام الكاظم (ع) ( ص 358 ). 

ومنهم زكريا بن آدم القمي ذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 200 ) ، وفي أصحاب الامام الرضا (ع) ( ص 377 ) ، وفي أصحاب الامام الجواد (ع) ( ص 401 ). 

ومنهم معاوية بن عمار ذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 310 ). 

فهؤلاء الأعاظم من ثقات الرواة لم ينص الشيخ الطوسي على توثيقهم إلا زرارة وثقه في باب وترك توثيقه في بابين. أفهل يمكن القول بأن الشيخ الطوسي لم يبنِ على وثاقتهم؟ كلا. 

وهؤلاء مثال للرواة الذين ترك الشيخ توثيقهم في كتاب ( رجاله ) وإلا فهم كثيرون. بل لم يوثق أحداً من أصحاب الحسن والحسين وعلي بن الحسين (ع) ، ولم يذكر توثيقاً لأحد من أصحاب رسول اللّه (ص) وأمير المؤمنين (ع) ، إلا بعض كلمات التعظيم للنادر منهم ، مثل وصف سلمان الفارسي بأنه من الأركان ( ص 43 ) ، ووصف زيد بن صوحان بأنه من الأبدال ( ص 41 ).

حول تعدد الراوي 

ثم إن الشيخ الطوسي وضع كتاب ( رجاله ) على قسمين. أحدهما أعده لذكر الرجال الذين رووا عن النبي (ص) أو عن الأئمة المعصومين : بعده. ثانيهما أعده لذكر الرجال الذين لم يعاصروا الأئمة (ع) أو عاصروهم ولكن لم يرووا عنهم. 

ولازم هذا ثبوت التغاير بين الرواة المذكورين في القسم الأول ، 

 

والمذكورين في القسم الثاني وإن اشتركوا في الأسماء ، كسائر الرواة المشتركين فيها. وعليه فلو ذكر شخصاً في أحد القسمين فوثقه ، وذكره ثانياً في القسم الثاني بدون توثيق ، ولم يحصل التمييز بينهما لا يصح العمل بروايته اعتماداً على ذلك التوثيق بعد احتمال أنه الثاني الذي لم يوثق. فيجري عليه جميع أحكام المشترك حتى لو صدر التوثيق من غير الشيخ لراوي بهذا الاسم. 

وقد حدث ذلك في القاسم بن محمد الجوهري ، حيث ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 276 ) ، وفي أصحاب الامام الكاظم (ع) ( ص 358 ) ، وفي باب ( من لم يروِ عن الأئمة (ع) ص 490 ) ، فان ذكره في أصحاب الامامين (ع) وإن لم يدل على تعدده ، لعدم المانع من رواية شخص واحد عنهما معاً ، وإنما الاشكال في ذكره ثالثاً في ذاك الباب. ولذا استظهر ابن داود منه التعدد في ( رجاله ) حيث قال : « إن الشيخ ذكر القاسم بن محمد الجوهري في رجال الكاظم 7 ، وقال : كان واقفياً. وذكر في باب من لم يروِ عن الأئمة (ع) : القاسم بن محمد الجوهري روى عنه الحسين بن سعيد. فالظاهر أنه غيره ، والأخير ثقة » (1). 

وأورد عليه استاذنا المحقق الخوئي بأن ذكر الشيخ الطوسي للرجل في ذينك القسمين لا يكشف عن تعدده ، وإنما يدل على أنه صحب الامام (ع) ولم يروِ عنه بالذات بل بالواسطة ، حيث أعد القسم الأول لذكر من صحب الأئمة (ع) سواء روى عنهم بالذات ، أو بالواسطة ، وأعد القسم الثاني لذكر من لم يرو عنهم (ع) بالذات. نعم لو ذكر رجلاً في القسم الثاني وذكره في باب أصحاب النبي (ص) من القسم الأول دل على تعدده ، حيث عنون تلك الباب بمن روى عن النبي (ص) من الصحابة ، فيختص بمن 

__________________

1 ـ رجال ابن داود ص 276 ـ 277.

 

 روى عنه بالذات دون الراوي بالواسطة ، فيختلف باب أصحاب النبي (ص) عن أبواب أصحاب الأئمة (ع). 

ويندفع هذا بما صرح به الشيخ الطوسي في مقدمة كتاب ( رجاله ) فقال : « ... كتاب يشتمل على أسماء الرجال الذين رووا عن النبي (ص) وعن الأئمة من بعده الى زمان القائم (ع) ، ثم أذكر بعد ذلك من تأخر زمانه عن الأئمة (ع) من رواة الحديث ، أو من عاصرهم ولم يرو عنهم ». 

فقد أخذ في القسم الأول عنوان الراوين عن الأئمة (ع) لا المصاحبين لهم ، كالراوين عن النبي (ص) ، فلا فرق إذن بين أصحاب النبي (ص) وأصحاب الأئمة في اشتراط الرواية ، حيث ذكرهما في سياق واحد. وأخذ في القسم الثاني عنوانين. أحدهما من تأخر زمانه عن الأئمة (ع) من الرواة ، أي لم يدركهم. وروى عنهم بالواسطة. ثانيهما من عاصر الأئمة (ع) ولم يرو عنهم ، سواء لم يرو أصلاً ، أو روى بالواسطة ، إن لم يرد بذلك خصوص الرواة المعاصرين ، وإلا اختصّ بمن روى عنهم بالواسطة ، ويكون نظره إلى نفي الرواية بالذات ، فلا يشمل من لم يرو عنهم (ع) أصلاً. 

وهذا التزام من الشيخ الطوسي بأن الراوي المعاصر للامام (ع) الذي لم يرو عنه بالذات إنما يذكره في القسم الثاني فيختص الأول بمن روى عن الامام (ع) بالذات ، ويشمل الثاني من عاصر الامام (ع) من الرواة ولم يرو عنه بالذات ، ومن لم يعاصره. فلا يتم ما أفاد الاستاذ حول وحدة الراوي المذكور في كلا القسمين. 

نعم كُتب عند ذكر أبواب الراوين عن الأئمة (ع) عنوان الأصحاب مثل « أصحاب أبي عبد اللّه (ع) » ولكنه لاينافي ما ذكره الشيخ في صدر الكتاب من اختصاص القسم الأول بالراوين ، ويكون المراد بذكر 

 

الأصحاب خصوص الراوين بالذات. على أنه لم يكتب ذلك في باب من روى عن أمير المؤمنين (ع) ، وإنما عنون ب‍‌ « أسماء من روى عن أمير المؤمنين ». بل لم يعلم أن الشيخ نفسه قد وضع عناوين تلك الأبواب فلاينافي كلامه في صدر كتابه. 

وهذا بحث نافع بالنسبة لبعض الرواة. منهم الجوهري السابق. ومنهم غياث بن ابراهيم ، حيث ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الامام الباقر (ع) ( ص 132 ) بعنوان « غياث بن ابراهيم بتري ». وذكره في أصحاب الامام الصادق (ع) ( ص 270 ) قائلاً : « غياث بن ابراهيم أبو محمد التيمي الأسدي أسند عنه ، وروى عن أبي الحسن 7 ». وذكره في باب ( من لم يرو عنهم (ع) ص 488 ) قائلاً : « غياث ابن ابراهيم روى محمد بن يحيى الخزاز عنه ». 

نعم إن استبعاد اشتراك شخص مع آخر في اسمه ، واسم أبيه ، ولقبه حاصل ، إلا أنه لا يوجب الوثوق بالاتحاد بعد وجود ما يقتضي التعدد ، مثل ذكرهما في ذينك القسمين من ( رجال الشيخ ). ويضعف ذلك الاستبعاد عند اختلافهما في اللقب. 

وقد اختلف الرجاليون في الحكم بالوحدة والتعدد في محل البحث ، ولذا قال الشيخ المامقاني : « إن مما شاع بين أواخر علماء الفن الحكم باتحاد اثنين جزماً أو ظناً أو احتمالاً بمجرد اشتراكهما في الاسم ، أو فيه واسم الأب أو فيهما وفي الكنية ، أو في الكنية أو في اللقب فقط ، ولهم في ذلك سابق من الأوائل في جملة من الموارد ... وقد جرى الأواخر على هذا المسلك في جملة كثيرة من الرجال ، كما ستسمع ، سيما الناقد والوحيد ، وذلك في نظري القاصر خطأ صرف لا يساعد عليه طريق شرعي بعد كونه حدساً صرفاً ، وتخميناً محضاً ، وأي ملازمة بين اتحاد الاسم ، أو اسم الأب ،

 

أو الكنية ، أو اللقب ، وين اتحاد الشخصين بعد وجود المايز بينهما الخ » (1).

حول انسداد باب العلم في التوثيقات 

ولما عرفته من حال أصولنا الرجالية يقوى القول : بانسداد باب العلم في التوثيقات والاكتفاء بالظن فيها. كما اختاره المحقق القمي قائلاً : « فالأولى أن يقال : إن ذلك من باب الظنون الاجتهادية المرجوع اليها عند انسداد باب العلم ، وليس من باب الشهادة ، ولا الرواية المصطلحة » (2). 

ولأجله التجأ المحقق الهمداني الى العمل بكل خبر وصفه القدماء بالصحة ، وترك الفحص عن حال الرواة مستدلاً عليه بأنه « ... لا يكاد يوجد رواية يمكننا إثبات عدالة رواتها على سبيل التحقيق لولا البناء على المسامحة في طريقها ، والعمل بظنون غير ثابتة الحجية الخ » (3). 

لكن يشكل الأمر فيما لو اختلف الفقهاء في خبر ، فصححه جماعة وعملوا به ، وضعّفه آخرون وتركوه ، فما هو الحكم عند ترك الفحص عن حال الرواة؟. 

واستدل بانسداد باب العلم في العدالة على كفاية تزكية العدل الواحد فقيل : « ... أن العلم بالعدالة متعذر غالباً فلا يناط التكليف به ، بل بالظن ، وهو يحصل من تزكية الواحد. 

وقد علّق الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني على هذه الدعوى بقوله : « ... وربما وجهت بالنسبة الى موضع الحاجة من هذا البحث ، وهو عدالة الماضين من رواة الحديث ، بأن الطريق الى ذلك منحصر في النقل 

__________________

1 ـ تنقيح المقال ج 1 ـ المقدمة ص 203. 

2 ـ قوانين الأصول ص 467. 

3 ـ مصباح الفقيه ـ الصلاة ص 12

 

والقدر الذي يفيد العلم منه عزيز الوجود بعيد الحصول الخ ». ثم أورد على ذلك بأمور. 

الأول : « ان تحصيل العلم بعدالة كثير من الماضين ، وبرأي جماعة من المزكّين أمر ممكن بغير شك من جهة القرائن الحالية والمقالية ، إلا أنها خفيّة المواقع متفرقة المواضع ، فلا يهتدي الى جهاتها ، ولا يقتدر جمع أشتاتها إلا من عظم في طلب الإصابة جهده الخ ». 

الثاني : « سلمنا ولكن نمنع كون تزكية الواحد بمجردها مفيدة للظن كيف وقد علم وقوع الخطأ فيها بكثرة الخ ». 

الثالث : « سلمنا ولكن العمل بالظن مع تعذر العلم في أمثال محل النزاع مشروط بانتفاء ما هو أقوى منه ، ولا ريب أن الظن الحاصل من خبر الواحد الذي استفيدت عدالته من تزكية الواحد قد يكون أضعف مما يحصل من أصالة البراءة أو عموم الكتاب الخ » (1). 

وجميع ما أفاده قابل للنقاش. 

أما الأول فقد اعترف فيه بأن تحصيل العلم بعدالة كثير وإن كان ممكناً لكنه ليس بمحض الشهادة ، بل بالقرائن الحالية والمقالية الخفية المواقع المتفرقة المواضع المحتاجة الى جهد عظيم. وإذا كان حال القرائن هكذا في زمانه قبل ما يقرب من أربعة قرون فكيف بزماننا ، وأين توجد تلك القرائن المفيدة للعلم في هذا العصر ، بحيث توجب لنا انفتاح بابه في شأن وثاقة الرواة؟. على أن حكم تلك القرائن مختص بمن قامت لديه فلا تكون حجة بالنسبة لغيره ، نظير دعوى احتفاف جميع أخبار كتبنا الأربعة بقرائن تفيد القطع بصدورها عن المعصوم (ع).  وأما الثاني فلا نسلّم ما ذكره فيه من عدم حصول الظن من تزكية 

____________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 15 ـ 19 ـ 20. 

 

الواحد ، فان العلم بعروض الخطأ في بعض الموارد غير ضاير بالنسبة للموارد الأخرى التي لم يعلم وقوع الخطأ فيها ، كما هو الحال في سائر الإخبارات الحسية والحدسية. نعم قد لا يحصل الظن في بعض الموارد لأمر ما ، فتسقط التزكية عن الاعتبار ، لكنه لا يثبت بذلك أن تزكية الواحد لا تفيد الظن مطلقاً. على أن إيراده مختص بتزكية العدل الواحد ، وبحثنا عن مطلق الظن بوثاقة الراوي سواء حصل من تلك التزكية أو غيرها لعدم الفرق بين أسباب حصوله. 

وأما الثالث فأجنبي عن محل البحث ، حيث يدور بحثنا حول الظن بالعدالة ، لا الظن بالأحكام كي يصح القول : بأن الظن بالحكم الحاصل من البراءة ، أو عموم الكتاب قد يكون أقوى من الظن بالحكم الحاصل من خبر الواحد الذي استفيدت عدالته من تزكية الواحد. على أنه بعد ما فرضنا كفاية الظن في التعديل ، وأخبرنا ذلك العدل بما ينافي أصل البراءة أو عموم الكتاب ، لا مناص من العمل بخبره ، إذ لا يبقى موضوع لجريان الأصل. ولا عموم بعد ورود الدليل الخاص.

تحقيق البحث 

وتحقيق البحث أن يقال : بناء على ما اشتهر بين جميع المسلمين من كفاية تزكية العدل الواحد في باب التوثيق ، للأدلة التي أقيمت على ذلك غير دليل الانسداد. وقد سبق الاشارة اليها (1). وبناء على قبول شهادة المتأخرين فيه ، كابن طاووس والعلامة وابن داود ونظائرهم ، لثبوت احتمال الحسن فيها ، لا مجال لدعوى انسداد باب العلم في التوثيق ، فان ضم 

__________________

1 ـ انظر ص 60 ، وما بعدها. 

 

توثيقات القدماء الى توثيقات المتأخرين ، وبعض القرائن التي يمكن تحصيلها يغنينا عن التنزّل الى العمل بالظن ، إلا إذا تحكّم إشكال مراسيل التوثيقات وسيأتي البحث عنه. 

أما بناء على اشتراط التعدد في التزكية ، كما اختاره الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، ونسبه الى جماعة من الأصوليين والى المحقق الحلي (1) يقوى القول بانسداد باب العلم ، لتعذر تحصيل شهادة عدلين بالنسبة لكل راوي من الثقات. 

نعم إن المرحوم السيد حسن الصدر ألّف رسالة في خصوص من تعدد توثيقه من الرواة سماها ( عيون الرجال ) ، وقال في مقدمتها : « قد التمس السيد الأجل ... أن أصنّف رسالة فيمن تعدد توثيقه من الرواة لتخف المؤونة على من كان لا يرى التزكية من باب الخبر ، أو من باب الظنون الاجتهادية ، بل يراها من باب الشهادة. وقد حققنا المسألة في ( نهاية الدراية ) (2) ، وحكينا فيها رأي المحقق بن سعيد في اشتراط قبول العدالة بشهادة اثنين من ثقات الامامية الخ ». 

لكنه لا يخفى عدم وفاء تلك الرسالة بالمطلوب ، لكثرة الرواة وقلة من ذكر فيها. وقد اعترف السيد المصّنف ـ قدست نفسه ـ بأن رسالته مخففة للمؤنة ، لا رافعة لها. 

كما أنه يقوى القول بالانسداد بناء على عدم العبرة بشهادة أولئك المتأخرين في شأن التوثيق بدعوى ضعف احتمال الحس في شهادتهم ، لفصل الزمن الطويل بينهم وبين من وثقوهم من الرواة ، فإن الاقتصار على 

__________________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 14. 

2 ـ وهو كتاب للسيد الصدر في علم الدراية شرح به ( الرسالة الوجيزة ) للشيخ البهائي.

 

التوثيقات الواردة في أصولنا الرجالية لا تفي بالمطلوب وإن ضممنا اليها ما ذكره الشيخ المفيد في ( إرشاده ) (1) ، والشيخ الصدوق في بعض كلماته ، وما ورد في بعض أسناد الأحاديث من أوصاف الراوي ، مثل حدثني فلان وكان رجلاً صالحاً ، أو صادقاً ، أو ثقة. فان جميع ذلك قليل بالنسبة لكثرة الرواة ، فكيف يصح البناء على ضعف أكثر الرواة لأجل عدم توثيق القدماء لهم ، خصوصاً اذا لم يكونوا من المؤلفين وأصحاب الكتب؟. 

____________

1 ـ قال الشيخ المفيد في ( الارشاد ص 307 ) : فممن روى صريح النص بالامامة من أبي عبد اللّه 7 على ابنه أبي الحسن موسى 7 من شيوخ أصحاب أبي عبد اللّه 7 وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ـ رحمة اللّه عليهم ـ المفضّل بن عمر الجعفي ، ومعاذ بن كثير ، وعبد اللّه الرحمان بن الحجاج ، والفيض بن المختار ، ويعقوب السراج ، وسليمان بن خالد ، وصفوان الجمال ، وغيرهم ممن يطول بذكرهم الكتاب ، وقد روى ذلك من إخوته إسحاق وعلي ابنا جعفر 7 ، وكانا من الفضل والورع على ما لا يختلف فيه اثنان ». 

وقال في ( ص 325 ) : « فممن روى النص على الرضا علي بن موسى 8 بالامامة من أبيه ، والإشارة اليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، داود بن كثير الرّقي ، ومحمد بن اسحاق بن عمار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي ، والحسين بن المختار ، وزياد بن مروان ، والمخزومي ، وداود بن سليمان ، ونضر بن قابوس ، وداود بن زربي ، ويزيد بن سليط ، ومحمد بن سنان ». 

 

حول وثاقة مشايخ الاجازة 

ولأجل قلة التوثيقات اضطروا الى القول : بأن مشايخ الاجازة أجمع لا يحتاجون الى توثيق ، حيث لم ينص على توثيق كثير منهم ، فجعلوا الشيخوخة كافية في اعتبار الحديث. وصرح الوحيد البهبهاني : بأن المتعارف عد شيخوخة الاجازة من أسباب الحسن ، ونقل عن ظاهر المجلسي الأول والميرزا محمد الاسترابادي دلالتها على الوثاقة ، وأن المحقق البحراني قال : مشايخ الاجازة في أعلى درجات الوثاقة والجلالة (1). 

ويرجع ذلك الى وجه اعتباري ، وهو أن الشيخ لا يركن اليه في الاجازة إلا اذا كان ثقة ، أو حسن الظاهر ممدوحاً ، فيحصل من وصفه بالشيخوخة وثوق باعتباره ، ولذا قال المحقق الهمداني : « ولا شبهة في أن قول بعض المزكّين : بأن فلاناً ثقة. أو غير ذلك من الألفاظ التي اكتفوا بها في تعديل الرواة لا يؤثر في الوثوق أزيد مما يحصل من إخبارهم بكونه من مشايخ الاجازة الخ » (2). 

لكن خالف في ذلك جماعة فلم يعتبروها ، إلا إذا وثق الثقة مشايخه إجمالاً فيقبل. كما فعله النجاشي ، وهو بمنزلة التوثيق التفصيلي ، أو وصف الشيخ بما أوجب مدحه فيكون حسناً. 

وبهذا أورد الفيض الكاشاني على تنويع الحديث قائلاً : « فان كثيراً من الرواة المعتنين بشأنهم الذين هم مشايخ لمشايخنا المشاهير الذين يكثرون الرواية عنهم ليسوا بمذكورين في كتب الجرح والتعديل بمدح ولا قدح ، 

__________________

1 ـ تعليقة منهج المقال ص 9. 

2 ـ مصباح الفقيه ـ الصلاة ص 12.

 

 ويلزم على هذا الاصطلاح أن يعد حديثهم في الضعيف الخ » (1). 

وللسيد بحر العلوم مسلك آخر في تصحيح روايات مشايخ الاجازة ، حيث قال عند البحث عن حال سهل بن زياد : « ان الرواية من جهته صحيحة ، وإن قلنا : بأنه ليس بثقة. لكونه من مشايخ الاجازة ، لوقوعه في طبقهم ، فلا يقدح في صحة السند كغيره من المشايخ الذين لم يوثقوا في كتب الرجال وتعد أخبارهم ـ مع ذلك ـ صحيحة .. لسهولة الخطب في أمر المشايخ ، فانهم إنما يذكرون في السند لمجرد الاتصال والتبرك ، وإلا فالرواية من الكتب والأصول المعلومة ، حيث أنها كانت في زمان المحمدين الثلاثة ظاهرة معروفة كالكتب الأربعة في زماننا ، وذكرهم المشايخ في أوائل السند كذكر المتأخرين الطريق اليهم مع تواتر الكتب ، وظهور انتسابها الى مؤلفيها الخ » (2). 

وهو صريح في عدم كون الشيخوخة إمارة الوثاقة ، واعتبار حديث الشيخ من أجل تواتر الكتب والأصول التي أخذ منها. 

ولكن من الغريب أن السيد بعد ذلك عقد فائدة لاثبات عدم تواتر تلك الكتب وأقام الشواهد على ذلك (3). 

نعم إن مشايخنا السالفين الذين اشتهرت وثاقتهم والركون اليهم كأصحاب الكتب الأربعة ونظائرهم لا يحتاجون الى توثيق ، فان تلك الشهرة أقوى بمراتب من توثيق عدل أو عدلين ، وهذا غير كون الراوي شيخ إجازة وقد نبه عليه الشهيد الثاني بقوله : « تعرف العدالة العزيزية في الراوي بتنصيص عدلين عليها ، وبالاستفاضة بأن تشتهر عدالته بين أهل النقل 

____________

1 ـ الوافي ج 1 ص 11. 

2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 3 ص 25 ، وما بعدها. 

3 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 4 ص 147 ، وما بعدها.

 

 وغيرهم من أهل العلم ، كمشايخنا السالفين من عهد الشيخ محمد بن يعقوب الكليني وما بعده الى زماننا هذا ، لا يحتاج أحد من هؤلاء المشايخ الى تنصيص على تزكية ولا تنبيه على عدالة ، لما اشتهر في كل عصر من ثقتهم وضبطهم وورعهم زيادة على العدالة ، وإنما يتوقف على التزكية غير هؤلاء الرواة من الذين لم يشتهروا بذلك ككثير ممن سبق على هؤلاء الخ » (1). 

وعلى فرض البناء على وثاقة مشايخ الاجازة فلا يصح التعدي عنهم الى كل شيخ يروي عنه الثقة ، لما رأيناه بالوجدان من ضعف بعض مشايخ الأعاظم ، فقد روى الصدوق عن احمد بن الحسين بن أحمد بن عبيد النيسابوري المرواني ، الذي قال عنه في كتاب ( العلل ) (2) : « وما لقيت أنصب منه ». ونظيره في كتاب ( معاني الأخبار ) (3). وقال في كتاب ( العيون ) (4) : « وما لقيت أنصب منه ، وبلغ من نصبه أنه كان يقول : اللهم صل على محمد فرداً. ويمتنع من الصلاة على آله ». 

ومع قلة التوثيقات الصادرة من القدماء لا تجدي بالنسبة لصنفين من الرواة.

اشتراك أسماء الرواة 

الأول الرواة الموثقون الذين اشتركت أسماؤهم مع الضعفاء ، ولم تقم قرينة توجب الوثوق بالتمييز بينهم ، فان أغلب ما ذكروه من القرائن لا تخرج عن حدود الظن ، إذ كيف توجب كثرة مصاحبة شخص لآخر ونحو ذلك الوثوق بأنه الراوي عنه دون غيره ممن اشترك معه في الاسم ، 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 69. 

2 ـ أنظر ج 1 ص 128. 

3 ـ أنظر ص 56. 

4 ـ أنظر ج 2 ص 279 ـ 280.

 

 وأمكن أن يكون هو الراوي؟. 

فمن أولئك محمد بن اسماعيل الذي يروي عنه الشيخان الكليني والكشي في كتابيهما كثيراً ، ويصّدران سند أحاديثهما به ، فانه مشترك بين جماعة فيهم الضعيف ، ولذا بنى جمع على ضعف ما يرويه الكليني اذا صدّر بمحمد ابن اسماعيل ، وإن اعتمد عليه آخرون بدعوى أنه البرمكي الثقة ، أو أنه شيخ الاجازة بناء على كفاية الشيخوخة في التوثيق ، أو أن الكليني قد أكثر من الرواية عنه فيكون معتبراً. 

