حياة السيد علي الحسيني السيستاني

فليس خافيا على احد لاسيما الدارسين والباحثين حول حياة العظماء في تواريخ الامم والشعوب - لاسيما أولئك الذين تركوا بصمات واضحة في مسيرات الشعوب وكفاحها نحو المثل العليا والمبادئ الكبرى والقيم المثلى - أن محاولة الالمام بجميع جوانب شخصيات أولئك الاعاظم ليست بالأمر الهين، ذلك أن ما يقع في يد الباحث والمتابع أنما هي الجوانب المنظورة، والتي أتيح لها أن تبرز الى العلن، وأما الجوانب الخفية في تلك الشخصيات والتي تكون بطبيعة الحال هي المؤهلة لنيل تلك الدرجات العالية والمقامات الرفيعة، فليس من المقدور غالباً الوقوف عليها والدنو اليها، لأسباب عديدة وفي مقدمتها - ربما ايثار أصحابها الابقاء عليها في طي الكتمان لدواع شتى -...

وشخصية السيد علي الحسيني السيستاني من بين أولئك القلائل الذين حباهم الله بمزيد فضله وكريم عنايته حتى بات واحدا من أولئك الرجال الذين شهد بفضلهم العدو قبل الصديق، ويقف الجميع على عتبات بابه، للاسترشاد بهدي قراراته المصيرية في منعطفات الطريق.

ولما كان الوقوف على جميع الجوانب الريادية في شخصيته المباركة بحاجة الى دراسات ضخمة ومعمقة - على أنها ليست في دائرة الوسع والامكان -فقد أثرنا التعرض للمهم من جنبات حياته الشريفة بما يسهم في تحقيق الغاية المرجوة من الاطلاع على  سيرته المباركة.

وقد تعرض البحث لتلك الجوانب في مطلبين : 

المطلب الأول: الجوانب الريادية للسيد السيستاني:

المطلب الثاني: المرجعيات الدينية والموقف من بناء الدولة والقضايا السياسية:

        وقد استعرض البحث فيه أهم ما يشغل بال بعض الباحثين حول الرؤية السياسية للسيد السيستاني، وطبيعة منهجه في ادارة الازمات التي حلت بالبلاد والتي كادت أن تعصف بالبلاد وأهله وتجعلهم كعصف مأكول، لولا لطف الله تعالى وحكمة ورؤى المرجعية المباركة المتمثلة بالسيد السيستاني، والتي من خلالها ذاع صيته في الآفاق، وخضعت لحكمته وبصيرته الاعناق.

وقد تعرض لذلك من خلال أمرين: 

الأول: في نظرة تأريخية حول موقف المرجعيات الدينية من قضية اقامة الدولة وأهم آراء أعلام الطائفة الأمامية كالشيخ النائيني والسيدين الشهيد الصدر والخميني.

الثاني: في بيان انسجام منهج السيد السيستاني سياسياً مع مختار الميرزا النائيني في ضمن نقاط ثلاث.


المطلب  الأول: الجوانب الريادية في شخصية السيد السيستاني 

الفرع الأول: الولادة والنشأة:

              السيد السيستاني هو علي بن السيد محمد باقر بن السيد علي بن السيد محمد رضا الحسيني الغروي، يرجع نسبه الشريف إلى الإمام السبط الشهيد الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، " فهو غصن من اغصان هذه الروضة الطاهرة وفرع من فروع هذه الشجرة الباسقة الوارفة الظلال " ، وكما هو المعلوم والمشهور، وفي بعض  المصادر والأبحاث التي عنيت بذكر سيرته، فأن ولادته  كانت في التاسع من شهر ربيع الأول لعام 1349 هجرية، والموافق 4 آب سنة 1930 ميلادية في محافظة خراسان الرضوي، وتحديداً مدينة مشهد في أسرة علمية معروفة، فوالده هو العلامة السيد محمد باقر ووالدته هي كريمة السيد رضا المهرباني السرابي، وجده الادنى هو السيد علي الذي ترجم له الشيخ آغا بزرك في طبقات أعلام الشيعة بالقول "أنه كان في النجف الاشرف من تلامذة الحجة المؤسس المولى على النهاوندي، وفي سامراء من تلامذة المجدد الشيرازي، ثم اختص بالحجة السيد اسماعيل الصدر، وفي حدود سنة 1318 هجرية عاد الى  مدينة مشهد حيث فيها انيس النفوس (عليه السلام)، واستقر فيه وحاز مكانة سامية مع ما كان له من حظ وافر من العلم مقرونا بالتقى والصلاح" .

وكان من تلامذته المعروفين الفقيه الكبير الشيخ محمد رضا آل ياسين.

وأسرة السيد  من الاسر التي ترجع في نسبها الى الامام الحسين (عليه السلام) بن أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام)، فهي من الاسر العلوية الحسينية، وكانت تقطن مدينة (أصفهان) في القرن الحادي عشر الهجري، ومن أبرز أعلامها يومذاك الفيلسوف السيد محمد باقر الداماد، صاحب كتاب القبسات، ومن احفاده العلم الكبير (السيد محمد) الذي عين في منصب(شيخ الاسلام) في بلاد(سيستان) في زمن السلطان حسين الصفوي،  فأنتقل اليها وسكنها هو وذريته من بعده، وأول من هاجر منهم الى مشهد الرضا(عليه السلام) هو المرحوم السيد علي المار ذكره، إذ استقر هناك برهة من الزمن في مدرسة المرحوم الملا محمد باقر السبزواري، ومن ثم هاجر الى النجف الاشرف، لإكمال دراسته ثم الى سامراء المقدسة،  للغرض نفسه، كما أشير الى ذلك في كلمات الشيخ  الطهراني الانفة الذكر.


الفرع الثاني : التحصيل الحوزوي:

         لقد نشأ السيد في مسقط رأسه في مشهد المقدسة وتدرج من الأوليات والمقدمات، اذ بدأ في الخامسة من عمره الشريف بتعلم القرآن الكريم، ثم دخل مدرسة دار التعليم الديني، لتعلم القراءة والكتابة وتعلم فن الخط من استاذه الميرزا علي آقا ظالم. وفي أوائل 1360هجرية- قمري، بدأ بتوجيه من والده بقراءة مقدمات العلوم الحوزوية، فأتم قراءة جملة من الكتب الادبية كشرح الالفية للسيوطي، والمغني لأبن هشام، والمطول للتفتازاني، ومقامات الحريري، وشرح النظام عند المرحوم الاديب النيشابوري(*)، وغيره من اساتذة الفن.

ودرس شرح اللمعة والقوانين (**)عند المرحوم السيد احمد اليزدي المعروف ب(نهنك)، وقرأ جملة من السطوح العالية كالمكاسب والرسائل والكفاية(***) عند آية الله الميرزا هاشم القزويني(****)،حضر بحوث الخارج للميرزا مهدي الآشتياني(*****) .

وحضر جملة من الكتب الفلسفية كشرح منظومة السبزواري، وشرح الاشراق والاسفار عند المرحوم الأيسي، وقرأ شوارق الالهام عند المرحوم اية الله الشيخ مجتبى القزويني، وحضر في المعارف الالهية دروس آية الله المرحوم الميرزا مهدي الاصفهاني المتوفى أواخر سنة 1365 هجرية- قمرية، كما حضر بحوث الخارج لآية الله الميرزا مهدي الاشتياني صاحب التعليقة على شرح المنظومة وآية الله المرحوم الميرزا هاشم القزويني.

إذن السيد السيستاني اكمل دراسته الحوزية المقدمات والسطوح العليا وشطراً من البحث الخارج  في مشهد المقدسة.

 وفي أواخر العام 1368 هجرية انتقل الى الحوزة العلمية الدينية في مدينة قم المقدسة، فحضر بحوث المرجع الكبير السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه والأصول، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقيهة ونظرياته في علم الرجال والحديث، كما حضر درس الفقيه الكبير السيد محمد الحجة الكوهكمري، وفي أثناء مدة اقامته في مدينة قم راسل السيد السيستاني العلامة السيد علي البهبهاني عالم الاهواز الشهير، والذي كان من اتباع مدرسة المحقق الطهراني، وكان موضوع المراسلة بينهما المناقشة في بعض نظريات المحقق الطهراني، والتي وقف تلميذه موقف المدافع عنها، وبعد تبادل رسائل عدة كتب فيها  المرحوم البهبهاني للسيد السيستاني رسالة مؤرخة في 7 رجب 1370 هجرية، وكان السيد آنذاك  في الحادية والعشرين من عمره يثني فيها على مهارته العلمية واصفاً اياه بـ(عمدة العلماء المحققين ونخبة الفقهاء المدققين)، وموكلا تكميل البحث الى حين اللقاء به عند التشرف بزيارته للأمام الرضا (عليه السلام).

وفي أوائل العام (1371 هجريه) غادر السيد مدينة قم المقدسة متجها الى موئل العلم والفضل حوزة النجف الاشرف، فوصل كربلاء المقدسة في ذكرى أربعين الامام الحسين (عليه السلام)، ثم توجه الى النجف الاشرف فسكن مدرسة البخارائي العلمية(*)، وحضر البحوث الفقهية والأصولية للعلمين الكبيرين السيد الخوئي والشيخ حسين الحلي، ولازمهما مدة طويلة، وحضر في أثناء ذلك أيضاً بحوث بعض الأعلام الاخرين كالسيد الحكيم والسيد الشاهرودي.


