الربا الإستثماري - دراسة فقهية معاصرة

رسالة تقدمت بها الطالبة شذى مظفر حسين / إلى مجلس كلية الفقه وهي جزء من متطلبات شهادة الدكتوراه / في الشريعة والعلوم الإسلامية / بإشراف : الأستاذ المساعد الدكتورهاشم حمود عناد / 1442هـ -2021م .

المقدمة

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الأطهار وأصحابه الكرام، ومن تبعهم إلى يوم الدين... 

    إن الربا من أشكل الأبواب على كثير من أهل العلم، فالغموض يشوبه لفظاً ونوعاً وحكماً، وعلى الرغم من كونه من المواضيع القديمة المتأصلة في الشعوب، وقد بحثها كلٍ من المفسرين والفقهاء والاقتصاديين وفقهاء القانون؛ لكن البحث فيها يبقى لازماً.

    إن مفهوم الربا في الفقه الإسلامي من المفاهيم غير المستقرة، وذلك لأنه من فقه المعاملات، ما يجعل الباحث الحر الموضوعي، يتسرب اليه الشكوك فيما يطرح من آراء وفتاوى مضطربة وهذا الإضطراب في الفتاوى والرأي يجعل من المعاملة التحريمية غير مستقرة، فالأشياء التي لم تكتسب القطعية في الفكر الديني تكون دائماً قابلة للنقاش، فبما أن الربا من المعاملات، وليس من التعبديات لذلك بإمكاننا النقاش فيه والتعامل معه..

    إن المال أحد ضروريات الحياة، في الفقه الإسلامي، إذ أن الإنسان يحتاج إليه لجلب المصالح ودفع الضرر به تقام العبادة، وتؤسس عليه المعاملات، وقد أولاه الشارع المقدس عناية كاملة، وعليه فالإنسان يسعى إلى استثمار ما معه من المال، وبشتى الطرق والوسائل، إلا أن التشريع الإسلامي له ضوابط وأحكام في مجال استثمار المال حتى لا يقع المستثمر للمال في إشكالية بسبب عوزه للمال فيدفعه إلى الربا الإستثماري، الذي يروج له وبصبغة شرعية ...

   أهداف البحث: 

إن البحث في موضوع الربا الإستثماري وما يثار حوله من الشكوك والشبهات اليوم من المواضيع الجديدة ، وإلا لما اقتضى بحث الربا ؛ لما عرف عنه وما عليه من الخلافات القديمة فيما يتعلق بتقسيماته واختلاف الفقهاء فيه كربا الفضل وغيره من الأقسام لأن الفقهاء أشبعوه بالبحث بما يغني عن ذلك ، لكن الشأن أن العالم الإسلامي في العصر الحديث وبعد تأثره بالغرب جراء نفوذه وسيطرته على مدخراته من جهة وصلته وحاجته إليه من جهة أخرى ظهرت فيه دعوات إلى القول بجواز هذا النوع من الربا على نحو لم يكن معهوداً في السابق ، فظهرت لهذا الهدف عدة إتجاهات يمكن بيانها

   إشكالية البحث:

  إن التصور الإسلامي للربا الإستثماري (الفائدة) بالنسبة لما هو قائم في البلاد الإسلامية، يطرح مشكلة، فهل نرفض كل الأسس المتصورة للفائدة؟ أم ينبغي أن نبقي الفوائد والمميزات وننبذ المساوئ والأضرار؟

إن الإستثمار ضروري، والحاجة إلى المال موجودة، وتحصيل الفائدة من أهم أهداف أصحاب الأموال.. فما هي الفائدة المشروعة؟

   إن النصوص الشرعية الذامة للربا يجب أن نستفيد من مضامينها فهي عميقة وتضل دوماً كافية لإستيعاب وتوجيه التقدم الإنساني دون أن تعرقله أبدا فلنكن واقعيين فلانهمل النصوص، ولا نبخس العقل والمنطق، ونعالج الموضوع بإرادتنا وعزمنا

    أسباب إختيار الموضوع:

 لقد كان لهذا الإختيار أسباب ودوافع، من أهمها ما يلي:

-حداثة الموضوع: لا يعتبر الربا الإستثماري موضوعاً تقليدياً، بل هو مشكلة فقهية إقتصادية وقانونية، تستند إلى تصورات مستحدثة في تلك المجالات، لأن الربا الإستثماري، يرتبط بفقه المعاملات المالية الذي يراعي حقوق الأطراف المتعاملة.

- الحاجة إلى دراسة متخصصة: إن هذا الموضوع جدير بالبحث والدراسـة الجـادّة؛ لأن هناك حاجة علمية وعملية ماسّة لبناء إطار متكامل للربا الإستثماري، بما يؤدي إلى زيادة الوعي والإدراك المستند إلى الفقـه لدى الأطراف ذات العلاقة بنشاطها الإستثماري.

   أهمية البحث:

  تتجلى أهمية بحث هذا الموضوع من خلال الاعتبارات التالية: 

 1-محاولة سدّ الفجوة العلمية التي تعاني منها الدراسات الاقتصادية والمصرفية، باعتبارها لم تهتم بعنصر الربح بالقدر الذي ركَّزت فيه مناقشاتها وتحليلاتها على مصطلحات ومفاهيم أخرى، كالفائدة الربوية، لعدم كفاية الدراسات المتوفرة على مستوى الأفكار والمضمون أم على صعيد الطريقة والأسلوب...

2-الانتقال من التركيز على المشكلات الشرعية إلى المشكلات الاقتصـادية والقانونية بل إلـى المشـكلات المحاسبية في البنوك.

3- والأهم من ذلك، هو أننا نرى من صنف من علمائنا من الفقهاء والإقتصاديين المعاصرين مؤلفاتهم في المجال الاقتصادي، بعد أن انتبهوا إلى إيجابيته فبذلوا جهودهم في اكتنافه وتصنيفه ثم تقديمه إلى مجتمعنا الحاضر، فنجد السيد الشهيد محمد باقر الصدر، والدكتور فاروق النبهان، والدكتور إبراهيم الطحاوي، وإلى جانبهم عدد آخر من المؤلفين في هذا المجال، وغيرهم قليل .

    فلم يكن أصدق الشكر على ذلك إلا أن نسهم في أداء هذا الواجب فنضيف إلى المؤلفات القليلة مؤلفات أخرى لتكون المكتبة الإسلامية مليئة بالمؤلفات الإسلامية النامية خاصة، وفي العالم كلِه عامة.

فرضيات البحث:

إن من أهم الفرضيات التي ستطرح في هذه الأطروحة هي:

1. ان الربا الإستثماري، لا يعد ظاهرة جديدة، لأنها سبق لها الوجود قبل ظهور الإسلام في العصر الجاهلي، وفي العصر الإسلامي إلا أن العلماء والفقهاء لم يتطرقوا إليها بشكل مفصل بل عادة ما تبحث بنحو جزئي.

2. أن أدلة تحريم الربا لا تختص بالربا الإستهلاكي منه دون الإستثماري، لأنه الأكثر شيوعاً. 

3. هناك العديد من الرؤى والنظريات التي تقول بحلية الربا الإستثماري.

4. ان الإسلام لما حرَم الربا، قد أجاز أنواع المعاملات ذات الطابع الاقتصادي وبأهداف وعناوين مختلفة.

5. لا داع لتوجيه وتبرير حرمة الربا تارة بالتوسعة وأخرى بالتضييق.

   منهجية البحث:

كـان تناول الموضوع بالدراسة والتحليل يستدعي الاستفادة من:

-المنهج الوصفي التحليلي: الذي سنستخدمه في مسح وتجميع وتحليل المعلومات المرتبطة بإشكالية موضوع البحث، من خلال الاستعانة بالمصادر العربيـة ذات الصلة بالموضوع سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لأجل الوصول إلى نتائج يمكن تعميمها 

- المنهج المقارن: الذي نستخدمه في دراسة الاختلافات الأساسية في مجال الربا الإستثماري من خلال بيان أقوال وروى العلماء من فقهاء ومفسرين ومحدثين على قدر المستطاع.

خطة البحث:

أما خطة البحث فتتضمن الآتي:

بحث من مقدمة وتوطئة في تبلور فكرة الربا الإستثماري وثلاثة فصول وخاتمة على النحو التالي..

 الفصل الأول: في حقيقة الربا الإستثماري، من خلال تعريف الربا لغةً وإصطلاحاً، بالإضافة إلى بعض المفردات ذات الصلة بالعنوان،  وكذلك يتناول البحث في هذا الفصل دراسةٍ لحقيقة الإستثمار وأهميته وسبل حمايته في التشريع الإسلامي، ونظراً لعلاقة الربا الإستثماري بالجانب الفقهي والاقتصادي والقانوني فلابد لنا أن نتناوله بالبحث في فيما يخص تلك الجوانب؛ ولا يتأتى ذلك البيان إلا من خلال تقسيم الفصل إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: في حقيقة الربا الإستثماري.

المبحث الثاني: في الربا الإستثماري من وجهة نظر إقتصادية.

المبحث الثالث: في الربا الإستثماري من وجهة نظر قانونية

الفصل الثاني: في آراء فقهية معاصرة في جواز الربا الإستثماري، فلزم الأمر تقسيم الفصل إلى ثلاثة مباحث وهي كالآتي: 

المبحث الأول: جواز الربا الإستثماري بدعوى (حصر حرمة الربا بالربا الجاهلي) 

المبحث الثاني: جوازالربا الإستثماري بدعوى (حصر حرمة الربا بالربا الإستهلاكي) 

المبحث الثالث: جواز الربا الإستثماري بدعوى (جواز فوائد البنوك).

  الفصل الثالث: في البديل الإسلامي عن الربا الإستثماري، أطروحة البنك اللاربوي أنموذجاً وقد تضمن البحث ذكر بعض التخريجات لعلماء الشيعة وفقهائها المعاصرين، وتعتبر ثروة غنية لموارد الإستثمار دون الوقوع بخطر الربا أو الفوائد وقد تم تقسيم الفصل إلى ثلاثة مباحث:

الأول: في معالم البنك اللاربوي في الفقه الإسلامي.

الثاني: معالم البنك اللاربوي عند السيد الصدر.

الثالث وظائف البنك اللاربوي عند السيد الصدر،

ثم تلتها الخاتمة في بيان أهم النتائج والتوصيات التي خرج بها البحث، ومن ثم قائمة المصادر والمراجع

  الدراسات السابقة:

 مما لا شك فيه أن هذا البحث سبقه عدد من الدراسات البحثية والرسائل العلمية والمؤلفـات لكنها لم تفرد له مباحث خاصة، الأمر الذي أدى إلى تميَّز هذا البحث عن غيره بالخصائص التالية: 

- بحث موضوع الربا الإستثماري بصورة متكاملة من كافة جوانبه وتصوراته البحثية وآرائه الفقهية، في حين أن الدراسات السابقة ركزت على جوانب معينة وأغفلت جوانب أخرى.

- تطرق البحث إلى قضايا مستجدة ذات صلة بالموضوع والتي قام بنشرها العلماء والباحثين.

- يعتبر هذا البحث إستمراراً وإثراءً للدراسات السابقة مع تميُزه بالتخصص في المجال الفقهي والقانوني.

- تفاوتت الدراسات السابقة فيما بينها من حيث الأهمية العلمية والتحليلية، لكنها لم تتعرض بشكل تفصيلي للموضوع الذي تناولناه بالدراسة.

- ومن أهم الدراسات السابقة التي بحثت بعض جوانب الموضوع نذكر:

- أول من أشار إليها والتي جاء بها علماء ومحققون من اهل السنة، ظناً منهم أن التحريم خاص بربا القروض الإستهلاكية فقط ولا يشمل القروض التجارية منها، ومن هؤلاء الأعلام:

1)) محمد رشيد رضا*(ت1354ش)، في موضعين: 

الأول: تفسير المنار، والثاني: كتاب: الربا والمعاملات في الإسلام  وهو يعتقد أن الربا المحرم هو ما كان متداولاً أيام الجاهلية وهو تحديد الزيادة في النسيئة، ولا يجري في القروض.

2)) محمد معروف الدواليبي:* في محاضرة ألقاها في مؤتمر الفقه الإسلامي الذي عقد في باريس سنة 1951م، صرَح فيها بأن الربا المحرم في الإسلام، إنما هو الربا في قروض الاستهلاك لا في قروض الإنتاج والاستثمار.

3))عبد الله بن محمد السعيدي، الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة"، وهو بالأصل رسالة دكتوراه من قسم الفقه بكلية الشريعة في جامعة الملك سعود/ قسم الدراسات الإسلامية، في المدينة النبوية ، تحدث  فيها حول بعض الإتجاهات التي حاولت القول بجواز ربا القروض، في المجلد الأول، أما المجلد الثاني فتحدث فيه حول المعاملات المصرفية المعاصرة، وقد استفدت من بعض مواضيع من المجلد الأول.

ومن علماء الشيعة وفقهائها:

1)) يوسف صانعي*:" رسالة في الربا": هي عبارة عن محاضرات ألقاها الصانعي على طلابه في المدرسة الفيضية ثم عاد ودونها، وأنه يعتقد أن إطلاق الآيات والروايات وعمومهما يدل على القول بتحريم الربا لكن المحرم هو الربا الاستهلاكي منه وقصوره عن اثبات حرمة الربا الاستثماري .

2)) محمد البجنوردي* مقالة :الربا الإستثماري: نقد نظرية الشيخ يوسف الصانعي:" يعتقد أن الربا المحرَم هو ما كان متداولاً أيام الجاهلية وهو تحديد الزيادة أو الفائدة في القروض فهو يكون في القروض وأيضاً في النسيئة .

صعوبات الدراسة:

لقد اعترضتني أثناء بحث هذا الموضوع صعوبات وعوائق عدة، بذلتُ جهودًا في تجاوزها، وكان من أبرزها: - 

-ندرة الدراسات المتخصصة: تكاد تكون المادة العلمية التي بَحثَتْ جوانب الربا الإستثماري غير متوافرة؛ سواءً كان ذلك في الدراسات القانونية والاقتصـادية أو الأبحاث الشرعية؛ وإذا وُجِدت فقد لا تفي بإعطاء تصوُّر كامل عن تلـك الجوانب، فضلاً عن تناثرها في مجلات ورسائل علمية جمَعها الباحث بمشقّة.

- تعقُّد الموضوع وتشتُّت جزئياته: لقد عايش الباحث من خلال هـذا الموضـوع وجـود اختلافات نظرية وآراء فقهية متعدِّدة ومتفاوتة ...! تعدَّدت فيها المصطلحات المستخدَمة والتبريرات المقدَّمة الأمر الذي تطلَّب المزيد من الجهد والوقت. 

حاجة البحث إلى فريق عمل: إن هذا الموضوع قد يحتاج إلى تضافر جهود فريق عمـل يتكون من خبراء وممارسين، بحيث يتخصص كلٌّ منهم في جزئية محدَّدة وينتهـي إلـى وضع إطار نظري وتطبيقي للربا الإستثماري؛ لذلك فقـد وجـد الباحـث صعوبة في تناول موضوع الربا الإستثماري بصورة متكاملة؛ في ظل تعدُّد أبعـاده الفقهية والقانونية والاقتصادية 

وختاماً، فلقد قام الباحث في هذه المحاولة بجُهد المقلّ، من خلال تجربة بحثية ثريّـة سـعى مـن خلالها إلى استيعاب الإطار المتكامل للربا الإستثماري، راجيًـا أن تكون إضافة نوعية لإثراء المكتبة الفقهية الاقتصادية.. والحمد لله رب العالمين..

  

الفصل الأول 

ماهية الربا الإستثماري

     يتناول الفصل الأول بيانٍ لحقيقة الربا الإستثماري، من خلال التعرف على حقيقة الربا لغةً وإصطلاحاً، بالإضافة إلى بعض المفردات ذات الصلة بالعنوان، 

  ويتناول البحث في هذا الفصل دراسةٍ لحقيقة الإستثمار وأهميته وسبل حمايته في التشريع الإسلامي، ونظراً لعلاقة الربا الإستثماري بالجانب الفقهي والاقتصادي والقانوني فلابد لنا أن نتناوله بالبحث فيما يخص تلك الجوانب؛ ولا يتأتى ذلك البيان إلا من خلال تقسيم الفصل إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: في حقيقة الربا الإستثماري.

المبحث الثاني: في الربا الإستثماري من وجهة نظر إقتصادية.

المبحث الثالث: في الربا الإستثماري من وجهة نظر قانونية

 

 المبحث الأول

حقيقة الربا الإستثماري في التشريع الإسلامي  

   على الرغم من قدم موضوع الربا، لكنَه مازال مفهوماً غامضاً معقداً من حيث الموارد والمصاديق ، على كثير من أهل العلم؛ فهو إلى اليوم لا يوجد له تعريفاً  واضحاً ،ويبقى لفظه معقداً وشائكأً، لا إجماع على مصاديقه.

    فقد كان الإمام علي (عليه السلام) يطوف في ســوقِ المســلمين محذراً إياهم من العواقـبِ الوخيمة للربا ويقول:" لا تـأكلوا الرِّبـا في معـاملاتكم، فوالذي فلقَ الحبَّ. وبرأ النسمة، للربا أخفى في هذه الأمة من دبيب النمل على صفاةٍ سوداء في ليلة ظلماء، ومن هنا صار من اللازم علينا ولكي نقف على حقيقته ، أن نعرف كل من الربا والإستثمار لغةً و إصطلاحاً، وأمور أخرى ، وذلك من خلال ثلاثة مطالب وهي كالآتي ...

المطلب الأول

حقيقة الربا في التشريع الإسلامي

 يتضمن هذا المطلب تعريف الربا لغة وإصطلاحاً، بالإضافة إلى بعض الألفاظ ذات الصلة بالربا وذلك في فرعين منفصلين..

الفرع الأول

تعريف الربا  

       أولاً: التعريف اللغوي للربا

   الربا : الفضل والزيادة ،  وهو مقصور على الأشهر ويثنى : رِبَوان بالواو على الأصل ، وقد يقال : رِبيان على التخفيف ، وينسب إليه على لفظة فيقال : ربَوي، وربا الشيء يربو: إذا زاد ، وأربى الرجل بالألف دخل في الربا، وأربى على الخمسة زاد عليها ، والرَبوُ: النَفَسُ العالي . يقال: ربَا يربو ربواً، إذا أخذ الرَبو ، وربا الفرس، إذا انتفخ من عَدو أو فَزَع  ، وربا المالُ : زاد بالرِبَا ، والمربي: الذي يأتي الرِبا ، والرَبوُ والرُبوَةُ والرَباوة والرُباوة والرِباوَة والرابيَة والرَباةُ : كل مارتفع من الأرض .

    إلى جانب معنى لفظ (ربا) المعتل والذي في الأصل (ربو)، يوجد لفظ (ربأ)، مهموز اللام- وربب المضاعف منه – أخِذ في بعض الكتب  بمعنى واحد ، والواقع أنهما مختلفان ، لوجود الفرق بينهما، فالعرب يطلقون هذه الألفاظ و يستعملونها في الطفل ويريدون لكل منها معنى خاص مثل: "رب الصغير أي ساق إلى الكمال" ، و ربىء الصغير : أي علا"، و" ربا الصغير أي انتفخ و زاد" وقد ورد المعنى خطأ في معجم المقاييس بأن ربا بمعنى الزيادة والنماء والعلو"، والحال أن لكل منها له معنى خاص به . ولفظ (ربا): بمعنى حفظ المال، وجاء بمعنى إضاعة المال أيضاً ،و (ربا) بمعنى الفضل والطول، مثل قولك "لفلان علي رباءٌ أي طول".

      وذكر أحد الباحثين:" أن الأصل في هذه المادة هو الإنتفاخ مع زيادة بمعنى أن ينتفخ شيء في ذاته ثم يتحصل له فضلٌ و زيادة، وهذا المفهوم قد تشابه به على اللغويين ، ففسروها بمعاني ليست من الأصل، بل هي من آثاره ولوازمه، وما يقرب منه، كالزيادة المطلقة، والفضل، والنماء والطول، والعظم والزكا، والنشأ، والعلا". وناقشه اللنكراني:" بأنه حقق في كتب اللغة فلم يجد ما يدعيه المصطفوي، إلا ما ذكره ابن منظور بأن ربت ، قيل معناه عظمت وانتفخت، ولم يذكر أحد من اللغويين أن المعنى الأصلي (ربا) انتفاخ، بل أن الكثير قال بأن المعنى الأصلي لـ (ربا) و(ربأ): هو الزيادة، والإنتفاخ فقد ورد استعماله في الفرس فقط ؛ أما "انتفخ المال" فليس له معنى سوى الزيادة، ولا يستعملها العرب في زيادة المال عادة، بل إن إستعمالهم لها يكون في الكائنات الحية ومن في حكمها، ولذا فإن ما ذهب إليه المصطفوي، غير صحيح" 

   فالربا بمعنى الزيادة ، وقد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمة بالمعنى الشائع في لغة العرب، فقال تعالى:" وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ" ، فقوله تعالى (اهْتَزَّتْ ) أي تحركت بالنبات، ومعنى ربت في الآية إنتفخت ؛ لأن النبت إذا قرب أن يظهر، ارتفعت له الأرض وانتفخت كما في قوله تعالى:" فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً ":أي زائدة في الشدة،... وقيل: نامية زائدة على عذاب الأمم، من قولهم: أربيت: إذا أخذ أكثر مما أعطى من الربا؛ يقال : أربيت فربا رباك، والفضة والذهب قد رَبَوا. 

والخلاصة أن الربا وردت بمعنى الزيادة، وأن العرب يستعملونها بالزيادة أعم من الذاتية وغير الذاتية، وفي الكائن الحي وغيره من الجمادات.

       ثانياً: التعريف الإصطلاحي للربا 

 لم يأخذ الفقهاء الربا في غير ما هو عليه المعنى اللغوي، فالربا عندهم وهو الزيادة لغة ً، وشرعاً، لكنهم عادة ما يضيفون له بعض الشروط التي تقتضيها تقسيماته، نذكر منها وذلك حسب ما ورد في أقوال بعض الفقهاء من المذاهب الإسلامية: 

     أ/ الفقه الإمامي 

 عرفه الكركي بأن:" الربا لغة ًالزيادة... و شرعاً زيادة أحد العوضين المتماثلين المقدرين بالكيل أو الوزن في عهد صاحب الشرع ( صلى الله عليه وآله وسلم)إن علم، وإلا فالعادة ولو في بلد إذا اختلفت البلدان حقيقة أو حكماً ، وفي غير المقدرين ، قرضاً إذا لم يكن باذل الزيادة حربياً، ولم يكن المتعاقدان والد مع ولده، ولا زوجاً مع زوجته". 

     وذهب السيد الخميني إلى أن الربا :"هو بيع أحد المثلين بالآخر مع زيادة عينية: كبيع مَنِ مِن الحنطة بمَنين او بمَن منها ودرهم ، أو حكمية: كمن منها نقداً بمن منها نسيئة". 

     ب/ فقه الجمهور:

إن تعريف الربا عند الجمهور يختلف معناه شرعاً تبعاً للإختلاف في تحديد مدلوله في المذاهب و ما يندرج  تحت هذا اللفظ  . يذكرأن الذي برز من التعاريف المختلفة تعريف الأحناف و تعريف الشافعية للربا .

ومن تعريفاتهم:

عُرِف  في فقه الحنفي أنه:" هو فضل خال عن عوض بمعيار شرعي مشروط لأحد المتعاقدين في المعاوضة أو الزيادة المشروطة في العقد وهذا إنما يكون عند المقابلة بالجنس"  

 وفي الفقه الشافعي عرفه أنه :" عقد على عوض مخصوص غير معلوم التماثل في معيار الشرع حالة العقد أو مع تأخير في البدلين أو أحدهما ".

و في الفقه الحنبلي عرف بأنه:" الزيادة في أشياء مخصوصة"  .

وفي الفقه المالكي عرف بأنه: "الزيادة في العدد أو الوزن، محققة أو متوهمة، والتأخير.. " فلا يدخل الزيادة  عندهم في الجنسين إلا في النسيئة لا غير ، ويدخل الربا في الجنس الواحد من وجهين : الزيادة و النسيئة " .

 وهذا لا يعني أنهم جاؤا بتعريف جديد، ولكنهم أدخلوا في تعريف الربا الشروط التي يتحقق الربا عندهم ذكروها في تعريف الربا.

 ومما تقدم فإن البحث يرى إن: 

1.المعنى اللغوي للربا كما هو عليه أكثر اللغويين وهو الزيادة، وان الفرق بينه وبين التعريف الشرعي هو ان الأخير: الزيادة مع إضافة شرائط تحقق الربا، غاية ما يذكر أنهم يذكرون شروط تحقق الربا ويجعلونها بياناً ومعياراً لمعناه:".. ما يزيد الشارع المقدس من  قيود و شروط على المعنى اللغوي".

 وعليه أن المعيار هو الشرع المقدس وفي غير زمانه المعيار هو العرف والعادة، على أن لا تخالف الشرع والضوابط الإسلامية المقررة 

2.عدَ أكثر فقهاء أهل السنة أن الربا الحقيقي هو ربا الجاهلية و أن ما عداه فهو ربا مجازي أو محمول على الربا الحقيقي ... و يقصد به ما وافق أصل الوضع اللغوي ".

3. على كل حال: فإن هذه النقول وإن اختلفت في الألفاظ إلا أن المعنى واحد لا تناقض بينها ولا اختلاف

الفرع الثاني

 الألفاظ ذات الصلة بالربا 

 من الألفاظ التي لها صلة بالربا، هي: الإستعماروالفائدة وسعرها، سنتعرض لبحثها ضمن الفرع الثاني لنرى مدى صلتها بالربا، وذلك ضمن الآتي.

      أولاً: الإستعمار:

 ذكر بعضهم أن الربا:"هو وسيلة الاستعمار، ولذلك قيل: الاستعمار يسير وراء تاجر أو قسيس. ونحن قد عرفنا الربا وآثاره في استعمار بلادنا،لكن ما ورد في النصوص الشرعية غير ما يذكر، فقد ورد ذكره في بعض آيات القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى:"هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ ۚ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيب " . 

  قالوا في تفسيرها:" أي جعلكم عمَار الأرض، بأن مكنكم من عمارتها، وأحوجكم إلى السكنى فيها. وقيل: معناه وأعمرها لكم مدة اعماركم...، وقيل: معناه وأطال فيها أعماركم،... وفي هذا دلالة على فساد قول من حرم المكاسب، لأنه سبحانه امتنَ على عباده بأن مكنهم من عمارة الأرض، ولو كان ذلك محرما لم يكن لذلك وجه .

      وعبَّر عن ذلك الإمام علي (عليه السلام) في رسالته التي بعث ها الى واليه على مصر في أُسـلوبٍ بليغٍ ناصـعٍ ، إذ يقول: «وليكن نظرُك في عمارةِ الأرض أبلغ من نظرِك في استجلاب الخراج؛ لأنَّ ذلك لا يُدرك إلاّ بالعمارة، ومَن طلب الخراجَ بغيرِ عمارة، أخربَ البلادَ وأهلكَ العبادَ، ولم يســـتقم أمرُهُ إلَّا قليلاً " ؛ لأنَّ الأرضَ إنَّما تعطي نتاجها ممَّا هو ضروري لحياة الإنسان والحيوان من خلال عمارتها واستثمارها زراعةً وغرساً، وتهيئة  ما يتوقَّف على ذلك من وســــائل ومرافق، وقد لا يتمُّ ذلك في نظر أمير المؤمنين عليه السَّلام إلاّ بإعانةِ الدولة لموظفيها؛ لأنَّ في إعانتهم وإمدادهم، استثمار الأرض وتعميرها، وفي ذلك تنميةُ المجتمع وتقدّمه وحفظه من الانزلاق في هوَّة الفقر والبطالة.

      ويذكر أن هذه الكلمة " الإستعمار" تبدلت في عصرنا إلى درجة أنها مسخت وأصبحت تعطي معنى معاكساً للمفهوم القرآن لها تماماً...وهناك كلمات كثيرة في العربية وفي لغات أخرى مسخت وحرفت وتبدلت وانقلبت رأساً على عقب، مثل كلمات: " الحضارة " ، " الثقافة " و " الحرية " وفي ظل هذه التحريفات تأخذ هذه الكلمات وأمثالها طريقها إلى التغرب والبعد عن معناها، ...وذلك أن القرآن استعمل لهذا المفهوم مفردة " الاستضعاف " التي تنطبق تماما على هذا المعنى أي " جعل الشئ ضعيفا " بالمعنى الواسع والشامل للكلمة، جعل الفكر ضعيفا، وجعل الاقتصاد ضعيفا، وجعل السياسة ضعيفة.. .


    ثانياً: الفائدة 

عُرِفَت الفائدة بأنها : ظاهرة إقتصادية في الأدبيات الغربية وتؤدي دوراً مهماً في السياسات الاقتصادية ، وأيضاَ أنها:" الزيادة على رأس المال يكسبها المقرض من المقترض بمجرد إعطائه القرض"؛ وعليه يمكن التمييز بين الربح و الفائدة،   فإن معيار التفرقة الفقهي بين الربح والفائدة الربوية هو أن الزيادة في الربح مرتبطة بالتصرُّف الذي يتحول به المال من حال إلى حال؛ بينما تُعدُّ الفائدة الربوية زيادة في المال مع بقائه على حاله دون توافر أسباب مشروعة لاستحقاقها.

     والفارق المعياري بين الربح والفائدة الربوية في النظرية الاقتصـادية هـو أن الفائـدة عائـد مضمون ومحدَّد لصاحب رأس المال مقابل التخلي عنه للغير يستخدمه أو لا يستخدمه مدة من الزمن.. أما "الربح" فهو "عائد متبقي" للمنظِّم أو صاحب المشروع وهو عائد "غير يقيني" يرتبط بالمخاطرة في العمليات الاستثمارية؛ ولا يتحدَّد يقينا إلا عنـد انتهـاء هـذه العملية ".و هو ما يتفق ومعنى الربا الذي حاربه  الإسلام ونبذه.

     ثالثاً: سعر الفائدة

 يعتبر سعر الفائدة العنصر الرئيسي الذي تركز عليه فكرة الإقراض والإقتراض ، ولاوجود لعمليات الإقراض بشكل منفصل عن سعر الفائدة . 

  قد يحصل لبعض الأفراد أن تنخفض قيمة مدخراتهم بدلاً من أن تزيد حينما تزيد أسعار الفائدة على القروض. ولأجل الوقوف على سعر الفائدة ومدى تأثيرها على تسميتها وتنوعها، فإن:" سعر الفائدة هو النسبة بين الفائدة ورأس المال المقتَرض، والفائدة يتغير قدرها بتأثير الزمان مباشرة، فكلما ازداد مدة الإقتراض إزدادت قيمة الفائدة ....

وفيما يلي مثال لتوضيح ذلك :" أن الفائدة تدفع بإحدى الطرق الثلاثة:

1.في أول مدة الإقتراض.

2.في آخر مدة الإقتراض.

3. في فترات معينة خلال مدة الإقتراض... 

  في الطريق الأول تخصم الفائدة من المال المقترض، كأن يكون المقترض يقترض 100دولار، والفائدة 5 دولار، فلا يستلم إلا 95 دولار. وفي الطريق الثاني: تزاد الفائدة إلى المال المقترض حقيقة، كأن يكون المال المقترض 100 دولار، وسعر الفائدة 4% في ثلاثة سنين، فالفائدة هي 100× 4% ×3 = 12 دولار فتزداد 12 دولار إلى 100 دولار فيكون المبلغ المدفوع في آخر مدة القرض هو 112 دولار. اما في الطريق الثالث فلنفرض المال المقترض 100 دولار وسعر الفائدة 4% في كل سنة من ثلاثة سنين فتكون التسوية على النحو التالي: ابتداء المبلغ = 100 دولار...الفائدة 4% في نهاية السنة الثالثة 

الجملة في آخر السنة الأولى = 104 

المبلغ المقترض في آخر السنة الأولى = 104 

الفائدة 4% في السنة   = 16, 4 

الجملة في آخر السنة الثانية   = 16, 108 

المبلغ المقترض في آخر السنة الثانية = 16, 108 

الفائدة 4% في السنة   = 33, 4

الجملة في آخر السنة الثالثة   = 49, 112".. 

    فالملاحظ هنا: أن الفائدة في الطريق الثالث الذي تعرف فيه بـ (الفائدة المركبة)، تزيد عن الفائدة في الطريق الثاني الذي تعرف فيه بـ (الفائدة البسيطة)، وإن كان سعر الفائدة في كليهما واحد وهو 4%، والفرق هو أن الفائدة في الطريق الثاني 12 دولار، بينما تكون في الطريق الثالث 12 دولار و49 سنتاً فالفارق 49 سنتاً".

المطلب الثاني

 حقيقة الإستثمارفي التشريع الإسلامي

 يتضمن هذا المطلب بيان تعريف الإستثمار وأهميته وسبل حمايته في النصوص الشرعية، وذلك مما سنبحثه ضمن الفروع الثلاثة الآتية ...

الفرع الأول

تعريف الإستثمار

      أولاً: التعريف اللغوي للإستثمار:

 الإستثمار:" اسم مشتق من الثاء والراء والميم معهما، ثمر: الثمر: حمل الشجر والثمر: أنواع المال، والولد ثمرة القلب. وأثمرت الشجرة. والعقل المثمر عقل المسلم، والعقل العقيم عقل الكافر. وثمر الله: مال."... وعليه فإن الثمر يطلق على معاني منها:

1- المال الكثير: كما في قوله تعالى : وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا " ، يقول الطبري والنيسابوري في بيانها:" أن المراد بالثمر في هذا المقام المال الكثير".

2-النماء والزيادة : قال الراغب:" يكنى به عن المال المستفاد ".

3-طلب الثمر:" الإستثمار، استفعال، أي طلب الثمر، فالإستثمار المال، يقصد به طلب الثمر من أصل المال، مثل طلب الثمر من الشجر، والغاية من الإستثمار تحقيق الربح ". 


      ثانياً: التعريف الإصطلاحي للإستثمار

الإستثمار مصطلح حديث النشأة، فهو لم يكن معروفا قديماً، بالمستوى المعروف في وقتنا الحاضر، لكنه ليس غريباً عن الفقهاء القدامى، فقد استعملوه في تعابير شتى ، واستعاضوا عنه بمصطلحات تؤدي نفس المعنى كما في لفظ التثمير وبه يقصدون تكثير المال وتنميته بسائر الطرق المشروعة . ومن تعريفاتهم له: -

  1: الإستثمار في الفقه الإمامي:

 -استعمل الطوسي لفظ الإكتساب للدلالة على لفظ الإستثمارفقال فيه أنه :" ينبغي للإنسان إذا أراد التجارة يبدأ أولاً أن يتفقه في دينه وليعرف كيفية الإكتساب ويميز بين العقود الصحيحة والعقود الفاسدة " . 

- واستعمل الحلي لفظ الإسترباح وذلك ما أشار إليه في  تعريف التجارة فقال إن التجارة تعني :" الإسترباح بالبيع والشراء". 

     2: الإستثمار في فقه الجمهور:

 لفقهاء الجمهور عبارات مشابهة لما ذكره فقهاء الإمامية من المعاني:

– الكاساني  في بيانه لعقد المضاربة يقول إن :" المقصود من عقد المضاربة هو استنماء المال" .

   -وأشار الصاوي إلى إحدى معاني الإستثمار للدلالة عليه وذلك ضمن بيانه لحكم  المضاربة فقال:" القراض جائز لأن الضرورة دعت إليه لحاجة الناس إلى التصرف في أموالهم، وليس كل أحد يقدر على التنمية بنفسه".

    -أما الغزالي فقد ذهب إلى بيان البعد المعنوي للإستثمار وذلك ضمن مباحث علم الأصول فقال :" إن الأحكام ثمرات ، وكل ثمرة لها صفة حقيقية في نفسها ، ولها مثَمر ومستثمر وطريق في الإستثمار... وطرق الإستثمار هي وجوه دلالة الأدلة ... والمستثمر هو المجتهد" .

     وبناءً على ما ذُكر: فإن الإستثمار بالمعنى الفقهي لا يخرج عن معناه اللغوي، ويمكن إجماله -على أساس ما ورد ذكره في التعريفات السابقة في معنيين:

الأول: المعنى المعنوي للإستثمار وهو كما في تعريف الإمام الغزالي.

الثاني: المعنى المادي للإستثمار كما ورد في بقية التعريفات.. وعلى كل حال فالإستثمار في الإصطلاح: هو طلب تنمية ما له قيمة من الأشياء وزيادته سواء أكان ذلك بالسبل المشروعة أم لا.

الفرع الثاني

 أهمية الإستثمار وسبل حمايته في التشريع الإسلامي

   تتجلى الأهمية الإقتصادية للإستثمار من خلال الدور الذي يلعبه في مسار مجال النشاط الإقتصادي، ويدل على ذلك ما ورد في النصوص الشرعية...

      أولاً: أهمية الإستثمار في التشريع الإسلامي

حارب الإسلام كشريعة كل أنواع الظلم والإستغلال، وحث الإنسان على رفضهما والتحرر منهما من خلال دعواته للعمل بالإستثمار المطلوب، وذلك واضح في الآيات القرآنية، والأحاديث الشريفة، نذكر منها:

      1.تلبية حاجات الإنسان ومن يعيلهم: 

 قال تعالى:" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ "،  قالوا في تفسير:" ذَلُولًا": أي سهلة ساكنة مسخرة تعملون فيها ما تشتهون. وقيل: لم يجعلها بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظ"، وقيل: مواطأة للتصرف فيها والمسير عليها، ويمكنكم زراعتها ، في معنى:" فامشوا في مناكبها" أي: في طرقها وفجاجها، ثم إن كان هذا أمر ترغيب فالمراد فامشوا في طاعة الله، وإن كان للإباحة فقد أباح المشي فيها لطلب المنافع في التجارات. 

    وفي الميزان:"هو الذي جعل الأرض مطاوعة منقادة لكم، يمكنكم أن تستقروا على ظهورها وتمشوا فيها تأكلون من رزقه الذي قدره لكم بأنواع الطلب والتصرف فيها. وعليه فالإستثمار يؤدي إلى تلبية حاجات الفرد ومن يعيلهم ، حتى أن بعضهم استنتج وجوب الإستثمار من خلال النصوص:" في هذه الحالة فقط يكون الإستثمار واجباً لأنه من تمام الواجب الذي هو إعالة الإنسان نفسه ، بدلاً من سؤال الناس وتكففهم باليد السفلى، وإعالة من تجب عليه نفقتهم لأن تضييع الشخص من يعولهم هو من حالات الإثم".

    وفي الأحاديث ما يشير إلى أن إستثمار الأموال يؤدي بشكل مباشر في حفظ المال وخلق فرص العمل للكثير، ممن لا تتوفر لديهم الأموال، من خلال المشاركة بالعمل بالتجارة.. ومن ذلك ما رواه محمد بن عذافر عن أبيه قال:" دفع إلي أبو عبد الله (عليه السلام) سبعمائة دينار وقال: يا عذافر اصرفها في شيء أما على ذاك ما بي شره ولكن أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضا لفوائده، قال عذافر فربحت فيها مائة دينار فقلت له في الطواف: جعلت فداك قد رزق الله عز وجل فيها مائة دينار، فقال: أثبتها في رأس مالي".

      2. الإستثمار دور في تقدم الأمة وازدهارها:

إن الإستثمار:" يساعد على تحقيق الرخاء لكل فرد وذلك بإشباع حاجاته الروحية والفكرية والجسمية .. ويدل عليه قوله تعالى :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ". 

       فالباطل من الافعال ما لا يشتمل على غرض صحيح عقلائي والتجارة هي التصرف في رأس المال طلباً للربح... وفي تقييد قوله لا تأكلوا أموالكم بقوله بينكم الدال على نوع تجمع منهم على المال ووقوعه في وسطهم إشعاراً أو دلالةً بكون الأكل المنهى عنه بنحو إدارته فيما بينهم ونَقلِهِ من واحد إلى آخر بالتحاور والتداول؛ فتفيد الجملة أعني قوله لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ بعد تقييدها بقوله بالباطل، النهى عن المعاملات الناقلة التي لا تسوق المجتمع إلى سعادته ونجاحه، بل تضرها وتجرها إلى الفساد والهلاك، وهى المعاملات الباطلة في نظر الدين كالربا والقمار والبيوع الغررية كالبيع بالحصاة والنواة وما أشبه ذلك ".

      يقول إبن كثير: نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضاً بالباطل، أي بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية كأنواع الربا والقمار وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل، وقوله تعالى: "إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ" الاستثناء منقطع كأنه يقول: لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها، وتسببوا بها في تحصيل الأموال .

   3. توفير رأس المال لمن لا يمتلكونه:

يقع على الدولة دور تحويل النظام المصرفي من كونه وسيلة للتنمية الرأسمالية للمال، إلى كونه وسيلة لإثراء الأمة ككل، وتجميع أموالها المتفرقة، في مصب واحد لإسهام أكبر عدد من المواطنين في عملية الإدخار والتجميع واستثمار ما يدخر في مشاريع إنتاجية مفيدة تخطط لها الدولة على أساس قواعد المضاربة . وفي الروايات، الكثير من الإشارات على ضرورة مزاولة أمر التجارة والعمل فيها لما لها من التأثير على حصول الإكتفاء الذاتي للفرد والمجتمع...ومن ذلك: قول الامـام عـلـي (عليه السلام): تعرضوا للتجارات، فان لكم فيها غنى عمَا في أيدي الناس". 

       ثانياً: سبل حماية الإستثمار في التشريع الإسلامي

 إن المال مهما نما وكثر عند الأفراد والجماعات والدول، إذا لم يحـط بـالحفظ والحمايـة والعنايـة والصون، كانت تنميته واستثماره مضيعة للوقت، وهذا ما أرشد إليه القرآن الكريم، فقد طلب نبي الله يوسف عليه السلام من ملك مصر الإشراف على خزائن مصر لتحقيق مصلحة الرعية ولاسـيما أن البلد مقبل على ظروف صعبة بحاجة إلى الحفيظ العليم قال تعالى مخبراً عن هـذا الطلـب "قَـالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"، يقول القرطبي:" الغاية من طلبه عليه السلام الولاية هي إقامة العدل وإحقاق الحق والإحسان فأشعر الملك بحنكتـه ودرايته في إدارة الأمور المالية . لذا فقد أرشدنا الله تعالى والسنة المطهرة إلى سبل حماية المال وصونه، ومنها:

1-دراسة الجدوى الاقتصادية للموضوع المطروح للاستثمار:

أرشـدنا إليـه القـرآن بقولـه تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا"، قال القرطبي في تفسيره :"هَذَا مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ الْقَتْلِ وَالْجِهَادِ. وَالضَّرْبُ: السَّيْرُ فِي الْأَرْضِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: ضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إِذَا سِرْتُ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِ ... ووجه الدلالة في الآية:" أن الله عز وجل قد أمرنا في حال قيامنا بالجهاد-وهو تجارة أخروية رابحة- بأن نتبين حال من نقاتله قبل اتخاذ أي قرار في حقه، وكذا الحال في أي قرار نتخذه لتحقيق منافعنا في معيشتنا الدنيوية،" فالعرب تقول: ضربت في الأرض إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيره "(. ( .


     2: منع السفهاء من التمكن من مالهم

 بـين القرآن الكريم ضرورة وضع المال بأيدي الراشدين العاقلين الذين ينمونها في رحاب المنهج الإلهي، وحذر من وضعها بأيدي السفهاء فقال تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا"، يقول الزمخشري: "وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا ": "اجعلوها مكاناً لرزقهم بأن تتجروا فيها وتتربحـوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال".

   3-العمل على التقدم في الإنتاج:

وذلك بالاستفادة مما هو عند الآخرين من تقـدم تكنولـوجي فـي الإنتاج وجودة في السلعة، فيحرص ولي الأمر على إيجاد أفضل السلع وأجودها في الأسواق وإخـراج الفاسد منها، قال تعالى:" فاسألوا أهل الذكر إن كنتُمْ لا تَعْلَمُونَ".

    فالله سبحانه يوجهنا لنتبين بما شرع وبـين بالاستغناء بحلاله عن حرامه وبطاعته عن معصيته وأن نتبع سنن من سبقنا إلى الهدايـة والإيمـان باجتناب المحرمات وفعل المباحات".


المبحث الثاني

الربا الإستثماري من وجهة نظر إقتصادية  

     إن الديانة المسيحية كانت تحرم الفائدة تحريماً قاطعاً، لكنها تراجعت تحت وطأة العوامل الاقتصادية، فأباحت الفائدة على سبيل الإستثناء في الربا الإستثمالاي، ومع مرور الزمن إتسعت دائرة هذه الإستثناءات، في هذه الأثناء، ظهرت نظريات ابتكرها عدد كبير من الإقتصاديين الرأسماليين والإشتراكيين في تبريره، فالفائدة من مقومات النظام النقدي والمالي نظرياً وعملياً في المنظومة الرأسمالية. غير أن التبرير النظري لسعرها في مختلف النظريات الاقتصادية يعاني من أوجه قصور كبيرة أدت إلى ظهور آثار سلبية لا تحسب عقباها، وعليه صار من اللازم أن نبحث بعض هذه الموارد وذلك بتقسيم المبحث إلى مطلبين:

الأول: النظريات الإقتصادية في تبرير الربا الإستثماري

الثاني: آثار الربا الإستثماري (الازمة المالية العالمية 2008م).

وقبل أن نشرع بالبحث في هذا المبحث لابد لنا من بيانٍ لتوطئة في معنى النظرية





توطئة 

في" مفهوم النظرية"

    النظرية لغة: مشتقة من النظر، وهو تأمل الشيء بالعين، والنظرية إذا أطلقت على ما يقابل الحقائق الجزئية دلت على تركيب واسع يهدف إلى تفسير عدد كبير من الظواهر .وإن صياغة نظريات عامة للفقه الإسلامي أمرٌ مستحدث . استخلصه العلماء المعاصرون الذين جمعوا بين دراسة الفقه الإسلامي، ودراسة القانون الوضعي خلال احتكاكهم وموازنتهم بين الفقه والقانون، وبوبوا المباحث الفقهية على هذا النمط الجديد وأفردوا المؤلفات على هذه الشاكلة".

    وقد عرّف النظرية الفقهية أنها: مجموعة أصول وقواعد وأحكام فقهية ذات صلة موضوعية وعلاقات متعددة من شأنها تفسير عامة ما هو داخل في موضوعها من الجزئيات.

     و عُرِفَت النظرية الاقتصادية بأنها : مجموعة المبادئ أو القوانين المتعلقة بنشاط الإنسان الإستهلاكي أو الإنتاجي ، التي تَصدق متى تحققت مجموعة من الافتراضيات، وذلك كلما كانت هذه الافتراضيات غير مقيدة بزمان أو مكان معين أو بقطاع معين من قطاعات هذا النشاط . 

   وتختلف النظرية الاقتصادية والنظرية الفقهية في أمور نذكر منها:

1.من حيث الوظيفة التفسيرية للنظرية: إن النظرية الفقهية تفسر المنطق التشريعي بينما النظرية الاقتصادية تفسر السلوك والظواهر الاقتصادية الموضوعية مستعينة بالقوانين الاقتصادية، والتي هي علاقات مطردة بين المتغيرات الاقتصادية.

2. من حيث الدرجة العلمية: إن النظرية الفقهية ترتقي إلى مرتبة البراهين لأنها تستند إلى نصوص صحيحة وثابتة، أما الاقتصادية فإنها قدر َ من المعرفة قامت الأدلة على تصديقه لكنه لم يصل إلى درجة البرهان.

3. من حيث المجال: إن النظرية الفقهية مجالها الأحكام الضابطة والموجهة للسلوك، وبناءً على ذلك فهي مسعى إجتهادي في التوسعة فيما لم يرد به حكم، والتعدية هي الغاية، أما الاقتصادية فمجالها السلوك والظواهر الاقتصادية الموضوعية من حيث التفسير والتحليل والتنبؤء، فهي قسيمة للسياسة الاقتصادية والمذهب الاقتصادي الذي هو كل الأحكام التقديرية التي تهدف إلى توجيه الحياة الاقتصادية الوجهة المرضية".

    فالفقه المالي الإسلامي على الرغم من كثرة فروعه ومسائله وأبوابه إلا أنه مازال يحتاج تجلية جوهره النفيس ببيان مفاهيم كبرى في الفقه المالي الإسلامي، بهدف عرضه وإدراك مقاصده لتكون نظرية كلية جامعة تمثل مبداً تشريعياً ومفهوماً من المفاهيم الكبرى " .

   ولابدّ للفقهاء من الاستشارة في القضايا الاقتصاديّة مثلاً مع المتخصّصين في الاقتصاد؛ كي يحصل التوصّل إلى رأي يضمن المصلحة الاقتصاديّة والمطابقة للعناصر الفقهيّة في وقت واحد  ..

    فالكشف عن نظرية متسقة له أهمية كبيرة، الأمر الذي يتوقف عليه النشاط التمويلي الإسلامي، بمعيار يُحتكم إليه، لا سيما في عصرنا الحاضر المليء بالتطورات السريعة في مجال الإستثمار.

     بعد هذه التوطئة سنتناول بعض النظريات الرأسمالية التي أجازت الربا الإستثماري(الفائدة) على أساسها، وهي كثيرة ومتنوعة لكننا سنقصر البحث في ثلاثة نظريات للرأسماليين وواحدة للإشتراكيين، مع بيانٍ للرؤية الإسلامية فيها، ولذا صار من اللازم أن نقسم المبحث إلى مطلبين منفصلين، و ذلك كالآتي..


المطلب الأول

النظريات الرأسمالية في جواز الربا الإستثماري

     تعد الفائدة قوام النظام النقدي والمالي نظرياً وعملياً في المنظومة الرأسمالية، غير أن التبرير النظري لسعر الفائدة في مختلف النظريات الاقتصادية يعاني من أوجه قصور خطيرة، إن دراسة الفائدة وتحليلها من حيث التبريرات يسمح لنا بالتعرف على جوانب القصور الذي يشوبها، وذلك أما بارتكاز بعض النظريات على مفاهيم خاطئة كلياً، وإما بارتكاز بعضها على تعميم استخدام سعر الفائدة بموجب تبرير هشٍ، كـ: حصول المقرض على الفائدة فقط، أو تحت تبرير دفع المقترض للفائدة، أو أمور أخرى تجمع بين الرؤيتين.. 

الفرع الأول

نظرية المخاطرة (تبرير الربا الإستثماري من جهة المقرض) 

  إن المخاطرة في التفكير الرأسمالي هي تفسير لتبرير الفائدة ، لصالح المقرض ومكافأته لأنه عرَض رأس ماله للخطر " فكان على العامل أن يكافئه على مخاطرته بنسبة مئوية من الربح يتفقان عليها في عقد المضاربة..، يعني أن المقرض يحصل على إيراد ثابت. فذهب أغلب الرأسماليين إلى تبرير الفائدة :"أنها تعويض عن المخاطر المنتظمة وغير المنتظمة والتي يمكن أن يتعرض لها المقرض".وقد إختلفت الرؤى في تفسيرها، فمنهم من فسرها بأنها: 

1. الاستعداد لتحمل الأخطار:

وهذا التفسير أو الرؤية الاقتصادية الرأسمالية للفائدة أو (الربا الإستثماري)، هو الذي أخذ به الكثير واعتمدوه، في تنظيرهم لنظرية المخاطرة، فعدم الإستعداد هو ضعف القرار الإستثماري وتردده وخوفه من الخسارة، وغياب قادة النشاط الاقتصادي، وغياب حافز الربح... وهومن خصوصيات المجتمعات الشرقية، إذ أن الإستعداد لتحمل المخاطرة وأثرها بوصفها محركاً للنمو الاقتصادي، وعلى الرغم من نفور الأفراد من المخاطر ... إلا أن الاقتصاد بحاجة إلى إستعداد لتحمل المخاطرة كي يتقدَم.. وهو من الأمور التي ثبتت تاريخياً. 

     2.عقيدة الرزق وتحمل المخاطرة:

وذلك "أنه يرى هناك إرتباطاً وثيقاً بين كلمة (risk) وكلمة رزق، فالمستثمر المسلم عليه أن يتوكل على الله تعالى، وهو يعتقد أن رزقه في مكنون الغيب، وهذه العقيدة تجعله مستعداً لتحمل نتائج الإستثمار ربحاً أو خسارة ...وإن هذه الروح الإيجابية التي سادت بين المسلمين في العصور الماضية جعلتهم يجوبون العالم شرقاً وغرباً ويحققون تفوقاً تجارياً، إنها عقيدة الرزق وتحمل المخاطر".

     ومن عيوب (المخاطرة):

  1.إن تبرير الفائدة بعنصر المخاطرة خطأ من الأساس في نظر الإسلام. لأنه لا يعتبر المخاطرة أساسا مشروعا للكسب، وإنما يربط الكسب بالعمل المباشر أو العمل المختزن، فلا مبرر إسلاميا للاعتراف بالفائدة، لأن الكسب بدون عمل منفق يتعارض مع تصورات الإسلام عن العدالة .  