ومنهم علي بن محمد الذي يصدّر الشيخ الكليني السند به ، فانه مشترك أيضاً ، واضطربوا في تعيينه ، ولذا توقف فيه الشيخ المامقاني قائلاً : « وأما تعيين علي بن محمد المصدّر في أوائل السند فأنا فيه من المتوقفين ، لأنه مردد بين ثلاثة ، ابن عبد الله بن أذينة ، وعلان ، والمعروف بماجيلويه وكل منهم شيخ الكليني في صفة واحدة ، وكل منهم يذكر معيناً فحمله على أحدهم دون الآخرين تحكم الخ » (1). 

ومنهم أبو بصير ، فانها كنية ليحيى بن القاسم المكفوف ، وليث بن البختري المرادي ، وعبد الله بن محمد الأسدي ، ويوسف بن الحرث (2) ولعدم وثاقة بعضهم اشتهر الاشكال عند اطلاق الكنية في سند الحديث ، وإن ذكروا بعض المميزات مثل رواية عاصم بن حميد أو عبد اللّه بن مسكان في تعيين أن المراد بها ليث المرادي (3). وقد كتبت بعض الرسائل حول ذلك ، لكثرة الروايات التي أطلق في سندها هذه الكنية. 

ولذا أورد الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني على رواية اختلف المشايخ الثلاثة في إطلاق أبي بصير فيها وتقييده فقال : « والاختلاف الواقع في 

____________

1 ـ تنقيح المقال ج 3 ـ الخاتمة ص 99. 

2 ـ جامع الرواة ج 2 ص 369. 

3 ـ الحدائق ج 6 ص 209.

 

 الطرق الثلاثة باطلاق أبي بصير في رواية الكليني ، وتقييده بالمكفوف في رواية الشيخ ، وتفسيره بليث المرادي في رواية الصدوق موجب لما قلناه من العلة ، إذ لا وثوق مع هذا الاختلاف بصحة ما في كتاب ( من لا يحضره الفقيه ) من التفسير ليتم حسنه » (1). 

وقد أجاب المتأخرون عن إشكال إطلاق أبي بصير بأن المشهور بهذه الكنية اثنان ، احدهما ليث المرادي ، والآخر يحيى بن القاسم المكفوف ، وهما ثقتان. أما غيرهما فليس بمشهور ولا معروف وإن كني بذلك ، فلا يضر وجوده على تقدير ضعفه. 

ومنهم محمد بن قيس ، ولذا أورد الشهيد الثاني على روايته بقوله : « وهذه الرواية نص في الباب لو تم سندها ، إذ لا يخفى أن محمد بن قيس الذي يروي عن الباقر (ع) مشترك بين الثقة والضعيف وغيرهما ، فكيف تجعل روايته مستند الحكم الخ » (2). 

وذكر النجاشي أن محمد بن قيس البجلي ثقة عين روى عن الصادقين : ، « له كتاب القضايا المعروف ، روى عنه عاصم بن حميد الحناط ويوسف بن عقيل وعبيد ابنه » (3). ولذا ميّز عن غيره إما برواية أحد هؤلاء الثلاثة عنه ، وإما بكون المروي مما قضى به أمير المؤمنين (ع) حيث يكون مروياً عن كتابه المذكور. وتلك الرواية التي ذكرها الشهيد من ذلك. 

____________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 341. 

2 ـ المسالك ج 1 ـ كتاب الوصايا ـ مسألة موت الموصى له قبل القبول. 

3 ـ رجال النجاشي ص 226. 

 

معارضة التوثيق بالجرح 

الثاني الرواة الذين عورض توثيقهم بالجرح ، وهم كثيرون ، فيصدر توثيق الرجل أو مدحه من بعض الأكابر ، ويصدر تضعيفه من كابر آخر. 

منهم المفضل بن عمر ، حيث قال عنه الشيخ المفيد : إنه من شيوخ أصحاب الامام الصادق (ع) وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين ـ رحمة الله عليهم ـ (1). وقال عنه النجاشي : « ... فاسد المذهب مضطرب الرواية لا يعبأ به ، وقيل : إنه كان خطّابياً ، وقد ذكرت له مصنفات لا يعوّل عليها الخ » (2). ومقتضى ذلك سقوط التوثيق عن الاعتبار للمعارضة. 

بل قد يصدر تضعيف الرجل ممن وثقه في مبحث آخر ، كمحمد بن سنان ، حيث قال عنه الشيخ المفيد : إنه من خاصة الامام الكاظم (ع) وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (3). لكنه ضعّفه في رسالته التي ألّفها ( في كمال شهر رمضان ونقصانه ) ، حيث قال بعد نقل رواية دالة على أنه ثلاثون يوماً لا ينقص أبداً : « وهو حديث شاذ نادر غير معتمد عليه ، في طريقه محمد بن سنان وهو مطعون فيه لا يختلف العصابة في تهمته وضعفه ، وما كان هذا سبيله لم ( يعمل ) (4) عليه في الدين » (5). 

__________________

1 ـ الارشاد للشيخ المفيد ص 308. 

2 ـ رجال النجاشي ص 295. 

3 ـ الارشاد للشيخ المفيد ص 325. 

4 ـ هكذا ورد في المصدر ولكن الصحيح ( يعتمد ). 

5 ـ تعليقة منهج المقال ص 297. 

 

ولأجل هذا الاضطراب الواقع في باب الجرح والتعديل اضطرب بعض الأعاظم في بعض الرواة ، فوثقهم تارة وضعفهم أخرى.

مراسيل الجرح والتعديل 

وهنا إشكال مهم ، وهو أن الرجالي الثقة قد يوثق أو يجرح من عاصره فيقبل قوله ، لكفاية احتمال الحس في شهادته بذلك. وقد يوثق أو يجرح من لم يعاصره ، فان صدر ذلك منه عن اجتهاد لا يقبل ، لما سبق من كون التوثيق والجرح من باب الشهادة ، وإن صدر عن حس فلا بد وأن يكون هناك واسطة قد اعتمد عليها في ذلك وهي مجهولة لنا ، فيكون إخباره عن حال الراوي من الخبر المرسل ، وعليه كيف يصح لنا الاعتماد عليه ، وأي فرق بين مراسيل الأحاديث في الأحكام ، ومراسيل الأخبار في الجرح والتعديل كي تهجر الأولى وتقبل الثانية؟. 

ولا فرق في ذلك بين القدماء والمتأخرين ، فاطلاق توثيق العلامة لمن لم يعاصره كاطلاق توثيق النجاشي والشيخ الطوسي لمن لم يعاصره. واذا تحكّم هذا الاشكال سقطت أغلب التوثيقات عن الحجية ، ولم يبق إلا توثيق المعاصر للموثّق ، أو الذي اطلعنا على الطريق المعتبر اليه. وقد أجيب عن ذلك بوجهين. 

الأول : أن توثيق النجاشي والشيخ الطوسي ونظائرهما لشخص لم يصدر عن اجتهاد منهم ، وإنما صدر بالنقل عن مشايخهم. وقد أحصيت الكتب المؤلفة في الرجال ما بين عصري النجاشي والحسن بن محبوب فبلغت حوالي خمسمائة كتاب ، فيكون توثيق من وثقوه متواتراً لديهم ، وعليه فلا يضر الجهل بحال الواسطة بينهم وبينه. 

 

والجواب عنه أولاً : لم يعلم أن النجاشي ونظائره قد اطلع على جميع تلك الكتب الرجالية ونُسخها حال تحرير كتابه. وثانياً : على فرض اطلاعه لم يعلم أن الشخص الذي وثقه موثق في جميع تلك الكتب ، فلعله مجروح في بعضها وإنما رجح التوثيق على الجرح. وثالثاً : لا يجدي ذلك بالنسبة لمن سبق عصره على ابن محبوب. فهذه الدعوى نظير دعوى لزوم العمل بجميع أخبار كتبنا الأربعة ، لأن الأصول التي أخذت منها كانت متواترة لدى أصحاب تلك الكتب ومحفوظة بقرائن تفيد الوثوق بصدورها عن المعصوم (ع). 

الثاني أن النجاشي ونظائره إنما نقلوا توثيق الراوي عن مشايخهم ، فان لم يثبت بذلك وثاقته فلا أقل من ثبوت حسنه ، وهو كافٍ في قبول روايته. 

والجواب عنه أن الحسن كالوثاقة لا بد وأن يثبت بطريق معتبر ، فبناء على اعتبار المشايخ مطلقاً وإن لم يوثقوا يزول الاشكال بالنقل عنهم أما بناء على عدم كفاية الشيخوخة يبقى الاشكال ، ويؤل الأمر الى انسداد باب العلم في التوثيقات والاكتفاء بالظن فيها ، كما سبق. 

نعم بناء على أن الرجوع الى الرجالي في شأن التوثيق والتضعيف من الرجوع الى أهل الخبرة ، لأنه خبير في فنه ، لا من باب الشهادة يزول هذا الاشكال من أساسه. ولعله لذلك لم يكن هذا الاشكال معروفاً لدى الفقهاء ، فيقبلون توثيق الرجالي وإن لم يكن في عصر الموثق.

 

التوثيق الاجمالي 

ثم لا فرق في قبول التوثيق الصادر من الثقة عند عدم المعارض له بين التفصيلي بأن يوثق رجلاً بعينه ، والاجمالي بأن يوثق جماعة معينين ، كما لا فرق بين أن يشهد بطهارة إناء واحد معين أو مائة إناء ، حيث ينحل توثيقه الاجمالي الى توثيقات عديدة بعدد الجماعة الموثقين. 

أصحاب الامام الصادق (ع) 

فمن ذلك توثيق أصحاب الامام الصادق (ع) الذين جمعهم ابن عقدة في كتابه الذي أشار اليه العلامة الحلي بقوله : « ... منها كتاب أسماء الرجال الذين رووا عن الصادق 7 أربعة آلاف رجل ، وأخرج لكل رجل الحديث الذي رواه » (1). فقد وثقهم جماعة. 

منهم الشيخ المفيد حيث قال عند ذكره للامام الصادق (ع) : « فان أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه (ع) ، من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، فكانوا أربعة آلاف رجل » (2). 

ومنهم ابن شهرآشوب قائلاً عند البحث عن علم الامام الصادق (ع) : « ينقل عنه من العلوم ما لا ينقل عن أحد ، وقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات ، وكانوا أربعة آلاف رجل » وقال : « ان ابن عقدة مصنف كتاب الرجال لأبي عبد اللّه 

__________________

1 ـ خلاصة الرجال ص 98. 

2 ـ الارشاد للشيخ المفيد ص 289.

 

 7 عدّدهم فيه » (1). 

وقد استشهد الشيخ محمد بن الحسن الحر بكلام هذين العلمين على صحة أحاديث كتابه في الفائدة التي عقدها لذلك (2). 

ومنهم الشيخ الطبرسي في كتابه ( أعلام الورى ) ، والشيخ محمد بن علي الفّتال في كتابه ( روضة الواعظين ) ، والسيد علي بن عبد الحميد النيلي في كتابه ( الأنوار المضئية ) ، وكلماتهم نظير كلام الشيخ المفيد في توثيق أولئك الرواة ، نقلها عنهم شيخنا النوري. بل نسب توثيقهم الى ابن عقدة نفسه قائلاً : « ... الأربعة آلاف الذين وثقهم ابن عقدة ، فانه صنف كتاباً في خصوص رجاله (ع) ، وأنهاهم الى أربعة آلاف ، ووثق جميعهم ... وصدّقه في هذا التوثيق المشايخ العظام أيضاً الخ ». فيكون توثيقهم لذلك العدد من الرواة ناظراً الى من ذكره ابن عقدة في كتاب رجاله. 

ولأجله بنى الشيخ النوري على وثاقة جميع الرواة المجاهيل المذكورين في كتاب ( رجال الشيخ الطوسي ) في باب ( أصحاب الامام الصادق (ع) ) لأنهم من الأربعة آلاف الذين وثقهم ابن عقدة والجماعة بعده (3). 

لكن أورد عليه استاذنا المحقق الخوئي بأن المراد بذلك أحد أمرين. 

الأول : حصر أصحاب الامام الصادق (ع) في أربعة آلاف وتوثيقهم أجمع. وأجاب عنه أولاً : بأن الشيخ الطوسي قد جمع أصحاب الامام الصادق (ع) في كتاب ( رجاله ) ، وأتعب نفسه الزكية في استقصائهم حتى عد معهم المنصور الدوانيقي باعتبار أنه لقي الامام (ع) وروى عنه ولو حديثاً واحداً ، ليكون من أصحابه (ع) ، ومع ذلك لم يبلغوا هذا 

____________

1 ـ مناقب آل أبي طالب ج 2 ص 324. 

2 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 6. 

3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 770. 

 

العدد ، وإنما بلغوا ثلاثة آلاف وكسر (1). وثانياً : بأن الروايات دلت على أن بعض أصحاب الامام الصادق (ع) كان وضّاعاً للحديث شكاكاً في دينه ، ولذا ضعّف الشيخ الطوسي وغيره كثيراً منهم ، فكيف يصح الحكم بوثاقتهم أجمع. وهل هذا إلا نظير ما بنى عليه أهل السنة من عدالة جميع أصحاب النبي (ص) ، وفيهم من فيهم. 

الثاني : حصر الثقات من أصحاب الامام الصادق (ع) في ذلك العدد ، وإلا فهم أكثر من ذلك فيبلغون عشرة آلاف مثلاً. وأجاب عنه أولاً : بأن هذا وإن كان ممكناً في نفسه بحيث يكون نسبة ثقات أصحابه (ع) الى الباقين منهم نسبة الأربعة الى العشرة ، إلا أنه لا ينفع شيئاً ، إذ لا يصلح دليلاً لوثاقة المجهول منهم بعد احتمال أن يكون من غير الثقات. وثانياً : بما سبق من جهود الشيخ الطوسي في استقصاء أصحابه (ع) فلم يبلغوا ذلك العدد. 

وعليه فشهادة الشيخ المفيد بوثاقة أولئك الأربعة آلاف لا أثر لها. 

__________________

1 ـ بلغ أصحاب الامام الصادق (ع) الذين ذكرهم الشيخ الطوسي بأسمائهم ثلاثة آلاف ومائة وتسعة وتسعين شخصاً. ثم ذكر أربعة وثلاثين شخصاً من أصحابه (ع) الذين عرفوا بالكنية. كما ذكر أربعة عشر شخصاً تحت عنوان ( من لم يسم ) من أصحابه (ع) أي ورد ذكره في الروايات بعنوان ( عن رجل ) أو ( عن بعض أصحابنا ) ونحوه ، والغالب فيهم كما في أصحاب الكنى كونهم من الذين ذكروا بأسمائهم. ثم ذكر اثنتي عشرة امرأة صحبته (ع) فبلغ الجميع ثلاثة آلاف ومائتين وتسعة وخمسين شخصاً. 

 

مشايخ النجاشي 

ومنه توثيق مشايخ الشيخ النجاشي الذين روى عنهم في كتاب ( رجاله ) بدون واسطة ، حيث التزم بأن لا يروي كذلك إلا عن ثقة فقال في اسحاق بن الحسن بن بكر : « ... ضعيف في مذهبه ، رأيته بالكوفة وهو مجاور ، وكان يروى كتاب الكليني عنه ، وكان في هذا الوقت غلوّاً فلم أسمع منه شيئاً الخ ». وقال في احمد بن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن : « ... رأيت هذا الشيخ ، وكان صديقاً لي ولوالدي ، وسمعت منه شيئاً كثيراً ، ورأيت شيوخنا يضعفونه ، فلم اروِ عنه شيئاً وتجنبته الخ ». 

وقال في محمد بن عبد اللّه بن محمد بن عبيد اللّه : « ... وكان في أول أمره ثبتاً ثم خلط ، ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه ... رأيت هذا الشيخ وسمعت منه كثيراً ، ثم توقفت عن الرواية عنه إلا بواسطة بيني وبينه » (1). 

وهذا دليل على توثيق النجاشي لمن روى عنه بدون واسطة. وقد نبه على ذلك الشيخ المامقاني ، ونقل عن الشيخ البهائي أنه استظهره من حال النجاشي (2). وعقد له السيد بحر العلوم فائدة قال فيها بعد الاستشهاد ببعض كلمات النجاشي : « ويستفاد من كلمات هذا الشيخ غاية التحرز في الرواية والتجنب عن الضعفاء والمتهمين ، ويظهر من ذلك اعتماده على كل من يروي من المشايخ. وهذا أصل نافع في التعويل على مشايخ 

__________________

1 ـ رجال النجاشي ص 53 ـ 63 ـ 282. 

2 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 58. 

 

النجاشي » (1). 

وقال عند ترجمته : « ونحن نذكر هنا جملة مشايخه 4 ممن ذكر لهم ترجمة في كتابه وغيرهم ممن تفرقت أسماؤهم في التراجم عند بيان الطرق الى أصحاب الأصول والكتب ، ولم أجد أحداً تصدى لجمعهم وهو مهم ، والتعبير عنهم يختلف كثيراً ، فيقع تارة بالكنية أو النسبة أو الصفة ، وتارة بالاسم وحده أو منسوباً الى الأب أو الجد الأدنى أو الأعلى فيظن التعدد من لا خبرة له ، وهم أقسام ». وقال بعد ذكرهم مفصلاً : « فهؤلاء رجال النجاشي ومشايخه الذين روى عنهم في ( كتابه ) وذكرهم في الطريق الى أصحاب الأصول والكتب وهم ثلاثون شيخاً » (2). 

وذكر الشيخ النوري هؤلاء المشايخ الثلاثين نقلاً عن السيد بحر العلوم (3).

مشايخ ابن قولويه 

ومنه توثيق مشايخ الشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه القمي الذين روى عنهم في كتابه ( كامل الزيارات ) لقوله في مقدمته : « وإنما دعاني الى تصنيف كتابي هذا مسألتك ... حتى أخرجته وجمعته عن الأئمة ـ صلوات اللّه عليهم أجمعين ـ من أحاديثهم ، ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا عنهم من حديثهم ـ صلوات اللّه عليهم ـ كفاية عن حديث غيرهم ، وقد علمنا أنا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى ولا في غيره ، ولكنه ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا ـ رحمهم 

__________________

1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 4 ص 145 ـ 146. 

2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 50 ـ 82. 

3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 502 ـ 503.

 

 اللّه برحمته ـ ، ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذاذ من الرجال ، يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية المشهورين بالحديث والعلم » (1). 

فاستفاد الشيخ النوري من هذا البيان شهادة ابن قولويه بوثاقة مشايخه فقط ، وهم الذين صدّر بهم سند أحاديث كتابه دون بقية رجال السند فقال : « واعلم أن المهم في ترجمة هذا الشيخ المعظم استقصاء مشايخه في هذا الكتاب الشريف ، فان فيه فائدة عظيمة لم تكن فيمن قدمناه من مشايخ الأجلة ، فانه ; قال في أول الكتاب ». ثم ساق كلامه السابق وقال : « فتراه ; نص على توثيق كل من روى عنه فيه ، بل كونه من المشهورين بالحديث والعلم ، ولا فرق في التوثيق بين النص على أحد بخصوصه أو توثيق جمع محصورين بعنوان خاص ، وكفى بمثل هذا الشيخ مزكياً ومعدلاً ». ثم شرع في عد مشايخه في ( كامل الزيارات ) فبلغوا أحد وثلاثين شيخاً (2). 

لكن الظاهر من كلام الشيخ محمد بن الحسن الحر أنه استفاد من كلام ابن قولويه السابق توثيقه لجميع الرواة المذكورين في أسناد أحاديث كتابه ، لا خصوص المشايخ منهم ، حيث قال : « وقد شهد علي بن ابراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره وأنها مروية عن الثقات عن الأئمة (ع) وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه ، فانه صرح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره » (3). 

واختار ذلك استاذنا المحقق الخوئي ، فصرح بظهور كلام ابن قولويه 

____________

1 ـ كامل الزيارات ص 3 ـ 4. 

2 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 522 ـ 523. 

3 ـ الوسائل ج 3 ـ الفائدة 6.

 

في إرادة الجميع ، وبنى على وثاقة كل راوي ذكر في سند أحاديث ذلك الكتاب ، إلا إذا جرحه بعض القدماء ، فيتعارض التوثيق والجرح ويتساقطان. 

لكن الاقوى ما اختاره الشيخ النوري من الأخذ بكلام ابن قولويه في خصوص مشايخه ، لضعف ظهوره في إرادة الجميع ، فيؤخذ بالقدر المتيقن منه. بالاضافة لما يظهر من القدماء من رعاية حال الشيخ الذي يروون عنه أكثر من رعاية حال من يروي عنه الشيخ ، فكأن كل راوي يتعهد بحال شيخه ، لأن تبعته تلحق من يروي عنه بالذات. 

ويكشف عن ذلك ما سبق من تصريح النجاشي باجتناب الرواية عن بعض الرواة بالذات لمّا لم يحرز وثاقتهم ، وإنما روى عنهم بالواسطة. 

ولذا جرح بعض الرواة في كتب الرجال بأنه « يروي عن الضعفاء » أو « يروي عن المجاهيل » ، ونحو ذلك من ألفاظ الجرح. والمراد به الرواية عن الضعفاء أو المجاهيل بدون واسطة ، لا الرواية عن المشايخ الثقات مع وجود ضعيف أو مجهول في وسط السند أو آخره. 

وهذا المعنى وان لم يثبت به اعتبار الشيخ مطلقاً وإن لم يوثق أو يمدح تفصيلاً أو إجمالاً ، لكنه يقرّب أن يكون ابن قولويه ناظراً الى خصوص مشايخه ليخرج من تبعتهم.

رواة أحاديث مزار ابن المشهدي 

ومنه توثيق رواة أحاديث كتاب ( مزار محمد بن المشهدي ) (1) حيث قال في مقدمته : « فاني قد جمعت في كتابي هذا من فنون الزيارات 

____________

1 ـ وهو مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة آية اللّه الحكيم العامة في النجف الأشرف ، وهي التي نقلت عنها.

 

 للمشاهد ... مما اتصلت به من ثقات الرواة الى السادات (ع) ». 

وهو صريح في توثيق جميع رجال سند الأحاديث المذكورة فيه. وقد نبه على ذلك الشيخ النوري (1). 

وإنما البحث في تعيين المؤلف ، لأن الملقب بابن المشهدي اثنان. أحدهما محمد بن اسماعيل الحسيني المشهدي ، ذكره الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتابه ( أمل الآمل ) ، وقال عنه : « فقيه محّدث ثقة ، قرأ على الشيخ الامام محيي الدين الحسين بن المطفر الحمداني ، قاله منتجب الدين الخ » ثانيهما محمد بن جعفر المشهدي ، ذكره الشيخ الحر أيضاً في كتابه المذكور وقال عنه : « كان فاضلاً محدّثاً صدوقاً ، له كتب يروي عن شاذان بن جبرئيل القمي » (2). 

وروايته عن شاذان قرينة على أنه مؤلف المزار ، حيث رأيته يروي عنه فيه. وهو الذي اختاره الشيخ النوري قائلاً : « والذي اعتقده أنه من مؤلفات محمد بن جعفر المشهدي ». وقال : إن الأول « مذكور في كتب الأصحاب بكنيته أبي البركات ، ولقبه ناصح الدين ، وبالامامة والسيادة معروف بها ، لا بعنوان المشهدي ، بخلاف صاحب ( المزار ) فانه معروف به لا غير الخ ». وعّده في جملة مشايخ هبة اللّه بن نما الحلي شيخ المحقق الحلي ، وقال فيه : « الشيخ الجليل السعيد المتبحر أبو عبد اللّه محمد بن جعفر بن علي بن جعفر المشهدي الحايري المعروف بمحمد بن المشهدي وابن المشهدي مؤلف المزار المشهور الذي اعتمد عليه أصحابنا الابرار ، الملقب بالمزار الكبير في ( بحار الأنوار ) الخ » (3). 

____________

1 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 765. 

2 ـ أمل الآمل ـ القسم 2 ص 497 ـ 498. 

3 ـ مستدرك الوسائل ج 3 ص 368 ـ 477. 

 

توثيقات المتأخرين 

سبق البحث (1) في أن توثيق الرجالي لراوي شهادة منه بوثاقته ، فيعتبر استناده الى الحس ، ويكفينا احتمال ذلك ، فلا يقبل الحدسي منه. 

ومن هنا نشأ الاشكال في قبول التوثيقات الصادرة عن المتأخرين كالعلامة ونظائره ، بدعوى ضعف احتمال الحس فيها ، لفصل الزمن الطويل بينهم وبين من وثقوه من الرواة ، فيبتني توثيقهم على اجتهادات حدسية إذ لو كان هناك طريق حسي معتبر للتوثيق لاطلع عليه القدماء كالشيخ الطوسي ونظائره. وعلى ذلك بنى أستاذنا المحقق الخوئي ، فرد توثيقات المتأخرين مطلقاً. 

