وهو معنى تركيبي أيضًا فلابد من معرفة المراد من الأصول أولا، ومن الفقه ثانياً.
أولا: الأصول لغةً:
أما الأصول فهي جمع أصل.
والأصل في اللغةً: أسفل الشيء .
وذكر بعضهم بأن معنى الأصل لغةً: ما ينبني عليه غيره، أو ما يرتكز عليه شيء ويبنى.
وكأنه تفسير وبيان للمعنى الأول، وأنه لابد في الأصل مع كونه أسفل الشيء: أن يبني عليه ذلك الشيء، إذ ليس كلما كان الشيء أسفل غيره كان اصلا لذلك الغير.
هذا وقد عكس الأمر بعضهم في الأصول حيث قال: "الأصل في اللغة ما يبتني عليه الشيء صرح جماعة من علماء الأصول، وكان هذا مراد من فسره بأسفل الشيء" .
ثانيا: الأصول اصطلاحاً:
وأمّا في اصطلاحات الأصوليين والفقهاء فقد ذكروا للأصل معانٍ عدة:
1- الراجح: ما يترجح الشيء اذا خلي ونفسه، وهو مثل قولهم الاصل في الكلام الحقيقة، أو الأصل في الاطلاق الحقيقة ، أو أن الحقيقة أصل المجاز، بمعنى إذا تردد الأمر بينها ، هل يحمل الكلام على الحقيقة أو يحمل على المجاز، فأن الحمل على الحقيقة أرجح.
2- الأصل وهو ما يقابل الفرع، مثلاً في باب القياس: الخمر أصل النبيذ، أي أن حكم النبيذ من حيث جواز شربه وعدمه ونجاسته -على القول بذلك- مستفاد من حكم الخمر ومتفرع عليه.
3- الدليل: أي الكاشف عن الشيء والمرشد اليه كقولهم: الأصل في هذا الحكم (الكتاب) والسنّة، أو الاصل في هذه المسألة هو الاجماع، أي أن الاجماع هو الكاشف أو المرشد لحكم المسألة المذكورة.
4- ما يثبت وظيفة عملية عند الجهل بالحكم أو يثبت حكماً ظاهرياً، كما في البراءة والاستصحاب، فيقال: الاصل براءة الذمة من التكليف ما لم يدل عليه دليل، ويقال: الأصحاب حياه الغائب ما لم تثبت وفاته, فيرجع الأصل بهذا المعنى الى المرجع أو القاعدة عند الشك وليس معنى مقابلاً للمعاني الأخرى.
5- القاعدة: أي الركيزة التي يرتكز عليها الشيء، كقولهم الأصل في البيع اللزوم ، وفي علم النحو مثلاً: الأصل في الفاعل أن يكون مرفوعاً، أي القاعدة العامة في إعراب الفاعل أن يكون ذلك.
والتساؤل المطروح في المقام في أن المعاني المذكورة للأصل مما تقدم هل هي معاني متعددة وعلى سبيل الاشتراك اللفظي، فكلمة الأصل فيها كما في مفردة عين مثلا وغيرها، أو أنها بأجمعها مصاديق لمفهوم واحد على سبيل الاشتراك المعنوي فيها وهو المعنى اللغوي المتقدم أو ما ينتزع منه، أي ما يبتني عليه غيره ويرتكز، إذ إن المجاز يبتني على الحقيقة، وحكم النبيذ يرتكز ويقاس على حكم الخمر، وحكم المسألة المعينة يرتكز ويبتني على الإجماع وهكذا في بقية المعاني فهي لا تخرج عن المعنى بحال، ومنشأ التعدد في ألسنة القوم أنما هو لاختلاط واشتباه المفهوم بالمصداق.
وهذا معنى من ذهب الى الاشتراك المعنوي ورجوع جميع المعاني الى المعنى اللغوي.
بينما ذهب آخرون الى الاشتراك اللفظي والقول بتعدد تلك المعاني وتغايرها.
وقال بعضهم : "واذا كان ولا بد من دعوى التعدد في مفهومها فأن الذي نراه اعلق بالمفهوم الذي نريد تحديده للعنوان هو كلمة القواعد" .
وقال آخر: "وهذا المعنى الأخير للأصل هو مقصودهم في تعريفهم لعلم الأصول والمناسبة بينه وبين المعنى اللغوي واضحة" .
هذا فيما يرتبط بمفردة (الأصول) لغة واصطلاحاً والمتحصل منه:
إنّ المراد (بالأصل) ما يبتني عليه الشيء ويرتكز لغة، وهو كذلك اصطلاحاً بناءً على رجوع المعاني الاصطلاحية المتعددة اليه، أو هو بمعنى القاعدة بناءً على تغاير تلك المعاني مع وضوح وجه المناسبة مع المعنى اللغوي.