2. أن النظرية هذه تقتصر على الأخطار التي يتعرض لها المقرض، أما الخطر الذي يتعرض له المقترض، الذي يترتب عليه أن يرد في الإستحقاق رأس مال القرض، فإن هذه النظرية لا تتعرض لذلك وتبقى غير ملتفتة إليه.. فإن الخطر الذي يتعرض له هذا الأخير (المقترض) وهو إحتمال خسارة وضياع رأس المال الذي اقترضه لا يمكن تغطيته تغطية ملائمة إلا بمجانية القرض.

الفرع الثاني

نظرية التثمير (تبرير الربا الإستثماري من جهة المقترض)

من النظريات التي اقتصر بحثها على مشروعية الفائدة من زاوية المقترض الذي يستخدم رأس المال في مشاريع مربحة.

     إن الذي قال بها هو "تورغو(Turgot) (* ) وأقام نظريته في تبرير الربا الإستثماري على أساس أن النظرية تقوم على تشبيه الفائدة بريع الأرض،   فالفائدة تدفع من أجل مخزون صناعي هو النقود، والريع يدفع عن الأرض وهي مخزون طبيعي فتدر الأرض بحكم أصلها وطبيعتها، ومن حق مالكها الحصول على هذا الدخل ، تنطلق هذه النظرية من حقيقة إنتاجية الطبيعة، وهذه الإنتاجية تمكننا أن نفهم لماذا يحصل مالك الأرض وهو دخل ثابت يحصل عليه بدون عمل وبدون مخاطرة، وذلك لأنه عندما يقدم الأرض إلى المزارع، إنما يتنازل له عن ملكية شيء منتج، وعليه فإن الذي يملك رأس مال يريد أن يقرضه لو لم يحصل على فائدة، لكان من الأصلح له أن يشتري قطعة من الأرض تؤمن له" ريعاً" بدون عمل ولا مخاطرة أيضاً.

      ومن عيوب هذه النظرية:

1. لا يصعب إنكار هذه النظرية إذا أخذنا بالرأي الفقهي القائل بمنع أجرة الأرض، وعندئذ يستوي في الحكم الريعان المالي والعقاري. إن بعض الفقهاء القدامى والمعاصرين لا يجيزون للأرض أجراً ثابتاً بل يجيزون لها المشاركة بحصة من الناتج، مزارعة فتصير النقود كالأرض من حيث امتناع العائد الثابت وجواز المشاركة .

2.خلطها بين الإيجار والفائدة رغم من أنهما مختلفان، فالإيجار تبادل شيئين غير مثليين، وهذا تبادل منتج، في حين أن القرض تبادل شيئين متماثلين، وهذا تبادل عقيم، ليس بمعنى انه غير نافع، ولكن بمعنى أن طبيعة القرض لا يمكن أن تجر منفعة مشروطة للمقرض .

3. إن الإسلام لا يسمح للرأسمالي أن يأخذ أجر إقراضه للمال وهو أن:" العقار أو أداة الإنتاج هي عبارة عن مختزن لعمل سابق، وللمالك الحق في استهلاك قسط منه خلال استخدامه للأداة أو في عملية الإنتاج التي يباشرها...لأن الأجرة عبارة عن أجرة لعمل سابق، وبالتالي هي كسب مضمون، يقوم على أساس عمل منفق، اما الفائدة فهي كسب غير مشروع... لأنها لم تكن عن عمل مباشر أو مختزن...فالمشاركة في الربح مع تحمل أعباء الخسارة هو الأسلوب الوحيد الذي سمح لرأس المال التجاري باتخاذه، وأما العامل فقد سمح له الاسلام بأسلوب الاجارة واسلوب المشاركة في الربح. فيستطيع أن يؤجر نفسه للعمل بأجر معين كما يجوز أن يشارك في الربح بنسبة مئوية كما في المضاربة".    

الفرع الثالث

نظرية ندرة رأس المال في تبرير الربا الإستثماري

    نظراً لقصور النظريات السابقة المرتكزة على زاوية المقرض أو زاوية المقترض فقط، جاء بعض الإقتصاديين الرأسماليين بنظريات أخرى، المطورة للفائدة كـ نظرية:(ندرة رأس المال) . 

   وهي من النظريات التي حاولت تبرير الفائدة من خلال عاملي العرض والطلب على رأس المال.. تقوم هذه النظرية على أساس أنه "في غياب الفائدة تُصبح الأموال القابلة للإقراض متاحة مجانًا، وبذلك يصير الطلب غير محدود، وليس هناك آلية لمعادلة الطلب مع العرض؛ وهذا يعنـي أن الفائـدة هـي المعيـار الموضوعي الوحيد لتخصيص الموارد، وفي حال غيابها، تُستخدم الموارد المالية استخدامًا غيـر رشـيد بحيث يلحق الضرر بالمجتمع". فرجال المشروعات يطلبون رأس المال، لأنه منتج، وهم يرضون بدفع الفائدة، لأن معدل الربح الذي يحصلون عليه من إستثماراتهم هو أعلى من الفائدة التي يدفعونها.وهكذا فإن الإنتاجية والإمتناع كل منهما ضروري لتفسير الفائدة، فهذه النظرية تبرر قيمة رأس المال وضرورة مكافأته، لكنها، تقترح الفائدة كشكل من أشكال المكافأة، وهذا الإقتراح الذي هو عقدة المشكلة لأنه صلبها ويبقى بدون سند".

     ومن عيوب هذه النظرية: 

1- أن القول بأن رأس المال يتصف بميزة ذاتية وهي قدرته على جذب الفائدة، لأن رأس المال قادر على زيادة كمية الإنتاج وزيادة جودة المنتج، مما يتيح أحقية المقرض بالحصول على فائدة لقاء استغلال المقترض لرأس ماله، وتبرير الفائدة على هذا الأساس أمر قائم على مسلمة خاطئة في الأصل ، لأن رأس المال يكون مربحاً إذا عضده العمل .

2- أن هذه النظرية تبرر قيمة رأس المال وضرورة مكافأته، لكنها تقترح الفائدة كشكل من أشكال الربح ، وهذا الإقتراح الذي هو عقدة المشكلة وصلبها يبقى بدون سند ولا منافع . 

المطلب الثاني

نظرية الإستغلال وتبرير الربا الإستثماري

برؤية إقتصادية إشتركية وإسلامية 

      إن الإسلام يتفرد بنظام اقتصادي يغاير الأنظمة الوضعية من رأسمالية أو اشتراكية؛ إذ لا يمكن وصفه كوصفهما، كأن يقال أن نظامه الاقتصادي رأسمالي أو اشتراكي، حيث لا يميل في سياسته الاقتصادية ـ التي مصدرها العدل، لأي طرف على حساب آخر، بل وقد اثبتنا سابقاً بأن له مذهباً اقتصادياً خاصاً، ومن ذلك مثلا، عدم ميله لصالح حقوق الفرد على حساب المجتمع كما في النظم الاقتصادية الرأسمالية، أو ميله لصالح المجتمع على حساب حقوق الفرد كما في النظم الاشتراكية، بل يعتمد السير بخطين متوازيين يكفل من خلالهما؛ حقوق الطرفين في آن واحد، ويحميهما وفق تشريعات عادلة تفضي للبناء الاقتصادي السليم.





الفرع الأول 

الرؤية الاقتصادية الاشتراكية لنظرية الإستغلال

     كان أهم رأي مناهض للفائدة بشكل جذري الموقف الذي يعزو وجودها أنها من أشكال الإستغلال أو سوء توزيع الثروة ويعبر عن هذا الموقف بوضوح التصنيف الإشتراكي للفائدة، بالإضافة إلى الريع والربح، باعتبارها جميعاً مغتصبة من فائض قيمة العمل، ويمكن أن نُدرج في هذه الفئة برودون Proudhon ، لأنهم عزوا وجود الفائدة إلى القصور المصطنع لرأس المال ، الناتج عن نظام نقدي معيب (* ).

    إن للإشتراكيين إزاء الفائدة ما خلفه ماركس من آراء ومن سبقوه من التقليديين ممن أعطوا رأس المال أجرة كغيره من عوامل الإنتاج واعتبروه أمراً طبيعياً لكنهم بقوا متحيرين في أسباب ودوافع استحقاق رأس المال للأجر، وبرَروا ذلك بمبررات لم تحظى بالقبول من الإقتصاديين الإشتراكيين الأوائل وعلى رأسهم ماركس الذي يرى أن صاحب رأس المال لا يستحق ما يضفيه المجتمع من آيات التقدير والإحترام.. فقد يستغل العامل أسوأ استغلال، الذي استولى على فائض الإنتاج كله، الذي هو ناتج عمل العامل ومصدر رأس المال..فالفائدة التي يستولي عليها الرأسماليون دون وجه حق يعتبرها ماركس نوعاً من السرقة و الإغتصاب.

      وذكروا: "إن نظرية الإستغلال قد واجهت تطرُف النظريات الغربية، بتطرف معاكس، وهذه النظرية إنما هي نتيجة طبيعية ملائمة للمذهب الجماعي،     بحث هذه النظرية عدد من الإشتراكيين مثل لاسال* وماركس*... ووفق هذه النظرية كل السلع ذات قيمة إنما هي من إنتاج العمل البشري.. فالعمل في رأي نظرية الإستغلال هو المصدر الوحيد لكل قيمة، ومع هذا فإن العمال لا يحصلون على كل الناتج الذي صنعوه هم فقط. بل إن أصحاب رأس المال يستفيدون من مؤسسة الملكية الخاصة التي تضمن لهم حقاً على الوسائل المساعدة الضرورية في الإنتاج، لكي يستأثروا بنصيب من الناتج الذي حققه العمال. 

       إن فائدة رأس المال هي حصة من ناتج عمل الغير يتم الحصول عليها عن طريق استغلال الوضع القلق والدقيق للعمال، وهي تنشأ من الضغط الذي تمارسه الطبقات المالكة على الطبقات غير المالكة في ميدان صراع الأثمان، كل ذلك بفضل المنافع والإمتيازات التي يكرسها لهم مركزهم". 

  ومن عيوب نظرية الإستغلال:

1. يذكر أن هذه النظرية لا تصلح إلا في إطار المذهب الإشتراكي الذي يقوم على الجماعية والاشتراكية في ملكية وسائل الإنتاج، وعلى إدانة مؤسسة الملكية الخاصة.

2. هذه النظرية صحيحة عندما تنشأ الفائدة من قرض أو من مال مقدم لسد حاجة إستهلاكية (قرض الإستهلاك)، أما إذا كان المال مقدماً للمساعدة على الإنتاج (قرض الإنتاج) فالفائدة يمكن أن تكون إستغلالاً أو لا حسب مركز ووضع صاحب رأس المال: هل هو مدخر صغير أو رأسمالي كبير.

والبحث يرى: ان نفع رأس المال يتوقف على كفاءة وذكاء العمال وبذل السعي من قبلهم، ويتوقف على مهارة المنظم للمشروع.

الفرع الثاني

الرؤية الإسلامية لنظرية الإستغلال (رأس المال الإنساني)

  إن الاسلام يمجد العمل ويكرم العاملين ويجعله أفضل وسيلة من وسائل الكسب، لأنه يؤدي إلى المهارة، ويرفع الروح المعنوية في الفرد.

وإنطلاقاً من المبادئ الإسلامية الرشيدة في تكريم الإنسان، والعامل خاصة، فقد جسد الإسلام رؤيته الإسلامية في نظرية الإستغلال التي ذكرها الإقتصاديون في التشريع الإسلامي، وهي كما عبر عنها بعضهم الصدر في:" أن الأحكام الحقوقية الإسلامية تولي أهمية خاصة لليد العاملة في مرحلة توزيع الدخل، من وجهة نظر الشهيد الصدر من مهام الحكومة في النظام الإسلامي، حيث تؤدي في نهاية الأمر إلى دعم هذا العامل الاقتصادي وإنضاجه. كما أن الزكاة -وتشمل بمعناها العام الخُمس والإنفاق-، لا تقتصر على الجانب المالي فقط ،   وانطلاقًا من مكانة الإنسان في الرؤية الإسلامية كخليفة الله في الأرض، وأن الله سبحانه سخّر له كافة النِعَم للاستفادة منها، ونظرًا لكون الهدف من النبوّة ونزول الوحي نشرُ العدل في الحياة الدنيا وتحقيق الفلاح في الآخرة؛ أصبح عامل النمو والتنمية الاقتصادية كامنًا فيه أيضًا وأمسى ذخيرة ثروته الإنسانية.

وفي الأدبيات الاقتصادية المعاصرة يطلق على المهارة والتخصص، اللذين يكتسبهما الإنسان من خلال التعليم والممارسة، لفظ رأس المال الإنساني (human capital)، لأن هذا العامل، شأنه شأن رأس المال العيني، يؤدي إلى زيادة الإنتاج والاستثمار. ويقصد باليد العاملة، العمل البدني البسيط، حيث يمتلك كافة الأفراد درجات مختلفة من الطاقات الجسمية والبدنية . 


المطلب الثالث

من آثار الربا الإستثماري 

(الأزمة المالية العالمية عام 2008م)

    تُعد التعاملات المالية من الأمور التي جُبلت عليها البشرية لتيسير أمورها، منذ زمن بعيد، إلا أن الذي حصل وبسبب التعامل المتنوع في الأمور التجارية والمالية نتيجة للمناهج المتبعة على أثر الفلسفة الاقتصادية في التعاملات التجارية، التي يشهدها العالم اليوم، فقد شهد العالم ويشهد العديدة من الأزمات والكوارث والمشكلات، والتصدعات، التي سجلها التاريخ ومن أهمها وأكبرها ضرراً، هي التي بانت بوادرها في عام 2007م، وتم الإعلان عنها في 2008م، إذ شملت تداعياتها العالم بأسره، على مختلف النواحي والأبعاد.. إن الأزمات المالية المتكررة هي من طبيعة النظام الرأسمالي...ففي ظل الأزمات والحروب يتعايش النظام الرأسمالي ويتقوى". وهو ما سنتناوله في ثلاثة فروع وهي كالآتي:

الفرع الأول

 مفهوم الأزمة

  إن البحث في هذا الفرع يشتمل على بيان لمفهوم الأزمة وذلك من خلال التعريف والأنواع والإختلاف فيما بينها وذلك ضمن الآتي.

     أولاً: تعريف الأزمة

الأزمة في اللغة: هي مفردة جمعها أزمات وأوازم، تقول: أزم الزمان: أي اشتد بالقحط، والإسم منه الأزمة، و تأزم الإنسان : أي أصابته أزمة، وأزم عن الشيء: أي أمسك عنه، فالأزمة تعني: الشدة والضيق والقحط".

وفي الإصطلاح: فإن الأزمة:" مصطلح مشتق من الكلمة اليونانية kriner وهي لحظة القرار( (Decision of moment في الإغريقية القديمة ، إن الأزمات هي مواقف تحتاج إلى صناعة القرار ، والأزمات تشكل نقاط تحول تاريخية اذ تكون الخيارات والقرارات الإنسانية قادرة على إحداث تغيرات أساسية وجوهرية في المستقبل".

    وتعرف الأزمة من الناحية الاقتصادية بأنها اضطراب حاد ومفاجئ في بعض التوازنات الاقتصادية يتبعه انهيار في عدد من المؤسسات المالية ثم تمتد هذه الانهيارات والتغيرات إلى الأنشطة والقطاعات الاقتصادية الأخرى". 

    و من الناحية المالية تعرف الأزمة بشكل خاص بأنها انهيار النظام المالي برمته مصحوباً بفشل عدد كبير من المؤسسات المالية وغير المالية مع انكماش حاد في النشاط الاقتصادي".

     ثانياً: أنواع الأزمة المالية

 إن التاريخ الاقتصادي للدول الرأسمالية يظهر أن أزمات هذا النظام في معظم الحالات تبدأ بأزمة مالية وتنتهي بأزمة إقتصادية . وعليه فإن الأزمات تتنوع من جهة الأهمية والتنوع وسرعة انتقال الأثر وصعوبة المعالجة، وهي تأخذ تـصنيفات وأنواع متعددة لعل من أهمها: 

    أ/ أزمة سعر الصرف: 

تعتمد كل دولة رسميّة عملة خاصة لإتمام عملياتها الاقتصاديّة من بيع وشراء وغيرها، وتكون هذه العملة معتمدة داخل حدود الدولة فقط وعلى من تطأ قدماه أرض هذه الدولة التعامل بهذه الوحدة النقديّة أو العملة، أما في حال السفر والترحال أو التعاملات التجاريّة مع الدول الأخرى فإنه ذلك يقتضي استخدام عملة الدولة الأخرى ... وتنتشر في الأسواق أماكن خاصة للصرافة لتحويل العملة المحليّة إلى عملة الدولة المصدرة ؛ ويقال في أزمة سعر الصرف :"إن الأزمة تحدث عند غياب التنسيق بين السياسات الإقتصادية الكلية الأساسية ونظام سعر الصرف السائد، ويكمن مصدر الأزمة في الإفراط في خلق الإئتمان المحلي، إما لتمويل عجز الموازنة العامة للدولة أو لتوفير المساعدة للنظام المصرفي الذي يتسم بالضعف ".




    ب/ الأزمة المصرفية:

 تعد الأزمة المصرفية " من الأزمات التي تعرض المصارف لصعوبات مالية تهددها بالإفلاس بسبب القروض المتعثرة وصعوبة السداد". ويمكن أن تتحقق هذه الحالة بتوافر ثلاث شروط : 

-أن تزيد المديونية قصيرة الأجل عن الأصول قصيرة الأجل.

- ألا تحتوي السوق على دائن كبير يكون قادر على توفير التسهيلات اللازمة لسداد الإلتزامات قصيرة الأجل. 

-عدم وجود مقرض أخير أو نهائي، الذي هو البنك المركزي الذي يُعد المقرض الأخير.

      ومن النتائج التطبيقية حول الأزمات المصرفية تبين:" أن العوامل الخارجية مثل تغير أسعار الفائدة وتذبذب التدفقات الدولية تلعب دوراً كبيرا في نشوب الأزمات المصرفية خاصةً إذا تزامنت مع سياسات تنظيمية وسياسات رقابية غير ملائمة (إطار قانوني ضعيف، ملكية مركزة، آلية غير واضحة لتقييم المخاطر ".

      ج/ أزمـة المـديونيـة:

 تشكل هذه الأزمة كثيراً من المخاطر والتي أرهقت كثيراً من الدول خاصة النامية منها، ولقد أ سهمت عوامل داخلية وأخرى خارجية في تفشيها... إن مفهوم المديونية ليس هناك تعريف لأزمة الدين متفق عليه، لكن يمكن أن نعرف المديونية" بأنها تلك العملية التي تتميز بحركة تدفقات رؤوس الأموال في إتجاه البلدان المقترضة من البلدان الدائنة، وعند انقطاع حركة التدفقات تحدث أزمة المديونية الخارجية، ويكون سبب هذا الانقطاع في أغلب الأحيان راجعا إلى عدم قدرة البلد المدين على  الوفاء بإلتزاماته الخارجية ".


  ثالثاً: المائز بين الأزمة المصرفية وأزمة سعر الصرف

 على الرغم من أن وجود عدة روابط بين أزمة سعر الصرف والأزمة المصرفية – وأحيانا تقعان تحت مسمى الأزمة المالية – إلا أن هناك إختلافات مهمة بين النوعين تتمثل في أن أزمة سعر الصرف تميل لأن تحدث خلال فترة قصيرة نسبيا من الزمن بينما الأزمات المصرفية تأخذ وقت أطول إذ أنها قد تأخذ سنة حتى تصل ذروتها ومن ثلاث إلى أربع سنوات حتى تحل . 

الفرع الثاني

  الأسباب والتداعيات 

     تعد هذه الأزمة الأسوأ، فقد تسببت بسقوط مدوي للإقتصاد والبورصات العالمية، وتعرض العديد من المؤسسات المالية والمصارف للبيع والإفلاس... ووصل عدد المصارف التي انهارت بأمريكا عام 2008إلى 19 مصرفاً، ثم امتدت إلى أوروبا وآسيا والخليج العربي، وجميع الدول التي ارتبطت بالإقتصاد الأمريكي .

      أولاً: أسباب الأزمة:

 أ/ أسباب الأزمة "من وجهة نظر رأسمالية"

1.تقلبات أسعار العقارات: 

 طالما أن العقارات هي الضمان أو الرهن الذي تحتفظ به المؤسسات المالية المقرضة ، مقابل منح القروض، فإن تقلبات أسعار العقارات تعد من الأسباب المهمة لأزمة الرهن العقاري .





      2.تقلبات أسعار الفائدة:

 إن الحقائق تؤكد أن سعر الفائدة لا يقتصر دوره على كونه غير مشجع للإدخار، او معيق للإستثمار، بل تمتد مصائبه إلى أبعد من ذلك، فهو يزيد من البطالة، ويولد الأزمات الاقتصادية، ويؤدي إلى تدهور النقود.. 

ويكرس الطبقية ويخلق الإستغلال المقيت بين طبقات المجتمع، ويقف حجر عثرة في طريق التنمية، ويسلب الدول حريتها وإرادتها، ويهوي باقتصادها ويراكم مديونيتها.

 3-السياسة الإقراضية: 

من المعروف :"أن الأزمات المالية الدولية الراهنة كانت مسبوقة بحدوث نوع من تراخي القيود التنظيمية على النظم المالية فيما عرف باسم (عمليات التحرر المالي) وعليه فإن السياسة الإقراضية التي اتبعتها المؤسسات المالية تعد من أهم الأسباب التي أدت إلى أزمة الرهن العقاري".

  4.الزيادة الكبيرة في توريق الديون: 

نتج عن تحويل الديون العقارية إلى أوراق مالية أو ما يعرف (التوريق) توليد موجات متتالية من الأصول المالية بناءً على أصل واحد، إذ لم تكتف المصارف بالتوسع في القروض الأقل جودة، بل استعملت المشتقات المالية لتوليد مصادر جديدة للتمويل، ومن ثم التوسع في الإقراض ". 

   ب/ أسباب الأزمة "من وجهة نظر إشتراكية"

 يرى الماركسيون أن الأزمات الاقتصادية المتعاقبة في الدول الرأسـمالية هي أزمات طبيعية ناتجة عن التناقض بـين قـوى الإنتـاج وحالـة العلاقـات الاجتماعية إذ تقود إلى زيادة الربح وتراكم رأس المال ".

     يقول الاقتصادي النمساوي (كنون فيكسل*) :"عندما يكون سعر الفائدة النقدي أقل من سعر الفائدة الحقيقي* فإن هذا يحفز المستثمرين على زيادة الإقتراض، وبالتالي زيادة حجم الإستثمار ومن ثم زيادة الناتج، أما إذا كان سعر الفائدة النقدي أكبر من سعر الفائدة الطبيعي ، فإن هذا يؤدي إلى إنخفاض حجم الإقتراض (الإئتمان) وهذا  بسبب إنخفاض الإستثمار، ومن ثم الناتج ... وإن سير الأحداث والوقائع في أزمة 2008م، تؤكد صحة تنبؤات المدرسة النمساوية، فقد حدث إفراط في الإنفاق الخاص مسبباً ارتفاع أسعار الأصول التي أصبحت أصولاً غير مربحة بالنسبة للشركات أو غير مرغوبة للأفراد...ثم حدثت تداعيات الأزمة المالية والإقتصادية العالمية المعاصرة". 

     ج/ أسباب الأزمة " من وجهة نظر إسلامية"

 أشار بعض الباحثين إلى أن للأزمة عدة أسباب من وجهة نظر إسلامية منها:

 1.سعر الفائدة: 

عملت البنوك على تحفيز الأمريكيين بتملك العقارات بدلاً من تأجيرها، في ظل منح القروض العقارية بسعر فائدة متغير، ومع ارتفاع سعر الفائدة المستمر أدى إلى ارتفاع أعباء القروض من جهة فوائدها وسداد أقساطها، فتوقف عدد كبير من المقترضين عن سداد الأقساط التي أصبحت تفوق القيمة السوقية للعقار.

 2. الفساد: 

اعتمد الاقتصاد الأمريكي على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة دون مراعاة الضوابط الأخلاقية، ومن بين أدوات الفساد: الظلم، السرقة، القمار، وغير ذلك مما أسهم في حدوث الأزمة.



   3.التوسع في الديون:

إن البنوك الأمريكية لجأت إلى التوسع في الإقراض من خلال الديون العقارية، كما اعتمدت على إصدار سندات في مقابل قروضها العقارية، وبيع هذه السندات إلى مستثمرين عالميين مقابل فوائد، وقام هؤلاء المستثمرين ببيع هذه السندات مرة أخرى أو رهنها لدى صناديق إستثمار وهي ما يعرف بعملية التوريق .مما أدى إلى تحول طبيعة الاقتصاد العالمي إلى اقتصاد رمزي بحيث يقدر حجمه ما يزيد على أربعين مرة بحجم الاقتصاد الحقيقي وأدى إلى زيادة حدة الصدمات، بسبب المضاربة بالنقود التي حرمها الإسلام. 

البحث يرى: يمكن إعتماد التوريق السلعي والذي يستفاد منه في مجال تمويل النشاطات الإنتاجية وعمليات الشراء وبيع الأصول الحقيقية مثل العقارات وتكوين فرص تمويل مفيدة إجتماعياً، وهو تمويل إسلامي مقبول وجائز شرعاً، على خلاف التوريق النقدي المحرم.   

   ثانياً: تداعيات الأزمة المالية

 إن الأزمات التي عانت منها البشرية وتعاني، ما هي إلا لدليل واضح على عدم مشروعية هذا الأساس الذي يسير عليه العالم اليوم، المتمثل بنظام الفائدةـ وعدم عدالة العلاقات الدولية، التي قامت تبعاً له، فرسخت التبعية والتفاوت بين الشعوب، وهذه الأزمات ليست مقتصرة على الدول الضعيفة فحسب، وإنما نجد آثارها في جميع البلدان وبأشكال مختلفة...فإذا كان مآل تجارب التنمية في الدول النامية هو الفشل فإن المتنعن في عمر الحضارة الغربية، يرى أنها تتصدع من كل جوانبها ، وهذا التصدع إجتماعي وأخلاقي، وأساس ذلك هو سيطرة المال على المجتمع الغربي و المال في الغرب قائم كله على الربا .في هذا المطلب سنتناول بعض التداعيات التي خلفتها الازمة المالية العالمية من خلال الآتي..

   أ/ تداعيات الأزمة "على الاقتصاد الأمريكي"

زادت الأزمة من معاناة الاقتصاد الامريكـي الـذي يعـاني بالفعـل منـذ سـنوات مــن النمــو المتبــاطئ نتيجــة العجــز التجــاري وظهــرت أعــراض هــذه الأزمــة علــى كافــة مؤشرات الاقتصاد الكلي للولايات المتحدة على النحو الاتي :

١ -تفاقم العجز في الميزانية، الذي وصل اقصاه في الربع الاول منذ عام ٢٠٠٨ حــوالي ٩٠٢ %مــن النــاتج المحلــي الاجمــالي.

2-الهبـوط السـريع فـي سـعر العملـة الامريكيـة.

3-إنهيار العديد من المصارف والمؤسسات المالية وإشهار إفلاسها.

4-فقدان أكثر من 3 مليون شخص أمريكي لوظائفهم.

    ب/ تداعيات الأزمة "على الدول النامية "

 إن الأسواق المالية العربية بشكل عام ليست محصنة من هذه الأزمة وتداعياتها فالعولمة الاقتصادية جعلت الأسواق في العالم سريعة التأثر بما يحدث ، فقد ذكر بعضهم كنموذج :"عمل شركات متعددة الجنسيات في البرازيل إذ مارست حالة بشعة من الإستغلال، إعتماداً على الفائدة، إذ كانت هذه الشركات تقترض من أسواق نيويورك بفائدة قدرها 6% ، ثم تعيد إقراض هذه الأموال في البرازيل بفائدة تتراوح ما بين 20% و 45% ، ولعل هذه الحالات الدولية من الإستغلال البشع للدول النامية واستنزافها بالقروض الربوية ما عبر عنه المستشار الألماني الأسبق (برانت) : بأن ما يجري هو عملية نقل دم عكسية من المريض إلى الطبيب". 

     ومما تقدم نجد أن من الضروري، إعادة النظر في الممارسات المالية التي قد تؤدي إلى إصلاحات هامة من شانها تصحيح مسار الرأسمالية بنحو يوفر للإقتصاد العالمي استقراراً مالياً وإقتصادياً أفضل، فالفائدة عملاً وشرعاً مما يجب تجنبها وعدم التعامل بها أبداً، مهما كلف الأمر...

      ج/ تداعيات الأزمة "على معدلات البطالة "

   وصلت نسبة البطالة في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 6,5 % و هي النسبة الأعلى منذ 14 عام، كما وصل معدل البطالة في الإتحاد الأوروبي إلى حدود 7 %و قد كشف إستطلاع للرأي يشمل 15 قطاعا إقتصاديا حيويا في ألمانيا أن نحو 215000 وظيفة هددت بالإلغاء عام 2009، و في بريطانيا إرتفاع معدل البطالة إلى 5,7%  مقابل 2,5%في الربع الأول من عام 2008.

     ينقل الأفندي تصريح لأحد الخبراء البريطانيين (توبي بيرش)* والذي سبق وإن تنبأ بالأزمة المالية قبل إنفجارها بأربعة أشهر يذكر في كتاب (الإنهيار النهائي/ Final Crash):" إن القوانين المنظمة للإقتصاد الإسلامي والتي تمنع المسلمين من استنساخ المال من المال ، حمت على الأقل ثروات العالم من التأثر بالأزمة الراهنة التي تفجرت من المشتقات المالية وبيع الدين ( المتاجرة بالديون ) في أوروبا وأمريكا ، ولكن ذا يحتاج إلى بعض الوقت حتى يحل النموذج الإسلامي محل النموذج التقليدي .

   عندما يقرأ الإنسان قول االله تعالى:" يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ"، يدرك أن المتعامل بالربا سيجر على نفسه مشكلات كثيرة، ولعلّ الواقع الذي تعيشه المجتمعات التي اعتمدت على نظام الفائدة أكبر دليل على ذلك، وفي هذا يقول الإمام الرازي: "إنّ الربا وإن كان زيادة في الحال إلا أنه نقصان في الحقيقة" 

     إنّ المصدر الرئيس لتمويل حالات العجز في الموازنة العامة لهذه الدول هو الاقتراض الخارجي بفائدة، وهذا بحد ذاته له آثار اقتصاديّة سيئة في الاقتصاد. منها انخفاض سعر قيمة العملة للدولة المقترضة بسبب عدم الثقة في أداء المالية العامة؛ لتلبية الاحتياجات ذاتيا، ومنها القبو ل غير المشروط لشروط وإملاءات الدول المقرضة الاقتصاديّة التي تخدم مصالحهم، وهذا يمكن إدراكه باستقراء كثير من الحالات الواقعية التي يفرضها صندوق النقد الدولي على  بلدان الدول النامية المدينة لصالح الدول الدائنة .


المبحث الثالث

الربا الإستثماري من وجهة نظر قانونية

إن البحث في الربا الإستثماري في القانون يتطلب التعريف بالمفهوم والموقف القانوني منها بالإضافة إلى بيان المائز بينه وبين بعض الأنظمة القانونية المشابهة له، ولذا صار من اللازم أن نقسم المبحث إلى ثلاثة مطالب، وهي كالآتي:

الأول: مفهوم التعويض القانوني في القانون المدني العراقي.

الثاني: موقف بعض القوانين المدنية العربية المقارنة من هذا النوع من التعويض        الثالث المائز بينها وبين الأنظمة القانونية المشابهة.

المطلب الأول

مفهوم التعويض القانوني في القانون المدني العراقي

     إن التعويض القانوني أو نظرية الفوائد، وحسب ما ورد بيانه في القانون المدني العراقي هو:" تعويض خاص بالنسبة للإلتزامات التي يكون محلها أداء مبلغ من النقود ويتأخر المدين بالوفاء به فيكون ملزماً بدفع فائدة بنسبة معينة ترد في النصوص الخاصة بذلك " .في هذا المطلب سوف نتكلم عن مفهوم التعويض القانوني، في القانون المدني العراقي وأنواعه وشروطه من خلال الفروع الثلاثة التالية:

الفرع الأول

تعريف التعويض القانوني وأنواعه

    أولاً: تعريف التعويض القانوني:

في اللغة: الأصل اللغوي لكلمة التعويض هو العِوضُ، والعـوض معنـاه البَـدلُ فنقول عوضه تعويضاً ، إذا أعطيته بدل ذهب منه واعتاظ ، أخذ العوض " . 

ومنه أيضاً "أن العِوَض يعني البدل وتعوض منه، واعتاض : أخذ العوض، وعاضه أصاب منه العوض ، وعُضت : أصبت عِوضاً".

    و في الإصطلاح: لم نجد تعريفاً للتعويض في أكثر النصوص القانونية، وأعده إتجاهاً سليماً عن تعريف التعويض في القانون فإن المشرعين لـم يضـعوا تعريفاً له، وهذا ما يتماشى مع المنهج التشـريعي السـليم الـذي يتجنـب وضـع التعريفـات للمصطلحات القانونية ويترك ذلك للفقه، لأن من أهم ما يجب أن يتسم به التعريف بـأن يكـون جامعاً مانعاً، جامعاً لكل عناصر الشيء المعرف ومانعاً من دخول عناصر غريبة عنه، وحسـناً فعل المشرع عندما تجنب وضع تعريف لمصطلح التعويض ذلك أن تحديد  معنى أي مصطلح قانوني من الأنسب  من مهمة الفقه القانوني وليس المشرع .

      وقد عُرِف في الفقه القانوني:" بأنه مبلغ من النقود أو أي ترضیة من جنس الضرر، یساوي المنفعة التي كان یحصل علیها الدائن لو نفذ المدین التزامه على النحو الذي یقضي به مبدأ حسن النیة في التعامل، كما یعرف بأنه الحق الذي یثبت لدائن نتیجة إخلال مدینه بتنفیذ التزامه".

والتعويض أيضاً مبلغ من النقود يساوي المنفعة التي كتن سيحصل عليها الدائن لو نفذ المدين إلتزامه على النحو الذي يقضي به مبدأ حسن النية و الثقة المتبادلة بين الناس.

و يقصد بالتعويض هنا إعطاء الدائن عند عدم إجراء الإلتزام ، ما يقابل الفائدة التي كانت تعود عليه من هذا التنفيذ لو أنه تم ، وما يجنبه الخسارة التي نجمت له بسبب عدم حصوله، ويقصد به تعويض الدائن عن الضرر الذي لحقه من جراء عدم حصول الإلتزام. 


ويفهم مما سبق:

أن المراد بالتعويض القانوني هو الفوائد. وتعرف الفائدة بأنها مبلغ من النقود قدره القانون مسبقاً وأوجب على المدين دفعه للدائن عند تأخره في الوفاء بالتزام محله مبالغ نقدية.

     ويُذكَر إن أهم حالة عمد فيها المشرع إلى التدخل وتكفل بتحديد مقدار التعويض في نصوص تشريعية ... والسبب في ذلك كراهية تقليدية للربا ، لا في مصر فحسب ولا في البلاد الإسلامية وحدها ، بل في أكثر تشريعات العالم فالربا مكروه في كل البلاد، وفي جميع العصور ". 

-أن المشرع أتاح تقدير التعويض للقاضي ليختار أفضل الطرق ملائمة لجبر الضرر.

  -إن مفهوم الربا في القانون يختلف عما هو في الشريعة الإسلامية ، إذ أن الربا في القانون مقصور على الزيادة على السقف الأعلى لسعر الفائدة التي تؤخذ وتعطى في حدود السقف الأعلى لسعر الفائدة ، فلا تعد ربا وإنما تعد فائدة مشروعة قانوناً هذا وإن المشرع العراقي قد عدَ الربا من الجرائم التي يحاسب عليها القانون، وقد نص على عقوبة جريمة الربا في موضعين:  .

 -وبذلك يكون المشرع قد اعترف بالفائدة وأعطاها الشرعية القانونية تاركاً ثوابت احكام الإسلام وهو ما نص عليه الدستور العراقي الدائم لعام 2005م .

وعليه فقد قضت محكمة التمييز الإتحادية أنه:".. وجد أن الحكم المميز صحيح وموافق للقانون ذلك أن دعوى المدعي / المميز عليه أنصبت على مطالبة المدعى عليه / المميز بالفائدة القانونية على المبلغ المحكوم به في الدعوى 1032/ ب/ 2016 ، ورغم كونه حساب جاري إلا أنه يعد ديناً تجارياً وفقاً لأحكام المادة  239 من قانون التجارة رقم 30 لسنة 1984، ولتحقق شروط الحكم بالفائدة إذ أم محل الإلتزام هو مبلغ من النقود ومعلوم المقدار وقت نشوء الإلتزام وتأخر المدين في وفائه مما يكون لدعوى المدعي سند من القانون...

    ثانياً: أنواع الفوائد القانونية

إن الفوائد باعتبار موضوعها تقسَم إلى فوائد تأخيرية وأخرى تعويضية (إستثمارية) وقد عُرفت بتعاريف نذكر منها:

أ/ الفوائد التأخيرية: وهي الفوائد التي تستحق عند التأخر في تنفيذ الإلتزام الذي يكون محله مبلغ من النقود (الذي أشارت إليه المادة 171 مدني عراقي).

-وتنقسم الفوائد التأخيرية إلى نوعين: منها الإتفاقية وأخرى قانونية..

1)) الفوائد الإتفاقية: وهي التي يتفق المتعاقدان عليها سلفاً.

2)) الفوائد القانونية: وهي التي يحددها القانون إذا لم يتفق المتعاقدان على مقدارها.

     ب/ الفوائد التعويضية" الإستثمارية":

 هي عبارة عن:" مبلغ يدفع نظير الإنتفاع عن دين لم يحل ميعاد إستحقاقه بعد (كما هو الحال بالنسبة للمصارف التي تأخذ هذا النوع من الفوائد)،وهي ليست جزاء"تعويض" وإنما مقابل "ربا" الإنتفاع من مبلغ القرض لمدة معينة " ، إلا أن أغلب فقهاء القانون لا يبحثونها كونها محرمة شرعاً .

    وأكثر ما تكون الفوائد التعويضية في التزام بدفع مبلغ من النقود، يكون مصدره العقد، وهو عقد القرض، وفي عقد البيع.. في مقابل أن يدفع المشتري فوائد عن هذا الثمن، فتكون الفوائد هنا تأجيل الثمن، وليست فوائد تأخيرية.. وقد تجب في وديعة المصرف، والفوائد التي يتقاضاها حامل السند عن مبلغ من النقود أقرضه صاحب الدخل للمدين به ، فالفوائد عن مبلغ من النقود لم يحل ميعاد استحقاقه فهو دين بذمة المدين طوال الأجل مقابل الأجل والإنتفاع به "...

وعلى هذا فقد قضت محكمة التمييز الإتحادية أنه:" وجد أن الحكم المميز صحيح وموافق للقانون ذلك لأن المحكمة استندت في أسباب حكمها على تقرير الخبير الحسابي بصدد مبلغ القرض والفائدة الإتفاقية البالغة 10% ، وحيث أن تلك الفائدة مرتبة ببقاء عقد القرض واستمراره فيتعين عند الحكم بالفائدة القانونية ومن تاريخ المطالبة مراعاة ما أوردته المادة 172/ 1، من القانون المدني النافذ وعدم زيادتها على نسبة 7% من مبلغ القرض وهذا ما قضى به الحكم المميز لذا قرر تصديقه".

ثانيا: شروط التعويض القانوني وأحكامه

إن القانون المدني العراقي وحسب المادة (171) والتي سبق ذكرها آنفا: 

 فحتى يستحق الدائن الفوائد التأخيرية لابد من توافر ثلاثة شروط وهي :

    أ/ شروط استحقاق الفوائد التأخيرية:

1- لابد أن يكون محل الالتزام مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت نشوء الإلتزام والمطالبة: 

لا تستحق الفوائد إذا كان ما يطالب به الدائن غير معلوم المقدار مثل المطالبة بتعويض عن ضرر ناجم عن عمل غير مشروع مادام أن للمحكمة سلطة واسعة في تقدير هذا الضرر.فقد قضت محكمة التمييز :" أن المبلغ المحكوم به في الدعوى ترتب بذمة المدعى عليه نتيجة المحاسبة عن عقد المشاركة بين الطرفين ولم يكن معلوم المقدار وقت نشوء الإلتزام مما يعني عدم تحقق شروط المادة 171/ مدني".

2- تأخر المدين بالوفاء: التعويض القانوني أو الفوائد، إنما هو تعويض عن التأخر في التنفيذ، لا عن عدم التنفيذي، فمجرد تأخر المدين في تنفيذ إلتزامه بدفع مبلغ من النقود يكفي للحكم بدفع الفوائد بالسعر الذي يحدده القانون أو الاتفاق.

2-المطالبة القضائية بالفوائد التأخيرية: 

يجب أن يطلب الدائن الفوائد بالإضافة إلى أصل الدين. فإن لم يطلب الفوائد وطلب أصل الدين فقط فلا يجوز للقاضي أن يحكم له بالفوائد من تلقاء نفسه. وعلى ذلك فلا تستحق الفوائد التأخيرية إلا من وقت المطالبة القضائية بها.. ففي هذا المورد :"أجرى المشرِع تحويراً في موضوع المسؤولية التقصيرية فيما يتعلق باستحقاق الفوائد التأخيرية، فمجرد تأخر المدين يجب عليه دفع الفائدة، إذ اعتبر المشرع الخطأ هو مجرد التأخر إذاً هو أخطأ، أما الضرر فقد اعتبر أن مجرد التأخر فقد حصل الضرر، ولأن المشرع يرى أن النقود هي عصب الحياة الإقتصادية ،فإن الضرر يلحق بالدائن  فلا يشترط منه أن يثبت أن ضرراً حصل له".

وعلى هذا فقد قضت محكم التمييز الإتحادية أنه:".. وجد أن الحكم المميز غير صحيح ومخالف للقانون ذلك أن المدعي يستحق الفائدة القانونية من تاريخ إقامة الدعوى بالمطالبة القضائية بالفوائد القانونية ولحين التأدية الفعلية لدائرة التنفيذ وحسبما تقضي به المادة 171/ مدني، لذا قرر نقضه.

 2/ شروط استحقاق الفوائد العتويضية"الإستثمارية":

أن يكون محل الإلتزام مبلغ من النقود وقت نشوء الإلتزام" ولا تختلف الفوائد التعويضية عن الفوائد التأخيرية، لأن الفوائد قانونية او تأخيرية لا تستحق الا عند توافر هذا الشرط.

 ان يتم الاتفاق عليها بين الطرفين في عقد أو إتفاق لاحق: اتفاق الدائن مع المدين عليها شرط لاستحقاقها، فلا يلتزم المشتري بدفع الفوائد على الثمن المؤجل، ولا المقترض بدفع فوائد المبلغ المقترض، الا عند الاتفاق عليها، وكذلك يتناول الاتفاق تحديد سعرها على ان لا يتعدى الحد الاعلى الذي قرره القانون.

    ب: من أحكام الفائدة القانونية

 1/ سعر الفائدة القانونية

. سعر الفائدة التأخيرية:

 تدخل القانون وحدَد الفوائد لكنه أجاز في بعض الأحوال النزول عن الحد المقرر، وفي أحوال أخرى الزيادة عليه، والعبرة في هذه التفرقة بين المسائل المدنية والتجارية هي بصفة المدين. فإذا كان المدين غير تاجر فإن الفوائد تحتسب على أساس 4%، وإن كان المدين تاجراً فإن الفوائد تحتسب على أساس 5%، لا بطبيعة العلاقة القانونية، وذلك طبق نص المادة 171 مدني ، وأجاز القانون للمتعاقدين الإتفاق على سعر للفوائد لا تتجاوز نسبة 7% ، فإذا زاد السعر المتفق عليه عن 7% وجب تخفيضه إلى ذلك ورد الزائد عن هذا القدر.

   . سعر الفوائد التعويضية:

ليس للفوائد التعويضية إلا سعر واحد وهو السعر الإتفاقي كما مر، والحد الأقصى للسعر الإتفاقي للفوائد التعويضية هو الحد الأقصى للسعر الإتفاقي للفوائد التأخيرية وبهذا تقضى . فإذا اتفقا المتعاقدان على فوائد تزيد على هذا السعر. وجب تخفيضها إلى 7% وتعين رد ما دفع زائداً على هذا السعر.. ومن البديهي أنه يجوز الإتفاق على سعر أقل من النسب المذكورة كأن يكون 2% أو 3% فذلك يتفق مع روح التشريع الذي يهدف غلِ يد الدائن في استحصال الفوائد الربوية ، فما زاد على 7% يلزم الدائن برده، لأن هذه الزيادة تعتبر ربا فاحشاً مخالفاً للقانون والنظام العام ؛ لكون أحكام تحديد سعر الفائدة في القانون المدني من النظام العام، لذلك يكون على المحكمة إلزام الدائن برد ما تسلمه زائداً عن الحد الأقصى ، ويكون الإلتزام برد الزيادة مصدره الكسب دون سبب ويسقط هذا الإلتزام بمضي ثلاث سنوات من علم الموفي بحقه في الرجوع على من تسلم الزيادة أو بمضي 15 سنة من تاريخ دفعها في كل الأحوال وذلك طبقاً لحكم المادة 244 مدني عراقي والخاصة بتقادم دعوى الإثراء بلا سبب. 

3/ حالات جواز تخفيض سعر الفائدة القانونية أو إسقاطها

ذكر المشرع أربع حالات يجوز للمحكمة تخفيض سعر الفائدة أو الحكم بإسقاطها وعدم استحقاقها وذلك كالآتي: 

 . الفائدة المستترة:

 قد وقف المشرع –كراهة منه للربا- موقف ريبة وحذر من الشروط التي يفرضها الدائن على المدين بهذا الخصوص ، فإذا كانت هذه الشروط ستاراً يخفي به الدائن مقدار الفائدة الحقيقية التي فرضها على المدين فيجب تخفيض سعر الفائدة المتفق عليها، وهذا ما نصت عليه الفقرة الثانية من المادة172 .

   وبهذا فإن القانون يحارب الربا الفاحش ظاهراً أو متخفياً، فمهما كان نوع العقد فإن المحاكم تستطيع أن تكشف حقيقته، ومتى اتضح لها أنه يخفي ربا فاحشاً أنقصته إلى الحد الذي بينه القانون.

لكن وإن كان العقد يندر أن يتضمن إتفاقاً على فائدة تتجاوز الحد الأقصى ، ولكن كثيراً ما تكون الفائدة مستترة تحت ستار تسمية أخرى، فيحق للمدين أن يكشف عن هذا التحايل بكافة طرق الإثبات ولو بالبينة والقرائن.

إذن في شأن تحمل عبء الإثبات فإنه رفقاً للقواعد العامة يقع على المدين ، أن يثبت أن العمولة أو المنفعة لا تقابلها خدمة حقيقية يكون الدائن قد أداها ولا نفقة مشروعة يكون الدائن قد صرفها، لأن المدين إنما يطعن بالصورية فيما اتفق عليه مع الدائن، ويتمسك بأن حقيقة العمولة أو المنفعة إنما هي فوائد ربوية..... له أن يثبت ذلك بجميع الطرق ولو بالبينة والقرائن وفقاً للقواعد العامة في الإثبات".

2. إذا تسبب الدائن في خطئه بإطالة أمد النزاع:  

وهي الحالة التي أجاز المشرع فيها للمحكمة أن تخفض الفائدة أو لا تقضي بها إطلاقاً وهي حالة ما إذا تسبب الدائن بخطأه في إطالة أمد النزاع، وقد نصت على هذه الحالة الفقرة الثالثة من المادة 173  

3. الفائدة على متجمد الفوائد (الفائدة المركبة): 

من الأمور الأخرى التي يمكن للمحكمة إسقاط الفائدة هي مورد الفائدة المركبة: وهي إضافة الفوائد التي استحقت ولم تدفع لتصبح جزءاً منضماً إليه، تنتج كما ينتج رأس المال الأصلي فوائد قانونية أو إتفاقية ، وقد أوقف القانون المدني العراقي بالنسبة لهذا النوع من الفوائد موقفاً أكثر إمعاناً في الإحتياط والشدة من موقفه بالنسبة للفوائد البسيطة، ويكفي للدلالة على خطر الفوائد المركبة أن شخصاً إذا اقترض مبلغاً بفائدة مركبة قدرها خمسة بالمائة ، فإن هذا المبلغ يتضاعف في خلال أربعة عشر عاماً ، بينما إذا كان الإقتراض بفائدة بسيطة فهو يتضاعف بمرور عشرين عاماً". 

 4. زيادة مجموع الفوائد على رأس المال: 

منعت المادة 174 مدني عراقي صراحة أخذ فوائد على متجمد الفوائد في غير المسائل التجارية.




 5/الإستثناءات الواردة في تحديد سعر الفائدة القانونية

. الإستثناءات الواردة على المادة 175مدني: فقد أجاز المشرع العراقي حالات استثناء لما ورد في المادة 174 مدني، وذلك يعني أنه أجاز أن تزيد الفائدة على رأس المال وهي:

  الحالة الأولى- تعدد الصفقات:

 يرى المشرع أنه:" إذا تعدد الصفقات، لأن النص منع التجاوز على رأس المال في الصفقة الواحدة (العقد)... زيادة مجموع الفوائد على رأس المال جائز في الصفقات إذا تعددت، فلو اقترض شخص مبلغ من النقود بفائدة وتراكمت الفوائد ثم قطع المدين حساب هذا القرض وعقد مع المقرض قرضاً آخر أدخل من رصيد القرض الأول كان لكل قرض حسابه".

 الحالة الثانية- العرف التجاري:

إذا كان هناك عرف تجاري يسمح بتجاوز الفائدة على رأس المال مثال ذلك الحساب الجاري ...، فيحتمل إذن أن يزيد مجموع الفوائد في نهاية الحساب على رأس المال، ويكون ذلك جائزاً تمشياً مع القواعد والعادات التجارية "؛ إذ نصت المادة 175مدني:" الفوائد التجارية التي تسري على الحساب الجاري يختلف سعرها القانوني باختلاف الجهات ويتبع في طريقة احتساب الفوائد المركبة في الحساب الجاري ما يقضي به العرف التجاري".

6. جواز تخطي حدود الفائدة المقررة قانوناً:

يرى المشرع أن :"هناك حالتان يجوز من خلالهما تخطي الحدود المقررة لسعر الفائدة، وذلك من خلال الإتفاق على فائدة أعلى مما هو محدد وذلك في حالتين: الحالة الأولى: إذا صدر غشٌ من المدين أو خطأ جسيمٌ استناداً إلى الفقرة الثانية من المادة 173:"ويجوز للدائن ان يطالب بتعويض تكميلي يضاف الى الفوائد القانونية او الاتفاقية إذا ثبت ان الضرر يجاوز الفوائد قد تسبب فيه المدين بغش منه او بخطأ جسيمٍ". فهذه الحالة فيها تخفض الفائدة إذا كان الدائن قد تسبب بخطأه إطالة أمد النزاع.

 الحالة الثانية: الحساب الجاري وفقاً للعرف التجاري: فقد "أجازت المادة 175 مدني إلى جواز زيادة السعر القانوني للفوائد التجارية على السعر الذي حدده القانون وهو 5% ولكن بشرط أن لا يزيد عن الحد الأقصى للفائدة الإتفاقية سواء كان ذلك في التعامل التجاري أو المدني على حدٍ سواء ولو ان الواقع يشير إلى أن التعامل التجاري يقضي إلى منح فوائد تزيد عن الحد الأعلى على الفائدة وهي 7% " .

وفقاً لهذا النص فإن الفوائد في الحساب الجاري يتحدد سعرها وفقاً للعرف التجاري، في المكان الذي يتم فيه فقد يزيد أو يقل عن سعر الفائدة التجارية التي عينها القانون، ثم أنه في الفوائد التجارية يلاحظ أنه لا يشترط لسريان الفوائد التأخيرية على الحساب الجاري، وجوب المطالبة القضائية ، بل ولا يلزم الإعذار لإستحقاقها، فمجرد الخصم والإضافة في الحساب الجاري، يكفي لسريان الفائدة، كما يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد بالنسبة للحساب الجاري، ويتبع في طريقة حساب الفوائد المركبة على الحساب الجاري، ما يقضي به العرف التجاري، كما يجوز في الحساب الجاري، أن يزيد مجموع الفوائد على رأس المال، إذن يظهر من النص أن الحساب الجاري هو أحد عمليات المصارف والذي استثناه المشرع من كل الأحكام المتعلقة باستحقاق الفوائد أو في سعرها.

الفرع الثاني

المائز بين التعويض القانوني وغيره من الأنظمة القانونية

 أولاً: المائز بين التعويض القانوني والغرامة التهديدية

إن منشأ الأخذ بالغرامة التهديدية يعود إلى التشريع الفرنسي، فقد أجاز –المشرع الفرنسي- للمحاكم أن تقضي بها –الغرامة – ولو من تلقاء نفسها لضمان تنفيذ الأحكام الصادرة عنها ، أي دون الحاجة إلى طلب الدائن في إيقاع الغرامات التهديدية ".