لكنه ضعيف لوجود احتمال الطريق الحسي المعتبر فيها ، إذ كم استدرك المتأخرون على القدماء أموراً فاتتهم. ولذا قال الشهيد الثاني : « ... ولكن ينبغي للمائز في هذه الصناعة ... تدبّر ما ذكروه ومراعاة ما قرروه ، فلعله يظفر بكثير مما أهملوه ، ويطلع على توجيه في القدح والمدح قد أغفلوه ، كما اطلعنا عليه كثيراً ونبهنا عليه في مواضع كثيرة وضعناها على كتب القوم الخ » (2). 

وسبق أن كتب القدماء الرجالية غير الأصول كثيرة فيمكن وصول بعضها إلى العلامة ونظائره بطريق معتبر ، فاعتمدوا عليها في التوثيق والتضعيف بالاضافة لما عرفته من حال أصولنا الرجالية ، وعدم وجود كتاب فيها يكشف عن حال جميع رواة أحاديثنا مدحاً وجرحاً وتوثيقاً وتضعيفاً. ليصح القول : بأن إهمالها لتوثيق راوي دليل على عدم وجود الطريق المعتبر 

__________________

1 ـ أنظر ص 60 ـ 61. 

2 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 63. 

 

الى توثيقه. بل يلزم من ذلك الاشكال في توثيق الشيخ الطوسي لراوي ذكره النجاشي فلم يوثقه وبالعكس ، حيث يمكن القول : بأنه لو وجد طريق معتبر لتوثيقه لاطلع عليه الآخر. نعم لو ذكر الموثق مدرك التوثيق ولم نره مدركاً لا نقبل توثيقه كما في القدماء. 

وللسيد بحر العلوم كلام متين عند البحث عن وثاقة ابراهيم بن هاشم حيث قال : « الثاني توثيق كثير من المتأخرين ، كما سبق النقل عنهم ، ولا يعارضه عدم توثيق الأكثر ، لما عرفت من اضطراب كلامهم ، ولأن غايته عدم الاطلاع على السبب المقتضي للتوثيق ، فلا يكون حجة على المطلع لتقدم قول المثبت على النافي ودعوى حصر الأسباب ممنوعة فان ( في الزوايا خبايا ) ، وكثيراً ما يقف المتأخر على ما لم يطلع عليه المتقدم ، وكذا الشأن في المتعاصرين ، ولذا قبلنا توثيق كل من النجاشي والشيخ لمن لم يوثقه الآخر أو لم يوثقه من تقدم عليهما. نعم يشكل ذلك مع تعيين السبب وخفاء الدلالة ، لأن أكثر الموثقين هنا لم يستند الى سبب معين فيكون توثيقه معتبراً » (1). 

ثم ان الفقهاء أجمع يعتبرون توثيقات الشيخ الطوسي والنجاشي ونظائرهما من القدماء مطلقاً حتى إذا وثقوا بعض أصحاب النبي (ص) وأمير المؤمنين 7 ، مع أن الفصل بين الموثِّق والموثَّق يزيد على أربعمائة سنة فان النجاشي توفي سنة ( 450 هجري ) ، والشيخ الطوسي توفي سنة ( 460 هجري ) فلو كان فصل الزمن الطويل بينهما مانعاً من قبول التوثيق لضعف احتمال الحس كيف تقبل تلك التوثيقات؟. 

وعلى فرض عدم قبول توثيقات المتأخرين يلزم انسداد باب العلم في التوثيق كما سبق ، ويتنزل الى العمل بالظن فتقبل لذلك ، لأنها تفيده ، 

__________________

1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 1 ص 463. 

 

والنتيجة قبولها إما لعدم الفرق بينهما وبين توثيقات القدماء ، وإما لافادتها الظن الانسدادي.

توثيقات العلامة 

وعليه فلا إشكال في توثيقات العلامة من أجل كونه من المتأخرين وإنما تختص باشكال آخر استظهر من كلام له في ( خلاصته ) وهو اعتماده على خبر كل إمامي لم يرد فيه جرح وإن لم يوثق أو يمدح ، حيث قال في ابراهيم بن هاشم : « ولم أقف لأحد من أصحابنا على قول في القدح فيه ولا على تعديله بالتنصيص ، والروايات عنه كثيرة ، والأرجح قبول قوله » (1). وقال في احمد بن اسماعيل بن سمكة : « ولم ينص علماؤنا عليه بتعديل ، ولم يرد فيه جرح فالأقوى قبول روايته مع سلامتها من المعارض » (2). 

ولأجله وهّن استاذنا المحقق الخوئي توثيقات العلامة مستظهراً من ذينك الموردين تفريع قبول خبر الراويين على كونهما إماميين لم يجرحا فيكون ذلك بمنزلة العلة لقبول خبرهما. 

لكن المعروف من مسلك العلامة في شأن التوثيق عدم اكتفائه بذلك في حجية الخبر. وكلامه في ذينك الموردين لا يثبت ما استظهر منهما. 

أما كلامه في ابراهيم بن هاشم فقد صدّره بقوله : « وأصحابنا يقولون : إنه أول من نشر حديث الكوفيين بقم ، وذكروا أنه لقي الرضا 7 ، وهو تلميذ يونس بن عبد الرحمان ». فيكون اعتماده عليه مستنداً الى ذلك ، فان قبول القميين لحديثه ، واعتمادهم عليه في العمل 

__________________

1 ـ خلاصة الرجال ص 4. 

2 ـ خلاصة الرجال ص 10. 

 

بأحاديث الكوفيين ، وإكثارهم من الرواية عنه ، يمكن عده توثيقاً عملياً له أو مدحاً فيدخل في الحسان ، كما بنى جماعة على حسنه لذلك. ولا ينافيه عدم الوقوف على تعديله بالتنصيص. 

وأما كلامه في احمد المذكور فقد صدّره بقوله : « كان من أهل الفضل والأدب والعلم ، عليه قرأ أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد ، وله كتب عديدة لم يصنف مثلها الخ ». فيكون تفريع قوله : « فالأقوى قبول روايته ». على ذلك المدح لامكان دخوله في الحسان بسببه ، لا على قوله : « ولم يرد فيه جرح ». ليقال : بأن العلامة يكتفي في اعتبار الراوي بكونه إمامياً لم يجرح. 

وعلى فرض عدم ظهور الكلام في التفريع على ما ذكره في صدره فلا ظهور له في التفريع على قوله : « ولم يرد فيه جرح ». لاحتمال كل من الأمرين فيكون مجملاً. 

وحكي عن الشهيد الثاني في ( تعليقات الخلاصة ) أنه اعترف بأن ما ذكره العلامة في صدر كلامه يقضي بمدح احمد المذكور ، ويترتب قبول روايته على قبول مثله من الممدوحين. لكنه أورد عليه بقوله : « وأما تعليله بسلامتها عن المعارض فعجيب لا يناسب أصله في الباب ، فان السلامة عن المعارض مع عدم العدالة إنما يكفي على أصل من يقول بعدالة من لا يعلم فسقه ، والمصنف لا يقول به ، لكنه يتفق منه في هذا القسم كثير (1). 

ولم يظهر لي وجه ذلك فان العلامة لم يعلل قبول روايته بسلامتها عن المعارض وإنما ذكرها شرطاً في قبولها ، كما في جميع الاخبار المعتبرة ، إذ عند حصول التعارض يرجع الى قواعده. 

__________________

1 ـ منهج المقال ص 32. 

 

وقد تعجب الوحيد البهبهاني من اعتراض الشهيد الثاني على العلامة وقال : « لأن الظاهر من قوله : قبول روايته. التفريع على ما ذكره سالفاً ، وما ظهر منه من المدح والجلالة والفضيلة ، كما أشار اليه أول عبارة الشهيد الثاني أيضاً ، ومعلوم أيضاً من مذهبه ورويّته في ( الخلاصة ) وغيره من كتب الأصول والفقة والاستدلال والرجال. وقال شيخنا البهائي في المقام من ( الخلاصة ) : وهذا يعطي عمل المصنف بالحديث الحسن ، فان هذا الرجل إمامي ممدوح. انتهى ، وبالجملة مع وجود ما ذكر وظهر من الجلالة فجعل قبول روايته من مجرد سلامتها عن المعارض مما لا يجوز أن ينسب اليه ، ويجوّز عليه ، سيما مع ملاحظة مذهبه ورويّته وأنه في موضع من المواضع لم يفعل كذا ، بل متنفّر عنه متحاش ، بل جميع الشيعة كذلك الخ » (1).

تضعيفات العلامة 

نعم إن للعلامة مسلكاً في تضعيف الراوي ورد خبره ، وهو عدم قبول خبر غير الامامي وإن كان ثقة ، كالفطحي والواقفي ونظائرهما ، لأنه فاسق ونهي في آية النبأ عن العمل بخبره ، ولذا ذكر اسحاق بن عمار ، وسماعة بن مهران في القسم الثاني من ( خلاصته ) الذي أعده لمن لم يعمل بروايته وإن اعترف بوثاقتهما ، فقال في الأول : « ... كان شيخاً في أصحابنا ثقة ... وكان فطحياً. قال الشيخ : إلا أنه ثقة ، وأصله معتمد عليه. وكذا قال النجاشي ، والأولى عندي التوقف فيما ينفرد به ». وقال 

__________________

1 ـ تعليقة منهج المقال ص 32. 

 

في الثاني « ... ثقة ثقة ، وكان واقفياً » (1). 

وعليه فلا تكون الأخبار الموثقة حجة عند العلامة ، فتختص الحجية لديه بصحاح الأخبار وحسانها. 

حول اعتبار أصولنا الرجالية 

ولنعد على بدء الحديث عن أصولنا الرجالية التي نرجع اليها في معرفة حال الرواة وطبقاتهم. وسبق أنها ستة ، أربعة منها لا إشكال في وثاقة مؤلفيها وصحة نسبتها اليهم ، وهي كتابا الشيخ الطوسي ( فهرسته ورجاله ) وكتاباً ( رجال الكشي والنجاشي ).

رجال البرقي 

أما الخامس وهو ( رجال البرقي ) أحمد بن محمد بن خالد فحاله كالأربعة ، حيث لا ينبغي الاشكال في وثاقة مؤلفه بعدما وثقه الشيخ الطوسي والنجاشي صريحاً (2). نعم قالا عنه : « يروي عن الضعفاء ، ويعتمد المراسيل » لكنه غير ضاير بعدما كان ثقة في نفسه ، وإنما يلزم الفحص عن حال من يروي عنه كغيره من الرواة الذين لم تثبت وثاقة مشايخهم. 

ولذا حكى العلامة عن ابن الغضائري أنه قال فيه : « طعن عليه القميون ، وليس الطعن فيه ، وإنما الطعن فيمن يروي عنه ... وكان 

__________________

1 ـ خلاصة الرجال ص 96 ـ 109. 

2 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 20 ، ورجال النجاشي ص 55.

 

 احمد بن محمد بن عيسى أبعده ثم أعاده اليها (1) ، واعتذر اليه ... لما توفي مشى احمد بن محمد بن عيسى في جنازته حافياً حاسراً ليبرئ نفسه مما قذفه الخ » (2). 

كما لا إشكال في صحة نسبة هذا الكتاب اليه ، وهو من أجزاء كتابه ( المحاسن ) الغني عن التعريف ، كما نص عليه كثير عند تعدادهم لأجزائه فذكره الشيخ الطوسي بعنوان كتاب ( طبقات الرجال ) نقلاً عن محمد بن جعفر بن بطة (3) وهكذا الشيح ابن شهرآشوب (4). وذكره الشيخ النجاشي بعنوان ( كتاب الرجال ) (5). 

وقال ابن النديم عندما ترجم للبرقي : « ... وله من الكتب كتاب العويص ، كتاب التبصرة ، كتاب المحاسن ، ( كتاب الرجال ) فيه ذكر من روى عن أمير المؤمنين ـ رضي اللّه عنه ـ ». فعد كتاب الرجال قسيماً لكتاب المحاسن ، والمفروض أنه قسم منه ، كما عرفت. بل قال هو بعد ذلك : « ... قرأت بخط أبي علي بن همام قال : كتاب المحاسن للبرقي يحتوي على نيّف وسبعين كتاباً ، ويقال : على ثمانين كتاباً. وكانت هذه الكتب عند أبي علي بن همام ... كتاب ( طبقات الرجال ) الخ (6) فعده من أجزاء كتاب المحاسن. 

وقد طبع أخيراً ( كتاب الرجال ) منضماً الى ( رجال ابن داود ) فقال ناشره في تمهيده : « ... و ( كتاب رجاله ) هذا من أجزاء كتاب المحاسن المستغني لشهرته عن الوصف الخ ». 

____________

1 ـ أي أبعده عن بلدة ( قم ) ثم أعاده اليها. 

2 ـ خلاصة الرجال ص 9. 

3 ـ الفهرست للشيخ الطوسي ص 21. 

4 ـ معالم العلماء ص 10. 

5 ـ رجال النجاشي ص 55. 

6 ـ فهرست ابن النديم ص 323 ـ 324.

 

 ولا يشك أحد في اعتبار علمائنا لكتاب ( المحاسن ) ، وأخذهم عنه وأنه من كتب احمد بن محمد بن خالد البرقي ، فهو ومؤلفه غنيان عن التعريف. وقد كتب ناشره في طبعته الأولى مقدمة جمع فيها ما قيل في حق البرقي وكتابه ( المحاسن ) من التوثيق والتبجيل ، كما كتب مقدمة أخرى للكتاب في طبعته الثانية حول التعريف به وبمؤلفه ، وبيان ما حازاه من شهرة ومكانة عالية. وقد اعتمد مصحح ( كتاب الرجال ) على أربع نسخ كلها تشهد بحسب الظاهر بأنه من تأليف البرقي احمد بن محمد بن خالد. 

ومع هذا كله فقد شُكك في نسبته اليه ، فقيل : « اختلف في ( رجال البرقي ) ... فقال بعضهم : إنه لاحمد بن أبي عبد اللّه البرقي وقال بعضهم : إنه لأبيه محمد بن خالد البرقي. وكلاهما وهم ، وكيف يمكن أن يكون لهما وقد استند في كثير من رجاله الى كتاب سعد بن عبد اللّه القمي ، وسعد كان من تلامذة أحمد الابن ، وعنون فيه عبد اللّه بن جعفر الحميري ، وصرح بسماعه منه ، فيكون شيخه ، مع أن عبد اللّه كسعد تلميذ احمد الابن ، وعنون احمد بن أبي عبد اللّه فيه ولم يذكر أنه مصنف الكتاب ، كما هو القاعدة فيمن يذكر نفسه في كتابه ، كما فعل الشيخ والنجاشي في ( فهرستيهما ) ، والعلامة وابن داود في ( كتابيهما ) ، وعنون محمد البرقي ولم يشر الى أنه أبوه ، والذي يعلم من ملاحظة الطبقة أنه لعبد اللّه بن احمد البرقي الذي يروي عنه الكليني أو أحمد بن عبد اللّه البرقي الذي يروي عنه الصدوق ، والثاني أقرب لعنوانه سعداً والحميري كما عرفت » (1). 

لكن يورد عليه بأن عدم النص على أنه مؤلف الكتاب عند ذكر اسمه لا يدل على نفيه عنه ، وما استشهد به من فعل الشيخ الطوسي ونظائره أمر حدث بعد عصر البرقي ، فلا يطلب منه الجري على نهجه ، بل لا يلزمه 

____________

1 ـ قاموس الرجال ج 1 ص 31 ـ 32 

 

الجري عليه حتى لو ثبت في عصره ، كما لا يلزمه الاشارة الى أن محمداً البرقي أبوه عند ذكر اسمه. وقد استدل السيد بحر العلوم على أن الكتاب للولد بذكره لنفسه ولوالده في أصحاب الرضا (ع). 

وأما سعد الذي استند الى كتابه فقد استظهر السيد بحر العلوم أنه سعد بن سعد الأشعري ، واستدل به على أن كتاب الرجال للوالد لروايته عنه (1). 

لكنه لا مانع من كون الكتاب للولد ، لأنه نقل عن كتاب سعد ، فلا يتوقف على ملاقاته وروايته عنه ، وإنما يكفي وجود الطريق الى كتابه على أنه يمكن روايته عنه واقعاً وإن لم تذكر. 

وأما عبد اللّه بن جعفر الحميري فقد عده الشيخ الطوسي في ( رجاله ) (2) من أصحاب الامام العسكري (ع). بل عده من أصحاب الامام الهادي (ع) ، كما في بعض نسخ ( رجاله ) (3). واحمد البرقي المذكور توفي سنة (274) أو ( 280 هجري ) (4) ، أي بعد وفاة الامام العسكري (ع) بعشرين سنة ، أو أربعة عشر سنة. وعليه فلا مانع من أن يروي عن الحميري المذكور ما رواه عن المعصوم (ع). 

__________________

1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 4 ص 156. 

2 ـ أنظر ص 432. 

3 ـ أنظر ص 419. 

4 ـ رجال النجاشي ص 56.

 

 رجال ابن الغضائري 

وأما السادس وهو ( رجال ابن الغضائري ) المسمى ب‍‌ ( كتاب الضعفاء ) فكتب الرجال مشحونة بتضعيفاته ، والبناء على ضعف كثير من رواتنا يستند اليه ، فلذا كان جديراً بالبحث عنه وعن مؤلفه ، فنقول : 

اشتهر نسبة هذا الكتاب الى الشيخ احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الشهير بابن الغضائري ، ونسبه اليه السيد جمال الدين احمد بن طاووس في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ) الذي من طريقه وصل الينا هذا الكتاب. وعليه فلا يلتفت الى الترديد في المؤلف ، وهل أنه احمد المذكور ، أو والده الحسين ، كما حكي عن المجلسي في كتاب ( البحار ) وإن استظهر أنه احمد. 

نعم اختلف في أن المراد بابن الغضائري عند إطلاقه هو الابن احمد أو الأب الحسين ، فاختار الأكثر الأول ، ونسبه الوحيد البهبهاني الى جماعة من المحققين ، والى العلامة وابن طاووس (1). وقد أجاد صاحب كتاب ( الكنى والألقاب ) حيث ترجم الولد تحت عنوان ابن الغضائري ، وترجم الوالد تحت عنوان الغضائري تمييراً لهما. 

وللولد كتابان آخران ذكرهما الشيخ الطوسي في مقدمة ( فهرسته ) فقال : « ... أبو الحسين احمد بن الحسين بن عبيد اللّه ، فانه عمل كتابين ، أحدهما ذكر فيه المصنفات ، والآخر ذكر فيه الأصول ، واستوفاهما على مبلغ ما وجده وقدر عليه ، غير أن هذين الكتاين لم ينسخهما أحد من أصحابنا ، واخترم هو ; ، وعمد بعض الورثة الى إهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب ، على ما حكى بعضهم عنه ». 

____________

1 ـ تعليقة منهج المقال ص 35.

 

 لكن العلامة نقل عن كتابين لابن الغضائري ، فقال في ترجمة عمر بن ثابت : « ضعيف جداً ، قاله ابن الغضائري ، وقال في كتابه الآخر ... طعنوا عليه من جهة ، وليس عندي كما زعموا ، وهو ثقة ». وقال في ترجمة محمد بن مصادف : « اختلف قول ابن الغضائري فيه ، ففي أحد الكتابين أنه ضعيف ، وفي الآخر أنه ثقة » (1). 

واستدل بذلك السيد بحر العلوم على توهين نقل الشيخ الطوسي تلف كتب ابن الغضائري (2). لكنه ذكر شيخنا في ( الذريعة ) (3) : أن نقل العلامة اختلاف قول ابن الغضائري في كتابيه ، إخبار عما سمعه من استاذه ( ابن طاووس ) من الاختلاف ، وليس صريحاً في أنه رأى الكتابين ». ولم يعلم مستند استاذه في النقل فاحمد بن الغضائري له كتب ثلاثة ، اثنان أشار اليهما الشيخ الطوسي ، وثالث ذكره ابن طاووس في كتابه ـ وقد صرح بذلك الشيخ القهبائي في ( مجمع الرجال ) (4) وشيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (5) ، فذكر الأولين برقم 163 ، والثالث برقم 164. 

أما الأولان فلم يثبت لهما أثر في عصر ما ، بالاضافة لما سبق من تصريح الشيخ الطوسي بتلقهما وهو أعرف بالمؤلف وكتبه. ونقل العلامة عن كتابي ابن الغضائري في ذينك الموردين لم يعلم وجهه ، ولعله نقل التضعيف عن الكتاب الثالث ، والتوثيق عن أحد الكتابين بواسطة استاذه ابن طاووس ، أو كان هناك كتاب رابع نسب الى ابن الغضائري ألّفه في الممدوحين ، كما ألّف الثالث في الضعفاء ، حيث نقل الشيخ المامقاني عن 

____________

1 ـ خلاصة الرجال ص 116 ـ 125. 

2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 49 ـ 50. 

3 ـ أنظر ج 10 ص 89. 

4 ـ أنظر ج 1 ص 108. 

5 ـ أنظر ج 10 ص 87 ـ 88. 

 

الشيخ القهبائي أنه قال : « إن كتابيه في ذكر الرجال الممدوحين والرجال المذمومين المجروحين ، وإن الأخير مذكور بتمامه في كتاب السيد ابن طاووس ». وصدّره بقوله : إن مقتضى ما نقله الشيخ الطوسي من تلف الكتاين إرادة غير هذين (1). 

لكن الشيخ القهبائي لم يزد في ترجمة احمد بن الغضائري على الكتب الثلاثة ، حيث قال : « احمد بن الحسين ... صاحب كتاب الرجال الموضوع لذكر المذمومين ، وكتابين آخرين ، كما في خطبة ( الفهرست ) ». وقال شيخنا في ( الذريعة ) (2) : « ولم يجد السيد كتاباً آخر للمدوحين منسوباً الى ابن الغضائري ، وإلا لكان يدرجه أيضاً ولم يقتصر على الضعفاء ». 

فالذي يدور بحثنا حوله هو الكتاب الثالث الوارد من طريق ابن طاووس ، والذي تنسب التضعيفات اليه ، وبما أن الكتاب لا يكون حجة إلا بعد ثبوت وثاقة مؤلفه وصحة نسبته اليه فلا بد من البحث عن كلتا الجهتين.

حول اعتبار ابن الغضائري 

الأولى أن أحمد بن الغضائري مؤلف هذا الكتاب هل يقبل جرحه وتعديله ، وإن كان والده الحسين بن عبيد اللّه من فقهاء المشايخ الثقات الأقدمين أستاذ الشيخين الطوسي والنجاشي ، وقد أكثرا من الرواية عنه. وإنما البحث عن ولده احمد. 

وحاله غير معلوم من كتب القدماء ، فان الكشي سابق على زمانه ، 

__________________

1 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 57. 

2 ـ أنظر ج 4 ص 288. 

 

والشيخ الطوسي لم يذكره في كتابيه وإن استطرد ذكره في مقدمة ( فهرسته ) وكذا النجاشي في ( رجاله ) أهمل ذكره إلا استطراداً عند النقل عنه ، وقد ترحما عليه. ولذا اعترف جماعة بعدم الوقوف على جرح فيه ، ولا تعديل ، وحكي تصريح المجلسي في ( البحار ) بعدم اعتماده عليه كثيراً. 

وقال الميرزا محمد عند ذكره جرح ابن الغضائري لابراهيم بن عمر الصنعاني : « لا بحث على أن الجارح ليس بمقبول القول ، نعم ربما قبل قوله عند الترجيح أو عدم المعارض ، فانه مع عدم توثيقه قد كثر منه القدح في جماعة لا يناسب ذلك حالهم ». وعلّق عليه الوحيد البهبهاني بقوله : « ... إن ابن الغضائري غير مصرح بتوثيقه ، ومع ذلك قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو من قدحه ... ملاحظة حاله توهن الوثوق بمقاله » (1). 

ومع هذا القدح فيه من الوحيد فقد وثقه عند ترجمته في باب احمد بن الحسين (2) ، فقال : « والظاهر أنه من المشايخ الأجلة والثقات الذين لا يحتاجون الى النص بالوثاقة وهو الذي يذكر المشايخ قوله في الرجال ، ويعدّونه في جملة الأقوال ، ويأتون به مقابل أقوال الأعاظم الثقات ، ويعبّرون عنه بالشيخ ، ويذكرونه مترحماً ، ويكثرون من ذكر قوله 

__________________

1 ـ منهج المقال وتعليقته ص 24 ـ 25. 

2 ـ أهمل الميرزا محمد في ( منهج المقال ) ذكر احمد بن الغضائري في ( باب احمد ) الذي ناسب ذكره فيه ، وإنما ذكره في ( باب المصدّر بابن ) ، فقال : « ابن الغضائري هو احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري لم أجد تصريحاً من الأصحاب بتوثيق ولا ضده » ( ص 398 ). لكن الوحيد البهبهاني عكس في تعليقته فلم يذكره في الباب الثانية ، وذكره في الأولى ( ص 35 ). 

 

والاعتناء بشأنه ». وقال عند ترجمة الصنعاني : « ومن تتبع ( الخلاصة ) بل والنجاشي أيضاً وجد أنهما يقبلان قوله مطلقاً ... ومن تتبع كلام ابن طاووس وجده كثير الاعتماد عليه عظيم الاعتقاد به ». 

