أبو الفتح الكراچگي - وآراؤه الكلامية

رسالة قدمت إلى مجلس كلية الفقه / جامعة الكوفة - وهي جزء من متطلبات نيل درجة الماجستير في الشريعة والعلوم الإسلامية / تقدم بها : الطالب شاكر جابر سلطان الأسدي – بإشراف : الأستاذ المساعد الدكتور باسم باقر جريو 1429 هـ  - 2008م


بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الحمدُ لله رب العالمين والصلاة والسلام علىٰ الهادي الأمين، وعلىٰ أهل بيته الغر الميامين وصحبه المنتجبين ومن والاهم بإحسان إلىٰ قيام يوم الدين.

إن ما يميز التراث العلمي والحضاري للأمة الإسلامية النضوج، ودقة الموضوعات التي أهتم بها، وكان ذلك نابعاً من أصالة هذه الأمة، وتأثرها بالقرآن الكريم الذي كان منبع عقيدتها وأصلها الذي لا ينضب، فعبرت عن موقفها بالدفاع عن عقيدتها الإسلامية، ولا سيما هذه التي أخذت علىٰ عاتقها الدفاع عن المباديء الإسلامية الصحيحة ضد الحركات المناوئة، والهدّامة للدين الإسلامي الحنيف.

إذ ظهرت شخصيات كثيرة كان لها الأثر الواضح والكبير في تثبيت أركان الدين الإسلامي، والحفاظ علىٰ هويته الإسلامية من الضياع ضد شبهات المبطلين، ودعوات المناوئين للإسلام والمسلمين.

وتأسيساً علىٰ ما تقدم فنحن بأمس الحاجة إلىٰ إحياء هذا التراث الخالد، وإظهار ذوي العلم والأصالة من أبنائها. حيث انتشرت الثقافات الأجنبية المختلفة التي تهدف إلىٰ خرق وحدة الصف الإسلامي، وزرع الأفكار العدوانية الهدامة بين ابناء هذه الأمة، وطمس حضارتها، ودفن أفكار علمائها الأفذاذ، الذين ملؤوا مكتبات العالم الإسلامي بمؤلفاتهم، التي أنارت الطريق للإنسانية جمعاء، وهم أجدر بالبحث عنهم، وعن أفكارهم التي أتخذت كتاب الله المجيد أساساً لها ومناراً تستضيئ به لطريقها، كونه تبياناً لكل شيء لقوله تعالىٰ: وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هَؤُلاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ تِـبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء.

وبهذا كان يحدوني الاملُ بدراسة أحد أساطين الكلام من أعلام القرن الخامس الهجري، المتكلم الإمامي البارع «أبي الفتح الكراچگي» الذي لم ينل نصيبه من الدراسات الأكاديمية أو الحوزوية، إذ لا شك أن شخصية بهذه المنزلة من العبقرية والنبوغ لجديرة بأن تحظىٰ من الباحثين بالعناية التي تناسب منزلته، ودراسة آرائه الكلامية بقدر ما وفق إليه الباحث إن شاء الله. ولما وجدتُ من آرائه الفذة، وهي كانت واضحة من خلال مناظراته مع أبرز زعماء الفرق الكلامية الأخرىٰ.وهذا ما دفعني إلىٰ دراسة الآراء الكلامية لهذا العالم الجليل القدر،الذي شهد بعلمه المؤآلف والمخالف، واطرأوه بكل جميل، زد علىٰ ذلك حفظاً علىٰ تراثنا الإسلامي من تراكم غبار الزمن، ومحاولة إظهار صورة الإطروحة الكلامية لعلماء الإمامية أمام من ركب جادة العناد ظلماً وعدواناً، من دون أن يقف موقف المتفحص الناظر الدقيق لمضامين هذه الإطروحة، وأهدافها الناصعة.