 وقد استند القضاء الفرنسي بطريق غير مباشر إلى المادة 1036 من تقنين المرافعات الفرنسي، وهي تقضي بأنه: يجوز للمحاكم، في القضايا التي تعرض عليها وتمشياً مع ما توحيه الظروف من الخطورة، أن تصدر أوامر ولومن تلقاء نفسها. ولا شك أن القضاء الفرنسي قضاء إجتهادي لا سند له من النصوص التشريعية 

      وعُرفت الغرامة التهديدية بأنها :" مبلغ من المال يقضى بإلزام المدين بأدائه عن كل يوم أو أسبوع أو شهر أو أية فترة معينة من الزمن، أو عن كل إخلال يرد على الالتزام ". الغاية منها :" إرهاب المدين وحمله على التنفيذ العيني، وليس الغرض من هذه الغرامة تعويض الدائن عن تأخر المدين في الوفاء ".

    و قد تأثرت كثيراً من القوانين المدنية العربية بهذا النهج، فأخذ المشرع بما سار عليه القضاء الفرنسي إذ نصت المادة (213) من القانون المدني المصري . 

فالغرامة أو التهديد المالي تبدو أنها وضعت للتهديد أكثر مما وضع للتعويض عن الضرر ، وأنها تقدر دائماً ن كل وحدة من الزمن أو كل مرة يخل بها المدين إلتزامه ، ويقع مؤقتاً دائماً ، ويستطيع القاضي الذي أصدره تعديله بزيادته وإنقاصه أو إلغائه على ضوء مسلك المدين.  

   ومما تقدم فإن البحث يرجح ما ورد في هذا المجال: لأننا نرى أنه كان يجدر بالمشرع العراقي إغفال هذا النظام وعدم اللجوء إلى هذه الوسيلة الضيقة.

ثانياً: المائز بين"التعويض القانوني"و" التعويض الإتفاقي": 

وهنا سنتعرض لبيان أوجه الاتفاق وأوجه التباين والإختلاف بين كل من التعويض القانوني والتعويض الإتفاقي وقبل ذلك سنتعرف على التعويض الإتفاقي، وذلك من خلال الآتي..

التعويض الإتفاقي ويسمى بالشرط الجزائي، ويعني إتفاق يقدر فيه المتعاقدان سلفاً التعويض الذي يستحقه الدائن إذا لم ينفذ المدين إلتزامه أو تأخر في تنفيذه ، وسمي بذلك لأنه عادة  يوضع ضمن شروط العقد الأصلي.  إذن يستطيع المتعاقدان أن يتفقا مقدماً على تحديد مقدار التعويض الذي يستحقه أحدهما إذا لم يقم الطرف الثاني بتنفيذ إلتزامه أو تأخر في تنفيذه أو أخل به ، ويسمى هذا الاتفاق في الإصطلاح القانوني بالشرط الجزائي، فهما مترادفان، وغالباً ما يدرج المتعاقدان مثل هذا الشرط عند إبرام العقد ، أما إذا حصل الاتفاق على تحديد مقدار التعويض بعد وقوع الإخلال بالتنفيذ فإن هذا الاتفاق لا يسمى شرطاً جزائياً بل إنه لا يعدو أن يكون صلحاً أو تجديداً للمدين .   ومن خلال النصوص ففي الواقع لا أهمية للتفرقة بين مسمى الشرط الجزائي، أو التعويض الإتفاقي، فإن القضاء والفقه درج على استعمال أي منهما، ليعني به شيئاً واحد. وعلى هذا فقد بيَن المشرع العراقي هذا الاتفاق في المادة 170 / مدني .

عندئذ أجاز القانون للدائن أن يطالب بزيادة التعويض، إذا كان أقل من الضرر، لأن الأصل احترام الاتفاق ، لكنه يزول إذا أثبت الدائن غش المدين .

أ/ أوجه الإتفاق بين التعويض القانوني والتعويض الإتفاقي:

1. يجمع التعويض عن التأخير والتعويض الاتفاقي بعض الجوانب القانونية المشتركة، هي: يشتركان في الشروط الواجب توفرها لاستحقاق التعويض، وهي الخطأ والضرر وعلاقة السببية والإعذار. 

2.يصلح التعويض الاتفاقي أن يكون طريقة من طرق تقدير التعويض عن التأخير والفائدة القانونية، إذ يمكن لأطراف العقد أن يحددوا مقدماً مقدار التعويض المستحق في حال تأخر المدين في تنفيذ التزامه، وكذلك الحالة بالنسبة للفائدة القانونية، ولكن بشرط ألا يتجاوز مقدار الفائـدة المتفـق عليها الحد الأعلى المقرر قانوناً، ولا يجوز الاتفاق على تجاوزها".

ب/ أوجه الاختلاف بين التعويض القانوني والتعويض الاتفاقي

إلى جانب المسائل المشتركة بين التعويض عن التأخير والتعويض الاتفاقي والتي ذكرناها، فإن هنالك مسائل يختلفان فيها، وهي:

1-إن التعويض الاتفاقي طريقة لتقدير التعويض المستحق في إطار المسؤولية العقديـة، أما التعويض عن التأخير فهو أحـد الحالات التي يستحق فيها التعويض ويتحدد مقداره من خلال التعويض القضـائي أو الاتفاقي أو القانوني (الفائدة القانونية أو ما تسمى بفائدة التأخير)".

2- مع أن الضرر يمثل حكماً مشتركاً بينهما ، لكنه   في الفائدة القانونية ،غير قابل لإثبات العكس، بمعنى أن المدين لا يمكنـه نفـي وقـوع الضرر في جانب الدائن، أما الضرر المفترض في حال التعويض الاتفاقي فهو ضـرر قابل لإثبات العكس، بمعنى أن بإمكان المدين نفي وقوعه ،إذا ما تمت المطالبة القضائية، والعلة في ذلك  الإستثناء على القواعد العامة أن النقود التي هي محل الإلتزام قابلة دائماً للإستثمار، وإنتاج الفائدة، فيكون التأخير في الوفاء ها حرمان للدائن من فرصة هذا الإستثمار".

3- يختلفان في سلطة القاضي التقديرية ففي التعويض الاتفاقي لا سلطان للقاضي على ما اتفق عليه المتعاقدان زيادة وتخفيضـاً، أما في حالة الفائدة القانونيـة (فائدة التأخير) لا يملك القاضي أي سلطة تقديرية في زيادة أو تخفيض التعويض المقرر في الفائدة القانونية، كونه تعويض مقرر بنص القانون". 

4-يجب على الدائن في حال التعويض عن التأخير ،أن يثبـت الضرر اللاحق به ، حتى يستطيع إلزام المدين بالتعويض، بينما في حال التعويض الاتفاقي فإن عبء الإثبات ينتقل من الدائن إلى المدين، لأن الضرر مفترض وعلـى المـدين إذا أراد أن يثبت أن الدائن لم يلحق به ضرر نتيجة لإخلاله – أي المدين- في تنفيذ التزامه".

5-إن مقدار التعويض الاتفاقي يتم تحديده مسبقاً، ولكن يجب أن يكون مساوياً للضرر ومتناسباً مع الضرر اللاحق بالدائن، وفي حال عدم توفر ذلك فإن من حق القاضي تعديله بناء علـى طلـب صاحب المصلحة، لكن في (فائدة التأخير) فإن التعـويض يكون بنص القانون فلا يرتبط بالضرر وجوداً وعدماً ومقداراً ".

الفرع الثالث

موقف بعض القوانين المدنية العربية المقارنة من التعويض القانوني

 تباينت مواقف القوانين المدنية العربية إزاء التعويض القانوني من حيث المواقف فمنها من رفض تشريعه في القانون المدني، لكنه وضع أحكامه في تشريعات أخرى كما هوالحال بالنسبة للتشريع الأردني، ومنها ما أخذت به كالتشريع اللبناني والمصري، ومنها من صرح برفضه ومن ذلك التشريع اليمني والكويتي...وعليه فقد قسمنا البحث إلى ثلاثة موارد، وهو كالآتي.. 

 أولاً: موقف التشريع الأردني الرافض للفائدة القانونية: لم يتطرق القانون المدني الأردني، إلى موضوع الفائدة القانونية، فلا يتبين منها وجود أحكام خاصة بها، إذ يذكر "إن المشرع يرفض الفائدة القانونية ،وأنه التزم الصمت إزائها، وبرر هذا الرفض بأن التعويض هنا ربا ، فالتعويض وفقاً للقواعد الفقهية يكون بإعطاء مال مقابل مالٍ فقد، أما في حال التأخير فلا يوجد مال مفقود ليعوض عنه".  فقد استبعد المشرع المدني الأردني التعويض (الفوائد) بسبب تأثره بالفقه الإسلامي، الذي حرم الربا تحريماً قطعياً، فلم يتعرض لتلك الفائدة في أي من نصوص القانون المدني".

     وبرَر هذا الرفض بأن التعويض هنا ربا ، وفقاً لما يراه بعض الفقهاء أنه في حال التأخير لا يوجد مال مفقود، حتى يعوض بمال، ويعود ذلك إلى المبنى الفقهي الرافض لتعويض الدائن  ﻋﻥ ﻀﺭﺭ ﺍﻟﻤﻤﺎﻁﻠﺔ، ﻭﻴﺴﺘﻨﺩ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﺘﺠﺎﻩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺩﻴﺩ ﻤﻥ ﺍﻷﺩﻟﺔ ﻭﺍﻟﻤﺒﺭﺭﺍﺕ ومن أبرزها:" أن ﻗﺎﺒﻠﻴﺔ ﺍﻟﻨﻘﻭﺩ ﻟﻠﺯﻴﺎﺩﺓ ﻤﻨﻔﻌﺔ ﻏﻴﺭ ﻤﺤﻘﻘﺔ، ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻴﻌﺘﺒﺭ ﺍﻟﻤﺩﻴﻥ ﺍﻟﻤﻤﺎﻁل ﺁﻜل ﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﻤﺎل، فلا ﻴﻌﺘﺒﺭ ﻤﺎ ﻓﻭﺘﻪ ﺍﻟﻤﺩﻴﻥ ﺍﻟﻤﻤﺎﻁل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺩﺍﺌﻥ مالاً  ﺤﺘﻰ ﻴﻁﺎﻟﺏ ﺒﺠﺒﺭﻩ ﺒﺎﻟﻤﺎل، ﻭﻤﺒﺩﺃ ﺍﻟﻀﻤﺎﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺭﻴﻌﺔ ﻗﺎﺌﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺴﺎﺱ ﺍﻟﻤﻤﺎﺜﻠﺔ  ﺒـﻴﻥ ﺍﻟﻔﺎﺌـﺕ ﻭﻋﻭﻀـﻪ، ﻭﻻ ﻤﻤﺎﺜﻠﺔ ﺒﻴﻥ ﺍﻟﻤﻨﻔﻌﺔ ﺍﻟﻔﺎﺌﺘﺔ ﻏﻴﺭ المحققة ﻭﺍﻟﻤﺎل ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﻴﺠﻭﺯ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ الحالة"..لكن القانون الأردني نص على الحكم الخاص بالتعويض القانوني في المادة (167) من القانون 

  فيما يتعلق بموقف المشرع الأردني ذكروا:"أن هذا الموقف الذي سلكه المشرع الأردني في تنظيمه للفائدة القانونية موقف منتقد، لأن المكان الطبيعي لتنظيم الفائدة هو القانون المدني، وليس قانون أصول المحاكمات باعتباره قانون إجرائي ، كما أنه لا يجوز رفض نظام قانوني في قانون والاخذ به في قانون آخر".. حسب القانون الأردني . وعلى هذا استقر اجتهاد محكمة التمييز الأردنية.."

      وذكر بعضهم تطبيقات قضائية لمحكمة التمييز المتضمن :" أن المادة 167 أصول قد أوجبت الحكم بالفائدة إذا كان المدين قد تعهد بتأدية مبلغ من النقود في وقت معين ، وامتنع عن أدائها عند حلول الأجل ، ويحكم بشأن الفائدة بما قضى به الشرط في العقد شرط بشأنها".

     ومن هنا فإن موقف المشرع الأردني غير واضح من التعويض والفائدة القانونية ، ولذا فقد واجه العديد من الإنتقادات بسبب الازدواجية غير المبررة  منها :" فإذا كانت المبررات التي استند إليها المشرع الأردني في رفضه لفكرة التعويض عـن التأخير صحيحة، فكيف يمكن تفسير هذا الموقف المزدوج للمشرع   الأردني عندما رفض الأخـذ بالتعويض عن التأخير في تنفيذ الالتزام بوجه عام في القانون المدني، ومن ثـم أجـاز الفائـدة القانونية في قانون أصول المحاكمات " .

 ثانياً: موقف بعض التشريعات العربية التي أخذت بالفائدة القانونية

 أ/ التشريع اللبناني من الفائدة القانونية

 من جملة التشريعات العربية التي أخذت بالفائدة القانونية المشرع اللبناني ،وهذا ما تم تنظيمه في الباب الثاني من الكتاب الثالث من قانون الموجبات والعقود اللبنـاني .. فقد نصت المادة (265) منه على أنه: إذا كان موضوع الموجب مبلغاً من النقود فإن عوض التأخير يكـون بـأداء فائدة المبلغ المستحق محسوبة على المعدل القانوني ما لم يكن ثمة نص مخالف فـي العقـد أو القانون. غير أنه إذا كان سيء النية جاز أن يعطى عوض إضافي للدائن الذي أضر به امتنـاع غير مشروع.

    ويمكن بيان ما نصت عليه المادة أعلاه إذ أعطت للدائن الحق في طلب التعويض عن التـأخير في دفع مبلغ من المال عن موعده المحدد، وهذا التعويض هو الفائدة القانونية، ما يأتي :

 1-إن هذه المادة لم تحدد مقدار الفائدة القانونية، وإنما اكتفت بالقول إن فائدة المبلغ المسـتحقة للدائن عوضاً له عن التأخير تحسب على أساس المعدل القانوني دون بيـان لمقـدار هـذا الأساس. 

2-أنها أعطت لإرادة طرفي العقد الحق في تحديد مقدار هذه الفائدة دون تحديد سقف أعلى لا يجوز تجاوزه، فهي بذلك قاعدة قانونية مكملة يجوز لإرادة طرفي العقد الاتفاق علـى مـا يخالف حكمها". 



ب/موقف التشريع المصري من الفائدة القانونية

 نظم المشرع المصري هذا النوع من التعـويض فـي المواد (226 و227) من القانون المدني المصري:" نصت المادة (226) على أنه:"إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود وكان معلوم المقدار وقت الطلب وتأخر المدين في الوفاء به كـان ملزماً بأن يدفع للدائن على سبيل التعويض عن التأخير فوائد قدرها أربعة في المائة في المسائل المدنية وخمسة في المائة في المسائل التجارية. وتسري هذه الفوائد من تاريخ المطالبة القضائية بها، إن لم يحدد الاتفاق أو العرف التجاري تاريخاً آخر لسريانها. وهذا كله ما لم ينص القـانون على غيره"... 

     يقول السنهوري:" يمكن تحديد منطقة استحقاق الفوائد بأنها: المنطقة التي تتسع لكل إلتزام بدفع مبلغ من النقود معلوم المقدار وقت الطلب، وهذا هو ما نص عليه التقنين المدني في صدر المادة (226) ، والمادة (227) بقولها:"1 -يجوز للمتعاقدين أن يتفقا علـى سعر آخر للفوائد سواء أكان ذلك في مقابل تأخير الوفاء أم في أي حال أخـرى تشـترط فيهـا الفوائد، على ألا يزيد هذا السعر على سبعة في المائة فإذا اتفقا على فوائد تزيد على هذا السـعر وجب تخفيضها إلى سبع في المائة وتعين رد ما دفع زائداً على هذا القدر"... إذ أن المادة (226) أجازت الفائدة القانونية وحددتها بأربعـة فـي المائـة فـي المعاملات المدنية وبخمسة في المائة في المعاملات التجارية، ولكن المشرع المصـري أعطـى لطرفي العقد الحق في الاتفاق على فائدة قانونية أعلى بشرط ألاّ يزيد مقدارها عن سـبعة فـي المائة:" فلو إتفق على فوائد تزيد على ذلك وجب تخفيضها على 7% وتعين رد ما دفع على هذا  القدر وذلك حسب المادة 227" لا يجوز تقاضي فوائد على متجمد الفوائد، ولا يجوز في أية حال أن يكون مجموع ... " ، ولم تشترط لاستحقاق القائدة القانونية أو الاتفاقية أن يثبت الدائن أن ضرراً قد لحق به نتيجة للتأخير. 

      ومما سبق ذكره يتبين أوجه الاختلاف والاتفاق بين القانون المدني المصري وقانون الموجبات والعقود اللبناني... ففيما يخص هذا النوع من التعويض بـ :

1-إن قانون الموجبات والعقود اللبناني لم يبين المعدل القانوني للفائدة المستحقة في حال تأخر المدين في الوفاء بالتزامه، أما القانون المدني المصري، فقد حدداها بأربعة في المائـة فـي المعاملات المدنية وبخمسة في المائة في المعاملات التجارية.

2-إن القانون المدني المصري ، لم يشترط على الدائن إثبات الضـررلاستحقاقه الفائدة القانونية، بينما سكت قانون الموجبات والعقود اللبناني عن ذلك".

3-يتفق القانون المدني المصري وقانون الموجبات والعقود اللبناني في أنهمـا أتاحوا لإرادة طرفي العقد الاتفاق على مقدار الفائدة القانونية، ولكنهم اختلفوا فـي أن القـانون المـدني المصري والعراقي حددا سقفاً أعلى لمثل هذا الاتفاق لا يجوز تجاوزه، بينما لم يحدد قانون الموجبات والعقود اللبناني حداً أعلى للفائدة القانونية التي يجوز الاتفاق عليها.. إلا أنه لا يجوز في أي حال أن يزيد مجموع الفوائد التي يتقاضاها الدائن على رأس المال ..."(  ).

   ثالثاً: موقف بعض القوانين المدنية العربية التي أخذت بالتعويض دون الفائدة القانونية:

     أ/ التشريع اليمني

 إن التشريع ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ، قام بتنظيم  ﺍﻷﺤﻜﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﺼﺔ ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﺜﺎﻟﺙ ﻓـﻲ المواد  (357-347)  ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﺭﻗﻡ (14) لسنة 2002 ".

     ﻭﻗﺩ ﺃﺸﺎﺭ ﺍﻟﻤﺸـﺭﻉ ﺍﻟﻴﻤﻨـﻲ للتعويض عن التأخير في المادة (347) من القانون المدني والتي ﻨﺼﺕ ﻋﻠﻰ ﺃﻨﻪ:" ﺇﺫﺍ ﺍﺴـﺘﺤﺎل ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻠﺘﺯﻡ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻟﺤﻕ عيناً ﺒﻌﺩ ﺃﻥ ﻜﺎﻥ ﻤمكناً ﺤﻜﻡ ﻋﻠﻴﻪ ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻤﺎ ﻟـﻡ ﻴﺜﺒـﺕ ﺃﻥ ﺍﺴـﺘﺤﺎﻟﺔ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺫ ﻗﺩ ﻨﺸﺄﺕ ﻋﻥ ﺴﺒﺏ ﺃﺠﻨﺒﻲ ﻻ ﻴﺩ ﻟﻪ ﻓﻴﻪ، ﻭﻴﺤﻜﻡ ﺃيضاً ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﺇﺫﺍ ﺘﺄﺨﺭ ﺍﻟﻤﻠﺘﺯﻡ ﻋﻥ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻟﺘﺯﺍﻤﻪ ﻭﺃﺼﺎﺏ ﺼﺎﺤﺏ ﺍﻟﺤﻕ ﻀﺭﺭ ﻤﻥ ﺫﻟﻙ. وبذلك ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﻭﻤﻥ ﺨﻼل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻗﺩ ﺃﺠﺎﺯ ﻟﻠﺩﺍﺌﻥ ﺍﻟﻤﻁﺎﻟﺒﺔ ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻓﻲ ﺤﺎل ﺘﺄﺨﺭ ﺍﻟﻤﺩﻴﻥ ﻓﻲ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻟﺘﺯﺍﻤﻪ، ﺃﻴاً ﻜﺎﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﺴﻭﺍﺀ ﺃﻜﺎﻥ ﺍﻻﻟﺘـﺯﺍﻡ ﺒﺎﻟﻘﻴـﺎﻡ ﺒﻌﻤـل ﺃﻭ ﺒﺎﻻﻤﺘﻨﺎﻉ ﻋﻥ ﺍﻟﻘﻴﺎﻡ ﺒﻌﻤل ﺃﻭ ﺃﺩﺍﺀ ﻤﺒﻠﻎ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺎل، ﻓﺈﺫﺍ ﺘﺭﺘﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﺨﻴﺭ ﻀﺭﺭ ﻟﺤـﻕ ﺒﺎﻟـﺩﺍﺌﻥ ﻴﻤﻜﻨﻪ ﺍﻟﻤﻁﺎﻟﺒﺔ ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﺍﻋﺘﻤﺎﺩاً ﻋﻠﻰ ﻤﺎ ﺠﺎﺀ ﻓﻲ ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ، ﻭﻴﺭﺠﻊ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﻫﺫﺍ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻭﻓﻘـاً  ﻟﻤﺎ ﻨﺼﺕ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (351) ﻤﻥ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻤﺫﻜﻭﺭ ﺇﻟﻰ ﺴﻠﻁﺔ ﺍﻟﻘﺎﻀﻲ ﺍﻟﺘﻘﺩﻴﺭﻴﺔ ﻤﺎ ﻟﻡ ﻴﻜﻥ ﻤﺘﻔـﻕ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺩ، ﺃﻱ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﺃﻋﻁﻰ ﺼﻼﺤﻴﺔ ﺘﺤﺩﻴﺩ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻋﻥ ﺍﻟﺘـﺄﺨﻴﺭ ﻓـﻲ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﻭﻋﻥ ﻋﺩﻡ ﺍﻟﺘﻨﻔﻴﺫ ﻹﺭﺍﺩﺓ ﻁﺭﻓﻲ ﺍﻟﻌﻘﺩ ﻭﻟﻠﻘﺎﻀﻲ  ﺃﻴﻀاً ﻓﻲ ﺤﺎل ﻋﺩﻡ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﺘﻔﺎﻕ، ﻷﻨﻪ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ – ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ -  ﻟﻡ ﻴﻭﺭﺩ ﻨﺼاً ﻴﺤﺩﺩ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﺄﺨﻴﺭ ﻓﻲ ﺘﻨﻔﻴﺫ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ ﺒـﺩﻓﻊ ﻤﺒﻠﻎ ﻤﻥ ﺍﻟﻤﺎل ﻋﻥ ﻤﻭﻋﺩﻩ، ﺒﻤﻌﻨﻰ ﺃﻨﻪ ﻟﻡ ﻴﺄﺨﺫ ﺒﺎﻟﻔﺎﺌﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴﺔ، ﺍﻟﺘﻲ  ﻫﻲ ﻤﺤددة ﺍﻟﻤﻘـﺩﺍﺭ ﺒﻨﺹ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﻭﺒﻨﺴﺒﺔ ﻤﺤﺩﺩﺓ.  

     ﺒﺎﻹﻀﺎﻓﺔ ﺇﻟﻰ ﻋﺩﻡ ﻭﺠﻭﺩ ﻨﺹ ﻗﺎﻨﻭﻨﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ ﺍﻟﻴﻤﻨـﻲ ﻟﻠﻔﺎﺌـﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴـﺔ فقد ﻨﺼﺕ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ (356) ﻤﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ:" ﻜل ﺍﺘﻔﺎﻕ ﻋﻠﻰ ﻓﺎﺌﺩﺓ ﺭﺒﻭﻴﺔ ﺒﺎﻁل ﻭﻻ ﻴﻌﻤل ﺒﻪ، ﻭﻜل ﺍﺘﻔﺎﻕ ﺘﺒﻴﻥ ﺃﻥ ﻴﺴﺘﺭ ﻓﺎﺌﺩﺓ ﺭﺒﻭﻴﺔ ﻏﻴﺭ ﺼﺤﻴﺢ ﻜﺫﻟﻙ ﻭﻻ يعمل به، و ﺒﺫﻟﻙ ﻴﻤﻜﻥ ﺍﻟﻘﻭل ﺒﺄﻥ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ ﻗﺩ ﺃﺨﺫ ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻋﻥ ﺘﺄﺨﺭ ﺍﻟﻤـﺩﻴﻥ ﻓـﻲ ﺘﻨﻔﻴـﺫ ﺍﻟﺘﺯﺍمه أياً  ﻜﺎﻥ ﻫﺫﺍ ﺍﻻﻟﺘﺯﺍﻡ، ﻭﺒﺸﺭﻁ ﺃﻥ ﻴﺘﺭﺘﺏ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺄﺨﻴﺭ ﻀﺭﺭ ﻴﻠﺤﻕ ﺒﺎﻟـﺩﺍﺌﻥ ﻜﻭﻨـﻪ ﺃﻱ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﺍﻟﻴﻤﻨﻲ-  ﻗﺩ ﺍﺸﺘﺭﻁ ﻻﺴﺘﺤﻘﺎﻕ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻋﻥ ﺍﻟﺘﺄﺨﻴﺭ ﻭﻗﻭﻉ ﻀﺭﺭ ﻓﻲ ﺠﺎﻨـﺏ ﺼـﺎﺤﺏ ﺍﻟﺤﻕ(ﺍﻟﺩﺍﺌﻥ)  .

ب/ التشريع الكويتي

 إن القانون المدني الكويتي  "عمـد المشرع الكويتي  إلى التصريح برفض الفائدة القانونية"  وذلك من خلال ما ورد النص عليه في المادة (305) من القانون المدني الكويتي أنه:"1 -يقع باطلاً كل اتفـاق على تقاضي فوائد مقابل الانتفاع بمبلغ من النقود أو مقابل التأخير في الوفـاء بـالالتزام بـه. 2- يعتبر في حكم الفائدة كل منفعة أو عمولة أياً كان نوعها اشترطها الدائن إذا ما ثبت أن ذلك لا يقابله خدمة حقيقية متناسبة يكون الدائن قد أداها فعلاً... فالمشرع الكويتي : " استبعد الفوائد سواء أكانت إتفاقية أ و قانونية فقد قرر في المادة 305 مدني ، بطلان الاتفاق على الفائدة بأي صفة كانت ، لكنه استحدث فكرة جديدة لتحل الفوائد ، هي ليست إلا فائدة مستترة ، أجاز بموجبها للدائن أن يطلب من المحكمة – الحكم على المدين المتأخر بتنفيذ التزامه الذي يكن مبلغاً من النقد بالتعويض ، ولكن وضع للحكم بمثل هذا التعويض ضوابط مشددة ". 

     أما :"التعويض الذي يستحقه الدائن عن تأخر المدين في تسديد ما عليه من ديـن عـن الموعد المتفق عليه، والذي يتولى القاضي مهمة تقديره ، تبعاً للضـرر اللاحـق بالدائن، شريطة عدم وجود اتفاق مسبق بين الدائن والمدين على هذا التعويض لا من ناحية المبدأ ، ولا من ناحية المقدار، وأن يكون الضرر اللاحق بالدائن ضرر غير مألوف ، وان يكون الدائن قـد أعذر المدين القادر على الوفاء، فهذا النوع من التعويض لا يدخل ضـمن حالات البطلان المنصوص عليها في المادة (305) المذكورة . بل يدخل ضمن الحكـم الخـاص الوارد في المادة (306) من القانون المدني الكويتي والتي جاء فيها:" إذا كان محل الالتزام مبلغاً من النقود ولم يقم المدين بالوفاء به بعد اعذاره، مع قدرته على الوفاء، وأثبت الدائن أنه قد لحقه بسبب ذلك ضرر غير مألوف، جاز للمحكمة أن تحكم على المـدين بتعـويض تراعـي فيـه مقتضيات العدالة"...

وﻋﻨﺩ ﺍﻟإمعان والتدقيق ﻓﻲ ﻨﺹ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻴﺘﺒﻴﻥ:

1- ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﺍﻟﻜﻭﻴﺘﻲ ﻭبالرغم من ﺤﺭﺼﻪ ﻋﻠﻰ رفض ﺍﻟﻔﺎﺌﺩﺓ ﺍﻟﻘﺎﻨﻭﻨﻴﺔ ﺍﻻﺘﻔﺎﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺹ ﻋﻠﻰ ﺫﻟـﻙ ﺼﺭﺍﺤﺔ، ﺇﻻ ﺃﻨﻪ ﻭﻤﻥ ﺨﻼل ﻫﺫﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﺃﺠﺎﺯ ﺍﻟﻁﻠﺏ ﻭﺍﻟﺤﻜﻡ ﻟﻠﺩﺍﺌﻥ ﻋﻠﻰ ﻤﺩﻴﻨـﻪ ﺒﺘﻌـﻭﻴﺽ ﺘﻘﺩﺭﻩ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﻋﻥ ﻀﺭﺭ ﺍﻟﻤﻤﺎﻁﻠﺔ.  

2 - إن ﺍﻟﻤﺸﺭﻉ ﺍﻟﻜﻭﻴﺘﻲ ﺘﺭﻙ ﻤﺴﺄﻟﺔ ﺍﻟﺤﻜﻡ ﺒﺎﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻤﻥ ﻋﺩﻤﻪ ﻭﺘﺤﺩﻴﺩ ﻤﻘﺩﺍﺭ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻟﺴﻠﻁﺔ ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻟﺘﻘﺩﻴﺭﻴﺔ، ﻫﺫﻩ ﻤﻥ جهة، ومن جهة ثانية لم يشترط في التعويض ﺍﻟﻤﺤﻜﻭﻡ ﺒـﻪ ﺃﻥ ﻴﺴﺎﻭﻱ ﺍﻟﻀﺭﺭ ﺍﻟﻭﺍﻗﻊ فعلاً ﺍﻟﻌﺩﺍﻟﺔ ﻭﺇﻨﻤﺎ ﺃﻥ ﻴﺭﺍﻋﻲ ﻤﻘﺘﻀﻴﺎﺕ العدالة". و من ذلك فالمشرع الكويتي تشدد في الحكم بالفائدة ووضع لها ضوابط أشار إليها الذنون والتي وردت في المذكرة الإيضاحية للقانون المدني الكويتي والتي يجب مراعاتها:.ومما سبق فإن البحث يرى: إن المشرع الكويتي على الرغم من الإشكالات والاضطراب في قراراته في موضوع التعويض، إلا أنه عند المقارنة مع المواقف التشريعية الأخرى نجد أنه الموقف الأكثر صـواباً فـي تنظيمه لهذا النوع من التعويض لكونه قد اشترط للحكم بـالتعويض أن يكـون المـدين متمكناً، لكنه مماطلاً ويتم إثبات مماطلته من خلال إنذاره، وأن المحكمة تتولى تحديد مقدار التعويض دون أن يترك ذلك لإرادة طرفي العقد، درءاً لشبهة الربا ودون أن يحدده بنسبة معينة قد تزيد أو تـنقص عن مقدار الضرر الفعلي؛ ﻭﻟﻜﻥ ﻴﺅﺨﺫ ﻋﻠﻴﻪ :ﺃﻨﻪ ﺘﺭﻙ ﺘﻘﺩﻴﺭ ﺍﻟﺘﻌﻭﻴﺽ ﻤـﻥ ﻋﺩﻤـﻪ ﻟﻠﻤﺤﻜﻤﺔ ﻭﺒﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻴﻜﻭﻥ ﺍﻷﻤﺭ ﺒﺫﻟﻙ ﺠﻭﺍﺯﻱ ﻭﻟﻴﺱ ﺇﻟﺯﺍﻤﻲ ﺤﺘﻰ ﻤﻊ ﻭﺠﻭﺩ ﺍﻟﻀﺭﺭ. 

خلاصة الفصل الأول

   -إن المعنى الصحيح لما يقال من حق الرأسمالي في شيء من الارباح ينسجم مع نظرية المضاربة، بينما الإشتراكية لا تعترف حتى بهذه الحصيلة، لأنها لا ترى للمال أية قيمة ذاتية وأن العمل هو اساس القيمة التبادلية، وهي لا تقر ذلك. 

  - أن الفائدة من أهم الأهداف التي يتطلع إليها أصحاب الأموال، ويعتبرونها الهدف المنشود وراء كل معاملة، لكنها في النهاية ستؤول إلى القلة والمقت كما في قوله تعالى : "يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ". 

- أن الإسلام قد أنصف الإنسان ومكنه من الإستثمار ولكنه أراد له أن يقوم بالإستثمار التنموي، بما يعم خيره عليه وعلى أسرته ومجتمعه.

-إن ما تعانيه البشرية اليوم من مشكلات وويلات ما هي إلا لانصياعها وخضوعها لمجموعة متغطرسة ظالمة ومتمردة على الدين والإنسانية، وأن الحل يكمن في تضامن الشعوب ضدها وسلوك الصراط الذي جاء به التشريع الإسلامي الحنيف.

  -إن القانون تناول موضوع الربا الإستثماري، من أحكام في الفائدة القانونية، والتي يرى فيها المشرع أنها ربا، فعمد إلى محاربتها من خلال تنظيمها، وجعل لها نسبة محددة يجب رعايتها عند التعامل.

-  من إجراءاته أنه أقر التوافق عليها دون تخطى النسب المعينة في القانون، وكذلك يرى القانون ألا يحكم بها إلا إذا طالب بها الدائن من خلال إقامة دعوى مستقلة في ذلك.

 والذي يلفت النظر هو أن أغلب التشريعات المدنية العربية، ومنها التشريع المدني العراقي رقم 40 لسنة 1959، تدين بالإسلام وتؤكد دساتيرها بعدم الجواز تشريع قوانين تخالف الشريعة الإسلامية، كما هو الحال بالنسبة لدستور العراق الدائم لسنة 2005م.



 



الفصل الثاني

آراء فقهية معاصرة في جواز الربا الإستثماري 

  مما لا شك فيه أن حكم حرمة الربا من المسلمات في الفقه الإسلامي، فالربا محرّم كتاباً و سنة و اجماعاً ، وأنه من ضروريات الدين ، فيدخل مستحله في سلك الكافرين ، كما يومئ إليه ما رواه ابن بكير: إنه بلغ أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسميه اللبا ، فقال: " لئن أمكنني الله منه لأضربن عنقه" و غيره .

   إن البحث في موضوع الربا الإستثماري، وما يثار حوله من الشكوك والشبهات اليوم في العالم الإسلامي، بسبب تأثره بالغرب ونفوذه من جهة، وصلته وحاجته إليه من جهة أخرى، وما ترتب عليه من الويلات والأزمات الاقتصادية والإجتماعية، بسبب شيوع التعامل بالربا، ظهرت على أثر ذلك دعوات للقول بجواز هذا النوع من الربا بنحو لم يكن معهوداً سابقاً، فظهرت لهذا الهدف عدة اتجاهات يمكن حصرها في ثلاثة اتجاهات:

الإتجاه الأول: يهدف إلى حصر حرمة الربا بالربا الجاهلي، وإخراج ربا القرض (الربا الإستثماري) من إطار الربا المحرم، وطبقاً لما يرونه فإن الزيادة المحرمة هي التي تكون عند حلول الأجل، أما الزيادة المشروطة ضمن العقد فليست من الربا، وكذلك مدعاهم أن الربا المحرم بحديث الأصناف الستة إنما هو من قبيل تحريم الوسائل فيمكن أن يباح للحاجة؛ وممن سلك هذا الطريق الشيخ محمد رشيد رضا.

الإتجاه الثاني: سلك في هذا الإتجاه مسلك يحصر حرمة الربا بالربا القرضي، على أساس تقسيمه إلى ربا استهلاكي، وربا استثماري، من حيث الغاية من القرض، وأن المحرم هو الربا الإستهلاكي، وممن سلك في هذا الإتجاه هو الشيخ يوسف صانعي.

الإتجاه الثالث: يأتي هذا الإتجاه بناءً على عدم جدوى البحث في الإتجاهين السابقين في استخراج الربا الإستثماري من الربا، فإن هذا الإتجاه يعمل على إخراج الربا الإستثماري بدعوى جواز(حلية) فوائد البنوك، وممن ذهب إليه الشيخ محمد هادي معرفة، وعليه صار من اللازم تقسيم الفصل إلى ثلاثة مباحث وهي كالآتي: 

المبحث الأول: جواز الربا الإستثماري بدعوى (حصر حرمة الربا بالربا الجاهلي) 

المبحث الثاني: جوازالربا الإستثماري بدعوى (حصر حرمة الربا بالربا الإستهلاكي) 

المبحث الثالث: جواز الربا الإستثماري بدعوى (جواز فوائد البنوك).


المبحث الأول

جواز الربا الإستثماري بدعوى حصر حرمة الربا بالربا الجاهلي

المطلب الأول

نظرية الشيخ محمد رشيد رضا 

الفرع الأول

بيان النظرية ومناقشتها

يعتقد الشيخ محمد رشيد رضا، أن الربا المحرم تحريم مقاصد هو ربا الجاهلية: وهو ما يؤخذ من المال قبال التأخير في الدين المستحق، أما فيما عدا، ذلك فأمره مباح للحاجة والمصلحة.. ويرى:" إن حديث النهي عن بيع النقدين ، وأصول الأقوات إلا يداً بيد مثلاً بمثل ليس تفسيراً لربا القرآن، إنما هو لسد الذريعة لإرتكاب ربا القرآن ، وإلا فهو لذاته ليس فيه من المفسدة ما يقتضي هذا الوعيد الشديد في آيات البقرة"... وقال:" هذا وإن من أصول التشريع أن الوعيد الشديد لا يكون إلا على كبائر الإثم والفواحش التي يعظم ضررها ومفاسدها، ومقتضاه أن من صرف قطعة ريال من الفضة بالأربع القطع المساوية لها في الوزن مع تأخير القبض يكون ظالماً محارباً لله ولرسوله بنص القرآن، وملعوناً مرتكباً لإحدى كبائر الموبقات بنص الأحاديث الصحيحة الواردة في حظر الربا فهل يعقل هذا في دين الرحمة وسنة نبي الرحمة؟ ".

   ومن ثم استدل بأقوال بعض العلماء بخصوص (الـ) في الربا وأنها للعهد وقال:" إن هؤلاء العلماء الأعلام.. قد صرحوا بأن الربا الذي حرمه القرآن وتوعد آكليه أشد الوعيد هو الربا الذي كان فاشياً في الجاهلية... وهو المسمى ربا النسيئة، لأن أخذ الزيادة على رأس المال إنما سببه إنساء أجل الدين المستحق أي تأخيره لا في مقابلة منفعة ما لمعطيها، وهو قول ابن عباس في تفسير آيات البقرة". وأيد نظريته بالعلة والحكمة فقال:".. وبهذا تظهر حكمة العليم الحكيم في ذلك الوعيد الشديد عليه وفي تسميته ظلماً، ولا يظهر هذا في كل قرض جر نفعاً، ولا في بيع أحد الأجناس الستة بمثله متفاضلاً نقداً أو نسيئة فضلاً عن تثمير الأموال بالشركات التجارية، التي لا تلتزم شروط الفقهاء فيها، كما يأتي بعد، وإنما يظهر من سبب النهي عن هذه البيوع أنه سد الذريعة ثم يستدل بأقوال العلماء " 

الفرع الثاني

 مناقشة النظرية 

 يرد على نظرية محمد رشيد رضا ما يلي:

الإشكال الأول: لا يمكن التسليم بأن الصورة التي ذكرها لبيان نظريته، وهي (أتقضي ام تربي) ما عهدته الجاهلية؛ إذ ان المعهود في الجاهلية طبقاً لما نقله بعض العلماء أن هناك صورا أخرى للربا المعهود بالجاهلية، ذكرها المفسرون، منه:

الصورة الأولى: هي زيادة المال مقابل تأجيله:" أتقضي أم تربي" ويروي هذه الصورة ابن جرير الطبري عن قتادة قال:" أن ربا الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الاجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه".

الصورة الثانية: وهي الصورة التي أراد محمد رشيد رضا إخراجها من إطار الربا المحرم، وهي القرض بفائدة مشروطة في أصل العقد، وقد أشار إليها الجصاص:" أن ربا الجاهلية إنما كان قرضا مؤجلا بزيادة مشروطة، فكانت الزيادة بدلا من الأجل... ولم يكن تعاملهم بالربا إلا على الوجه الذي ذكرنا من قرض دراهم أو دنانير إلى أجل مع شرط الزيادة".

الإشكال الثاني: فيما لو سلم بأن ما ذكره في الصورة الأولى، هي المتعارفة أيام الجاهلية ، فإن ذلك يقتضي تحريم ما أراد محمد رشيد إخراجه وهو القرض (الربا الإستثماري)، بنفس النص الذي حرم الصورة الأولى، لأنهما متفقتان بكونهما دين وقد اتحد الجنس، وفيهما الزيادة لقاء الأجل و الإنظار، وعليه فما ذهب إليه محمد رشيد رضا غير واضح؛ لأن ما أراد إخراجه لا يختلف عما حصر الحرمة به، فيكون حال الربا  حال الخمر المذكور في القرآن الكريم ، فإنه يتناول كل مسكر؛ وذلك التحريم بالنص العام، ويتناول كل أنواع المسكرات ومن أي مادة كانت، كما في قوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ"، فالربا يتناول كل ما نهى الشرع عنه.

الإشكال الثالث: (وهو يتعلق بربا الفضل) وذلك فإن الزيادة المشروطة في عقد القرض، في النقدين أو ما قام مقامهما مما يتحقق فيه وصف الثمنية، وذلك هو ما تقوم به البنوك في عصرنا الحاضر، حتى لو سلمنا أنه لا يثبت تحريمه بالقرآن ، فإن التحريم يثبت له بما ورد في السنة النبوية الشريفة؛ لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال:" لا تبيعوا الدينار بالدينارين ولا الدرهم بالدرهمين.

  و أيضاً قوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) :" لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا غائبا منها بناجز"

   فقد حرم التعامل بهذه الأصناف واشترط في صحة: المماثلة والمناجزة، فمن أقرض وزاد لأجل الأجل فقد أخل بالقيدين اللذين وردا في الحديث الشريف، وبذلك يكون الشيخ محمد رشيد رضا قد دخل في محذورين: ربا النسيئة المجمع على تحريمه، وربا الفضل الذي خالف فيه ابن عباس في أول الأمر ثم رجع إلى القول بتحريمه فيما رواه بعضهم.

    وقال ابن حجر في الكلام على حديث أسامة المذكور ما نصه: وخالف فيه؛ يعني: منع ربا الفضل ابن عمر ثم رجع وابن عباس واختلف في رجوعه وقد روى الحاكم من طريق حيان العدوي وهو بالمهملة والتحتانية سألت أبا مجلز عن الصرف فقال: كان ابن عباس لا يرى به بأسا زمانا من عمره ما كان منه عينا بعين يدا بيد     وكان يقول : إنما الربا في النسيئة فلقيه أبو سعيد فذكر القصة والحديث وفيه التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والذهب بالذهب والفضة بالفضة يدا بيد مثلا بمثل فما زاد فهو ربا فقال ابن عباس: أستغفر الله وأتوب إليه فكان ينهى عنه أشد النهي".

   وقال فيه الجصاص هذا الحديث يقرب من المتواتر لكثرة رواته:".. وقد كان ابن عباس يقول: (لا ربا إلا في النسيئة، ويجوز بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة متفاضلا) ويذهب فيه إلى حديث أسامة بن زيد، ثم لما تواتر عنده الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بتحريم التفاضل في الأصناف الستة رجع عن قوله".

وعلى هذا لا دليل على ما ذهب إليه محمد رشيد رضا، أن التحريم هو تحريم وسائل لا مقاصد، وانه خلاف الدليل، فيكون تحريمه تحريم مقاصد لا وسائل.

المطلب الثاني 

أدلة نظرية الشيخ محمد رشيد رضا ومناقشتها 

الفرع الأول

أدلة النظرية

  استدل لبيان نظريته بالدلالة اللغوية، والعقل، والتعليل والحكمة وما نقله من أقوال العلماء وذلك كالآتي:

   الدليل الأول: الدلالة اللغوية للفظ الربا 

احتجَ محمد رضا بالإستعمال اللغوي لما ذهب إليه وقال:" أن هذا اللفظ كان مستعملاً عند عرب الجاهلية من المشركين وأهل الكتاب وغيرهم وذكر في بعض السور المكية، فهو ليس من الألفاظ التي وضعت وضعًا جديدًا في الشريعة، فكانت مجملة ثم فسرت بعد ذلك بالأحاديث عند الحاجة إليها في التشريع العملي، واللام في (الربا) للعهد".

     الدليل الثاني: العقل:

 يقول الشيخ محمد رشيد في بيانه لدليل العقل: "أن الله تعالى توعد على أكل الربا بضروب من الوعيد لم تُعهد في التنزيل ولا في السنة ولا ما يماثلها إلا في الترهيب والزجر عما عظم إثمه وفحش ضرره من الكبائر؛ مقتضاه أن من صرف قطعة الريال من الفضة بالأربع القطع المساوية لها في الوزن مع تأخير القبض يكون ظالماً محارباً لله ورسوله بنص القرآن، وملعوناً مرتكباً لإحدى الكبائر الموبقات بنص الأحاديث الصحيحة الواردة في حظر الربا، فهل يعقل هذا في دين الرحمة، وسنة نبي الرحمة؟ . فالله تعالى توعد آكل الربا بضروب من الوعيد لم تعهد في التنزيل، ولا في السنة، ولا يماثلها إلا في الترهيب والزجر عما عظم إثمه ، و فحش ضرره من الكبائر"

    الدليل الثالث: التعليل والحكمة:

 قال الشيخ في بيانه لهذا الدليل:" وقد علمنا أن الله لم يحرم في كتابه إلا ربا النسيئة الذي هو أخذ الزيادة في المال لأجل تأخير ما في الذمة منه، الذي من شأنه أن يتضاعف، ويكون مخرباً للبيوت، ومفسداً للعمران، ومبطلاً لفضائل التراحم والتعاون بين الناس". ثم قال:".. ونعيد القول بأنه (الربا) وهو ما يؤخذ من المال لأجل تأخير الدين المستحق في الذمة إلى أجل آخر مهما يكن أصل ذلك الدين من بيع أو قرض أو غيرهما ، فلا يدخل في مفهومه ما يراد في أصل الدين عند عقده على ما يعطى للمدين ربحاً له، وإنما هوما يعطى لأجل تأخير الدين المستحق...وهذا النوع هو الذي كان يتضاعف بعجز المدين عن القضاء مرة بعد أخرى حتى يصير أضعافاً مضاعفة، ويستهلك جميع ما يملكه المدين في كثير من الأحيان، وبهذا تظهر حكمة العليم الحكيم في ذلك الوعيد الشديد عليه وفي تسميته ظلماً، ولا يظهر هذا في كل قرض جر نفعاً، ولا في بيع أحد الأجناس الستة بمثله متفاضلاً نقداً أو نسيئة فضلاً عن تثمير الأموال بالشركات التجارية التي لا تلتزم شروط الفقهاء فيها" ..

   الدليل الرابع: إحتجاجه بأقوال العلماء:

استدل بأقوال العلماء:" إن هؤلاء العلماء: من محققي المفسرين ، والأصوليين والفقهاء، قد صرحوا بأن الربا الذي حرمه القرآن وتوعد آكليه أشد الوعيد هو الربا الذي كان فاشياً في الجاهلية... وهو المسمى ربا النسيئة، لأن أخذ الزيادة على رأس المال إنما سببه إنساء أجل الدين المستحق أي تأخيره لا في مقابلة منفعة ما لمعطيها، وهو قول الحبر ابن عباس في تفسير آيات البقرة"، سنكتفي بذكر موردين فقط رعاية للإختصار..

  1-احتجاجه بما نقل عن الطبري 

 إنما قيل للمربي مريب لتضعيفه المال الذي كان له على غريمه حالا، أو لزيادته عليه فيه، لسبب الاجل الذي يؤخره إليه، فيزيده إلى أجله الذي كان له قبل حل دينه عليه، ولذلك قال جل ثناؤه:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً"

وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل... عن مجاهد، قال في الربا الذي نهى الله عنه: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين، فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني، فيؤخر عنه...عن قتادة: أن ربا الجاهلية يبيع الرجل البيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الاجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخر عنه"... ثم يستنتج :" فأنت ترى أنه حصر الربا المراد من الآية في ربا الجاهلية، وبين أن الربا الجاهلية خاص بأخذ الزيادة من المال لأجل تأخير الدين بعد استحقاقه..".

    2-بيان احتجاجه بما نقله عن ابن رشد:

أورد محمد رشيد رضا مقال لابن رشد "الجد" في مقدماته مستدلاً به وهو:" وكان ربا الجاهلية في الديون أن يكون للرجل على الرجل الدين ، فإذا حل قال: " أتقضي أم تربي"، فإن قضاه أخذه، وإلا زاده في الحق، وزاده في الأجل، فأنزل الله في ذلك ما أنزل.. .

    وفي موضع آخر يضيف ابن رشد:" في بيوع الربا واتفق العلماء على أن الربا يوجد في شيئين: في البيع، وفيما تقرر في الذمة من بيع أو سلف أو غير ذلك. فأما الربا فيما تقرر في الذمة فهو صنفان: صنف متفق عليه وهو ربا الجاهلية الذي نهي عنه، وذلك أنهم كانوا يسلفون بالزيادة وينظرون فكانوا يقولون: أنظرني أزدك، وهذا هو الذي عناه عليه الصلاة والسلام بقوله في حجة الوداع ألا وإن ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب والثاني ضع وتعجل وهو مختلف فيه.. أما الربا في البيع فإن العلماء أجمعوا على أنه صنفان: نسيئة وتفاضل، إلا ما روي عن ابن عباس من إنكاره الربا في التفاضل لما رواه عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال:" لا ربا إلا في النسيئة"، وإنما صار جمهور الفقهاء إلى أن الربا في هذين النوعين لثبوت ذلك عنه (صلى الله عليه وآله)".

    بعد ها يخرج محمد رشيد رضا بهذه النتيجة:" فهو قد صرح بأن ربا الجاهلية خاص بتأخير ما ثبت في الذمة مهما يكن سببه إلى أجل بزيادة في المال، وأنه هو الذي وضعه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، في حجة الوداع لنهي الله تعالى عنه، وأن ربا التفاضل الذي أثبته جمهور الفقهاء بحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) أي لا بنص القرآن".


الفرع الثاني

مناقشة أدلة النظرية

  1- الدليل الأول: الدلالة اللغوية:

إن الإحتجاج بالإستعمال اللغوي: بمعنى إن الربا ينصرف إلى ما تعارفوا على استعمال لفظ الربا فيه  من معاملة ، إنما كان يفيد في وقت تنزيل آية تحريم الربا في سورة البقرة، وقبل بيان السنة الشريفة ، إذ ينصرف المقصود من الآية إلى ما عهدوه، أما بعد أن جاء بيان السنة ، واستعمل الربا في أنواع أخرى من المعاملة لم تكن معروفة ولا معهودة عند العرب فقد أصبح لفظ الربا حقيقة شرعية، وعلى هذه الحقيقة تحمل عبارات الشارع وإطلاقاته في الربا ، فكما أفاد العهد حمل الربا على ما كان معهوداً دون غيره مما تناوله مطلق لفظ الربا في وضعه اللغوي ، فإن الوضع الشرعي يفيد حمل الربا على ما وضع لفظ الربا شرعاً ، العلماء ومنهم الشنقيطي، أن الحقيقة الشرعية مقدمة ، ولا يكون لفظها مجملاً لاحتمال قصد الحقيقة اللغوية ، فلو وجد في كلام الشارع إسم الصلاة مثلاً وجب حمله على معناه الشرعي دون اللغوي، والذي هو الدعاء ولا يقال مجمل لاحتمال هذا .

  وإذا كان الربا حقيقة شرعية فإن تحريمه في آيات سورة البقرة، تشمل كل صورة يدل عليها الوضع الشرعي له، وكما يقول القرطبي :"وقوله (وحرم الربا) الألف واللام للعهد، وهو ما كانت العرب تفعله، ثم تناول ما حرمه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ونهى عنه من البيع يدخله الربا، وما في معناه من البيوع المنهي عنها".

   2- الدليل الثاني: العقل:

 إن الإحتكام للعقل في غير موضعه: لأنه كما قال :"هذا وإن من أصول التشريع أن الوعيد الشديد لا يكون إلا على كبائر الإثم والفواحش التي يعظم ضررها ومفاسدها، ومقتضاه أن من صرف قطعة الريال من الفضة بالأربع القطع المساوية لها في الوزن مع تأخير القبض يكون ظالماً محارباً لله ولرسوله بنص القرآن، وملعوناً مرتكباً لإحدى كبائر الموبقات بنص الأحاديث الصحيحة الواردة في حظر الربا فهل يعقل هذا في دين الرحمة وسنة نبي الرحمة احتجاج بالرأي فيما لا مجال للرأي فيه، فإن مما لا مجال للرأي فيه ما جاء به النص، وإن في النصوص وعيد آكل الربا ولعنه، في قوله تعالى:”إن الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ "(  ).. وغيرها، كل ذلك حاصل في الربا مطلقاً إذا جاءت النصوص عامة في الربا دون أن تختص بصورة من صوره... 