الفرع الثالث: اجازات الاجتهاد:

               برز السيد السيستاني  متفوقاً على أقرانه في بحوث اساتذته متميزاً بقوة الاشكال وسرعة البديهة وكثرة التحقيق والتتبع،  ومواصلة النشاط العلمي، والمامه بكثير من النظريات في مختلف الحقول العلمية الحوزوية، لذا فقد منح من بين اقرانه وهو في سن الحادية والثلاثين من العمر شهادة بالاجتهاد المطلق من قبل استاذيه الخوئي والحلي، والمذكور أنه لم يمنح السيد الخوئي  شهادة الاجتهاد إلا لنادر من تلامذته منهم السيد السيستاني وأية الله الشيخ علي الفلسفي من مشاهير علماء مشهد المقدسة، جاء فيها :" وقد حضر أبحاثي الفقهية والأصولية حضور تفهم وتحقيق وتعمق وتدقيق، حتى أدرك والحمد لله مناه، ونال مبتغاه، وفاز بالمراد، وحاز ملكة الاجتهاد، فله العمل بما يستنبطه من الأحكام "،كما لم يمنح الشيخ الحلي اجازة الاجتهاد المطلق لغيره، منها :" كثّرت المذاكرة معه فوجدته بالغاً مرتبة الاجتهاد وقادراً على الاستنباط، فله العمل بأنظاره في المسائل الشرعية والأحكام الفرعية على حسب الطريقة المعروفة التي جرى عليها مشايخنا العظام وأساتذتنا الكرام (قدس الله أسرارهم)، وقد أجزت لجنابه أن يروي عني كل ما صحت لي روايته بإسنادي عن مشايخنا العظام "، كما وقد كتب له أيضاً شيخ محدثي عصره العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني شهادة يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث وهي مؤرخه في عام 1380 هجرية.


الفرع الرابع: عطاؤه الفكري وتأليفاته:

              اشتغل السيد السيستاني  منذ أوائل العام 1381هجرية بألقاء محاضرات البحث الخارج في الفقه في ضوء مكاسب الشيخ الاعظم الأنصاري، وأعقبه بشرح العروة الوثقى، فتم له منه شرح كتاب الطهارة، وأكثر  كتاب الصلاة، وقسم من كتاب الخمس، وتمام كتاب الصوم والاعتكاف، ثم شرع في كتاب الزكاة، كما كانت له محاضرات فقهية أخرى في أثناء تلك السنوات تناولت كتاب القضاء وأبحاث الربا وقاعدة الالزام وقاعدة التقيه وغيرها من القواعد الفقهية.

كما كانت له محاضرات رجالية شملت حجية مراسيل ابن أبي عمير وشرح مشيخة التهذيبين وغيرها.

كما وقد ابتدأ بألقاء محاضراته في علم الأصول منذ شعبان عام 1384هجرية، وقد اكمل دورته الثالثة في شعبان عام 1411 هجرية، وقد ذكر أنه توجد تسجيلات صوتيه لجميع محاضراته الفقهية والأصولية منذ عام 1397 هجرية، كما وقد تخرج من  بحثه الشريف ومن تحت منبره عدة من الفضلاء البارزين وبعضهم من اساتذة  البحث الخارج كالعلامة الشيخ مهدي مرواريد، والعلامة السيد مرتضى المهري، والعلامة السيد حبيب حسينيان، والعلامة السيد احمد المددي، والعلامة الشيخ مصطفى الهرندي، والعلامة السيد هاشم الهاشمي والسيد منير القطيفي الخباز وغيرهم من أفاضل اساتذة الحوزات العلمية..

كما أنه كان في تلك المدة مهتما بتأليف كتب مهمة وجملة من الرسائل، فضلاً عما كتبه من تقريرات اساتذته فقهاً وأصولاً.


الفرع الخامس: منهجه في البحث والتدريس:

            يذكر بعض  من تلامذته أن له منهجا متميزاً عن مناهج غيره من اساتذة الحوزة المباركة وأرباب البحث الخارج.

فعلى صعيد علم الأصول مثلاً: 

نظرته لمراحل الصراع- صراع الأفكار- التي يتطور العلم بعدها وأشارته الى المرحلة الثالثة وهي المرحلة الفعلية وهي صراع الحضارات في العصر الراهن وتطوير علم الأصول وإدخال المباني العلمية والأدبية في مباحث الأصول.

واقتراحه لمنهجين في علم الأصول ولكنه أثر عدم السير عليهما لأن من شرط التأليف في العلوم أن لا يحدث طفرة.

ويتجلى منهجه خصائص عدة: 

1-التحدث عن تاريخ البحث ومعرفة جذوره التي ربما تكون فلسفية، كما في مسألة بساطة المشتق أو تركبه، أو عقائدية وسياسية كما في مبحث التعادل والتراجيح، والذي أوضح فيه أن قضية اختلاف الأحاديث قد فرضتها الصراعات الفكرية العقائدية آنذاك والظروف السياسية التي أحاطت بالائمة (عليهم السلام)، ومن المعلوم أن الاطلاع على تأريخ البحث يكشف عن زوايا المسألة ويوصل الى واقع الآراء المطروحة فيها.

2-الربط بين الفكر الحوزوي والثقافات المعاصرة : 

ففي البحث حول حقيقة المعنى الحرفي والفارق بينه وبين المعنى الاسمي، وأنه ذاتي أم لحاظي ؟.

واختار الفارق اللحاظي-تبعا لمختار صاحب الكفاية-، لكنه قد بناه على النظرية الفلسفية الحديث المسماة بـ(نظرية التكثر الادراكي) وهي احدى فعاليات الذهن البشري وخلاقيته، وأنه يمكن للذهن البشري تصور أمر واحد بصورتين، تارة بنحو الاستقلال والوضوح ويعبر عنه بالاسم، وأخرى بالآلية والانكماش ويعبر عنه بالحرف.

وكذا في بحث المشتق، وفي النزاع الدائر بين الأعلام حول أسم الزمان فقد تحدث السيد السيستاني عن الزمان بنظرة فلسفية جديدة، وهي انتزاعه من المكان (زمكان) بلحاظ تعاقب النور والظلام.

وفي البحث حول مدلول صيغة الأمر ومادته، طرح السيد نظرية بعض علماء الاجتماع، من أن تقسيم الطلب على أمر وسؤال والتماس،  يأتي نتيجة لتدخل صفة الطالب في حقيقة طلبه من كونه عالياً أو مساوياً أو سافلاً. 

كما أنه في بحث التجري قد جعل ضابط استحقاق العقوبة من كونه لعنوان التمرد من العبد وطغيانه على المولى مبنياً على التقسيم الطبقي للمجتمعات البشرية القديمة من وجود موالي وعبيد، وعالي وسافل وما أشبه ذلك، فهي نظرة من رواسب الثقافات السالفة التي تتحدث باللغة الطبقية لا باللغة القانونية المبنية على المصالح والمفاسد الانسانية العامة.

3-الاهتمام بالأصول المرتبطة بالفقه وعملية الاستنباط، كمباحث الأصول العملية، أو التعادل والتراجيح  والعام والخاص، ومحاولة الخروج  بمبانٍ رصينة في امثال هذه البحوث دون الاغراق في ابحاث أخرى لا يُعد الاسهاب فيها إلا ترفا فكريا يكاد لا ينتج ثمرة عملية للفقيه في مسيرته الفقهية، كبحث  الوضع وكونه أمراً اعتبارياً أو تكوينياً، وعلى الأول فهل حقيقته التعهد أو التخصيص، أو البحث في بيان موضوع العلم والعوارض الذاتية والمراد بها كما في تعاريف الفلاسفة لموضوع العلم وما شاكل ذلك من أبحاث،  فأنما كان بحثه فيها بمقدار الثمرة العلمية في أبحاث أخرى، أو الثمرة العملية في الفقه.

4-قد ينحو بعضهم  بالبحث بمقدار التعليق فقط، أو التركيز على جوانب فيه لا ترتبط بجوهره،  كما هو حال كثير من الأبحاث، إلا أن السيد السيستاني كان يحاول التجديد والابداع  في طرح الأبحاث، أمّا من طريق  طرح المطالب بصياغات جديده تتطلبها حاجة البحث لذلك، وذلك كما في بحث استعمال اللفظ المشترك في أكثر من معنى، إذ بحثه الأصوليون من زاوية الامكان  والاستحالة كبحث عقلي فلسفي لا ثمرة عملية تترتب عليه، بينما بحثه السيد  من زاوية الوقوع وعدمه، إذ إن الوقوع أدل دليل على الامكان كما قالوا، ومن ثم بحثه أيضاً من حيث امكان الاستظهار وعدمه.

وكذلك بحث التعادل والتراجع مثلا، إذ رأى أن سر البحث يكمن في علة اختلاف الأحاديث، إذ بمعرفتها تنحل المشاكل العويصة التي تعترض الفقيه والباحث والمستفيد من نصوص أهل البيت (عليهم السلام)، وبها يتم الاستغناء عن روايات الترجيح أو التمييز، ويمكن حملها على الاستحباب مثلا-كما فعله صاحب الكفاية فهذا البحث لا يصح تناوله كبحث عقلي صرف، وأنما يلزم فيه حشد الشواهد التأريخية والحديثية،  والخروج منه بقواعد هامة لحل الاختلافات مع تطبيق ذلك في الفقه أيضاً، وهذا ما فعله السيد السيستاني.