هذا غاية ما يمكن أن يقال : في اعتبار ابن الغضائري ، وقبول جرحه وتعديله. ونقول : أما الترحم فقد سبق (1) الحديث عنه ، وأنه لا يثبت مدحاً ولا توثيقاً ، حيث يصح على كل بر وفاجر. 

وأما الشيخوخة فكذلك لا يثبت بها توثيق الشيخ ولا مدحه ، كما سبق (2). 

وأما اعتماد العلامة على ابن الغضائري فقد ثبت في ( خلاصته ) حيث قال عند ذكر ظفر بن حمدون : « قال النجاشي : إنه من أصحابنا. وقال ابن الغضائري ... كان في مذهبه ضعف. الأقوى عندي التوقف في روايته (3) لطعن هذا الشيخ فيه ». وذكر صباح بن قيس بن يحيى المزني في القسم الثاني من ( خلاصته ) ، لأن ابن الغضائري ضعّف حديثه وإن قال عنه النجاشي : « ثقة ثقة » (4). 

والنقاش في توثيقات العلامة بأنه من المتأخرين فيضعف احتمال وجود طريق حسي فيها ، وأنه يعتمد على خبر كل إمامي لم يجرح ، فقد سبق الجواب عنه (5). 

__________________

1 ـ أنظر ص 95. 

2 ـ أنظر ص 173 ، وما بعدها. 

3 ـ قد الترم العلامة بذكر من يتوقف في روايته في القسم الثاني من ( خلاصته ) ، كما نص عليه في مقدمتها ، وفي أول القسم الثاني. وعليه فذكر ظفر بن حمدون في القسم الأول مع توقفه في روايته جرى على خلاف ما التزم به. 

4 ـ خلاصة الرجال ص 44 ـ 110. 

5 ـ أنظر ص 189 ، وما بعدها. 

 

وهنا نقاش يخص محل البحث ، وهو اضطراب كلام العلامة في العمل بقول ابن الغضائري ، فيأخذ به تارة كما سبق ، ويهجره أخرى كما في ترجمة ابراهيم بن عمر الصنعاني ، حيث قبل روايته وذكره في القسم الأول من ( خلاصته ) لتوثيق النجاشي له وإن ضعفه ابن الغضائري صريحاً وهكذا في ترجمة سهل بن احمد بن عبد اللّه حيث ذكره في القسم الأول معتمداً عليه لقول النجاشي : « لا بأس به ». وإن قال عنه ابن الغضائري « كان يضع الأحاديث » (1). 

ولذا قال الوحيد البهبهاني : « والأولى أن يقال : إن بناء ( الخلاصة ) على التعديل والجرح ، وترجيحه قول شيخ على آخر ليس من نفس توثيقهم وجرحهم ... ولذا ربما يرجّح ابن الغضائري على النجاشي ... مع أنه في الغالب يرجح النجاشي الخ » (2). وقال الشيخ المامقاني : إن العلامة « كثيراً ما يقّدم تعديل النجاشي على جرح ابن الغضائري في مقام ليس له مستند سوى أن ظاهره عدم الاعتماد على ابن الغضائري الخ » (3). 

ولكن اعتماده على قوله ولو في مورد واحد يكشف عن اعتباره لديه وتقديم قول النجاشي عليه أحياناً لا يضر بذلك ، حيث تكون هناك جهات مرجحة له ، كما في تقديم قوله على قول النجاشي. 

وأما اعتماد ابن طاووس عليه فكاعتماد العلامة كاشف عن اعتباره لديه وهو يغني في قبول قوله بناء على ما سبق من الاكتفاء بتوثيق أمثاله. 

وأما اعتماد النجاشي عليه فهو العمدة ، حيث نقل عنه في كتاب ( رجاله ) بلا واسطة في ثلاثة وعشرين مورداً حسبما استقصيت الكتاب وسيرته ، وسبق (4) توثيق النجاشي لشيوخه الذين يروي عنهم بدون واسطة 

__________________

1 ـ خلاصة الرجال ص 4 ـ 40. 

2 ـ تعليقة منهج المقال ص 24. 

3 ـ تنقيح المقال ج 1 ص 58. 

4 ـ أنظر ص 184. 

 

وبذلك يثبت وثاقة احمد بن الغضائري واعتباره.

 الاكثار من جرح الثقات 

نعم يبقى البحث في النقاش المشهور في قبول قوله ، وهو أنه قد أكثر من جرح الثقات وتعدى الحد فيه ، ولم يرَ الأصحاب له مبرراً ، ولأجله وهّنوا تضعيفاته ، ورموه بعدم التحقيق. 

قال الوحيد البهبهاني : « ... قلّ أن يسلم أحد من جرحه أو ينجو من قدحه ، وجرح أعاظم الثقات وأجلاء الرواة الذين لا يناسبهم ذلك. وهذا يشير الى عدم تحقيقه حال الرجال كما هو حقه ، أو كون أكثر ما يعتقده جرحاً ليس في الحقيقة جرحاً ... وقال الشهيد الثاني ; ( شرح البداية ) (1) : وقد اتفق لكثير من العلماء جرح بعض فلما استفسر ذكر ما لا يصلح جارحاً ، قيل لبعضهم : لمَ تركت حديث فلان؟. فقال : رأيته يركض على برذون (2) ... وبالجملة لا شك أن ملاحظة حاله توهن الوثوق بمقاله الخ » (3). 

وقال السيد بحر العلوم : « ... هذا الشيخ الذي قد بلغ الغاية في تضعيف الروايات والطعن في الرواة ، حتى قيل : إن السالم من رجال الحديث من سلم منه ، وإن الاعتماد على كتابه في الجرح طرح لما سواه من الكتب ... فانه قد ضعّف فيه كثيراً من أجلاء الأصحاب المعروفين 

__________________

1 ـ وهو كتاب ( درايته ) ، أنظر ص 71 منه. 

2 ـ البرذون « ضرب من الدواب دون الخيل وأقدر من الحمر » أقرب الموارد ، مادة برذن. 

3 ـ تعليقة منهج المقال ص 24. 

 

بالتوثيق ... واعتمد في الطعن عليهم ـ غالباً ـ أموراً لا توجب قدحاً فيهم الخ » (1). 

وعليه لا يبقى وثوق بكون جرحه وتضعيفه للرواة جارياً على الأصول المعتبرة ، فكيف يصح الركون اليه؟.

الطريق الى رجال ابن الغضائري 

الجهة الثانية أن هذا الكتاب المنسوب الى ابن الغضائري لم يصل الينا بنفسه بطريق معتبر ، وإنما أدرجه السيد ابن طاووس في كتابه ( حل الاشكال في معرفة الرجال ) منسوباً اليه. لكن يشكل الاعتماد عليه لأمرين. 

أحدهما أن الشيخ الطوسي لم يذكر لابن الغضائري إلا الكتابين اللذين ألفهما في المصنفات والأصول وقد تلفا. فلو كان له كتاب ثالث في الضعفاء لما خفي عن مثل الشيخ المصاحب له ، والشريك معه في الدراسة على أبيه الحسين بن عبيد اللّه ، كما صرح به في ( رجاله ) قائلاً : « سمعنا منه وأجاز لنا بجميع رواياته » (2). 

وبذلك استشهد شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (3) على استبعاد أن يكون لابن الغضائري كتاب ثالث خفي على الشيخ الطوسي ، وقال : « والظاهر أنه لم يكن له تأليف آخر وإلا لذكره ». 

على أن الشيخ الطوسي لم يحك تلف الكتابين فقط ، وإنما قال : « وعمد بعض الورثة الى إهلاك الكتابين وغيرهما من الكتب ». وإطلاقه شامل لكتاب الضعفاء على تقدير أن يكون من تصنيفه. 

__________________

1 ) رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 369 

2 ـ رجال الشيخ الطوسي ص 470 

3 ـ أنظر ج 10 ص 88 

 

ولذا أهمل ذكره في ( فهرسته ) حيث لم يبق له مصنَّف ليذكر من أجله ، كما أهمل ذكره الشيخ النجاشي في ( رجاله ) لذلك. ولو بقي له كتاب بعده لما خفي على النجاشي ، فانه كالشيخ الطوسي مصاحب له ، وشريك في الدراسة على أبيه الحسين ، حيث قال : « ... قرأته أنا وأحمد بن الحسين ; على أبيه ». كما أنه شريكه في الدراسة على احمد بن عبد الواحد ، حيق قال : « قرأ احمد بن الحسين كتاب الصلاة والزكاة ... على احمد بن عبد الواحد في مدة سمعتها معه » (1). 

بل صرح السيد بحر العلوم بأن النجاشي تلميذ لابن الغضائري ، حيث قال : « ما اتفق للنجاشي ; من صحبة ... احمد بن الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ; فانه كان خصيصاً به صحبه وشاركه وقرأ عليه وأخذ منه ونقل عنه ما سمعه أو وجده بخطه الخ ». ونص على أنه شيخ النجاشي عند ذكر مشايخه (2). واستظهر ذلك شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (3) من قول النجاشي في ترجمة علي بن محمد بن شيران : « كنا نجتمع معه عند احمد بن الحسين » (4) قائلاً : « والاجتماع عند العالم والحضور في مجلسه لا يكون إلا للاستفادة العلمية عنه ، ولعل ذلك وجه استظهار آية اللّه بحر العلوم في ( الفوائد الرجالية ) أنه كان من مشايخ النجاشي كوالده ، ولكنه بعيد لقصر عمره ، كما نذكره وإن استظهره القهبائي أيضاً في ( مجمع الرجال ) من هذه الترجمة ». 

__________________

1 ـ رجال النجاشي ص 61 ـ 182. 

2 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 49 ـ 64. 

3 ـ أنظر ج 4 ص 289. 

4 ـ رجال النجاشي ص 192. 

 

مع السيد بحر العلوم 

لكن السيد بحر العلوم ـ قدست نفسه ـ ناقش في تلف كتب ابن الغضائري بقوله : « ... لما يظهر من النجاشي من اطلاعه عليها ، وإخباره عنها. وقد بقي بعضها الى زمان العلامة الخ » (1). ونقول : 

أما دعوى وجود بعض كتب ابن الغضائري في زمان العلامة فقد سبق (2) الجواب عنها. 

وأما دعوى اطلاع النجاشي عليها فالجواب عنها : 

أولاً : أن النجاشي كان مصاحباً لابن الغضائري وشريكاً في الدراسة بل وتلميذاً ، فلا يكشف نقله عنه في كتاب ( رجاله ) عن اطلاعه على كتبه وإخباره عنها ، لامكان نقله عنه بالسماع أو غيره ، ولذا يقبل منه وإن سقطت كتب ابن الغضائري عن الاعتبار. 

وقد تصفحت ( رجال النجاشي ) وسبرته ، وأحصيت الموارد التي نقل فيها عن احمد بن الغضائري فبلغت ثلاثة وعشرين مورداً ، لم يخبر فيها عن كتبه كما يقول السيد ـ قدست نفسه ـ ، وإنما أخبر عنه بلفظ قال تارة ، ولفظ ذكر أخرى ، على غرار إخباره عن والده الحسين ، وسائر مشايخه الآخرين ، وربما قرنه بهم في النقل ، كما في قوله عند ترجمة احمد بن اسحاق : « قال أبو الحسن علي بن عبد الواحد الخمري ; واحمد بن الحسين ; ». وقوله عند ترجمة سهل بن زياد : « ذكر ذلك احمد بن علي بن نوح ، واحمد بن الحسين رحمهما اللّه » (3). 

__________________

1 ـ رجال السيد بحر العلوم ج 2 ص 49. 

2 ـ أنظر ص 199 ـ 200. 

3 ـ رجال النجاشي ص 66 ـ 132.

 

 نعم هناك مورد واحد نقل فيه النجاشي عن ( تأريخ ابن الغضائري ) (1) لكنه لا يصلح دليلاً لكون النقل في بقية الموارد عن كتبه ، بل يستظهر منه العكس ، وإلا لما كان وجه لتخصيص هذا المورد بالنقل عن الكتاب والظاهر أن النجاشي يلحظ هذه الخصوصية في النقل ، ولذا نقل كثيراً عن شيخه أحمد بن علي بن نوح بلفظ ذكر وقال ، إلا في بعض الموارد فانه قال : « ورأيت بخط أبي العباس أحمد بن علي بن نوح الخ » (2). 

وثانياً : أن نقل النجاشي عن كتب ابن الغضائري على فرضه لا يكشف عن عدم عروض التلف لها بعد موته ، حيث لا مانع من نقله عنها في حياته ، لاصطحابهما واشتراكهما في الدراسة. 

ويشهد باطلاع النجاشي على ما كان لديه من كتب في حياته قوله في ترجمة محمد بن علي بن النعمان : « وله كتاب ( افعل لا تفعل ) رأيته عند احمد بن الحسين بن عبيد اللّه ; ، كتاب كبير حسن الخ » (3) 

وثالثاً : أن نقل النجاشي عن كتب ابن الغضائري لا يثبت لنا الطريق المعتبر اليها ، فما نقله عنها في ( رجاله ) قبلناه ، دون ما ينسبه المتأخرون اليها ، مثل نقل العلامة عن كتاب ( الضعفاء ) المبحوث عنه. 

ثانيهما : أن السيد ابن طاووس الناقل لهذا الكتاب قد صرح بعدم وجود طريق متصل اليه ، فانه قد جمع في كتابه ( حل الاشكال ) الأصول الرجالية الخمسة المذكورة في صدر البحث ، ومنها ( رجال ابن الغضائري ) لكنه لم يدرج كتاب ( الاختيار ) من كتاب أبي عمرو الكشي في كتابه إلا بعد أن حرره وهذب أخباره متناً وسنداً ووزعها في طي الكتاب على تراجم الرجال. 

____________

1 ـ رجال النجاشي ص 56. 

2 ـ رجال النجاشي ص 81. 

3 ـ رجال النجاشي ص 228. 

 

ولما ظفر الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني بهذا الكتاب لابن طاووس ورآه مشرفاً على التلف انتزع منه ما حرره ابن طاووس ، ووزعه في كتابه من خصوص كتاب ( الاختيار ) وسماه ( التحرير الطاووسي ) ولا يزال مخطوطاً (1) ، وأثبت في أوله بعض ما ذكره ابن طاووس في أول كتابه عند ذكره الكتب الخمسة التي جمعها فقال : « من كتب خمسة ... ولي بالجميع روايات متصلة عدا كتاب ابن الغضائري » (2). 

وعليه فلا يثبت اعتبار هذا الكتاب بنقل ابن طاووس له بعد أن اعترف بعدم الطريق اليه. ولذا صرح شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (3) بأن إدراج السيد ابن طاووس كتاب ابن الغضائري في كتابه ( حل الاشكال ) لم يكن « لأجل اعتباره عنده ... فتبرأ من عهدته بصحة النسبة اليه ، ولم يكتف بذلك أيضاً بل أسّس في أول الكتاب ضابطة كلية تفيد وهن التضعيفات التي وردت في هذا الكتاب ، حتى لو فرض أنه كان معلوم النسبة الى مؤلفه الخ ». 

وقد جرى الشيخ عناية اللّه القهبائي على منوال ابن طاووس فجمع تلك الأصول الرجالية الخمسة في كتابه ( مجمع الرجال ) ، لكنه اعتمد في إثبات ( رجال ابن الغضائري ) على كتاب ابن طاووس السابق بتوسط أستاذه الشيخ عبد اللّه التستري ، فانه الذي استخرجه من كتاب ابن طاووس. 

وذكر الشيخ القهبائي في صدر كتابه خطب الأصول الرجالية ، ولم 

__________________

1 ـ نقل شيخنا في ( الذريعة ) أنه رأى نسختين من ( التحرير ) إحداهما عند السيد محمد علي السبزواري في الكاظمية ، والاخرى في الخزانة الرضوية. وأخبرني شفاهاً أنه رأى نسخة في الكاظمية في مكتبة المرحوم آية اللّه السيد حسن الصدر الكاظمي. 

2 ـ الذريعة ج 3 ص 385 ـ 386. 

3 ـ أنظر ج 4 ص 288.

 

يكن لابن الغضائري خطبة لكتابه ، وإنما نقل ما ذكره الشيخ التستري في مقدمته قائلاً : « وقال شيخنا ... التستري ... في عنوان كتاب الشيخ احمد بن الحسين ... الموضوع لذكر الرجال المذمومين : إعلم ـ أيدك اللّه وإيانا ـ إني لما وقفت على كتاب السيد المعظم السيد جمال الدين أحمد بن طاووس في الرجال ، فرأيته مشتملاً على نقل ما في كتب السلف ، وقد كنت رزقت بحمد اللّه تعالى النافع من تلك الكتب إلا كتاب ابن الغضائري ، فإني كنت ما سمعت له وجوداً في زماننا هذا ، وكان كتاب السيد هذا بخطه الشريف مشتملاً عليه ، فحداني التبرك به مع ظن الانتفاع بكتاب ابن الغضائري أن أجعله منفرداً عنه الخ » (1). 

وهذا صريح في أنه لم يكن للشيخ القهبائي ولا لشيخه التستري طريق إلى كتاب ابن الغضائري ، كما لا طريق لابن طاووس إليه. بل صرح التستري بأنه لم يسمع لهذا الكتاب وجوداً في زمانه فضلاً عن أن يراه ، وإنما نقله عن ابن طاووس تبركاً بخطه ، وأخذه عنه تلميذه القهباني. 

إذن فينحصر الاستدلال على اعتبار ( رجال ابن الغضائري ) بنقل العلامة عنه في ( خلاصته ) وابن داود في ( رجاله ) قائلاً في مقدمته : « فصنفت هذا المختصر لنخب كتاب الرجال للشيخ أبي جعفر ; ، والفهرست له ، وما حققه الكشي والنجاشي ، وما صنفه البرقي والغضائري ، وغيرهم ». ونحتمل أن يكون لهذين العلمين طريق حسي معتبر الى ذلك الكتاب ، وهو كاف في اعتباره ، إلا أن الذي يوهن هذا الاحتمال أمور. 

الأول أن العلامة وابن داود قد صحبا السيد ابن طاووس ، وتتلمذا له ، واعتمدا عليه في تنقيح تنويع الحديث وتجديده ، وهذا مما يوجب قوة الظن باعتمادهما عليه في شأن هذا الكتاب ، لا أن لهما طريقاً معتبراً اليه 

____________

1 ـ مجمع الرجال ج 1 ص 10 ـ 11.

 

 قد اختصا به دون استاذهما ، أستاذ الفن ، كما اعتمد عليه الشيخ التستري في نقله. بل قال ابن داود في كتاب ( رجاله ) (1) عند ذكر استاذه ابن طاووس « ... ربّاني وعلمني وأحسن إليّ ، وأكثر فوائد هذا الكتاب من إشاراته وتحقيقاته ، جزاه اللّه عني أفضل جزاء المحسنين الخ ». 

الثاني أن الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني نقل في كتابه ( التحرير الطاووسي ) تصريح ابن طاووس بعدم وجود طريق الى كتاب ابن الغضائري ولم يعقبه بشيء ولم يذكر له طريقاً اليه ، فلو كان للعلامة وابن داود طريق لما خفي على مثل هذا الشيخ المتأخر عنهما ، والمتضلع في الأحاديث وأسنادها وأحوال رجالها ، كما يشهد له كتابه ( منتقى الجمان ). 

الثالث أن ابن داود ذكر في مقدمة ( رجاله ) طريقه الى الشيخ الطوسي والنجاشي والكشي ، كما ذكر طريقه الى الصدوق والمفيد وسلار والسيد المرتضى وأبي الصلاح ، وكلها تبتدئ باستاذه المحقق الحلي ، ولم يذكر له طريقاً الى ابن الغضائري ، وهذا الاهمال في قوة التصريح بعدمه ولو كان للعلامة طريق لما خفي عليه عادة ، لأنهما عاشا في بلد واحد مصطحبين ، وتلميذين لابن طاووس ، والمحقق الحلي. 

فيكون نقلهما عن ( رجال ابن الغضائري ) اعتماداً على شيخهما ابن طاووس ، واجتهاداً منهما في صحة نسبته اليه ، كما اعتمد جماعة على ( كتاب الفقه ) المنسوب الى الإمام الرضا (ع) حين وثقوا بصحة تلك النسبة وإن لم يكن لهم طريق متصل يثبت ذلك ، ولم يعتمد عليه آخرون لعدم وثوقهم بصحتها. 

وحيث لم يثبت صحة نسبة هذا الكتاب الى ابن الغضائري فلا يصح الاعتماد على ما ورد فيه. بالاضافة لما سبق من جرحه لأعاظم الثقات مستنداً 

____________

1 ـ أنظر ص 46.

 

 الى أمور لا تصلح للجرح. 

ومن هنا يحتمل وضع هذا الكتاب من بعض الكذابين منسوباً الى ابن الغضائري لغرض جرح ثقات رواتنا ، وإسقاط أحاديثهم عن الاعتبار ، فرآه ابن طاووس وأدرجه في كتابه ، ونبّه على عدم الطريق اليه ليخرج من عهدته ، وتبعه تلميذاه فيه. 

وليس هذا بغريب بعدما أكثر الوضّاعون من وضع الأحاديث ونسبتها الى النبي (ص) وأهل بيته ، كما سبق (1). 

ولذا قال شيخنا الطهراني في ( الذريعة ) (2) : « ... إن نسبة ( كتاب الضعفاء ) هذا اليه ( أي ابن الغضائري ) مما لم نجد له أصلاً حتى أن ناشره قد تبرأ من عهدته بصحته ، فيحق لنا أن ننزه ساحة ابن الغضائري عن الاقدام في تأليف هذا الكتاب والاقتحام في هتك هؤلاء المشاهير بالعفاف والتقوى والصلاح الخ ». وقال : « ... فالظاهر أن المؤلف لهذا الكتاب كان من المعاندين لكبراء الشيعة ، وكان يريد الوقيعة بهم بكل حيلة ووجه ، فألف هذا الكتاب ، وأدرج فيه بعض مقالات ابن الغضائري تمويهاً ليقبل عنه جميع ما أراد إثباته من الوقائع الخ ». 

وعلى فرض عدم كونه موضوعاً يقوى احتمال مّد يد أثيمة اليه حرفت فيه ودست تضعيف أولئك الثقات في الفترة التي فقد فيها الكتاب أي منذ وفاة ابن الغضائري حتى عصر ابن طاووس. وليس هذا بعيداً بعدما كان المغيرة بن سعيد يدس في الكتب من الأحاديث ما يريد. 

« يحرّفون الكلم عن مواضعه » (3) « ليطفئوا نور اللّه بأفواههم واللّه متم نوره ولو كره الكافرون » (4). 

____________

1 ـ أنظر ص 135 ، وما بعدها. 

2 ـ أنظر ج 4 ص 290 ، وج 10 ص 89. 

3 ـ النساء / 45. 

4 ـ الصف / 8. 

 

 

ـ 6 ـ 

الأحاديثُ المُضمَرَة

ـ 7 ـ 

الأحاديثُ المَوقَوفة

 

الاضمار في اللغة الاخفاء ، فيقال : أضمر الضمير في نفسه. إذا أخفاه وأضمرت الأرض الرجل. إذا غيّبته (1). ولذا سمي الضمير من الأسماء ضميراً لخفائه ، مقابل الاسم الظاهر. 

فالأحاديث المضمرة هي التي أضمر فيها المسؤول وأخفي فعبّر عنه ، إما بالضمير البارز مثل صحيح زرارة « قلت له : الرجل ينام وهو على وضوء الخ « (2) ، وحديث سماعة « سألته عن الرجل به الجرح والقرح الخ » (3). وإما بالضمير المستتر مثل حديث سماعة قال : « قال إذا سها الرجل في الركعتين الأوّلتين الخ » (4). ولأجله سميت بالمضمرة. وهي مجموعة كبيرة من الأحاديث أثبتها مشايخنا الأقدمون في مجاميعهم ، وليست كالموقوفة أحاديث معدودة. 

والوقف في اللغة السكون ، فيقال : وقف القارئ على الكلمة. إذا نطق بها مسكّنة الآخر قاطعاً لها عما بعدها (5). فتكون الكلمة موقوفاً عليها. 

فالأحاديث الموقوفة هي المروية عن مصاحب المعصوم (ع) مع الوقوف عليه وعدم وصل السند الى المعصوم (ع) ، ولذا سمي الراوي موقوفاً عليه ، كما سمي حديثه موقوفاً. 

وذكر الشهيد الثاني : أن الموقوف قسمان مطلق ومقيد ، فالمطلق ما ذكرناه ، والمقيد ما لو كان الموقوف عليه غير مصاحب للمعصوم (ع) 

__________________

1 ـ أقرب الموارد ، مادة ضمر. 

2 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 1 ـ نواقض الوضوء. 

3 ـ الوسائل ح 2 ب‍‌ 22 ـ النجاسات. 

4 ـ الوسائل ح 17 ب‍‌ 1 ـ الخلل في الصلاة. 

5 ـ أقرب الموارد ، مادة وقف.