  وفي الروايات كثير، منها قوله (صلى الله عليه وآله) :" آكل الربا وموكله وشاهداه وكاتبه ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك حديث:" إجتنبوا السبع الموبقات... وذكر منها الربا"... وهناك الكثير من الأحاديث نكتفي بما ذكرناه.. وصنف ابن حجر الربا ضمن الكبائر، وبيَن أنواعه فقال:" وهو ثلاثة أنواع: الفضل وهو البيع مع زيادة أحد العوضين المتحدي الجنس على الآخر، وربا اليد: وهو البيع مع تأخير قبضهما، أو قبض أحدهما عن التفرق من المجلس أو التخاير فيه بشرط إتحادهما علة، وربا النساء: وهو البيع للمطعومين أو للنقدين المتفقي الجنس أو المختلفيه لأجل ولو لحظة ثم قال:"وزِيد نوعاً رابعاً وهو ربا القروض لكنه في الحقيقة يرجع إلى ربا الفضل لأنه فيه شرط يجر نفعاً للمقرض، فكأنه أقرضه هذا الشيء بمثله مع زيادة ذلك النفع الذي عاد إليه... وكل من هذه الأنواع الأربعة حرام بالإجماع وبنص الأيات المذكورة، والأحاديث الآتية، وكل ما جاء في الربا من الوعيد شامل للأنواع الأربعة، نعم بعضها معقول المعنى ، وبعضها تعبدي". 

    3-الدليل الثالث: التعليل والحكمة:

1-أنه لا فرق بين الصورتين: صورة الزيادة عند حلول الأجل لقاء الزيادة في الأجل، وصورة اشتراط الزيادة في صلب العقد قبل حلول الأجل.

2- لو سلمنا جدلاً بالفرق بين الصورتين فإن من يشترط الزيادة في أصل العقد ويأخذها وإن لم يزد في الأجل أولى بالإستغلال ممن لا يشترط الزيادة إلا عند حلول الأجل، ولا يأخذها إلا عند الزيادة في الأجل...وعليه فإن ما قيل من تعليل في الصورة المستبقاة، فإنه لازم للصورة المستخرجة بطريق الأولى.

3-أن الشارع المقدس يجب المصير إلى حكمه وإن لم تدرك حكمته عقولنا، وعلى المكلف الإمتثال للحكم  لإدراك الحكمة . 

  لكن الشيخ محمد رشيد رضا قدم التعليل غير المنضبط و أخرج بحكمه صوراً واستبقى صورة دون مستند سوى التعليل، الذي لا يستند إلى دليل، وهو ما رده الله تعالى على المشركين في الإحتكام إلى عقولهم بمقابل النص ورد الله تعالى على المشركين في قوله تعالى:"وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا" ، وذلك أنهم زعموا أنه لا فرق بين الزيادة المأخوذة على وجه الربا، وبين الأرباح المكتسبة بضروب البياعات، من حيث غاب عنهم وجه المصلحة، وتحريم الزيادة على وجه دون وجه ، فأبان الله تعالى أنه عز وجل إذا حرم الربا وأحل البيع، فلا بد أن يشتمل المنهي عنه على مفسدة، والمباح على مصلحة، وإن غابتا عن مرأى نظر العباد".

   4-الدليل الرابع (من أقوال العلماء) :

أ)) يرد في مناقشة ما ورد عن الطبري: أنه يرد على إحتجاجه هذا بالفرق بين الصورة ، وحصر الحكم، فابن جرير ، ومجاهد، وقتادة، إنما بينوا الربا المعهود في الجاهلية وقت تنزيل القرآن، وصورته (أتقضي أم تربي)، التي ذكروها، أما حصر دلالة النص القرآني في هذه الصورة دون غيرها، كما ذهب إليه محمد رشيد رضا فتلك دعوى أعم من قولهم هذا، وقولهم هذا لا ينتج هذه الدعوى،... ولو كان النص لا تصدق دلالته إلا على الصورة المعهودة وقت تنزله للزم من ذلك خُلف في الشريعة الكاملة، إذ الوقائع والأحداث غير متناهية ، أما النصوص فمتناهية ، لكن تبقى لها سمتها الكامنة في إعجازها، واستيعابها الكثير من أفعال العباد، فيكون ما شملته في عمومها محرماً بالنص، كما نقل عن القرطبي، ما يفيد صورة ربا الجاهلية (أتقضي أم تربي) وما أجيب به عن الطبري، يجاب به عن نقله عنهما. 

  ب)) ومما يرد على ما نقله عن إبن رشد (الجد):

إن ما ذكره ابن رشد لصورة من صور الجاهلية "أتقضي أم تربي" لا يعني نفي ما عداها، إذ تخصيص الشيء بالذكر لا يعني نفي ما عداه، فدعوى محمد رشيد رضا، أنه صرح بأن ربا الجاهلية خاص بهذه الصورة فيه كثير من التجوز على ابن رشد، وهو غير مستفاد من قول ابن رشد .

  









المبحث الثاني

الإتجاه الثاني: جواز الربا الإستثماري 

بدعوى حصر حرمة الربا بالربا الإستهلاكي 

المطلب الأول

نظرية الشيخ يوسف الصانعي 

الفرع الأول

بيان النظرية 

  تبنّى الشيخ يوسف الصانعي ـ نظرية جواز الربا الإستثماري، ودافع عنها، مقابل نظر المشهور ورؤيتهم بحرمته استناداً بعموم الآيات والروايات وإطلاقها، مدعياً أنّ هذا القسم ليس حراماً، وأدلّة التحريم لا تشمله.. فهو يرى:" أن الثابت عند العلماء تحريمهم الربا على الإطلاق، سواء المتقدمين منهم أو المتأخرين ، وحتى أولئك المتأخرين الذين كتبوا عن البنوك اللاربوية قائلون بتحريم مطلق الربا؛ والربا هو الذي يؤخذ لرفع الحاجة اليومية وتدبير الأمور، والذي يؤدي إلى تفاقم وزيادة الديون، باعتبار عدم إمكانية تسديد القرض في وقت مبكر يستمر دفعه مدة طويلة، وقد يمتنع المقترض دفع الفوائد نفسها فضلاً عن أصل القرض فتتراكم عليه الديون يوماً بعد يوم إلى أن تبلغ مستوى لا يطاق ، ويبلغ فقر المقترض مستوى محرجاً جداً ، وفي هذه الأثناء يزداد المرابي مالاً وثروة وتترتب أوضاعه .. هذا هو المألوف من القروض الربوية وهو الممارس عندنا منذ أزمان بعيدة، وهو قرض إستهلاكي ناشئ عن فقر وفاقة.. وهناك قرض من نوع آخر يؤخذ لتحريك عجلة الاقتصاد ... هذا النوع من القرض الربوي، إستثماري، ويؤثر إيجابياً على حركة العجلة الاقتصادية"

    وذلك من منطلق أن الربا ينقسم إلى المعاملي، والقرضي، و الربا المعاملي: هو أن يبيع جنساً بمثله مشترطاً الزيادة ويشترط فيه الزيادة على وحدة الجنس من المكيل والموزون، والربا القرضي: وهو إشتراط الزيادة في قرض شيء أو مبلغ من المال وقد حرموه مطلقاً من دون شروط .

     وذكر بعض الأدلة التي ذكروها في تحريم الربا فقال:" واستدلوا له بقوله تعالى:".. وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ"، وقوله تعالى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

ثم أشار إلى رؤيته في الربا الإستثماري قائلاً:".. رغم أننا نوافق على مبدأ حرمة الربا (كسائر الفقهاء).. إلا أننا نعتقد بضرورة القول بالتفصيل في الحرمة في القسمين ( المعاملي و القرضي)، ... و أننا ندعي أن هذا القسم (الربا الإنتاجي الإستثماري) ليس بحرام ولا تشمله أدلة الحرمة ".

الفرع الثاني

مناقشة النظرية

   إن من أهم الإشكالات التي ترد على هذه النظرية:

الإشكال الأول: لا يجوز التمسك بالقدر المتيقن لإخراج الربا الإستثماري من التحريم: 

إذ أن القدر المتيقن المأخوذ كدليل في إخراج الربا الإستهلاكي من حكم التحريم ، هو غير دقيق ؛ لكونه مما لا يجوز التمسك في هذا المورد، وذلك لأننا عندما نشك في أي الربا الذي ورد فيه التحريم ، فلا يمكننا الأخذ بالقدر المتيقن والقول بحرمة الربا الإستهلاكي، لوجود الأدلة اللفظية في ذلك ، وإن مورد القدر المتيقن هو الأدلة الغير اللفظية ، نعم لو كان الشك في دليل الإجماع على حرمة الربا فعندئذ يمكننا التمسك بالقدر المتيقن ، أما في الربا ، حيث لاشك عندنا في أن المراد من الربا في اللغة هو مطلق الزيادة، لكن الشك يأتي ويتعلق بزمان ظهور الإسلام، والشك هنا في أن أي الربا محرم هل الربا المعهود والذي كانت عليه الجاهلية ، أم لا؟ فالشك هنا بين عموم المعنى اللغوي، والمعنى الخاص له في الشرع ، ففي هذا المورد علينا أن نتمسك بأصالة عدم النقل ، لكن الإشكال هنا هو أن إصالة عدم النقل أصل مثبت ، و المعروف بين المحققين عدم حجية الأصل المثبت وانّ أدلة الاستصحاب قاصرة عن الشمول للتعبّد بلوازم المستصحب العقليّة. فيما يتعلق بالأصل المثبت فقد تناولته كتب العلماء من فقهاء واصوليين 

الإشكال الثاني: من أهم ما يشكل على هذه النظرية، هو أن الربا الإستهلاكي، الذي عليه عرب الجاهلية، حسب آراء الفقهاء والمفسرين كانت له صورتان، بالإضافة إلى صورة أخرى، ثالثة في ربا القروض، الذي بنى عليه الشيخ الصانعي نظريته، فلا يمكن التسليم بما ذكره لتعدد مصاديق الربا وثبوت الحرمة فيها:

الصورة الأولى: وهي ما يؤخذ من المال مقابل الأجل: الربا الذي نهى الله عنه: كانوا في الجاهلية يكون للرجل على الرجل الدين، فيقول: لك كذا وكذا وتؤخر عني، فيؤخر عنه". في هذا النوع من الربا لا يتفق المتعاقدان على أي شرط أو زيادة أثناء الإقتراض، لكن التعيين يكون عندما يحل وقت الوفاء، ولا يتمكن المدين من الوفاء، فيضعون الشروط.

الصورة الثانية: الربا الفاحش: إن أكثر الفقهاء والمفسرين يقولون في بيان آية :" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً "ومنهم الطبري ينقل عن مجاهد:" في قول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة) قال: ربا الجاهلية. .. وقال في تفسيرها "يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله، لا تأكلوا الربا في إسلامكم، بعد إذ هداكم له، كما كنتم تأكلونه في جاهليتكم. وكان أكلهم ذلك في جاهليتهم أن الرجل منهم كان يكون له على الرجل مال إلى أجل، فإذا حل الاجل طلبه من صاحبه، فيقول له الذي عليه المال: أخر عني دينك، وأزيدك على مالك! فيفعلان ذلك، فذلك هو الربا أضعافا مضاعفة، فنهاهم الله عز وجل في إسلامهم عنه"..هذا وقد اختلفت آراء المفسرين من الفريقين في بيان المراد من الأضعاف المضاعفة " على قولين:

1-الربا الفاحش: المراد من " الربا الفاحش " هو أن تكون الزيادة الربوية تصاعدية، بمعنى أن تضم الزيادة المفروضة أولا على رأس المال ثم يصبح المجموع موردا للربا، ويستفاد من الأخبار والروايات أن الرجل - في الجاهلية 

2- المضاعفة بالتأجيل: وهي  إذا كان يتخلف عن أداء دينه عند الموعد المقرر طلب من الدائن أن يضيف الزيادة على المبلغ ثم يؤخره إلى أجل آخر، وهكذا حتى يستغرق بالشيء الطفيف مال المديون".

   وردَ العلامة الطباطبائي في الميزان، ردَ القولين ببيانه لخصوصية القيود: من أنّ القيد جاء بلحاظ ما هو المتعارف والغالب في الرِّبا عند أهل الجاهلية من تضاعف الرِّبا، فكلّما تأخّر الشّخص في سداد دينه فإنّ الفائدة تتضاعف عليه، وقد تقرّر في علم الأصول أنّ الوصف أو القيد إذا كان خارجاً مخرج الغالب لا يكون له دلالة على التقييد. وتوضيح ذلك بالمثال الآتي: أنّ الآية المباركة من سورة النساء: "وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَائِكُمُ" ظاهرها أنّ حرمة الرّبيبة على زوج الأمّ مختصّ بما إذا تربّت في حجر زوج الأم، وأمّا إذا لم تنشأ في حجر زوج الأمّ فلا تحرم. وقد أجاب العلماء عن ذلك بأن قيد"وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُم"، جاء بلحاظ الحالة الغالبة من أنّ الرّبيبة عندما يتزوّج الرّجل بأمّها فإنّها تكون صغيرة السن وهذا يقتضي أن تنشأ وتتربّى في حجر زوج الأمّ، وبما أنّ هذا القيد هو الغالب فلا يكون له ظهور في تقييد الحرمة وقصرها على خصوص حالة نشأة وتربية الرّبيبة في حجر زوج الأمّ.

 والنتيجة:" لا يكون القيد منافياً لعموم تحريم الرِّبا، لأنّ القيد لا يكون له ظهور إلا إذا كان ظاهراً في الاحتراز" ...

 الصورة الثالثة: وهي ربا القرض(الإستثماري):

إن التحقيق في الكتب الفقهية يدل على وجود هذا النوع من الربا وذلك لأن بعض العلماء قد أشار إليه ، فقد ذكر السيوطي في الدر المنثور، ما يدل على وجود هذا النوع من الربا إذ :" كانت ثقيف قد صالحت النبي "صلى الله عليه وآله وسلم "،على أن مالهم من ربا على الناس وما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع فلما كان الفتح استعمل عتاب بن أسيد على مكة وكانت بنو عمرو بن عمير بن عوف يأخذون الربا من بنى المغيرة وكانت بنو المغيرة يربون لهم في الجاهلية فجاء الاسلام ولهم عليهم مال كثير فأتاهم بنو عمرو يطلبون رباهم فأبى بنو المغيرة ان يعطوهم في الاسلام ورفعوا ذلك إلى عتاب بن أسيد فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقى من الربا إلى قوله ولا تظلمون فكتب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عتاب وقال إن رضوا والا فأذنهم بحرب ".

الإشكال الثالث: من جملة ما يشكل عليه حول إدعاؤه أن القول بجواز الربا الإستثماري هو مما أغفل عنه العلماء: وهو مردود ، فالاستقراض الربوي للانتفاع به في التجارة ونحوها، أمر بسيط رائج لا يتصوّر غفلة الفقهاء عنه، إلا أنّهم امتنعوا عن القول بتحليله، نظراً إلى عموم الأدلّة وشمولها، ويؤيد ذلك قول الطباطبائي في الميزان: وقد عبر عنه بالربا التجاري ، وأنه من حيث المحذور الاقتصادي لا يختلف  عن الربا الاستهلاکی.

الإشكال الرابع: إن من جملة من أشكل على نظرية جواز الربا الإستثماري، بشكل عام، وعلى نظرية الشيخ الصانعي بشكل خاص، السيد الخلخالي* فيما يتعلق بأساس تقسيم الربا القرضي إلى إستهلاكي وإستثماري غامض ،كونه غير واضح وغير دقيق ، لوجود الإحتمالات في المقسم لهذا التقسيم، ثم يذكر 5 إحتمالات: 

الأول: المقترض: فيقسّم بالفقير والتاجر، ویحرم أخذ الربا من الأول دون الثانی.

الثاني: العنوان: فيقسّم بعنوان الحاجة وعنوان التجارة وان لم يصرفاه في مأخوذة له من العنوان.

الثالث: القصد: فيحرم إذا قصد الاقتراض للحاجة ويحلّ إذا قصد الاقتراض للتجارة وإن لم يصرف هذا في الحاجة وذاك في التجارة.

الرابع: الصرف: أي إذا صرفه المقترض في الحاجة فيحرم أخذ الربا منه وإن صرفه التاجر في التجارة، فيحلّ ولو على نحو الشرط المتأخر.

الخامس: الضرر والربح: بمعنى أنه لو تضرّر المقترض بدفع الربا يحرم الأخذ منه وإذا ربح التاجر من الإقتراض يجوز أخذ الربا منه على نحو الشرط المتأخّر أيضاً.

هذه احتمالات خمسة ليس لديكم أيّ دليل على إثبات أحدها، فما هو المقسم بين الحرام والحلال وما هو الدليل الشرعي على ذلك؟ .

المطلب الثاني

أدلة النظرية ومناقشتها

الفرع الأول

أدلة النظرية

   الدليل الأول: إجمال الآيات القرآنية: 

من الأدلة التي اعتمدها الشيخ الصانعي في بيان نظريته هو النصوص القرآنية المتعلقة بتحريم الربا، وأنه يرى فيها:"أن الآيات المانعة من الربا مجملة من حيث المصاديق، والموارد، فلا تدل على الحرمة مطلقاً، أما لأنها مجملة من جهة أنها تشمل حتى بعض الموارد التي نقطع بحليتها.. ثم يقول ".. وأن القدر المتيقن هو الربا الإستهلاكي، وأن جملة " وحرم الربا" في الآية "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبٰوا"، هي استثنائية وليست حالية، وإلا كان عليه أن يستعين بكلمة (قد) ، وأن الربا المذكور في سورة البقرة في قوله تعالى:"  يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ " على أنه ظلم ؛ بمعنى أن الربا ظلم عرفاً وعقلاً... هذا في الآيات  .

الدليل الثاني: إجمال الروايات:

هذا الدليل الذي تمسك به الشيخ الصانعي في بيان نظريته وأنه يرى أن الروايا ت في شأن الربا كما جاء في الآيات فإنها مجملة أيضاً، ولذا قام بتصنيفها إلى صنفين: -

  الصنف الأول: روايات تحريم الربا في المكيل والموزون:

نذكر رواية واحدة فقط رعاية للإختصار، ومن ذلك:

-صحيحة زرارة عن الصادق (عليه السلام) قال: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن، هكذا موثق عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال عن ابن بكير، عن عبيد بن زرارة قال، سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن".

يقول الشيخ الصانعي بخصوص الروايات: فيها:"هذه الروايات ليس فيها دلالة على الربا القرضي، كما أنها مجملة.. وهذه الروايات تفيد الحصر وتدل عليه ، لا أنها تفيد بيان المحصور ، ولهذا كانت فاقدة الإطلاق".

  الصنف الثاني: الروايات التي تحرم القرض الربوي: 

ومنها صحيحة خالد بن الحجاج:" خالد بن الحجاج: سألته عن رجل كانت لي عليه مائة درهم عددا فقضاها مائة وزنا؟ قال: " لا بأس ما لم يشترط " قال: وقال:" جاء الربا من قبل الشروط، إنما يفسده الشروط".. وهي روايات لا تعني المصداق فضلاً عن أن الرائج فيه ذلك الزمان هو الإستهلاكي.. ولهذا فإن تعميم هذه الروايات لتمام أنواع الربا القرضي لا مبررله".

   الدليل الثالث: السيرة العقلائية:

يقول الصانعي:" إن السيرة دالة على حلية أنواع الربا  الإنتاجي الإستثماري، وأن الشارع لم يردع عنه، وما لم يحصل الردع فهو كان للإمضاء، وهذا بنفسه شاهد صارخ على الحلية".

    الدليل الرابع: من المبررات ذكرها الشيخ الصانعي، دعواه بعدم معرفة عرب الجاهلية بالربا الإستثماري

  فقدعرف الشيخ الصانعي الربا الإستثماري بأنه: إصطلاح جديد، يستعمل للدلالة على نوع من الأرباح في النظام البنكي أو القروض المشابهة له ..







الفرع الثاني

مناقشة أدلة النظرية

1- الدليل الأول: فيما يتعلق بالآيات القرآنية:

إن من أهم الإشكالات التي ترد على نظرية الشيخ الصانعي، بخصوص استدلاله بالنصوص القرآنية منها أنه:

  أ)) إن مقتضى الآيات هو القول بالحرمة:

1-إن مقتضى الإطلاقات، عموم الآيات حرمة الربا بأقسامه كافّة:

وذلك إنطلاقاً من التمسك بالظهور؛ وهذا الظاهر حجة لا يجوز رفع اليد عنه، كما في قوله تعالى :" وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا " ولذلك يكون الأخذ بالقدر المُتيقـّن، من الإطلاق وعمومات النصوص ،غير صحيح، لأنعدام الأدلة اللفظية ، وعند عدم وجودها لأن مورد الأخذ بالقدر المتيقن يرتبط بالأدلة الغير اللفظية واللبية، فمثلاً لو يقال أن حرمة الربا بالإجماع أو سيرة المتشرعة، ففي هذا المورد عند الشك ، نذهب إلى القدر المتيقن ونتمسك به ،وعليه فإن القول  من مصاديق الاجتهاد مقابل النص..".

    ب)) لا إجمال في الآيات:

من الإشكالات الأخرى التي ترد على نظرية الشيخ الصانعي، بخصوص الإجمال في الروايات، ما ورد عن العلماء والمفسرون بهذا الخصوص ما يتنافى مع القول بالإجمال، خاصة فيما يتعلق بآيات سورة البقرة، والتي تعتبر من أطول الأدلة وأقواها، في حرمة الربا، خاصة فيما يتعلق بقول المرابين المعترض على تحريم الربا في قوله تعالى:" وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ".

     يقول اللنكراني: أن المشركين اعترضوا على الله تعالى لأنهم لا يرون فرقاً بين البيع والربا، وأنهم لم يقيسوا  كما ذهب إلى ذلك الرازي، إذ يرى أن قياسهم باطل لكونه وقع مقابل النص...، وذلك:

1-لأن المشركين لم يقولوا بما أن الربح في البيع مشروعاً، فالزيادة بالربا يجب أن تكون مشروعة، ومعنى كلامهم أن حقيقة كل من البيع والربا واحدة، ولا فرق بينهما.

2-إن القياس يكون في المورد الذي يكون فيه المقيس عليه (البيع) هناـ معلوم الحكم، وحكم المقيس يعني الربا غير معلوم وهو الربا(مجهول) أما المشركين فيعلمون ذلك ، وقد قالوا بأن حقيقتهما واحدة  

     وبعضهم ردَ إجمال الآيات بـ: أن الظاهر أن «اللام» في قوله تعالى:" وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا "للعهد الخارجي والإشارة إلى ما تعارف عند اليهود وهو الربا القرضى أو الأعمّ من المعاملی، فلا إجمال في الآية والأخذ بالمتيقّن وهو الربا الاستهلاکی.. فلا إجمال وقد أجابهم تعالى: بأن الله أحلّ البيع وحرّم الرّبا؛ ثم يقول وذلك لوجود قرينتين الأولى: بأن الفارق هو حكمه تعالى.

والثانية: تحقق الظلم في الربا دون البيع، وليس حكمه تعالى تعبّداً محضاً، بل لحكمة بالغة وهو الحكيم الخبير.

   3- جملة " وَحَرَّمَ الرِّبٰوا "حالية وليست استئنافية  :

ذهب الشيخ الصانعي للأخذ بقول من يرى أن جملة " وَحَرَّمَ الرِّبٰوا "، في الآية "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبٰوا" حالية وليست استئنافية ، للقول بجواز الربا الإستثماري؛ ومن العلماء ممن أخذ بهذا الرأي العلامة الطباطبائي والشيخ رشيد رضا، على خلاف ما ذهب إليه أغلب المفسرين بأنها حالية، فقال الطباطبائي في بيانه لحالية الجملة:" فهم خابطون بعد تشريع هذه الحلية والحرمة وقبل تشريعهما،    فالجملة ليست حالية وانما هي مستأنفة.. وهذه المستأنفة غير متضمنة للتشريع الابتدائي على ما تقدم أن الآيات ظاهرة في سبق أصل تشريع الحرمة، بل بانية على ما تدل عليها آية آل عمران: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً"؛ فالجملة أعني قوله: وأحل الله " الخ " لا تدل على إنشاء الحكم، بل على الاخبار عن    حكم سابق .. بأن الجملة استئنافية ، ولا ربط لها بما قبلها ، ولا فرق بينها وبين ما ورد في الآية".

    وردَه اللنكراني : بان الجملة حالية، وأنه لا يلزم وجود قيد (قد) ظاهراً في الجملة، إذ يمكن أن يكون مقدراً، وأن هذه الجملة لا إرتباط لها بما قبلها، لأن تخبط المرابين على نحو الإطلاق أي: أنهم كانوا متخبطين قبل نزول الآية ، ومفادها إنشاء الحكم، فإنه وبناءً على قول العلامة إذا كانت الجملة مستأنفة وتدل على الإخبار لا الإنشاء ، وعندئذ، لا يمكن للفقيه أن يستدل على إطلاق لفظي: "أحل" و "حرم"، لأن الفقيه لا يتمكن من الإستدلال إلا في الموارد التي تكون للإنشاء، لا الإخبار.

   4-الربا أنه من مصاديق أكل مال الناس بالباطل:

إن الشيخ الصانعي يعتقد أن الربا الإستثماري ليس من مصاديق أكل المال بالباطل، الذي ورد في قوله تعالى:" وَأَخۡذِهِمُ ٱلرِّبَوٰاْ وَقَدۡ نُهُواْ عَنۡهُ وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ" أي أنه -الربا - من أمثلة الأكل بالباطل أي بمثابة ذكر العام بعد الخاص.

    ويرد عليه :إن أكل المال بالباطل لا يصدق على الربا الإستثماري فحسب ، بل إن ما هو واقع ضده، فهذا الدليل غير دقيق كسابقه، وذلك لأن القرض يقتضي تمليك المال للمقترض على نحو التضمين ، لأن القرض كما عرفه الفقهاء: عقد  تمليك "  والمستقرض يملك القرض بالقبض، دليلنا على أنه يملك بالقبض: أنه إذا قبض، جاز له التصرف فيه، فلو لم يملكه لم يجز له التصرف فيه".

    وهذا الأمر يتحقق في الربا الإستثماري منه والإستهلاكي أيضاً؛ فقد يقوم التاجر بالتجارة ويكون مصيره الخسارة، وعليه الآيات: كما في قوله تعالى:" وَأَكۡلِهِمۡ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِۚ"، وكذلك الروايات: فقد ورد عن النبي (صلى الله عليه وآله و سلم) - في حديث - قال:" ومن أكل الربا ملاء الله بطنه من نار جهنم بقدر ما أكل، وإن اكتسب منه مالا لم يقبل الله منه شيئا من عمله، ولم يزل في لعنة الله والملائكة ما كان عنده  قيراط" .

 يقول الرازي:" ذكروا في سبب تحريم الربا وجوهاً أحدها: الربا يقتضي أخذ مال الإنسان من غير عوض، ومال الإنسان متعلق حاجته وله حرمة عظيمة، قال صلى الله عليه وسلم:" حرمة مال الإنسان كحرمة دمه " فوجب أن يكون أخذ ماله من غير عوض محرما".

     5-لا صحة لدعوى أن الربا الإستثماري لا ظلم فيه: 

  أنّ أساس هذه الدعوى هو التّمسك بملاك الحكم، وهو أنّ ملاك حرمة الرِّبا هو تحقق الظلم في أخذ الزيادة وتعطيل التجارات. ويمكن المناقشة في ذلك من خلال توضيح الملاك وهو أنّ الأمور التي تطرح أو تذكر كملاك للأحكام تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

 1ـ الملاك التام: بمعنى أنّ ما فرض هو وحده كافٍ في ثبوت الحكم ولو لم يكن هناك شيءٌ آخر فيكون هو الملاك لثبوت الحكم ولا يستوجب انتفاء الحكم مع انتفائه. 2ـ تمام الملاك: بمعنى أنّ هذا الملاك هو الملاك الوحيد الذي له دخل في ثبوت الحكم، فإذا وجد ثبت الحكم وإذا انتفى فالحكم ينتفي تبعاً له، نظير ما جاء في الرواية " كلّ مسكر حرام " . 

3ـ جزء الملاك: أي أنّ الشيء له دخالة في ثبوت الحكم في الجملة مثل الإحساس بجوع الفقراء في وجوب الصوم، فإنّه يستفاد دخالتها في الجملة في تشريع وجوب الصوم لا أنّه الملاك التام. وما ذكر في لسان الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة هو من هذا القبيل جزء الملاك لا الملاك التام؛ وما ورد في بيان حرمة الرِّبا هو من هذا القبيل وهو جزء الملاك لا الملاك التام، فعلة الظلم المستفادة من قوله تعالى: "وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ" ليس على نحو الملاك التام بل هي جزء الملاك. هذا ما يرد أولاً على هذا الاستدلال. 

   وبعضهم ومنهم الرازي، يرى أن الواجب علينا أن نقطع بحرمة الربا حتى لو لم نعلم الوجه في ذلك ، فقال:" أن حرمة الربا قد ثبتت بالنص، ولا يجب أن يكون حكم جميع التكاليف معلومة للخلق، فوجب القطع بحرمة عقد الربا، وإن كنا لا نعلم الوجه فيه". ولذلك يؤكد السيد الخلخالي أنه:" لا فرق في تحقق الظلم بين الربا الاستهلاكي والإنتاجي؛ لأنّه من المعلوم أنّ الظلم في الربا هو ظلم مالی بلاعوض ولا يفرق فيه بين الأخذ من الفقير أو الغني والمحتاج أو التاجر، فإنّ الغني إذا أخذ منه مال بلاعوض فهو ظلم في حقه ولو كان أغنى الأغنياء...نعم، ينجبر الظلم على التاجر بما يربحه في تجارته بالقرض الربوی، إلا أنّه ينتقض بـ:

أوّلا: بانجبار الفقير المقترض ربوياً أيضا بعلاج مریضه، کولده العزيز إذا صرف القرض الربوي في علاجه، وهذا الانجبار أعظم بكثير من الانجبار بالربح المالی.

وثانياً: إنّ شيئاً من ذلك لا يرفع الظلم الربوي؛ لأنّه مال مأخوذ بلا عوض و الانجبار بأمر خارج لا يرفع الظلم الربوي.

2- الدليل الثاني: الروايات:

 إن مقتضى الروايات و كما سبق التحقيق في مقتضى الآيات القرآنية،  فإن ما تقتضيه الروايات في مجال تحريم الربا هو حرمة القروض مطلقا وذلك من  تصنيف الروايات التي وردت في الربا إلى ثلاثة أصناف، وسنكتفي برواية واحدة لكل صنف رعاية للإختصار: -

أ/ الصنف الأول: الروايات المطلقة والتي تشمل الربا الإستثماري و الربا الإستهلاكي ،منها: ما ورد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: من أقرض رجلا ورقا فلا يشترط إلا مثلها، فإن جوزي أجود منها فليقبل، ولا يأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه".. 

الصنف الثاني: روايات تصرح بحرمة الربا الإستثماري، وتدل على وجوده في زمن المعصومين عليهم السلام: ومنها:عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: في الرجل يعطى الرجل مالاً ليعمل به على أن يعطيه ربحاً مقطوعاً ، قال: هذا الربا محضاً".

  الصنف الثالث: روايات تصرح بحرمة الربا الإستهلاكي:

منها: عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يصلح أن تقرض ثمرة وتأخذ أجود منها بأرض أخرى غير التي أقرضت فيها"..

     3- الدليل الثالث: دعوى السيرة العقلائية:

 في موضوع حرمة الربا في التشريع الإسلامي، يوجد تأكيد على السيرة العقلائية وذلك لأن العمل بها كأصل أولي من مقتضياتها وعادة ما يكون الإستدلال بها كأصل أولي للحكم، ولقد ثبت على مر العصور أن العقلاء يؤكدون أن الربا يحول دون الأمن والإستقرار ، وهو ما دل عليه القرآن الكريم والسنة الشريفة ، يطلق الفقهاء على هكذا استدلال بالتعليل الإرتكازي، وهو على نحوين: أما تعبدياً أو عقلياً ، وعلة الربا من النوع الإرتكاز العقلي، لأن الشارع المقدس، أشار إلى حقيقتها بأنها ظلماً ، والظلم قبيح، ومقتضى القاعدة الأولية للعقلاء فيه : قبح الظلم أيضاً ، والربا فيه ما فيه من الظلم". 

   وهو ما تثبت بالدليل، ومن ذلك: عن محمد بن عذافر، عن أبيه، قال: أعطى أبو عبد الله عليه السلام أبي ألفا وسبعمائة دينار، فقال له: اتجر بها لي، ثم قال: أما إنه ليس لي رغبة في ربحها، وإن كان الربح مرغوباً فيه، ولكني أحببت أن يراني الله عز وجل متعرضاً لفوائده، قال: فربحت له فيه مائة دينار، ثم لقيته فقلت له: قد ربحت لك فيه مائة دينار قال: ففرح أبو عبد الله "عليه السلام" بذلك فرحاً شديداً، ثم قال: أثبتها في رأس مالي"؛ فالسيرة العقلائية هي تباني العقلاء في أي منشأ كان، ولكن ليس للشارع المقدس دور في تكونه، ولا يلزم إثبات معاصرته للمعصوم عليه السلام دائماً .

     4-الدليل الرابع: دعوى أن الربا الإستثماري غير معهوداً في الواقع الجاهلي وزمن النص:

يعد هذا الدليل من المبررات التي حاول من خلالها على القول بجواز الربا الإستثماري، أنه خلاف الواقع القائم وقت نزول الآيات، إذ يثبت وجود القرض الاستثماري ، وكان الاقتراض من أجل تحصيل رأس مال التّجارة أمراً متعارفاً وشائعاً في زمن نزول الآيات، والقرض بقسميه الاستثماري وغير الاستثماري هو أمر قائم، قد نقلت كتب التاريخ ذلك ومن بينهم الطبري يقول :"إنّ السيدة خديجة كان جزء من تجارتها إقراض أموالها لقريش للتّجارة بها في الشام ؛ ينقل الطبري: "حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن إسحاق قال كانت خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي امرأة تاجرة ذات شرف ومال تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشئ تجعله لهم منه وكانت قريش قوما تجارا ً".

    ومما تقدم فإن البحث يرى: أن دعوى إختصاص الحرمة بالربا الإستهلاكي دون الإستثماري، مجرد إدعاء ويحتاج إلى دليل، وما ذكر لا يمكن إعتماده، لأن تحريم السنة الشريفة للربا بأنواعه. 

المبحث الثالث

الإتجاه الثالث: جواز الربا الإستثماري 

بدعوى جواز فوائد البنوك 

    كان لإنتشارالبنوك في البلدان الإسلامية، الأثر الكبير في إثارة موضوع فائدة البنوك، والذي أخذ كثيراً من السجالات في خصوص التشريع، وقد تلقت فكرة التشريع قبولاً لدى بعض العلماء والمحققين ، ورفض عند آخرين؛ والذين رفضوا الفكرة قالوا بوجود البديل الإسلامي له، ومنهم من قدم حلول تهدف تعديل القوانين والضوابط التي تحكم البنوك، وهو ما سيأتي بيانه في الفصل الثالث.

    أما من قبل الفكرة فقد ذهب إلى تبريرها ببعض الفوارق الموضوعية بين الربا المحرم ونظام فائدة البنوك التقليدية في الوقت الحالي.

   ومن هنا فإن البحث في هذا المبحث سيتناول عرضاً لرأي لأحد أقوال من قال بجواز فائدة البنوك، على أنها لا تتعارض مع أسس وضوابط التشريع الإسلامي، لكنه لم يبدي في نظرية كاملة ومتكاملة بهذا الشأن، وهو الشيخ محمد هادي معرفة..

المطلب الأول

نظرية الشيخ محمد هادي معرفة ومناقشتها(* )

    ذهب إلى تبرير فائدة البنوك وتحليلها، نظراً للخلاف الموضوعي بين الربا وفائدة البنوك، وهو ما سنبحثه في هذا المطلب مع بيان أهم موارد النقاش حوله وذلك في فرعين منفصلين: أحدهما في بيان النظرية والآخر في بيان المناقشة فيها، وهو كالآتي... 


الفرع الأول

بيان النظرية

   من الأمور الفقهية التي ذكرها الشيخ هادي معرفة، هي جواز الفوائد المصرفية، وهي محاولة تقوم على أساس الضرورة والحاجة وعلى فرض انتفاء الشخصية الإعتبارية، أيام الجاهلية وزمن النص، وأن المحرم من الربا هو ما يكون الإستثمار بين شخصين طبيعيين، فلا حرمة للربا الإستثماري إذا ما تحقق مع الجهات الإعتبارية ومنها البنوك.. .

    لأنّ الربا الذي حرَّمه الشارع إنّما هو الربا الجاري بين الأشخاص الحقيقيّين، إذاً فلا وجه لحرمة هذه المعاملات البنكيّة الربويّة... نعم في هذه المسألة يوجد فرقٌ بين بنوك الدولة والبنوك الخاصّة .

الفرع الثاني

  مناقشة النظرية

    من منطلق أن الأحكام الشرعية تنقسم إلى: عبادات او معاملات، وأن الأحكام الشرعيّة تنقسم إلى قسمين: عبادات؛ ومعاملات. واعتبر أنّ الحكم والموضوع في باب العبادات منوطٌ ببيان الشارع، وأنّه لا أثر للتاريخ وتغيُّر الزمان في تغيير الأمور العباديّة. أمّا في المعاملات (بالمعنى الأعمّ) فيرى أنّ الشارع المقدَّس قد أمر بكلّيّاتٍ، وأوكل للعرف تعيين الحدود والموضوعات. والعُرْف هو نفس سيرة العقلاء، وأنه لا يختصّ بالمناطق الإسلاميّة، فمثلاً الذي يتسالم عليه عقلاء العالم في الإجارة، والبيع، وعقد المضاربة، ينبغي أن يُتَّبع، والشارع المقدَّس يقول: العقود العقلائيّة التي تسالم عليها العقلاء، ولم يعتبروها سفهيّةً، أنا أقبلها. 

ولذا فما نقوله من أنّ للزمان والمكان تأثيرٌ في الاجتهاد معناه أنّه لو كان شيءٌ ما موجوداً في عصر الشارع ـ مثلاً: كون عقد المضاربة قائماً على أساس النقدَيْن ـ الذهب والفضّة ـ الشائعَيْن في ذلك الزمان ـ فينبغي على الفقيه أن يطّلع على عُرْف هذا الزمان، ويطبِّق القواعد الشرعيّة على المضاربة المتعارَفة هذا اليوم، فإذا لم تكن المعاملة (المضاربة) سفهيّةً، ولا عن إكراهٍ، ولا نسيئةً بنسيئةٍ، ولا ربويّةً، ولا ضرريّةً، فحينها ينبغي أن يرى أنّ موضوع هذه المعاملة ممضىً من الشارع، سواءً كانت المعاملة بالذهب والفضّة، أو بالعملة الورقيّة الرائجة في هذا الزمان. . 

     يرد في مناقشة هذه النظرية السؤال الآتي: هل أن الحكم بصحة المعاملة يجب أن يكون ضمن إطار العناوين المعروفة في الفقه الإسلامي من بيع وإجارة ومساقات، ومضاربة ...؟ 

عند التتبع والتحقيق نجد في هذا الصدد رأيين لدى الفقهاء، فيما يتعلق بالحكم بصحة المعاملة وعدم صحتها. وذلك ما تطرق إليه اللنكراني: قال بعض الفقهاء يرون أن صحة أي معاملة تتوقف على إندراجها تحت أحد مصاديق المعاملات الدارجة، كالبيع، والإجارة والمضاربة و..؛ أما بعض الفقهاء فإنهم لا يرون من ضرورة في إندراج المعاملة ضمن المصاديق المتعارفة، بل أن مجرد وقوعها كمصداق للعقد فهذا يكفي في الحكم بصحتها، وعليه يكفي في الحكم بصحتها أن تقع ضمن قوله تعالى:" أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ" ؛ وإنطلاقاً من هذا الرأي فقد قالوا بصحة عقد التأمين. وذلك إنطلاقاً مما وضعه الشارع المقدس أمامنا للتمييز بين صحة وسقم المعاملات، والذي هو عبارة عن طريقين: أحدهما مثبت والآخر منفي؛ أما المثبت، فهو أن ينظر للمعاملة أو العقد فإذا كان مما يصدق عليه أحد العناوين المثبتة كـ "وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ ". أو " أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ" أو " تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ" ، فيحكم عليه بالصحة، أما المنفي فهو كل ما لم يكن ضمن مصاديق أحل الله البيع ، وكان من مصاديق العنوان المنفي فهو محكوم بالبطلان، لأنه مما يدخل ضمن إطار"أكل المال بالباطل المنفي... وهذا ما يصحح الكثير من المعاملات والتعاقدات، لكن هذا الأمر لا يتأتى بالتعبديات كما هو عليه الاتفاق".  

    فعلى الرغم من أن الدليل الذي اخذ به الشيخ معرفة، وبنى عليه نظريته، لا إشكال فيه، إلا أنه وكما ذكر آنفاً، هذا الدليل يمكن إعتماده فيما لو كان العقد من مصاديق أحل الله البيع، وليس من مصاديق أكل المال بالباطل الذي حرمه الله وعليه العرف والعقلاء، والربا منها.  

المطلب الثاني

 أدلة النظرية ومناقشتها

الفرع الأول

أدلة النظرية

   إن من جملة الأدلة التي أخذ بها الشيخ معرفة لبيان نظريته عبارة عن مبادئ وضوابط ورد ذكرها في الفقه الإسلامي، ومنها:

    الدليل الأول: الأخذ بقاعدة الضرورة:

يعتقد الشيخ معرفة، بأن البنك من الضرورات الاقتصادية التي لا يمكن التخلص منها أو التحكم بها وذلك لأنه يرى: بما أنّنا لم نوجِد البنك فلا نستطيع تغيير خصائصه، وعليه فلا ينبغي أن نسجِّل على أنفسنا نقطةً بأن نقول: إنّ اسمَه مضاربةٌ، وأمثال ذلك؛ لأنّ البنك محورٌ جاءنا به الأوروبيّون، وينبغي علينا أن نلتزم بشرائطه، التي قرَّروها، وإلاّ حُذفنا من الدنيا... حتّى الآن صار مسلَّماً أنّ البنك ضرورةٌ اقتصاديّةٌ، وهو الأساس لكلّ الأمور الضروريّة في مجتمعنا، ومن هنا فإنّ علينا أن نسعى خلف العلاج الذي يخلِّصنا من الربا في البنك .

    ولذا صار من اللازم أن نتناول بعض الأمور التي وردت في خص الضرورة من تعريف وضوابط وأحكام، لنقف على مدى يمكن الإحتكام إليها من عدمه.

      إن الشريعة الاسلامية تقوم على مبادئ وأسس يقاس بها كلّ حكم من أحكام الشريعة من أي نوع كان، ومن تلك المبادئ السعة وعدم الضرر واليسر وعدم الحرج، وهو أصل مطلق غير مقيد، وحاكم غير محكوم، لا ينفيه شيء، وبه ينتفي كلّ شيء يوجب العسر والحرج .

    وهذه القاعدة متفرعة عن قاعدة لا ضرر المتقدمة كما نجده في قاعدة لا ضرر للسيد السيستاني وغيره، ومن أوضح تطبيقاتها عندهم جواز التلفظ بكلمة الكفر في حال الاكراه عليها .  وسندها القرآن الكريم، والسنة النبوية:

 منها: قوله تعالى :"وَمَا جَعَلَ اللّه‏ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ".

ومن الروايات: فمنها: حديث:" لا ضرر ولا ضرار ". وعن الكافي، والتهذيب، والاستبصار: أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن الحسن بن رباط، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله (ع): عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال (ع) :يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل، قال الله عز وجل:" َمَا جَعَلَ اللّه‏ عَلَيْكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ "، إمسح عليه".. يقول البجنوردي :" أن مفاد الآية الشريفة ابتداء وأولا وبالذات نفى جعل الحرج في الدين، ولا شك في أن المراد بالجعل الذي نفاه الله تبارك وتعالى هو الجعل التشريعي لا الجعل التكويني، والمراد من الدين هي الأحكام المجعولة من قبل الشارع المسماة بالأحكام الفقهية من الطهارات إلى الديات، فلا يبقى شك في أن المنفى هو نفس الحكم الذي ينشأ من قبله الضيق والحرج، لا أنه تعالى ينفى الحكم الحرجي بلسان نفي موضوع، ذلك الحكم، أي الموضوع الذي هو حرجي.

    الدليل الثاني: قاعدة الحاجة ومناقشته:

 يرى الشيخ معرفة: " أنّ مسألة الربا من المسائل المشكلة في زماننا هذا، خصوصاً في المعاملات البنكيّة؛ فإنّ مسألة البنك من المسائل الاجتماعيّة، والاقتصاديّة، هذا اليوم، يعني لا يستطيع المجتمع أن يقف على قدمَيْه من دون البنك، وكذلك هي المعاملات بين الدول؛ لأنّ نظام الدنيا يتحرّك على البنك، والبنك نواةٌ مركزيّةٌ .

     هذه القاعدة عند بعض علماء الجمهور من القواعد الفقهية المهمة التي تبين سماحة ويسر الشريعة الإسلامية،على أن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة؛ فإن مقتضى الحاجة أنه قد يحل محظور بالحاجة العامة المتعينة، قياساً على الضرورة التي تسوغ تعاطي المحرم بالنسبة لبعض الناس، وهنا يكاد يكون واضحاً من فحوى العبارة، أن " الفرق بين الحاجة والضرورة بأن الضرورة بمعناها الشرعي، لا يتصور وقوعها لعامة الناس، خلافاً للحاجة فإنها قد تكون متحققة الوقوع لجماهير الناس أن الحاجة أضعف من الضرورة في التأثير على المحرمات، ولذلك اختصت الحاجة بالتأثير على المحرمات الضعيفة وهي محرمات الوسائل، أما المحرمات القوية وهي محرمات المقاصد فإن التأثير فيها من خصائص الضرورة وحدها".

      ونظراً لأهميتها واعتبارها كاعتبار الضرورة في تجويز الممنوع، وضعها ابن العربي، في زمرة القواعد العسر التي تقوم عليها نظام المعاملات المالية .

     إلا أن الملاحظ أن هذه القاعدة وقع فيها الخلاف بين الفقهاء لما يكتنفها من غموض أو إجمـال،  أوقـع النـاس فـي اضطراب واختلاف ما بين محتج بها على إطلاقها، فأحل بها كثيراً من المحرمات واعتدى بسببها على ثوابت الدين ومسلماته، وما بين طارح لها غير آبه بمقتضاها .

    يرى السيد الحكيم أن قاعدة الإجتهاد ما هي إلا عبارة عن إجتهادات فقهية: فقال فيها:" ..وهذه القاعدة لم نجد لها نصّا في المأثور عن الشارع المقدّس، ولعلّها من صياغة بعض الفقهاء، ..و الواقع أنّني لم أجد في حدود ما اطّلعت عليه من أدلّتها ما يعطيها سمة القاعدة العامّة، و كلّ ما ذكروه أحكام أثرت عن الشارع المقدّس فيها ترخيص، و قد جاءت على خلاف القاعدة، أمثال: بيع السلم مع كونه بيع معدوم، و أمثالها من الأحكام الغررية، مع أنّ الشارع نهى عن الغرر، فجوازها في حدود ما أدركوه إنّما كان مستندا إلى الحاجة؛ لذا نزّلوا الحاجة منزلة الضرورة و أعطوها أحكامها، و بنوا على ذلك جملة من الفتاوى،... واحتجوا بمطلق الحاجة دون ضوابط لها، أي تحليل الربا عند الحاجة.  الواقع أنّ هذه الأحكام التي وردت استثناء من الشارع غير معلّلة بالحاجة لتسري العلّة من طريق القياس إلى غيرها ممّا يشبهها، واحتمال كونها مقصورة على موضعها .  

    وممن أخذ بها على إطلاقها وأفتى بجواز الإستقراض بربح ، هو إبن النجيم صرح بجواز الربا للحاجة: "يَجُوزُ لِلْمُحْتَاجِ الِاسْتِقْرَاضُ بِالرِّبْحِ" 

     لذلك قيدها بعضهم كـابن الوكيل فقال: الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة في صور.

     وبعضهم يرى أن الذي أوقع الباحثين والمحققين في هذا الإضطراب هو ما صرح به السيوطي وغيـره على أن الحاجة عامة كانت أو خاصة، تنزل منزلة الضرورة مما أوهم بعض الباحثين المعاصـرين ، أنه كلما لاحت لوائح مشقة أو عرضت حاجة يعلن الإباحة ".

      هذا ولو تنزلنا وقلنا بحجيتها ، فإن ذلك لا يخرجها من كونها قاعدة إمتنانية وكما  ذكر السيد الحكيم:" أنّ المستفاد من أمثال هذه القواعد-بحكم كونها امتنانية-هو جعل الرخصة من قبل الشارع في مخالفة حكمه، لا نفي أصل الحكم؛ لوضوح أن مفسدة الحرام لا يزيلها الاضطرار إلى ارتكاب متعلّقها وإن رخّص به لدفع مفسدة أعظم..".

      الدليل الثالث: الشخصية الإعتبارية:

  من أهم الأدلة التي ركز في جواز الفوائد إذا كان التعامل مع طرف إعتباري لا حقيقي، لأنه يرى أن الربا تنحصر حرمته إذا كان طرفا المعاملة أشخاص حقيقيين، لأن البنك اليوم هو جهة إعتبارية فيجوز التعامل معه؛ المعاملات فيه تابعة للبنك نفسه، حيث إن الذي يدفع الزيادة هو البنك دون غيره، والذي يمثله البنك هو الجهة لا الأشخاص ـ فلا يلحق بالربا المحرّم..:

    بعضهم وخلاف الواقع يرون أن فكرة الشخصية الإعتبارية جاءت من الغرب، بفعل التطور الصناعي الذي أعقب الثورة الفرنسية ، وما ترتب عليها جراء التطور والتوجه إلى التجارة، والحاجة إلى الأموال، المتوسطة منها والكبيرة، للقيام بالأنشطة الاقتصادية، بل وكما ذكر بعضهم :" فقد اقتضت  الحاجات الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية في هذا العصر أن يتجمع عدد من الأشخاص في شكل شركة أو جمعية مثلاً أو تتكون مجموعة من الأموال في شكل وقف أو مؤسسة خاصة، وذلك لتؤدي دوراً مهماً في المجتمع لا يستطيع الفرد بعمره الموقوت وجهدة المحدود أن ينهض به ".. ولهذا درس الفقه الغربي نظرية الشخصية الإعتبارية للشركات والمؤسسات إستجابة للتطورات الصناعية والتجارية، لكي تستطيع القيام بمسؤولياتها و الإلتزام بمالها وما عليها".

      لكن الواقع غير قيل ، فإن الفقه الإسلامي عرف هذا الإصطلاح وإن لم يعرفوه بهذا الإسم الذي عليه القانون الوضعي، لكن هذا لا يعني أن فكرة الشخصية المعنوية غريبة عن الفقه الإسلامي، أو متعارضة مع أحكامه، بل على العكس يوجد في ثنايا هذا الفقه أهم التطبيقات ونتائجها ، بحيث يمكن القول بأن جميع المذاهب في الفقه الإسلامي تقر الشخصية الإعتبارية أو الحكمية، وتقدر لها ذمة كتقديرها في الإنسان، إذ لا شخص بلا ذمة، وفقهاء الإسلام في هذا يتفقون مع فقهاء القانون".

     ويدل عليه وجود صور الشخصية المعنوية في الفقه الإسلامي.. في العديد من المجالات ومنها الشركات بأنواعها وأقسامها، وقد بحثها الفقها وبينوا تفاصيلها بشكل دقيق، وواضح لما لها من الأثر على الحياة الاقتصادية والإجتماعية في المجتمع.

  ومن تعريفاتهم للشركة، تعريف المحقق الحلي لها بأنها:" اجتماع حقوق الملاّك في الشيء الواحد على سبيل الشياع ثم المشترك قد يكون عيناً، وقد يكون منفعةً، وقد يكون حقاً؛ وسبب الشركة قد يكون إرثا ً، وقد يكون عقداً، وقد يكون مزجاً. وقد يكون حيازةً؛ والأشبه في الحيازة، اختصاص كل واحد بما حازه  .

     وعرفها العلامة الحلي بأنها:" اجتماع حقوق الملاّك في الشيء الواحد على سبيل الشياع أو استحقاق شخصين فصاعداً على سبيل الشياع أمراً من الاُمور".