5-المقارنة بين المدارس المختلفة، أنّ المعروف عن الكثيرين من اساتذة الحوزة المباركة حصر الأبحاث في اطار مدرسة معينة، أو في حدود اتجاه خاص، بينما امتاز بطرح البحث مقارناً بين آراء المدارس المتعددة، كمدرسة مشهد المقدسة أو قم المباركة أو النجف الاشرف، ويختار آراء الأعلام ممن ينسبون الى  تلك المدارس كالميرزا مهدي الاصفهاني تعبيراً عن مدرسة مشهد، والسيد البروجردي عن مدرسة قم، والمحققين الثلاثة النائيني والاصفهاني والعراقي، والسيد الخوئي والشيخ الحلي كأمثلة لمدرسة النجف الاشرف، وبذلك تتعدد الاتجاهات المطروحة بما يوسع من زاوية البحث ويمكن من الرؤية لواقع المبحث العلمي.

 وأمّا منهجه في الفقه :

      فله أيضاً منهج خاص يتميز في كيفية تدريس الفقه، وطرح المادة الفقهية وللمنهج ملامح عدة:

أ-المقارنة بين الفقه الشيعي وفقه باقي المذاهب الإسلامية:

    لما يوفره ذلك من الاطلاع على الفقه المخالف المعاصر لزمان النص، بما يساعد في فهم مقاصد الائمة (عليهم السلام) حين طرحهم النصوص الشرعية.

ب-الاستفادة من علم القانون الحديث:

           كما في القانون الفرنسي والمصري والعراقي عند البحث في كتاب الخيارات والبيع، إذ تحصل بذلك خبرة قانونية يستعان به على تحليل بعض القواعد الفقهية وتوسعه مداركها وموارد تطبيقها.

ج-التجديد في الطرح:

     حيث إنّ طرح القواعد الفقهية غالبا ما يكون الصياغات نفسها  التي ذكرها المتقدمون، ويكون البحث فيها غالباً حول صلاحية المدرك وعدمه، ووجود مدرك آخر وعدمه.

أمّا السيد فكان يحاول تغيير بعض الصياغات القانونية لبعض تلك القواعد الفقهية، كما نجد ذلك مثلا في قاعدة الالزام، ففهمها بعضهم  من الناحية المصلحية، بمعنى أن للمسلم المؤمن الاستفادة في تحقيق بعض رغباته الشخصية من طريق  بعض الأحكام في المذاهب الأخرى وإنّ كان لا يعتقد بها طبقا لمذهبه، بينما طرح السيد هذه القاعدة على اساس الاحترام واسماها بـ(قاعدة الاحترام)، أي احترام آراء الاخرين وقوانينهم انطلاقا من حرية الرأي المعمول به في النكاح طبقا لقاعدة (لكل قوم نكاح). و(نكاح أهل الشرك جائز)، وكذلك بالنسبة لقاعدة (التزاحم)، إذ يطرحها الفقهاء والأصوليون كقاعدة عقلية أو عقلائية صرفة، بينما يدخلها السيد تحت قاعدة الاضطرار التي أشارت إليها النصوص بنحو (وليس شيء مما حرم الله إلا وقد أحله لمن اضطر إليه). 

د- متمم الجعل التطبيقي:

          قد يقوم السيد احياناً بتوسعة القاعدة الفقهية، كما في قاعدة (لا تعاد) التي خصها الفقهاء بباب الصلاة لورود النص في ذلك، بينما يجعل السيد صدر الرواية المتضمن لقوله (عليه السلام): (لا تعاد الصلاة إلا من خمس...) مصداقا لكبرى أخرى تعم الصلاة وغيرها من الواجبات، وهي الكبرى المذكورة في ذيل النص (ولا تنقض السنة الفريضة)، فالمناط في تقديم الوقت والقبلة...الخ على غيرها من اجزاء الصلاة وشرائطها، أنّما هو لكون الوقت والقبلة ونحوهما من الفرائض لا من السنن، فيكون هذا هو المناط في التقديم سواء في الصلاة أو غيرها.


هـ-النظرة الاجتماعية للنص:

                هنالك فارق بين مستويين في قراءة النص بين الفقهاء،  فمنهم من يقف على حدود الفهم الحرفي من النص من دون محاولة التوسع في فهم دلالاته والتعرف على سائر الأجواء والملابسات التي أحاطت بالنص بما يؤثر على دلالته، ومنهم من هو على خلاف ذلك ومن هؤلاء -النحو الثاني- السيد السيستاني فأنه يحاول استنطاق جميع الظروف والملابسات التي رافقت النص للخروج برؤية واقعية، وأكثر    انسجاما مع دلالات النص الشرعي، وهو ما يسميه بـ(الجو الروائي) ، ومن ذلك ما ورد من أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (حرم أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر)، إذ يرى  أن النص ناظر لظرف حرج وهو ظرف الحرب مع اليهود في خيبر، وكان المسلمون بحاجة الى الدواب ومنها الحمير لنقل السلاح والمؤن، إذ لا وسائل نقل غيرها يومئذ، وعليه فيكون النهي في الواقع نهيا اداريا مراعاة لمصلحة موضوعية اقتضتها الظروف آنذاك لا غير.

و-الخبرة العالية:

             الاهتمام بلزوم التوافر على الخبرة الكافية في العلوم التي لها دخل في مادة الاستنباط، وذلك أن بعضهم  من الفقهاء قد يكتفي  بالظهور الشخصي المستحصل من النص من دون الاخذ بعين الاعتبار القرائن المختلفة الكفيلة بتحقق الظهور الموضوعي من النص التي يفرضها لزوم للاطلاع وامتلاك الخبرة الكافية في المواد الداخلية في العملية الاستنباطية،  كلزوم المعرفة بكلام العرب وخطبهم واشعارهم وكناياتهم ومجازاتهم، كي يكون الاستظهار موضوعيا لا شخصيا ذاتياً، كما انه لابد من الاطلاع التام والمعرفة  الكافية فيما يخص كتب اللغة واحوال مؤلفيها ومناهج الكتابة فيها،  فأن ذلك يكون كفيلا ودخيلا في الموقف من الاعتماد على قول اللغوي وعدمه، كما لا تخفى لابدية الاحاطة بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) ورواتها بالتفصيل لما لعلم الرجال من دخالة هامة في تحصيل الوثوق الموضوعي التام بصلاحية المدرك وعدمه، مضافا لضرورة الالمام بكتب الحديث واختلاف النسخ ومعرفة احوال المؤلفين من حيث الضبط والتثبت ومنهج التأليف وغير ذلك.

ولذا يلاحظ أن السيد وبخصوص هذا الاخير أي الالمام بعلم الرجال وكتب الأحاديث قد أختار آراء خاصة قد خالف فيها المشهور، ومن ذلك مثلا:

أ-ذهابه الى ثبوت كتاب ابن الغضائري:

       اعتمد السيد على هذا الكتاب، وأنه هو المعتمد في مقام الجرح والتعديل أكثر   من النجاشي والشيخ وامثالهما خلافا لما اشتهر من عدم الاعتداد بالكتاب المذكور، أو بقدحه لكثرة القدح فيه أو لعدم ثبوت نسبة الكتاب اليه.

ب-الاعتماد على الطبقات الروائية: 

       اعتماده على منهج الطبقات في تعيين الراوي وتوثيقه ومعرفة كون الحديث مسندا أو مرسلا تبعا لما قرره السيد البروجردي من قبل.

ج-عدم ارتضائه لما قيل من كون الصدوق اضبط من الشيخ الطوسي:

            السيد يرى أضبطية الشيخ الطوسي ،أو لا أقل كونه ناقلاً أمينا لما وجده من الكتب الحاضرة عنده وبقرائن استند إليها، ولا يكتفي السيد بالاعتماد على الكتاب الذي فيه مجال للتشكيك في أصله دون متابعة أصل الكتاب ونسخه وما يعتمد عليه منها.


الفرع السادس: معالم شخصيته العلمية والتربوية

               ليس جزافاً أن تكون مجاري الأمور بيد العلماء أمناء الله على حلاله وحرامه، مالم يكونوا متصفين بمعالي الاخلاق ومكارم الصفات التي تمنحهم الأهلية لموقع الزعامة والريادة في الامة، وكما هو نهج العلماء العالمين فأن السيد السيستاني قد امتاز بجملة من المزايا والصفات الكريمة، والتي كان لها عظيم الأثر في صقل مواهبه الذاتية وسجاياه الخلقية، واثمرت أثرا عظيما في نفوس طلابه واتباعه ومريديه، ومما يتصل بأخلاقه العالية ومزاياه الفريدة في مجال التعليم والتزكية لطلابه ما ذكر بعض الدارسين على يديه وكان من ذلك الأمور الآتية:

1-الأنصاف واحترام الرأي، فمن منطلق عشق العلم والمعرفة والرغبة في الوصول الى الحقيقة وتقديسا لحرية الرأي والكلمة البناءة، فأنا نجد السيد كثير القراءة والتتبع للكتب والأبحاث ومعرفة آراء الاخرين، حتى لو كانوا في عداد المغمورين مثلا.