ولكن الإختيار لهذا البحث لم يخل من صعوبات، فقد واجهتني صعوبات كثيرة، منها تلك التي تتعلق بمكانة الشيخ الكراچگي العلمية، إذ لم تتناوله أية دراسة أكاديمية أو حوزوية مستقلة بحسب إطلاعي، مما جعل البحث يتطلب جهداً كبيراً في الكشف عن تلك الآراء، وإظهارها وتبويبها بحسب ما اقتضته طبيعة البحث، فتوكلت علىٰ الله القدير، وعقدتُ العزم علىٰ البحث عن مؤلفات هذا العالم الكبير، مبتدئاً بأهم كتبه العقائدية وهو كتاب «كنز الفوائد»، الذي ضم كثيراً من آرائه الكلامية مروراً بمؤلفاته العقائدية الأخرى المتوافرة بين الأيدي، حيث أن أعداء الأمة وتراكم الزمن قد أسهما في ضياع بعض مؤلفاته، وبهذا كانت طبيعة البحث، أن ينتظم من مقدمة وتمهيد وستة فصول، وانتظم كل فصل منه بمباحث عدّة.

أما المقدمة: فقد ذكرتُ فيها سبب اختيار البحث، والخطة المتبعة فيه.

وأما التمهيد: فتناولت فيه نظرة عامة حول حياة الشيخ الكراچگي من الولادة حتّىٰ الوفاة وما رافقها من سير علمي، وتحدثتُ فيه عن مؤلفاته ومكانته العلمية.

أما الفصل الأول: فينتظم في مبحثين اساسيين، اختص الأول في النظر في معرفة ذات الله سبحانه والادلة علىٰ وجوده، والمبحث الثاني فتضمن أهم صفاته تعالىٰ (الثبوتية والسلبية).

أما الفصل الثاني: فكان في العدل الإلهي، متضمناً ثلاثة مباحث الأول بيّن مفهوم العدل، والثاني تضمن مسألة التحسين والتقبيح، وفعل الأصلح عند الله سبحانه، والثالث فتضمن مسألة القضاء والقدر أو الجبر والاختيار، وتكليف الإنسان بما لا يطيق، والاستطاعة أهي قبل الفعل أم مع الفعل؟

أما الفصل الثالث: فقد بحث في النبوّة وتضمن خمسة مباحث أوضح الأول مفهوم النبوّة والفارق بين النبيّ والرسول، والثاني بين ضرورة بعثة الأنبياء ووجوبها، وتضمن طرق معرفة النبوّة، وأما المبحث الثالث فقد شمل علىٰ أهم صفات الأنبياء والرابع اختص بالنبوة الخاصة (نبوّة  محمد)، والمبحث الخامس تناول مفهوم النسخ ونسخ الشرائع.

أما الفصل الرابع: فتناول الأصل الرابع (الإمامة): الذي نال النصيب الأكبر في هذه الرسالة، لكون الشيخ الكراچگي قد وضع كثيراً من مؤلفاته في الإمامة، وربما يعود ذلك إلىٰ أن هذه المسألة هي التي شقت عصا المسلمين منذُ صدر الرسالة حتّىٰ يومنا هذا، فاحتوىٰ هذا الفصل علىٰ خمسة مباحث: أوضح الأول مفهوم الإمامة، والمبحث الثاني أوضح أهميتها ووجوبها، وهل هي أصل أو فرع؟ وأوضح المبحث الثالث طرق إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر، أما المبحث الرابع فشمل صفات الإمام، والخامس: بيّن قضية غيبة الإمام المهدي.

أما الفصل الخامس: فقد تضمن البحث فيه عن المعاد وكيفيته، وتضمن مسائل أخرىٰ مثل الوعد والوعيد والشفاعة والتوبة والميزان والصراط.

وأخيراً الفصل السادس: فقد اختص ببعض المسائل الكلامية المتفرقة مثل (البداء، والآجال، والأرزاق)، وكوني لم أجد في حدود تتبعي لمؤلفات الشيخ الكراچگي سوىٰ ثلاث مسائل. لذا اقتصرت علىٰ تناولها، معززاً رؤية الشيخ الكراچگي بالأدلة العقلية والنقلية كما وردت في مصادرها المعتمدة عند المسلمين.