 

 فان كان من التابعين سمي حديثه مقطوعاً أيضاً (1). 

ويخص بحثنا الموقوف المطلق ، لأنه الذي يمكن صدور الحكم فيه عن المعصوم (ع) بلا واسطة بينه وبين الراوي الموقوف عليه مثل حديث أبي بصير « لا تعاد الصلاة من دم لم يبصره إلا دم الحيض » (2). وحديث عمر بن أذينة الوارد في المرأة تموت وولدها في بطنها يتحرك ، قال : « يخرج الولد ويخاط بطنها » (3). وصحيح زرارة ، قال : « إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر الخ » (4). 

فالفرق بين الموقوف والمضمر ، أن الحكم في الموقوف يقف عند الراوي ، فلا يتعداه ، حيث لم يسنده الى غيره لا بالتصريح ولا بالاضمار فنحتمل أنه رأي رآه بمقتضى اجتهاده ، كما نحتمل أنه نقله عن المعصوم (ع) أو غيره من الفقهاء. أما الحكم في المضمر فلا نحتمل استناده إلى رأي الراوي حيث صرح فيه باسناده الى غيره ، وإن لم نعلم أن ذلك الغير هو المعصوم 7. فالاشكال في المضمر أهون منه في الموقوف. 

____________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 45 ـ 47. 

2 ـ نقل هذا الحديث الشيخ يوسف البحراني موقوفاً على أبي بصير عن موضع من كتاب ( التهذيب ) ولذا ناقش فيه جماعة ، لكن نقله عن موضع آخر منه وعن ( الكافي ) مسنداً ( الحدائق ج 5 ص 325 ـ 326 ). وكذا الشيخ محمد بن الحسن الحر نقله مسنداً عن الكليني والشيخ الطوسي معاً باختلاف يسير في ألفاظه ( الوسائل ج 1 ب‍‌ 21 ـ النجاسات ). 

3 ـ الوسائل ج 7 ب‍‌ 45 ـ الاحتضار. 

4 ـ نقله الشيخ محمد بن الحسن الحر عن الكليني موقوفاً على زرارة ونقله عن الشيخ الطوسي مسنداً عن أحد الباقرين (ع) ، كما نقله عن ابن ادريس مسنداً عن الامام الباقر (ع). ( الوسائل ج 1 ب‍‌ 42 ـ الجنابة ). 

 

وحيث لا تثبت حجية الحديث إلا بعد إحراز صدور ما حكاه عن المعصوم (ع) ولو تعبداً لوثاقة الراوي فلا بد من النظر في هذين القسمين من الأحاديث في مبحثين.

 الأحاديث المضمرة 

أحدهما في الأحاديث المضمرة. قد اختلف الفقهاء فيها على أقوال ثلاثة. 

الأول : عدم حجيتها مطلقاً ، أي سواء كان الراوي المضمر من وجوه الراواة وفقهائهم كزرارة ، أو من غيرهم من الثقات ، لاحتمال عود الضمير فيها الى غير المعصوم (ع) ، وهو يكفي في عدم الحجية. 

نسب الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني هذا القول الى جمع من الأصحاب (1) واختاره الشهيدان حيث خدش الأول منهما في مضمر محمد بن مسلم « سألته عن الرجل لا يدري صلى ركعتين أم أربعاً. قال : يعيد الصلاة » (2). بأنه مجهول المسؤل. وعقّبه الثاني بقوله : « فيحتمل كونه غير إمام » (3) مع أن محمد بن مسلم من فقهاء الرواة. كما اختاره الشيخ محمد حسن في ( جواهره ) (4) ، حيث خدش في صحيح محمد بن اسماعيل بن بزيع « سأله رجل عن رجل مات وترك أخوين الخ » (5) بأنه مضمر في 

__________________

1 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 35. 

2 ـ الوسائل ح 7 ب‍‌ 11 ـ الخلل في الصلاة. 

3 ـ شرح اللمعة ج 1 ص 141. 

4 ـ الجواهر ـ كتاب النكاح ـ ولاية الوصي. 

5 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 8 ـ أولياء العقد. 

 

( الكافي ، والتهذيب ) فلا يصلح للمعارضة. 

الثاني : حجيتها مطلقاً : اختاره الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني في كتاب ( المعالم ) عند البحث عن حسنة محمد بن مسلم « قلت له الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة » (1) ، حيث أورد عليها العلامة في ( المختلف ) : بأن الراوي لم يسند الحكم فيها الى الامام (ع) وإن كانت عدالته تقتضي الإخبار عنه. فأجابه في ( المعالم ) : بأن « ... الممارسة تنبه على أن المقتضي لنحو هذا الاضمار في الأخبار ارتباط بعضها ببعض في كتب روايتها عن الأئمة : ، فكان يتفق وقوع أخبار متعددة في أحكام مختلفة مروية عن إمام واحد ، ولا فصل بينها يوجب إعادة ذكر الامام 7 بالاسم الظاهر ، فيقتصرون على الاشارة اليه بالمضمر. ثم أنه لمّا عرض لتلك الأخبار الاقتطاع والتحويل الى كتاب آخر تطرق هذا اللبس ، ومنشأه غفلة المقتطع لها ، وإلا فقد كان المناسب رعاية حال المتأخرين ، لأنهم لا عهد لهم بما في الأصول الخ ». 

وتبعه الشيخ يوسف البحراني ، حيث صّدر كلامه هذا بقوله : « وللّه در المحقق الشيخ حسن في ( المعالم ) حيث رد ذلك فقال الخ » (2). 

وتبعهما الشيخ المامقاني ، فانه بعد أن خدش في حجية المضمر صريحاً « لاحتمال أن لايكون المراد بالضمير هو المعصوم (ع) » قال بحجية مضمرات مطلق الموثقين من أصحابنا مستدلاً عليه بقوله : « لأن ظاهر حال أصحاب الأئمة (ع) أنهم لا يسألون إلا منهم ، ولا ينقلون حكماً شرعياً يعمل به العباد إلا عنهم الخ » (3). 

لكن ظاهر كلام الشيخ حسن في ( منتقى الجمان ) (4) ينافي الحجية 

__________________

1 ـ الوسائل ح 6 ب‍‌ 20 ـ النجاسات. 

2 ـ الحدائق ج 5 ص 311 ـ 312. 

3 ـ مقباس الهداية ص 47. 

4 ـ أنظر ج 1 ص 35. 

 

المطلقة ، حيث قال : « يتفق في بعض الأحاديث عدم التصريح باسم الامام الذي يروى عنه الحديث ، بل يشار اليه بالضمير ، وظن جمع من الأصحاب أن مثله قطع ينافي الصحة ، وليس ذلك على إطلاقه بصحيح ، إذ القرائن في أكثر تلك المواضع تشهد بعود الضمير الى المعصوم (ع) بنحو من التوجيه الذي ذكرناه الخ ». فاعترف بمنافاة الاضمار للصحة في بعض المواضع. 

الثالث : التفصيل بين كون الراوي المضمر من أجلّة الرواة وفقهائهم فيقبل مضمره ، وبين غيره فلا يقبل. نسبه الشيخ المامقاني الى بعض المحققين (1) ، ونسبه في ( تعليقة الروضة ) الى الأكثر قائلاً : « فان كان الراوي فيها من الأجلة والاعيان مثل زرارة ومحمد بن مسلم فالأظهر عند الأكثر حجيتها ، لأن الظاهر أن مثلهما لا يسأل إلا من المعصوم (ع) ، وإلا فلا الخ » (2). 

وهو ظاهر كلام المحقق الخراساني ، حيث قال عند البحث عن صحيح زرارة في مبحث الاستصحاب : « وهذه الرواية وإن كانت مضمرة إلا أن إضمارها لا يضر باعتبارها ، حيث كان مضمرها مثل زرارة ، وهو ممن لا يكاد يستفتي من غير الامام 7 » (3). وهو الحق. 

__________________

1 ـ مقباس الهداية ص 47. 

2 ـ شرح اللمعة ج 1 ص 141 ـ التعليقة. 

3 ـ كفاية الأصول ج 2 ص 400. 

 

تحقيق البحث 

فهنا دعويان : إحداهما حجية مضمرات أجلة الرواة وفقهائهم. الثانية عدم حجية مضمرات غيرهم. 

أما الأولى فان الراوي لمّا أسند الحكم في حديثه الى غيره بالضمير لم نحتمل فيه استناده الى رأيه وإن قلنا بصحة اجتهاد أولئك الفقهاء في عصر المعصوم (ع) ، فيدور الأمر بين استناده الى المعصوم (ع) بعود الضمير اليه ، وبين استناده الى غيره من أهل الرأي والفتوى. وحيث فرضنا الراوي من الأجلة الذين لا نحتمل فيهم أن يستفتوا غير المعصوم (ع) عن أحكام الدين تعين صدور الحكم عن المعصوم (ع) فكان حجة. 

فزرارة ومحمد بن مسلم ويونس بن عبد الرحمان ونظائرهم من فقهاء رواة حديث أهل البيت (ع) كانوا مرجع الشيعة في الحكم والفتوى. وقد نوّه الأئمة (ع) بفضلهم ، وأرجعوا الشيعة اليهم ، ورغبوا في أن يفتوا بينهم. فيحصل الوثوق بأنهم لا يستقون الحكم من غير المعصوم (ع). 

بل كانوا مرجع غير الشيعة من المسلمين عندما يرتج عليهم باب الحكم فلا يهتدون اليه إلا بمصباح أولئك الفقهاء الذي استمد نوره من أهل بيت الوحي (ع). ولذ لمّا اختصم رجلان الى ابن أبي ليلى في جارية اشتراها أحدهما من الآخر فلم يجد على رَكبَها شعراً فقال : « أيها القاضي إن كان عيباً فاقض لي به ... فأتى محمد بن مسلم الثقفي فقال له أي شيء تروون عن أبي جعفر (ع) في المرأة لا يكون على ركبها شعر أيكون ذلك عيباً؟. فقال له محمد بن مسلم : أما هذا نصاً فلا أعرفه ، ولكن حدثني أبو جعفر عن أبيه عن آبائه (ع) عن النبي (ص) أنه قال : كل 

 

ما كان في أصل الخلقُ فزاد أو نقص فهو عيب. فقال له ابن أبي ليلى : حسبك. ثم رجع الى القوم فقضى لهم بالعيب » (1). 

وكانوا يناظرون فقهاء العامة وينقضون بعض فتاواهم. فروى عمر بن أذينة قضاء ابن أبي ليلى في واقعة. وقول محمد بن مسلم الثقفي له : « أما إن علي بن أبي طالب (ع) قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت فقال : وما علمك بذلك. قال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي (ع) يقول : قضى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) برد الحبيس ، وإنفاذ المواريث. فقال ابن أبي ليلي : هذا عندك في كتاب. قال : نعم. قال : فأرسل وأئتني به. قال له محمد بن مسلم : على أن لا تنظر في الكتاب إلا في ذلك الحديث. قال : لك ذاك. قال : فأراه الحديث عن أبي جعفر (ع) في الكتاب ، فرد قضيته » (2). 

ولذا قال الشهيد الثاني عند ترجيح كون الراوي عبد الرحمان بن سيابة في رواية تردد راويها بينه وبين عبد اللّه بن سنان : « ويؤيده كونه سأل ابن أبي ليلى في ذلك ، ومن المستبعد جداً أن عبد اللّه بن سنان الفقيه الجليل الامامي سأل ابن أبي ليلى في ذلك ، بل الموجود في الأخبار أن ابن أبي ليلى كان يسأله ويسأل أصحابه مثل محمد بن مسلم وغيره عن كثير من المسائل » (3). وقال الشيخ يوسف البحراني عند ذكر مضمر رواه زرارة والفضيل بن يسار : « ... وإن كان إضمار مثل هذين العمدتين غير ضائر ، لأنه من المعلوم أنهما وأمثالهما لا يعتمدون على غير الامام 7 » (4). 

__________________

1 ـ الكافي ج 5 ص 215 ـ 216. 

2 ـ الكافي ج 7 ص 34 ـ 35. 

3 ـ المسالك ج 1 ـ كتاب الوصايا ـ مبحث الوصية المبهمة. 

4 ـ الحدائق ج 4 ص 226.

 

 بل إن فقاهة أولئك الرواة ، ومعرفتهم بمزايا الأحكام وفن الحديث تمنع من نقلهم كلام غير المعصوم (ع) بأسلوبهم الذي ينقلون به الأحاديث عن المعصومين (ع) حذراً من عروض الالتباس ولو بعد حين. وسبب الاضمار أحد أمور. 

الأول : وجود القرينة المعيّنة للامام (ع) الذي صدر عنه الحكم عند نقل الراوي ، فاتكل عليها في معرفة مرجع الضمير ، حالية كانت أو مقالية. 

الثاني : التقية فلم يجرأ الراوي على التصريح بالامام (ع) خوفاً من ولاة الجور وأذنايهم ، حتى أن الرجل في بعض تلك العصور إذا حدّث عن الامام علي (ع) قال : « عن أبي زينب ». كما سبق (1). 

الثالث : تقطيع الأحاديث عند نقلها عن الأصول وتبويبها في المجاميع الواصلة الينا ، كما أشار اليه الشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، فان فقهاء الرواة كانوا يسألون الامام (ع) عن عدة فروع في مجلس واحد أو أكثر ثم يحررون الجميع في أصولهم ، وينقلونه الى غيرهم ، فيصرحون في صدر الكلام بالامام المسؤول ويعطفون عليه مضمرين ، كما في أسئلة علي بن جعفر عن أخيه موسى (ع). ولما بوّب مشايخنا الأحاديث قطّعوها ، وذكروا كل قطعة في بابها فعرض الاضمار. 

وأما الدعوى الثانية ، وهي عدم حجية مضمرات باقي الرواة فمن أجل توقف الحجية على إحراز استناد الحكم الى المعصوم (ع) ولو تعبداً بنقل الثقة عنه ، وهذا لم يثبت هنا ، إذ كما يحتمل استناده اليه (ع) يحتمل استناده الى بعض فقهاء الامامية الذين أمرهم الامام (ع) بالافتاء بين الناس ، لتعذر الوصول اليه غالباً ، وأمر الشيعة بالرجوع اليهم وأخذ الحكم منهم ، ولذا نقل عنهم 

____________

1 ـ أنظر ص 131 ، وما بعدها.

 

 كثير من التفاوى في كتب الفقه. كما يحتمل استناده الى بعض فقهاء العامة حيث كانوا قضاة حكّام الدولتين الأموية والعباسية ، فيرجع بعض الشيعة اليهم في الحكم أحياناً لاضطرار أو جهل ، واليك بعض الشواهد على ذلك. 

فروى عبد الرحمان بن سيابة فقال : « إن امرأة أوصت اليَّ ، وقالت : ثلثي يقضى به ديني وجزء منه لفلانة. فسألت عن ذلك ابن أبي ليلى ، فقال : ما أرى لها شيئاً ، ما أدري ما الجزء؟. فسألت بعد ذلك أبا عبد اللّه (ع) عنه ... فقال (ع) : كذب ابن أبي ليلى : لها عشر الثلث ، إن اللّه عز وجل أمر ابراهيم (ع) فقال : اجعل على كل جبل منهن جزءاً (1). وكانت الجبال يومئذٍ عشرة ، فالجزء هو العشر من الشيء » (2). 

وروى أبو ولاد الحنّاط قائلاً : « اكتريت بغلاً الى قصر ابن هبيرة ... فتوجهت نحو النيل ... فأخبرت صاحب البغل بعذري ، وأردت أن أتحلل منه ... فتراضينا بأبي حنيفة ، فأخبرته بالقصة وأخبره الرجل ... فقال ما أرى لك حقاً ... فخرجنا من عنده ، وجعل صاحب البغل يسترجع ، فرحمته مما أفتى به أبو حنيفة فأعطيته شيئاً الخ » (3). 

وروى خالد بن بكير الطويل فقال : « دعاني أبي حين حضرته الوفاة فقال : يا بني اقبض مال إخوتك الصغار واعمل به ... فقدمتني أم ولد أبي بعد وفاة أبي الى ابن أبي ليلى ... فاقتصصت عليه ما أمرني به أبي فقلال لي ابن أبي ليلى : إن كان أبوك الخ » (4). 

____________

1 ـ البقرة / 260. 

2 ـ الوسائل ح 2 ب‍‌ 54 ـ الوصايا. 

3 ـ الكافي ج 5 ص 290 ـ التهذيب ج 7 ص 215. 

4 ـ الوسائل ح 2 ب‍‌ 92 ـ الوصايا. 

 

وروى ابراهيم بن هاشم مرفوعاً فقال : « سألت امرأة أبا عبد اللّه (ع) فقالت : إني كنت أقعد في نفاسي عشرين يوماً حتى أفتوني بثمانية عشر يوماً. فقال أبو عبد اللّه (ع) : ولمَ أفتوك بثمانية عشر يوماً. فقال رجل : للحديث الذي روي عن رسول اللّه (ص) أنه قال لأسماء بنت عميس حيث نفست بمحمد بن أبي بكر الخ » (1). 

فان الظاهر أن المفتين فقهاء العامة مستندين الى ما رووه عن النبي (ص) في قصة أسماء. وعلى فرض أن المفتين غيرهم فهم غير الامام (ع) جزماً. 

وروى خلف بن حماد فقال : « تزوج بعض أصحابنا جارية معصراً لم تطمث (2) فلما افتضها سال الدم فمكث سائلاً لا ينقطع نحواً من عشرة أيام ... فسألوا عن ذلك فقهاءهم كأبي حنيفة وغيره من فقهائهم فقالوا : هذا شيء قد أشكل الخ » (3). 

ولا يدل قوله « فسألوا عن ذلك فقهاءهم » على أن السائلين كانوا من العامة ، إذ لا مانع من إضافة الفقهاء الى العامة لا إلى السائلين قبال فقهائنا وقد تعارف هذا التعبير. وعلى فرض كون السائلين منهم فالزوج من الشيعة. 

وبعد هذا كيف يثق الفقيه باستناد الحكم في الحديث المضمر الى المعصوم (ع). وتقطيع الأحاديث عند تبويبها لا يثبت ذلك ، وإنما يذكر علة للاضمار بعد إحراز استناده اليه (ع) من طريق آخر مثل كون الراوي من الفقهاء الذين لا نحتمل فيهم أن يسألوا غير المعصوم (ع). 

__________________

1 ـ الوسائل ح 7 ب‍‌ 3 ـ النفاس. 

2 ـ الجارية المعصر زنة مكرم التي أول ما أدركت وحاضت ، أو أشرفت على الحيض ولم تحض. والطمث الدم ، وطمثت المرأة تطمث بالضم حاضت. ( أنظر مجمع البحرين ، مادتي عصر ، وطمث ). 

3 ـ الكافي ج 3 ص 92. 

 

وعليه فلا يتم استدلال الشيخ حسن في ( المعالم ) بعروض التقطيع على حجية جميع الأحاديث المضمرة. وأما قوله : « لا يليق بمن له أدنى مسكة أن يحدّث بحديث في حكم شرعي ، ويسنده إلى شخص مجهول بضمير ظاهر في الاشارة الى معلوم ». فانما يتم فيما لو أسند الراوي الحكم إلى شخص مجهول حال نقله. لكنه لم يثبت ، فإن الراوي أسنده الى معلوم إما صريحاً أو بالقرائن وقد خفي علينا فتردد بين الامام (ع) وغيره ، فاذا انتفى احتمال الغير لكون الراوي من الفقهاء والأعيان كان حجة وإلا فلا. فلم يحصل الترديد في الحكم الوارد في المضمر بين إسناده الى الامام (ع) ، أو الى شخص مجهول ليتم ما ذكره ، بل يحتمل إسناده الى غير الامام (ع) وهو معلوم حال التكلم ، وإنما خفي علينا. وكما يكون التقطيع علة للاضمار فيما لو كان المسؤول هو الامام (ع) يمكن عروض ما يوجب الاضمار لو كان المسؤول غيره. 

على أنه قد يكون هناك دواعي لإخفاء المسؤول من قِبل الراوي نفسه ، كما في التقية لو كان المسؤول هو الامام (ع) ، فالشخص الذي أسند اليه الحكم وإن كان مجهولاً للمخاطب لكنه معلوم للمتكلم. 

وعليه فلم يقم دليل يثبت حجية الأحاديث المضمرة مطلقاً. وذكر المشايخ لها في مجاميعهم لا يثبت إلا اجتهادهم في صدور أحكامها عن المعصوم (ع) وهو لا يكفي في إثبات صدورها عنه (ع).

 

الأحاديث الموقوفة 

المبحث الثاني في الأحاديث الموقوفة. وقد اختلف فيها الفقهاء على أقوال ثلاثة كالمضمرة. 

الأول : عدم حجيتها مطلقاً وإن صح السند ، لأن مرجع الحكم فيها الى قول الراوي الذي وقف عليه ، وقوله ليس بحجة (1). وهذا رأي أكثر الفقهاء ، ولذا خدش المحقق في ( المعتبر ) في رواية ابن أذينة السابقة : بأنها موقوفة فلا تكون حجة. واستحسن ذلك السيد محمد في ( مدارك الحكام ) (2). كما خدش بذلك جماعة في رواية أبي بصير السابقة. منهم المحقق في ( المعتبر ) ، والشيخ حسن ابن الشهيد الثاني ، والسيد محمد في ( المدارك ). وأقرّهم الشيخ يوسف البحراني على ذلك وإن صرح برواية الشيخ الطوسي لها موقوفة في باب ، ومسندة في باب آخر ، كما رواها الكليني مسندة فيصح العمل بها لذلك (3). 

الثاني : حجيتها مطلقاً. نسبه الشهيد الثاني الى القيل وضعّفه (4). 

وعُلّل هذا القول : بأن الخبر الموقوف مع صحة سنده يفيد الظن الموجب للعمل. وأجيب عنه ، أولاً : بمنع إفادته الظن مطلقاً. وثانياً بعدم الدليل على حجية مثل هذا الظن (5). 

الثالث : أنها بحكم المراسيل فيجري عليها حكمها. اختاره بعض الأجلة (6). 

__________________

1 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 46. 

2 ـ الجواهر ج 4 ص 376. 

3 ـ الحدائق ج 5 ص 325 ، وما بعدها. 

4 ـ الدراية للشهيد الثاني ص 46. 

5 و 6 ـ مقباس الهداية ص 47.

 

 تحقيق البحث 

والتحقيق أن الراوي الذي وُقف عليه إن لم يكن من الفقهاء الذين لا نحتمل أن يأخذوا الحكم من غير المعصوم (ع) فلا إشكال في عدم حجية حديثه الموقوف ، حيث يلحق بمضمره ويجري فيه حكمه. وإن كان من أولئك الفقهاء فالاشكال في موقوفه من أجل عدم إسناد الحكم فيه الى غيره ليقال بقيام القرائن على أن ذلك الغير هو المعصوم (ع) ، وعليه فنحتمل أنه رأي رآه وأفتى به بناء على ما هو الحق من ثبوت الاجتهاد والفتوى في عصر المعصوم (ع) من قِبل فقهاء الرواة ، وأنهم كانوا يستنبطون الحكم من الأصول والأدلة العامة الصادرة عن أهل البيت (ع) عند فقد النص الخاص ، ويجتهدون عند الجمع بين الأخبار المتعارضة باجراء قواعد التعارض فيها ، ولذا نقل عنهم كثير من الفتاوى في صف فتاوى الفقهاء في عصر الغيبة. واليك بعضها. 

قال الشهيد الثاني عند البحث عن ميراث المجوس اذا ترافعوا الى حكّام الاسلام : « وقد اختلف الأصحاب فيه فقال يونس بن عبد الرحمان : إنهم يتوارثون بالنسب والسبب الصحيحين دون الفاسدين وتبعه التقي وابن إدريس ... وقال الفضل بن شاذان وجماعة منهم المصنف في هذا ( المختصر والشرح ) : إن المجوس يتوارثون بالنسب الصحيح والفاسد والسبب الصحيح لا الفاسد » (1). ويونس بن عبد الرحمان من أصحاب الامامين الكاظم والرضا (ع) والفضل بن شاذان من أصحاب الامامين الهادي والعسكري (ع). 

____________

1 ـ شرح اللمعة ج 2 ص 322.

 

 وقال الشيخ يوسف البحراني عند البحث عن كراهة الاقعاء في جلوس الصلاة : « بل ادعى الشيخ في ( الخلاف ) عليه الاجماع. ونقل القول بالكراهة المحقق في ( المعتبر ) عن معاوية بن عمار ومحمد بن مسلم من القدماء ». والأول من أصحاب الامامين الصادق والكاظم (ع) ، والثاني من أصحاب الامامين الباقرين (ع). 

وقال عند البحث عن مشروعية القنوت بالفارسية : « اختلف الأصحاب في جواز القنوت بالفارسية فمنعه سعد بن عبد اللّه ، وأجازه محمد بن الحسن الصفار ، واختاره ابن بابويه والشيخ في ( النهاية ) والفاضلان وغيرهم ». وسعد بن عبد اللّه عاصر الامام العسكري (ع) ، ومحمد بن الحسن الصفار صحبه (ع). 