2- الأدب في الحوار، يبتعد السيد في بحثه كل البعد عن اساليب الجدل في النقاش ومحاولات اثبات الذات بما يستهلك وقت الطالب المجد، ويبعده عن رح الجو العلمي وعن الوصول لهدف وغرض رشيد، فتراه يستخدم الكلمات المؤدبة التي تحفظ للعالم مقامه ومكانته ولو كان رأيه واضح الضعف، ويتحدث مع الطلبة في محاولة اجاباته عن استفهاماتهم بروح الارشاد والتوجيه، ولو لمس من أحد الطلبة اصرارا على الرأي بلا معنى وهدف صحيح، فأنك ترى السيد يكرر الجواب بصورة علمية مؤكدة وإنّ لم ينفع التزم الصمت.

3-خلق التربية للطلبة، إذ إنّ التعليم رسالة الانبياء، وتحتاج في مزاولتها التحلي بروح الحب والشفقة على الطالب وحثه نحو تحصيل العلم والادب من خلال الطرق  الصحيحة والمرعية، ولذا نجد  السيد يحث الطلبة دائماً على سؤاله ومناقشته، فكان  كان يقول لهم (اسألوا ولو على رقم الصفحة لبحث معين أو عن اسم كتاب معين حتى تعتادوا على حوار الاساتذة والصلة العلمية به)، وكان  يحث الطلبة على مقارنة بحثه  مع سائر الأبحاث المطبوعة الأخرى والدعوة للوقوف على نقاط الضعف والقوة مع التأكيد على احترام العلماء والالتزام بالأدب في نقاش آرائهم.

4-الورع: من المظاهر الجلية عند كثير من العلماء الأعلام، ولعل في مقدمتهم  السيد السيستاني  هي  ظاهرة الابتعاد عن مواقع الضوضاء والفتن، وربما أن بعضهم  يُعد ذلك أمراً سلبياً بتصوير انه يمثل هروبا من مواجهه الواقع وتسجيل الموقف الشرعي الصريح المرضي عند الشارع المقدس، ولكن مع  شيء من التأمل والتروي يتضح بأن هكذا مواقف تكون ايجابية وضرورية احيانا رعاية للمصالح العامة إذ  إنّ تسجيل الموقف الشرعي ومواجهة الأمر الواقع مما يحتاج لظروف موضوعية وأرضية صالحة للتفاعل مع هذا الموقف، نعم لو وقعت في الساحة الاسلامية عموماً، أو المجتمع الحوزوي خاصة إثارات وملابسات قد تؤدي لطمس بعض المفاهيم الأساسية في الشريعة الإسلامية،  فأنه يتحتم حينئذ على العالم أن يظهر علمه، وإن لم يفعل سلب منه نور الإيمان - كما ورد في الخبر الشريف -، أما لو كان مسار الفتنة مساراً شخصياً وكان الجو مفعماً بالمزايدات الشخصية أو التعصبات الضيقة لاتجاه ما أو خطّ معين، أو كانت الأجواء تعيش حرباً دعائية مسعورة تؤججها نيران الحقد أو الحسد وما شابه ذلك من الادران الخلقية، فأن العلماء الأعلام لابد أن يلتزموا الصمت حينئذ رعاية للموازين العلمية والاخلاقية، ولكي لا ينجرّوا الى ما يلزمهم الابتعاد عنه والتنزه منه.

5-انفتاحه الثقافي وثراؤه الفكري: لعل من الميزات التي يشهد بها الكثيرون  للسيد  السيستاني هو عمقه الثقافي، فتراه مطلعاً على كثير من الثقافات المعاصرة والعلوم المختلفة مما يرتبط بعلم النفس والاجتماع والسياسة والادارة والاقتصاد وغير ذلك، مما نجده واضحاً في أثناء  المطالب العلمية والفقهية والأصولية التي يتناولها مستلهماً من جميع ذلك ما يؤهله لاستيعاب الاوضاع الغائبة والمعاصرة في طريق ترشيد الفتوى التي تكون مفتاحاً للصلاح . 

الفرع السابع: جهاده وتأريخه السياسي:

                لا يخفى على أحد ما لاقاه العلماء الأعلام من ظروف حرجة أبّان أيام حكم نظام صدام البائد الذي كان يسعى بكل وسيلة، للقضاء أو التضييق على الحوزة العلمية ورجالاتها، لعدم الالتقاء في الرؤى أو للاختلاف في المواقف سيما في الظروف الخطيرة والحساسة، لذا فقد قام النظام بعمليات تسفير واسعة للعلماء والفضلاء وسائر الطلاب الأجانب، وكان السيد السيستاني من جملة أولئك الأعلام الذي لاقوا ما لاقوا من جراء ذلك، فكاد أن يتم تسفيره مرات عدّة كما سُفّر جمع من تلامذته وطلاب بحثه في فترات متقاربة، إلا أنه السيد السيستاني قد أثر البقاء في النجف الأشرف ومواصلة البحث والتدريس فيها ملتزماً بالمسار الحوزوي المستقل عن الحكومات وشؤونها؛ تفادياً للسلبيات التي قد تنجم عن تغيير هذا المسار، وفي العام 1411 هـ عندما تمكن النظام السابق من القضاء على الانتفاضة الشعبية الشعبانية تم اعتقال السيد مع مجموعة من العلماء الابرار كالشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الشيخ الميرزا علي الغروي، وقد تعرضوا للضرب والاستجواب القاسي في فندق السلام وفي معسكر الرزازة وفي معتقل الرضوانية، كما ذكر ذلك بعضهم  في كتاباته. 

وفي عام 1413هـ عندما توفي السيد الخوئي وتصدى  السيد السيستاني للمرجعية الدينية خلفاً لأستاذه حاولت سلطات النظام السابق حرف مسار المرجعية الدينية، والحط من موقعية السيد المتميزة بين المراجع والأعلام، واتخذت اساليباً متعددة لإبعاد جموع المؤمنين عنه، ومن ذلك أقدامها على غلق جامع الخضراء في أواخر ذي الحجة عام 1414هـ، والذي تولى السيد إمامة الجماعة فيه بعد طلب من أستاذه السيد الخوئي،  وذلك عندما كان السيد في عيادة لأستاذه على أثر وعكة صحية ألمّت به في 29 ربيع الآخر 1409هـ، فلم يوافق السيد السيستاني في بادئ الأمر حتى ألحَّ عليه السيد الخوئي قائلاً (لو كنت احكم كما كان يفعل ذلك المرحوم الحاج آقا حسين القمي لحكمت عليك بلزوم القبول)، فاستمهله بضعة أيام ثم استجاب لطلبه وأمّ المصلين فيه من يوم الجمعة 5 جمادى الأولى 1409هـ، الى الجمعة الاخيرة من ذي الحجة عام 1414هـ، إذ أغلق المسجد بأمر السلطات كما تقدم.

وعندما وجد النظام البائد أن جميع محاولاته تلك قد باءت بالفشل، لم يجد مناصاً من التخطيط لاغتياله كما كشفت عن ذلك وثائق تعود لجهاز المخابرات كما ذكر بعضهم  ذلك.

وهكذا فقد بقي السيد السيستاني رهين داره منذ أواخر عام 1418هـ إلى أن منّ الله تعالى على العراقيين بزوال ذلك النظام البائد، وكان هاجس البحث عمن يخلف السيد الخوئي (قدس سره) في مرجعية الطائفة الأمامية الاثني عشرية مستمراً منذ الأيام الأخيرة من حياة السيد الخوئي، إذ لا بد من مرجع قادر على حفظ كيان المرجعية الدينية واستقلاليتها بما يتحلى من صفات تلزم شخص المرجع من مؤهلات علمية وورع وتقوى وحكمة ودراية وتدبير، وما كان اختيار السيد الخوئي للسيد السيستاني لإمامة الصلاة في جامع الخضراء إلا محاولة لنشر صيته في الأوساط العامة بعد أن كان منحصراً في الأوساط العلمية الحوزوية التي عرفته استاذاً قديراً في البحث الخارج لمدة ربع قرن من الزمن.

وبعد التحاق السيد الخوئي بالرفيق الأعلى في 8 صفر الخير عام 1413هـ، ارجع الى السيد السيستاني في التقليد جماعة من العلماء الأعلام وفي مقدمتهم المرحوم السيد البهشتي والشيخ البروجردي، فقلده كثير من المؤمنين في العراق وإيران وبلاد الخليج وباكستان والهند.

وبعد وفاة المرجع السيد السبزواري في 27 صفر الخير 1414هـ رجع إليه معظم مقلديه في العراق وقسم في خارجه.

وعندما توفي السيد المرجع الكلبيكاني في 24 جمادى الآخر 1414هـ عمّ تقليد السيد السيستاني مختلف الأقطار الإسلامية، ورجع إليه معظم المؤمنين في العراق ولبنان ودول الخليج وإيران والهند وباكستان والمغتربين في أوروبا وأستراليا والأمريكيتين.

وقد توسع الرجوع إليه أكثر فأكثر بعد وفاة المرحوم المرجع الشيخ الاراكي والمرحوم المرجع السيد الروحاني .

فاليوم يُعد  السيد السيستاني المرجع الأعلى للطائفة الأمامية الاثني عشرية .