     وذلك لورود سندها الشرعي في الكثير من الروايات، ومن ذلك :عن وهيب بن حفص، عن أبي جعفر عليه السلام قال :سألته عن الرجل يشارك الرجل على السلعة ويوليه عليها، قال: إن ربح فله، وإن وضع فعليه".. وأيضاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم.. 

   ومن أحكام الشركة التي ذكروها:

1-الشركة عقد جائز فيجوز لكل من المتعاقدين فسخه‌، فإذا فسخ أحدهما لم يجز للآخر التصرف في المال المشترك فيه . 

2-لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون إذن شريكه.

3-الشريك المأذون في التصرف من قبل شريكه أمين لا يضمن ما في يده من المال المشترك بينهما إلا بالتعدي أو التفريط.

    وكان للفقهاء دور في تطويرها على مر العصور، فقسموها وذكروا أحكام كل من الأقسام مع التعليل ، ما يدل على اهتمامهم فيها ، ولما لهذه الشخصية الإعتبارية من دور في المجتمع في كافة المجالات، ومن أهم التقسيمات التي أخذ بها الفقهاء، أنهم قسموا الشركة إلى قسمين : فالشركة أما شركة أملاك أو شركة عقود.

القسم الأول: شركات الأملاك: وهي أن يشترك اثنان أو أكثر في ملك أو دين - ويكون سبب الملك فيها أما اجباري (الإرث) أو اختياري وهو ما يكون عن طريق شراء أو وصية أو هبة.

القسم الثاني: شركة العقود: وهي: أن يتعاقد اثنان أو أكثر على تجارة ونحوها: بأن يكون المال بينهما، والربح والخسارة عليهما، كل بحسب حصته من المال بالتراضي فيما بينهم، وهي (شركة العقود) على أنواع: شركة الأموال، شركة الأبدان وشركة الوجوه...

النوع الأول: شركة الأموال: وهي التي تعتمد على عنصر الإشتراك في رأس المال، والعمل ويكون الربح بينهما وفقا للإتفاق، وهي (شركة الأموال) تنقسم بدورها إلى:

1.شركة مفاوضة: تعني إتفاق بين إثنين أو أكثر على أن يشارك كل منهما بحصة من المال بالإضافة إلى العمل، على أن يتقاسما الربح والخسارة بالتساوي.

2. شركة عنان: تعني إتفاقاً بين إثنين أو أكثر على أن يتشارك كل منهما بحصة من المال بالإضافة إلى العمل على أن يتقاسما الربح بينهما وفقاً للإتفاق أم الخسارة فتكون بنسب رأس المال.

النوع الثاني: شركة الأبدان: تعتمد على الحرفة والصنعة وضمان العمل، على أن تكون أجرة العمل بينهما وفقاً لما إتفقا عليه.

النوع الثالث: شركة الوجوه: تعتمد على عنصر ثقة الناس بالشريكين من غير أن يكون لهما رأس مال، وبمقتضاه يشترون بضاعة بالنسيئة ويبيعونها بالنقد على أن يكون لصاحب البضاعة ثمنها كاملاً بغض النظر عما تحققه من ربح أو خسارة، على أن يقتسم الشركاء الربح بينهما طبقاً للإتفاق. وهذه التسميات لم ترد من جهة الشرع، لكن هي تقسيمات وتفريعات وضعها الفقهاء لترتيب المسائل عليها.

- ويلاحظ أن هناك اتفاق الفقهاء حتى الإمامية على جواز عمل أغلب هذه الشركات، وإن كان هناك إختلاف فيما يتعلق بشرعية عمل بعضها، قال الفقهاء أنه لا تصح الشركة العقدية إلا بمزج مالي الشريكين أما قبل‌ العقد أو بعده بنحو لا يتميزان، وهي ذات أشكال متعددة لا تصح إلا في واحد منها، وهو التعاقد على الاشتراك في ربح وخسارة المالين بعد المتاجرة بهما ويصطلح عليها بـ (شركة العنان)، وأما بقية أشكال الشركة فباطلة، وهي:

-شركة الأبدان: وهي التعاقد على عمل كل واحد من الشريكين بصورة مستقلة وفي عمله الخاص مع اقتسام الربح الحاصل لكل واحد منهما، كما لو قرّر حلّاقان اقتسام أجرة الحلاقة التي يحصلان عليها في كل يوم.

-شركة الوجوه: وهي التعاقد بين شخصين لا يملكان مالا، بل وجاهة بين الناس فقط على شراء كل واحد منهما بثمن في ذمته فقط شيئا لكلا الطرفين (الشريكين)، ثم بيعه بعد ذلك وأداء الثمن بعده واقتسام الربح الحاصل.

-شركة المفاوضة: وهي التعاقد على اقتسام كل ما يستقيده أحد الطرفين من ارث أو وصية أو ربح تجارة ونحو ذلك، وهكذا تحمل الطرفين كل ما يرد على أحدهما من خسارة . وقد أشار إلى ذلك المقدس الأردبيلي:" لم يعترف مشهور الفقهاء بصحة شركة الأبدان ولا المفاوضة ولا الوجوه، بل أدعي الإجماع على ذلك، فإذا لم يثبت الإجماع فلا غبار حينئذ على صحة تلك الشركات، لإعتبار شركة الأبدان (مثلاً) في بعض الموارد نوعاً من الوكالة .

     الدليل الرايع: لا وجود للإستثمار في الجاهلية:

لم يكن الاستثمار في القروض الربوية بالشكل المتعارف حالياً؛ وذلك لأن الإستثمار اليوم يخضع لضوابط وقوانين خاصة تحكمه وتتحكم به، وأن البنك في الوقت الحاضر يكتسب صيغةً قانونيةً تمكّنه من تحويل الأموال السائبة والعاطلة إلى عمل منتج عبر الاستثمار وتوظيف الأموال، وبالتالي يقوم البنك بتأمين كثيراً من فرص العمل التي يستفيد منها العاطلون عن العمل، مما يؤدي إلى دفع العجلة الاقتصادية نحو الأمام، وتعود الفائدة من عمليات الاستثمار هذه إلى أكثر أفراد.

الفرع الثاني

مناقشة أدلة النظرية

   الدليل الأول: دعوى الضرورة

 -إلا أن هذا المبدأ له شروط وضوابط تتحكم به، كما تطرق إليها الكثير من الفقهاء ، في كتبهم الفقهية، ومن جملة ما ذكروه فيها أنهم يرون أن معنى الضرورة أضيق من الضرر، فقال بعضهم :"  ليس للشارع اصطلاح معيّن فيها، و إنّما استعمله بنفس مدلولها اللغوي، و ما نفهم من هذا المدلول أنّ الضرورة أضيق من الضرر". وما تعنيه هذه القاعدة، إنّما يرخّص منه القدر الذي تندفع به الضرورة فحسب، أي أن الشيء الذي يجوز بناؤه على الضرورة يجوز إجراؤه بالقدر الكافي؛ لإزالة تلك الضرورة فقط، ولا يجوز استباحته أكثر، وكما يقول السيد السيستاني:" لأن القول بأن الحرج المنفي إنما هو بمعنى المشقة التي لا تتحمل عادة لا مطلق الكلفة، وإلا لاقتضى ارتفاع مطلق التكاليف". ففي حديث الاِمام الباقر (عليه السلام ) ورد ما يؤكده : " التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين تنزل به"  .

     ولذا يرى البجنوردي:"... فاللازم على الفقيه في مقام إجراء هذه القاعدة أن يعمل النظر، ويهتم غاية الاهتمام بأن يكون المورد مما لا يرضى الشارع بتركه ولو كان الفعل حرجيا شاقا على المكلف، كالواجبات التي بني الإسلام عليها،... وكذلك لا يكون مما لا يرضى بفعله لاشتماله على المفسدة العظيمة، كقتل النفس المحرمة، والزنا بذات البعل، واللواط، والفرار عن الزحف وارتكاب المعاملة الربوية، والقمار، وشرب الخمر، وسائر المحرمات الكبيرة التي مذكورة في الفقه في أبواب ذكر العدالة فيها، عصمنا الله من الزلل والخطأ.

     وعليه فإن وصف الضرورة لا يصدق أصلاً على ما يراد من ربا بقصد الإستكثار، وطلب الزيادة بداعى الضرورة، وذلك لتخلف شرطه، على أن الربا ضرر بطبعه لا يتصور اندفاع الضرورة به، لا سيما إذا كان على نطاق واسع، إذ ينتشر ضرره بانتشاره، يكون ما ذهب إليه من إباحة الفوائد، من مصاديق تخصيص النص، وهو غير مقبول.

      الدليل الثاني: دعوى الحاجة

 ومن مجموع الأدلة يستفاد أن الحاجة لها أثر في التخفيف، لكن ذلك ليس على إطلاقه، بل هو قيد شروط، وإنتفاء موانع- كما هو الشأن في الضرورة- وقد تبين في مبحث الضرورة وهي أشد من الحاجة، وأقوى أثراً في التخفيف أنها لا تفيد التخفيف بالإطلاق فكيف بالحاجة وهي دونها؟! فالحاجة لا تفيد التخفيف بإطلاق ولا يكون أثرها في التخفيف كأثر الضرورة، لكنها تشترك معها في كونها مؤثرة في الأحكام عند تحقق شروطها وهذا معنى قولهم " الحاجة تنزل منزلة الضرورة.."  فقد فسرها إبن النجيم بأنها:" المشقة والحرج إنما يعتبران في موضع لا نص فيه، أما مع النص فلا..". ولا ريب أن اللإعتبار بالحاجة من مقاصد الشارع الحكيم فلا تصادم مقاصد الشارع الحكيم ، إذ ذاك ضرب مقاصد الشريعة بعضها ببعض فينبغي أن تخضع لما للشريعة من مقاصد، وقد أورد الشاطبي:" قصد الشرع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقاً لقصده في التشريع، والدليل على ذلك ظاهر من وضع الشريعة، إذ قد مرَ أنها موضوعة لمصالح العباد على الإطلاق والعموم، والمطلوب من المكلف أن يجري على ذلك في أفعاله ، وأن لا يقصد خلاف ما قصد الشارع.  ولما كان حرب الربا وتضييق مسالكه مقصوداً للشارع الحكيم، فإنه لا ينبغي الخروج عليه بدعوى الحاجة.

      الدليل الثالث: الشخصية الإعتبارية:

   إن الفقه الإسلامي فيه الكثير من مصاديق الشخصية المعنوية(الإعتبارية)، ويبقى هذا الفارق بين حجم مصاديق الشخصية الإعتبارية، في عصر الرسالة وواقعنا المعاصر من حيث حجم الشركات وتعقد عملياتها لا يستدعي وجود فارق حكمي في ثوابت الشريعة بينهما، ولا يقلب الحرام حلالاً، ولا تجد شركة بغير إنسان، فالمستفيد أولاً وأخيراً هو الإنسان، ومن يحلل الحرام باعتبار أن الأحكام تتغير على قدر طبيعة الأشخاص ، فهذه كلمة حق يراد بها باطل" . 

    الدليل الرابع: لا وجود للإستثمار المتعارف عليه اليوم

 إن هذا أحد المبررات التي لا تستند إلى دليل شرعي أو عقلي، والواقع خلافه، فعهد الرسالة شهد وجود العديد من الشركات التي ذكرها الفقهاء سواء أكانت شركات أملاك أو شركات عقود.

      وكانت المجتمعات السابقة ملمة بأهمية تجميع رأس المال واستثماره، لما له من الأثر السلبي والإيجابي في التطور أو الركود الاقتصادي، كما هو عليه الناس اليوم، فإن هذا الأمر غير دقيق وذلك لأن الأدلة خلافه، منها:

1-إن النصوص والأدلة التاريخية خير شاهد على أن التجارة كانت قائمة آنذاك ، فكان التجارة والإستثمار من الأمور الرائجة آنذاك،  سواءً  بالمضاربة أو بالقرض الربوي،  وعن طريق مشاركة رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة في الرحلات التجارية ، وتجار مكة على وجه الخصوص ، التي كان لديها في السنة رحلتان تجاريتان تجوب بهما الأسواق من الشام إلى اليمن ، وقد أخبر القرآن بهذه الخاصية لأهل مكة في سورة قريش، إذ التجارة كانت المصدر الوحيد لدخل أهل مكة ؛ حيث كانت محطّاً للحجاج والتجار من كافة أنحاء الجزيرة العربية، كما في قوله تعالى:" لِإِيلاَٰفِ قُرَيۡشٍ إِاۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ  فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ  ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۢ.

2-وينقل المؤرخون أن بعض القوافل التجارية التي كان العرب يديرونها كانت تضم ألف جمل ، تمخر عباب الصحاري والسهول ، من الهند إلى أفريقية الوسطى مروراً بشبه الجزيرة العربية ، فضلاً عن التجارة المزدهرة التي كانت قائمة فيما بينهم وبين مصر وبلاد الشام وفلسطين .

      وكان العمل التجاري له الأثر في ازدياد أموال تجار مكة الذين كانوا يتجولون في بلاد كثيرة من آسيا وأفريقيا وقد أدى نشاط بعضهم إلى حصولهم على ثروات كبيرة، وكان العباس بن عبد المطلب من هؤلاء، وكان ينفق أمواله في الناس ويتعامل بالربا حتى جاء الإسلام وأعلن إلغاء الأموال الربوية، فبدأ رسول الله (صلى االله عليه وآله وسلم) ذلك بعمه العباس؛ يقول الطبرسي: لما نزلت الآية، قال النبي " صلى الله عليه وآله وسلم ": " على أن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضعه ربا العباس بن عبد المطلب". ثم نقل مقالة مقاتل:" نزلت في أربعة أخوة من ثقيف: مسعود وعبد يا ليل وحبيب وربيعة، وهم بنو عمرو بن عمير بن عوف الثقفي، وكانوا يداينون بني المغيرة، وكانوا يربون. فلما ظهر النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " على الطائف، وصالح ثقيفا، أسلم هؤلاء الاخوة الأربعة، فطلبوا رباهم من بني المغيرة، واختصموا إلى عتاب بن أسيد، عامل رسول الله على مكة، فكتب عتاب إلى النبي بالقصة، فأنزل الله الآية.و ينقل العلامة الطباطبائي:" نزلت في بقية من الربا كانت للعباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير: ناس من ثقيف فجاء الاسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية فقال النبي: ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا اضعه ربا العباس بن عبد المطلب، وكل دم في الجاهلية موضوع، وأول دم اضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مرضعا في بني ليث فقتله هذيل ن السدي وعكرمة قالا: نزلت في بقية من الربا كانت للعباس وخالد بن الوليد وكانا شريكين في الجاهلية يسلفان في الربا إلى بني عمرو بن عمير: ناس من ثقيف فجاء الاسلام ولهما أموال عظيمة في الربا فأنزل الله هذه الآية فقال النبي: ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع، وأول ربا اضعه ربا العباس بن عبد المطلب، وكل دم في الجاهلية موضوع، وأول دم اضعه دم ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مرضعا في بني ليث فقتله هذيل ".

  فهذا الذي ينقله العلماء والمفسرون، يدل على أن الناس، كانت تتعامل بالربا وبشكل واضح ومعروف ، وأنه مما ألحق بالمجتمع الأذى والإستغلال، هذا من جهة ؛ ومن جهة أخرى كان بعض الناس ينشطون بالإستثمارات الإيجابية ، فقد أثبتت لنا الوقائع التاريخية في هذا المجال أن التعامل بين الناس في مجال النشاط المصرفي منذ صدر الإسلام، قد فاق كثيراً ما عرفته الرومان في أعلى مراحل تقدمهم ، مما يعده بعض الباحثين البداية الأولى للعمل المصرفي الحديث ، فكان طبيعياً أن تظهر في ظل الإزدهار التجاري، صور وأشمال من التعامل المصرفي في مجال الإيداع والإستثمار وإستعمال الصكوك المسحوبة على الصيارفة، وقد وجد الناس أن بعض أفراد المجتمع يتمتعون بمزايا خلقية تجعلهم أهلاً للثقة ، فكانوا يودعون أموالهم ونفائسهم عند من يعرف بالأمانة والوفاء، ويأتي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، في مقدمة هؤلاء، وبقي هكذا حتى هاجر إلى المدينة، حيث وكل ابن عمه علياً (عليه السلام)، عنه ليتولى ردها إلى أصحابها.

    وكانت هناك دعوات وحث على استثمار الأموال، كما ورد في بعض الروايات، منها:ما روى عن بكر بن حبيب قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): رجل دفع إليه مال يتيم مضاربة، فقال: إن كان ربح فلليتيم، وإن كان وضيعة فالذي أعطى ضامن" . وأيضاً ، أحمد بن محمد بن عيسى في (نوادره) عن أبيه قال:" سئل أبو جعفر (عليه السلام) عن رجل أخذ مالا مضاربة أيحل له أن يعينه غيره بأقل مما أخذ؟ قال: لا".











خلاصة الفصل الثاني

  تضمن الفصل الثاني من الأطروحة، بيانٍ لإتجاهات قام بها بعض الفقهاء والعلماء من الفريقين، لإخراج القروض الربوية من حرمة الربا، وذلك ما استعرضناه في ثلاثة اتجاهات " الأول منها : والذي حصر الحرمة بالربا الجاهلي، وأما الإتجاه الثاني فقد حصر الحرمة بالربا الإستهلاكي، والثالث أجاز فائدة البنوك، لكنها ما كانت إلا عبارة عن محاولات باطلة ، إذ لا دليل ثابت يدعمها ،فالنصوص الشرعية عامة، تفيد تحريم الربا على الناس، بما في ذلك الغني والفقير،  فلا يمكن تخصيصها بلا دليل، وأن أقوى دليل على ردِ كل ما ذهبوا إليه هو يتلخص في قوله تعالى:" فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ". فهذه الآية تبين أن الحكمة من منع الربا هي منع الظلم، والظلم يقع على الغني كما يقع على الفقير.

 - وفي الاقتراض من البنك أيضا يكون في معرض الظلم؛ لأنّ التاجر ونحوه ممّن يصرف المال في سبيل الاسترباح قد یخسر خسارة فادحة، بل قد يفني جميع رأس ماله ويبقى مديوناً للبنك، فعليه خسارتان: خسارة التجارة وخسارة الربا، أي يتضرّر بضررين: ضرر التجارة وضرر الربا، فأين الاسترباح المجوّز للربا؟

  فليس الاقتراض من البنك رابحاً دائماً، بل هو في خطر الضرر المضاعف: ضرر التجارة وضرر الربا وهذا ظلم مضاعف، فما هو المخلص الشرعي؟

فهذا السؤال ونحوه من الأسئلة المطروحة أمام هذا الاجتهاد الاستحساني غير المستند إلى دلیل فقهي.

نعم، هناك طرق وتخريجات فقهية لحلّ هذه المشكلة نسبياً وهي المضاربة مع البنك، والجعالة والوكالة والحوالة و.. فإنّ ضریب احتمالات الضرر فيها اقل من ضریب احتمالات الاقتراض الربوي، فإنّ التاجر إذا لم يربح ولم يخسر فليس عليه شيء، بخلاف المقترض، فإنّ عليه إعطاء الربا للبنك على كل تقدير، سواء ربح أو خسر أو بقي حاله لم يربح ولم يخسر.  وحلول أخرى ومنها وهو الحلّ الأسمى هذه المشكلة الواسعة في الربا ونفعه، من الأفضل ان نلتجئ إلى نظام المساهمة، وتأسيس بنك ـ مصرف إسلامي يقوم على العقود الإسلاميـّة، ومن الطبيعي أن نسلـّم أمر تطبيق وإرساء هذه القوانين الإسلامية للبنك إلى المختصّين بالأمور المالية والمصرفيـّة لتأمين سلامة الإجراء والتنفيذ... وهو ما سنتطرق إليه في الفصل الثالث من الأطروحة..  

 وعليه فإن القول بتعمیم تحريم القرض الربوی لمطلق الأغراض في الاقتراض وإثبات عدم دخل الدواعي في الحرمة، هو ما توصل إليه البحث في هذا الفصل.

  والسعي في تحليله إذا كان بداعي الاسترباح إنّما هو سعى في إخضاع الدين للوضع الموجود وهذا ممّا يوجب التجرّى على أحكام الله تعالى واضمحلال الدين المقدس تدریجاً؛ إذ لا تحدید ولا تسديد للأهواء.

 

   




 

الفصل الثالث

البديل الإسلامي عن الربا الإستثماري

(أطروحة البنك اللاربوي) أنموذجاً

     هناك العديد من البدائل في الفقه الإسلامي ، يمكن الإستفادة منها، كبديل عن الربا الإستثماري، إلا أن المهم منها والذي يتمثل بأطروحة البنك اللاربوي، لتضمنه العديد من التخريجات الفقهية لحل مشكلة المعاملات الربوية المتداولة ، و سنتناول بحث جوانب من هذه الثروة العلمية الجليلة، فقد بذل الشهيد الصدر جهداً مميزاً من أجل تأسيس نظام مالي خال من الشبهات التي تطرح في مجال "جواز الربا الإستثماري"، وكان له وجهة نظر خاصة في حل الإشكالات التي تقع بها البنوك الربوية المنتشرة في البلدان الإسلامية، عندما طلب منه أن ينظر للبنك الربوي، لسد الخلل الحاصل من جهة، ولحاجة المستثمرين والتجار الماسة في ظل التعاملات الربوية المنتشرة في البلاد الإسلامية، لما طلب منه أن ينظر للبنك اللاربوي ، وتمثل مشروعه هذا علاج المعاملات الربوية، إن البحث يهدف إلى بيان الجانب التنظيري للبنك عند السيد الصدر، لحل الربا الإستثماري، والتكييف الشرعي لكسب الأرباح وتنمية الإستثمار ، للتخلص من الربا المشؤوم ، ومحاولة للوصول إلى أهم ما يستند إليه البنك الإسلامي في تعاملاته البنكية مع عملائه، وكيف يجذب أصحاب رؤوس الأموال ، إنطلاقاً من الجذور العلمية الإسلامية. في ثلاثة مباحث، تسبقها بيان لأهم التخريجات الفقهية التي بينها الشهيد الصدر التي لو أخذت بها البنوك لتحررت من التبعية للنظام الرأسمالي..

    ولأجل البحث في أطروحة السيد الصدر قسمنا الفصل إلى ثلاثة مباحث: الأول: في معالم البنك اللاربوي في الفقه الإسلامي.

الثاني: معالم البنك اللاربوي عند السيد الصدر.

الثالث وظائف البنك اللاربوي عند السيد الصدر، وذلك كالآتي...



المبحث الأول

معالم البنك اللاربوي في الفقه الإسلامي

      في ظل الواقع الاقتصادي الذي هيمنت عليه المعاملات الربوية، كيف يمكن للبنك الإسلامي أن يعمل بعيداً عن هذا الواقع ، أو يتعايش معه ويتمكن في المساهمة في بناء إقتصاد إسلامي ، بأسس إسلامية يحاكي في الواقع الربوي ويتفوق عليه ، وإذا كان ذلك الأمر ممكناً فما هي الأسس والصيغ الشرعية التي يستطيع من خلالها تكييف المعاملات والتعاقدات من دون الربا، لأننا نمتلك موروثاً فقهياً إسلامياً ، غنياً بما كتبه الأوائل والمتأخرين من الفقهاء، فقد اعتمدوا في تكييف التعاملات البنكية والإستثمارية على عدة عقود تمكن من خلالها تنظيم عمل البنك الإسلامي على ثلاثة صور ما يكون فيها البنك متصرفاً بالإستنابة، وما يكون فيها البنك متصرف على نحو التمليك، وما يكون فيها متصرفاً على نحو التوكيل ، في تحويل المال من ذمة إلى ذمة .. وهذه الموارد وغيرها تشكل مطالب هذا المبحث 

المطلب الأول

التكييف الفقهي لعمل البنك اللاربوي 

بلحاظ الإستنابة في التصرف

إن موضوع الإستنابة في التصرف أمر واضح في المعاملات التجارية والإستثمارية، والتي يقوم فيها البنك بالإنابة عن المودع، فيوظف أمواله الثابتة والمتحركة في عدة مجالات، والبنك الإسلامي يقوم بهذا العمل من خلال عقود، يكون فيها البنك إما وسيطاً أو عاملاً لدى صاحب المال، وعادة ما يكون ذلك في ثلاثة عقود أساسية وهي:" المضاربة، الجعالة، الوكالة"، وذلك ما سنبحثه ضمن الفروع الثلاثة الآتية:

الفرع الأول

المضاربة في الفقه الإسلامي

   تسمى قراضا عند أهل الحجاز و المضاربة ، من الضرب لضرب العامل في الأرض لتحصيل الربح والمفاعلة باعتبار كون المالك سببا له والعامل مباشراً والقراض، من القرض بمعنى القطع لقطع المالك حصة من ماله ودفعه إلى العامل ليتجر به ".

أولاً: تعريف المضاربة ومشروعيتها:

المضاربة:" من ضارب لفلان له فيه، اتّجر في ماله، أو اتجر فيه على أن له حصة معينة من ربحه، والضرب في الأرض: الذهاب فيها إلى التجارة وغيرها". ومضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة، قال الله تعالى:" وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُون َمِن فَضْلِ اللهِ".

     وفي الإصطلاح: هي :"عبارة عن دفع الإنسان مالا إلى غيره ليتجر به على أن يكون الربح بينهما لا أن يكون تمام الربح للمالك و لا أن يكون تمامه للعامل". المضاربة: هي أن يدفع مالاً إلى غيره ليعمل بحصة معينة من ربحه".أحدهما إلى الآخر مالاً ليعمل به على أن يكون الربح بينهما.

        قال بعض الفقهاء:" إنَّ المضاربة مأخوذة من الضرب في الأرض، لأنَّ العامل يضرب فيها للسعي على التجارة وابتغاء الربح بطلب صاحب المال" .  يقول ابن رشد (الحفيد) في المضاربة:" أن صفته أن يعطي الرجل، الرجل المال على أن يتجر به على جزء معلوم يأخذه العامل من ربح المال، أي جزء كان مما يتفقان عليه ثلثا أو ربعا أو نصفا"

     وإن حقيقة المضاربة هي أن يدفع الإنسان أو شخصية حقوقية إلى الغير مالاً ليتجر به على أن يكون الربح بينهما، والوضيعة على المال،..والمراد من الدفع هو الأعم من الدفع الإنشائي الحاصل باللفظ والدفع الخارجي، فكما أن الدفع الإنشائي هو قبول العامل يحقق المضاربة فكذلك الدفع الخارجي وقبوله بقصد الإنشاء يحقق ذلك ، إذ لا فرق عند العقلاء في تحقق المضاربة بين الدفع الإنشائي والدفع الخارجي؛ لأن المعيار هو الإعتبار النفساني، وإبرازه بمبرز في الخارج، وهو حاصل في كليهما، وهذا البناء العقلائي، في معرض رؤية الشارع، ولم يردع عنه".

    وأما فيما يتعلق بمشروعيتها، فإنَّ المضاربة من المعاملات العقلائية المهمة التي تلعب دوراً إيجابياً كبيراً في حياة المجتمع الاقتصادية، وتكون من أبرز المصاديق لآيتي ﴿تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ﴾ و﴿أَوْفُوا بِالْعُقُودِ﴾ وعليه أصبحت المضاربة كضرورة فقهية".

    يقول ابن رشد الحفيد: "ولا خلاف بين المسلمين في جواز القراض، وأنه مما كان في الجاهلية فأقره الإسلام" .

    ثانياً: شروط المضاربة وأحكامها:

انّ للمضاربة عدة شروط، منها شروط عامة: يشترط في المضاربة الإيجاب والقبول، ويكفي فيهما كل دالٍّ، قولاً، أو فعلاً؛ والإيجاب القوليّ كأن يقول: ضاربتك على كذا، وما يفيد هذا المعنى فيقول: قبلت.. ويشترط فيها أيضاً ـ بعد البلوغ، والعقل، والاختيار .

أما الشروط الخاصة فمنها:

1-يعتبر في المضاربة أن يكون الربح بين المالك والعامل، فلو شرطا جزءاً منه لأجنبي عنهما لم يصحّ.

2-أن يكون الربح مشاعاً بينهما 

3-يشترط أن يكون الاسترباح بالتجارة فقط .

4- اشتراط کون العامل قادراً علی العمل: یشترط قدرته علی العمل فلو کان عاجزاً مطلقاً بطلت ومع العجز فی بعضه لا یبعد الصحّة بالنسبة علی إشکال نعم لو طرأ العجز فی أثناء التجارة تبطل من حین طروّه فی الجمیع لو عجز مطلقاً .

4-اشترط الفقهاء أن يكون مال المضاربة من الذهب والفضة المسكوكين، كالدراهم والدنانير كما هو مشهور بينهم". ويرى المتأخرون جواز المضاربة بالدراهم والدنانير إجماعاً، وليس ثمة علة مقنعة غيره.


  ومن أحكام المضاربة:

  1 - ليس على عامل التجارة ضمان الخسارة، لأنّه أمين وليس على الأمين ضمان. وكذلك (عدم الضمان) بالنسبة إلى التلف ، وقد دلت عليه صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام)، قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: "من اتّجر مالًا واشترط نصف الربح، فليس عليه ضمان "، قال السيد الخميني: العامل أمين فلا ضمان عليه من جهة الخسارة والتلف، بل هي على صاحب المال .

2-يقول الشهيد الصدر:" فهي في الفقه الإسلامي: عقدٌ خاصٌّ بين مالك رأس المال والمستثمِر على إنشاء تجارةٍ يكون رأسمالها من الأوّل، والعمل على الآخر، ويحدّدان حصّة كلٍّ منهما من الربح بنسبةٍ مئوية، فإن ربح المشروع تقاسما الربح وفقاً للنسبة المتّفق عليها، وإن ظلّ رأس المال كما هو ـ لم يزد ولم ينقص ـ لم يكن لصاحب المال إلاّ رأس ماله ، وليس للعامل شيء . وإن خسر المشروع وضاع جزء من رأس المال أو كلّه تحمّل صاحب المال الخسارة ، ولا يجوز تحميل العامل المستثمِر وجعله ضامناً لرأس المال ، إلاّ بأن تتحوّل العملية إلى إقراض من صاحب رأس المال للعامل ، وحينئذٍ لا يستحقّ صاحب رأس المال شيئاً من الربح، هذه هي الصورة العامة للمضاربة في الفقه الإسلامي" .


الفرع الثاني

الجعالة في الفقه الإسلامي

هي صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع اشتراط العلم في العمل بالعوض

   أولاً: حقيقة الجعالة: 

الجعل لغة، من الجعل أو الجعلية ، وجعل الشيء يجعله جعلاً ومجعلاً واجعلته أي وضعه، أي ما يجعل للإنسان على أمر يفعله. 

وفي الإصطلاح: هي عبارة عن : الالتزام من الشخص بمكافأة عمل سائغ مقصود ، أو هي:" إنشاء الالتزام بعوض معلوم على عمل مقصود مثلا تقول من خاط ثوبي له ألف دينار".

الجعالة عقد جائز من الطرفين، وصيغتها اللفظ الدال على الإذن في الفعل بشرط عوض، فلو رده إنسان ابتداء من غير جعل فهو متبرع لا شئ له، وكذا إذا رد من لم يسمع نداه، فإنه قصد التبرع".

   ويعتقد السيد المدرسي: "وتفتقر الجعالة لكي تصبح عقداً، إلى إلتزام وتعهد من الطرف الأول (الجاعل) وهو إما: قولي، أو كتابي (كالإعلان في الصحف) أو عملي. ولا تفتقر إلى القبول".

بينما يرى بعض المتأخرين أنها من الإيقاعات:" وهي من الإيقاعات، ولا بُدَّ فيها من الإيجاب إمّا عامّاً مثل: (من ردّ دابّتي أو بنى جداري فله كذا)، أو خاصّاً مثل: (إن خطت ثوبي فلك كذا)، ولا يحتاج إلى القبول لأنّها ليست معاملة بين طرفين حتّى يحتاج إلى قبول، بخلاف العقود كالمضاربة والمزارعة والمساقاة ونحوها.

ثانياً: مشروعية الجعالة وشروطها:

الجعالة مشروعة نصاً و إجماعاً ومنه قوله تعالى: "وَلِمَنْ جَآءَ بِهِ حِمْلُ بَعِير" . عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، وأحمد بن محمد جميعا، عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، قال: "سمعت أبي يسأل أبا عبد الله عليه ‌السلام، وأنا أسمع، فقال : ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الأرض والدار والغلام والجارية ، ونجعل له جعلا ، قال : لا بأس".

      ومن شروطها : أنهم ذكروا : يعتبر في الجاعل الشروط العامة المتعارف عليها في الفقه الإسلامي وهي كما أشار إليها السيد السيستاني:"البلوغ والعقل والاختيار وعدم الحجر لسفه لو فلس، فلا تصح جعالة الصبي ولا المجنون ولا المكره ولا السفيه ولا المفلس فيما حجر عليه من أمواله.  وأما العامل فلا يعتبر فيه إلا امكان اتيانه بالعمل خارجا ولو كان إتيانه به متوقعا على مقدمة محرمة، كما لو أوقع الجعالة على كنس المسجد فأتى به الجنب أو الحائض فإنهما يستحقان الجعل على الأظهر، نعم لو خص الجعل بالكنس من الجنب أو الحائض لم يصح فلو كنساه لم يستحقا الجعل وفي استحقاقهما لأجرة المثل إشكال. ولا يعتبر في العامل نفوذ التصرف فيجوز أن يكون صبيا مميزا ولو بغير إذن الولي بل يجوز أن يكون صبيا غير مميز أو يكون مجنونا على الأظهر، فجميع هؤلاء يستحقون الجعل المقرر بعملهم".

ثالثاً: أحكام الجعالة والمائز بينها وبين الإجارة

1-يرى العلامة الحلي أن الجعالة:" جائزة قبل التلبس وبعده، فإن تلبس العامل وجب على الجاعل دفع أجرة ما عمل، فلو أتم العامل العمل بعد رجوع الجاعل وعلمه به، لم يستحق أجرة على التمام".

2-لا تفتقرالجعالة إلى القبول، وتصح على كل عمل مقصود محلل، سواء كان معلوما مثل من خاط ثوبي أو حج عني فله دينار، أو مجهولا مثل من رد عبدي، فإن مسافة الرد مجهولة".

     لكن الشهيد الصدر يرى أنها تحتاج إلى قبول، غير أن العمل نفسه من المجعول له إذا صدر مبيناً على الجعالة يعتبر قبولاً، وإنما ينبغي عدم احتياج المعاملة إلى القبول بعدم الاشتمال على التصرف فيما يمس سلطان الآخر، لأن مجرد إيجاد عنواناً للآخر لا يجعل المعاملة عقداً". 

3-ولا يشترط تعيين العامل، أما العوض فلا بد وأن يكون معلوماً بالكيل، أو الوزن، أو العدد إن كان من أحدها، ولو كان مجهولاً: مثل من رد عبدي فله شئ، أو ثوب، أو عبد، ثبت بالرد أجرة المثل، ولو قيل بجواز الجعل المجهول إذا لم يمنع الجهالة التسليم، مثل من رد عبدي فله نصفه، ومن رد ضالتي فله ثلثها، كان حسناً.

4- يصحّ عقد الجعالة وإن كان العمل فيها مؤقّتاً بمدّة معلومة؛ لأنّ المدّة إذا جازت في هذا العقد مجهولة فمع تقديرها، ومعلوميّتها أولى.

5-إذا حصل تنازع بین العامل و المالك في تعيين القدر المجعول عليه أو في سعي العامل یقدم قول المالك.

  والفرق بين الإجارة على العمل والجعالة، منها:

1- أنّ المستأجر في الإجارة يملك العمل على الأجير وهو يملك الاُجرة على المستأجر بنفس العقد، بخلاف الجعالة، إذ ليس أثرها إلاّ استحقاق العامل الجعل المقرّر على الجاعل بعد العمل. 

2- أنّ الإجارة من العقود وهي من الإيقاعات.

  ومن جملة التطبيقات المعاصرة للجعالة: 

   1-مندوب المبيعات

ومن الجعالة: عمل مندوب المبيعات على النسبة:

يوجد اليوم نظام للمبيعات تقوم به بعض الشركات، يلخص بالشكل التالي:

تعرض الشركة على من يرغب من زبائنها بأن يساهم معها في ترويج بضاعتها عمولة على كل عملية بيع بنسبة محددة، مثلاً 10%، ولكن الشركة لا تقوم بإعطاء الشخص عمولته إلا بعد أن يقوم ببيع كمية معينة من البضاعة. هذه السياسة من المبيعات والذي تنتهجه بعض الشركات لا حرج فيها؛ إذ ليس فيه إلا أن الشركة جاعلت الزبون على ترويج قدر معين من مبيعاتها، فإن باعه استحق المبلغ المجاعل به، وإن لم يبعه فلا شيء له، وهذه المسألة تدخل في باب الجعل، وكون الزبون قد لا يتمكن من بيع القدر المعين كاملاً، مما قد يسبب له التعب بدون فائدة تعود عليه، لا يمنع من جواز هذه العملية، إذ من المعروف أن الجعالة يجوز فيها من الجهالة والغرر ما لا يجوز في الإجارة. 

2-ومن جملة ما ورد في جواب أسئلة الإستفتاءات الشرعية للسيد السيستاني:

السؤال: مؤسسة خيرية تمنح قروضاً بفائدة قليلة تصرف على العاملين في المؤسسة، ولا يستحصل المساهمون في راس مال المؤسسة على شيء من الربح فهل هناك طريق لتصحيح الاقتراض منها دون الوقوع في الربا؟

الجواب: يمكن ذلك بان يقرر المتقدم بطلب القرض (جعلاً) للعاملين في المؤسسة ازاء قيامهم باستحصال موافقة المساهمين في راس مالها على طلب القرض، وهذا (الجعل) يمكن ان يكون بمقدار الفائدة المنظورة.


الفرع الثالث

الوكالة في الفقه الإسلامي

    أولآً: تعريف الوكالة وأنواعها:

الوكالة هي: (تسليط الغير على معاملة من عقد أو ايقاع أو ما هو من شؤونهما كالقبض والاقباض". وتصنف الوكالة إلى: مطلقة ومشروطة:

1-الوكالة المطلقة يقوم فيها الوكيل مقام الموكل على الإطلاق، إلا فيما يقتضيه الإقرار من الحد، والأدب، والإقرار.

2-الوكالة المشروطة لم يكن له فيها التعدي عما رسم له إلى غيره، فإن تجاوز كان ضامنا ولم ينفذ عليه، وإنما تثبت الوكالة بالبينة، أو باعتراف الموكل عند الحاكم".

    ثانياً: شروط الوكالة وأحكامها:

يعتبر في الوكالة مجموعة من الشروط منها : "الإيجاب، والقبول، ويكون الموكل ممن يصح منه مباشرة الأمر الذي وكله فيه، ويكون الأمر الموكل فيه من حقوق الناس، ويكون الوكيل عاقلا بصيرا بالأمر الموكل فيه، عارفا باللغة التي يحتاج إليها في المحاورة به، وأن يتوكل لمن هو مثله في الدين على من هو مثله فيه أو دونه" 

 -الوكالة: جائزة من الطرفين ولكن يعتبر في عزل الموكل له اعلامه به فلو تصرف قبل علمه به صح تصرفه، وتبطل بالموت والجنون والإغماء

-يصح توكيل الصغير فيما جاز له مباشرته كالوصية إذا بلغ عشرا، وكذا يجوز أن يكون الصغير وكيلا بإذن وليه. 

- لا يوكل الوكيل بغير اذن الموكل، وللحاكم التوكيل عن السفهاء والبله، ويستحب لذوي المروءات التوكيل في مهماتهم.

- لا يتوكل الذمي على المسلم على المشهور.

     ويرى الفياض:" البنك بصفة كونه وكيلا عن المودعين في التصرف في أموالهم المودعة عنده حسب ما يراه فيه من المصلحة، فله بدلا عن أن يقرض عميله من الودائع بفائدة ربوية يقدم اليه أموالا، ويوكله في شراء متطلباته الشخصية أو التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو غيرها من قبله، وبعد الشراء والقبض يبيعها وكالة منه على نفسه بثمن موجل يتضمن ربحا لا يقل عن سعر الفائدة في القرض الربوي. ثم يذكر بعض الأمور التي يجب توافرها في تطبيق هذا البديل في النظام المصرفي كبديل عن التعامل الربوي فيه يبتني على توفر أمور:

  الأول: عنصر الثقة والأمانة في العميل الوكيل في الشراء، أو هناك طرف ثالث يضمن رأس المال. 

الثاني: اشراف البنك على عملية الشراء واطلاعه على أوضاع السوق وتقلباته.

الثالث: إذا لم تكن له خبرة في عملية الشراء أو في معرفة الأجناس، فعلى البنك ان يرسل معه من أهل الخبرة في ذلك، وحينئذ فاما ان يكون شراؤه بنظره أو هو يقوم بالشراء لمتطلباته من الأجناس والبضائع من قبل البنك، ثم يبيعها عليه بربح مؤجل. 

الرابع: تقييد عمله بزمن معين أو مكان كذلك أو شركة خاصة لتجنب المخاطر وغيرها مما يراه البنك دخيلا في تعزيز الثقة والأمانة .


المطلب الثاني

التكييف الفقهي للبنك بلحاظ التمليك

هناك أمور لابد من وجودها في مجال الإستثمارات المصرفية والإستثمارية، وبغض النظر عن نوع الأموال المستثمرة ثابتة كانت أو متحركة، فإن العنصر الأساسي فيها أن يكون هناك رؤية واضحة لأسس ذلك الإستثمار، إذ لابد من وأن يكون العمل قائم على الصور المشروعة فقهياً في كيفية استثمار تلك الأموال والمنافع المستحصلة منها، ومن هذه العقود: الشركة وبيع السلم والإجارة، والتي يتكيف عمل البنك بلحاظ التمليك، وذلك من خلال الفروع الثلاثة الآتية.

الفرع الأول

الشركة في الفقه الإسلامي

    أولاً: تعريف الشركة ومشروعيتها

 تعني الشركة: مخالطة الشريكين، يقال: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وقد اشترك الرجلان، وتشاركا،... والمرأة شريكة والنساء شرائك، وشاركت فلانا صرت شريكه".وفي الإصطلاح: "هي اجتماع حقوق الملاك في الشئ الواحد على سبيل الشياع" .

 يقول السيد السيستاني في الشركة أنها:" تطلق الشركة على معنيين :

الأول: كون شيء واحد لاثنين أو أزيد، الثاني: العقد الواقع بين اثنين أو أزيد على الاشتراك فيما يحصل لهم من ربح وفائدة من الإتجار أو الاكتساب أو غيرهما، وتسمى بـ (الشركة العقدية).

    وثبتت مشروعية الشركة بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب: فقوله تعالى: " فَهُمۡ شُرَكَآءُ فِي ٱلثُّلُثِۚ" وقوله سبحانه: "وَإِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡخُلَطَآءِ لَيَبۡغِي بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٍ إِلَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ ".

  وأما السنة: ففي الحديث القدسي: إن الله عز وجل يقول: "أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهما" . وما رُوي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: "ان أمير المؤمنين عليه السلام كره مشاركة اليهودي والنصراني والمجوسي إلا أن تكون تجارة حاضرة لا يغيب عنها المسلم". 

    ثانياً شروط الشركة و أحكامها:

اشترط الفقهاء مجموعة من الشروط لصحة عقد الشركة، وهي:" كسائر العقود لا بد من إنشائها، ويكفي فيها كل ما يدل على الالتزام بها من الوكيل والموكل من قول أو فعل. كما أن الأحوط وجوبا فيها التنجيز، فلا تصح مع تعليقها على أمر غير معلوم الحصول، نعم لا بأس بتعليق الأمر الموكل فيه.

ويعتبر في الوكالة كمال الوكيل والموكل بالبلوغ والعقل أو إذن وليهما، ولا تصح بدون أحد الأمرين".

من أحكام الشركة

1-الشركة عقد جائز فيجوز لكل من المتعاقدين فسخه‌، فإذا فسخ أحدهما لم يجز للآخر التصرف في المال المشترك فيه.

-لا بد وأن يكون رأس المال معلوما جنسا وقدرا معينا، فلا تصح في المجهول، ولا الجزاف، ولا الغائب، ولا الدين. 

-لا يجوز لأحد الشريكين التصرف في العين المشتركة بدون إذن شريكه". والشريك المأذون في التصرف من قبل شريكه أمين لا يضمن ما في يده من المال المشترك بينهما إلا بالتعدي أو التفريط" .

-ومن الشروط التي فصل فيها الفقهاء:".. والربح والخسران في شركة الأموال على نسبة المالين مع الإطلاق، ولو شرطا تفاوت الربح مع تساوي المالين أو تساوي الربح مع تفاوت المالين فللأصحاب فيه أقوال:

الأول: الصحة، وهو قول المرتضى مدعيا فيه الإجماع، وتبعه جماعة منهم العلامة ووالده وولده لعموم: (أوفوا بالعقود) و (إلا أن تكون تجارة عن تراض) وقوله (صلى الله عليه وآله): المؤمنون عند شروطهم.

الثاني: البطلان ذهب إليه الشيخ وجماعة منهم ابن إدريس والمحقق، لانتفاء دليل يدل على الصحة، ولأنه أكل مال بالباطل، لأن الزيادة ليس في مقابلها عوض. 

الثالث: قول أبي الصلاح بصحة الشركة دون الشرط".

ثم يقول:" وأجود الأقوال القول الأول، وعلى القول بالبطلان ثبتت لكل واحد اجرة مثله، ويقتسمان الربح على نسبة المالين.ولو اصطلحا بعد ظهور الربح على ما شرطاه أولا أو على غيره صح، والظاهر أنه لو كان العامل أحدهما وشرطا الزيادة للعامل صح بلا خلاف، وكذا لو كان لصاحب الزيادة زيادة عمل يقابل الزيادة".

ثالثاً: أنواع الشركة:

تارة: تكون قهرية، كشركة الورثة في المال الموروث، وكما لو أوصى الميت بمال لأكثر من واحد، وأخرى: تكون اختيارية . 

والاختيارية  وهي التي تكون  :"من غير استناد إلى عقد ، كما إذا أحيى شخصان أرضاً مواتاً بالإشتراك ، أو حفرا بئراً ، أو اغترفا ماءً ، أو اقتلعا شجراً . وتقسم الشركة الإختيارية على قسمين..

الأول الحكمية، وتكون بسبب الاشتراك في سبب الملك، كما لو اشترك أكثر من واحد في حيازة مال واحد، أو في إحياء أرض واحدة، أو في حفر بئر واحدة، أو في عمل واحد له جعل معين. ومنه اشتراك أكثر من واحد في شراء شئ واحد بثمن من الكل. الثاني: العقدية، وهي تكون تارة: بتشريك شخص في مال آخر، كما لو قال أحد الشخصين لصاحبه: أشركني في بضاعتك أو دارك أو غير ذلك بثمن كذا، فقبل الآخر. وكذا لو باع أحدهما نصف داره أو بضاعته المشاع لآخر. وأخرى: بتشريك كل من المالكين الآخر في ماله، بأن يكون لكل من الشخصين ما يختص به، فيتعاقدا على أن يشتركا في المالين بنحو الإشاعة، ولا يعتبر فيها حينئذ مزج أحد المالين بالآخر".

والشركة وهي عقد بين شخصين أو أكثر ،لا يخفى أنّ لفظ الشركة في كلمات الفقهاء مستعمل في معناه اللغوي ، وهو ما يقابل الاختصاص .

  فقد استند إليها الفقهاء في تكييف ما يحصل عليه البنك من عمولة على الخدمات التي يقوم بها لعملائه، وهي من البدائل الشرعية التي للربا الإستثماري. فقد ذكر بعضهم فيها ومن ذلك، فيما يتعلق ببعض وجوه الاسترباح. وذلك على نحوين ..

الأول: أن يتفق الأطراف عليه ابتداء من غير أن يؤخذ في عقد الشركة، وحينئذ يعمل على ذلك - ما دامت الأطراف آذنة به - على النحو المأذون فيه، ومتى عدل بعضهم عن إذنه لزمه التوقف عن العمل، وكذا لو سقط إذن بعضهم عن الأثر بموت أو جنون أو نحوهما.

الثاني: أن يؤخذ ذلك في ضمن عقد الشركة، كما جرت عليه الشركات ذات الأنظمة الخاصة المتعارفة في عصورنا، ومنها الجمعيات التعاونية، وحينئذ يجب العمل عليه على طبق ما أخذ في العقد سعة وضيقا، كما يؤخذ بسائر ما تضمنه العقد من تعيين المباشر للتكسب بالمال، والأجر الذي يستحقه، والمدة التي تبقى فيها الشركة". وبلحاظ هذين النحوين يتجه منا تقسيم الشركة إلى جائزة ولازمة. وأما بلحاظ أصل الاشتراك في المال مع قطع النظر عن التصرف فيه والتكسب به فالشركة لازمة لا تنحل إلا بالقسمة. ويجري ذلك لو كان الشرط في ضمن عقد لازم غير عقد الشركة، فإنه يمكن اشتراط التكسب بمال الشركة في ضمن عقد لازم.             ومقتضاها(الشركة) كما يراها الشيخ الفياض أن :"يساهم كل منهم في مشروع معين تجاري أو صناعي أو زراعي، بتقديم حصة من المال لاستثمارها بهدف الربح والفائدة، و الشركة بدلا عن أن تقترض من البنك بفائدة ربوية تطلب منه تمويل الشركة بحصة من المال، وتمثل هذه الحصة مساهمة منه في المشاركة، فيكون البنك من أحد الشركاء، وعلى هذا فيتكون رأس مال الشركة من مجموع حصة من البنك و العميل، وتحدد حصة كل من الشركاء بنسبة مئوية، وتقسم الأرباح عليهم بهذه النسبة، ومن الطبيعي ان الفائدة التي يحصل عليها البنك من المساهمة والمشاركة في الشركات التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو غيرها، لا تقل من الفائدة التي يحصل عليها من تقديم القروض الربوية لعملائه، على أساس ان البنك لا يقدم على المشاركة والمساهمة في الشركات الاستثمارية اعتباطا، وانما يقدم عليها بعد دراسة حدود نجاحها ومعرفة المساهمين فيها، وانهم من ذوي سمعة جيدة في المجالات التجارية أو الصناعية أو غيرها، وبإمكان البنك عندئذ ان يجعل نفس العميل وكيلا عنه في إدارة الشركة، أو يجعل شخصا آخر وكيلا عنه في ادارتها مع العميل، وفي كلتها الحالتين لا يكون الوكيل مسؤولا وضامنا للخسارة الا مع التعدي والتفريط".

الفرع الثاني

بيع السلم في الفقه الإسلامي

  من البيوع، عقد السلم الذي يعتبر إحدى الأدوات الاستثمارية والتمويلية التي يمكن أن يستفاد منها في المؤسسات المالية التي تقدم أدوات مالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.

أولاً تعريف السلم ودليل مشروعيته:

السلم: بفتح السين واللام إسم مصدر لأسلم، ومصدره الحقيقي الإسلام، والسلم في اللغة بمعنى السلف، إلا أن السلم لغة أهل الحجاز، والسلف لغة أهل العراق، وهو أن تعطي ذهباً وفضة في سعة معلومة إلى أمد معلوم، ويعني به استعجال رأس المال وتعجيله، فالسلف أعم من السلم، لأنه يطلق على القرض. 

وفي الإصطلاح عُرِّف بأنه : " ابتياع مال مضمون الى أجل معلوم بمال حاضر او في حكمه "، والمراد بالثمن الحاضر هو:" الموجود المعيّن حال العقد، والمراد من الثمن الذي في حكم الحاضر هو الكلّي في ذمة المشتري المدفوع قبل التفرّق، أو الدَين الذي في ذمة البائع المجعول ثمناً في السلف".

 في حقيقة السلف ويقال له السلم أيضا، وهو ابتياع كلي مؤجل بثمن حال عكس النسيئة". والسلم لا يكون إلا مؤجلا، ولا يصح أن يكون حالا.


واستدل الفقهاء على مشروعية بيع السلف (السلم) من القرآن الكريم:

بقوله تعالى: "إِذٰا تَدٰايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلىٰ أَجَلٍ مُسَمًّى"؛ والسَلم دَين إلى أجلٍ مسمّى  .

ومن السنة المطهرة :استدلوا بالأحاديث المتواترة عن أهل بيت (عليهم السلام) الدالة على مشروعيته  ما رواه عبد الله بن عباس قال: "قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمدينة وهم يسلفون في التمر السنة والسنتين والثلاث، فقال النبي صلى الله عليه وآله:"من سلف فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم. وبإجماع المسلمين على جوازه .

    ثانياً: شروطه السلم وأحكامه:

من شروط السلم  ستة: الأول: ذكر الجنس، والثاني: ذكر الوصف، والثالث: قبض رأس المال قبل التفرّق، والرابع: تقدير السَلم بالكيل أو الوزن، والخامس: تعيين الأجل، والسادس: أن يكون وجوده غالباً وقت حلوله .