أما الخلاصة: فقد ذكرت فيها ما توصلت إليه في البحث من نتائج، وأنا أتطلع في هذا الرجل الثر، وكان منهج البحث قائماً علىٰ سلوك البحث العلمي، والتقصي الدقيق للأفكار العقائدية الحقّة للعلّامة الكراچگي في أكثر مصادره التي سارت علىٰ خطىٰ منهج أهل البيت ودحض الأفكار المنحرفة.

وأدعو الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في ذلك وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

                                                                             الباحث

 


المبحث الأول

الحياة الفكرية في عصر الكراچگي

المبحث الثاني

لمحات من حياة الكراچگي

(1) اسمه، وكنيته وألقابه:- 

(2) نسبهُ:-

(3) ولادته:-

(4) رحلاته العلمية:-

(5) جهوده العلمية في لبنان:-

(6) مناظراته:-

(7) شيوخه وأساتذته:-

(8) تلامذته:-

(9) آراء العلماء فيه:-

(10) مؤلفاته وآثاره:-

(11) وفاته ومرقده:-

 



المبحث الأول

الحياة الفكرية في عصر الكراچگي

انماز العصر الذي ظهر فيه الكراچگي بأنه عصر ازدهار فكري واسع، حيث كثرت فيه المجادلات والمناظرات بين الفرق الكلامية والمذاهب الإسلامية حول قضايا الدين والفكر، ولاسيما بين الشيعة،  والمعتزلة، والأشاعرة وقد كانوا زعماء كلاميين بارزين، خاضوا في أسرار الفكر بشكل واضح في هذه المرحلة من خلال مؤلّفاتهم ومناظراتهم ولاسيما الشيعة إذ كانت مركز الثقل العلمي والفكري، وما تملك من الطاقات الثقافية والفكرية ما لا يملكه سواها.

ومما ساعد علىٰ اتساع الحركة العلمية في عصر الكراچگي أن بغداد كانت مركز العالم الإسلامي، وحضارته العلمية والسياسية، وكانت تشدُ الرحال إليها من كل البلدان، فنشأت المدارس ودور العلم، ويرجع هذا الاتساع إلىٰ انتشار الحرية، ولاسيما الحرية الدينية والفكرية والعلمية.

زيادة علىٰ ذلك مشاركة بعض الحكام في تلك الحقبة في هذه العلوم، أو حضور مجالسها مما دفع العلماء في نشر معتقداتهم وآرائهم فأسهموا إسهاماً بالغاً في البحث العلمي ولذا زخرت تلك الحقبة بأصحاب الفكر والأدب والفقه والتفسير والشعر والحديث وغيرهم، إذ برز من شيوخ المعتزلة القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني (ت: 415 هـ) ، وأبو الحسين البصري محمد بن علي بن الخطيب (ت: 436 هـ) . ومن الأشاعرة، أبو بكر محمد بن الطيب البصري المعروف بالقاضي الباقلاني (ت: 403هـ) . ومن الشيعة الإمامية، فقد برز الشيخ محمد بن محمد بن النعمان التلعكبري المعروف بالشيخ المفيد (ت: 413 هـ) . والشريف المرتضىٰ علي بن الحسن الموسوي (ت: 436هـ). وتلميذهما أبو الفتح الكراچگي (ت: 449 هـ) وهؤلاء المتكلمون الشيعة تمكنوا من نشر التشيّع في مناطق واسعة من إيران والعراق وسوريا، والوقوف ضد الهجمات المعادية للمذهب الشيعي اعتماداً علىٰ الأدلة العلمية والمنطقية.

والشاهد علىٰ انتشار التشيع في بلاد الشام تلك الصلة الوثيقة بين فقهاء بغداد وشيعة هذه البلدان، إذ تجلّت في الكتابات والرسائل التي يجيب عليها زعيم الإمامية الشريف المرتضىٰ           (ت: 436هـ) التي تتضمن بعض الأسئلة الدينية التي ترده من صور، وصيدا، وطرابلس، وسمّيت تلك الرسائل بـ «أجوبة المسائل الصيداوية» ردّاً علىٰ الأسئلة التي وردته من شيعة صيدا، و«جواب المسائل الطرابلسية الثانية» «وجواب المسائل الطرابلسية الثالثة» وهذه أجوبة علىٰ المسائل الفقهية والكلامية التي وردته من أهل طرابلس.

