1- المبادئ لغة:
اسم ظرف من البدأ، و"الباء والدال والهمزة: من افتتاح الشيء، يقال: بدأت بالأمر وابتدأت، من الابتداء".
ومبدأ الشيء قواعده الأساس التي يقوم عليها، ومبدأ الشيء أوله ومادته التي يتكون منها، كالطين مبدأ الإنسان، قال سبحانه وتعالى:وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ. ويقال النواة مبدأ النخل، أي أصلها، والحرف مبدأ اللغة، أي أساس تكوينها الأول، وكل هذه السياقات بالصيغ الأسمية للكلمة، أما الفعلية، منها يقال: أحمد بدأ أخاه بالكلام، أي: سبقه بالتحدث، وجاء في معجم العين: "والبدء مهموز، وبدأ الشي يبدأ، أي: يفعله قبل غيره".
وذلك أن تبدأ قبل غيرك في الرمي وغيره، والمبدأ هو المقدم على كل شيء ويقال: الخيل مُبدأة يوم الوِرد، أي مقدمة على غيرها ويبدأ بها في السقي.
2- المبادئ اصطلاحاً:
لفظ المبادئ من الألفاظ المتداولة في أغلب العلوم فهو يمثل المنطلق نحو الأفكار الأساسية العامة، ولكل علم مبادئ ومسائل، والمبادئ هي الحدود والمقدمات التي منها تؤلف قياساته.
فهي تمثل المنطلق الفكري وهي التي: "تتوقف عليها مسائل العلم"، وكذلك هي: "الأشياء التي يبنى العلم عليها وهي أما تصورات واما تصديقات"، والمبادئ لا تحتاج إلى البرهان بخلاف المسائل فإنها تثبتُ بالبرهان القاطع، وقسمت المبادئ على قسمين: مبادئ العلم نفسه ومبادئ لمسائله، فالأولى ما يتوقف عليه الشروع في العلم إجمالاً، والثانية ما تتوقف عليها مسائل العلم، بلا واسطة؛ لأنها منها.
3- الأقوال في ماهية مبادئ الشريعة العامة:
هناك عدة أقوال في المعنى المراد من مبادئ الشريعة الإسلامية العامة، ومنها:
القول الأول: هي الأحكام القطعية في ثبوتها ودلالتها فهي تمثل من الشريعة مبادئها الكلية وأصولها الثابتة والتي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، فهي الأحكام الثابتة في القرآن والسنة المتواترة دون غيرهما من المصادر الأخرى باعتبار أن هذه الأحكام غير خاضعة للاجتهاد، وهي الأحكام المتفق عليها والتي لا يجوز أحداث تشريعات مخالفة لها ولو في منطقة الفراغ التشريعي؛ لذلك السنهوري(ت1391هـ)، لا يفرّق بين مصطلحي الأحكام والمبادئ ويستخدمها كمرادفات بعضها لبعض ولا يجوز مخالفتها إذا كان مصدرها القرآن والسنة، ومن الأمثلة على ذلك وجوب الصلاة والصوم في شهر رمضان والزكاة وحرمة شرب الخمر والزنا وغيرها.
القول الثاني: الأدلة الكلية في القواعد الأصولية والفقهية التي لا تتغير بتغير الزمان والمكان، ومن الأمثلة على ذلك من القواعد الأصولية حجية القرآن الكريم بنصوصه القطعية وحجية ظواهره، ومن القواعد الفقهية، قاعدة من حاز المباحات ملكها، وهي اصل الملكية في الشريعة الإسلامية، وكذلك لا ضرر ولا ضرار في الإسلام.
القول الثالث: وهناك من يرى بأنها غير ما تقدم من الأحكام الشرعية القطعية والأدلة الكلية، فهي مجرد المبادئ العامة للشريعة والتي منها مبدأ العدل، ومبدأ الحرية، ومبدأ التيسير، ومبدأ حفظ النظام، ومبدأ المساواة بين البشر، ومبدأ منع الضرر، ومبدأ حفظ الدين، ومبدأ حفظ النفس، ومبدأ حفظ النسل والينبوع البشري، ومبدأ حفظ العقل، ومبدأ عدم الإكراه في الدين وغيرها الكثير من مبادئ الشريعة المقدسة، وتقول المستشارة تهاني الجبالي(*)(ت1443هـ): "كما أنها –أي: مبادئ الشريعة الإسلامية – تعد مصدرًا باعتبارها أكثر تحديداً من المبادئ المستمدة من القانون الطبيعي وقواعد العدالة التي لا تصلح للتطبيق المباشر، وذلك لكون مبادئ الشريعة تحتوي أيضاً المبادئ الشرعية الكلية (جوامع الكلم الفقهية) التي استنبطها الفقه من الأصول وشهد بصدقها الفروع ومنها على سبيل المثال لا الحصر أن (شكل العقد يحكمه قانون حصوله)، أو (أن الغش يفسد كل شيء)، أو (الغرم بالغنم)، أو (لا ضرر ولا ضرار)".
القول الرابع: يرى بعض من الفقهاء الاسم العلمي لمبادئ الشريعة هو المقاصد، وهي الغايات والمصالح، والأهداف التي جاءت الشريعة المقدسة لتحقيقها في دنيا الناس، والمبادئ بهذا المعنى هي من الفقه والفهم للشريعة وليست هي الشريعة ذاتها، وإنما هي نظريات وفهم عميق ومهم لهذه الشريعة.
ويتجه موضوع البحث مع القول الثالث وهو المبادئ العامة المسلم بها في جميع المذاهب الفقهية الإسلامية دون الأخذ بنظر الاعتبار المسائل الجزئية التفصيلية والتي تختلف من مذهب إلى آخر، وكذلك بعض القواعد الفقهية الكبرى والتي هي التعبير الحقيقي عن هذه المبادئ العامة مثل (لا ضرر)، و(لا حرج)، والتي يستظهر في مواطن عديدة ومسائل شتى نجد أن صاحب الجواهر(ت1266هـ) اعتبر لا حرج مبدأ من مبادئ التشريع لا قاعدة من قواعده، فهو يرفع رتبتها فوق رتبة العناوين الثانوية.