      وقد ذكر الفقهاء لبيع السلم عدة أحكام، ومنها:

1-السلف نوع من البيع فلابدّ فيه من إيجاب وقبول وينعقد بلفظ (أسلمت إليك أو أسلفتك) كذا من المشتري، فيقول البائع: (قبلت أو شبهه).

2-اذا أسلف في شيء لم يجز بيعه قبل حلوله الأجل ويجوز بعد حلوله وإن لم يقبضه على من هو عليه البائع وعلى غيره".

3-لا يجوز إسلاف الذهب بالفضة، ولا الفضة بالذهب، كما أن الأحوط وجوباً عدم الأسلاف مع اتحاد جنس المبيع والثمن إذا كانا من المكيل أو الموزون لئلا يلزم الربا .

4-قال الشيخ الفياض في السلم باعتباره أحد البدائل عن الربا  في البنوك :"بيع السلم وهو عقد بيع يعجل فيه الثمن، ويؤجل فيه تسليم المبيع إلى اجل محدود، وعلى هذا فبدلاً عن أن يقرض البنك عملاءه بفائدة ربوية لشراء السلع بغاية الاستثمار و الاتجار أو لحاجة شخصية سلماً، يقوم البنك بشرائها كذلك، و بعد نهاية المدة وقبض السلع يبيعها عليهم بثمن التكليف مؤجلا مع إضافة ربح محدد يقوم مقام سعر الفائدة، ومن هنا يقوم عقد السلم مقام القرض الربوي كوسيلة لتوفير التمويل للشركات التجارية أو المؤسسات الصناعية أو الزراعية أو الانشائية عن طريق قيام البنك بشراء منتجات تلك الشركات و المؤسسات سلما، ودفع الثمن إليها نقدا لتمويلها بدلا عن إقراضها ربويا، فإذا نتجت الشركات قام أصحابها ببيع منتجاتها لعملائها وكالة عن البنك، ويدفع ثمنها اليه، وبذلك يكون شراء البنك منتجاتها من أصحابها بثمن نقدي سلما، بديلا عن القروض الربوية".

الفرع الثالث

الإجارة في الفقه الإسلامي

    أولاً تعريف الإجارة ودليل مشروعيتها:

الإجارة من آجر يأجر، وهو ما أجر في عمل، والأجر: الجزاء على العمل، والاجرة الكراء . وفي الاصطلاح الإجارة عقد على تمليك المنفعة بعوضٍ معلوم . وعرفها السيد الخميني:"عقد الإجارة هو اللفظ المشتمل على الايجاب الدال بالظهور العرفي على ايقاع إضافة خاصة مستتبعة لتمليك المنفعة أو العمل بعوض والقبول الدال على الرضا به وتملكهما بالعوض، والعبارة الصريحة في الايجاب: آجرتك أو أكريتك هذا الدار مثلا بكذا". وذكروا لمشروعيتها : قوله تعالى: " أوفوا بالعقود " (1) فأمر بالوفاء بالعقود، والإجارة عقد، فوجب الوفاء به".

     ثانياً: أنواع الإجارة وشروطها:

 ذكر الفقهاء أنَّ للإجارة قسمين، وهما:

الإجارة المعيّنة: وهي معاوضة المنفعة المعلومة بالأجرة المعلومة، كإجارة الدار للسكنى، وعندئذ تُسمّى تلك المعاوضة بالإجارة على المنفعة، ويقال لمالك الدار: المؤجر، ولمالك الأجرة: المستأجر وللدار: العين المستأجرة.

الإجارة في الذمّة: هي معاوضة العمل المعلوم بالأجرة المعلومة، كإجارة الخياط للخياطة، وعندئذٍ تُسمّى تلك المعاوضة بالإجارة على العمل، ويقال لمالك العمل: (العامل) الأجير، ولمالك الأجرة (الكراء): المستأجر.

  شروط الإجارة

يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين أعني المؤجر والمستأجر، وبعضها في العين المستأجرة، وبعضها في المنفعة، وبعضها في الأجرة:-

أما المتعاقدان فيعتبر فيهما ما اعتبر في المتبايعين من البلوغ والعقل والقصد والاختيار وعدم الحجر لفلس أو سفه ونحوهما، وأما العين المستأجرة فيعتبر فيها أمور: منها - التعيين، فلو آجر إحدى الدارين أو إحدى الدابتين لم تصح، ومنها - المعلومية، فإن كانت عيناً خارجيةً، فإما بالمشاهدة وإما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها، وكذا لو كانت غائبة أو كانت كلية، ومنها - كونها مقدوراً على تسليمها، فلا تصح إجارة الدابة الشاردة ونحوها، ومنها - كونها مما يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، فلا تصح إجارة ما لا يمكن الانتفاع بها، كما إذا آجر أرضاً للزراعة مع عدم إمكان إيصال الماء إليها، ولا ينفعها ولا يكفيها ماء المطر ونحوه، وكذا ما لا يمكن الانتفاع بها إلا بإذهاب عينها كالخبز للأكل والشمع أو الحطب للاشعال، ومنها - كونها مملوكة أو مستأجرة، فلا تصح إجارة مال الغير إلا بإذنه أو إجازته، ومنها - جواز الانتفاع بها، فلا تصح إجارة الحائض لكنس المسجد مباشرة. وأما المنفعة فيعتبر فيها أمور: منها - كونها مباحة، فلا تصح إجارة الدكان لاحراز المسكرات أو بيعها، ولا الدابة والسفينة لحملها، ولا الجارية المغنية للتغني ونحو ذلك، ومنها - كونها متمولة يبذل بإزائها المال عند العقلاء، ومنها - تعين نوعها إن كانت للعين منافع متعددة. ومنها - معلوميتها إما بتقديرها بالزمان المعلوم كسكنى الدار شهرا أو الخياطة أو التعمير والبناء يوما، وإما بتقدير العمل كخياطة الثوب المعين خياطة كذائية فارسية أو رومية من غير تعرض للزمان إن لم يكن دخيلا في الرغبات وإلا فلا بد من تعيين منتهاه.

     وأما الأجرة فتعتبر معلوميتها، وتعيين مقدارها بالكيل أو الوزن أو العد في المكيل والموزون والمعدود، وبالمشاهدة أو التوصيف في غيرها ويجوز أن تكون عينا خارجية، أو كليا في الذمة أو عملا، أو منفعة أو حقا قابلا للنقل مثل الثمن في البيع.

ثالثاً أحكام الإجارة: 

-إن عقد الإجارة من العقود اللازمة، متى حصل لم يكن لأحدهما فسخ الإجارة إلا عند وجود عيب بالثمن، أو فلس المستأجر، فحينئذ يملك المؤجر الفسخ. أو وجود عيب بالمستأجر مثل: غرق الدار، وانهدامها على وجه يمنع من استيفاء المنفعة، فإنه يملك المستأجر الفسخ. فأما من غير ذلك فلا؛ دليلنا أن العقد قد ثبت، ومن ادعى أن لهما أو لأحدهما الفسخ فعليه الدلالة. وأيضا قوله تعالى: " أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ"  فأمر بالوفاء بالعقود، والإجارة عقد، فوجب الوفاء به" .

-إنَّ العين المستأجرة في يد المستأجر أمانة، فلا يضمن تلفها أو تعييبها إلَّا بالتعدّي أو التفريط، الموجب لاستقرار الأجرة للمؤجر على المستأجر - بذل المؤجر للعين، سواء استوفى المستأجر المنفعة منها مع ذلك أم لم يستوفها وفرط فيها.

 - ومن جملة الأحكام التي ذكرها السيد السيستاني، فقما يتعلق بشراط الأجرة" :- إذا استأجره على عمل مقيّد بقيد خاصّ من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحقّ شيئاً على عمله، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخيّر المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه، فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

     وإذا استأجره على عمل بشرط، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنيّاً عليه، فلم يتحقّق الشرط - كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معيّن وشرط عليه أن يوصله في وقت محدّد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت، أو استأجره على خياطة ثوبه واشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة - كان له فسخ الإجارة، وعليه حينئذٍ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسمّاة. .

      والفرق بين القيد والشرط أنّ متعلّق الإجارة في موارد التقييد حصّة خاصّة مغايرة لسائر الحصص، وأمّا في موارد الاشتراط فمتعلّق الإجارة هو طبيعيّ العمل، ولكن العقد معلّق على التزام الطرف بتحقّق أمر كالإيصال في الوقت المحدّد أو القراءة في المثالين، ولازم ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقّق الملتزم به، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحقّقه". 

     ومن التخريجات التي ذكرها الشيخ الفياض على أساس الإجارة، للتخلص من حرمة الفائدة الربوية في خصوص الكمبيالة:"إن البنك يشتري الدين الذي تضمنته الكمبيالة بما يساوي قيمته، ولكنه يقتطع من القيمة مبلغاً معيناً، كعمولة لقاء الخدمة أو لقاء تحصيل المبلغ إذا كان يدفع في مكان آخر؛ لان العمولة لقاء الخدمة - كأجرة كتابة الدين وتسجيله في السجلات وحفظه - جائزة، ولهذا يكون بإمكان البنك أن يتقاضاها في كل قرض يقدمه لقاء تلك الخدمة، وحينئذ فيجوز هنا للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء تحصيل قيمة الكمبيالة وتسجيلها بعنوان أجرة الكتابة وغير ذلك".




المطلب الثالث

التكييف الفقهي للبنك اللاربوي

 بلحاظ تحويل المال من ذمة إلى أخرى

      من وظائف البنك التي يقوم بها بالإنابة عن عملائه الذين يكلفونه بتحويل الحوالات الداخلية والخارجية؛ كونه أميناً، ويقوم بتقاضي عمولة إزاء هذه الأعمال، فقد حاول بعض الفقهاء تكييف عمل البنوك لتكون عمولته مشروعة، يستحقها البنك إزاء ما يقدم من خدمة لعملائه، لأن العمل في الفقه الإسلامي محترم فيما لو وقع ضمن العقود الشرعية مثل الحوالة والتأمين والضمان، وهو ما سنتناوله في هذا المطلب في ثلاثة فروع.


الفرع الأول

الحوالة في الفقه الإسلامي

    تعريف الحوالة ومشروعيتها:

الحوالة من حال يحول حولاً، واحتال إحتيالاً، إذا تحول من ذات نفسها، وأحلت فلاناً بما له عليَ على رجل آخر لي عليه، فاحتا بها عليه. ويقال للذي يحال عليه بالحق حيل، والذي يقبل الحوالة حيل، وهما الحيلان، كما يقال: البيعان، والإسم الحوالة". 

     وفي الإصطلاح: "فحقيقتها تحويل المديون ما في ذمته إلى ذمة غيره، وهي متقومة بأشخاص ثلاثة: المحيل وهو المديون، والمحتال وهو الدائن، والمحال عليه".

      وذكروا في مشروعيتها:" المحتال هو الذي يقبل الحوالة، فلا بد من اعتبار رضاه. وبه قال جميع الفقهاء إلا داود، فإنه قال: لا يعتبر رضاه، ومتى ما أحاله من عليه الحق على غيره لزمه ذلك؛ دليلنا: أنا أجمعنا على أنه إذا رضي(المحتال) صحت الحوالة، وليس على صحتها مع عدم رضاه دليل. وقول النبي صلى الله عليه وآله: " إذا أحيل أحدكم على ملي فليحتل "  المراد به الاستحباب، لأنه إذا أراد أن يحيله على غيره، استحب له أن يجيبه إليه، لما فيه من قضاء حاجة أخيه، وإجابته إلى ما يبتغيه .

   ثانياً: شروط الحوالة وأحكامها:

من شروط الحوالة:

1-يعتبر في الحوالة الإيجاب من المحيل والقبول من المحال بكل ما يدل عليهما من لفظ أو فعل أو كتابة .

2- ويشترط فيها ثبوت الدين في ذمة المحيل.

3-ويشترط في المحيل والمحال البلوغ والعقل والرشد، كما يعتبر عدم التفليس في المحيل إلا في الحوالة على البريء، فإنه يجوز فيها أن يكون المحيل مفلسا.

3-وإذا قبل الحوالة، وأبرأ ذمة المحيل لم يكن له الرجوع عليه بحال إذا كان ملياً، أو معسراً وعلم إعساره حالة الحوالة، وإن لم يعلم إعساره، أو لم تبرأ ذمته كان له الرجوع عليه إذا لم يؤد المال".ويرى الشيخ الفياض في هذه الحالة:"الحوالة عقد لازم فليس للمحيل ولا المحال عليه فسخها، وكذلك المحال وإن أعسر المحال عليه بعد ما كان موسراً حين الحوالة، بل لا يجوز فسخها مع إعسار المحال عليه حين الحوالة إذا كان المحال عالماً به، نعم لو لم يعلم به حينذاك كان له الفسخ إلّا إذا صار المحال عليه غنيّاً حين استحقاق المحال للدين، فإنّ في ثبوت حقّ الفسخ له في هذه الصورة إشكالاً فلا يترك مراعاة مقتضى الاحتياط فيه، والمراد بإعسار المحال عليه أن لا يكون عنده ما يوفي به الدين زائداً على مستثنيات الدين".

الفرع الثاني

التأمين في الفقه الإسلامي

    أولاً: تعريفه وشروطه:

التأمين من مادة أمن يأمن أمناً، إذا وثق وركن إليه، فهو آمن، وأمنه تأميناً إذا جعله في الأمن، أمن على ماله عند فلان تأميناً أي جعله في ضمانه".

     و في الإصطلاح: التأمين:"عقد واقع بين المؤمن والمستأمن (المؤمن له) بأن يلتزم المؤمن جبر خسارة كذائية إذا ورد على المستأمن في مقابل أن يدفع المؤمن له مبلغا أو يتعهد بدفع مبلغ يتفق عليه الطرفان". أو هو عبارة عن:" اتفاق بين المؤمن (الشركة أو الدولة)، وبين المؤمن له (شخص أو أشخاص) على أن يدفع المؤمن له للمؤمن مبلغا معينا شهريا أو سنويا نص عليه في الوثيقة (المسمى قسط التأمين) لقاء قيام المؤمن بتدارك الخسارة التي تحدث في المؤمن عليه على تقدير حدوثها".

     ومن شروط التأمين: 

1-يحتاج هذا العقد كسائر العقود إلى إيجاب وقبول، ويمكن أن يكون الموجب المؤمن والقابل المستأمن، بأن يقول المؤمن: علي جبر خسارة كذائية في مقابل كذا أو أنا ملتزم بجبر خسارة كذائية في مقابل كذا فيقبل المستأمن، وبالعكس.. ويقع بكل لفظ.

2- يشترط في الموجب والقابل كل ما يشترط فيهما في سائر العقود كالبلوغ والعقل وعدم الحجر والاختيار والقصد، فلا يصح من الصغير والمجنون والمحجور عليه والمكره والهازل ونحوه.

   ثانياً: أنواع التأمين وأحكامه 

التأمين على أنواع:"على الحياة، على المال، على الحريق، على الغرق، على السيارة، على الطائرة، على السفينة وما شاكلها. وهناك أنواع أخر لا تختلف في الحكم الشرعي مع ما ذكر" .

   التعاقد بين طالب التأمين والمؤمن وهو الشركة، اما ان يكون بنحو من الضمان المعاملي، بمعنى ان الشركة قد أنشأت تعهدا بتحمل الخسارة وتداركها على تقدير وقوعها بشروط، فإذا قبل طالب التأمين ذلك تحقق عقد الضمان بينهما، أو يكون من الهبة المعوضة، بمعنى أن طالب التأمين - وهو العميل في المقام - يهب مبلغا محددا في رأس كل شهر للمؤمن - وهو

الشركة أو البنك - مشروطا، بان يتحمل الخسارة في رؤوس الأموال على تقدير وقوعها بسبب من الأسباب، فإذا قبل المؤمن المبلغ الموهوب مشروطا بذلك تحقق الهبة المعوضة، أو يكون عقداً مستقلاً بين طالب التأمين والشركة أو البنك، فلا يكون داخلاً لا في الهبة المعوضة ولا في الضمان العقدي، ولا ينطبق عليه عنوان آخر من عناوين المعاملات الخاصة".

   يقول  السيد الخميني في حكم عقد التأمين: "الظاهر صحة التأمين مع الشرائط المتقدمة من غير فرق بين أنواعه من التأمين على الحياة أو على السيارات والطائرات والسفن ونحوها، أو على المنقولات برا وجوا وبحرا، بل على عمال شركة أو دولة أو على أهل بيت أو قرية أو على نفس القرية أو البلد أو أهملهما، وكان المستأمن حينئذ الشركاء أو رئيس الشركة أو الدولة أو صاحب البيت أو القرية، بل للدول أن يستأمنوا أهل بلد أو قطر أو مملكة ".

   وعلل الشيخ الفياض صحة عقد التأمين بـ:".. ودعوى انه على هذا لا يمكن الحكم بصحته، مدفوعة بأنه وان لم يكن مشمولاً لإطلاق الأدلة الخاصة التي تدل على صحة المعاملات وامضائها بأسمائها المخصوصة، الا انه يكفي في الحكم بصحته عموم قوله تعالى: "إلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ "، فإنه مشمول له".

    يجوز تنزيل عقد التأمين - بشتى أنواعه - منزلة الهبة المعوضة فإن المؤمن له يهب مبلغاً معيناً من المال في كل قسط إلى المؤمن، ويشترط عليه ضمن العقد أنه على تقدير حدوث حادثة معينة نص عليها في الاتفاقية أن يقوم بتدارك الخسارة الناجمة له، ويجب على المؤمن الوفاء بهذا الشرط. وعلى هذا فالتأمين بجميع أقسامه عقد صحيح شرعاً.

    لكن السيد الخميني يرى:" الظاهر أن التأمين عقد مستقل، وما هو الرائح ليس صلحاً ولا هبةً معوضةً بلا شبهة، ويحتمل أن يكون ضماناً بعوض، والأظهر أنه مستقل ليس من باب ضمان العهدة، بل من باب الالتزام بجبران الخسارة وإن أمكن الايقاع بنحو الصلح والهبة المعوضة والضمان المعوض، ويصح على جميع التقادير على الأقوى، وعقد التأمين لازم ليس لأحد الطرفين فسخه إلا مع الشرط، ولهما التقايل.

     وإذا لم يقم المؤمن له بتسديد (قسط التأمين) كما وكيفا فلا يجب على المؤمن بتدارك الخسارات الناجمة له، كما لا يحق للمؤمن له استرجاع ما سدده من أقساط التأمين. ولا تعتبر في صحة عقد التأمين مدة خاصة، بل هي تابعة لما اتفق عليه الطرفان (المؤمن والمؤمن له).

    ومن صور التأمين:  يذكر السيد الخميني بعض صور التأمين منها:" الظاهر صحة التأمين بالتقابل، وذلك بأن تتفق جماعة على تكوين مؤسسة فيها رأس مال مشترك لجبر خسارة ترد على أحدهم، وهذا أيضا صحيح على الأظهر، وهو معاملة مستقلة أيضا مرجعها الالتزام بجبر خسارة من المال المشترك في مقابل جبر خسارة كذلك، ويمكن أن يقع العقد بنحو عقد الضمان، بأن يضمن كل خسارة شركائه بالنسبة في مقابل ضمان الآخر، إلا أن الأداء من الماء المشترك، ولكن الأظهر فيه الالتزام بجبر الخسارة في مقابل جبر بنسبة مالهم المشترك من ذلك المال، وهذا العقد لازم، ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كل في ضمنه خسارة كل واحد منهم، وحينئذ يكون جائزا لا لازماً". فإذا اتفق جماعة على تأسيس شركة يتكون رأس مالها من أموالهم على نحو الاشتراك واشترط كل منهم على الآخر في ضمن عقد الشركة أنه على تقدير حدوث حادثة (حدد نوعها) في ضمن الشرط على ماله أو حياته أو داره أو سيارته أو نحو ذلك أن تقوم الشركة بتدارك خسارته في تلك الحادثة من أرباحها وجب على الشركة القيام بذلك.

    ومن صور التأمين الأخرى التي ذكروها::"صحة التأمين المختلط مع الاشتراك في الأرباح التي تحصل للشركة من الاستفادة بالاتجار بتلك المبالغ المجتمعة من المشتركين سواء كان التأمين على الحياة بأن يدفع مبلغ التأمين عند وفاة المؤمن عليه أو عند انتهاء مدة التأمين، وللمؤمن الحق في الاشتراك في الأرباح حسب القرار، فيضاف نصيب كل من الأرباح إلى مبلغ التأمين، أو على جبر الخسارة مع الاشتراك في الأرباح كما ذكر، فإن ذلك شركة عقدية مع شرط أو شرائط سائقة، ولو كان من بعضهم العمل ومن بعضهم النقود وكان القرار نحو المضاربة صح أيضا عندي، لعدم اعتبار كون المدفوع في مال المضاربة الذهب والفضة المسكوكين، بل المعتبر كونه من النقود في مقابل العروض، وهذا العقد لازم إن لم يرجع إلى المضاربة، وإن كان عقد مضاربة في ضمنه التأمين فجائز من الطرفين.ولو التزم المؤمن بدفع إضافة على مبلغ التأمين فالظاهر أنه لا بأس به، كمن أمن على حياته عند شركة التأمين لمدة معلومة على مبلغ معلوم واستوفت الشركة أقساطا شهرية مقدرة في قبال التأمين وتلزم الشركة بدفع مبلغ إضافة على مبلغ التأمين ترغيبا لأهل التأمين، فإن تلك الزيادة ليست من الربا القرضي، لعدم كون أداء الأقساط قرضا، بل التأمين معاملة مستقلة اشترط في ضمنها ذلك، والشرط سائغ نافذ لازم العمل.

الفرع الثالث

الضمان في الفقه الإسلامي

    أولاً: تعريف الضمان ودليل مشروعيته

الضمان من مادة ضمن ، واضمين الكفيل، وضمن الشيء كفل به، وضمنه إياه كفله". وفي الإصطلاح: قال بعض الفقهاء: الضمان مأخوذ من الضم ، وقال المحقق الحلي: وهو الضمان عقد شرّع للتعهد بمال.

   ومما ذكروه في مشروعية الضمان: قال الشيخ الطوسي: الضمان جائز للكتاب والسنّة والإجماع، فقد قال تعالى في قصة يوسف (عليه السلام): "وَلِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ" وفي الحديث النبوي المشهور: الزعيم غارم، وقد أجمعت الامّة الإسلامية في جواز الضمان.

    ثانياً: شروط الضمان وأحكامه:

1-شروط العقد: "بما أنّ التعهد هناك من العقود اللازمة، ويشترط فيه أمور: الإيجاب ويكفي فيه كلّ لفظ دالّ عليه، بل يكفي الفعل الدالّ. والقبول من المضمون له، ويكفي فيه كلّ ما دلّ على ذلك من قول أو فعل". والتنجيز أي يجب أن يقع عقد الضمان منجزا ولا يصح إيقاعه معلقا".

2- يشترط في الضمان "تعيين الدَين وتعيين المضمون عنه إلىٰ مستوى رفع الترديد".

3-يشترط في المتعاقدين:" أن يكونا واجدين للشروط العامة المقرّرة في العقود اللازمة من العقل والاختيار وعدم الحجر وغيرها، ويشترط في المضمون له خاصّة عدم الإفلاس، ولا يشترط ذلك في الضامن، لأنّ المضمون له يتصرّف في المال والضامن يتصرّف في النفس والإفلاس يمنع من التصرّف في المال".

4- لا بد في الضمان: "من ثبوت الدين في ذمة المدين، سواء كان لازماً - كالقرض - أم متزلزلاً - كثمن المبيع في زمن الخيار - فمع عدم ثبوته لا يصح ضمانه، سواء تحقق سببه، كالجعل في الجعالة قبل العمل، أم لم يتحقق، كثمن المبيع قبل البيع. كما لا بد في الضمان أيضا من كون الحق ذمياً، ولا يجري في الأعيان المضمونة كالمغصوب. نعم تصح الكفالة في جميع ذلك من دون أن تبرأ بها ذمة من عليه الحق".

    ومن أحكام الضمان

1-ترامي الضمان:" يجوز الترامي في الضمان أي توالي الضمانات من شخص لأخر"؛ بأن يضمن زيد دين عمرو، ويضمن بكر عن زيد وهكذا، فتبرأ ذمة غير الضامن الأخير وتشتغل ذمته للدائن، فإذا أداه رجع به إلى سابقه وهو إلى سابقه وهكذا إلى أن ينتهي إلى المدين الأول، هذا إذا كان الضمان بإذن المضمون عنه، وإلا فلا رجوع عليه، فلو كان ضمان زيد بغير إذن عمرو، وكان ضمان بكر بإذن زيد وأدى بكر الدين، رجع به إلى زيد ولا يرجع زيد إلى عمرو .

2-انتقال الدَين وبراءة الذمّة:إنَّ الضمان ناقل للمال من ذمّة المضمون عنه إلىٰ ذمّة الضامن، فللمضمون له مطالبة الضامن بالمال، وليس له مطالبة المضمون عنه عند علمائنا.

3-زمان رجوع الضامن: ليس للضامن الرجوع على المضمون عنه في صورة‌ الإذن إلَّا بعد أداء مال الضمان.

4- إذا كان على الدين الثابت في ذمة المضمون عنه رهن، فهو ينفك بالضمان بانفكاك موضوعه، على أساس أن الدين ينتقل به من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن، فلا يبقى موضوع للرهن على الدين في ذمته، وكذلك ينفك بالضمان بالمعنى الثاني، فإن الضامن إذا تعهد بالأداء لو امتنع المدين عنه وجعله في عهدته ومسؤوليته، لم يبق موضوع للرهن والوثيقة .

5-الضمان على نحوين:"أحدهما الضمان بنحو النقل من ذمة إلى أخرى، وهو الضمان الذي تترتب عليه براءة المضمون عنه. والآخر: الضمان بمعنى التعهد بما في الذمة وجعل الذمة في عهدته، والعهدة غير الذمة على ما حققناه في محله، وهذا لا يوجب الإنتقال، وأثره : أنه يجب على الضامن تحصيل الدين للدائن ، أما بوفاء المدين أو بوفاء المتعهد، وكما يتصور هذا المعنى من الضمان في الدين يتصور أيضاً في الأعيان الخارجية الداخلة في عهدة غير المالك كالعين المغصوبة والمقبوض بالعقد الفاسد، بل فيما يترقب استحقاق الغير له أيضاً كمال الجعالة قبل العمل، بل حتى مع فرض عدم العهدة سابقاً، وعدم ترقب استحقاق الغير له بأن يكون نفس هذا الضمان، مولداً للعهدة فلا يكون هناك مضمون عنه، بل ضامن ومضمون له". يرى الشيخ الفياض في الضمان في البنوك:"فإن البنك لا يقصد ذلك، وإنما يقصد تعهده للدائن بالأداء وتحصيل الدين من المدين، ومن هذا القبيل إذا أخذ الشخص المسؤولية عن أداء الدين للدائن على عاتقه ، بأن يقول للدائن أنا مسؤول ومتعهد بأداء دينك ، وأنه سيؤدي إليك، فالضمان هنا ليس ضماناً لمبلغ الدين نفسه، وإنما هو ضمان لأدائه، مع بقاء الدين في ذمة المدين". 



المبحث الثاني

معالم البنك اللاربوي عند الشهيد الصدر

  يتكفل هذا المبحث بيان  الصورة العملية لفاعلية تلك التكييفات الفقهية، ومدى قابليتها على تحسين أداء عمل البنك وبأسلوب علمي منظم، لمعالجة الواقع المالي الفاسد، المتبع في الأنظمة الربوية، من خلال اعتماده للصور الشرعية، والتي قدمها الشهيد الصدر، ومن أهم المعالم التي يتميز بها البنك اللاربوي، عن غيره من البنوك الربوية، هو أن عمله يهدف إلى تحقيق الربح بدل الفائدة الربوية، ولكي يحقق غايته المنشودة لابد له من أسس وأنظمة مصرفية شرعية، تتناسب مع النظم الاجتماعية للمجتمع الإسلامي، ذكر الشهيد الصدر جملة من المطالب التي تناولها في فكرة البنك اللاربوي، تميزه عن البنك الربوي التقليدي، وذلك من خلال بيانٍ لأسسه، وأنماطه، وخصائصه، وهذه الموارد وغيرها تشكل مطالب هذا المبحث من الأطروحة، وهي كالآتي.. 

المطلب الأول

أسس البنك اللاربوي 

   ذكر الشهيد الصدر مجموعة من الأسس التي يتميز بها البنك اللاربوي عما سواه من البنوك الربوية، وعدها إلى أربعة أسس ومبادئ وهي..:

   أ: الاتّجاه إلى إبراز عنصر العمل البشري في النشاطات المصرفية بوصفه مصدرَ دخل، والاتّجاه عكسياً إلى الحدّ من دخل رأس المال.

ب: الاحتفاظ مهما أمكن بروح الوساطة في الدور الذي يمارسه البنك بين المودِعين والمستثمِرين، وصياغة موقفه القانوني منهم بصورةٍ تُجسّد الوساطة.

ج: استعداد البنك اللاربوي لتحمّل أعباء التجربة الجديدة في سبيل إشاعة الروح الإسلامية في نظام البنك اللاربوي، واستعداده للتضحية بشيءٍ من الربح، أو المخاطرة حين يتطلّب إنجاح الأطروحة شيئاً من ذلك.

د: البحث عن متنفَّسٍ للبنك اللاربوي يستطيع عن طريقه أن يمارس عمله الفريد النبيل في الاقتراض بلا فائدة، في عالمٍ يسوده نظام الربا والقروض بفوائد من أقصاه إلى أقصاه. وتقوم الفكرة في هذا المتنفّس على تمييز البنك اللاربوي في تعامله بين الجهات التي صنعت ذلك الوضع الشاذّ الربويّ في العالم".

المطلب الثاني

 شروط البنك اللاربوي وأشكاله عند الشهيد الصدر

الفرع الأول 

شروط البنك اللاربوي 

   ذكر الشهيد الصدر ثلاثة شروط أساسية للعمل بفكرة البنك اللاربوي، وهي:

الأول: أن لا يخالف أحكام الشريعة المقدّسة.

الثاني: أن يكون قادراً على الحركة والنجاح ضمن إطار الواقع المعاش بوصفه مؤسّسةً تجاريةً تتوخّى الربح.

الثالث: أن تمكّنه صيغته الإسلامية من النجاح بوصفه بنكاً ، ومن ممارسة الدور الذي تتطلّبه الحياة الاقتصادية والصناعية والتجارية من البنوك ، وما تتطلّبه الحياة الاقتصادية بكافة نواحيها.

الفرع الثاني

 أنماط البنك اللاربوي 

  ذكر الشهيد الصدر نمطين للبنك اللاربوي يشكلان نقطةٍ أساسيةٍ في هذه المحاولة، ويجب التمييِز بينهما بصورةٍ جوهريةٍ:

أ ـ الموقف العام والشامل للمجتمع وهو الموقف الذي يريد أن يخطط لبنك لا ربوي، ضمن تخطيط شامل للمجتمع، عند تسلّم زمام القيادة الشاملة لكلّ مرافق المجتمع، فهو يضع للبنك أطروحته الإسلامية كجزءٍ من صورةٍ كاملةٍ وشاملةٍ للمجتمع كلّه.

ب ـ الموقف الخاص لمَن يريد أن يخطّط لإنشاء بنكٍ لاربوي بصورةٍ مستقلّةٍ عن سائر جوانب المجتمع، أي مع افتراض استمرار الواقع الفاسد والإطار الاجتماعي اللاإسلامي للمجتمع، وبقاء المؤسّسات الربوية الأخرى من بنوكٍ وغيرها، وتفشّي النظام الرأسمالي مضموناً وروحاً في الحياة الاقتصادية والحياة الفكرية والخلقية للمجتمع.

    ومما تقدم فإنّ هناك إختلاف أساسي بين هذين الموقفين؛ فعلى مستوى الموقف الأوّل يطبَّق حكم الإسلام بتحريم الربا على البنك ضمن تطبيقٍ شاملٍ للنظام الإسلامي كلّه، وبذلك يؤتي تحريم الربا في مجال التطبيق كلّ ثماره المرجّوة، ولا يخلق مضاعفات، ويساهم مع باقي أجزاء النظام الإسلامي في تحقيق الأهداف الرئيسية التي يتوخّاها الإسلام في تنظيمه الاجتماعي.

    وأمّا على مستوى الموقف الثاني، فإنّ تحريم الربا سوف يطبّق على بنكٍ خاصّ، بينما يبقى غير مطبّقٍ على سائر المؤسّسات النقدية والمالية الأخرى، ويبقى كثير من جوانب النظام الإسلامي معطّلاً في واقع الحياة. وهذه التجزئة في مقام التطبيق سوف لن تسمح للتطبيق الجزئي المحدود لفكرة تحريم الربا أن يؤتي كلّ ثماره، ويحقّق نفس الأهداف والمكاسب التي بإمكانه أن يحقّقها لو وضع ضمن تطبيقٍ شاملٍ للنظام الإسلامي كلّه.لأنّ كلّ حكمٍ من أحكام الإسلام واجب التطبيق على أيّ حال، سواء طبّقت الأحكام الأخرى أم لا. وتطبيق كلّ حكمٍ يقرِّب المجتمع نحو إمكانية التطبيق الشامل للشريعة المقدّسة .

الفرع الثالث

 سياسة البنك اللاربوي

تتلخّص المعالم الرئيسية للسياسة المصرفية الجديدة التي تحدّد بموجب الأسس المتقدّمة فيما يلي: 

أ)) الاتّجاه إلى إبراز عنصر العمل البشري في النشاطات المصرفية بوصفه مصدرَ دخل، والاتّجاه عكسياً إلى الحدّ من دخل رأس المال 

ب)) الاتّجاه إلى الاحتفاظ مهما أمكن بروح الوساطة في الدور الذي يمارسه البنك بين المودِعين والمستثمِرين، وصياغة موقفه القانوني منهم بصورةٍ تُجسّد الوساطة.

ج)) استعداد البنك اللاربوي لتحمّل أعباء التجربة الجديدة في سبيل إشاعة الروح الإسلامية في نظام البنك اللاربوي ، واستعداده للتضحية بشيءٍ من الربح ، أو المخاطرة حين يتطلّب إنجاح الأطروحة شيئاً من ذلك ؛ لأنّ مؤسّسي البنك اللاربوي إذا كانوا يريدون أن يقدّموا أطروحةً جديدةً للعالم يُجسَّدون فيها بعض قيم الرسالة الإسلامية وروحها العظيمة فلا بدّ أن يتحلَّوا إلى جانب روحهم التجارية بروحٍ رساليةٍ ودوافع عقائديةٍ تجعلهم يُحِسّون دائماً بأنّ العمل الذي يمارسونه ليس مجرّد عملٍ تجاريّ لأجل الربح فحسب ، بل هو إضافةً إلى ذلك ـ لا بدلاً عن ذلك ـ أسلوب من أساليب الجهاد في حمل أعباء الرسالة ، والإعداد لاستنقاذ الأمة من أوضاع الكفر وأنظمته ، وكلّ جهادٍ يتطلّب التضحية ويفرض على المجاهد البذل والعطاء 

د)) البحث عن متنفَّسٍ للبنك اللاربوي يستطيع عن طريقه أن يمارس عمله في الاقراض بلا فائدة، في عالمٍ يسوده نظام الربا والقروض بفوائد من أقصاه إلى أقصاه، عن طريق تعامله بين الجهات التي صنعت ذلك الوضع الشاذّ الربويّ في العالم، فبينما يُحجِم البنك اللاربوي عن إقراض الأشخاص والهيئات بفائدةٍ تَعفُّفاً عن الربا يسمح لنفسه أن يودِع بفائدةٍ في بنوك أشخاص لا يؤمنون بالإسلام، أو بنوك حكومات لا تطبِّق الإسلام. فالبنك كمقرِض لا يأخذ فائدةً من المقترِض، ولكنّه كمودِع في تلك البنوك يمكنه أن يأخذ الفائدة؛ والمبرّر الواقعي لذلك هو أنّ الوضع الفعلي لهذه البنوك هو المسئول عن الحرج الذي يلقاه البنك المؤمّن في ممارسة نظامه اللاربوي" .



المبحث الثالث

وظائف البنك اللاربوي عند الشهيد الصدر

     لكي يقوم البنك بأعماله في مجال تقديم الخدمات والعمليات المصرفية بصفته كبنك، ويحقق الأرباح والمكاسب إزاء عمله هذا، والتي تعد المصدر الأساس لتوفير السيولة، عليه أن يقوم بخدمة قبول الودائع، والقروض والتسهيلات، وبقية الوظائف الإستثمارية الأخرى، والتي تعزز مكانته في مجال التنمية والإستثمار الاقتصادي، وهذا ما سنبحثه في هذا المبحث على نحو الإيجاز، من خلال المطالب الثلاثة الآتية..

المطلب الأول

من خدمات البنك اللاربوي المصرفية

الفرع الأول

 قبول الودائع المصرفية الثابتة

      أولاً: تعريف الوديعة وبيان خصائصها:

الوديعة :"هي عقد يفيد الاستنابة في الحفظ" .وقال السيد الخوئي: ومفادها (الوديعة) الائتمان في الحفظ .

   ومن خصائصها أنها عقد جائز لا لازم. وأنها لا يجوز التصرّف فيها: وذلك لأنَّ مقتضى العقد في الوديعة هو الحفظ، والتصرّف خارج عن مدلول العقد وغير مأذون فيه .

  يقول الشهيد الصدر:" إن العملية الأساسية التي تقوم بها البنوك بصورة عامة والتي تمثل نشاطه المهم هي قبول الودائع، ويصنّفها من أساس قدرة المودِع على سحبها ، فتكون الودائع على ثلاثة أصناف: ودائع ثابتة، ودائع توفيرويطلق عليها ودائع الأمد، وودائع تحت الطلب وهو ما يسمى بـ (الحساب الجاري).

      ثانياً موقف البنك اللاربوي من الودائع الثابتة:

 أما البنك اللاربوي فموقفه من الودائع التي يتقاضاها من العميل يقوم على أساس التمييز بين الودائع المتحرّكة والودائع الثابتة، فالودائع المتحرّكة يقبلها بوصفها قروضاً دون أن يدفع عنها فائدة، والودائع الثابتة يقبلها كودائع بالمعنى الفقهي للكلمة، ولكنّها ليست مجرّد ودائع مسلّمةٍ إلى البنك لاستنابته في حفظها، بل إلى جانب ذلك توكيلٌ من المودِع للبنك في التصرّف بالمال بإجراء عقد المضاربة عليه .

   وفي حال أراد المودع الحصول على نسبة من الربح فهناك تكييف فقهي لذلك منها ما يخص الودائع الثابتة ومنها ما يخص الودائع المتحركة، وذلك كالآتي: _

 إن البنك اللاربوي، يقبل الودائع تارةً بوصفها قروضاً مستحقة للوفاء من دون أن يدفع لأصحابها فائدة، وهذا ما يكون في الحساب الجاري (الودائع المتحركة)، وتارة يقبلها بوصفها ودائع بالمعنى الفقهي، ولكن يتصرف بها، لكن هذا التصرف كيف يسوغ ومعنى الوديعة (الأمانة)؟ ويرى الشهيد الصدر بأن هذه الودائع يقبلها البنك بوصفها ودائع لا تامة ولا ناقصة، وإنما هي قروض مستحقة الوفاء لأجل محدد، لأن ملكية العميل تزول نهائياً عن المبلغ الذي وضعه لدى البنك ، وهذا لا يتفق مع صفة الوديعة وطبيعتها، وإنما  أطلق اسم الودائع على تلك المبالغ التي تتقاضاها البنوك لأنها تاريخياً بدأت بشكل ودائع ثم تطورت من خلال تجارب البنوك واتساع أعمالها إلى قروض فظلت على عنوانها الأول، وإن فقدت المضمون الفقهي لهذا المصطلح.



الفرع الثاني

 قبول الودائع المتحركة (الحساب الجاري)

    أولاً: حقيقة الودائع المتحركة وتصنيف البنك اللاربوي لها: 

هذه الودائع باعتبار حركتها المستمرّة حسب حاجات المودِع يصعب على البنك توظيفها عن طريق المضاربة التي تجعلها أبعد ما تكون عن السيولة، لذا فإن البنك اللاربوي يكتفي بإيداعها بعنوان القرض، فتدخل في نطاق ملكية البنك، في مقابل التزامه بقيمتها متى طالب المودع بالوفاء، ولا يدفع البنك أيّ فائدةٍ على هذا القرض، كما أنّ البنوك الربوية لا تدفع أيضاً فائدةً على الودائع المتحرّكة. ويمكن للبنك أن يصنِّف الودائع المتحرّكة إلى عدّة أقسامٍ :القسم الأول: يحتفظ به البنك كسيولة نقدية، لضمان قدرته على مواكبة حركة الحسابات الجارية من ناحية، والمساهمة في تمكينه من تغطية طلبات المودِعين للودائع الثابتة في الآجال المحدّدة لسحبها. لقسم الثاني: يوظِّفه البنك عن طريق المضاربة مع مستثمِر، ويحتلّ البنك في هذه المضاربة مركز المضارِب، ولا يكون مجرّد وسيط، ويستأثر بما كان يحصل عليه المودِع والبنك معاً في المضاربات الأخرى. والقسم الثالث: يُعِدّه البنك للإقراض منه لعملائه.

ثانياً: الودائع المتحركة في الفقه الإسلامي: يعد الحساب الجاري من وجهة نظر الفقه الغربي عقداً قائماً بذاته يتّفق بموجبه البنك مع المودِع على أن تفقد الحقوق النقدية التي تنشأ بينهما ذاتيّتها الفردية وتستحيل إلى عناصر حسابية يتكوّن منها الحساب الجاري ، وينتج عنها في نهاية المدّة المتّفق عليها رصيد دائن يكون وحده مستحقّ الأداء ، ولذلك لا يقبل الحساب الجاري التجزئة .

   أمّا في الفقه الإسلامي فلا يحتاج تفسير الحساب الجاري وذوبان الفردية الذاتية إلى عقدٍ خاصّ ؛ لأنّنا إذا اعتبرنا سحب العميل من البنك عبارةً عن اقتراضٍ من البنك في مقابل إقراضه للبنك الذي تمّ بإيداع وديعة لديه ، فهناك دَينان متقابلان ، وتجري بينهما المقاصَّة القهرية دون حاجة إلى أيّ عقدٍ أو اتّفاقٍ مسبقٍ و ذلك لأنّ المقاصة إذا تحققت بالرأي الصحيح والسائد الذي يذهب إليه جميع فقهاء الإمامية والحنفية وغيرهم : فإنّ المقاصّة إذا تحقّقت شروطها جبريةً تقع بنفسها دون حاجةٍ إلى أيِّ عقدٍ أو اتّفاق ، ولا يبقى إلاّ ما يمثّل الفارق بين الرصيد الدائن والرصيد المدين .

   ثالثاً: خدمات تحصيل الشيكات

هو أحد أساليب الإيداع بأن يتقدّم أحد العملاء إلى البنك بشيكٍ مسحوبٍ لمصلحته على حساب محرّر الشيك في البنك، فيقوم البنك بخصم قيمته من حساب المسحوب عليه وترحيلها إلى حساب المستفيد بالشيك؛ بعد التأكّد من صحة الشيك.

ويمكن تكييف العملية نفسها على أساس حوالةٍ وبيع. أمّا الحوالة فهي حوالة صاحب الشيك للمستفيد على البنك المسحوب عليه، وبموجب هذه الحوالة يصبح المستفيد مالكاً لقيمتها في ذمّة البنك المحوَّل عليه. وأمّا البيع، فيمارسه المستفيد نفسه بعد أن أصبح مالكاً لقيمة الشيك في ذمّة البنك المسحوب عليه، إذ يبيع ما يملكه في ذمّة ذلك البنك بإزاء مبلغِ نقديّ يتسلّمه من البنك الذي دفع إليه الشيك لتحصيله، ويكون هذا من بيع الدين. وسواء كيَّفنا العملية فقهياً على أساس أنّها حوالتان أو حوالة بدَينٍ ثمّ بيع الدَين ، فإنّ كلّ ذلك صحيح وجائز شرعاً .







المطلب الثاني

تقديم القروض والتسهيلات

 الفرع الأول

تقديم القروض

     تقوم البنوك إلى جانب خدماتها السابقة بتسهيلاتٍ مصرفيةٍ وتقديم قروض.  ومصطلح التسهيل المصرفي أعمّ من مصطلح القروض في لغة البنوك ؛ لأنّ التسهيلات المصرفية تشمل ما كان من قبيل الكفالات والضمانات التي قد تنتهي إلى قرضٍ بالفعل ، وقد لا تنتهي إلى شيءٍ من ذلك . وتقسَّم القروض المصرفية عادةً إلى تسليفاتٍ طويلة الأجل، ومتوسّطة الأجَل، وقصيرة الأجَل. وتتّخذ عمليات التسليف هذه تارةً صورة قرضٍ عاديّ يتقدّم العميل بطلبه من البنك ويتسلّم بموجبه مقداراً محدّداً من النقود، وتتّخذ أخرى صورة فتح الاعتماد، ويقصد به وضع البنك تحت تصرّف عميله مبلغاً معيَّناً من النقود لمدّةٍ محدودةٍ بحيث يكون لهذا العميل الحقّ في أن يسحب منه من حينٍ إلى آخر. وفتح الاعتماد في الواقع هو وعد بقروضٍ متعاقبة، وفي كلّ ذلك تتقاضى البنوك الربوية فوائدَ على هذه القروض، وتعتبر هذه الفوائد فوائدَ ربويةً محرَّمة، ويجب على البنك اللاربوي تطويرها وانتهاج السياسة العامة التي وضعناها في أطروحة البنك اللاربوي للقروض، وهي تتمثّل:

أولاً: في تحويل ما يمكن من القروض والتسليفات إلى مضارباتٍ يتوسّط فيها البنك بين العامل وصاحب المال، أي بين المستثمِر والمودِع.

ثانياً: أن يقرض حيث لا يمكن تحويل الطلب إلى مضاربةٍ في حدودٍ خاصّةٍ 

ثالثاً: أن يشترط في القرض على المدين دفع أجرة المثل لقاء كتابة الدين وضبطه، وما يتوقّف عليه ذلك من تكاليف، ويلغى الزائد على ذلك من عناصر الفائدة فلا يطالب بها كفائدةٍ على القرض.

رابعاً: أن يشترط دفع مقدار الفائدة عند الوفاء ـ مطروحاً منه ما يقبضه بموجب الشرط السابق ـ كقرضٍ مؤجّلٍ إلى عدّة سنين.

خامساً: إذا تنازل المقترِض عن هذا المقدار ودفعه كحَبوةٍ للبنك لا كقرضٍ اعتبره البنك زبوناً من الدرجة الأولى، وقَدَّم طلبه للقرض في المرّة التالية على غيره ممّن لم يتنازل عن ذلك المبلغ ودَفَعه قرضاً لا حبوة.

الفرع الثاني

خصم الأوراق التجارية

     أولاً: حقيقة خصم الأوراق: 

  خصم الأوراق التجارية هو شكل من أشكال التسليف المصرفي؛ إذ يتقدَّم المستفيد بالورقة التجارية ذات الأجَل المحدود قبل حلول موعد وفائها إلى بنكٍ معيَّنٍ ليحصل على قيمتها، فيدفع له البنك قيمتها بعد استنزال مبلغٍ معيّنٍ يتَكوَّن من فائدة المبلغ المذكور في الورقة التجارية من يوم الدفع حتّى يوم الاستحقاق، ومن عمولةٍ خاصّةٍ يتقاضاها البنك نظير الخدمة التي يؤدّيها، ومن مصاريف التحصيل التي يتقاضاها البنك إذا كانت الورقة التجارية تدفع في مكانٍ غير المكان الموجود به. وأنّ عملية خصم الورقة التجارية هي في الواقع تقديم قرضٍ من البنك إلى المستفيد لتلك الكمبيالة ـ مثلاً ـ مع تحويل المستفيد البنك الدائن على محرّر الكمبيالة. وهذا التحويل من الحوالة على المدين.  وهناك عنصر ثالث إلى جانب القرض والتحويل، وهو تعهّد المستفيد الذي خصم الورقة لدى البنك بوفاء محرّر الورقة عند حلول أجلها، فبحكم القرض يصبح المستفيد مالكاً للمبلغ الذي خصم البنك به الكمبيالة، وبحكم الحوالة يصبح البنك دائناً لمحرّر تلك الكمبيالة، وبحكم تعهّد المستفيد بالوفاء يحقّ للبنك أن يطالبه بتسديد قيمة الكمبيالة إذا تخلّف محرّرها عن ذلك عند حلول موعدها، وبحكم كون المحرّر مديناً للبنك نتيجةً للتحويل يتقاضى البنك منه فوائد على تأخير الدفع عن موعده المحدّد. وعلى هذا الأساس يصبح ما يقتطعه البنك الخاصم للكمبيالة من قيمة الكمبيالة لقاء الأجل الباقي لموعد حلول الدفع ممثّلاً للفائدة التي يتقاضاها على تقديم القرض إلى المستفيد الطالب للخصم، وهو محرَّم؛ لأنّه ربا  . وأمّا ما يقتطعه كعمولةٍ لقاء الخدمة أو لقاء تحصيل المبلغ إذا كان يدفع في مكانٍ آخر فهو جائز؛ لأنّ العمولة لقاء الخدمة هي أجرة كتابة الدين؛ التي تقَّم أنّ بإمكان البنك أن يتقاضاها في كلّ قرضٍ يقدِّمه. وأمّا العمولة لقاءَ تحصيل المبلغ في مكانٍ آخر ، فهي من حقّ البنك أيضاً ؛ نظراً إلى أنّ البنك بخصم الكمبيالة أصبح دائناً للمستفيد الذي خصمت له الورقة بعقد القرض ، ومن حقّ الدائن المطالبة بالوفاء في نفس المكان ، فإغراؤه بإسقاط هذا الشرط لكي يحوِّل على دينٍ في مكانٍ آخر يمكن أن يتمّ بفرض جعالةٍ له وعلى هذا الأساس فإذا أردنا أن نلغي من عملية خصم الكمبيالة ، التي تقع فعلاً ، ما ينافي الشريعة الإسلامية منه ، فيجب أن نلغي ما يخصمه البنك من قيمة الكمبيالة ، إلاّ ما كان منه لقاءَ خدمته ولقاءَ تنازله عن مكانٍ معيّن ، ونستبدل الخصم الذي ألغيناه بأسلوبَي القرض المماثل والحَبوة .

    ولكنّ هذا البديل لا يكفي لوقاية البنك ؛ لأنّ البنك إذا أمكنه أن يشترط على من يتقدّم إليه طالباً خصم الكمبيالة تقديم قرضٍ مماثلٍ قد يتحوّل بعد ذلك إلى حَبوة ، فليس بإمكانه أن يتّخذ نفس الأسلوب تجاه محرّر الكمبيالة الذي أصبح مديناً للبنك بموجب حوالةٍ ضمنيّةٍ من المستفيد للبنك عليه ؛ لأنّه لم ينشأ بين البنك وبين محرّر الكمبيالة أيّ عقدٍ لكي يفرض عليه في ذلك العقد شروطه .

  و تكييف عملية الخصم من الناحية الفقهية من عناصر ثلاثة ، وهي : القرض ، والحوالة ، والتعهّد ، يمكن أن تكيَّف على أساسٍ آخر ، فيفرض فيها قرض يتمثّل في المبلغ الذي يتسلّمه المستفيد من البنك عند خصمه للكمبيالة ، وتوكيل من المستفيد للبنك في تحصيل قيمة الكمبيالة من محرّرها عند حلول موعدها ، واقتطاع قيمة الدين الذي حصل عليه المستفيد فعلاً من قيمة الكمبيالة ، ومن حقّ البنك أن يأخذ من قيمة الكمبيالة ما يساوي أجرة المثل على كتابة الدين وما تتطلّبه من نفقات وعلى تحصيل الدين الذي تمثّله الكمبيالة من محرّرها .وبناءً على هذا التكييف لعمليات الخصم يظلّ محرّر الكمبيالة مديناً للمستفيد الذي خصم تلك الورقة ، لا للبنك وإنّما البنك دائن للمستفيد ووكيل عنه في قبض قيمة الكمبيالة عند موعد حلولها ، وحينئذٍ يستعمل البنك مع المستفيد الذي خصم الورقة له أسلوبَ اشتراط القرض المماثل الذي قد يتحوّل حين الدفع إلى حبوةٍ.

    ثانياً: هناك اتّجاه فقهيّ إلى تكييف عملية خصم الكمبيالة على أساس البيع؛ وذلك بافتراض أنّ المستفيد الذي تقدّم إلى البنك طالباً خصم الورقة يبيع الدين الذي تمثّله الورقة، وهو مثلاً [100] دينارٍ بـ [95] ديناراً حاضراً، فيملك البنك بموجب هذا البيع الدَين الذي كان المستفيد يملكه في ذمّة محرّر الكمبيالة لقاءَ الثمن الذي يدفعه فعلاً إليه، فيكون من بيع الدين بأقلّ منه. وعلى أساس هذا التكييف لعملية الخصم يتّجه كثير من الفقهاء إلى جوازه شرعاً؛ لأنّ بيع الدين بأقلّ منه جائز شرعاً إذا لم يكن الدين من الذهب أو الفضة، أو مكيل أو موزون آخر. ونظراً إلى أنّ الدين المباع بأقلّ منه .