وكان للفقيه والمتكلم الكراچگي أثرٌ بارزٌ في رعاية الوجود الشيعي في هذه الأنحاء، وأصبح ممثلاً عن الشريف المرتضىٰ في مدينة صور، واحد علماء الإمامية البارزين في تلك المناطق.


*    *    *



المبحث الثاني

لمحات من حياة الكراچگي


إذا كان في الإمكان أن نتناول عصر الكراچگي سياسياً، واجتماعياً وثقافياً، فإننا بما لا شك فيه لا نستطيع أن نتناوله شخصياً بهذا الإسهاب، ولا أن نترجم له ترجمة دقيقة تشمل جوانب حياته جميعاً.

إذ أن المصادر المعنية  بعصر الكراچگي في نواحيه جميعاً كانت متوافرة وفائضة، بقدر ما استطاع الباحث الإلمام بتلك الدراسات التي عنيت بحياة الشيخ الكراچگي.

وأما نصيب هذا الشيخ الجليل بالقدر الذي يتعلق بشخصيته وأسرته، وأهله، فإن نصيبها من هذه المصادر قليل جداً. لأن أكثر كتب التراجم والسير والتاريخ لم تذكر عنه إلا نتفاً يسيره، لا تغني صاحب البحث، أسرته أو نشأته، حيث كان اهتمام مؤرّخي التاريخ هو العناية بأخبار الحكومات والملوك، من دون أن يعنىٰ بأفراد الشعب حتىٰ لو كانوا علماءً ومفكرين، ولكنا بقدر ما أسعفتنا المصادر نحاول أن نقف علىٰ حياة صاحب البحث العلّامة «الكراچگي» ومعرفة تفاصيل نشأته العلمية وأخبار عصره، ولا سيما إذا ما علمنا أن الدراسات الأكاديمية أو الحوزوية قد تكون قليله حول هذه الشخصية. فكان الأمل يحدونا للبحث والاستقصاء للوقوف عن كثبّ علىٰ هذا الرجل الثرّ الذي لا زال بحاجة إلىٰ أكثر من دراسة لتعدد جوانب هذه الشخصية ومعارفها.


(1) اسمه، وكنيته وألقابه:-

أكثر المصادر تشير إلىٰ أنه أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراچگي.

فاسمه محمد، وكنيتهُ أبو الفتح، واسم أبيه علي، واسم جده  عثمان، ويلقّب بالخيمي.

فقد سكن الخيم في البلاد المصرية فهو كثير التنقل والترحال.

ولقّب بالكرخي. لإطالة السكن في بغداد بجانب الكرخ، كما أُطلق عليه لقب الإمام والعلّامة. ولقّب بالطرابلسي. كونه وضع أكثر مؤلفاته في طرابلس، وأطال المقام بها. ولقّب كذلك بالقاضي. والصوري. إذ أقام في صور، ودفن فيها، ووضع فيها بعض مؤلفاته. ولقّب بالرحّالة لكثرة رحلاته بين البلدان العربية. 


(2) نسبهُ:-

أما فيما يتعلق بنسب – الكراچگي – فقد اختلف الباحثون في تحديد هذا النسب فكانوا علىٰ رأيين:-

الأول: منهم من أرجع نسب – الكراچگي – إلىٰ «كراچگ» وهي قرية علىٰ باب واسط في العراق.

الثاني: ومنهم من أرجع نسبهُ إلىٰ «كراچگ» وهي مهنة صناعة الخيم، أومن عرف بسكن الخيم.

وإذا تمعنا في الرأيين السابقين والاطلاع علىٰ المصادر المختلفة فلا نجد ما يشير إلىٰ وجود قرية بهذا الاسم علىٰ باب واسط، عدا ما أشار إليه الحموي (ت: 626 هـ) في معجمه، وهو لم يكن سوى ناقلاً لرواية استاذه السمعاني (ت: 562 هـ) حيث قال: «كراچگ بالفتح والجيم المضمومة وأُخره كاف قال: السمعاني قرية علىٰ باب واسط». وبعد الرجوع إلىٰ قول السمعاني في الأنساب نجده لا يقطع بوجود مثل هذه القرية، أو بمعرفته بها، وإنما سمعَ عن استاذه، حيث يضيف إلىٰ ما تقدم قائلاً: «الكراچگي بفتح الكاف والراء والجيم، وفي أخرها كاف أخرىٰ، هذه التسمية إلىٰ كراچگ: وهي قرية علىٰ باب واسط، وهكذا سمعتُ أستاذي أبا القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ باصبهان».