وقال عند البحث عن وجوب تسع تسبيحات في الركعتين الأخيرتين : « ذهب اليه الصدوق بن بابويه وأسنده في ( المعتبر والتذكرة والذكرى ) الى حريز بن عبد اللّه السجستاني من قدماء الأصحاب الخ » (1). وهو من أصحاب الامام الصادق (ع). 

ومن هنا أطلق عنوان الفقهاء على جماعة من أصحاب المعصومين (ع) ورواة حديثهم ، وسمّى الشيخ الكشي ثمانية عشر رجلاً منهم ، وهم أصحاب الاجماع الذين سبق البحث عن أحاديثهم ، فليس كل راوي فقيهاً يمكنه استنباط الحكم والفتوى. 

وحيث احتملنا استناد الحكم الوارد في الحديث الموقوف الى اجتهاد الراوي وفتواه لا تثبت به السنّة التي يجب اتباعها. 

نعم بناء على أن الرواة في عصر المعصومين (ع) لم يستعملوا آراءهم في استنباط الحكم وإنما كانوا متعبّدين بنقل ما سمعوه من أقوال الامام (ع) 

____________

1 ـ الحدائق ج 8 ص 312 ـ 371 ـ 412. 

 

ورأوه من أفعاله فان فقدوا ذلك توقفوا حتى يصل اليهم الحكم عنه (ع) وليس للتفقه والاجتهاد في عصرنا الحاضر عين ولا أثر في تلك العصور ينتفي احتمال استناد الحكم الى رأي الراوي كما انتفى احتمال استناده الى غير المعصوم (ع) ، لكن الراوي من الفقهاء ، فيتعين الاحتمال الثالث وهو نقله عن المعصوم (ع) ، لكنه لا يدرى أن النقل باللفظ أو بالمعنى كما لا يدرى أنه نقل عن المعصوم (ع) بالذات ليكون مسنداً أو بالواسطة ليكون مرسلاً. بل لا بد من الواسطة على فرض النقل عن الامام الذي لم يعاصره الراوي. وحيث لا علم لنا بحال الواسطة يجري حكم المرسل على الحديث الموقوف ويسقط عن الاعتبار. 

وهذا جاري أيضاً في موقوف غير الفقهاء من الرواة ، بعد الغض عن الاشكال السابق في مضمرهم ، ولذا ألحق بعض الفقهاء الأحاديث الموقوفة بالمراسيل مطلقاً. 

نعم يمكن القول بأنه لو كان هناك واسطة بين الراوي والامام (ع) لذكرها ، فاهمالها قرينة عدمها ، كما أن الأصل يقتضي العدم عند الشك فيها ، ويؤيده بعض الأحاديث المروية مقطوعة في باب ، مسندة في باب آخر بلا واسطة. لكن هذا لا يرفع احتمال الواسطة ، فلم يثبت صدور الحكم عن المعصوم (ع) ليجب التعّبد به. 

 

 

ـ 8 ـ

الأَحاديثُ المُعَلّلَة

 

 

معنى العلّة 

تطلق العّلة بالكسر ويراد بها المرض ، وبهذا اللحاظ اعتبر في حجية الخبر سلامته من العلة ، وفسّرت بما يقدح في الخبر من أمور خفيّة ، كالارسال فيما ظاهره الاتصال ، كما سبق (1). وأطلق لفظ ( المعللة ) على الأخبار ذات العلل بهذا المعنى (2). 

كما تطلق العلّة ويراد بها السبب ، ومنه التعليل ، فانه « عند أهل المناظرة تبيين علة الشيء ، ويطلق أيضاً على ما يستدل فيه من العلة على المعلول ، ويسمى برهاناً لميّاً » ، ويقال : تعلل الرجل أبدى الحجة ، وتمسك بها (3). 

وهذا المعنى هو مرادنا ب‍‌ ( الأحاديث المعللة ) في محل البحث ، وهي التي ورد الحكم فيها مصحوباً بعلة تشريعه ، وبيان سببه ، فان المشرّع لمّا كان حكيماً لا يصدر منه العبث والجزاف ، ولا يكلف بما لا داعي اليه وإنما هناك دواعي للتشريع من مصالح ومفاسد تدعو للبعث نحو فعل والزجر عن آخر سواء ثبتت لنفس الجعل والتكليف أو لمتعلقه أي المكلف به ، وتلك الدواعي تسمى بعلل الأحكام وبالأسباب الداعية اليه ، ولا وجه للتفرقة بين العلة والسبب ، كما تسمى بمناطات الأحكام بمعنى أن الشرع قد أناط أحكامه بها أي علّقها عليها ، وبملاكات الأحكام جمع ملاك وهو قوام الأمر. هذا ما يقتضيه الواقع ومقام ثبوت الحكم. 

وأما في مقام إثباته فان أدلة التشريع وردت غالباً مجردة عن ذكر 

__________________

1 ـ انظر ص 25 ـ 26. 

2 ـ منتقى الجمان ج 1 ص 8. 

3 ـ أقرب الموارد ، مادة علل.

 

 علله ودواعيه ، وجاءت أحياناً مقرونة بها. وعليه نبحث أولاً عن الدليل المجرد عن العلة ، وثانياً عن الدليل المقرون بها.

 العلة المستنبطة أو القياس 

أما الأول فيجب الاقتصار على مورده ، فلا يصح التعدي عنه الى الأشباه والنظائر عملاً بالأقيسة والاستحسانات ، فان العقل البشري قاصر عن إدراك ملاكات الأحكام واستنباط عللها. 

وقد استفاضت الأحاديث عن أهل البيت (ع) في المنع عن العمل بالقياس والتنديد بمن يعمل به حتى بلغت على ما قيل خمسمائة حديث. فروي عن الامام الرضا (ع) عن آبائه (ع) : أن النبي (ص) قال : « قال اللّه جل جلاله : ما آمن بي من فسّر برأيه كلامي ، وما عرفني من شبّهني بخلقي ، وما على ديني من استعمل القياس في ديني ». وروي عن الامام الصادق (ع) قال : « إن أصحاب المقاييس طلبوا العلم بالمقاييس فلم تزدهم المقاييس من الحق إلا بُعداً ، وإن دين اللّه لا يصاب بالمقاييس ». وقال (ع) لأبان : « إن السنّة إذا قيست محق (1) الدين ». وقال (ع) لأبي حنيفة : « بلغني أنك تقيس. قال : نعم أنا أقيس. قال (ع) : لا تقس فان أول من قاس إبليس حين قال : خلقتني من نار وخلقته من طين (2) » (3). 

____________

1 ـ قيل : المحق أن يذهب الشيء كله حتى لا يرى منه أثر. وقيل : نقص الشيء قليلاً قليلاً. ( أنظر أقرب الموارد ، مادة محق ). 

2 ـ الأعراف / 12. 

3 ـ أنظر هذه الأحاديث ونظائرها في الوسائل ب‍‌ 6 ـ صفات القاضي ـ كتاب القضاء.

 

 كما وردت أحاديث من طرق أهل السنّة تمنع من القياس والعمل به أخرجها ابن حزم الأندلسي في ( رسالته ). منها ما رواه بسنده عن عوف ابن مالك ، قال : قال رسول اللّه (ص) : « تفترق أمتي على بضع (1) وسبعين فرقة ، أعظمها فتنة على أمتي قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحلّون الحرام ويحرمّون الحلال » (2). 

وقد كثرت مناظرات الامام الصادق (ع) مع أهل الرأي والقياس كأبي حنيفة ، حيث قال له في رواية ابن حزم : « اتقِ اللّه ولاتقس فانا نقف غداً بين يدي اللّه فنقول : قال اللّه وقال رسوله (ص). وتقول أنت وأصحابك سمعنا ورأينا » (3). وفي رواية عمرو بن جميع وعبد اللّه بن شبرمة : « ... يا نعمان حدّثني أبي عن جدي أن رسول اللّه (ص) قال : أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال اللّه تعالى له : اسجد لآدم. فقال : أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين. فمن قاس الدين برأيه قرنه اللّه تعالى يوم القيامة بابليس ، لأنه اتبعه في القياس ». وزاد ابن شبرمة في حديثه « ثم قال جعفر (ع) : أيهما أعظم قتل النفس أو الزنا. قال : قتل النفس. قال (ع) : فان اللّه عز وجل قِبل في قتل النفس شاهدين ، ولم يقبل في الزنا إلا أربعة. ثم قال (ع) : أيهما أعظم الصلاة أم الصوم. قال : الصلاة. قال (ع) : فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ، فكيف ـ ويحك ـ يقوم لك قياسك؟ اتق الله ولا تقس الدين برأيك » (4). 

وإنما أكثر الامام الصادق (ع) مناظرة أبي حنيفة حول القياس وإبطاله 

____________

1 ـ البضع ما بين الثلاث الى التسع. 

2 ـ ملخص إبطال القياس ص 69. 

3 ـ ملخص إبطال القياس ص 71. 

4 ـ حلية الأولياء ج 3 ص 196 ـ 197.

 

 لأنه أول من توسع فيه ، وركّز دعائمه في القرن الثاني للهجرة حتى اشتهر العمل به. وقد أثبت الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتابه ( الوسائل ) (1) عدة أحاديث تضمنت تلك المناظرات يقرب مضمون بعضها من حديث ابن شبرمة السابق ، وجاء في بعضها « يا أبا حنيفة أيما أرجس البول أو الجنابة فقال : البول. فقال (ع) فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول؟ فسكت ». وفي حديث آخر « البول أقذر أم المني؟ فقال : البول أقذر. فقال (ع) : يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول دون المني ، وقد أوجب اللّه تعالى الغسل من المني دون البول الخ ». 

ولذا كان المنع عن استعمال القياس في الأحكام من ضروريات مذهب الشيعة (2). بل نقل السيد المرتضى عن قوم من شيوخنا أنهم قالوا : « إنه مستحيل من طريق العقول العبادة بالقياس في الأحكام » (3). 

لكن المنحرفين عن أهل البيت (ع) حيث لم يستقوا الفقه من منهله العذب الفيّاض ضاقت بهم مدارك الأحكام فاضطروا الى استعمال القياس واليه يشير ما نقل عن أمير المؤمنين (ع) : إن قوماً ثقلت عليهم الأحاديث أن يحفظوها ، وأعوزتهم النصوص أن يعوها فتمسكوا بآرائهم (4). 

وفي ذلك يقول الشيخ محمد رضا المظفر : « والذي يبدو أن المخالفين لآل البيت الذين سلكوا غير طريقهم ولم يعجبهم أن يستقوا من منبع علومهم أعوزهم العلم بأحكام اللّه وما جاء به الرسول (ص) فالتجأوا الى أن يصطنعوا الرأي والاجتهادات الاستحسانية للفتيا والقضاء بين الناس. بل حكّموا الرأي والاجتهاد حتى فيما يخالف النص أو جعلوا ذلك عذراً مبرراً 

____________

1 ـ أنظر ب‍‌ 6 ـ صفات القاضي ـ كتاب القضاء. 

2 ـ معالم الأصول ص 213. 

3 ـ مقدمة كتاب السرائر. 

4 ـ فرائد الأصول ص 157. 

 

لمخالفة النص ، كما في قصة تبرير الخليفة الأول لفعلة خالد بن الوليد في قتل مالك بن نويرة وقد خلا بزوجته ليلة قتله ، فقال عنه : إنه اجتهد فأخطأ وذلك لمّا أراد الخليفة عمر بن الخطاب أن يقاد به ويقام عليه الحد. وكان الرأي والقياس غير واضح المعالم عند من كان يأخذ به من الصحابة والتابعين حتى بدأ البحث فيه لتركيزه وتوسعة الأخذ به في القرن الثاني على يد أبي حنيفة وأصحابه الخ » (1).

تعريف القياس 

وقد اختلفوا في تعريف القياس فقال الشيخ الطوسي : « حد القياس هو إثبات مثل حكم المقيس عليه في المقيس ... وقد أكثر الفقهاء والأصوليون في حد القياس ، وأحسن الألفاظ ما قلناه ». ثم قال : « ... إن القياس محظور استعماله في الشريعة ، لأن العبادة لم تأتِ به ، وهو مما لو كان جائزاً في العقل مفتقر في صحة استعماله في الشرع الى السمع القاطع للعذر الخ « (2). 

وذكر له الشيخ الخضري من أهل السنّة تعاريف خمسة ، وأفاد : أن الثابت عند المقايسة أمران ، أحدهما المساواة بين المقيس والمقيس عليه في الوصف الذي استنبط الفقيه أنه علة الحكم كالمساواة بين الخمر والنبيذ في الاسكار ، ثانيهما ظن المجتهد أن الحكم في الفعلين واحد وهو طلب الاجتناب وهو أثر الأمر الأول ، فأيهما القياس أهو المساواة بينهما في العلة المستبطة أم وحدة الحكم فيهما؟ ، يفهم من بعض التعاريف الأول مثل تعريف ابن 

__________________

1 ـ أصول الفقه للمظفر ج 3 ص 156. 

2 ـ عدة الأصول ص 253 ، وما بعدها.

 

 الهمام له ب‍‌ « مساواة محل لآخر في علة حكم له شرعي لا تدرك بمجرد فهم اللغة » ، ويفهم من البعض الآخر الثاني مثل تعريف البيضاوي له ب‍‌ « إثبات مثل حكم معلوم في معلوم آخر لاشتراكهما في علة الحكم عند المثبت » وبما أن القياس حجة أقامها الشارع لتعرف الأحكام لم يرض المتأخرون بتعريف البيضاوي ونظائره ، بل أخذوا لفظ المساواة فيه ، لأن مساواة المحلين في العلة هي التي تصلح أن تكون معرّفة للحكم ودليلاً. 

فاشترطوا في القياس أن يكون للحكم المعلوم علة يدركها العقل ثم توجد العلة في محل آخر. وقالوا : « لا يشترط أن يكون ثبوتها في الفرع قطعياً ، بل يجوز أن تكون ثابتة بدليل مظنون ». واكتفوا بظن المجتهد أن الحكم في الفعلين واحد (1). 

وتسمى تلك العلة بالمستنبطة قبال العلة المنصوصة في الدليل. والأولى هي التي أنكر الأئمة من أهل البيت (ع) بناء الأحكام عليها وأقاموا الشواهد على بطلانها ، لقصور العقل عن إدراك علل الأحكام فلا يصح بناؤها على تلك التخمينات والمناسبات والظنون التي لم تثبت حجيتها في الشرع بل ثبت عدمها بالأدلة التي سبق الاشارة الى بعضها. « قل ءآللّه أذن لكم أم على اللّه تفترون » (2). 

ولذا لم يكن العمل بالقياس معروفاً في صدر الاسلام ، بل هناك تصريحات للصحابة والتابعين بمنعه ذكرها ابن حزم الأندلسي في ( رسالته ) وقال : « ثم حدث القياس في القرن الثاني فقال به بعضهم وأنكره سائرهم وتبرأوا منه ». وعلّق عليه سعيد الأفغاني بقوله : « ويؤكد ابن حزم قوله هذا في كتابه ( الاحكام ) فيقول : إنه بدعة حدثت في القرن الثاني 

____________

1 ـ أصول الفقه للخضري ص 317 ، وما بعدها. 

2 ـ يونس / 59. 

 

ثم فشا وظهر في القرن الثالث » (1).

الحكم العقلي 

نعم قد يثبت الحكم الشرعي في مورد فيدرك العقل علته التامة في مورد آخر ، بأن يدرك مقتضيه وشرطه وعدم المانع منه ، كما في إدراكه حسن العدل وقبح الظلم ، وهذا معنى حكم العقل ، فيثبت حكم الشرع للملازمة بينهما. 

وليس هذا من القياس والتعدي عن مورد الحكم الى غيره بتوسط الظنون العقلية بل للجزم بوجود علة الحكم التامة في المورد الثاني ، فهو نظير التعدي عن مورد الحكم المنصوص العلة الى مورد آخر أحرزنا العلة فيه. بل يثبت الحكم الشرعي عند إدراك العقل علته التامة إبتداء في مورد وإن لم يكن ثابتاً في مورد آخر ، للملازمة بين الحكمين العقلي والشرعي. 

وقوّى استاذنا المحقق الخوئي أن يكون وجوب حفظ المؤمن من التلف من هذا الباب ، وأفاد في وجه ذلك : أن الدليل النقلي من الكتاب والسنة إنما قام على حرمة قتله وظلمه وإيذائه ، ولم يقم على وجوب حفظه ، لكنه لا يبعد أن يكون وجوبه من المستقلات العقلية ، فان المؤمن محبوب عند اللّه تعالى فلا يرضى بتلفه ، ولا مفسدة تزاحم تلك المصلحة فيحكم العقل بالوجوب ويلزمه حكم شرعي ، فان المشرّع رئيس العقلاء. 

لكن هذا نادر جداً ، فان العقل وإن أدرك المصلحة أحياناً لكنه لا يقوى على إدراك عدم المزاحم لها ، لقصوره عن الاحاطة بجميع الخصوصيات الداعية الى التشريع ما لم ينّبه عليها المشّرع. ولذا قال المحقق النائيني : 

__________________

1 ـ ملخص إبطال القياس ص 5.

 

 « وقد يتحقق المفهوم بالمساواة في غير منصوص العلة فيما إذا أحرز مناط الحكم المذكور في القضية من الخارج يقيناً ، فيحكم بسراية الحكم الى كل مورد تحقق فيه مناط الحكم ، وهذا القسم نادر التحقيق جداً ، إذ الغالب في مناط الحكم أن لا يكون قطعياً ، وإذا لم يكن المناط قطعياً كانت تسرية الحكم من موضوعه الى غيره داخلة في القياس المعلوم عدم حجيته » (1). 

وبهذا ينتهي البحث عن الدليل المجرد عن العلة.

العلة المنصوصة 

وأما الثاني وهو الدليل المقرون بها فقد شاع التمثيل له بقول المشرّع : « الخمر حرام لأنه مسكر ». فبحثوا عن أن التعليل بالاسكار هل يقضي بالتعدي عن مورد الحكم الى كل مسكر وإن لم يكن خمراً أم يقتصر على مورده وهو الخمر ، فلا يكون لمنصوص العلة مزية على غيره؟. 

وهذا البحث وإن كان له أثر مهم بالنسبة للأحكام المعللة لكن لا أثر له فيما ذكروه من المثال لدلالة الأحاديث العديدة على حرمة المسكر بعنوانه مثل صحيح الفضيل بن يسار عن الامام الصادق (ع) أنه قال : « قال رسول اللّه (ص) : كل مسكر حرام. قال : قلت ـ أصلحك اللّه ـ كله. قال (ع) : نعم الجرعة منه حرام » (2). فلا نحتاج في ثبوت حرمة شرب كل مسكر الى التعدي عن الخمر اليه أخذاً بالعلة المنصوص عليها في الدليل. 

على أني لم أجد الجملة التي مّثلوا بها في حديث ، وإنما ورد مضمونها 

____________

1 ـ أجود التقريرات ج 1 ص 499. 

2 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 15 ـ الأشربة المحرمة.

 

 ففي مرسل محمد بن عبد اللّه « قلت لأبي عبد اللّه (ع) : لم حرّم اللّه الخمر؟. فقال (ع) : حرمّها لفعلها وفسادها » (1). كما ورد التصريح بعموم الحكم في عدة روايات. منها المروي عن الامام الكاظم (ع) : « إن اللّه ـ عز وجل ـ لم يحرّم الخمر لاسمها ولكن حرّمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر » (2). 

وقد اختلف الفقهاء في التعدي عن مورد العلة وسريان الحكم الى كل مورد وجدت فيه فاختار العلامة الحلي السريان قائلاً : « الحق عندي أن العلة إذا كانت منصوصة وعلم وجودها في الرفع كان حجة ». واستدل عليه : بأن الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الخفّية ، والشرع كاشف عنها فاذا نص على العلّية عرفنا أنها الباعثة والموجبة لذلك الحكم ، فأين وجدت وجب وجود المعلول. 

واشترط المحقق الحلي في سريان الحكم وجود « شاهد حال يدل على سقوط اعتبار الشرع ما عدا تلك العلة في ثبوت الحكم » وسمّاه برهاناً أي قياساً منطقياً ، حيث يتشكل من جملة « الخمر حرام لأنه مسكر » صغرى وكبرى فيصح أن يشار الى كل مسكر في الخارج ويقال : هذا مسكر وكل مسكر حرام. فينتج حرمته. 

ومنع السيد المرتضى من السريان والتعدي عن مورد العلة (3) ، وتبعه الشيخ الطوسي مصرحاً بأن جوازه متوقف على القول بصحة القياس فقال : « وقد ألحق قوم بهذا الباب إثباته (ع) الحكم في عين وتعليله له بعلة يقتضي 

____________

1 ـ الوسائل ح 3 ب‍‌ 19 ـ الأشربة المحرمة. 

2 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 19 ـ الأشربة المحرمة. 

3 ـ معالم الأصول ص 213. 

 

التعدي الى غيره نحو قوله (ص) في الهّرة : إنها من الطّوافين ( عنكم ) (1) والطوافات. وقالوا : هذا وإن لم يكن أن يدعى فيه العموم فهو في حكمه ... وهذا إنما يمكن أن يعتبره من قال بالقياس ، فأما على مذهبنا في نفي القياس فلا يمكن اعتبار ذلك أصلاً ، على أن فيمن قال بالقياس من منع من ذلك وقال : إن النبي (ص) لو نص على العلة في شيء بعينه لم يجب إلحاق غيره به إلا بعد إثبات التعبد بالقياس ، فأما قبل العبادة فلا يصح ذلك فيه ، ولذلك لو قال (ص) : حرّمت السكر لأنه حلو. لم يجب أن يحكم بتحريم كل حلو إلا بعد العبادة بالقياس الخ » (2). 

وحكم الشيخ يوسف البحراني بعدم جواز التعدي عن مورد العلة « إلا مع الدلالة العرفية في بعض الموارد ، أو بما برجع الى تنقيح المناط القطعي » (3). 

وحكى العلامة : أن المانعين من التعدي استدلوا بأن « قول الشارع : حرمت الخمر لكونها مسكرة. يحتمل أن يكون العلة الاسكار وأن يكون إسكار الخمر ، بحيث يكون قيد الاضافة الى الخمر معتبراً في العلة ، واذا احتمل الأمران لم يجز القياس. 

وأجاب عن ذلك بوجوه ، الأول : المنع من احتمال اعتبار القيد في العلة ، فان تجويز ذلك يستلزم تجويز مثله في العقليات حتى يقال : الحركة إنما اقتضت المتحركية لقيامها بمحل خاص وهو محلها ، فالحركة القائمة بغيره لا تكون علة للمتحركية. الثاني : سلمنا إمكان كون القيد معتبراً 

__________________

1 ـ هكذا ورد في ( العدة ) طبعه طهران التي اعتمدنا عليها في النقل ، لكن الصحيح ( عليكم ) ، كما في ( العدة ) طبعة الهند ص 148 ، ونهاية ابن الأثير ، ومجمع البحرين ، مادة طوف. ومعنى الحديث كما في المجمع أن الهّرة « تطوف عليكم بالليل وتحفظكم من كثير من الآفات ». 

2 ـ عدة الأصول ص 145. 

3 ـ الحدائق ج 1 ص 65.

 

 في الجملة لكن العرف يسقط هذا القيد عن درجة الاعتبار ، فان قول الأب لابنه : لا تأكل هذه الحشيشة لأنها سم. يقتضي منعه من أكل كل حشيشة تكون سماً. الثالث : سلمنا عدم ظهور إلغاء القيد لكن دليلكم إنما يتمشى فيما اذا قال الشارع : حرمت الخمر لكونه مسكراً. أما لو قال : علة حرمة الخمر هي الاسكار. انتفى ذلك الاحتمال. 

ثم ناقش العلامة في هذه الوجوه وجعل النزاع بين الفريقين لفظياً ، فالقائل بالتعدي يستفيد من قول الشارع : حرمت الخمر لكونه مسكراً. التعليل بمطلق الاسكار ، والمانع منه لا يستفيد ذلك بل يحتمله ويحتمل التعليل بالاسكار المختص بالخمر ، وإلا فهما متفقان على أن التعليل بالاسكار المختص بالخمر لا يعم غيره والتعليل بمطلق الاسكار يعم كل مسكر ، فالخلاف بينهم فيا هو المستفاد من ذلك التعليل ونظائره « فيجب أن يجعل البحث في هذا ، لا في أن النص على العلة هل يقتضي ثبوت الحكم في جميع مواردها فان ذلك متفق عليه ». 

وأورد عليه الشيخ حسن بن الشهيد الثاني بأن النزاع بين الفريقين معنوي وأن كلام السيد المرتضى صريح فيه ، حيث استدل على المنع « بأن علل الشرع إنما تنبئ عن الدواعي الى الفعل أو عن وجه المصلحة فيه ، وقد يشترك الشيئان في صفة واحدة ويكون في أحدهما داعية الى فعله دون الآخر مع ثبوتها فيه ، وقد يكون مثل المصلحة فيه مفسدة ، وقد يدعو الشيء الى غيره في حال دون حال الخ ». 