المطلب الثاني: المرجعيات الدينية والموقف من بناء الدولة والقضايا السياسية     

 أ-نظرة تأريخية وإطلالة على أهم الآراء الفقهية:                                          

              برزت أهم محطة عملية تمثلت بالعلاقة السياسية بين الفقيه والسلطان، وكان لها الصدى المؤثر في العقل الشيعي؛ وذلك من خلال تجربة المحقق علي الكركي 940هـ، إذ استند في فتاويه الى خلفية فقهية ترى أن الفقيه المأمون الجامع للشرائط منصوب من قبل الإمام المهدي عج، ونتيجة لذلك  فهو مصدر الشرعية، وبذا أعطت آراؤه تلك زخماً كبيراً، وأحدثت تطوراً ملحوظاً في الفكر السياسي الشيعي على الرغم من افتقارها الى نظرية كلية وأطر واضحة. 

وفي حين أنه أسس لما يضفي الشرعية المحتملة على الحكم الصفوي في وقته، إلا أنه أسس لشرعية تدخل العلماء في السلطة السياسية.

وفي السياق ذاته، نجد المولى أحمد النراقي 1245هـ، قد توجه الى تعزيز دور الفقيه وتبوؤه مركز السلطة من طريق طرحه لنظرية (ولاية الفقيه) إذ أثبت للفقيه كل ما للنبي (صلى الله عليه وآله)،  والإمام (عج)، إلا ما أخرجه الدليل من خلال نص أو اجماع أو غيرهما، وذلك بناءً على أن الشارع المقدس قد منح الولاية للأنبياء (عليهم السلام) ثم للأوصياء (عليهم السلام) ثم للفقهاء، وقد أصبح هذا المعنى الذي قدمه النراقي للولاية هو المعنى الاصطلاحي للقائلين بـ (ولاية الفقيه) إذ استدل على جواز الولاية للفقيه،  وحصرها فيه بالأخبار والاجماع والضرورة والعقل.

ولم يكتفِ النراقي بتوسيع ولاية الفقيه في الأمور الحسبية فقط، بل تجاوز ذلك الى الأمور الولائية، فوسع من وظيفة الفقيه وأثبت له كل ما يثبت للمعصوم إلا ما أخرجه الدليل، وجعل الأدلة الواردة في ضرورة وجود امام معصوم؛ لانتظام أمور الناس هي الأدلة على ضرورة وجود الولي الفقيه لذات السبب، وبنى بذلك أساساً وإطاراً محدداً للقول بنظرية (ولاية الفقيه).

وبطبيعة الحال فأن الحديث عن إقامة دولة إسلامية (خلافة، سلطنة، إمارة) أو دولة مدنية أو مزيج من الإثنين، لم تكن حكراً على الموروث الشيعي، فأن الحديث عن إقامة الدولة عمرها من عمر الدعوة الإسلامية وإن كان المحتوى الأبرز الذي اتخذه الحوار واحتدم حوله الصراع إنما هو عن شكل تداول السلطة.

وقد عرفت الخلافة اصطلاحاً بتعاريف كثيرة منا: 

أولا -(بأنها رياسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي (صلى الله عليه وآله).

ثانيا-(وأنها حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها). 

ثالثا-(إنّ الامامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدينا).

والخلافة عند فقهاء السنة ترادف الإمامة وأنها خلافة النبوة كما مر.

وأما عن أشكال تداول السلطة في العصر الأول فقد اختلفت وتعددت ما بين:

1- طريقة الانتخاب الاستشارية: وذلك فيما عرف بالبيعة الصغرى لأبي بكر في السقيفة ثم رفع الأمر الى الأمة لتكون البيعة عامة.

2- طريقة العهد: بأن يعهد الخليفة الموجود الى شخص آخر بعده كما حصل من عهد أبي بكر لعمر .

3-طريقة الشورى: وذلك بأن يعين الخليفة أفراداً يُسمّون بـ (أهل الحل والعقد) ممن لا يتطلع لأمر الخلافة غيرهم ويضع لهم نظاماً ينتخبون به الخليفة من بينهم، كما حصل من قبل عمر بن الخطاب في شأن الستة من الصحابة، والذين كان من ضمنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأمرهم بأن يجتمعوا ويختاروا الخليفة من بينهم في مدة لا تزيد عن ثلاثة أيام، ويطرح من اتفقوا عليه مرشحاً للخلافة مع تفصيل مذكور في محله.

وفي العصر المتأخر تبلورت الآراء والنقاشات فيما يخص الدولة وشؤونها من خلال ما ألفه بعض علماء الأمة في هذا المجال.

وكان من ذلك ما ذكره عبد الرحمن الكواكبي (المتوفى عام 1902هـ) في مؤلفه من مناقشات لمسألة الدولة والحرية والعدالة ونزاهة الحاكم وقهر السلطات.

بينما ناقش الميرزا النائيني (قدس سره) تلك المفاهيم عبر سلوك السبيل الاستدلالي الفقهي من طريق كتابه والذي أصدره عام 1909م بنظرة عصرية من خلال رؤية تأسيسية لقيام حكومة إسلامية شرعية تعتمد القانون والدستور أساساً لعملها.

ومما يشار إليه أن الكواكبي والنائيني وإن كانا من مذهبين فقهيين مختلفين، إلا أنهما ينتميان إلى مدرسة واحدة في الفقه السياسي فيما يرتبط بمسائل الدولة وحرية الناس وموقف رجال الدين من الحكم والاستبداد، وشاركهما في ذلك الإطار السيد جمال الدين الأفغاني مما كان يعكس مستوىً من التنسيق بين العلماء مع اختلاف مواقع مجالسهم الفقهية إزاء قضايا الأمة وهمومها ومشاكلها من خلال طغيان الاستبداد وغياب الحرية والعدالة.

وإذا أردنا الاقتصار على الرؤية السياسية لدى الطائفة الشيعية الاثني عشرية في العصر المتأخر وفي ضوء أقوال المبرَّزين من علمائها، فأن يمكن القول بأننا أمام ثلاث رؤى رئيسة، وسنحاول إجمالها مع نسبتها لأصحابها فيما يأتي:

الرؤية الأولى: مختار الميرزا النائيني:

           يمكن إيجاز الرؤية السياسية الفقهية للميرزا النائيني ومن خلال كتابه آنف الذكر - (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) - من خلال النقاط الآتية:

1-تأصيل  كل أصول الدستور، واستخراجها من كتاب الله تعالى وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) وتدوينه مع التأكيد على حفظ جميع حقوق الشعب في الحرية والمساواة وغير ذلك، كما يتم تأسيس مجلس شورى يقوم بمهمة مراقبة المسؤولين ومحاسبتهم.

2-من مهمة  الدولة الحفاظ على الأنظمة الداخلية والدفاع عن مصالح الشعب.

3-تثبت للفقهاء في زمان غيبة المعصوم (عليه السلام) النيابة عنه في حفظ البلدان الإسلامية ونظمها مع عدِّ هذا الأمر من الأمور الحسبية.

4-عدم التراجع أمام التقدم الصناعي والثقافي والفكري والحضاري الغربي، وضرورة التعاطي معه باعتباره جزءً من المكاسب التي يجب الإفادة منها في عملية بناء الدولة الرشيدة القائمة على الدستور.

ولو أردنا صياغة هذه الرؤية من خلال مصطلح فهو الدولة الحديثة، فأنه يمكننا تلخيص رأي الميرزا النائيني في ضوء الأمور الآتية:

1-ينبغي أن تكون السلطة دستورية ومنتخبة من الشعب- أي مبدأ ولاية الأمة على نفسها-.

2-أن يمارس البرلمان المنتخب مهامه في مراقبة ومحاسبة السلطة والقيام بمسؤولية التشريع.

3-المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات أمام القانون -أي مبدأ المواطنة والإقرار بحق غير المسلم في المشاركة الانتخابية-.

4-مبدأ الفصل بين السلطات (التشريعية ، التنفيذية ، القضائية).

5-تكريس (الديمقراطية ، الشورى) كآلية لبناء وتداول السلطة.

وبذلك نرى أن الميرزا النائيني قد قدّم أطروحته عن الحكم بعيداً عن فلسفة الانتظار، ونفي قيام الدولة في عصر غيبة المعصوم (عج)، كما أنه (قدس سره) لم يصدر أطروحته تلك عن عقيدة النيابة المحضة للفقيه عن المعصوم (عج)، وإنما ابتعد بأطروحته عن خصوصيات التراث الشيعي التي تؤكد على مفاهيم الإمامة ونيابة الإمام وولاية الفقيه، وإنما قدم أطروحة نظرية للدولة تعتمد على التراث الإسلامي ككل دون استغراقه في الخصوصية الشيعية ومتفادياً السجال بين الإمامة والخلافة، ذلك أنه يبني أرؤاه على قاعدة الشورى ليؤسس دولة إسلامية دستورية برلمانية.

وعليه فقد صاغ الميرزا (رضوان الله عليه) رؤيته المتكاملة المتمثلة بإقامة حكم عادل ودستوري حتى في إطار دولة تحكمها سلطة غاصبة (مدنية)، وعبّر عن ذلك بالقول بأن اللجوء الى السلطة الدنيوية (غير المشروعة وغير الدينية في عصر الغيبة) ضروري لحفظ البلاد وبقائها من أجل حفظ الإسلام ولو بصورة مؤقتة، فهو يلجأ الى قاعدة المصلحة في المفاضلة بين الحكمين المستبد والدستوري الفاقدين للشرعية كليهما، فيما أن الإثنين يفتقران الى الشرعية، وبما أنهما قائمان كأمر واقع، فاختيار أحدهما دون الآخر إنما تقرره المصلحة، والمصلحة الجمعية تحقق في ظل الحكم الدستوري دون الحكم المستبد المطلق.