وإذا تمعنا وتدبرنا في ذلك نجد السمعاني ضبط الجيم بالفتح لا بضمها كما ضبطها آخرون. ويبدو للباحث أن هذه الرواية تبدو ضعيفة، ولا تقف أمام كثرة روايات العلماء الذين لقبوه بالخيمي، لسكنه الخيم، كونه سائحاً في البلاد العربية، طلباً للعلم، وهذا واضحٌ في جولاته العلمية. حيث نقل الذهبي (ت: 748 هـ) في تاريخ الإسلام: الكراچگي هو الخيمي. وقال في العبر: «الكراچگي الخيمي، ورأس الشيعة».

وذكر العسقلاني (ت: 852 هـ): «... الكراچگي بفتح الكاف وتخفيف الراء وكسر الجيم ثم الكاف نسبة إلىٰ عمل الخيم وهو الكرچگ».

وإليه ذهب ابن عماد الحنبلي (ت: 1089 هـ) بقوله: «الكراچگي أي الخيمي... رأس الشيعة وصاحب التصانيف...» .

وفي هذا الصدد يقول السيد محسن الأميني (ت: 1371 هـ): «الكراچگي بفتح الكاف وإهمال الراء وكسر الجيم – نسبة إلىٰ كراچگ، عمل الخيم، ولهذا وصفه بعض مترجميه بالخيمي. وضبطه بعضهم بضم الجيم نسبة إلىٰ الكراچگ، قرية علىٰ باب واسط... ولكن هذا ليس بصحيح».

وهنالك من الروايات الأخرى التي تؤكد على ذلك، مما دفع الباحث إلىٰ القول بان نسب الكراچگي يرجح أن يكون راجعاً إلىٰ رأي الفريق الثاني وهو عمل الخيم أو من سكنها.


(3) ولادتهُ:-

 لم تفصح كتب الرجال والتراجم والمصنفات عن تاريخ ولادته ولا مكانها؟!. 

ولكن وجدنا الكراچگي في كتابه «كنز الفوائد» يروي عن أبي الحسن بن أحمد اللغوي المعروف بابن زكار في مدينة ميافارقين»(*) في سنة 399هـ . وهذا يعني أن ولادته كانت قبل هذا التاريخ، حسب ما أشارت إليه المصادر التي ترجمت له، انه كان في سن العشرين من عمره علىٰ أدنىٰ احتمال. وعليه هذا فتكون ولادته بحدود سنة 379 هـ -وهذا تاريخ تقريبي- أي: عاش سبعين سنة، وكانت بدايتها في بغداد، فقد لبث فيها مدة، مما أتاح له الفرصة أن ينهل من علم استاذه الأول الشيخ المفيد (ت: 413 هـ)، والشريف المرتضى (ت: 436 هـ). وبعد ذلك توجب الأمر بالتنقل لنشر الفكر الشيعي في المناطق المجاورة، وكانت أولىٰ رحلاته إلىٰ مصر في سنة 407هـ.

(4) رحلاته العلمية:-

كان الشيخ الكراچگي ذا قدرة علمية فائقة، نبغ بكل فنون المعرفة، وسعىٰ إلىٰ طلب المعرفة أينما كانت، فلقد كان متنقلاً بين كثير من البلدان الإسلامية، لطلب العلم، ونشر الفكر الشيعي، إذ إنماز بأنه صاحب رسالة إسلامية وعلمية، عمل علىٰ نشرها في تلك البلدان، ولاسيما بلاد الشام ومن ابرز رحلاته: بحسب التسلسل الزمني:

1- سنة 407 هـ كان بمصر.

2- سنة 410 هـ كان بالرملة.