ثم ناقش الشيخ حسن في دليل السيد المرتضى ب‍‌ « أن المتبادر من العلة حيث يشهد الحال بانسلاخ الخصوصية منها تعلق الحكم بها لا بيان الدواعي ووجه المصلحة » ، وقال : « الأظهر عندي ما قاله المحقق » (1). وهو التعدي عن مورد الحكم فيما لو نص الشرع على العلة ، وكان هناك شاهد حال يدل 

____________

1 ـ معالم الأصول ص 214 ، وما بعدها. 

 

على سقوط اعتبار الشرع ما عدا تلك العلة في الحكم. 

ويتحقق هذا بتجرد الكلام المعلل عن كل ما يوجب الاخلال بظهوره في العلّية فيكون الحال شاهداً على عدم اعتبار المتكلم في العلّية خصوصية زائدة على ما ذكره في التعليل. أما لو احتف الكلام بما يصلح لصرف التعليل عن ظهوره في العلّية فلا يصح التعدي عن مورده ، وأطلق على تلك العلة التي اقترن بها الدليل لفظ الحكمة. 

ولذا اصطدمت آراء الفقهاء في كثير من الأحكام المعللة ، فرأى بعضهم كون التعليل ظاهراً في العلية لعدم وجود ما يصرفه عن ذلك ، ورأى آخر عدم ظهوره فيها لخصوصية هناك رآها صارفة عنه فيكون من قبيل الحكمة ، وكأنه لا ضابطة يرجع اليها في تمييز العلة عن الحكمة فيؤل الأمر الى ما يستظهره الفقيه ، كما في سائر استظهاراته من الكلام.

المايز بين العلة والحكمة 

والمايز بينهما وإن كان ثابتاً في الواقع ، حيث يدور الحكم مع العلة وجوداً وعدماً بخلاف الحكمة لكنه خفيّ في مقام الدلالة والاستظهار. وقد رام المحقق النائيني ضبط ذلك بالتفصيل بين ما لو كانت العلة واسطة في عروض الحكم للموضوع فيسري الى كل مورد ثبتت العلة فيه ، كما لو قال المشرّع : « لا تشرب الخمر لأنه مسكر ». وبين ما لو كانت واسطة في ثبوت الحكم للموضوع فيقتصر على مورده ، كما لو قال : « لا تشرب الخمر لاسكاره ». فيكون مقتضى هذه الاضافة الاقتصار على الخمر ، لأن علة تحريمه إسكاره لا مطلق الاسكار ، فقال : « ... إذا كانت علة الحكم منصوصة ونعني به ما كانت العلة المذكورة فيه واسطة في العروض

 

لثبوت الحكم للموضوع المذكور في القضية بأن يكون الموضوع الحقيقي هو العنوان المذكور في التعليل ويكون ثبوته للموضوع المذكور من جهة انطباق ذلك العنوان عليه ، كما في قضية لا تشرب الخمر فانه مسكر فانها ظاهرة في أن موضوع الحرمة فيها إنما هو عنوان المسكر ، وحرمة الخمر إنما هي من جهة انطباق ذلك العنوان عليه فيسري الحكم حينئذ الى كل مسكر فلا تبقى للخمر خصوصية في الحكم المذكور في القضية. وأما إذا كانت العلة المذكورة في القضية واسطة في الثبوت ، ومن قبيل دواعي جعل الحكم على موضوعه من دون أن تكون هي الموضوع في الحقيقة ، كما في قضية لا تشرب الخمر لاسكاره فانها ظاهرة في أن موضوع الحرمة فيها إنما هو نفس الخمر غاية الأمر أن الداعي الى جعل الحرمة عليها إنما هو إسكارها فلا يسري الحكم الى غير الموضوع المذكور في القضية مما يشترك معه في العلة المذكورة فيها ، إذ يحتمل حينئذ أن تكون في خصوص العلة المذكورة في القضية خصوصية داعية الى جعل الحكم على الموضوع المذكور فيها وأن لا تكون هذه الخصوصية موجودة في غيرها مما يشترك معها في الحقيقة والعنوان الخ ». 

وأورد عليه استاذنا المحقق الخوئي ب‍‌ « أن هذا الاحتمال إنما هو على خلاف ما هو المرتكز في أذهان العرف من دوران كل حكم مدار علته ، ومن أن العلة المذكورة في الكلام هي بنفسها علة للحكم مع قطع النظر عن خصوصية قيامها بالموضوع المذكور في القضية ضرورة أنه لا يشك أهل العرف في أن المستفاد من قوله 7 : إن اللّه لم يحرم الخمر لاسمه وإنما حرمه لاسكاره. إنما هي حرمة كل مسكر من دون دخل لقيام الاسكار بالخمر في الحكم بالحرمة أصلاً. هذا مع أنه لو كان احتمال دخل خصوصية المورد مانعاً من انعقاد ظهور الكلام في دوران الحكم مدار علته

 

المذكورة فيه لجرى ذلك فيما إذا كان تعليل النهي عن شرب الخمر بكونه مسكراً ، إذ من المحتمل فيه أيضاً أن يكون في صدق المسكر على خصوص الخمر خصوصية تقتضي حرمته ولا تكون هذه الخصوصية موجودة في غيره ... وعليه فلا وجه لما أفاده شيخنا الاستاذ 1 من التفصيل وجعل العلة المذكورة في الكلام من قبيل الواسطة في العروض في أحد القسمين ، ومن قبيل الواسطة في الثبوت في القسم الآخر » (1). 

وما أفاده استاذنا هو الحق ، فان تعليل الحكم ظاهر في دورانه مع العلة وجوداً وعدماً بلا دخل خصوصية قيامها بالموضوع ، هذا ما يستفيده العرف وأهل اللسان عند التفاهم ، وهم المرجع في شأن ظواهر الألفاظ ومن طريقهم ثبتت حجيتها فلا يعتدون باحتمال إرادة المتكلم خلاف الظاهر من كلامه ، وإنما يؤاخذونه بظاهره فهو الحجة له وعليه ، ولم يتخذ المشرِّع طريقة أخرى عند تفهيم أحكامه بل جرى على ما جروا عليه عند التفاهم. والعرف لا يرى فرقاً بين تعليل حرمة شرب الخمر بأنه مسكر وتعليلها باسكاره ، كما في تعليل الطبيب النهي عن أكل الرمان بأنه حامض وتعليله بحموضته ، حيث يفهم من ذلك أن علة التحريم والنهي هي الاسكار والحموضة في كلا المثالين ويثبت به حكم كلي وهو المنع عن شرب كل مسكر وأكل كل حامض ، ويتألف من ذلك القياس المنطقي. 

ولذا أفتى كثير من الفقهاء بجواز الاتيان ليلة الجمعة بغسل يومها اذا خيف قلة الماء في اليوم أخذاً بعموم التعليل في الحديث المروي عن الامام الكاظم (ع) « ... فقال لنا يوم الخميس : اغتسلا اليوم لغدٍ يوم الجمعة ، فان الماء بها قليل ، فاغتسلنا يوم الخميس ليوم الجمعة » (2). 

__________________

1 ـ أجود التقريرات ج 1 ص 498 ـ 499. 

2 ـ الوسائل ح 2 ب‍‌ 9 ـ الأغسال المسنونة.

 

لكن المحقق الهمداني اقتصر على مورد الحكم وهو التقديم يوم الخميس فقال : « إن مقتضى الجمود على مورد النص إنما هو التقديم يوم الخميس لكن حكي عن صريح بعض وظاهر آخرين جوازه ليلة الجمعة ، بل عن ( المصابيح ) دعوى الاجماع عليه ، وربما يوجه ذلك بانسباقه من العلة المنصوصة في الروايتين ، فان المتبادر الى الذهن كون جواز التقديم يوم الخميس مسبباً عن إعواز الماء يوم الجمعة من دون أن يكون لكونه في اليوم مدخلية في الحكم ، وفيه نظر فان العلة ليست علة لجواز التقديم مطلقاً وإلا لدلت على جوازه ليلة الخميس أيضاً ، بل هي علة لجوازه في يوم الخميس الخ » (1). 

وما ذكره وجهاً للجمود لا يصلح للمنع عن ظهور التعليل في العلية المطلقة ، إذ لا مانع من الالتزام بجواز تقديم الغسل ليلة الخميس أيضاً عند إحراز قلة الماء يوم الجمعة إلا أن يقوم دليل على منعه من إجماع أو غيره. 

وحيث كان الظاهر من تعليل الحكم ثبوته عند ثبوت علته فان لازمت العلة الموضوع كالاسكار في الخمر كانت موسعة للحكم فقط حيث يثبت لكل مسكر وإن لم يكن خمراً ، وإن لم تلازمه كالحموضة في الرمان كانت موسعة للحكم من جهة ، حيث يثبت لكل حامض وإن لم يكن رماناً ، ومضيقة له من جهة أخرى ، حيث لا يثبت للرمان الحلو ... فتعليل الحكم صالح لصرف ظهور الأمر أو النهي في العموم الى الخصوص وبالعكس. 

كما أنه صالح لصرفها عن ظهورها في الالزام الى الندب والكراهة إذا لم يتناسب التعليل مع الوجوب والتحريم. وادعي ذلك في مكاتبة الحميري حول التقدم على قبر المعصوم (ع) في الصلاة فقال : « ... وهل يجوز أن يتقدم القبر ويصلي ويجعله خلفه أم لا ، فأجاب (ع) ... أما الصلاة 

____________

1 ـ مصباح الفقيه ـ الطهارة ص 433. 

 

فانها خلفه ويجعله الامام ولا يجوز أن يصلي بين يديه ، لأن الامام لا يتقدم ويصلي عن يمينه وشماله » (1). وهو صريح الدلالة في اشتراط تأخر المصلي عن القبر الشريف ، ولذا أفتى به جماعة كالشيخ البهائي والشيخ يوسف البحراني (2). 

لكن أورد عليهم : بأن تعليل الحكم بأن الامام لا يتقدم يكشف عن كونه حكماً أدبياً ، إذ « لو كان المنع تحريماً لوجب أن يكون التقدم على القبر الشريف في حد ذاته حراماً مطلقاً حتى يستقيم البرهان ، وهو ليس كذلك في سائر الأحوال ما لم يكن عن استخفاف ، وإنما هو منافٍ للآداب التي ينبغي رعايتها في حال الصلاة وغيرها فهذه العلة لا تصلح علة إلا للكراهة » (3).

تخصيص التعليل 

وحيث كان المستفاد من التعليل حكم كلي يثبت عند ثبوت علته فلا بد من النظر في أنه هل يقبل التخصيص كسائر العمومات التي يعرض لها المخصص؟. 

وقد أجاب عن ذلك أستاذنا المحقق الخوئي بأن التعليل تارة يكون بأمر عقلي تكويني ، كما لو قال : هذا محال ، لأن لازمه الدّور. فلا يقبل التخصيص ، لأن المستحيل مستحيل في جميع الأفراد والأوقات ، والممكن ممكن كذلك فحكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز 

__________________

1 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 26 ـ مكان المصلي. 

2 ـ الحدائق ج 7 ص 220. 

3 ـ مصباح الفقيه ـ الصلاة ص 191. 

 

واحد فتثبت الاستحالة في كل مورد لزم الدور ، وأخرى يكون بأمر تشريعي ولا مانع من تخصيصه ، لأن الذي شرّع كون الأمر الفلاني علة لحكم خاص له أن يخصص عليته بفرد أو حال دون آخر. 

وقد مثّل لذلك بتعليل البناء على الحال السابقة في الاستصحاب بأن المكلف كان على يقين فشك ولا ينبغي له نقض اليقين بالشك ، ومقتضى عموم التعليل أنه لو شك في الاتيان ببعض أجزاء الصلاة يبني على عدمه ، لكنه خصص بقاعدتي الفراغ والتجاوز ، فان مقتضاهما البناء على الاتيان بالجزء المشكوك لو عرض الشك بعد الفراغ من الصلاة أو بعد تجاوز محل ذلك الجزء. ومثله تعليل الامام (ع) عدم انتقاض التيمم بوجدان الماء في أثناء الصلاة بقوله (ع) : « يمضي في صلاته ولا ينقضها لمكان أنه دخلها وهو على طهر بتيمم » (1). فانه قيّد بقول الامام الباقر (ع) : « فلينصرف فليتوضأ ما لم يركع وإن كان قد ركع فليمض في صلاته فان التيمم أحد الطهورين » (2). فينتج أن دخول الصلاة على طهر بتيمم لا يجدي إلا إذا كان وجدان الماء بعد الركوع ، فان وجده قبله قطع الصلاة واستأنفها مع الطهارة المائية.

التعليل التعبّدي 

ثم ليعلم أن الأصل في التعليل أن يكون عرفياً ، بمعنى أن الأمر المعلل به ثابت لدى العرف إما ببنائهم أو بتشريع المشرّع ، أي يكون تشريعه ثابتاً ومعلوماً في الخارج قبل التعليل به ، لأن ظاهر تعليل الحكم بيان الجهة 

__________________

1 ـ الوسائل ح 4 ب‍‌ 21 ـ التيمم. 

2 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 21 ـ التيمم.

 

 الثابتة لدى العرف التي اقتضت إنشاءه كالاسكار بالنسبة للخمر ، فيستفاد من تعليل الحرمة به حكم كلي كما سبق. 

وعليه فحمل التعليل على كونه تعبدياً خلاف الظاهر منه إلا إذا اضطر اليه ، لعدم كون المعلل به ثابتاً لدى العرف ، كما في تعليل النهي عن قراءة سورة السجدة في الصلاة بأن السجود للتلاوة « زيادة في المكتوبة » (1). وهذا لم يعرفه العرف لتوقف صدق الزيادة في نظرهم على الاتيان بالفعل بقصد الجزئية ، وسجود التلاوة في الصلاة لم يقصد به ذلك فيكون بمنزلة رفع اليد والاشارة بها لا بقصد الجزئية ، حيث لم يثبت لدى العرف لا بنظرهم ولا بتشريع المشرّع أن كل حركة في الصلاة زيادة فيها وإن لم يقصد بها الجزئية. وعليه فالتعليل تعبدي يختص حكمه بمورده ولا يسري الى كل فعل لم يقصد به الجزئية ، لعدم احراز العرف أن ما ذكر في التعليل تمام العلة ، بل يحتمل دخل شيء معه فيكون جزءها وليس كالتعليل بالأمر الثابت لديهم كالاسكار ، حيث يكون ظاهراً في ثبوت الحكم له بلا دخل خصوصية أخرى. 

ومن هنا نشأ البحث في بعض تعليلات الأحكام الواردة في الروايات وهل أنه تعبّدي ليختص الحكم بمورده ، أو عرفي ليتعدى عنه الى كل مورد وجدت العلة فيه؟ ، ومنه قول الامام الهادي (ع) في المغمى عليه : « لا يقضي الصوم ولا يقضي الصلاة وكلما غلب اللّه عليه فاللّه أولى بالعذر » (2) فقد استدل به على أن استعمال المفطّر جهلاً عن قصور لا يخل بالصوم ، لاطلاق التعليل ، فان الجهل مما غلب اللّه عليه ، فيكون حاكماً على إطلاقات أدلة القضاء والكفارة فيناطان بالفوت الذي لم يسبب عن عذر مستند الى 

____________

1 ـ الوسائل ح 1 ب‍‌ 40 القراءة. 

2 ـ الوسائل ح 3 ب‍‌ 3 ـ قضاء الصلاة. 

 

اللّه تعالى. 

وأورد عليه المحقق الهمداني بأن عموم هذا التعليل مخالف لغيره من النصوص والفتاوى لشموله ما « لو جهل بأصل التكليف بصوم شهر رمضان أو شيء من الفرائض اليومية أو بموضوعه بأن غفل عن كونه شهر رمضان أو نسي الفريضة في وقتها فتركها لذلك ، مع أنه لا خلاف نصاً وفتوى في أنه يجب عليه تداركها بعد أن حصل له العلم والالتفات. هذا مع أن شمول القاعدة للمريض وغيره من أولي الأعذار أوضح من شمولها للجاهل ( مع أن القضاء واجب عليهم ) ... فالتعليل الواقع في الرواية من العلل التعبّدية التي يجب فيها الاقتصار على موردها ، فكأنه أريد بذلك التنبيه على عدم شأنية المغمى عليه من حيث هو كغير البالغ والمجنون لأن يتوجه إليه التكليف بشيء كي يكون عروض مانع عن أدائه كما في المريض والنائم مقتضياً لوجوب قضائه » (1).

التعليل الارشادي 

وقد يكون التعليل إرشادياً لأمر عادي دنيوي ، وهو الغالب في تعليلات الأوامر والنواهي الواردة في أبواب ( الأطعمة والأشربة ) كمرسل ابن أبي عمير عن الامام الصادق (ع) قال : « كلوا البطيخ فان فيه عشر خصال ... ويغسل المثانة ويدر البول » (2) ، ومثله حديث سليمان الجعفري الوارد في الحمّام قال : « مرضت حتى ذهب لحمي فدخلت على الرضا (ع) فقال : أيسّرك أن يعود اليك لحمك؟. فقلت : بلى. قال (ع) : الزم 

__________________

1 ـ مصباح الفقيه ـ الصوم ص 190 ـ 191. 

2 ـ الوسائل ح 10 ب‍‌ 102 ـ الاطعمة المباحة. 

 

 

الحمّام غبّاً (1) فانه يعود إليك لحمك وإياك أن تدمنه فان إدمانه يورث السل » (2). 

ويصلح هذا التعليل لرفع ظهور الأوامر والنواهي في المولوية ، فلا يستفاد منها الاستحباب والكراهة فضلاً عن الوجوب والتحريم ، لأن غرض المولى هو الارشاد الى ترتب ذلك الأثر النافع أو الضار على فعل المكلف. 

نعم قد يأمر المولى بأكل طعام خاص أو ينهى عنه ولا يعلّله بشيء فيلزم الأخذ بظهورهما في المولوية ، لأنها الأصل في الأوامر والنواهي الصادرة من الشرع الشريف ما لم يرد صارف عنها. ومنه حديث محمد بن الوليد الكرماني عن الامام الجواد (ع) قال فيما يسقط من الطعام عند الأكل : « ما كان في الصحراء فدعه ولو فخذه شاة ، وما كان في البيت فتتبعه والقطه » (3). فيثبت استحباب ترك الأول ، والتقاط الثاني. 

وقد يعلّل الحكم بأمر عادي لكن يشمله عموم أو إطلاق حكم مولوي فلا يخرجه التعليل عن كونه مولوياً. 

تم تحرير هذه البحوث في 6 ذي الحجة سنة 1386 هجري في النجف الأشرف بقلم الراجي عفو ربه. 

محيي الدين ابن العلامة حجة الاسلام السيد محمد جواد الموسوي الغريفي

____________

1 ـ أي ادخله يوماً واتركه يوماً. 

2 ـ الوسائل ح 2 ب‍‌ 2 ـ آداب الحمام. 

3 ـ الوسائل ح 2 ب‍‌ 72 ـ آداب المائدة.

 


 

 

فهرس ومصادرالكتاب

 

فهرس المواضيع

صفحة

كلمة استاذنا آية الله العظمة السيد الخوئي حول اكتاب. 7

المُقَدّمَة

الحديث المحفوف بقرائن الصحة ، وخبر الواحد ، واختلاف 

قدامي الفقهاء في حجتيه. 10

مبنى اختلاف الفقهاء في انسداد باب العلم في الأحكام وانفتاحه.

11

الاشارة اجمالا الى بُحُوثُ الكِتاب 12

تَنويعُ الحَديث 13 ـ 33

تنويع الحديث الى صحيح والحسن والموثّق والضعيف 15

البحث عن قدم التنويع وحدوثه. 15

شجب الأخباريين لتنويع الحديث ، ودليلهم على بطانه. 16

صحة التنويع ، ونقاش دليل البطلان. 17

الحجة من الأخبار لدى قدامي الفقهاء. 19

اعتناء القدامي بشأن تعديل الرواة وجرحهم ، والاشاره الى بعض 

كتبهم في ذلك. 20

السيد ابن طاووس مجدّد لتنويع الحديث، لا موسّس ومحدث 22

 

تعاريف أنواع الحديث، والخلاف في الترجيح بين الموثق 

والحسن 24

حول اعتبار قيد «الامامي» في تعريف الخبر الصحيح 25

هل يعتبر في صحة الخبرسلامة من العلة والشذوذ 25

حول اعتبار اضافة كون المدح مقبولا الى تعريف الخبر الحسن 27

الحجة من هذه الأنواع الاربعة، والأشارة الى دليل الحجتية. 27

اشتراك الراوي محمد بن نضير بين الثقة والضعيف 28

حول اشتراط كون الراوي الممدوح إماميا. 30

حول ثبوت عدالة الراوي الامامي بتوثيقه 32

احَاديثُ اصحابِ الأجماع. 35 ـ 76

أهمية هذا البحث ، والقول بتصحيح أحاديث أصحاب الاجماع 

مطلقا 37

تعريف بأصحاب الاجماع ، ونقل ما أثبه الكشي في (رجاله). 38

أبيات السيد بحرالعلوم حول هذا الاجماع. 39

الخلاف في عدد أصحاب الجماع 40

الأصل في دعوى هذا الاجماع هو الشيخ الكشي. 41

الفرق بين دعوى الاجماع ونقل دعواه. 42

حول عبدالله بن بكير. 43

الخلاف في حجتية هذا الاجماع. 44

أدلة حجيته. 45

تحقيق البحث. 46

الخدش في هذا الاجماع بأمور. منها الخلاف في المراد بصيغة 

(تصحيح ما يصح عن أصحاب الاجماع). 47

اختلاف تعبير الكشي عن الصيغة التي نقل عليها الاجماع. 48

 

النقاش في شمول دليل حجية الاجماع لمورد البحث. 49

وهن القول بأن هذا الجماع تعبّدي وكاشف عن رأى المعصوم 

(ع). 51

رمي كتاب (رجال الكشي) بكثرة الأغلاط 51

التسامح والتناقض في دعوى الاجماع 52

الجواب عن ذلك بوجوه. 53

اختلاف مباني الفقهاء في العمل بأخبار ، وعرض موجز لبعضها 55

القول بحيجة خبر كل مسلم لم يظهرمنه فسق ، والاكتفاء في 

ثبوت العدالة بظاهر الاسلام. 55

حول الحديث الآمر بالأخذ بما رواه بنوا فضّال والنقاش فيه................... ...57 

قياس الاجماع بتوثيق الرجالي 58

حول تزكية الراوي 59

كفاية احتمال الحس في قبول التزكية والتوثيق. 61

الوجوه التي استدل بها على كفاية تزكية العدل الواحد 61

النقاش في دعوى أن أحاديث أصحاب الاجماع محفوفة بقرائن 

الصحة 63

دعوى الشيخ الطوسى أن البزنطي وصفوان ابن أبي عمير لا يروون 

ولايرسلون إلا عن ثقة. 65

تعميم الشيخ النوري ذلك لجميع أصحاب الاجماع، ونقاشنا فيه 66

النقاش في دعوى الشيخ الطوسي. 67

مدرك تلك الدعوى ثلاثة أمور، أحدها الاستقرار، وجوابنا عنه. 68

ثانيها شهادة أولئك الثلاثة بعدم الرواية عن غير الثقةوجوابنا عنه 69

حول ثبوت التوثيق بقول الثقة : حدّثني ثقة. ولم يبيّنه. 69

حول اعتبارالرواية بقول الراوي: أخبرني بعض أصحابنا. اذا عني 

 

الامامية. 70

ثالثها ان حسن الظن بأولئك الثلاثة يقضي بأن لايرون عن غير 

الثقة ، وجوابنا عنه. 71

مراسيل الأحاديث وتعريفها. 72

الخلاف في حجية المرسل ، واشتهار عدم حجيته للجهل بحال 

الرواي المحذوف. 73

رواية أصحاب الاجماع عن الضعيف 74

إثبات بعض الشواهد على ذلك. 75

حياة البطائني ـ عَليّ بن ابي حمزة 77 ـ 105

أدلة ضعف البطائني، وإثبات مارواه الشيخ الطوسي في ذمة. 79

إثبات مارواه الشيخ الكشي في ذمه. 81

اشتهار ضعفه بين الفقهاء والرجاليين. 83

التحقيق في الأدلة ضعفه، وأن انحرافه في عقيدته لايضر بحديثه 

لوكان ثقة في نقله. 85

إخباره كذباً عن الحياة الامام الكاظم (ع) طمعاً في المال. 85 

جهود البطائني وجماعته في تظليل الناس. 86

إخبار الامام الرضا (ع) عن كذب البطائني. 88

حوال الراوي احمد بن عمر. 90

حول طريق الشيخ الطوسي الى احمد بن محمد بن عيسى.. 91

أدلة اعتبار البطائني ، ونقاشها. 93

 

