طهارة الكلب عند الشيعة

 س: هل يوجد من فقهاء الشيعة من يقول بطهارة الكلب ؟

ج: المعروف بين الإماميّة نجاسة الكلب مطلقاً بلا أيّ تفصيل، نعم بعض فقهاء الشيعة قد قال بطهارة الكلب فقد :

1- ذهب السيد المرتضى (436هـ) إلى طهارة شعر الكلب والخنزير وما لا تحلّه الحياة منهما، وذلك في كتابه (الناصريات: 100 ـ 101).
2- وذهب الشيخ الصدوق إلى رأي نادر وهو القول بطهارة كلاب الصيد حصراً ونجاسة الأصناف الأخرى من الكلاب ، إذ قال الشيخ الصدوق (381هـ) في (كتاب من لا يحضره الفقيه 1: 73) ما نصّه: (ومن أصاب ثوبه كلب جاف ولم يكن بكلب صيد فعليه أن يرشه بالماء، وإن كان رطباً فعليه أن يغسله، وإن كان كلب صيد وكان جافاً فليس عليه شيء، وإن كان رطباً فعليه أن يرشّه بالماء) .
3- وقد اختار القولَ بطهارة شعر الكلب والخنزير الشيخُ الصادقي الطهراني المعاصر رحمه الله في كتابه (رساله توضيح المسائل نوين: 40) .
4- واختار القول بطهارة الكلاب المستأنسة أحد الفضلاء الباحثين المعاصرين وهو الشيخ أحمد عابديني، وذلك في مقال له نشر في العدد 26 ـ 27 من مجلّة الاجتهاد والتجديد في بيروت.

ويستند فقهاء الإماميّة في نجاسة الكلب وشعره ولعابه :
إلى مجموعة من الروايات في هذا الموضوع، بعضها يتعلّق بسؤر الكلب، وبعضها يتعلّق بالتطهير من ولوغه، وبعضها يتعلّق بكونه أنجس النجاسات، وبعضها يدلّ على لزوم غسل ما مسّه الكلب مع الرطوبة، وكذا ما دلّ على أنّه رجس نجس وغير ذلك. وهناك روايات قليلة تعارض جزئيّاً روايات النجاسات ناقشوها بالتفصيل، ويمكن مراجعتها في كتب الفقه عند الإماميّة.
واستدل في قبال ذلك السيد المرتضى على طهارة شعر الكلب والخنزير :
قوله تعالى: (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين) فامتن علينا بأن جعل لنا في ذلك منافع، ولم يفرق بين الذكية والميتة فلا يجوز الامتنان بما هو نجس لا يجوز الانتفاع به.
وأيضا فإن الشعر لا حياة فيه، ألا ترى أن الحيوان لا يألم بأخذه منه كما يألم بقطع سائر أعضائه.
وأيضا لو كان فيه حياة لما جاز أخذه من الحيوان في حال حياته والانتفاع به، كما لا يجوز ذلك في سائر أجزائه.
ويقوي ذلك ما روي عنه عليه السلام من قوله: " ما بان من البهيمة وهي حية، فهو ميتة ".

إذن فنجاسة الكلب مختلَفٌ فيها بين المسلمين:
ونجاسة كلّ أصناف الكلاب وكل أعضائها مختلَفٌ فيه عند الشيعة خاصّة. فإنْ وجدنا دليلاً على نجاسة الكلاب كلّها فنقول بها، ولكنْ إذا لم نجد دليلاً تامّاً فبمقتضى قاعدة الطهارة نقول بطهارتها. وإنْ وجدنا دليلاً على نجاسة الكلب إجمالاً، أو بعض الكلاب بصورةٍ احتملنا أنها قضية شخصية، أو وجدنا دليلاً على نجاسة مطلق الكلاب بصورة احتملنا أنّها قضية شخصية، أو وجدنا دليلاً على نجاسة مطلق الكلاب ولكن احتملنا أن يكون الدليل موسميّاً، لا مطلقاً شاملاً لكلّ عصر وزمان، أو لم يكن إطلاقه يشمل كلّ الكلاب، ففي كلّ هذه الصور فالمحكَّم هو قاعدة الطهارة أو أصالتها.

يقول الشيخ عابديني [استاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية في اصفهان - ايران] :
نجاسة الكلب : من الواضح أنّ العقل لا يدلّ على هذه الأمور الجزئيّة. ولو دلّ لدلَّ على طهارة الكلب بقياس الأولوية؛ إذ لو كان الذئب وابن آوى والثعلب والأسد و… طاهرةً فطهارة الكلب أَوْلى؛ لأنّه قابلٌ للتربية والتدريب، وله وفاءٌ خاصّ، وأيضاً هو موجود في حياة الناس لصيدهم وبستانهم وبيتهم، وغير ذلك، وليس بسبع ضارٍ، بل مؤدّب معلّم، فالشريعة السهلة السمحة تعطي طهارته، لا نجاسته.
وكتاب الله ليس فيه شيء يدلّ على نجاسة الكلاب، بل فيه مدحٌ لبعض الكلاب، كقوله تعالى: ﴿وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ﴾ (الكهف: 18)، وعدّها كما يُعدّ غيرها، كقوله: ﴿سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ﴾ (الكهف: 22).
وفي سورة المائدة ما يشمّ منها طهارة بعض أصناف الكلب؛ إذ قال: ﴿وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ﴾ (المائدة: 4)؛ إذ لو كانت كلّ الكلاب أنجاساً، ويشمل كلب الصيد أيضاً، لكان عليه أن يقول: كُلُوا ممّا أمسكْنَ عليكم بعد غسله، فكما ذكر «اسم الله»، ولم يتركه لوضوحه، كان عليه أن يذكر نجاسته، ولا يتركه لوضوحه. فقول بعضهم: (لا إطلاق) قابلٌ للنقاش. فالقرآن أيضاً لو دلّ لدلَّ على طهارة الكلب إجمالاً.
أمّا الإجماع فقد ادُّعي الإجماع في الكتب الفقهية الشيعية على نجاستها، فوجود الإجماع ممّا لا شكّ فيه. ولكنْ هل الإجماع منعقدٌ على الكلاب، حتّى كلب الصيد، وعلى كلّ الحالات حتّى مثل يومنا هذا، الذي نرى فيه تنظيف الكلاب وغسلها، ولها دكاترة خاصّة، وأغذية خاصّة؟ وأيضاً ـ وهذا هو المهمّ لدى الفقيه ـ هل الإجماع تعبُّديّ أو مستنده الأخبار التي بأيدينا؟
الذي نظنّه بل نطمئنّ به ـ وإنْ كان احتماله أيضاً يكفي، فضلاً عن ظنّه ـ أنّه ليس عندهم شيءٌ آخر غير هذه الأخبار الموجودة في كتبنا الروائيّة. فالإجماع لا يكون دليلاً مستقلاًّ تعبُّدياً، بل ناشئٌ عن الأخبار، أو إنّ للأخبار في انعقاده دوراً أصليّاً.
فالإجماع مدركيّ. وعلينا أن نلاحظ مدركهم. وأيضاً نحن شاكُّون في إطلاق الإجماع؛ لأنّه دليلٌ لبّي لا إطلاق له؛ إذ من المحتمل أنّ إجماعهم كان على الكلب العقور والهراش، والكلاب الوسخة المسبِّبة للأمراض، دون الكلاب النظيفة المربّاة اليوم. فدلالة الإجماع بمفرده على نجاستها غير تامّة.

وقد ناقش الشيخ الأخبار ( وهي عمدة الأدلة ) في نجاسة الكلب ولمراجعة ذلك : اضغط هنا .
تعليقات