3- سنة 412 هـ في جمادى الآخرة كان بالرملة.

4- سنة 412 هـ كان بمكة.

5- سنة 416 هـ كان بالرملة.

6- سنة 418 هـ كان بصور.

7- سنة 424 هـ كان بالقاهرة.

8- سنة 426 هـ كان بمصر.

9- سنة 436 هـ كان بطرابلس.

10- سنة 441 هـ كان في صيدا.

فكان يتنقل بين دمشق وبغداد، وحلب وطبرية، وبين صيدا وصور وطرابلس، «ويقيم في كل منها مدة طويلة، يؤلف فيها ويصنّف» وهذا يظهر من خلال مؤلفاته ولقاءاته مع أهل العلم، وحين يستقر في بلد يعكف علىٰ التأليف في مواضيع الساعة ولذلك وجدنا شطراً من مؤلفاته قد نشرها في القاهرة، وبعضها في الرملة، وأخرىٰ في دمشق وصيدا وطرابلس وغيرها وألّف لبعض شخصيات عصره من أمراء وقادة وعلماء وقضاة، ومحتوىٰ مؤلفاته يشير إلىٰ ذلك.

(5) جهوده العلمية في لبنان:-

يعدُ أبو الفتح الكراچگي من أبرز الشخصيات الشيعية التي تحملت مسؤولية نشر الفكر الشيعي في البلدان المجاورة للعراق، إذ كان له أثرٌ كبيرٌ في ذلك ولاسيما عندما استقر في بلاد الشام، ولبنان مدة من الزمن ليعمل علىٰ ترسيخ العقيدة الإسلامية، والحد من النزعات الإسلامية الأخرىٰ مثل النزعة الإسماعيلية(*)، ولاسيما في لبنان عندما كانت واقعة تحت نفوذ الدولة الفاطمية، والفكر الإسماعيلي الفاطمي منتشرٌ في أكثر بقاعها.

وقد أختار الكراچگي مدينة طرابلس اللبنانية قاعدة لانطلاقه وعمله، حين كان أُمراء بني عمار(*) الشيعة يتولون حكمها ويسيطرون عليها. ومنها انطلق الشيخ الكراچگي يناظر، ويجادل ويعلم بكل ما يملك من طاقات علمية وفكرية، والوقوف في وجه الموجة الإسماعيلية، واستطاع ان يحد من نشاطها، حتىٰ انحسرت في أكثر هذه المنطقة، وحل مكانها الفكر الشيعي الإمامي الذي أصبح مذهب أكثرية سكان المناطق الساحلية في ذلك العهد، «وأصبح الكراچگي ممثلاً للشريف المرتضىٰ في تلك المناطق». 

وشمل نشاطه مناظرة الفرق الكلامية الإسلامية الأخرىٰ، كالمعتزلة والأشاعرة، وأهل الديانات الأخرىٰ، كاليهود، والنصارىٰ، والبراهمة وسواهم. ويبدوا ذلك من كتبه(**) والفصول التي أدرجها في كتابه كنز الفوائد، وكل ذلك بفضل جهوده المتواصلة، وبما يملكه من شدة المعارضة، وروح الجدل، ووافر العلم، وعمق الملاحظة، وتنوع الثقافة، وقوة الحجة، وبما كان يتمتع به من وعي وإدراك، ومن حيوية وصبر وعمل دائب.

(6) مناظراته:-

كان من الطبيعي ان لا تخلو حياة الكراچگي من مناظرات كلامية ومناقشات علمية، قتضتها طبيعة الظروف السائدة، ولاسيما في عصره الذي كثرت فيه المذاهب الإسلامية، والنحل المختلفة، فقد عُرف باعتزازه بالعلم، ومقدرة فائقة علىٰ إيراد الحجج الدامغة، وما أوتي من ملكة البيان، وسرعة البديهة، كل ذلك جعل منه مناظراً ومدافعاً عن المذهب، ومن أبرز مناظراته:

1- مناظرته مع أحد المجبرة في مجلس بعض الرؤساء في المعصية.

2- مناظرته مع أحد المعتزلة في مسألة البداء.

