الحكم الشرعي من إهمال الزوجة عاطفيّاً وجنسيّاً والموقف من الطلاق القضائي

 

السؤال: 1 ـ ما هو حكم إهمال الزوجة عاطفيّاً ولفظيّاً بسبب الانشغال مع الأصحاب، وفي طلب الرزق، مع العلم أنّ الزوجة لديها وظيفة، ولكنّها عاطفيّاً تجد فراغاً بداخلها؟

2 ـ هل يجوز للمتزوّجة أن تمارس العلاقة مع رجلٍ آخر بدون حصول الحمل، إذا كان الزوج غير قادر على إشباعها جنسيّاً، ولا حتّى عاطفيّاً، وهو كثير التأخّر عن المنزل؛ لانشغاله مع رفاقه، والزوج سيء ويرفض الطلاق، والمرأه تجد عذاباً وتقصيراً منه في حقوقها، وهي دائمة السكوت، والعمر يمضي، وحياتها العاطفيّة تتدهور نفسيّاً؟

3 ـ دائماً نقول بأنّ أحكام الإسلام هي أفضل أحكام للمجتمع، ولو طبّقت هذه الأحكام لانحلّت المشاكل، ولكن ماذا لو تسبّبت الأحكام في المشاكل؟ مثلاً حكم الإسلام بالنسبة لطلاق المرأة هو أنّها لو أرادت الطلاق يجب أن تهب مهرها وتدفع شيئاً كي يطلّقها الرجل، وحتى مع ذلك لو لم يرد يستطيع أن لا يطلّقها.. شيخنا بسبب هذا الحكم هناك نساء يطول طلاقهنّ سنين، وهنّ يأتين ويذهبن إلى المحاكم، وأنت تعلم المفسدة المترتبة على ذلك، بينما الشيخ الصانعي يقول في مثل هذه الحالة يجب الطلاق على الرجل وإن لم يطلّقها وجب على حاكم الشرع أن يطلّقها. فما رأيكم بهذا الموضوع؟ 

الجواب: يجب على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف، واحترام حقوقها العاطفيّة والجنسيّة ما دام قادراً على ذلك، وعلى الزوجة إزالة كلّ المنفّرات والعوائق التي تحول دون تفاعل زوجها العاطفي والروحي والجنسي معها مهما بلغت إلى ذلك سبيلاً، ويتأكّد هذا كلّه في حال إمكان وقوع الزوجة أو الزوج في خطر المعصية من ناحية أخرى لو لم يتمّ تلافي هذه الأمور. وطلب الرزق والعمل والوظيفة وإن كان في عصرنا هذا عنصر ضغط هائل على الإنسان، لكنّ ذلك لا يمنع من ممارسة بعض التصرّفات البسيطة جداً من قبل الزوج أو الزوجة، والتي لا تأخذ وقتاً، لكنّها تُحدث حياةً جديدة في روحهما، لاسيما الزوجة ونفسيّتها، فالتذرّع بكثرة العمل والانشغال لا يبرّران ذلك عادةً.

لكن في المقابل، لا يجوز للزوجة ارتكاب أيّ محرّم من المحرّمات نتيجة هذا الوضع، سواء كان هذا المحرّم هو الزنا أو ما هو أقلّ منه فاحشةً، بل عليها أن تصبر وتحتسب ذلك عند الله تعالى، وأن تفكّر في الأسباب التي أدّت إلى هذا الوضع، وتمارس نقد ذاتها؛ فلعلّها كانت سبباً من حيث لا تشعر. وأمّا إذا أدركت عدم تقصيرها ويئست من الوضع القائم ولم تقدر على الصبر أو كان شاقّاً عليها جدّاً أو خافت الوقوع في المعصية، أمكنها رفع أمرها إلى القضاء الشرعي للمطالبة بحقوقها الثابتة لها. وإذا كان بعض الفقهاء وقضاة الشرع لديهم توجّهٌ فقهيّ متشدّد نسبيّاً (إذا صحّ التعبير) إزاء حقوق المرأة، فبإمكان هذه الزوجة رفع أمرها إلى جهات فقهائيّة قضائيّة تُعرف بآرائها الاجتهادية الليّنة نسبيّاً تجاه قضايا المرأة والمتفاعلة معها، فإذا تحسّن الزوج فبها ونعمت، وإلا أمكن ـ في بعض الأحيان ـ طلاق الحاكم لها شرعاً، وإن كان هذا الأمر ما يزال ميدانيّاً يعاني من تعقيدات تسبّبت في مآسٍ عظيمة للكثير من النساء في عالمنا العربي والإسلامي، رغم أنّ غير واحد من كبار الفقهاء ذهب إلى أنّ للحاكم الشرعي طلاق كلّ امرأة إذا أرادت وكان زواجها يسبّب لها ضرراً أو حرجاً عظيماً، وقد كان للسيد الطباطبائي في ملحقات العروة الوثقى وللشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في تحرير المجلّة (وغيرهما أيضاً) موقف مؤيّد لتوسعة مساحة الطلاق القضائي تميّزا به، ويبدو لي أنّه جدير بالاختيار والتبنّي. ولنعم ما قاله العلامة الشيخ محمد جواد مغنيّة في كتابه (فقه الإمام جعفر الصادق 6: 50)، مدافعاً عن مسألة الطلاق القضائي: (.. لا أعرف مسألةً فقهيّة تدعو الحاجة إلى تمحّصها، والجرأة في بيان الحقّ، أكثر من هذه، بعد أن عمّت بها البلوى، وكثرت الشكوى من عدم الحلول لهذه المعضلة الاجتماعيّة). ويذهب المرجع الديني المعاصر الشيخ يوسف الصانعي إلى وجوب طلاق الخلع على الزوج عندما تتمّ شروطه الموضوعيّة وتطالب به الزوجة، وهو قولٌ منسوب أيضاً إلى عدد من الفقهاء مثل: الشيخ الطوسي، وابن زهرة الحلبي، وابن حمزة، وأبي الصلاح الحلبي، وابن البراج الطرابلسي، وغيرهم. ويذهب المرجع الديني المعاصر أيضاً الشيخ محمّد إبراهيم الجناتي إلى أنّ بإمكان المرأة الطلاق عند عدم أداء الزوج لحقوقها أو سوء عشرته معها أو ابتلائه بأمراض معدية عسيرة العلاج تتهدّد الحياة الزوجيّة.

وأخيراً، يُنصح بالمشورة لأهل العقل ورجاحة الرأي من المحيطين بالزوجة وبأسرتها، فلعلّهم يرشدونها إلى أمور يمكن من خلالها حلّ هذه المشكلة؛ لأنّ الكلام النظري العام شيء ومتابعة التفاصيل شيء آخر عادةً.

سماحة الشيخ حيدر حب الله

تعليقات