رواية البزنطي وصفوان وابن أبي عمير عنه. 93

روايات أربع يمكن القول بدلالتها على مدحه أو صحة اعتقاده. 93

الترضّي الترحّم على الميّت لايثبت وثاقته. 95

أبوالحسن كنية لأربعة من الأئمة المعصومين (ع) ، وبيان المايز 

بينهم 97

تصنيف البطائني لأصل من الكتب. 98

المراد من الأصول في كلام القدماء ، والفرق بينها وبين الكتب 98

قول ابن الغضائري في الحسن بن البطائني : (أبوه أوثق منه). 100

النقاش في استفادة توثيق البطائني من كلام الشيخ الطوسي 

في(عدته). 101

إشكال في بعض توثيقات الشيخ الطوسي. 102

حول دعوى الشيخ الطوسي عمل الطائفة بأخبار البطائني. 103

حديث البطائني حال استقامته. 104

الحديث وَشهرة الفتوى 107 ـ 154

عرض لآراء الفقهاء حول انجبار ضعف سند الحديث بشهرة 

العمل به ، ووهن صحته بشهرة الاعراض عنه. 109

النقاش في كفاية الشهرة بين المتأخرين 112

حول إمكان إحراز الشهرة لدى القدماء. 115

العبرة بأستناد الفقهاء الى الحديث، لابموافقة فتواهم لمضمونه 115

لمحة عما كتبه ابن الجنيد وابن أبي عقيل في الفقه. 115

حول الوثوق بصدور الحديث عن المعصوم (ع) 118

معنى الاطمئنان والوثوق. 118

حجية الحديث المطمأن بصدوره عن المعصوم (ع). 119

 

نظرة في أدلة حجية خبر الواحد وعدم شمولها لضعيف السند وإن 

اشتهر العمل به. 121

نقاش الاستدلال على اعتبار الشهرة بحسن الظن بقهائنا. 124

نقاش الاستدالال على اعتبارها بلزوم تأسيس فقه جديد عند 

مخالفتها. 124

نقاش دليل المحقق الحلي على اعتبارها. 125

حول شهرة الاعراض عن الخبر الصحيح ووهنه بذلك. 126

أدلة عدم وهنه. 127

اختلاف أنظار الفقهاء في مفاد الأخبار. 128

الظن بالخلل أو عدم الصدور لايضر بصحة الخبر. 129

حول شمول أدلة حجية خبر الواحد لما اشتهر الاعراض عنه. 130

الوضع والتقية في الأحاديث 131

بحث عن اضطرار أهل البيت (ع)وشيعتهم الى استعمال التقية 131

ترخيص الشرع الاسلامي الأقدس في استعمالها. 133

عدم اختصاص مشروعية التقية بمذهب أهل البيت (ع). 134

اعتراف الآلوسي بمشروعيتها ، ونقده للشيعة في نسبة استعمالها 

الى أهل البيت (ع). 134

الكذب على أهل البيت (ع) 135

الكذب على النبي (ص)، والاشارة إلى كثرة الأحاديث المكذوبة 

عليه (ص). 136

انتشار وضع الاحاديث في عهد معاوية. 137

حول ما نسب الى ابن أبي الحديد من نسبة لكذب الى الشيعة 138

تعليقا على كلام ابن أبي الحديد حول الخلافة. 139

 

تعليقا على نسبة ابن أبي الحديد الى التشيّع، والاضطراب في 

مذهبه 140

الجواب عن الأحاديث الموضوعة ، وإثبات خلو مجاميعنا المعتبرة 

منها. 141

مع الدكتور عبدالله فياض حول كتب الحديث عند الشيعة الامية

144

لمحة عن بعض صحاح حديث أهل السنة ورواتها. 145

الكتب المؤلفة في الأحاديث الموضوعة. 148

جريان عملية التهذيب لكتب الحديث المعتبرة عند الامامية 149

الجواب عن الأحاديث الصادرة تقية، وانحصارها بالأحاديث 

المتعارضة. 151

جوابان آخران عن الاحاديث الموضوعة والصادرة تقية معاً.؟ 152

خلاصة البحث ، وفائدة في تعارض الخبرين. 153

الاُصُول الِرجاليّة وَرِجَال ابن الغَضَائري 155 ـ 212

حصر الأصول الرجالية في كتب خمسة 157

تعليل هذا الحصر، ولزوم ضم (رجال البرقي) اليها. 158

عدم وجود أصل رجالي شامل لجميع رواة أحاديثنا. 159

حول (رجالي الكشي والنجاشي). 159

حول (فهرست الشيخ الطوسي) وإهماله لتوثيق كثير من وجوه 

الرواة. 160 

توثيق عبدالله بن بكير 160

الأشارة إجمالاً الى (رجالي البرقي وابن الغضائري). 162

حول (رجال الشيخ الطوسي) وإهماله لتوثيق كثير من وجوه الرواة

162

إمكان صحبة زرارة للأمام الكاظم (ع). 163

بحث عن تعداد الراوي المذكور في قسمي (رجال الشيخ الطوسي 


 

) كالقاسم بن محمد الجوهري ، وغياث بن ابراهيم البتري ... .164

حول انسداد باب العلم في التوثيقات 168

كفاية تزكية العدل الواحد لانسداد باب العلم بالعدالة. 168

الايراد على ذلك بوجوه ، والجواب عنها. 169

تحقيق البحث ، وتصحيح القول بالانسداد على بعض المباني. 170

توثيقات الشيخ المفيد في (إرشاده). 172

حول وثاقة مشايخ الاجازة أجمع. 173

مسلك السيد بحرالعلوم في تصحيح أحاديث مشايخ الاجازة. 174

مشايخنا الذين اشتهرت عدالتهم لايحتاجون الى توثيق. 174

لايصح التعدي عن مشايخ الاجازة الى كل شيخ يروي عنه الثقة.

175

لا يجدي توثيق الراوي الذي اشترك اسمه مع الضعيف بدون 

تمييز. 175

اشتراك محمد بن اسماعيل ، وعلي بن محمد الذين يروي عنهما 

الكليني بين جماعة فيهم الضعيف. 176

اشتراك أبي بصير كذلك ، والجواب عنه. 176

اشتراك محمد بن قيس كذلك ، والجواب عنه. 177

لايجدي التوثيق المعارض بالجرح ، كما في المفّضل بن عمر ، 

ومحمد بن سنان. 178

مشكلة مراسيل الجرح والتعديل ، والفرق بينها وبين مراسيل 

الأحكام. 179

التوثيق الاجمالي. ومنه توثيق أصحاب الامام الصادق (ع). 181

بناء الشيخ النوري على وثاقة الرواة المجاهيل المذكورين في باب 

أصحاب الامام الصادق (ع) من (رجال الشيخ الطوسي). 182

النقاش في هذا التوثيق الاجمالي. 182

 

توثيق النجاشي لمشايخه الذين يروي عنهم في (رجاله) بلا 

واسطة. 184

توثيق ابن قولية لمشايخه الذين يروي عنهم في (كامل الزيارات).

185

دعوى ظهور كلام ابن قولوية في توثيق جميع الرواة المذكورين 

في أسناد أحاديث كتابه المذكور. 186

تقريب اختصاص التوثيق بمشايخه. 187

توثيق ابن المشهدي جميع الرواة أحاديث كتاب (مزاره). 188

النقاش في توثيقات المتأخرين بضعف احتمال الحس فيها ، 

والجواب عنه 189

النقاش في توثيقات العلامة بأنّه يعمل بخبر كل إمامي لم يجرح ، 

والجواب عنه. 191

النقاش في تضعيفات العلامة بأنّه لايعمل بخبر غير الامامي وإن 

كان ثقة. 193

حول (رجال البرقي) ووثاقة مولفه احمد بن محمد بن خالد. 194

كلمات الأعلام في نسبة الكتاب إليه ، وأنه من أجزاء كتابه 

(المحاسن) 195

التشكيك في هذه النسبة ، وجوابنا عنه. 196

بحث وتحقيق عن (رجال ابن الغضائري). 198

نقل الشيخ الطوسي تلف كتب ابن الغضائري. 198

نقل العلامة في (خلاصته) عن كتابين لابن الغضائري ، والنقاش 

في وجودهما في عصره. 199

حول وثاقة احمد بن الحسين بن الغضائري مولف (كتاب الرجال)

200

الاكثار من جرح الثقات ، وتوهين قوله لذلك. 204

الاشكال في الطريق الى كتاب (رجاله). 205

نقاش السيد بحر العلوم في تلف كتبه ، وجوابنا عنه. 207

 

تصريح السيد ابن طاووس بعدم وجود طريق الى كتاب (رجاله).

208

تصريح الشيخ التستري بذلك أيضاً 210

حول نقل العلامة وابن داوود عن هذا الكتاب. 210

النقاش في طريقتهما إليه. 211

احتمال وضع هذا الكتاب أو تحريفه. 212

الأحاديثُ المُضمَرَة والمَوقَوفة 213 ـ 229

تفسير الأضمار والوقف ، والمراد بالأحاديث المضمرة والموقوفة.

215

الفرق بين الحديث المضمر والموقوف. 216

عرض لآراء الفقهاء وأدلتهم حول حجية الأحاديث المضمرة. 217

حجية مضمرات فقهاء الرواة. 220

سبب عروض الاضمار للأحاديث. 222

عدم حجية مضمرات غير الفقهاء من الرواة لاحتمال استفتائهم 

غير المعصوم (ع). 222

إثبات بعض الشواهد على ذلك 223

عرض لآراء الفقهاء وأدلتهم حول حجية الأحاديث الموقوفة 226

تحقيق في عدم حجية الاحاديث الموقوفة مطلقاً 227

نقل بعض فتاوى فقهاء الرواة في عصر المعصوم (ع). 227

وجه لالحاق الحديث الموقوف بالمرسل. 228

الأَحاديثُ المُعَلّلَة 231 ـ 252

معنى العلّة ، ومرادنا بالأحاديث المعللة. 233


 

العلة المستنبطة ، أو القياس 234

استفاضة أحاديث أهل البيت (ع) في المنع عن العمل بالقياس

234

أحاديث من طرق أهل السنة تمتنع من العمل بالقياس. 235

مناظرات الأمام الصادق (ع) مع أهل الرأي والقياس. 235

الداعي الى استعمال القياس في أحكام الله. 236

تعريف القياس واختلاف الفقهاء والأصوليين فيه . 237

تصريح ابن حزم الأندلسي بأن القياس بدعة حدثت في القرن 

الثاني. 238

إدراك العقل أحياناً علة الحكم الشرعي. 239

العلة المنصوص عليها في دليل الحكم. 240

تعليل حرمة شرب الخمر بالاسكار. 240

اختلاف الفقهاء وادلتهم حول التعدي عن مورد العلة وعدمه. 241

هل أن الخلاف بينهم لفظي أو معنوي. 243

المايز بين العلة والحكمة ، وتفصيل المحقق النائيني بين الواسطة 

في العروض والواسطة في الثبوت. 244

ايراد استاذنا المحقق الخوئي عليه. 245

دعم ما أفاده الاستاذ ، وأن تعليل الحكم ظاهر في دورانه مع العلة 

وجوداً وعدماً. 246

حول تقديم غسل يوم الجمعة ، وتعليله بقلة الماء فيه. 246

صلاحية التعليل لتوسعة الحكم المعلل وتضييقه ، وصلاحيته 

لصرف ظهور الأمر والنهي في الالزام الى الندب والكراهة. 247

تعليل عدم جواز التقدم على قبر المعصوم (ع) في الصلاة. 247

تخصيص التعليل، والتفصيل بين كون المعلل به عقلياً وشرعياً 248

 

 

الأصل في التعليل أن يكون عرفياً 249

حول التعليل التعبّدي والجمود على مورده. 250

تعليل عدم وجوب قضاء الصلاة والصوم على المغمى عليه. 250

التعليل الارشادي، ورفعه ظهور الأوامر والنواهي في المولوية 251


 

مصادر الكتاب (1)

أبو هريرة ـ للسيد عبدالحسين شرف الدين ـ المطبعة الحيدرية. النجف. سنة 1385 هـ. 

الاجازات العلمية عند المسلمين ـ للدكتور عبدالله فيّاض ـ مطبعة الارشاد. بغداد سنة 1967 م. 

أجود التقريرات ـ للسيد أبي القاسم الخوئي ـ تقرير أبحاث أستاذه النائيني. ج 1 ط 2. مطبعة الشركة المساهمة. طهران سنة 1367 هـ. وج 2 ط 1. مطبعة العرفان صيدا سنة 1354 هـ. 

الارشاد ـ للشيخ المفيد ( محمد بن محمد بن النعمان ) ط إيران سنة 1308 هـ. 

أساس البلاغة ـ للزمخشري ( جار الله محمود بن عمر ) ط مصر سنة 1372 هـ. 

أسباب النزول ـ للواحدي ( علي بن احمد النيسابوري ) مطبعة هندية مصر سنة 1315 هـ. 

أصول الفقه ـ للشيخ محمد الخضري. ط 4. مطبعة السعادة. مصر سنة 1382 هـ.

 ____________

1 ـ إن بعض الكتب المثبتة أسماؤها هنا لم نعتمد عليها إلا في نقل رأي مؤلفيها عندما دعت الضرورة الى مناقشته. كما وأن بعضها أهمل فيها ذكر اسم المطبعة أو تأريخ الطبع ولذا لم نذكره.

 

 أصول الفقه ـ للشيخ محمد رضا المظفر. ج 3. مطبعة النعمان. النجف سنة 1382 هـ. 

أضواء على السنّة المحمّدية ـ للشيخ محمود أبي ريّة. ط 1. مطبعة دار التأليف. مصر سنة 1377 هـ. 

أقرب الموارد ـ لسعيد الخوري الشرتوني. ط أوفست الرشدية. إيران. 

الامام الصادق ـ لمحمد أبي زهرة. مطبعة مخيمر. مصرز 

أمل الآمل ـ للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي. ط إيران سنة 1307 هـ. 

آية التطهير ـ للمؤلف. المطبعة العلمية. النجف سنة 1377 هـ. 

تأريخ بغداد ـ للخطيب البغدادي ( احمد بن علي ) ج 13. نشر دار الكتاب العربي. بيروت. 

التبيان في تفسير القرآن ـ للشيخ الطوسي ( محمد بن الحسن ) ج 1 المطبعة العلمية. النجف سنة 1376 هـ. ج 5 مطبعة النعمان. النجف سنة 1379 هـ. 

تذكرة الحفّاظ ـ للذهبي ( شمس الدين ) ج 1 ط 3. مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية. الهند سنة 1375 هـ. 

تذكرة الموضوعات ـ لمحمد طاهر بن علي الهندي الفتوني. نشر أمين دمج. بيروت. 

تعليقة منهج المقال ـ للوحيد البهبهاني ( محمد باقر ) ط إيران سنة 1306 هـ. 

تنقيح المقال ـ للشيخ عبدالله المامقاني. المطبعة المرتضوية. النجف ج 1 سنة 1349. ج 2 سنة 1350. ج 3 سنة 1352 هـ. 

تهذيب الأحكام في شرح المقنعة ( التهذيب ) للشيخ الطوسي ( محمد

 

ابن الحسن ) ط 2. مطبعة النعمان. النجف ج 1 سنة 1377. ج 2 سنة 1378. ج 5 سنة 1379. ج 7 سنة 1380 ج 10 سنة 1382 هـ. 

تهذيب التهذيب ـ لابن حجر العسقلاني ( احمد بن علي ) ج 7 ط 1 مطبعة دائرة المعارف. الهند سنة 1326 هـ. 

جامع الرواة ـ للشيخ محمد علي الأردبيلي. ج 1 و 2 ط 1. شركة طبع رنگين. طهران سنة 1334 شمسية هـ. 

جواهر الكلام في شرح شرائع الاسلام ( الجواهر ) للشيخ محمد حسن النجفي. ج 2 و 4. مطبعة النجف. النجف سنة 1378 هـ. 

الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ( الحدائق ) للشيخ يوسف البحراني. مطبعة النجف. النجف ج 1 سنة 1377. ج 4 و 5 سنة 1378. ج 8 سنة 1380 هـ. 

حلية الأولياء ـ لأبي نعيم ( احمد بن عبدالله الأصبهاني ) ج 3. مطبعة السعادة. مصر سنة 1352 هـ. 

خلاصة الرجال ـ للعلامة الحلي ( الحسن بن يوسف ) ط الهند سنة 1311 هـ. 

الدراية في علم مصطلح الحديث ـ للشهيد الثاني ( زين الدين بن علي العاملي ) مطبعة النعمان. النجف. 

الذريعة ـ للشيخ أغا بزرك ( محمد حسن الطهراني ) ج 3. مطبعة الغري. النجف سنة 1357. ج 4. مطبعة مجلس الشوري. طهران سنة 1360. ج 10. مطبعة المجلس. طهران سنة 1375 هـ. 

الذكرى ـ للشهيد الأول ( محمد بن مكي العاملي ) ط إيران سنة 1271 هـ. 

رجال ابن داود ( الحسن بن علي الحلي ) مطبعة الجامعة. طهران 

 

سنة 1383 هـ. 

رجال السيد بحرالعلوم ( محمد مهدي بن مرتضى ) مطبعة الآداب النجف. ج 1 و 2 سنة 1385. ج 3 و 4 سنة 1386 هـ. 

رجال الشيخ الطوسي ( محمد بن الحسن ) المطبعة الحيدرية. النجف سنة 1381 هـ. 

رجال الكشي ( محمد بن عمر ) ط الهند سنة 1317 هـ. 

رجال النجاشي ( احمد بن علي ) ط الهند سنة 1317 هـ. 

روح المعاني ـ للسيد محمود الآلوسي. ج 3 ط إدارة الطباعة المنيرية مصر سنة 1345 هـ. 

الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ( شرح اللمعة ) للشهيد الثاني ( زين الدين بن علي العاملي ) ط عبدالرحيم. إيران. ج 1 سنة 1308. ج 2 سنة 1310 هـ. 

السرائر ـ لابن إدريس ( محمد بن احمد الحلي ) ط إيران سنة 1270 هـ 

شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ( محمد بن عبدالحميد المعتزلي ) تحقيق محمد أبي الفضل ابراهيم. ط مصر. ج 1 و 2 سنة 1378. ج 4 سنة 1379 هـ. 

شيخ المضيرة ـ للشيخ محمود أبي ريّة. ط 2. مصر. 

الصلاة ـ للشيخ الأنصاري ( مرتضى بن محمد أمين التستري ) ط طهران سنة 1305 هـ. 

طبقات القرّاء ـ للجزري ـ ( شمس الدين محمد بن محمد ) ج 1. مطبعة السعادة. مصر سنة 1351 هـ. 

عدّة الأصول ـ للشيخ الطوسي ( محمد بن الحسن ) ط طهران سنة 1314 هـ.

 

علل الشرائع ـ للشيخ الصدوق ( محمد بن علي بن الحسين ) ط إيران سنة 1378 هـ. 

علوم الحديث ومصطلحه ـ للدكتور صبحي صالح. ط 3. بيروت سنة 1384 هـ. 

عيون أخبار الرضا ـ للشيخ الصدوق ( محمد بن علي بن الحسين ) ج 2 المطبعة العلمية. قم سنة 1379 هـ. 

عيون الرجال ـ للسيد حسن الصدر. مطبعة تصوير العالم. الهند. 

الغدير ـ للشيخ عبدالحسين الأميني. ج 5 ط 1. مطبعة الزهراء. النجف سنة 1376 هـ. 

فرائد الأصول ـ للشيخ الأنصاري ( مرتضى بن محمد أمين التستري ) المطبعة الحيدرية. طهران سنة 1374 هـ. 

الفقيه ـ للشيخ الصدوق ( محمد بن علي بن الحسين ) مطبعة النجف. النجف ج 1 و 2 سنة 1377 هـ. ج 4 سنة 1378 هـ. 

الفصول ـ للشيخ محمد حسين الأصفهاني الحائري. ط إيران سنة 1286 هـ. 

الفهرست ـ لابن النديم ( محمد بن إسحاق ) مطبعة الاستقامة. مصر. 

الفهرست ـ للشيخ الطوسي ( محمد بن الحسن ) المطبعة الحيدرية. النجف سنة 1356 هـ. 

قاموس الرجال ـ للشيخ محمد تقي التستري. ج 1 مطبعة المصطفوي طهران سنة 1379 هـ. 

قواعد الفقيه ـ للشيخ محمد تقي الفقيه. مطبعة صور الحديثة. لبنان سنة 1382 هـ. 

قوانين الأصول ـ للمحقق القمي ( أبي القاسم بن محمد حسن ) ط إيران

 

سنة 1378 هـ. 

الكافي ـ للشيخ الكليني ( محمد بن يعقوب ) المطبعة الحيدرية. طهران ج 1 سنة 1381. ج 3 سنة 1377. ج 5 سنة 1378. ج 7 سنة 1379 هـ. 

كامل الزيارات ـ لابن قولويه ( جعفر بن محمد ) المطبعة المرتضوية. النجف سنة 1356 هـ. 

كفاية الأصول ـ للشيخ محمد كاظم الخراساني. ج 2. المطبعة العلمية النجف سنة 1372 هـ. 

الكنى والالقاب ـ للشيخ عباس القمي. ج 1 و 2. المطبعة الحيدرية النجف سنة 1376 هـ. 

كنز العرفان ـ للمقداد السيوري. مطبعة القضاء. النجف. 

لؤلؤة البحرين ـ للشيخ يوسف البحراني. مطبعة النعمان. النجف. 

مجمع البحرين ـ للشيخ فخرالدين الطريحي. ط إيران سنة 1284 هـ. 

مجمع الرجال ـ للشيخ عناية الله القهپائي. ج 1. ط إيران سنة 1384 هـ. 

المراجعات ـ للسيد عبدالحسين شرف الدين. ط 5. دارالأندلس. بيروت سنة 1383 هـ. 

مزار ابن المشهدي ( محمد بن جعفر ) مخطوط في مكتبة آية الله الحكيم العامة في النجف. 

مسالك الأفهام في شرح شرائع الاسلام ( المسالك ) للشهيد الثاني ( زين الدين بن علي العاملي ) ط إيران سنة 1273 هـ. 

مستدرك الوسائل ـ للشيخ محمد حسين النوري. ج 3 المطبعة الاسلامية طهران سنة 1384 هـ. 

مستمسك العروة الوثقى ( المستمسك ) للسيد محسن الحكيم. ط 2 مطبعة النجف. النجف. ج 1 سنة 1376. ج 5 سنة 1377 هـ.

 

مصباح الفقيه ـ للشيخ أغا رضا الهمداني. المطبعة الحيدرية طهران الطهارة والصلاة سنة 1374. الصوم سنة 1364 هـ. 

معالم الأصول ـ للشيخ حسن بن الشهيد الثاني. مطبعة حاج ابراهيم إيران سنة 1303 هـ. 

معالم العلماء ـ لابن شهراشوب ( محمد بن علي ) مطبعة فردين. طهران سنة 1353 هـ. 

معاني الأخبار ـ للشيخ الصدوق ( محمد بن علي بن الحسين ) المطبعة الحيدرية. طهران سنة 1379 هـ. 

المعتبر ـ للمحقق الحلي ( نجم الدين جعفر بن الحسن ) ط إيران سنة 1317 هـ. 

مقباس الهداية ـ للشيخ عبدالله المامقاني. المطبعة المرتضوية. النجف. سنة 1352 هـ. 

المقنع ـ للشيخ الصدوق ( محمد بن علي بن الحسين ) ط إيران سنة 1377 هـ. 

المكاسب ـ للشيخ الأنصاري ( مرتضى بن محمد أمين التستري ) مطبعة الاطلاعات إيران سنة 1372 هـ. 

ملخّص إبطال القياس ـ لابن حازم الأندلسي ( علي بن احمد بن سعيد ) مطبعة جامعة دمشق سنة 1379 هـ. 

مناقب آل أبي طالب ـ لابن شهراشوب ( محمد بن علي ) ج 2 ط إيران سنة 1317 هـ. 

منتقى الجمان ـ للشيخ حسن بن الشهيد الثاني. ج 1 ط إيران سنة 1379 هـ. 

منتهى المقال ـ للشيخ أبي علي الحائري ( محمد بن اسماعيل ) ط إيران سنة 1302 هـ.

 

 

منهج المقال ـ لميرزا محمد الاسترابادي. ط إيران سنة 1306 هـ. 

النصائح الكافية ـ للسيد محمد بن عقيل. ط 2. مطبعة النجاح. بغداد سنة 1367 هـ. 

نهاية الدراية في شرح الكفاية ـ للشيخ محمد حسين الأصفهاني. ج 2 ط طهران سنة 1365 هـ. 

الوافي ـ للفيض الكاشاني ( محمد محسن بن المرتضى ) ج 1 ط إيران سنة 1324 هـ. 

الوجيزة ـ للشيخ المجلسي ( محمد بن محمد تقي ) ط طهران سنة 1312 هـ 

وسائل الشيعة ( الوسائل ) للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي. ط عين الدولة. طهران. ج 1 و 2 سنة 1323. ج 3 سنة 1324 هـ.


تعليقات