3- مناظرته مع بعض أهل الكلام في عذاب القبر يوم القيامة إلىٰ الأبد.

4- مناظرته في حكم مسح الرجلين في الوضوء.

5- مناظرته مع أحد الفقهاء العامة في حكم القياس.

6- مناظرته مع بعض الأخوه بحقيقة إسلام أمير المؤمنين.

(7) شيوخه وأساتذته:-

أخذ أبو الفتح الكراچگي العلم عن جماعة كثيرة من أعلام عصره. فأخذ الحديث من عدد كبير من الرواة والعلماء من الشيعة والعامة، وروىٰ عن أكثرهم ومنهم:-

1- الشيخ أبو سعيد أحمد بن محمد بن أحمد الماليني الهروي (ت: 412 هـ) .

2- الشيخ المفيد، أبو عبد الله محمد بن النعمان الحارثي البغدادي، المعروف بأبن المعلم    (ت: 413 هـ). وهو الذي منح الكراچگي إجازة علمية.

3- أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن علي المعروف بأبن الواسطي المعاصر للشريف المرتضى.  (ت: 420 هـ) .

4- أبو الحسن محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان القمي (ت: 425 هـ) .

5- الشريف المرتضىٰ، علي بن أبي أحمد الحسيني بن موسى المعروف بذي النجدين، وبعلم الهدىٰ (ت: 436 هـ) .

6- القاضي أبو الحسن محمد بن محمد بن صخر الأزدي البصري (ت: 443 هـ) .

7- أبو يعلىٰ حمزة بن عبد العزيز الديلمي الطبرستاني المعروف بسالار، ومعناه الرئيس أو المقدم، من تلاميذ المفيد والمرتضىٰ (448 هـ) .

8- أبو جعفر بن الحسن بن علي الطوسي، شيخ الطائفة (ت: 460 هـ) .

9- أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف. (ت: 474 هـ) .

10- الحسين بن محمد بن علي الصيرفي البغدادي. (ت: 481 هـ) .

11- أبو المرجاء (الرجاء) محمد بن علي بن طالب البلدي.

12- الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن الحسين بن طاهر الحسيني.

13- أبو محمد عبد الله بن عثمان بن حماس.

14- القاضي أبو الحسن اسد بن إبراهيم بن كليب السلمي الحراني نزيل بغداد.

15- الشريف أبو منصور أحمد بن حمزة الحسيني العريضي. 

16- أبو الحسن علي بن أحمد اللغوي المعروف بابن زكار.   

17- القاضي أبو الحسن علي بن محمد السباط البغدادي.

18- أبو الحسن ظاهر بن موسىٰ بن جعفر الحسيني.

19- أبو العباس أحمد بن نوح بن محمد الحنبلي الشافعي. 

20- أبو الحسن علي بن الحسن بن منده.

21- أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن عنان.

(8) تلامذته:-

لقد تتلمذ عليه جمع كثيرة منهم:

1- الشيخ عبد الرحمن بن أحمد بن الحسين الخزاعي المعروف بالمفيد النيسابوري (ت: 445هـ) .   

2- الشيخ شمس الدين أبو محمد الحسن الملقب بحسكا الرازي، أبن الحسين بن الحسن بن الحسين بن علي بن بابويه القمي (ت: 512هـ) .  

3-  أبو محمد ريحان بن عبيد الله الحبشي (ت: 560هـ) وكان من المعمرين.

4- السيد أبو الفضل ظفر بن الداعي بن مهدي العلوي المصري الأسترآبادي.   

5- عبد العزيز بن أبي كامل القاضي عبد العزيز الطرابلسي. 

6- الفقيه أبو عبد الله الحسين بن هبة الله الطرابلسي.