واستمداداً من فقه المعاملات فأن الميرزا يرى أن انتخاب النواب كممثلين عن الجماعة شيء يماثل عقد التوكيل لإبرام البيوع والنكاح وما شابه، وبذا يفتح المجال في حق مجلس النواب في التشريع.

ويبدو للباحث أن ذلك من خلال التماس قاعدة وجود منطقة فراغ في الحياة تتطلب تشريعات تكميلية، وأوجد حلاً وسطاً بين التراث والحداثة بإيجاد برلمان منتخب مباشرة من الأمة وتخصيص خمسة مقاعد للفقهاء فيه يختارهم البرلمان من بين عدد معين ترشحه المرجعيات الدينية يقومون بإسداء النصح للبرلمان حول انسجام تشريعاتهم العامة، وهو ما يعبر عنه اليوم بـ(المجلس الدستوري) أو(المحكمة الدستورية) الذي يدقق دستورية وعدم دستورية القوانين التي يصدرها البرلمان.

وأمّا الشورى التي اعتمدها الميرزا في مسألة ولاية الأمة على نفسها فقد استند (قدس سره) إليها على اعتبار أن حقيقة السلطة الإسلامية إنما هي الولاية على مجريات سياسة أمور الأمة ومعرفة حدودها ومقوماتها، وهي إنما تعتمد على مساهمة جميع أفراد الشعب في أمور البلاد كأصل مسلّم به، لذا فهي تكرس مبدأ التشاور مع عقلاء الأمة وهو ما يسمى بالشورى الشعبية العامة، ولا تنحصر الشورى ببطانة الوالي ومقربيه، فقد نص القرآن الكريم على مبدأ الشورى، وتبنته السيرة النبوية المقدسة كأحد أهم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وبقيت هذه السنة محفوظة إلى أن تولّى معاوية أمر الخلافة، والآية الكريمة﴿ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ﴾ تدل دلالة واضحة على هذا المعنى، إذ تخاطب الرسول(صلى الله عليه وآله) وهو العقل الكل ومعدن العصمة، وتأمره بالتشاور مع عقلاء الأمة، والظاهر من الآية بالضرورة أن مرجع الضمير يعود على جميع أفراد الأمة من المهاجرين والأنصار قاطبة، وأما تخصيصها بالعقلاء وأرباب الحل والعقد فهو من باب الحكمة ودلالة القرينة في المقام لا من باب الصراحة اللفظية.

ودلالة كلمة (في الأمر) إنما تفيد العموم، وتدل على أن ما يتشاور بخصوصه إنما هي الأمور السياسية، وأما الأحكام الإلهية فتخرج عنه من باب التخصص لا التخصيص.

 ونتيجة لذلك فهو (قدس سره) يرى أن مفهوم الشورى هو مفهوم التشاور مع كل أفراد الأمة، فهي عملية ديمقراطية انتخابية دونما لبس، ويُحيل في الموقف من القضايا الحياتية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها الى رأي الشعب.

وبالمحصلة: فأن هذه الرؤية والمنهج أنّما تعتمد على توجه فقهي جديد يستهدف وصل الخط بين الشريعة وتطورات الحياة من خلال الاعتماد على اسبقية مقاصد الشريعة، ذلك أنه يحدد الهدف أولا (دولة إسلامية)، ثم ينطلق لتكييفه ضمن الإطار الصحيح اجتماعياً واخلاقياً وفق ما تقتضيه مصلحة الجماعة في ظل الواقع القائم.

وبخصوص الهيأة المقترحة للرقابة على الحكومة فأنها وفقاً لمذهب الأمامية تحل محل العصمة بدرجة ما- ذلك أن الأساس الذي يستند إليه الأمامية هو القول بالعصمة في الولاية على سياسة أمور الأمة- وأما وفقاً لمباني أهل السنة فأنها تحلّ محلّ القوة العلمية وملكة التقوى والعدالة، والهدف من تأسيس هذه الهيأة الرقابية المقترحة إنما هو لحفظ السلطة الإسلامية وصيانتها عن الانحراف والتبدل ومراقبتها لئلّا تتجاوز الحدود المرسومة لها وإبقائها داخل الإطار الطبيعي.

وفي ضوء ذلك كله، فأن السلطة الإسلامية -من وجهة نظر الميرزا- لا بد وأن تتحدد بعد الاستئثار والاستبداد كحد أدنى مع غض الطرف عن أهلية المتصدي وما يلزمه من العصمة وغيرها من الأمور التي يختص بها المذهب الأمامي (وأن هذا هو القدر المتيقن بين الفريقين والمتفق عليه من قبل الأمة ولا ريب أنه من ضروريات الدين الإسلامي) . 

الرؤية الثانية: مختار السيد الشهيد الصدر قدس سره:

        منذ أواخر القرن التاسع عشر وتحث تأثير عوامل عديدة تنوعت بمعظمها ما بين الدعوات النهضوية – الإسلامية التي نادى بها أكثر من اتجاه في العالمين العربي والإسلامي، وبين المد الاستعمار الغربي الذي بدأ يبسط هيمنته على بلاد المشرق،، بدأت حالة من الاهتمام المتزايد بالشأن الاجتماعي العام، تستهدف لدى المرجعية الفقهية الشيعية التوفيق بين القراءة الموضوعية وتشخيص الظروف السياسية والاجتماعية المحيطة من جهة، وبين تطوير الاستدلال الشرعي من جهة ثانية،  وأخذت هذه الحالة بعد اختمارها تنمو وتدفع باتجاه البحث في المشروع السياسي الشيعي.

وفي العراق نشطت حركة الاهتمام بالشأن السياسي والاجتماعي بقوة عبر تأسيس جماعة العلماء في العراق، وحضور مجلة الأضواء النجفية أوائل الخمسينات من القرن الماضي، وكان الدور البارز للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدس سره) في ذلك كله، مضافاً لدوره في تأسيس حزب الدعوة الإسلامية عام 1957م، حيث بدأ الصدر مرتكزاً في رؤيته الفقهية على جواز مباشرة العمل السياسي عن طريق تشكيل حزب يتبنى الأمور الآتية:

1-ما أفادته آية الشورى﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورى‏ بَيْنَهُمْ ﴾  من إمكان إقامة حكم إسلامي، وفقاً لقاعدة الشورى وما تقتضيه من الانقياد لرأي الأكثرية.

2-إنّ التنظيم الحزبي هو أفضل من يتولى وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يفرضه الإسلام.

3-إنّ النظرة القدسية التي أفاضتها عقيدة الشيعة الأمامية على المرجعيات الدينية والفقهاء، باعتبارهم نواباً للإمام (عج) تملي ضرورة عدم تصدي هؤلاء للعمل السياسي البحت، إذ قد يخل ذلك بتلك النظرة القدسية، وعليه: فالمطلوب هو المزاوجة بين المرجعية الفقهية والتنظيم السياسي، لما قد ينتج عن ذلك من تحويل لإمكانيات المرجعية باتجاه الحزب، ليتحول بدوره على أساس تلك المزاوجة الى قيادة سياسية تنظم حركة الأمة وتنطق بأسم مرجعيتها فيما يخص الشأن العام.

إلا أن المرجعية الدينية في عهد السيد الحكيم (قدس سره) كان لها رأي آخر بخصوص المسألة الحزبية إذ كانت ترى ما يأتي:

1-عدّ المرجعية الدينية هي القاعدة الأساسية لتنظيم العمل السياسي الإسلامي.

2-النظر الى الأوساط العلمية الحوزوية كنافذة طبيعية بين المرجعية والناس وعدم استبدالها بالكوادر الحزبية.

3-التأكيد على قداسة المرجعية وانفصالها التام عن العمل الحزبي.

4-المعارضة السرية التامة التي تحتكم إليها الأحزاب باعتبار أن القيادة يجب أن تكون تحت رقابة الجماعة بما يضمن عدم انحرافها.

فأدى ذلك إلى انسحاب السيد الصدر (قدس سره) من الحزب عام 1960م بطلب من السيد الحكيم (قدس سره) كما قيل.

ولتسليط الضوء أكثر على مختار السيد الشهيد (قدس سره) في نظريته لإقامة الدولة الإسلامية وفرقه عن مختار الميرزا النائيني (قدس سره) المتقدم، نجد أن السيد الشهيد (قدس سره) قد اقترب تارة من رؤية الميرزا النائيني (قدس سره) الى حد التطابق وابتعد عنها أخرى.

أما اقترابه (قدس سره) من نظرية الميرزا (قدس سره)، فمن حيث آليات بناء الدولة الإسلامية (الانتخابات)، وإلا تقتصر تلك الانتخابات على العلماء فقط، وأنما يلزم أن تكون شعبية، كما يقترب منها في لزوم تأسيس مجلس شورى أو هيأة مسددة، مضافاً للزوم تدوين دستور للبلاد، وتحفظ فيه الحقوق والواجبات وتمنح فيه الحريات.