الفرع الثالث

تكييف خصم الكمبيالة على أساس البيع 

     إن أغلب الفقهاء يرون جواز خصم الكمبيالة على أساس البيع أي بيع الدين نقداً بأقل منه مؤجلاً، ومنهم السيد الخوئي والسيد السيستاني، ويرى السيد الخوئي جواز ذلك ويصح الصلح في الدين المؤجل بأقل منه، إذا كان الغرض إبراء ذمة المديون من بعض الدين، وأخذ الباقي منه نقداً هذا فيما إذا كان الدين من جنس الذهب أوالفضة أو غيرهما من المكيل أو الموزون، أما في غير ذلك فيجوز البيع والصلح بالأقل من المديون وغيره. وعليه فيجوز للدائن تنزيل الكمبيالة في المصرف وغيره في عصرنا الحاضر لأن الدنانير الرائجة ليست مما يوزن أو يكال.

      يقول السيد الخامنئي:"أن العملة الورقية من حيث إنها عملة رائجة يتعامل بها لا تعد بضاعة قابلة للبيع والشراء ولا يصح بيعها وشراؤها بأقل منها أو بأكثر نقدا أو نسيئة، فكيف بالورقة التي تعبر عن مبلغ منها من الصك أو الكمبيالة، تكون مثل هذه المعاملة الصورية للفرار من الربا القرضي محرمة وباطلة شرعاً".  ويرد على ذلك السيد السيستاني: بأن الأوراق النقديّة بما أنّها من المعدود يجوز بيع بعضها ببعض متفاضلاً مع اختلافهما جنساً نقداً ونسيئة، فيجوز بيع خمسة دنانير كويتيّة بعشرة دنانير عراقيّة مطلقاً. وأمّا مع الاتّحاد في الجنس فيجوز التفاضل في البيع بها نقداً، وأمّا نسيئة فالأحواط لزوماً تركه. ولا بأس بتنزيل الصكوك نقداً، بمعنى أن المبلغ المذكور فيها إذا كان الشخص مديناً به واقعاً جاز خصمها في المصارف وغيرها بأن يبيعه الدائن بأقلّ منه حالّاً ويكون الثمن نقداً. 

     أما الشهيد الصدر فلا يرى ذلك ولا يراه كافياً ووافقه على ذلك الشيخ الفياض، وآخرون: إنّ أصل تخريج خصم الكمبيالة على أساس بيع الدين بأقلّ منه موضع بحث؛ لأنّ هذا المبلغ وإن لم يكن ربوياً؛ لأنّ الدين المبيع ليس من الذهب والفضة، ولكن هناك روايات خاصّة دلّت على أنّ الدائن إذا باع دينه بأقلّ منه فلا يستحقّ المشتري من المدين إلاّ بقدر ما دفع إلى البائع، ويعتبر الزائد ساقطاً من ذمّة المدين رأساً. وهذا يعني أنّ البنك ـ إذا فسّرنا عملية الخصم لديه بأنّها شراء للدين بأقلّ منه ـ لا يستحقّ على المدين إلاّ بمقدار ما دفع، ويعتبر تنازل الدائن عن الزائد لصالح المدين دائماً لا لصالح المشتري وإن قصد الدائن ذلك. ومن تلك الروايات: خبر أبي حمزة، عن الإمام محمد بن علي الباقر (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل كان له على رجلٍ دَين فجاءَه فاشتراه منه بعوض، ثمّ انطلق إلى الذي عليه الدين فقال: أعطني ما لفلان عليك فإنّي قد اشتريته منه، كيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال الإمام: (يردّ الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين) ، وخبر محمد بن الفضيل، قال: قلت لعلّي بن موسى الرضا (عليه السلام): رجل اشترى ديناً على رجلٍ ثمّ ذهب إلى صاحب الدين فقال له: ادفع إليّ ما لفلان عليك فقد اشتريت منه، قال الإمام (عليه السلام): (يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين، وبرئ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه)  .

   بعد ذلك الإستدلال يبدي الشهيد الصدر رأيه:"لا أنسجم نفسياً ولا فقهياً مع الأخذ بالرأي المعاكس، ولا أجد في نفسي وحدْسي الفقهي ما يبرِّر لي بوضوحٍ ترك هاتين الروايتين والأخذ برأي يناقضهما. وعلى هذا الضوء فليس بإمكان البنك اللاربوي أن يمارس عملية خصم الكمبيالة على أساس شراء الدين بأقلّ منه ثمّ يستأثر بالمقدار المخصوم لنفسه؛ لأنّ بيع الدين بأقلّ منه ينتج دائماً بموجب الروايات المتقدّمة سقوط الزائد من ذمّة المدين وبراءَتها منه. وقد ذكر الشيخ الفياض ثلاثة وجوه لمشروعية أخذ البنك للعمولة لقاء هذه الخدمة:

1-يمكن تكييف خصم الكمبيالات فقهياً على أساس اشتراط البنك على المستفيد في عقد الشراء هبة مبلغ محدد من قيمة الكمبيالة، بأن يقول له: اشتري منك الدين الذي تمثله الكمبيالة بنفس قيمته بدون أي نقيصة مشروطا، بان تهب لي من قيمتها مبلغا محددا بعد الشراء نقدا، وحينئذ فان وفى بالشرط فهو المطلوب، وإلا فله فسخ الشراء، ولا بأس بهذا التكييف والتخريج شرعاً.

2-ويمكن تكييف هذه العملية وتخريجها فقهيا، على أساس ان المشتري - كالبنك - يشترط على المستفيد في عقد الشراء عملا، كخياطة ثوب أو كتابة شيء أو قراءة القرآن أو غير ذلك لقاء شرائه الدين الذي تضمنته الكمبيالة بنفس قيمته من دون اي نقص فيها، فان قبل المستفيد الشرط وجب عليه الوفاء به، وإلا كان له فسخ الشراء.

3-ان البنك يشتري الدين الذي تضمنته الكمبيالة بما يساوي قيمته، ولكنه يقتطع من القيمة مبلغا معينا، كعمولة لقاء الخدمة أو لقاء تحصيل المبلغ إذا كان يدفع في مكان آخر؛ لان العمولة لقاء الخدمة - كأجرة كتابة الدين وتسجيله في السجلات وحفظه - جائزة، ولهذا يكون بإمكان البنك ان يتقاضاها في كل قرض يقدمه لقاء تلك الخدمة، وحينئذ فيجوز هنا للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء تحصيل قيمة الكمبيالة وتسجيلها بعنوان اجرة الكتابة وغير ذلك.


المطلب الثالث

من وظائف "الإستثمار" للبنك اللاربوي

   ويقصد بالاستثمار توظيف البنك لجزءٍ من أمواله الخاصّة أو الأموال المودَعة لديه في شراء الأوراق المالية، والتي تكون غالباً على شكل سنداتٍ توخّياً للربح وحفاظاً على درجةٍ من السيولة التي تتمتّع بها تلك الأوراق المالية؛ لإمكان تحويلها السريع إلى نقودٍ في أكثر الأحيان. واتّجار البنك بالسندات يعتبر من الناحية الفقهية كاتّجار أيّ شخصٍ آخر بشراء وبيع تلك السندات.

الفرع الأول

بيع وشراء الأوراق المالية 

 هي الأسهم والسندات. والسهم يمثّل جزءاً من رأس مال الشركة المساهمة، والسند صكّ يمثّل جزءاً من قروض الحكومة أو الهيئات الرسمية أو غير الرسمية. وتصدَّر الأوراق المالية بقيمة اسميةٍ محدّدة، وتتغيّر أسعارها بعد ذلك كسائر السلع.

الذي يمثّل الخدمة المصرفية بهذا الشأن ، وهو توسّط البنك في بيع وشراء الأوراق المالية تنفيذاً لأوامر عملائه في البيع والشراء ، فإنّ العملاء الذين يرغبون في التعامل في الأوراق المالية يسلِّمون أوامر البيع والشراء إلى البنك ، وبعد أن يتأكّد البنك من سلامة الأوامر وصحّة التوقيعات ووجود أرصدةٍ دائنةٍ أو اعتماداتٍ مَدينةٍ في حساباتهم تسمح بتنفيذ تلك الأوامر ، يبدأ بالاتّصال بالبورصة للوقوف على سير الأسعار وإنجاز الشراء أو البيع ، إذا كان السعر بالنحو المرغوب فيه للعميل عن طريق سماسرة الأوراق المالية أو ممثّلٍ خاصّ للبنك . وهذا الدور الذي يقوم به البنك في التوسّط في بيع وشراء الأوراق المالية يرتبط بنفس بيع وشراء تلك الأوراق، فإذا كان بيع وشراء تلك الأوراق جائزاً شرعاً أمكن التوسّط لإنجاز عمليات البيع والشراء وأخذ عمولةٍ على ذلك؛ لأنّها أجرة على عملٍ سائغ. وأمّا إذا لم يكن بيع وشراء تلك الأوراق مسموحاً به شرعاً، فيعتبر التوسّط في ذلك توسّطاً في أمر غير جائز، ولا يجوز أخذ العمولة عليه.

الفرع الثاني

 حفظ الأوراق المالية

   قد يودِع العملاء لدى البنك أوراقهم المالية للمحافظة عليها والقيام بخدمتها ، فتُهيِّئ البنوك خزائن محكمةً لحفظ تلك الأوراق ، لقاء أجر حفظٍ يتقاضاه البنك من مودِعي تلك الأوراق ، وهو يستفيد ـ إضافةً إلى ذلك ـ المزيدَ من ربط عملائه به وميلهم إلى إيداع أموالهم لديه .والحفاظ على الأوراق المالية أمر جائز ، ويمكن للبنك أن يتقاضى أجرة عليه . وأمّا القيام بخدمة تلك الأوراق فيني التأمين على المستندات، وصرف المستهلك منها، واستبدال الأوراق المجدّد إصدارها، وكلّ ذلك جائز ، ويمكن للبنك أخذ جُعالةٍ على هذه الخدمات.

الفرع الثالث

خدمات أخرى يقوم بها البنك بخصوص الأوراق

ومن الخدمات التي يقوم بها البنك بشأن الأوراق المالية: 

1- تحصيل كوبوناتها نيابةً عن العملاء، وأخذ الجُعالة أو الأجرة عليها إن كان الربح ربحاً تجارياً ـ كربح الأسهم ـ جاز ذلك، وإن كان ربحاً ربوياً ـ كفوائد القروض التي تمثِّلها السندات ـ فلا يجوز. 

2- وقيام البنك بدفع قيمة الكوبونات نيابةً عن الشركة جائز شرعاً إذا كان الربح مشروعاً، كقيامه بتحصيل قيمة الكوبون نيابةً عن العميل المودِع لأوراقه المالية لدى البنك. لا يجوز له أن يأخذ عمولةً على مجرّد دفع الأرباح إلى المساهمين، إلاّ إذا كان قد اشترط البنك منذ البدء على دائِنيه أن لا يحوَّل عليه إلاّ بإذنه، فيأخذ عمولةً لقاء إسقاط هذا الشرط..



















خلاصة الفصل الثالث

   و مما تقدم فإن ما ذكر من التخريجات الفقهية وعلى أيدي فقهاء معاصرين ، لهو خير دليل على عدم جواز الربا الإستثماري، بالطريقة التي أخذ بها العلماء والمحدثين من فقهاء وأصوليين ومفسرين وإقتصاديين وقانونيين . وأن الربا الإستثماري هو الأولى بالحرمة من غيره، وذلك لأن اطلاق الأدلة تشمل جميع أنواع الربا حتى يوم القيامة، هذا من جهة ، ولفداحة آثاره وشدتها وما تؤول إليه هكذا إستثمارات ، ومن أهمها الأزمة المالية لعام 2008م ، والتي عصفت بالعالم ومازالت الشعوب تإن من ويلاتها، وما هو عليه الوضع العالمي لجميع بلدان العالم من الفوضى وعدم الاستقرار.والحل الوحيد للمضي بالتنمية الاقتصادية والإستثمار، يكمن الأخذ بالتخريجات الفقهية التي ذكرها الفقهاء وخاصة تلك التي أشار إليها السيد الشهيد من البدائل ، سعياً منه لإصلاح أمور المسلمين وعلو شأنهم، إذا ما أخذوا بها ، وخلصوا أنفسهم وشعوب العالم أجمعين..



 

الخاتمة

   تتضمن الخاتمة بيان مجموعة من النتائج والتوصيات التي توصلت إليها هذه الدراسة وهي: 

       أولاً: النتائج:

1—إن موضوع البحث في هذه الأطروحة هو "الربا الإستثماري" وهو من المواضيع المهمة التي أضحت اليوم من الظواهر الاجتماعية الخطرة، والتي يروج لها على أنها من مقتضيات التحولات الاقتصادية والإجتماعية الضرورية، وأنها من أفضل طرق المشاركة في تنمية الاقتصاد في المجتمعات البشرية المتطورة.

2- إن الربا الإستثماري (الفائدة) في أصلها ربا، ووسيلة من وسائل التحايل على الربا، بمعنى ستر حقيقة الربا بمظهر آخر، لإضفاء اسم آخر غير اسم الربا.

3- إن آثار الربا الإستثماري هو أنه يتسبب في حدوث الأزمات، ومنها بل أخطرها الأزمة المالية المعاصرة يعود سببها، إلى جملة من الأسباب ترتبط بشكل واضح بآلية عمل النظام الرأسمالي وقد كان أولها الركود الإقتصادي، في ظل تدني مستوى الرقابة على المؤسسات المالية.

4 -إن الفوائد هي تعويض تولى القانون بنفسه تحديد مقداره رغبة منه في محاربة الربا الفاحش فعمد إلـى تحديد الفائدة في المسائل المدنية وفي المسائل التجارية وذلك قطعا للنزاع والاستغلال من جانب الدائن لمدينه، وأنه تعويض خرج فيه المشرع على القواعد العامة للمسؤولية فالقواعد العامة في المسؤولية تقضي توفر أركان الخطأ والضرر والعلاقة السببية بينما الملاحظ أن مجرد التأخير يعتبر خطأ موجب للمسؤولية، وان الضرر افتراض غير قابل اثبات العكس إضافة إلى افتراض العلاقة السببية بين الخطأ والضرر. 

5- أن الفوائد يبدو أنها جاءت بتشريع واستثناءات أجازتها الكنيسة، وأن أهم الإشكالات في القول بجواز الربا الإستثماري هو أن المشرع الفرنسي إذا استلهم الفكرة من القانون الروماني فلا حرج عليه لكن المشرع المصري والعراقي والذي يدين بالإسلام وأن الدستور ينص على أن الدين هو الإسلام ولا يجيز تشريع أنظمة قانونية تخالف التشريع الإسلامي، فما هو المسوغ لهذه التبعية؟!

6- إن دراسة موضوع الإستثمارمن منظور إسلامي هو دراسة أصيلة في المستقبليات، ويتوافر فيها كل مقومات وعناصر الدراسة المستقبلية وعلى المسلمين أن يخططوا لمستقبلهم على أساس الإسلام لأنه إلى جانب صلاحيته وكفائته، فإنه يحفظ لهم خصوصيتهم بين أمم الأرض، كيف لا وهو نظام لا يقبل المقابلة بأي نظام وضعي، مما قد عرفته البشرية ولا شك في ذلك فهو من وضع الخالق تبارك وتعالى.

7- إن الصراع بين النظريات المناصرة للفائدة من جهة و النظريات المعادية من جهة أخرى سوف يبقى ينهك قوى المتخاصمين، ونعتقد أيضاً أن حقيقة الربا لن تختفي بسهولة ولا في أجل، ولقد فرضها أنصارها عبر القرون بواسطة القوة، أكثر مما فرضوها بواسطة الحجج العملية والمنطق السديد.

8-تشترك النظريات الاقتصادية الرأسمالية وغيرها من المحاولات الشرعية في توجيه الفائدة على أنها نوع من المضاربة، فكما أن الربح يسمح به في المضاربة، ومما لا إشكال فيه، فكذلك يكون الحال بالنسبة لصاحب رأس المال له ذلك لما يتحمل جراء المخاطرة برأس ماله من الخسارة وغيرها.

9-إن المعيار الدقيق للتفرقة بين الربح والفائدة الربوية هو في الأسباب الثلاثـة التـي بهـا يُستحق الربح وهي: المال والعمل والضمان.

 10-حتى الضرورة والحاجة، في مجال الربا الإستثماري، لا تتحقق شروطهما التي عليها الفقه الإسلامي، للقول بجوازه.


11- إن فلسفة تحريم الربا الإستثماري، من وجهة النظر الاقتصادية والفقهية تقوم على عدم وجود فرق بين أقسام الربا من حيث الإجحاف والظلم وإيجاد مجتمع طبقي، ومنع إجراء العدالة الإسلامية. 

12-تبين من خلال الدراسة بطلان جميع النظريات التي تقول بجواز الربا الإستثماري واستثناؤه من الحرمة لا دليل ثابت عليها.

13- تأتي هذه الدراسة لتسهم مساهمة متواضعة في ترسيخ إتجاه مهم في الربط بـين الفقـه الإسلامي وعلم الإقتصاد، وذلك في موضوع يشترك فيه العلمان وهو: " الاستثمار ".

14- مما لا جدال فيه أن للاقتصاد دوراً هاماً وعظيماً في توجيه مسارات التاريخ وحيـاة الأمـم والشعوب في العصر الغابر والحاضر والمستقبل، ولذا خصه الإسلام بعناية عظيمة واهتمام كبير يتناسب ومكانته الخاصة في حياة المسلم؛ ومن هذا المنطلق أخذ الفقهاء والعلماء على عاتقهم وضع الحلول والتكييفات الفقهية لا خراج الإستثمار من الربا المحرم شرعاً، بنحو يربط واقع البحث الفقهي بواقع الحياة لاكتشاف بعض ملامح العقل الاجتهادي لعلماء الشيعة الإمامية، وغيرهم وما يحمله في داخله من اجتهادات متنوعة وآراء مع عرض مبسّط لأدلتها.

15- هذه الدراسة ركزت على آراء بعض فقهاء الذي يمثّلون الدرجة الأولى من الاجتهاد في عالـم الفكر الاجتهادي الفقهي، محاولة لاستقراء مختلف الاجتهادات والإبداعات الفقهية التي ابتكرها العلماء وبيان أثرها على العالـم الفقهي

16-  نحن نعتقد وبشدة أن التشريع الإسلامي لديه الحلول النظرية التي لم تجد طريقها إلى التطبيق ولكن فشل المترجمين لأفكار الإسلام من جهة، وإفشال الأعداء من خلال برامجهم وخططهم المضادة من جهة أخرى، يضعنا أمام المسؤولية للبحث في الربا الاستثماري لكونه من المواضيع التي رافقت البشرية على مدى القرون، بالإعتماد على مصادر الفهم والنظر والتحقيق: المنطق، والتجربة، والنصوص التشريعية المقدسة، لأنها تتعاون فيما بينها للتوصل إلى فهم أفضل للإنسان والكون والحياة؛ وكما قال عز وجل شأنه:" يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ".وكذلك قوله تعالى:" وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ "..فعلينا أن نعيد نظرية الإسلام في الفائدة والربا .

     ثانياً: التوصيات

1- توصي الدراسة بوضع نقطة حاسمة لموقف المشرع العراقي فهو اما ان یقر بالفائدة ویطبق النصوص العقابیة ویلغي نص الفقرة (أ) من الدستور، او یلغي الفائدة اصلاً وھو الأفضل فهو یدعي بنص الدستور أن الإسلام ھو دین الدولة الرسمي فكیف یأخذ بالفائدة التي لطالما حرمها الإسلام.

2-الطلب من القطاع المصرفي الربوي العامل خصوصاً بإلغاء التعامل بالفائـدة، واعتماد بدائلها في الاقتصاد الإسلامي، وذلك من خلال البدء بإجراءات التحول من العمل المصرفي الربـوي إلى العمل المصرفي الإسلامي، والاستعانة بما قدمه الشهيد الصدر في أطروحة البنك اللاربوي.

3- تدخل الدولة في الإقتصاد: يجب تفعيل دور الدّولة في الرقابة على المعاملات والأسواق، لمنع كافة صور وأشكال أكل أموال الناس بالباطل.

4-توصي الدراسة الباحثين بالإهتمام بهذا الموضوع وجزئياته وتعميق البحث فيه وسد النقص في الدراسات الفقهية فيه لأهميته الاقتصادية والفقهية بوصفه محوراً يقوم عليه فقه المعاملات ومحركاً لتحقيق التنمية، من خلال الأخذ بالحلول الفقهية التي تعرض لبيانها الفقهاء لإخراج الربا الإستثماري من إطار حرمة الربا.

 

 

توطئة

في مفردة الربا الإستثماري

     تتضمن التوطئة بيان لفكرة تبلور مفردة "الربا الإستثماري"، وأسباب تجليها في الأوساط الاقتصادية ثم الفقهية، كأساس للقول بحصر حرمة الربا بأحد  أنواع الربا وهو الربا الإستهلاكي دون " الربا الإستثماري"، ولذا صار من اللازم أن نعرف نبذة تاريخية فيما يتعلق بها ، خاصة وأنها تتعارض و صريح القرآن الكريم؛ ففي قوله تعالى:" وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِل"، ولعديد من الروايات والتي منها ما يدل على حرمة الربا على الناس أجمعين وإلى يوم الدين، وذلك فيما  روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) أنه قال:" إعلم يرحمك الله أن الربا حرام سحت من الكبائر، ومما قد وعد الله عليه  النار، فنعوذ بالله منه ، وهو محرم على لسان كل نبي وفي كل كتاب". 

    فالربا كان شائعاَ في شبه الجزيرة العربية و كان اليهود ممن يعمل ويروج له في الحجاز آنذاك ، ومن أهم الأسباب التي دفعت اليهود للتطلع نحو الشرق الأوسط المزدهر ( *) .وهو مما أكدته معاهدة الصلح التي عقدها الرسول (صلى الله عليه وآله) مع مسيح نجران إذ جاء فيها :" من أكل منهم ربا من ذي قبل فذمتي منه بريئة " . فحرمة الربا لم يقتصر على الإسلام وحده، بل كان محرماً لدى الأقوام و الديانات السابقة:" التوراة المتداولة حالياً  و المحرفة إنما تحرم على اليهود أخذ الربا من ابناء عقيدتهم فقط ، ولا تعتبر أخذه من الديانات الاخرى حرام عليهم " .

    وحول قطعية حرمة الربا في الديانة المسيحية ينقل البدوي عن الدراز: " أجمع  رجال الكنيسة ورؤساؤها كما اتفقت مجامعها على ان هذا التعليم الصادر من السيد المسيح (عليه السلام) يُعد تحريماً قاطعاً للتعامل بالربا "، الأمر الذي ما يستنتج منه أن حرمة الربا في التشريع الإسلامي إمضائية وليست تأسيسية "..

    وفي سيرة العقلاء يذكر: كان للفلاسفة دورٌ في بيان حرمة الربا أيضاً ومنهم: أرسطو (* ): كان حقاً علينا ان نستنكر الربا لانه طريقة كسب تولدت عن النقد نفسه وهي تمنعه مما وجدت لأجله لان النقد لا ينبغي ان يكون الا للمعاوضة والربح منها والفائدة او الربا هي نقد تولد عن نقد، وهذا النوع من الكسب هو من بين ضروب الكسب كلها، الكسب المضاد للطبع ... وإن الربا كسبٌ مضادٌ للفطرة المستقيمة، لأن النقود انما خلقت لتكون مقاييس للسلع و ضوابط لقيمها و طريقاً لجلبها و ليست وحدها نتيجة شيئاً لأن النقد لا يلد النقد.. ويؤيد ذلك: أننا نجد هناك مساعي مشابهة للحد من حرمته لبعض ممن يدين بالديانة الإلهية، لإخراج بعض العقود والمعاملات من عموم حرمة الربا، فقد ورد أن ممن قال بتقسيم الربا إلى الربا الإستثماري والإستهلاكي، قبل المسلمين بعض من علماء المسيح...وذلك في القرن الثالث عشر ومع حصول الثورة الصناعية وازدهار التجارة وما يترتب على ذلك من الحاجة إلى الأموال، وإعراض أصحاب الأموال من إقراض المحتاجين لها، الأمر الذي دفع الكنيسة للنظر في مسألة حرمة الربا والقول بجوازه في الربا الإستثماري، ومنهم:

1. سن توماس اكويني (* ) يرى: إن الذي يعهد بماله إلى تاجر أو حرفي ، بقصد الدخول معه في شركة ، لا يحول  قطعاً هذا التاجر أو الحرفي حرية التصرف بماله ، بل يحتفظ لنفسه بهذا الحق بحيث يتجر التاجر ويحترف الحرفي على عاتق المالك، أي على مسؤوليته، وبهذا يمكن للمالك أن يطالب شرعاً بجزء  من الربح المتحقق باعتبار هذا الجزء متولداً عن ماله الذي قدمه.

 فالخطر كان في نظر توما ، هو المبرر للربح الذي يعود إلى الشريك المالك، أما الآن فيريد هؤلاء ممن يجيز الربا الإستثماري ( الفائدة)، أن يروا في الخطر تبريراً للربح (الفائدة) الذي يعود للدائن المقرض، وهذا ما يقلب فكرة سان توما رأساً على عقب .

2. كالفان(* ): وهو من أنكر عقم النقد الذي قال به أرسطو؛ ويرى أن فائدة القرض ليست محرمة إلا إذا تجاوزت تعرفة معتدلة، أو طولب بها الفقراء.. والنقود يمكن جعلها منتجة، عندما نشتري أرضاً بالنقد فهذا النقد في شكل دخل عقاري، هو الذي ينتج في الحقيقة مبالغ أخرى سنوية من النقود، صحيح أن النقد هو عقيم عندما يبقى غير عامل، لكننا لا نقترضه لكي نتركه معطلاً بدون استثمار؛ وعليه فالمدين لا يكون مظلوماً ولا مستغلاً لو دفع فوائد من أصل الربح الذي يحصل عليه بواسطة هذه النقود المقترضة... وفي بعض الأحيان لابُدَ للوِعاظ من أن يكونوا تجاراً أو من أن يمارسوا كل أنواع التجارة والنقل حتى يتمكنوا من إجابة من يطلب إليهم النصح والفتوى". مع حلول القرن السابع عشر، وبسبب الثورة الفرنسية، صار أخذ الفائدة رسمياً؛ فقد احتضنت الثورة الفرنسية المذهب المعارض( القائل بحلية الربا الإستثماري) وجعلته مبدأً رسمياً منذ أن قررت الجمعية العمومية في الأمر الصادر بتاريخ 12 أكتوبر سنة 1789م: أنه يجوز لكل أحد أن يتعامل بالربا في حدود خاصة يعينها القانون".

     وكان للثورة الصناعية الغربية الأثر في توسعة النفوذ الرأسمالي وتغلغله في الشعوب الإسلامية، وتبعه إنتشار سريع للبنوك الربوية في البلاد الإسلامية ما أدى تذمر التجار وأصحاب الأموال من أمر الربا، واشتكوا الحال إلى العلماء والفقهاء، ليجدوا حلاً لهذه المعضلة..، أخذ بعض العلماء والباحثين بدراسة مفهوم الربا المحرم، فمنهم من رأى أن الربا المحرم لا يشمل الربا الإستثماري، وتقتصر حرمة الربا بالربا الجاهلي وهو الربا القرآني..، ومنهم من احتكم إلى الضرورة على أنها الحل، متماشياً مع ما يتطلبه حفظ الجانب الاقتصادي والإجتماعي، فقالوا بأن الربا القرضي يمكن تقسيمه وحسب الغاية إلى الربا الإستهلاكي والإستثماري، وقالوا إن حرمة الربا تنحصر بالربا الإستهلاكي دون الإستثماري، لأنه من مصاديق الظلم والإستغلال. الأمر الذي أدى ببعض العلماء والفقهاء أن يفسروا الربا على أساس الغاية، والذي قال به بعض فقهاء الإمامية من الشيعة ومنهم الشيخ يوسف صانعي،، و سبقهم بذلك بعض الفقهاء الجمهور: محمد رشيد رضا ، والشيخ محمد شلتوت (* )، ممن أيد النظرية ، إن "الربا الإستثماري"هو من المصطلحات التي لم يتداولها الفقهاء إلا قبل قرن.. بناءاً على القول بتقسيم  القروض الربوية إلى قروض إستهلاكية وقروض إستثمارية، والأخيرة: تعني القروض التي يطلبها ذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة بسبب وقوعهم في مصيبة أو شدة أو لقضاء حاجاتهم الضرورية، أما القروض الإستثمارية: فهي قروض يأخذها التجار وأصحاب الصناعة والحرف لاستغلالها في الإنتاج المثمر، وعُرِف بأنه :" الربح الموجود في النظام البنكي والقروض المشابهة له " أو هو أن يأخذ المُـقترض المال ليجعله رأساً للمال في عملٍ منتج، فيكون هدفه من القرض الربح، وفي الوقت عينه يشترط أن يُرجع إلى المُقرض بعض المال الإضافي بعنوان الفائدة، ويعتبر هذا العمل ـ حالة جديدة من التعامل؛ لذا فهي غير مشمولة لأحكام الربا ، فهذا اللون من الربا لا ظلم فيه ولا إجحاف، ويؤثر إيجاباً على حركة العجلة الاقتصادية ... 

     ولا ينكر أن يكون للقرض الإستهلاكي الأثر نفسه على عجلة الاقتصاد لأن زيادة الطلب تؤدي إلى زيادة الإنتاج وزيادة الطلب على عناصر الإنتاج ومنها العمل وهذا يؤدي إلى توسيع الطلب ومن ثم زيادة الإنتاج والإستثمار، فيتبعه زيادة النمو الاقتصادي، كما أن زيادة الإستثمار تحصل نتيجة لزيادة الطلب.

     ويذكر أن التشريع القانوني للفوائد يعود إلى نشأة مدينة روما في القرن السابع أو الثامن ق.م، وعلى أثرها نشأ القانون الروماني...ويحظى هذا التشريع بأهمية كبيرة بين الشرائع السامية، من الناحية العلمية لأنه علم قائم بذاته و يختلف عن بقية العلوم الأخرى ومن الناحية العملية، لأنه يعتبر من أهم المصادر التاريخية لنظم القوانين الحديثة، ولعَل هذه الأهمية جعلت المؤرخين يرون في القانون الروماني خير ما أوجدته العصور القديمة للعصور الحديثة، ويعتبر الربا الإستثماري في القانون الروماني من جهة الطبيعة القانونية من القروض، وأنه عبارة عن:" عقد بمقتضاه ينقل شخص ملكية مبلغ من المال أو قدراً من الأشياء المثلية، ويتفق مع الآخر على أن يرد إليه مثله أو قدراً مماثلاً بعد مدة معينة.. ويلزم أن يكون محل القرض معيناً   بذكر نوعه ومحله وصفته وتنتقل ملكيته بمجرد التسليم... ويرد على الغلال وما شابهها ثم ورد على النقود وهو في جميع صوره يقع على الأشياء المثلية التي تكال أو توزن أو تقاس".

     والملفت للنظر هو أن الفائدة على الديون كانت محرمة في الإمبراطورية الرومانية :"فالرومانيون ينظرون إليها كنظرة اليونانيين من أن الفائدة كسب غير طبيعي، إلا أنه مع إتساع الإمبراطورية وسلطان طبقة النبلاء ، وظهور طبقات تجارية ظهر التعامل بالفائدة في روما". 

      أما بالنسبة للقانون الفرنسي، فقد أباح الفائدة أيضاً وقننها، إذ لم تكن الفائدة مباحة قبل الثورة الفرنسية، فلما جاءت الثورة أباحث للناس أن يتقاضوا الفوائد، وانتقلت الإباحة إلى قانون نابليون الصادر سنة 1804، وهذا القانون هو المعمول به حتى الوقت الحاضر. وتم تحديد الفوائد في القانون الفرنسي في 3 سبتمبر سنة 1807 فجعل السعر القانوني 5% للمسائل المدنية، و6% في المسائل التجارية، وفي 7 إبريل سنة 1900 خفض سعر الفوائد فجعل سعر الفوائد 4% للأولى و5% للثانية... وأعيد إلى السعر الأول مرة ثانية بموجب قانون 18 إبريل 1918، و8 أغسطس من سنة 1935 أعيد ثانية إلى 4% في المسائل المدنية و5% في المسائل التجارية.. ذلك كله فيما يخص السعر القانوني" .

    أما السعر الإتفاقي فقد جعله القانون الفرنسي الصادر في 3 سبتمبر لسنة 1807 مساوياً للسعر القانوني (5% في المسائل المدنية، و6% في المسائل التجارية) ... وقد ألغى القانون الصادر في 12 يناير سنة 1886 الحد الأقصى للفوائد الإتفاقية في المسائل التجارية. أما قانون 18 إبريل لسنة 1918 فقد ألغى –إلغاء مؤقتاً – الحد الأقصى للسعر الإتفاقي في المسائل المدنية، وأجاز العودة إلى حد أقصى بمقتضى مرسوم ... وفي سنة 1935( في شهري أغسطس وأكتوبر)  صدر المرسومان اللذان يقضيان بوضع عقوبة جنائية على من يقرض بربا فاحش ، والربا الفاحش يكون إذا زادت الفوائد بأكثر من النصف على القدر الذي اعتاد الناس إقتضاؤه في المعاملات المتماثلة .  

   ويذكر أن تقاضي الفوائد على الفوائد المجمدة كان ممنوعاً "...والذي يظهر من تتبع نشأة الفوائد أن المشرع العربي قد تأثر بالتشريع الفرنسي في تحديد سعر الفائدة...  ومنهم المشرع القانوني العراقي، فقد تناول موضوع الفائدة وأطلقت عليها اسم التعويض القانوني، في مجال التأخير في الوفاء بالدين، على المدين للدائن، ومن هنا أصبح بحث هذا الجانب ضرورياً، نظراً لأهمية المسألة في وقتنا الحاضر لكثر التعامل بطريق المداينة في أساليب الإنتاج والتجارة الخارجية والداخلية، ومن هنا تجسمت اليوم مشكلة مماطلة المدين في الوفاء وكثر السؤال عنها حول استحقاق الدائن تعويضاً عن ضرره من المدين المماطل؛ وهو من المواضيع التي سوف نركز البحث فيه.

     ومما تقدم فإن البحث يرى: أن شيوع الفوائد جاء كاستثناء أجازته الكنيسة آنذاك وتفشى حتى صار رسمياً، وأن من أهم ما يشكل عليه، هو أن المشرع الفرنسي إذا استلهم الفكرة من القانون الروماني فلا حرج عليه لكن المشرع المصري والعراقي والذي يدين بالإسلام وأن الدستور ينص على أن الدين هو الإسلام ولا يجيز تشريع أنظمة قانونية تخالف التشريع الإسلامي، فما هو المسوغ لهذه التبعية؟!





 


المصادر

أولاً: - القرآن الكريم 

ثانياً نهج البلاغة – الشريف الرضي، محمد بن الحسين (ت 406هـ)، 

ثالثاً: - كتب اللغة (المعاجم والموسوعات)

[1] ابن منظور جمال الدين محمد ابن مكرم، (ت 711هــ)، لسان العرب، الناشر أدب الحوزة، قم المقدسة، ط1، 1405. 

[2] الإجتهـاد، معجم أونلاين للفقه والأصول، 3/ مارس/ 2018م، http://ijtihadnet.net/mojam

[3] الأنصاري، جمال الدين ابن هـشام (ت 761هــ)، مغني اللبيب، حققه وعلق عليه: د. مازن أبو زهـرة، محمد أحمد مصطفى، (ت 1974م).

[4] بدوي، أحمد زكي، معجم المصطلحات الاقتصادية، مصر، وبيروت، دار الكتاب المصري واللبناني، (د تاريخ).

[5] البراوي، راشد، (معاصر)، الموسوعة الاقتصادية، القاهـرة، دار النهـضة العربية، ط1، 1971م.

[6] التهانوي، محمد علي، (ت)، كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تقديم: رفيق العجم، تحقيق علي دحروج وآخرون، بيروت، مكتبة لبنان، ط1، 1996م.

[7] الجوهـري، إسماعيل بن حماد، (ت 381هــ)، الصحاح، تحقيق أحمد عبد الغفور، بيروت، دار العلم للملايين، ط1، 1376 هـ‍ / 1956 م.

[8] الرازي، محمد بن أبي بكر، (ت 660هــ) مختار الصحاح، تحقيق محمود خاطر، بيروت، مكتبة لبنان ناشرون، 1415هــ/ 1995م. 

[9] الراغب أبى القاسم الحسين بن محمد، (ت 502)، المفردات في غريب القرآن ‍: مع ملاحظات الشيخ علي الكوراني، ط2، 1439هــ/ 2018م.

[10] الزبيدي، محمد مرتضى، (ت 1202هـ)، تاج العروس، مصر، المطبعة الخيرية، (د.ط)، (د. ت).

[11] السالوس، علي أحمد، موسوعة القضايا الفقهـية المعاصرة، دار الثقافة، الدوحة، ط7، (د. ت).

[12] صليب، جميل، المعجم الفلسفي، بيروت، دار الكتاب اللبناني.

[13] الطبراني، (ت 360هـ)، أبو القاسم سليمان بن أحمد، المعجم الصغير، بيروت، دار الكتب العلمية،1405هـ. 

[14] فتح الله، أحمد، معجم ألفاظ الفقه الجعفري، بيروت، مؤسسة آل البيت (ع) لإحياء التراث، ط1، 1995م. 

[15] الفراهـيدي، الجليل بن أحمد، (175هـ)، كتاب العين، تحقيق دار مهـدي المخزومي، بغداد، دار إبراهـيم السامرائي، ودار مكتبة الهـلال،1986م

[16] الفيومي، أحمد، (ت 770هـ) المصباح المنير، بيروت، المكتبة العلمية،

[17] الكيالي، عبد الوهاب، وآخرون، الموسوعة السياسية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1985.

[18] لجنة من العلماء، المعجم الفلسفي، مجمع اللغة العربية، مصر، ط 1، 1983م.

[19] مجموعة من الإقتصاديين، الموسوعة الاقتصادية، تعريب عادل عبد الهادي وحسن الهموندي، بيروت، دار ابن خلدون، 1980.

[20] مرعشلي، نديم ومرعشلي أسامة، الصحاح في اللغة، بيروت، دار الحضارة العربية، 1974. 

[21] المشكيني، علي، مصطلحات الفقه، مطبعة الهادي، 1419هــ.

[22] مصطفوي، حسن، التحقيق في كلمات القرآن الكريم، طهران، الكتاب للترجمة والنشر، 1360هـ، ج4/ 33.

[23] الموسوعة الحرة ويكيبيديا، https://ar.wikipedia.org.

[24] الهنائي، علي بن الحسين، (ت 309هـ)، المنجد في اللغة، تحقيق: دكتور أحمد مختار عمر، دكتور ضاحي عبد الباقي، القاهرة، عالم الكتب، ط2، 1980م.

[25] هـيكل، عبد العزيز، موسوعة المصطلحات الاقتصادية والإحصائية، بيروت، دار النهـضة العربية للطباعة والنشر، 1980م. 

[26] وزارة الأوقاف، الموسوعة الفقهـية، الكويت، مطبعة الموسوعة الفقهـية، ط3، 1407هــ /1986.


ثالثاً- كتب التفسير

[27] إبن كثير، عماد الدين إسماعيل (ت 774هــ)، تفسير القرآن العظيم، قدم لهـ يوسف عبد الرحمن، بيروت، دار المعرفة، 1412هـ/ 1991م.

[28] ابن ماجة محمد بن يزيد، (ت 273هـ)، سنن ابن ماجة، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف، ط1، 1417هـ/ 1997م.

[29] الألباني: محمد ناصر الدين، (ت 1999م)، سلسلة الأحاديث الصحيحة المكتب الإسلامي، دمشق ـ بيروت، ط4، 1985م

[30] البيهـقي، أحمد بن الحسين، (ت 458هــ)، السنن الكبرى، المحقق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط3، 1424هـ/ 2003.

[31] الجصاص، أبو بكر أحمد (ت 370هــ)، احكام القرآن، بيروت، دار الكتاب العربي، ط1، 1335هــ.

[32] الحكيمي، محمد رضا، والحكيمي، محمد، والحكيمي، علي، الحياة، طهـران، نشر المركز الإسلامي التابع لحوزة قم، ط3، بدون تاريخ.

[33] الرازي، محمد فخر الدين، التفسير الكبير، (ت 606هــ)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1401هـ/ 1981م. 

[34] رشيد رضا، محمد (ت 1935م)، تفسيرالمنار، دار المنار، ط3، 1947م.

[35] الري شهـري، محمد، ميزان الحكمة، دار الحديث الشيعية، ط1، 1375م.

[36] الزمخشري، جار الله، (ت538هــ) محمود، الكشاف عن حقائق التنزيل، طهـران، آفتاب.

[37] السيد السيستاني، علي، المسائل المنتخبة، قم المقدسة، مطبعة مهر، ط3، 1993م.

[38] الشافعي، محمد بن إدريس، (204هـ)، اختلاف الحديث، بيروت، دار المعرفة،1410هـ/ 1990م.

[39] الشيرازي، ناصر مكارم، الأمثل، قم المقدسة، مدرسة الإمام علي (عليهم السلام)، 1426هــ.

[40] الصدوق، محمد بن علي بن الحسين بن بابويه (ت 381هــ)، المقنع، لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهـادي (عليهـ السلام)1415هــ.

[41] الطباطبائي، محمد حسين، (ت1412هـ)، الميزان في تفسير القرآن، قم المقدسة، منشورات جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، (د. ت) و(د.ط) 

[42] الطبرسي، أبي علي الفضل بن الحسن،) ت 548هــ)، مجمع البيان، حققهـ وعلق عليهـ لجنة من العلماء والمحققين، بيروت، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1415هـ.

[43] الطبري أبي جعفر محمد بن جرير، (ت 310هــ)، جامع البيان عن تأويل آي القران، قدم لهـ الشيخ خليل الميس ضبط وتوثيق وتحرير صدقي جميل العطار، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

[44] القرطبي، أبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671هــ)، الجامع لأحكام القرآن الكريم، بيروت، دار إحياء التراث العربي،1405هــ/ 1985م. 

[45] قطب إبراهـيم حسين، (ت 1966م)، في ظلال القرآن، بيروت، دار الشروق، ط12، 1423هـ/ 2003م.

[46] الكيا الهراسي، علي بن الحسن الشافعي (ت 504هـ)، أحكام القرآن، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1405هـ

[47] المراغي، أحمد بن مصطفى، (ت 1371هــ)، تفسير المراغي، مصر، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولادهـ، ط1، 1365ش/ 1946.

رابعاً: - كتب الحديث

[48] البيهقي، أحمد بن الحسين، (ت745هـ)، السنن الكبرى، دار الفكر، (د.ط)، (د. ت).

[49] الكليني، محمد بن يعقوب، (ت ٣٢٩هــ )، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، طهـران، دار الكتب الإسلامية، ط3، ١٣٦٧ ش.

[50] المجلسي، محمد باقر، (ت111هــ)، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1983م/ 1403هــ.

[51] المحدّث النوري، الميرزا حسين، (ت 1320هــ) مستدرك الوسائل، قم المقدسة، مؤسسة آل البيت (عليهـم السلام)، ط2، 1408هـ/ 1988م.

[52] النسائي، أحمد بن شعيب، (ت 303هــ)، سنن النسائي، دار ابن حزم، بيروت، ط1، 2010م.

[53] النسفي، عبد الله بن أحمد(حنفي)، (ت 710هـ)، مدارك التنزيل وحقائق التأويل، (د.ت) و(د.ط).

[54] النوري، الميرزا، (ت1320هــ) مستدرك الوسائل، تحقيق مؤسسة آل البيت (ع)، ط2، 1408هـ/ 1988م.

[55] النيسابوري، أبو الحسن علي بن أحمد، (ت 468هــ)، الوسيط في تفسير القرآن المجيد، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1415 هــ/ 1995.

[56] النيسابوري، أبي عبد الله الحاكم، (ت 405هــ) المستدرك على الصحيحين، دار الفكر، بيروت، 1398هــ.

[57] النيسابوري، مسلم بن الحجاج، (ت 261هــ)، الجامع الصحيح، دار الفكر، بيروت، (دون ط، وتاريخ).

[58] الهـيثمي، علي بن أبي بكر، (ت807هــ)، مجمع الزوائد، دار الريان للتراث، القاهـرة، ودار الكتاب العربي، بيروت، 1407هــ.


خامساً: -كتب الفقه والأصول

[59] ابن إدريس أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد، (ت 598هــ)، السرائر، مؤسسة النشر الإسلامي، 1410هـ.

[60] ابن النجار، محمد بن أحمد (الحنبلي، (ت 972هـ)، شرح الكوكب المنير، ت محمد الزحيلي ونزيه حماد، مكتبة العبيكان، الرياض، ط5 ،1413 هـ،

[61] ابن الوكيل، محمد بن عمر، الأشباه والنظائر، تحقيق: أحمد بن محمد العنقـري، مكتبـة الرشـد:1418هـ.

[62] ابن بابوية، أبو الحسن علي بن موسى (ت 329هــ)، فقه الرضا (عليه السلام) تحقيق مؤسسة آل البيت (عليهـم السلام) لإحياء التراث، قم المقدسة، المؤتمر العالمي للإمام الرضا (عليه السلام) – ط1، ١٤٠٦ هـ‍.. 

[63] ابن قيم الجوزية. محمد بن أبي بكر، (ت: 751هــ)، أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1411هـ/ 1991م.

[64] ابن حزم، علي بن أحمد (456)، المحلى، تحقيق أحمد محمد شاكر، دار الفكر، (دون ط) وتاريخ).

[65] ابن رشد، محمد بن أحمد (ت 520هــ)، المقدمات الممهـدات، تحقيق سعيد أحمد أعراب، بيروت، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1408هــ/ 1988م.

[66] ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد (ت 595هـ)، بداية المجتهد ونهاية المقتصد،  تنقيح وتصحيح خالد العطار، طبعة جديدة منقحة ومصححة إشراف مكتب البحوث والدراسات دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

[67] ابن عابدين، محمد أمين، (ت 1252هـ)

[68] حاشية رد المحتار، مكتب البحوث والدراسات، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 هـ‍ / 1995م، ج4/ 147.

[69] رد المختار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1998م، 

  ابن قدامة، موفق الدين عبد الله بن أحمد (ت 620هــ) 

[70] المغني، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة، دون ط وتاريخ،1401هــ، 1981م. 

[71] الكافي في فقه الإمام أحمد، تحقيق محمد حسن محمد الشافعي، بيروت، دار الكتب العلمية، دون ط وتاريخ.

    ابن نجيم، زين الدين بن إبراهيم بن محمد، (ت 970هـ)

[72] الأشباه والنظائر بحاشية الحموي، تحقيق زكريا عميرات، 1999م، ط1

[73] البحر الرائق شرح كنز الدقائق، ضبطه زكريا عميرات، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1418هــ / 1997م. 

[74] الآخوند الخراساني، محمد كاظم، (ت 1328هــ)، كفاية الأصول، قم المقدسة، مؤسسة آل البيت عليهـم السلام، ط1، 1409هــ.

[75] الأردبيلي، أحمد بن محمد، (ت 993)، مجمع الفائدة والبرهـان تحقيق: مجتبى العراقى، علي پناه الاشتهـاردي، حسين اليزدي، قم المقدسة، مؤسسة النشر الاسلامي، ط1 ،1412.

[76] الأصبحي، مالك بن أنس، (ت179هــ) موطأ مالك، تحقيق عبد الوهـاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية، 1399هــ-1979م.

[77] الأصفهـاني، محمد حسين (ت 1361هــ)، حاشية المكاسب، تحقيق عباس محمد آل سباع، دار المصطفى لإحياء التراث، ط1، 1419هــ، 

[78] الأنصاري، مرتضى، (ت 1281هــ)، المكاسب، إعداد لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، قم، مجمع الفكر الإسلامي 1420 ق / 1378.

[79] الأيرواني، باقر‌، دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي على المذهب الجعفري‌، قم- إيران، ط 2، 1427 ه‍.

[80] الباجي القاضي، أبو الوليد(ت)، (ت 494هــ)، المنتقى (شرح موطأ مالك)، مصر، مطبعة السعادة، ط1، 1332ش.

[81] البجنوردي، محمد حسن، (ت 1395هـ) القواعد الفقهية، تحقيق مهدي المهريزي - محمد حسن الدرايتي نشر الهادي، ط1، 1419هـ.

[82] البهسودي، محمد سرور، موسوعة الإمام الخوئي، مؤسسة آثار الإمام الخوئي، ط5، 1422هـ.

[83] التبريزي، الميرزا علي، الإجتهـاد والتقليد من التنقيح في شرح العروة الوثقى تقرير البحث السيد أبو القاسم الخوئي، دار الهـادي للمطبوعات، قم المقدسة، ط3، 1410هــ.

[84] التبريزي، جواد بن علي، منهاج الصالحين‌، قم المقدسة، مجمع الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه)، ط 1، 1426 ه‍.

[85] الجرجاني، علي بن محمد الشريف، (ت 816) التعريفات، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1983م. 

[86] الجزائري، أبو بكر، منهـاج المسلم، مطبعة دار المعارف الحديثة، ط8، 1396هـ/ 1976م.

[87] الجزيري، عبد الرحمن، (ت 1360هــ/ 1941م) الفقه على المذاهـب الأربعة، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1424هــ/ 2003م

[88] الجوعاني، محمد نجيب حمادي، ضوابط التجارة في الاقتصاد الإسلامي، بيروت، دار الكتب العلمية، 2005م.

[1] الحكيم، محمد تقي‏، (ت1423هـ) القواعد العامة في الفقه المقارن، مركز التحقيقات والدراسات العلمية، المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية.

[89] الحلبي، ابن زهـرة(ت585هــ)، غنية النزوع، تحقيق: ابراهـيم البهـادري / بإشراف: جعفر السبحاني، ط1، 1417هــ.

[90] الحلبي، أبو صلاح (447هــ) الكافي، تحقيق رضا أستادي، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، قم المقدسة.

[91] الحلي، أبي منصور بن يوسف، (ت 726هـ) 

[92] مختلف الشيعة، قم مقدسة، المؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1415.

[93] تذكرة الفقهـاء، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهـم السلام لإحياء التراث، قم، 1414 هـ/ 1372.

[94] تحرير الأحكام، منشورات مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام)، قم المقدسة، ط1، 1420هــ.

[2] الحمزاوي، محمود أفندي (مفتي الديار الشامية)، (ت 1305هـ)، الفرائد البهية في القواعد الفقهية، تحقيق: محمد العزازي، بيروت، دار الكتب العلمية، د. ت.

[3] حيدر علي (ت 1353هـ)، درر الحكام شرح مجلة الأحكام، تعريب: فهمي الحسيني الناشر: دار الجيل ط1، 1411هـ /1991م.

[95] الخراساني، حسين وحيد‌، منهاج الصالحين‌، قم - إيران، الناشر: مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام)، ط 5، 1428 هـ.

[4] الخراساني، حسين وحيد‌، منهاج الصالحين‌، قم المقدسة، مدرسة الإمام الباقر (عليه السلام)، ط 5، 1428 هـ. 

[5] الخطيب الشربيني، شمس الدين، محمد بن أحمد، (ت 977هـ)، مغني المحتاج، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1415هــ/ 1994م.

 الخميني، روح الله، (ت 1410هـ).

[96] تحرير الوسيلة، قم المقدسة، مؤسسة مطبوعات دار العلم‌، ط 1، (د. ت).

[97] كتاب البيع، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني، طهـران ط1، 1421هــ، 1389م

[6] الخوري، فائز، مقابلة بين الحقوق الرومانية والحقوق الإسلامية والإفرنسية والإنكليزية، دون ط وتاريخ.

  الخوئي، أبو القاسم (ت 1411هـ)،

[7] منهاج الصالحين، قم المقدسة، مدينة العلم، ط 28، 1410 ه‍.

[8] محاضرات في أصول الفقه، مؤسسة الخوئي الإسلامية، 1413هـ.

[9] مصباح الفقاهة: تقرير أبحاث السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي: بقلم محمد علي التوحيدي التبريزي - قم المقدسة، ط1، 1377ش.

[10] الرشيد، أحمد، الحاجة وأثرها في الأحكام، دراسة نظرية تطبيقية، دار كنوز إشبيليا، ط1، 2008م. 

[11] الرملي (ت 1004هـ)، شمس الدين محمد، نهـاية المحتاج، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر،1357 هــ /1931م.

[12] الرومي، فهد، (معاصر)، الصياغة الفقهية في العصر الحديث: دراسة تأصيلية، دار التدمرية، دار ابن حزم، ط:1 1433 هـ - 2012 م.