إلا أنه ابتعد عن مختار الميرزا (قدس سره) من حيث اشتراطه ولاية الفقيه، وأنها لا يمكن عزلها أو فصلها عن فكرة الدولة الإسلامية، فالنبي(صلى الله عليه وآله وسلم) هو حامل الرسالة من السماء باختيار من الله تعالى، والمرجع هو الانسان الذي اكتسب من خلال جهد بشري ومعاناة طويلة الأمد استيعاباً حياً وشاملاً ومتحركاً للإسلام ومصادره، وورعاً معمقاً يروض نفسه عليه حتى يصبح قوة تتحكم في كل وجوده وسلوكه، فالنبي والإمام معينان من الله تعالى تعييناً شخصياً، وأما المرجع فهو يعين تعيينا نوعياً، أي أن الإسلام حدد الشروط العامة للمرجع وترك أمر التعيين والتأكيد على انطباق الشروط إلى الأمة نفسها، ومن هنا كانت المرجعية كخطّ قراراً إلهياً، والمرجعية كتجسيد في فرد معين قراراً من الأمة.

وبهذا يتضح أن السيد الشهيد (قدس سره) قد سعى لإقامة دولة إسلامية وفق المذهب الشيعي في حين أن الميرزا النائيني (قدس سره) كان يصيغ رؤية الدولة لكل المسلمين كما تقدم.

وهنالك فارق جوهري آخر يمكن رصده من خلال المقارنة بين منهجي العلمين (قدس سرهما) وذلك يكمن في أن الشهيد الصدر (قدس سره) كان يرى أن لا مستقبل للأمة الإسلامية في دولة لا تتضمن العناصر التي اشترطها بها وأهمها ولاية الفقيه، وتطابقها مع العقيدة.

وبخلاف ذلك فأنها ستبقى أسيرة التخلف والانحطاط، في حين أن الميرزا النائيني (قدس سره) كان يُحيل التخلف والانحطاط إلى عوامل الاستبداد وافتقار الحريات وغياب القانون والدستور والرقابة.

ومما تجدر الإشارة إليه أيضاً أن الشهيد الصدر (قدس سره) لم يعالج مسألة الإمامة والولاية وضرورتهما من خلال النص الديني فقط وإنما بنى ذلك على أساس الأدلة الاجتماعية والسياسية والفلسفية ومن خلال الموقع النقدي للتأريخ الإسلامي والمستوى الفكري والذهني للمسلمين بعد وفاة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).

الرؤية الثالثة: مختار السيد الخميني قدس سره في حكومته الإسلامية

                بعد مخاض التجربة السياسية الشيعية منذ زمن الميرزا النائيني (قدس سره)، وإشكاليات العمل الحزبي في العراق، وحيث كانت الساحة في النجف تغلي لانتهاج أفضل الخيارات والأساليب في العمل الإسلامي، ونجد أن السيد الخميني (قدس سره) قد طرح نظرية ولاية الفقيه المطلقة وذلك بالارتكاز على الأمور الأتية:

1-ضرورة وجود دولة إسلامية في ظل غيبة الإمام المعصوم (عج) واعتبار تأسيسها من الواجبات الكفائية على الفقهاء بحيث إذا ما قام أحدهم بإقامتها سقط عن الآخرين ذلك الوجوب ولزمتهم طاعته، وإنّ حكم ذلك المجتهد يكون سارياً على جميع المراجع دون اشتراط الأعلمية فيه فضلاً عن المرجعية.

2-إنّ الولاية في الأصل لله تعالى وهو عيّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) مدبرون واولياء، والفقيه الجامع للشرائط يكون مفوضاً من الإمام المعصوم للقيام بأعمال الولاية، ولا تحدّ صلاحياته بالأمور الحسبية فقط، وإنّ ولاية الفقيه تعد من أهم الأحكام الإلهية، ومقدمة على جميع تلك الأحكام ولا تتقيد صلاحياتها في إطارها.

فالحكومة واحدة من الأحكام الأولية، وهي مقدمة على الأحكام الفرعية حتى مثل الصلاة والصوم والحج، وتستطيع الحكومة أن تلغي من جانب واحد الاتفاقيات الرعية التي تعقدها مع الأمة إذا رأت أنها مخالفة لمصالح الإسلام أو الدولة، كما تستطيع أن تقف أمام أي أمر عبادي أو غير عبادي يخالف المصالح العامة التي تحددها بنفسها.

3-طاعة الناس للولي الفقيه واجبة، من دون أن يكون لهم حق في تنصيبه أو عزله أو التدخل في وظائفه أو الإشراف عليها.

4-الولي الفقيه هو مصدر الشرعية في الدولة واستمرارها، وسلطته لا تقف عند حدود الدستور أو القانون، فهو مخول في إلغاء القانون ونقض الدستور إن رأى مصلحة الإسلام في ذلك.

5-تمتاز هذه الولاية بمفهوم خاص للفقاهة، إذ توجب في شخص الولي ملكات وصفات لم تشترط في غيره، من قبيل إحاطته بكل مصالح الحكومة، وأن يكون متنعماً برؤية تمنحه القدرة على التصدي لكل المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية وغيرها.

وإذا أردنا أن نقف قليلاً عند الفرق الفارق بين نظريتي السيد الشهيد (قدس سره) والسيد الخميني (رحمة الله عليه) بعد اتفاقهما على القول بنظرية ولاية الفقيه خلافاً للميرزا النائيني (قدس سره) كما تقدم.

فمما يبدو للنظر أن السيد الشهيد قدس سره قد زاوج بين مبدأي الشورى والولاية المطلقة للفقيه، فقد اعتبر (قدس سره) أن الشريعة الإسلامية هي المنبع الأساس لكل القوانين والتشريعات.

وأنّ المرجع المتصدي لنيابة الإمام المعصوم (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن الغيبة والذي تتوفر فيه صفات القيادة والفقاهة المعتبرة، لا بد أن يكون تعيينه من طريق الانتخاب عبر شورى المرجعية، ويتمتع بصلاحيات عديدة كرئاسة الدولة العليا والقيادة العامة للقوات المسلحة، وحق اتخاذ الأحكام الشرعية والتصديق على القوانين الصادرة، واتخاذ التدابير اللازمة لتقويم كل ما يراه انحرافاً عن الخط الرباني، كما أنّ له حق ترشيح أشخاص من قبله لرئاسة السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو تزكية المرجعية لهما مع اعتماد الانتخاب فيهما وفق قاعدة الشورى ومع اعتبار الولاية المتساوية للمؤمنين والمؤمنات بعضهم على بعض، كما أن الدولة الإسلامية تكفل الحريات المطلقة لمواطنيها بما لا يتعارض وأحكام الشريعة الإسلامية.

وللتوسع أكثر في ذكر تفاصيل الأقوال المذكورة وغيرها تراجع الكتب والمصادر ذات العلاقة بهذا الموضوع.

وإنما ذكرنا ما تقدم تمهيداً وتوطئة لمعرفة المنهج المختار عند السيد السيستاني وأنه مع أي المناهج المتقدمة أكثر انسجاماً.


ب-السيد السيستاني والموقف السياسي:

              على الرغم من أن الظروف والاوضاع الشديدة المتعاقبة ربما لم تسمح للسيد السيستاني من صياغة أفكاره ورؤاه حيال الدولة وما يرتبط بها بشكل متكامل إذ تبرز على شكل كتاب مثلاً كما هو حال من سبقه من الأعلام (قدست أسرارهم) ممن تقدم ذكرهم وغيرهم، إلا أنه ومن خلال البحث والتمحيص والاستقراء الدقيق لمجمل آراء ومواقف السيد السيستاني لاسيما في الظروف الاستثنائية العصيبة التي مرّ بها العراق على وجه الخصوص والتي كانت تهدد مستقبل ووجود أبنائه، بل وجوده الجغرافي والإقليمي أيضاً، يمكن استشراف الأطر العامة التي تشكل واقع النظرة السياسية والمنهج المختار لدى السيد إزاء الموقف من الدولة وأركانها ومقوماتها وشرائط وجودها.

ومما لا ريب فيه أن طبيعة الظروف والملابسات التي مرّت وتمرّ على الساحة العراقية وامتدادها في محيطها العربي والإسلامي والدولي، لابد وأن تلقي بشكل أو آخر بظلالها على الموقف من موضوعة (الدولة) واختيار الأسلوب الأمثل في اختيار المنهج فيها بما يتناسب مع الواقع العراقي بظروفه وشروطه وتعدد أطيافه وتاريخ قمعه ومعاناته، وبما يؤهله لتجاوز جميع الأزمات والتحديات ليكون سيد نفسه آخذاً دوره ومكانته اللائقة به في المحيط العربي والإسلامي والدولي.

وبملاحظة ذلك كله وغيره نجد وبوضوح - وكما سيتبين من خلال الشواهد القادمة بإذن الله تعالى - أن مسلك السيد السيستاني في اختيار الدولة وشرائط اقامتها أقرب ما يكون الى رؤية الميرزا النائيني (قدس سره)، إذ إنّ التنوع الديني والمذهبي والاثني الفكري لأطياف الشعب العراقي يحتم وبلا شك على انصهار الجميع في بوتقة العراق الواحد وأن يأتي نظامه وشكل دولته على قاعدة الاختيار الحر الطوعي ومن خلال المساواة الكاملة الحقيقية بين جميع أفراد الشعب ومكوناته وحرية التعبير لكل منهم عن آماله وأحلامه وممارسته طقوسه وشعائره بما يوحد طاقات الجميع في بناء البلد الواحد المنشود.