[13] الزحيلي، وهـبة، (ت 2015م)، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، دار الفكر، 1994،

[14] الزرقا، محمد ابن الشيخ (ت 1357هـ)، شرح القواعد الفقهـية، تحقيق مصطفى أحمد الزرقا، دار القلم، دمشق، 1409هـ.

[15] الزرقاني، عبد الباقي، (مالكي)، حاشية العدوى، المطبعة الميمنية، 1306هـ.

[16] سابق، سيد، فقه السنة، دار الحديث، القاهـرة، الفتح للإعلام العربي، ط1، 1425هــ/2004.

[17] السبحاني، جعفر، الربا موضوعاً وحكماً، مؤسسة الإمام الصادق، ط1، 1439هـ/ 2018م.

[98] السبزواري، محمد باقر(ت1090هـ)، كفاية الأحكام، تحقيق مرتضى الأراكي، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1423هـ.

[18] السبكي، عبد الوهاب بن علي، (771هـ)، الأشباه والنظائر، تحقيق عادل أحمد عبد الموجودـ علي محمد عوض، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1991م.

[19] السرخسي شمس الدين، (ت 483هــ)، المبسوط، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، (بدون تاريخ). 

[99] السيد الخامنئي، علي، (معاصر)، أجوبة الإستفتاءات، لدار الاسلامية لبنان للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، 1420هـ

[20] السيد السيستاني، محمد علب (معاصر)، قاعدة لا ضرر: محاضرات آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني، قم المقدسة، مطبعة: مهر، ط1، 1414هـ.

السيوطي، جلال الدين، (ت 911هـ)، 

[21] الأشباه والنظائر، تحقيق محمد المعتصم بالله، بيروت، دار الكتاب العربي، ط1، 1407 هــ، 

[22] الدر المنثور، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، بدون ط، وتاريخ).

[23] الشاطبي، إبراهـيم بن موسى الغرناطي، الموافقات في أصول الشريعة، ضبط وتعليق د. عبد الله دراز، بيروت دار المعرفة، (د.ت).

[24] الشافعي، محمد بن إدريس (ت204هـ)، اختلاف الحديث، بيروت، دار المعرفة، 1410هـ.

[25] الشافعي، محمد بن إدريس، الأم، بيروت: دار المعرفة، 1393هــ، ج3/ 1886.

[26] شلتوت، محمود، (ت 1963م) الفتاوى، دار الشروق، 1395 ش.

 الشنقيطي، محمد، (ت 1393هـ)

[27] مذكرة أصول الفقه، المدينة المنورة، المكتبة السلفية، (دون ط) (د. ت).

[28] أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن، مكتب البحوث والدراسات، 1415هـ، (د.ط).

الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، الشهيد الثاني، (ت 965هـ)،

[29] الشهيد الثاني، الروضة البهـية، قم، مكتبة داورى، ط 1، 1410 هــ.

[30] الشهيد الثاني مسالك الأفهـام إلى آيات الأحكام، تحقيق ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية، ط 1، 1414هــ.

[31] الشهيد الصدر، (ت 1980م)، منهاج الصالحين للمرحوم السيد محسن الحكيم وبهامشه التعليق عليه، تحقيق لجنة التحقيق التابعة للمؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر، مركز الأبحاث والدراسات التخصصية للشهيد الصدر، ط1، 1425هـ.

[32] الشوكاني محمد بن علي ابن محمد، (ت 1255هــ)، نيل الأوطار، بيروت، دار الجليل، بدون ط، 1973.

[33] الشيرازي، أبو إسحاق إبراهيم بن علي، (ت 476هـ)، المهذب في فقه الإمام الشافعي، ضبط وتصحيح: زكريا عميرات، دار المعرفة، 2006م.

[34] الشيرازي، محمد باقر، (ت 1090هـ)، كفاية الأحكام، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامية، ط1، 1424هـ.

[35] الشيرازي، ناصر مكارم(معاصر)، الربا والبنك الإسلامي، بحوث فقهـية، إعداد وتنظيم الشيخ أبو القاسم عليان نجادي، تعريب المؤسسة الإسلامية للترجمة القسم الثقافي، مدرسة الإمام علي عليه السلام، ط1، 1419.

[36] الصانعي، يوسف (ت 2020م)، مقاربات في التجديد الفقهي، ترجمة وإعداد حيد حب الله، بيروت، مؤسسة الإنتشار العربي، ط1، 2010م.

[37] الصاوي، أحمد بن محمد، (ت1241هــ)، بلغة السالك لأقرب المسالك، تحقيق محمد عبد السلام شاهـين، الخرطوم، الدار السودانية للكتب، 1418هــ/ 1988م.

[38] صدر الشريعة، عبيد الله بن مسعود (747هـ)، التوضيح بهامش التلويح، دار الأرقم، بيروت، ط1، 1419 هـ. 

[39] الصدر، محمد باقر (ت 1980م) المعالم الجديدة للأصول، ط مطبعة النعمان، النجف، 1975م.

[40] الصدوق، علل الشرائع، النجف الأشرف، منشورات المكتبة الحيدرية، دون ط، 1386/ 1966.

[41] الطباطبائي، محمد جواد، (ت 1226هـ)، مفتاح الكرامة، تحقيق: الشيخ محمد باقر الخالصي، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، 1422 هـ‍.

[42] الطباطبائي، علي، (ت 1231هــ)، رياض المسائل، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1412هــ.

[43] الطحاوي، أبو جعفر أحمد بن محمد، شرح معاني الآثار، تحقيق محمد زهـري النجار، القاهـرة، مطبعة الأنوار المحمدية.، بدون ط، وتاريخ

الطوسي، أبي جعفر محمد بن الحسن، (ت 460هـ)

[44] الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، تحقيق حسن الموسوي، دار الكتب الإسلامية، مطبعة النجف، ط2 ،1376 ش.  

[45] تهـذيب الأحكام، دار الكتب الاسلامية، ط3، 1364هـ.

[46] المبسوط، تحقيق: محمد الباقر البهـبودي المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، بدون ط وتاريخ.

[47] الخلاف، تحقيق: السيد علي الخراساني والسيد جواد الشهرستاني والشيخ مهدي طه نجف، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1411هـ.

[48] الفقه والفتاوى، قم المقدسة، مكتبة محمدي، بدون ط، 1404هــ.

[49] النهـاية، قم المقدسة، الناشر قدس محمدي للطوسي، بدون ط وتاريخ.

[50] الطوسي، ابن حمزة، (ت 560هـ)، الوسيلة في نيل الفضيلة، تحقيق: الشيخ محمد الحسون  ط1، 1408هـ.

[51] العدوي، محمد شكري الجمل: سوء النية وأثره في عقود المعاوضات في الفقه الإسلامي والقـانون المـدني، الاسكندرية-، دار الفكر الجامعي، ط1. 2008. 

[52] عطية، جمال الدين عطية، نحو تفعيل مقاصد الشريعة الإسلامية، المعهـد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا، الولايات المتحدة الأمريكية، ط2، 2008م.

[53] عفانة، حسام الدين، سألونك عن المعاملات المالية المعاصرة، القدس، المكتبة العلمية ودار الطيب للطباعة والنشر، ط1، 1430هـ / 2009م.

[54] العيني (ت 855هـ)، بدر الدين محمود بن أحمد(حنفي)، عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

[55] الغزالي، محمد بن محمد، (ت 505هـ)، المستصفى، تحقيق محمد عبد السلام، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1413هـ.  

الفياض، محمد إسحاق (معاصر)،

[56] أحكام البوك والأسهم والسندات والأسواق المالية، قم المقدسة، مكتب الشيخ محمد إسحاق الفياض، ط1، (د.ت).

[57] محاضرات في أصول الفقه، ط1، 1419هــ.

[58] منهاج الصالحين، مكتب سماحة آية الله الحاج الشيخ محمد إسحق الفياض، ط1، (د.ت)

[59] القاضي، النعمان بن محمد بن منصور، دعائم الاسلام وذكر الحلال والحرام والقضايا والأحكام عن أهل البيت رسول الله عليه وعليهم أفضل السلام، القاهرة، دار المعارف، ط2، 1119هـ.

[60] القرافي، أبو العباس أحمد بن إدريس، (ت 684هــ)، الفروق، تحقق. خليل منصور، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1418هــ/ 1998م،

[61] القرضاوي، يوسف(معاصر)، فوائد البنوك هي الربا المحرم، ، مصر، مطابع الوفاء، ط2، 1412هـ.

[62] القرطبي (ت 463هـ)، ابن عبد البر، الكافي في فقه أهـل المدينة المالكي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط2، 1407هـ.

[100] قواعد الأحكام، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1418ش. 

[63] الكاساني، علاء الدين أبو بكر، (ت 587هــ)، بدائع الصنائع، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 2، 1986م. 

اللنكراني، محمد فاضل اللنكراني، (ت 2008م)

[64] القواعد الفقهية، تحقيق محمد جواد فاضل اللنكراني، قم المقدسة، مركز فقه الأئمة الأطهار (عليهم السلام)، ط1، 1383ش.

[65]   أصول فقه الشيعة، قم المقدسة، المركز الفقهـي الأئمة الأطهـار، بدون ط، 1381هــ.

[66] المحقق الأردبيلي، (ت 993هــ)، مجمع الفائدة والبرهـان الحاج آغا مجتبى العراقي، الشيخ علي پناهـ الاشتهـاردي، الحاج آغا حسين اليزدي الأصفهـاني، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، ط1، 1412هــ

[67] المحقق الحلي، أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (676هــ)، شرائع الإسلام، تحقيق السيد صادق الشيرازي، قم المقدسة، بيروت، مؤسسة الوفاء، ط3، 1409هــ.

[68] المحقق الكركي (ت 940هــ)، جامع المقاصد، قم المقدسة، مؤسسة آل البيت (عليهـم السلام)، بدون ط، 1408هـ.

[69] المراغي، عبد الفتاح (ت 1250هــ)، العناوين الفقهـية، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، بدون ط، 1417هــ.

[70] المرتضى، حسين بن علي، (ت 436هـ)، الرسائل، تحقيق، أحمد الحسيني، سيد الشهـداء، قم المقدسة، بدون ط، 1405هــ.

[71] المشكيني، علي، مصطلحات الفقه، مطبعة الهادي، 1419هــ.

[72] المفيد، أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ت 413هــ)، المقنعة، قم المقدسة، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1410هــ. 

[73] المقري، محمد بن محمد بن أحمد، (758هـ)، القواعد، تحقيق أحمد عبد الله بن حميد، مركز إحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، بدون ط وتاريخ

[74] المنتظري، حسين علي، (ت 2009م)، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية، قم المقدسة، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، ط1، 1408هـ.

[75] النجفي الجواهـري، محمد حسن، (ت 1266هـ)، جواهـر الكلام، تحقيق على الآخوندي، دار الكتب الإسلامية، ط8، 1368ش. 

[76] هلاليان، سعيد، نظرة تحليلية إلى القواعد الفقهية، قم المقدسة، مؤسسة بوستان كتاب، ط 1، 1431هـ  

[77] الهيتي، عبد الرزاق، المصارف الإسلامية بين النظرية والتطبيق، عمان، دار أسامة، ط1، 1998م.


سادساً: -- كتب الإقتصاد

[78] الإبراهـيمي، محمد حسين، الربا والقرض في الإسلام، قم المقدسة، بدون ط، 1372ش. 

[79] أبو زهـرة، محمد أحمد مصطفى، (ت 1974م)، بحوث في الربا، القاهـرة، دار الفكر العربي، بدون ط، 2010م.

[80] أبو زهـرة، محمد أحمد مصطفى، (ت 1974م)، تنظيم الإسلام للمجتمع، القاهـرة، دار الفكر العربي، ط1، 1975م. 

[81] أبو شرار، عبد الفتاح، الأزمة المالية العالمية الراهـنة، أحداثهـا – أسبابهـا- تداعياتهـا، عمان، المكتبة الوطنية، ط1، 2011م.

[82] أبو غدة، عبد الستار، (ت 1417هـ)، بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية، جدة، شركة التوفيق (مجموعة دلهـ البركة)، ط1، 2002م.

[83] البدوي، إبراهـيم زكي الدين، (ت 670)، نظرية الربا المحرم، القاهـرة، دار ومطابع الشعب، 1964م.

[84] البر زنجي، أحمد محمد فهـمي سعيد، مدخل في الإدارة المالية المتقدمة، بغداد، دار الكتب للعلوم الإدارية والاقتصادية، بدون ط،2015م. 

[85] البزاز، عادل، إدارة الأزمات المالية بين نقطتي الغليان التحول، بيروت، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بدون ط، 1995م،

[86] بوادقجي، عبد الرحيم، مبادئ في علم الاقتصاد والمذاهـب الإسلامية، جامعة دمشق، مطبعة الداوودي، بدون ط،1968م.

[87] التسخيري، محمد علي، خمسون درساً في الاقتصاد الإسلامي، طهـران، دار المشرق للثقافة والنشر، بدون ط، 1418هــ.

[88] حسن، أحمد محي الدين، عمل شركات الاستثمار الإسلامية في السوق العالمية، ط1، البحرين، بنك البركة الإسلامي للاستثمار، 1407هــ/1986م.

[89] خروفة. علاء الدين، الربا والفائدة في الشرائع الإسلامية، بغداد مطبعة السجل، بدون ط، 1962م.

[90] خليل، سامي، النظريات والسياسات النقدية والمالية، الكويت، شركة كاظمة للنشر والترجمة والتوزيع، بدون ط،1982م.

[91] د. النبهـان، محمد فاروق(معاصر)، الإتجاه الجماعي في التشريع الاقتصادي الإسلامي، بيروت، مؤسسة الرسالة ط2، 1984م. 

[92] دوابة، أشرف محمد، فوائد البنوك: مبررات وتساؤلات، القاهـرة، دار السلام للطباعة والتوزيع، ط1، 1429/ 2008م

[93] الديواني، طارق، قضية الفائدة، ترجمة محمد سعيد دباس، الرياض، مؤسسة سهـيل طرابلسي، بدون ط، 2005.

[94] رضا، محمد رشيد (ت 1856)، الربا والمعاملات في الإسلام، تقديم محمد البيطار- محمد شفيع، دار النشر للجامعات. ط1، 2009م. 

[95] الرفاعي، فادي محمد، المصارف الإسلامية، الحلبي الحقوقية، لبنان، ط1، 2004م

[96] سانو، مصطفى قطب، الإستثمار أحكامه وضوابطه في الفقه الإسلامي، الأردن، دار النفائس، ط1، 2000م. 

[97] السعيدي، عبد الله، الربا في المعاملات المصرفية المعاصرة، الرياض، دار طيبة، ط1، 1999م.

[98] شابرا، محمد عمر، نحو نظام نقدي عادل: دراسة للنقود والمصارف والسياسة النقدية في ضوء الإسلام، ترجمة: سيد محمد سكر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، فيرجينيا، ط3 ،1992.

[99] الشبلي، أحمد، الاقتصاد في الفكر الإسلامي، القاهـرة، مكتبة النهـضة المصرية، ط8، 1990م.

[100] شحاتة، حسين، الاقتصاد الإسلامي بين الفكر والتطبيق، دار النشر للجامعات، ط2، 2013م.

[101] الشعراوي، عابد فضل، المصارف الإسلامية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، ط2، 2007م. 

[102] الصانعي، يوسف، (ت2020م)، رسالة في الربا، تحقيق مؤسسة فقه القلين الثقافية، مطبعة الزيتون، ط2، 1427هـ.

[103] الصدر، محمد باقر، (1980م)، البنك اللاربوي في الإسلام، دار المعارف للمطبوعات، بيروت، لبنان، ط5، 1398هـ/1977.

[104] الصدر، محمد باقر، صورة عن إقتصاد المجتمع الإسلامي: سلسلة كتب الإسلام يقود الحياة (2)، قم المقدسة، مطبعة الخيام، بدون ط وتاريخ. 

[105] الصدر، موسى، (المغيب)، الاقتصاد في الإسلام، طهـران، شركة سهـامي انتشار، بدون ط، 1350ش.

[106] الصدر، موسى، المذهب الاقتصادي في الإسلام، تعريب منير مسعودي، بيروت، مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، 1998.

[107] طلفاح، أحمد، الأزمات المالية وأزمات سعر الصرف وأثرهـا على التدفقات المالية، المعهـد العربي للتخطيط، أبريل 2005.

[108] العبادي، عبد السلام، الملكية في الشريعة الإسلامية: طبيعتهـا وضيفتهـا، وقيودهـا. ج2، عمان مكتبة الأقصى، ط1 ،1975م.

[109] عجام، ميثم صاحب، نظرية التمويل والتمويل الدولي، 2007.

[110] عفر، محمد عبد المنعم، النظرية الاقتصادية بين الإسلام والفكر الاقتصادي المعاصر: الأثمان والأسواق والتوزيع، بنـك فيصـل الإسـلامي بقبرص، ط،1988م.

[111] عوض الله، زينب حسن، مبادئ علم الاقتصاد، الدار الجامعة، 1997م.

[112] عويضة، عدنان عبد الله محمد، نظرية المخاطرة في الاقتصاد الإسلامي (دراسة تأصيلية تطبيقية)، المعهـد العالمي للفكر الإسلامي، فرجينيا-الولايات المتحدة الأمريكية- ط1، 1431هــ/ 2010م.

[113] فأرجا، يوجين، أزمة النظام الرأسمالي، ترجمة أحمد فؤاد، بيروت، 1975م.

[114] فتحي السيد لاشين، الفوائد البنكية بين الربا والربح، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، ط1 ،2003.

[115] الفسفوس، فؤاد، البنوك الإسلامية، عمان، دار كنوز المعرفة، 2010م،

[116] الفوزان، صالح، الفرق بين البيع والربا في الشريعة الإسلامية، مؤسسة قرطبة، بدون ط وتاريخ.

[117] ماركس، كارل، رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي، م2، ترجمة: محمد عيتاني، بيروت، مكتبة المعارف، بدون ط، 1981م.

[118] مجموعة من الباحثين الأزمة المالية العالمية: أسباب وحلول من منظور إسلامي، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، 1430هـ/ 2009م.

[119] مجيد، ضياء مجيد، التحليل الاقتصادي الإسلامي، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة، بدون ط، 1997م.

[120] محمد، عامر، (معاصر)، استراتيجيات إدارة الأزمات والحكومات، القاهـرة، دار العلوم للنشر والتوزيع، بدون ط، 2006م.

[121] مشهـور، أميرة عبد اللطيف، (معاصر)الإستثمار في الاقتصاد الإسلامي، مكتبة مدبولي، القاهـرة، دون ط، 1990م.

[122] المصري، رفيق يونس، بحوث في الاقتصاد الإسلامي، دار المكتبي، دمشق، ط1 ،2001.

[123] المصري، رفيق، (معاصر)، الجامع في أصول الربا، دار القلم بدمشق، الدار الشامية، بيروت، ط1، 1414هـ/ 1991م.

[124] المطهـري، مرتضى، الربا والتأمين، ترجمة مالك وهـبي، دار الهـادي للطباعة والنشر، ط1، 1413هـ/ 1993م.

[125] مكية، محمود عدنان، الفائدة موقعهـا بين التشريع والشريعة وتأثيرهـا في الحياة الاقتصـادية، بيـروت، منشورات الحلبي الحقوقية، ط1، 2002م.

[126] المودودي، أبو الأعلى، (ت 1399هـ)، الربا، دار الفكر الإسلامي، سوريا، ط1، 1958م.

[127] المودودي، أبو الأعلى، الربا، ترجمة الحداد محمد عاصم، دار الفكر الإسلامي الحديث، 1958م 

[128] ميلز، بول وبريسلي، جون، (معاصران)، التمويل الإسلامي النظرية والتطبيق، الرياض، جامعة الملك محمد بن سعود، نشر وترجمة المشروع رقم 03- 13، بدون ط وتاريخ.

[129] النبراوي، خديجة، تحريم الربا ومواجهـة تحديات العصر، القاهرة، النهـار للطبع والنشر، بدون ط، 1998م. 

[130] النبهـاني، تقي الدين، (ت 1977م)، النظام الاقتصادي في الإسلام، بيروت، دار الأمة، ط6، 2004م.

[131] النجار، سعيد، تاريخ الفكر الاقتصادي من التجاريين إلى التقليديين، دار النهـضة العربية، بيروت، (د.ت).

[132] النجار، عبد الفتاح محمد، من أحكام الربا في الإسلام (بحث فقهـي مقارن)، (دون ط وتاريخ).

[133] نصار، أحمد محمد محمود، (معاصر)الإستثمار بالمشاركة، دار الكتب العلمية، بيروت ط 1، 2010م.

[134] الهـمشري، مصطفى عبد الله، الأعمال المصرفية والإسلام، ط مجمع البحوث الإسلامية، 1973م. 

[135] هـواري، معراج عباس وعباس، بهـناس ومجدل أحمد، القرار الإستثماري: في ظل عدم التأكد والأزمة المالية، دار كنوز المعرفة، بدون ط وتاريخ.

سابعاً: - كتب القانون

[136] أبو السعود، رمضان، أحكام الإلتزام، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة، دون ط، 2004.

[137] أبو سعد، محمد شتا: التعويض القضائي والشرط الجزائي والفائدة القانونية.. مصر: مطبعة هـشام بكفر الشيخ. دون ط وتاريخ). 

[138] أبو ستيت، أحمد حشمت، نظرية الإلتزام في القانون المدني المصري، القاهرة، نشر مكتبة عبد الله وهبة، 1945م.

[139] بدر، محمد عبد المنعم، و د. البدراوي، عبد المنعم، مبادئ القانون الروماني، القاهـرة، مطابع دار الكتاب العربي، ط1، 1954م.، دمشق، مطبعة الداودي، 1988م.

السنهـوري، عبد الرزاق أحمد (ت 1971م) 

[140] مصادر الحق في الفقه الإسلامي، مصر، دار المعارف، ط3، 1967م.

[141] الوسيط في شرح القانون المدني الجديد، بيروت، منشورات الحلبي الحقوقية، ط3، 2000م.

[142] الشهاوي، قدري عبد الفتاح، أحكام الإلتزام: نتائجه وتوابعه في التشريع المصري والمقارن، الإسكندرية، منشأة المعارف، (د. ت).

[143] عبد الباقي، عبد الفتاح، دروس احكام الالتزام، القاهرة، مطبعة نهضة مصر، (د.ت).

[144] المياحي، فوزي كاظم، القانون المدني العراقي: فقهاً وقضاءً (4)، بغداد، مكتبة صباح القانونية، ط1، 2019م.

[145] الوكيل، شمس الدين، دروس في العق\ وبعض أحكام الإلتزام، الإسكندرية، منشأة المعارف، ط1، 1960م. 

ثامناً: - بقية الكتب 

[146] جاسم، أسيل باقر-وشهـيب، أحمد سلمان، موجز أحكام في مصادر الإلتزام، مطبعة الميزان، النجف الأشرف، ط1، 2015.

[147] الجمال، مصطفى: النظرية العامة للالتزامات –دراسة مقارنة بين الفقـه الإسـلامي والقـوانين المدنية الوضعية عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1996 م.

[148] الجمال، مصطفى، وآخرون: مصادر الالتزام وأحكام الالتزام، دراسة مقارنة، 2003م.

[149] الحكيم، عبد المجيد و د. البكري، عبد الباقي- البشير، محمد طه، أحكام الإلتزام، مطبعة جامعة بغداد، 1986م.

[150] الحكيم، عبد المجيد، الموجز في شرح القانون المدني (أحكام الإلتزام) (الجزء الثاني)، القاهـرة، الناشر العاتك لصناعة الكتاب، ط6، 2009

[151] الحلاشه، عبد الرحمن أحمد جمعه، الوجيز في شرح القانون المدني الأردني (أحكام الإلتزام)، عمان، دار وائل للنشر، ط1، 2006. 

[152] الدراز، محمد عبد الله، (ت 1894- 1958)، دراسات إسلامية في العلاقات الإجتماعية والدولية، الكويت، دار القلم، ط6، 1973م.

[153] الذنون، حسن علي ود. الرحو، محمد سعيد: الوجيز في النظرية العامة للالتزام، عمـان، دار وائل للنشر والتوزيع. ط1، 2004.

[154] الزرقا، مصطفى المشكلات العصرية في ميزان الشريعة، بيروت، بدون ط، 1388ش.

[155] سعد، نبيل إبراهـيم، النظرية العامة للإلتزام: أحكام الإلتزام، الإسكندرية، دار الجامعة الجديدة للنشر، دون ط، 1999م.

[156] سوار، محمد وحيد الدين: الاتجاهـات العامة في القانون المدني الأردني، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، بدون ط، 1996. 

[157] السويدي، توفيق، حقوق الرومان، مطبعة دنكور والفلاح، بغداد، بدون ط، 1340ش/ 1922م.

[158] شريف، إبراهـيم، مكة والمدينة في الجاهـلية وعهـد الرسول، القاهـرة، دار الفكر، بدون ط، 1965م.

[159] الطبري (ت 310هـ)، أبي جعفر محمد بن جرير، تاريخ الطبري (تاريخ ما قبل الهـجرة النبوية الشريفة)، بيروت، دار الكتب العلمية، بدون ط، 2011م.

[160] عبد الرحمن، أحمد شوقي محمد، النظرية العامة للإلتزام (أحكام الإلتزام) منشأة المعارف للتوزيع، الإسكندرية، بدون ط، 2004م.

[161] العقيلي (ت 1907)، جواد محمد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، بيروت، بدون ط، 1968م. 

[162] الغزالي، محمد بن محمد، سلوة العارفين، تحقيق يوسف أحمد، بيروت، دار الكتب العلمية، بدون ط، 2010م.

[163] الفار، عبد القادر، أحكام الإلتزام (آثار الحق في القانون المدني) ط4، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، 1997.

[164] الفضل، منذر، النظرية العامة للإلتزامات في القانون المدني: دراسة مقارنة بين الفقه الإسلامي والقوانين المدنية الوضعية، عمان، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع، (د. ط) 1998م.

[165] مغنية، محمد جواد، (ت 1400هــ)، الشيعة في الميزان، بيروت، دار الشرق، القاهـرة، دار شروق، (د.ط وتاريخ).

تاسعاً: - الرسائل والأطاريح 

[166] إسماعيل، شمسية محمد، "الربح في الفقه الإسلامي: ضوابطه وتحديده في المؤسسات المالية المعاصرة"، رسالة دكتوراه منشورة، دار النفائس، عمّان، ط1، 2000م.

[167] أوكيل، نسيمة الأزمات المالية وإمكانية التوقي منهـا والتخفيف من آثارهـا – مع دراسة حالة جنوب شرق آسيا -أطروحة لنيل شهـادة دكتوراهـ في العلوم الاقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، جامعة الجزائر،2008/ 2007. 

[168] بحر، جواد محمود أحمد، نظرية الشرط الجزائي بين الفقه والقانون، رسالة ماجستير، جامعة الخليل، كلية الدراسات العليا، قسم القضاء الشرعي، فلسطين، 2009.

[169] الجبوري، عبد العزيز شويش، إدارة استثمارات المصارف الإسلامية: دراسة تطبيقية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الإدارة والإقتصاد في الجامعة المستنصرية 1420هــ/ 1999م. https://books.google.iq/books

[170] الجواهـري، محمد تقي، الربا فقهـياً وإقتصادياً، رسالة البكالوريوس، سنة 1969- 1970م، الناشر شبكة الإمامين الحسنين (عليهـما السلام) الإلكترونية، قم، 1405هـ.

[171] الحسيني، محمد صادق(معاصر)، فقه الإمام الصادق (عليه السلام)، قم المقدسة، مؤسسة دار الكتاب، ط3، 1412هــ.

[172] حميشي، فهـيمة، الأزمة المالية العالمية وأثرهـا على الأسواق المالية العربية دراسة حالة سوق عمان المالي، جامعة أكلي محند أوالحاج، البويرة كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير قسم: العلوم الاقتصادية، رسالة ماجستير في العلوم الاقتصادیة تخصص: اقتصاديات المالیة والبنوك.

[173] دائيل، عبد الرشيد، استثمار رأس المال في الإسلام، (رسالة دكتوراهـ) 1975/ 1398، الكلية الإسلامية / الجامعة القومية، كوالالمبور. ماليزيا " مكتبة الإمام الرضا (عليهـ السلام)، مشهـد المقدسة، قسم الاقتصاد الإسلامي.

[174] زواد، نجاة، تقييم أداء سعر الفائدة، رسالة ماجستير في العلوم الإقتصادية، كلية العلوم الاقتصادية والتسيير والعلوم التجارية، جامعة أبي بكربلقايد، جمهـورية الجزائر، للعام الدراسي 2006- 2007م.

[175] ساسي، عبد الحفيظ، ضوابط الاستثمارفي الاقتصاد الإسلامين رسالة ماجستير، الجزائر، جامعة الحاج أخضر، 2008م.

[176] السعيدي، عبد الله، الربا في المعاملات المصرفية، بحث دكتوراهـ على الحاسب الآلي بالجامعة الإسلامية، كلية الشريعة/ قسم الفقه، 1416هـ/ 1996م.

[177] الشيخ الصانعي، يوسف، الربا الإستثماري تحقيق: مؤسسة فقه الثقلين، قم المقدسة، منشورات ميثم التمار، ط2، 1427هـ،

[178] صالح، حازم عرسان، التعويض عن تأخر المدين في تنفيذ إلتزامه: دراسة مقارنة، رسالة ماجستير في القانون الخاص بكلية الدراسات العليا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس، فلسطين، 2010.

[179] الصانعي، يوسف، (ت 2020م)، رسالة في الربا، منشورات ميثم التمار، مؤسسة فقه الثقلين، مطبعة الزيتون، قم المقدسة، ط2، 1427هــ.

[180] الطباطبائي البروجردي، حسين علي، مقالة في الربا، قم المقدسة، المطبعة العلمية، 1407هـ.

[181] القلعاوي، غسان، "المصارف الإسلامية ضرورة عصرية: لماذا...؟ وكيف...؟"، رسالة دكتوراه منشورة، دار المكتبـي، دمشـق، ط1 ،1998،

[182] المشعل، خالد عبد الله، الجانب النظري لدالة الإستثمار في الاقتصاد الإسلامي، سلسلة نشر الرسائل الجامعية رقم (8)، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.

[183] المصري، رفيق يونس، مصرف التنمية الاسلامي او محاولة جديدة في الربا والفائدة والبنك، أطروحة دكتوراهـ منشورة، ط3، مؤسسة الرسالة، لبنان، 19870.

[184] الهـيتي، عبد الرزاق رحيم، المصارف الإسلامية – النظرية والتطبيق، رسالة دكتوراه مجازة من كلية العلوم الإسلامية، جامعة بغداد، 1993.


عاشراً:- المجلات والدوريات

[185] أبو السعود، محمود، الإستثمار الإسلامي في العصر الراهـن، مجلة المسلم المعاصر، العدد 28، 1410هــ/ 1981م.

[186] أبو زيد، عبد العظيم جلال، فقهـ الربا: دراسة مقارنة وشاملة للتطبيقات المعاصرة، 2004م.

[187] أبو غدة، عبد الستار، (ت 1997م) الإستثمار في الأسهـم والوحدات الإستثمارية، مجلة الفقه الإسلامي، العدد 9، 1417هـ/ 1996م، ص 57. 

[188] البجنوردي، محمد، (معاصر)، مقالة بعنوان الربا، مجموعة مقالات المؤتمر التاسع للمصرف الإسلامي، طهـران، مؤسسة البنك العليا، 1377ش

[189] بكر، عصمت عبد المجيد، أصالة الفقه الإسلامي: دراسة في العلاقة بين الفقه الإسلامي والقوانين القديمة واصالة المبادئ، دار الكتب العلمية، بيروت، 2010م.

[190] البنا، محمد علي محمد، القرض المصرفي: دراسة تاريخية مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 2006م.

[191] الجبوري، إبراهـيم صالح عطية، العوامل المؤثرة في تقدير التعويض عن الفعل الضار (دراسة مقارنة)، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، ط1، 2013.

[192] الجبوري، عبد العزيزشويس، إدارة استثمارات المصارف الإسلامية: دراسة تطبيقية، أطروحة دكتوراهـ مقدمة إلى كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، 1420هــ/ 1999م 

[193] الجبوري، علاء عزيز، وداود، إهـداء باسم، فاعلية عقد التوريق، مجلة جامعة الكوفة للعلوم القانونية والسياسية، العدد 22، السنة الثامنة، كلية القانون، جامعة الكوفة، النجف الاشرف، 2015. https://al-maktaba.org/book/

[194] الجزيري. عبد الرحمن، (ت 1360هــ) الربا، مجلة الأزهـر، مطبعة الأزهـر، 1939هــ/1358هــ. 

[195] جلال الدين، أدهـم إبراهـيم، علم الإستثمار الإسلامي، القاهـرة، مركز الكتاب للنشر، ط1، 2018م.

[196] جواد، عباس ناجي، و –د. صالح، محمد سلمان، دراسة تحليلية لأسباب ونتائج الأزمة المالية العالمية الأخيرة، 2008 https://www.iasj.net/iasj

[197] حب الله، حيدر، مقالة: الربا الإستثماري، نقد نظرية حرمة الفائدة البنكية، مجلة نصوص معاصرة، العدد الثالث، السنة الأولى، صيف 2005م، 1426هــ.

[198] الحسناوي، حسن حنتوش، التعويض القضائي في نطاق المسؤولية العقدية، دراسة مقارنة، دار الثقافة للنشر والتوزيع، الأردن، 1999م.

[199] حمود، سامي حسن، تطوير الأعمال المصرفية بما يتفق والشريعة الإسلامية، عمان مطبعة الشرق، 1982،

[200] حمود، سامي حسن، معايير احتساب الأرباح في البنوك الإسلامية، مجلة دراسات اقتصادية إسلامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنـك الإسلامي للتنمية، جدة، م3، العدد2، م4، العدد1 ،1417 هـ،

[201] حمود، هـناء عبد الغفار، إطار تحليلي لمبررات وتداعيات الأزمة المالية العالمية، كلية الإدارة والإقتصاد، جامعة المستنصرية، المجلة العراقية للعلوم الاقتصادية، السنة السادسة، العدد الثامن عشر، 2008م.

[202] الخاقاني، موري عبد الرسول والموسوي، عبد الوهـاب محمد جواد، الصين بين المركزية السياسية والليبرالية الاقتصادية “مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، السنة العاشرة، المجلد السابع، العدد الثلاثون، 2014م.  https://www.iasj.net/iasj. 

[203] الخاقاني، نوري عبد الرسول (معاصر)، ربا الجاهـلية والفائدة https://www.iasj.net/iasj.

[204] الخرازي، محسن، البنوك دراسة في أقسامها وأحكامها، مجلة فقه أهل البيت: العدد 39، ص 22.

[205] الخوئي، محمد تقي، (ت1994م)، المباني في شرح العروة الوثقى- المضاربة والمساقاة- تقريرات لأبحاث السيد ابوالقاسم الموسوي الخوئي (قدس سره)، معهد الخوئي، المكتبة الألكترونية

[206] الداودي، الشيخ، الأزمة المالية العالمية إنعكاساتهـا وحلولهـا: بحث مقدم إلى مؤتمر جامعة الجنان حول الأزمة العالمية، طرابلس، لبنان، يومي 13-14 آذار 2009.

[207] دائرة المعارف والفقه والإسلامي، ربوية الفائدة البنكية، ترجمة حيدر حب الله، مجلة فقه أهـل البيت (عليهـم السلام)، السنة 7، 1423/ 2001.

[208] الدراز، محمد عبد الله، (ت 1958م)، الربا في القانون الإسلامي، بمجلة الأزهـر عدد صفر 1371هــ.

[209] دنيا، شوقي، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي، دراسة مقارنة، مؤسسة الرسالة، ط1، بيروت.

[210] دواية، أشرف محمد، فوائد البنوك: مبررات وتساؤلات، تقديم الأستاذ الدكتورعبد الرحمن يسري احمد: أستاذ الاقتصاد بكلية التجارة / جامعة الإسكندرية- وكذلك الأستاذ الدكتور علي محي الدين القرهـ داغي: أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة / جامعة قطر،  دار السلام للطباعة والتوزيع والترجمة، ط1، 1429هــ/ 2008م. https://library.iugaza.edu.ps موقع المكتبة المركزية للجامعة الإسلامية / غزة، 

[211] راضي، مازن عيسى، والخاقاني، نوري عبد الرسول، حميد موسى، سندس، المصارف الإسلامية بين أطروحة الشهـيد الصدر والممارسة العملية، مجلة الغري للعلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 14، الـ عدد2، 2017م. 

[212] رشيد، حسن حنتوش، ود. محمد، عباس علي، التعويض القانوني نظرية الفوائد، مجلة جامعة كربلاء العلمية المجلد السادس، العدد الأول، إنساني، 2008.

[213] رضوان، احمد حسن، دراسة تاريخية لنشأة الربا، مجلة البنوك الإسلامية، مصر العدد 26، يوليو، 1988م.

[214] الرفاعي، بدائل معدل الفائدة في الاقتصاد الإسلامي، ودرهـا في إدارة الأزمة الاقتصادية العالمية الأسس النظرية وتطبيقاتهـا في المصارف الإسلامية، كلية إدارة الأعمال وكلية الدراسات الإسلامية في جامعة الجنان، طرابلس، لبنان، بحث مقدم إلى مؤتمر كلية العلوم الإدارية الدولي الرابع في جامعة الكويت " الأزمة الاقتصادية العالمية من منظور الاقتصاد الإسلامي " م 2010/12/16-15.

[215] الساعاتي، عبد الرحيم عبد الحميد، العلة الاقتصادية لتحريم ربا النسيئة والفضل، مجلة جامعة الملك عبد العزيز: الاقتصاد الإسلامي، مجلد 25، العدد 2، 1433هــ/ 2012م. https://platform.almanhal.com/

[216] السالوس، أحمد، -(أستاذ الفقه والأصول بكلية الشريعة / جامعة قطر، وخبير في الفقهـ والإقتصاد بمجمع الفقهـ بمنظمة المؤتمر الإسلامي) -بحث بعنوان: هـل يجوز تحديد ربح رب المال في شركة المضاربة بمقدار معين من المال (المضاربة ومعاملات البنوك) مجلة المجمع الفقهـي الإسلامي، السنة السابعة، العدد التاسع،1416هــ/ 1995م.

[217] سلطان، أنور، أحكام الإلتزام، الموجز في النظرية العامة للإلتزام- دراسة مقارنة في القانونين المصري واللبناني، دون ط، بيروت، دار النهـضة العربية، 1980م.

[218] السلمان، زيد بن مصطفى، آيات الربا – دلالات وأحكام، مؤتة للبحوث والدراسات للعلوم الإنسانية والاجتماعية، الأردن، ج17/ العدد 3، 2002م. 

[219] شعبان، زكي الدين: تعليق على بحث الدكتور مصطفى الزرقا: هـل يقبل شرعا الحكـم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن؟ مجلة أبحاث الاقتصاد الإسلامي. جـدة: مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي – جامعة الملك عبد العزيز، 1989.

[220] الشيرازي، ناصر مكارم، المسائل المستحدثة في الطب، مجلة فقه أهـل البيت، العدد 9: ص 146.

[221] الصدر، كاظم، تجربة مسلمي صدر الإسلام في تحقيق التنمية الاقتصادية، مجموعة مقالات المؤتمر الأول، تحت شعار الإسلام والتنمية، جامعة الشهيد بهشتي، 1375 ش.

[222] الصدر، محمد باقر، إقتصادنا، المؤتمر العالمي للإمام الشهـيد الصدر، تراث الشهـيد الصدر (3)، بدون طبعة وتاريخ. 

[223] صديق، درويش، الفائدة والربح وأدوات التمويل الإسلامية، دراسة تحليلية اقتصادية، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، 1416هـ/ 1995م.

[224] الطنطاوي، محمود محمد، القروض المصرفية في ضوء الشريعة الإسلامية، بحث مطبوع ضمن (ندوة الاقتصاد الإسلامي)، مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 189، م16، السنة السادسة عشرة، الإستثمار في الأسهـم والوحدات الإستثمارية. المنظمة العربية للتربية والثقافة العلوم، ومعهـد البحوث الدراسات العربية، بغداد، 1983.

[225] العبــاس بهـنــاس، أحمــد بــيرش: الأســـس والمنـــاهـج العلميـــة لاتخـــاذ القـــرار الاســـتثماري فـــي المؤسســـة الاقتصادية، الملتقى الدولي صنع القرار في المؤسسة الاقتصادية، كلية علوم التسيير والإقتصاد والتسيير، جامعة محمـد بوضياف، جامعة المسيلة، يومي14و15 آبريل 2009.

[226] عطية، جمال الدين، الأعمال المصرفية في إطار إسلامي، مجلة المسلم المعاصر، العدد 38، 1984م.

[227] علوان، غفران حاتم و د. مسلم، حمدية شاكر، و-د. سعيد، عفراء هـادي، أثر الأزمة المالية العالمية على كفاءة نشاط سوق العراق للأوراق المالية: دراسة قياسية للمدة 2006- 2008م، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية، كلية الإدارة والإقتصاد، جامعة بغداد، قسم الإقتصاد، المجلد 19، العدد 71، ص 259. https://www.iasj.net/iasj 

[228] عوض، أحمد صفي الدين، مقدمة في الاقتصاد الجزئي، الرياض، دار العلوم، 1983م.

[229] فوزان، صالح، الفرق بين البيع والربا في الشريعة الإسلامية، السعودية، العدد10، 1979م.

[230] قحف، منذر، الإستثمار في السهـم والوحدات والصناديق الإستثمارية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، العدد 9، المجلد الثاني، السنة التاسعة، 1417هــ/ 1996م.

[231] كبوط، عبد الرزاق، مجلة أبحاث إقتصادية وإدارية، بحث بعنوان " تحليل ونقد النظريات الاقتصادية لتبرير الفائدة"، الجزائر، جامعة باتنة، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، العدد العشرون، ديسمبر 2016م.

[232] اللنكراني، محمد جواد فاضل، الربا في القرآن، (وهـو من سلسلة تقريرات نظمهـا السيد جواد حسيني خواه، الناشر المركز الفقهـي للأئمة الأطهـار(ع)، قم، ط1، 1434هـ.

[233] مجلة قضايا إسلامية معاصرة، حوار مع الشيخ محمد هـادي معرفة، راجع مجلة قضايا إسلامية معاصرة، العدد الرابع 1997، صفحة 39.

[234] محسن، منصور حاتم، العلاقة بين الشرط الجزائي والشرط التعسفي، مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، العدد الرابع، جامعة بابل، العراق، 2015. 

[235] المصري، رفيق، (هـل يجوز للمصرف الإسلامي أن يضمن أموال المستثمرين أو يؤمنهـم ضد الخسارة)، مجلة حضارة الإسلام، العدد الثاني والثالث، السنة التاسعة عشر، 1978م، ص 59.

[236] موسويان، عباس، البنك وتجاذبات الاجتهـاد الإسلامي والاقتصاد الحديث، (نقد على رد)، ترجمة حيدر حب الله، مجلة فقه أهـل البيت (عليهـم السلام)، دائرة المعارف فقه إسلامي السنة 7، 1423/ 2001.

[237] موسويان، عباس، الربا في القروض التجارية، مجلة الاقتصاد الإسلامي، العدد 18، صيف 1384هـ ش، ص35- 62

[238] مير آخور، عباس ومحسن خان، قراءات نظرية في البنك الإسلامي، ترجمة: محمد رضا بيكدلي، مؤسسة البنك الإيراني، 1991م، 

[239] ميسور، ماجدة، أثر قائمة تدفقات الخزينة على القرارات الاستثمارية: دراسة حالة مؤسسة مطاحن الحضنة - بالمسيلة - رسالة ماجستير في علوم التسيير: اختصاص مراقبة التسيير، للعام 2014-2013، كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، جمهـورية الجزائر.

[240] النجار، عبد الفتاح محمد، من أحكام الربا في الإسلام، مجلة كلية الشريعة والقانون، طنطا، العدد 3، 1408هــ/ 1988.

[241] الندوي، علي أحمد، حكم تداول الأسهم المختلطة بالعنصر الربوي في ضوء القواعد الفقهية، معهد الاقتصاد الإسلامي، مجلة جامعة الملك عبد العزيز (الاقتصاد الإسلامي)، جدة، م 25، العدد 2، ص ص: 2012م/ 1433هـ.

[242] وهـبة، محمود عارف، (معاصر)، نظريات الفائدة في الفكر الاقتصادي، مجلة المسلم المعاصر، بيروت، العدد 23، رمضان – ذو القعدة 1400هــ / www.financeinslam.com 

  الحادي عشر:- مواقع الأنترنت:           

[243] ا لزعتري، علاء الدين (أمين عام الفتوى بسوريا) الشهيد الصدر وأثر فكره الاقتصادي على العالم الإسلامي ،2/ 2/ 2016م، http://ijtihadnet.net.

[244] الأفندي، محمد أحمد حسن، الجذور الفكرية للأزمة المالية الاقتصادية العالمية وصعود التمويل الإسلامي، مركز الكتاب الأكاديمي، 2020مhttps://books.google.iq   

[245] البكاء، حيدر عبد المطلب، الرؤية الإسلامية لتداعيات الأزمة المالية والإقتصادية وأسبابهـا وكيفية معالجتهـا (الأزمة المالية الأخيرة إنموذجاً)، مجلة جامعة الكوفة الإسلامية الجامعة، النجف الأشرف، 2016م، العدد 41، المجلد 1، ص 623.

 https://www.iasj.net/iasj.

[246] الحائري، كاظم، (معاصر)، ولاية الأمر في عصر الغيبة، مجمع الفكر الإسلامي، ط5، 1433هــ. http://www.almarjeya.com/pages/book

[247] حب الله، حيدر، قاعدة الصحة في العقود، الإتجاهـات الفقهـية بين التعميم والتخصيص، 16/ 12/ 2012. http://hobbollah.com/articles 

[248]   حسن شفيع، فلاح، مقالة بعنوان: “مفهوم الربا والاكتناز / وجهة نظر اقتصادية لعلة تحريمهما في الشريعة الاسلامية...؟ ص8. http://www.alnoor.se/article.asp ، 8/ 6/ 2008م

[249] الخاقاني، نوري عبد الرسول، المصرفية الإسلامية " الأسس النظرية وإشكاليات التطبيق" دار البازوري للطباعة والتوزيع، https://books.google.iq/book

[250] الخوري، فائز، مقابلة بين الحقوق الرومانية والحقوق الإسلامية والإفرنسية والإنكليزية، دمشق، 1924، 9. https://books.google.iq/books

[251] رشيد، فوزي، الشرائع العراقية القديمة، ط3، بغداد، 1987. google book. Iq.

[252] الزرقاء، مصطفى أحمد، الحكم على المدين المماطل بالتعويض على الدائن، كلية الشريعة / الجامعة الأردنية، موقع أحكام دوت كوم: https://saudi-lawyers.net.

[253] الزعتري، علاء الدين، موسوعة المعاملات المالية.  http://alzatari.net/publications/view/


[254] السيستاني، المرجع الألكتروني للمعلوماتية، 

https://almerja.com/fatawa/readPost

[255] السيستاني، محمد علي، النقد والنسيئة، الفصل السابع (القبض والتسليم)، مسألة 207، https://www.sistani.org/arabic/book

[256] الشاوي، محمد بن صالح، (مقالة): مناقشة ما ورد عن ابن عباس بأن الربا خاص بربا النسيئة،8/7/ 1434هــ/ 18/ 5/ 2013م، شبكة الألوكة:

 https://www.alukah.net/sharia

[257] شحاتة، عبد الله، الأزمة المالية: المفهـوم والأسباب، بحث منشور https://www.slideshare.net/gues

[258] شمولية الشريعة، بحوث ودراسات، نقد نظرية الفراغ القانوني في الإسلام، بإشراف ناصر مكارم الشيرازي، ترجمة حسن مطر، 15/ 9/ 2017م. https://nosos.net.

[259] شويدح، أحمد ذياب، ضوابط الربح في الشريعة الإسلامية، 1427هــ/ 2006م http://iefpedia.com/arab/wp-content/uploads/2009/08/1. 

[260] الصدر، محمد باقر، الارتكازات العقلائية ودورهـا في عملية الاستنباط، القسم الأول. http://ralqalam.com/article/

[261] عبد الحكيم، هشام، مخاطر عقود المشتقات المالية وانعكاساتها على الأزمة المالية العالمية، مجلة العلوم الاقتصادية والإدارية، المجلد 24، العدد 103، 30 أبريل/ نيسان، ص 14-163، جامعة بغداد كلية الإدارة والإقتصاد، 30/ 4/ 2018م،

[262] الفرا، محمد سليمان، مقدمة في قواعد الفقه الكلية، الجامعة الإسلامية / غزة، فرع الجنوب، خان يونس، كلية الشريعة والقانون/ قسم الشريعة الإسلامية، http://site.iugaza.edu.ps/mfaraa/files/2010/07

[263] فضل الله، محمد حسين، في النقد والنسيئة. موقع بينات. http://arabic.bayynat.org.lb/HtmlSecondary.aspx

[264] القلعاوي، غسان، "المصارف الإسلامية ضرورة عصرية: لماذا...؟ وكيف...؟" رسالة دكتوراه دمشق، دار المكتبـي، ط1 ،1998.

[265] كاشف الغطاء، عباس، المنتخب من القواعد الفقهية، النجف الأشرف، مؤسسة كاشف الغطاء، 1437هـ، / 2015م. http://www.kashifalgetaa.com

[266] الكلبايكاني، محمد المحمودي، الربا الإستثماري: نقد نظرية الشيخ يوسف الصانعي، بحوث ودراسات 25/ أبريل/ 2014م، https://nosos.net  .

[267] الكلبايكاني، محمودي، الأسس الفقهـية لنظام المساهـمة في البنوك اللاربوية. https://nosos.net.

[268] مالك، فضل الرحمن، الربا والفائدة، مقالة باللغة الأوردية نشرت في الدورية الشهـرية فكر ونظر، الصادرة عن معهـد البحوث الإسلامية باكستان، نوفمبر 1963، ترجمهـا سلطان المطيري، لترجمة مظهـر الدين صديق الإنجليزية. 23/ 11/ 2015 https://hekmah.org

[269] مجموعة علماء وباحثين، الربا وقضايا معاصرة، المقال رقم (2) بعنوان ما هـو الربا المحرم، للشيخ عبد الوهـاب الخلاف، (غير مرقم) https://books.google.iq/

[270] المدرسي، محمد تقي(معاصر)، الوجيز في عقود المنفعة والشركة، https://www.almodarresi.com/books/books.

[271] المصري، رفيق يونس إسلام كتاب، منهـج الشيخ محمد رشيد رضا في العقيدة، ص83، https://Google book. Iq

[272] المصري، رفيق، نظرية التثمير فائدة القرض وريع الأرض. https://drmasri.files.wordpress.com/

[273] معرفة، محمد هـادي ،محمد هـادي معرفة  وبعض نظريّاتهـ الفقهـية الجديدة، الأحد 21 مايو 2017 https://www.alkawthartv.com/news

[274] مقال محمد رشيد رضا في الربا، 4 أبريل، 2010.  https://iefpedia.com/arab   

[275] النووي، محي الدين بن زكريا يحيى بن شرف (ت 676هـ)، تكملة المجموع، دار الكتب العلمية، بيروت، كتاب البيوع، باب القرض، https://books.google.iq/books?id.



  الثاني عشر:- الجرائد والصحف

[276] الاقتصادية، جريدة العرب الاقتصادية الدولية، العدد

 9849.https://www.aleqt.com الإثنين، 28 سِبْتَمْبِر 2020 | 10 صَفَر 1442 

[277] جريدة إطلاعات، ليوم 27/ 11/1375ش، صفحة:(المعارف الإسلامية).

[278] جريدة الأخبار، موضوع (الماديات والمعنويات)، عبد الغني سعيد، سبتمبر 7/9/ 1973.

[279] صحيفة إيلاف المصرية، حداد، منير، تاريخ الأزمات المالية، العدد 2873، الجمعة 3أبريل 2009.

[280] صحيفة صوت العراق العراقية الألكترونية المستقلة، العوادي، راجي، هـل باستطاعة البنوك تجنب الفائدة الربوية؟، 11/ 4/ 2017م. https://www.sotaliraq.com


الثالث عشر:- القوانين التشريعات

[281] الدستور العراقي الجديد لسنة 2005 

[282] ﺍ القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948. 

[283] القانون المدني العراقي رقم (40) لسنة 1951.

[284] القانون المدني الكـويتي رقـم 67 لسـنة 1980

[285] اﻟﻘﺎﻨﻭﻥ ﺍﻟﻤﺩﻨﻲ اليمني ﺭﻗﻡ (14) لسنة 2002.

[286] قانون أصول المحاكمات المدنية الأردني وتعديلاتهـ والأنظمة الصادرة، رقم 24 لعام 1988. 

[287] قانون الموجبات والعقود اللبناني الصادر في آذار سنة 1932.


تعليقات