لذا نجد أن أطروحة الميرزا النائيني (قدس سره) في منهج إقامة الدولة اعتماداً على مبدأ الشورى والانتخاب وفي إطار النظرية الإسلامية بشكل عام بعيداً عن الخصوصية المذهبية الشيعية، فضلا  على إعطاء حق الانتخاب لسائر أفراد الشعب ومكوناته كانت هي السمة الظاهرة في منهج السيد السيستاني كما سيتبين في النقاط الأتية:

النقطة الأولى: دولة المواطنة:

في ضوء ما تقدم لا بد وأن تكون دولة المواطنة البعيدة عن الخصوصية الدينية أو المذهبية هي الخيار الأفضل الذي يمكن أن يحفظ حقوق الجميع ويحقق أهدافهم بعيداً عن الخيارات المتطرفة التي قد تولد انفعالات نفسية جمعية تدفع باتجاهات متنوعة ومتعددة قد تصل الى حد التناقض بل، وقد تصل الى حدود المطالبة بتقسيم العراق أو انفصال بعض أجزائه، سيما مع عدم امتلاك القرار السيادي الموحد الرصين في ظل تدخلات خارجية وقوى تحاول السيطرة على مقدرات البلد وتوجهات أبنائه.

وعندما سُئل السيد السيستاني عن رأيه في إقامة دولة إسلامية في العراق أجاب قائلاً: (إنّ من يكتب الدستور هم مسلمون وبالتالي فأن مكونها الثقافي والحضاري الإسلامي سيجد صداه وينعكس في الدستور)، فيلاحظ أن رهان السيد السيستاني إنما كان على وعي وثقافة الأمة الإسلامي الجمعي والتوجه الى الإسلام ككل واحد، بل وأرسى السيد الحقوق الكاملة للمواطنة ولجميع الأديان والمذاهب وحق الجميع في الأمن والأمان والحماية والحريات، وذلك كما نجده في هذا البيان الصادر من مكتبه المبارك بتأريخ 14 محرم الحرام عام 1428هـ وهذا نصه:

" بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ واعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا ﴾

تمرّ الأمة الاسلامية بظروف عصيبة وتواجه أزمات كبرى وتحدّيات هائلة تمسّ حاضرها وتهدّد مستقبلها، ويدرك الجميع ـ والحال هذه ـ مدى الحاجة الى رصّ الصفوف ونبذ الفرقة والابتعاد عن النعرات الطائفية والتجنّب عن إثارة الخلافات المذهبية، تلك الخلافات التي مضى عليها قرون متطاولة ولا يبدو من سبيل الى حلّها بما يكون مرضيّاً ومقبولاً لدى الجميع، فلا ينبغي اذن إثارة الجدل حولها خارج إطار البحث العلمي الرصين، لا سيما أنها لا تمسّ أصول الدين واركان العقيدة، فأن الجميع يؤمنون بالله الواحد الأحد وبرسالة النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) وبالمعاد ويكون القرآن الكريم ـ الذي صانه الله تعالى من التحريف ـ مع السنة النبوية الشريفة مصدراً للأحكام الشرعية وبمودة أهل البيت (عليهم السلام)، ونحو ذلك مما يشترك فيها المسلمون عامة ومنها دعائم الاسلام : الصلاة والصيام والحج وغيرها.

فهذه المشتركات هي الأساس القويم للوحدة الإسلامية، فلا بدّ من التركيز عليها لتوثيق أواصر المحبة والمودة بين أبناء هذه الأمة، ولا أقل من العمل على التعايش السلمي بينهم مبنياً على الاحترام المتبادل وبعيداً عن المشاحنات والمهاترات المذهبية والطائفية أيّاً كانت عناوينها.

فينبغي لكل حريص على رفعة الاسلام ورقيّ المسلمين أن يبذل ما في وسعه في سبيل التقريب بينهم، والتقليل من حجم التوترات الناجمة عن بعض التجاذبات السياسية لئلا تؤدي الى مزيد من التفرق والتبعثر وتفسح المجال لتحقيق مآرب الاعداء الطامعين في الهيمنة على البلاد الاسلامية والاستيلاء على ثرواتها" .

النقطة الثانية:

وأما رأي السيد السيستاني في موضوع الدولة فيمكن إجماله في العناوين الأتية:

-تمكين الشعب العراقي من ممارسة حقه في اختيار دستوره ونوابه في إطار انتخابات عامة نزيهة وبإشراف دولي.

-ضمان مشاركة أوسعُ قطاعات الشعب العراقي في هذه الانتخابات.

-التصدي لعوامل الفتنة المذهبية والطائفية والعرقية والتصدي لجميع الأصوات الداعية إلى الفتنة.

-التأكيد على المشتركات الجامعة للمسلمين بمختلف مذاهبهم وعدم الانجرار الى ما يختلف عليه لكونه جزئياً وموروثاً تأريخياً لا يضر ولا ينتقص من المشتركات التي تبقى هي جوهر الإسلام الحنيف.

-التأكيد على حماية الأقليات الدينية وحماية حقها في ممارسة شعائرها بحرية وتمتعها الكامل بحقوق المواطنة ورفض أي شكل من أشكال التمييز بحقها.

-تأكيد حق المرأة كاملاً في العمل والوظائف والحقوق والواجبات التي يكفلها الدستور لكل مواطن بغض النظر عن دينه أو جنسه أو عرقه.

-التأكيد على المصير المشترك للعراق في إطاره العربي والإسلامي، من خلال دعمه لنضال الشعب الفلسطيني في حقه في تقرير مصيره واستقلاله في أرضه، وإدانة السياسات العنصرية الإسرائيلية تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم.

-التأكيد على مبادئ حسن الجوار مع المحيط العربي والإسلامي، مع التأكيد على 

رفض التدخل في شؤون العراق الداخلية ومن أية جهة كانت.

-احترام المواثيق الشرعية الدولية والهيئات الدولية وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة باعتبار أن العراق من الدول الفاعلة فيها والمؤسسة لها.

-الانحياز إلى جماهير الفقراء والمضطهدين والمهمشين والدعوة إلى إنصافهم ورفع الحيف عنهم أينما كانوا.

النقطة الثالثة: 

ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد الأمور الأتية:

1-إن الوحدة الوطنية هي القاعدة الأساس التي يرتكز عليها البناء الاجتماعي ويجب الحفاظ عليها في جميع الظروف والأحوال.

2-لا يعمل السيد السيستاني بسياستين الشيعية في الوسط الشيعي، وسياسة مع الحكومة التي تضم تيارات وأطراف ومذاهب اجتماعية ودينية وسياسية مختلفة، بل إنما هي سياسة واحدة تقوم بالتركيز على مصالح الشعب العراقي بجميع شرائحه وفئاته، وهي السياسية المعتمدة للمرجعية الدينية تأريخياً، ومن أمثلة ذلك وقوف المرجعية الدينية إلى جانب الدولة العثمانية في العراق في حربها ضد البريطانيين عام 1914م – 1917م مع أن البريطانيين قد جاؤوا تحت ذريعة إنقاذ الشيعة من حكم الدولة العثمانية السنية.

3-تقف المرجعية الدينية مع التطلعات المشروعة للتيارات والأفكار والأحزاب والجماعات السياسية شريطة أن تكون الدعوة خاضعة لمنطق الحريات والدفاع عن الاوطان والسيادة الوطنية وما يتطابق مع المصالح الوطنية العليا والوحدة الإسلامية الكبرى، وأنها تقف على مسافة واحدة من الجميع.

4-إنّ المرجعية الدينية ورغم مكانتها الكبيرة والمهمة في أوساط المجتمع العراقي إلا أنها ليست بديلاً عن مرجعية الدولة، ولا تتنافر معها أو تتناقض إذا كانت الحكومة تتحرك وفق دستور متفق عليه يمكن أن يسيّر شؤون البلاد وإنّ وجدت ملاحظات حول بعض بنوده، ومن الأهمية بمكان الانتباه الى استراتيجية واضحة في تعاطي المرجعية الدينية مع بعض القضايا المركزية والملقات الهامة التي تقع على عاتق الحكومة المنتخبة، وذلك أن المرجعية الدينية تعطي في تلك القضايا والملفات الدور الواسع للحكومة ولا تقف رديفاً موازياً لمبادراتها ومشاريعها الكبرى، إيماناً منها بحق الدولة وممارسة منها لدور الرقابة الأمنية والقيادة الواعظة من دون التدخل الحقيقي في شؤون الدولة الإجرائية.

هذه عصارة ما تمكن الإشارة إليه فيما يرتبط بمناهج ورؤى بناء الدولة عن أعلام الأمة وفقهائها المبرزين، وطبيعة المنهج المختار لدى السيد السيستاني، والذي بان تماشيه كثيراً مع مختار الميرزا النائيني (قدس سره) دون رأي العلمين السيد الصدر والخميني (قدس سرهما) ولو بحكم الظروف الخاصة التي تحكم العراق وأطيافه المتعددة.

وبه نصل إلى نهاية البحث حول أبرز جوانب مسيرة السيد السيستاني وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلوات وأتم التسليم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.


المباني الأصولية عند السيد علي السيستاني وتطبيقاتها الفقهية - مهدي زيدان الكعبي
تعليقات