(9) آراء العلماء فيه:-

كانت للكراچگي شخصية علمية متفوقة، شارك في علوم عصره، وكانت له مكانة اجتماعية مرموقة، إذ وصفوه بشيخ الشيعة، وفقيه الأصحاب، ونحو ذلك وقد ترجم له كثير من المؤرّخين، وأصحاب المعاجم والتراجم، من المخالف والمؤالف، واسبغوا عليه آيات العلم، فاثنوا علىٰ علمه وثقافته ومكانته العلمية الفذّة. ومن هؤلاء المؤرخين الذين وصفوه بأوصاف عدة:

1- الذهبي (ت: 748هـ): حيث قال عنه في تاريخ الإسلام: «أبو الفتح الكراچگي شيخ الشيعة، وكان من فحول الرافضة، بارعاً في فقههم، نحوياً، لغوياً، ...، طبيباً»وفي موضع آخر قال عنه الذهبي: «أبو الفتح الكراچگي، الخيمي رأس الشيعة، وصاحب التصانيف... كان نحوياً، لغوياً، منجماً، طبيباً، متكلماً...» .  

2- وذكر الصفدي (ت: 764هـ) في الوافي بالوفيات: «أبو الفتح شيخ الشيعة، وكان من فحول الرافضة، بارعاً في فقههم، لقي الكبار مثل المرتضىٰ». 

3- ووصفه اليافعي (ت: 768هـ) في مرآة الجنان بقوله: «أبو الفتح الكرخي، الخيمي، رأس الشيعة، وصاحب التصانيف كان نحوياً، لغوياً... من كبار أصحاب المرتضىٰ».    

4- واثنىٰ عليه أبن عماد الحنبلي (ت: 1089هـ) في كتابه شذرات الذهب بقوله:                 «... الكراچگي أي الخيمي رأس الشيعة... مات بصور من ربيع الآخر، وكان نحوياً، منجماً، متكلماً...» .

5- وقال عنه الشيخ منتجب الدين أبن بابويه (ت: 585 هـ) في الفهرست: «الشيخ، العالم، الثقة ،... فقيه الأصحاب ... قراء علىٰ السيد المرتضى علم الهدى والشيخ الموفق أبي جعفر [الطوسي] ».


6- وأثنى عليه أبن شهرآشوب (ت: 588 هـ) في معالم العلماء فقال: «عالم، فاضل، متكلم، فقيه، محدث، ثقة، جليل القدر».

7- أما الحر العاملي (ت: 1104هـ) في أمل الآمل فيقول: «عالم، فاضل، متكلم، فقيه، جليل القدر».

8- وذكره العلّامة المجلسي (ت: 1111 هـ) في بحار الأنوار فقال: «أما الكراچگي فهو من أجلّة العلماء والفقهاء والمتكلمين واسند إليه  جميع أرباب الإجازات...» .

9- وأما السيد حسن الصدر (ت: 1354 هـ) في تأسيس الشيعة فذكره بقوله: «ومن مشاهير المتكلمين الشيعة منهم العلّامة أبو الفتح الكراچگي، وحيد عصره، وفريد دهره».

10- ووصفه السيد الأميني (ت: 1371 هـ) في أعيان الشيعة بقوله: «الفقيه المتكلم، الحكيم، الرياضي، وقد صنف في الكل».

11- أما الطهراني (ت: 1389 هـ) فقال فيه: «الكراچگي العالم الثقة أبو الفتح فقيه الأصحاب قراء علي المرتضىٰ علم الهدىٰ والطوسي...» .

(10) مؤلفاته وآثاره:-

لقد ترك لنا الكراچگي مؤلفات مختلفة شملت شتىٰ فروع العلوم والمعرفة، إذ كتب في الفقه، والأصول، والحساب، والرياضيات، والفلك، والأدب، والحديث، والفلسفة، والكلام، والنجوم، والأخلاق، والتاريخ، والرجال، والتفسير، وغيرها مما تشير إليه عناوين كتبه التي وضعها. وكل هذا جاء نتيجة سعيه للدفاع عن العقيدة، في حوار ومناظرة الفرق الكلامية الأخرىٰ، وأصحاب الملل والنحل، كونه وافر الإنتاج، واسع المعرفة وهو ما يدل علىٰ ما في هذا الرجل من حركة علمية وفكر فذّ، تمثل في تراثه الثر الذي يُظهر روح هذا العالم العبقري في ذلك العهد الذي يؤدي به رسالته كاملة من غير تفريط في الدرس وكوّنت مؤلفاته مكتبة عظيمة من أبرز كتبها:

أولاً: الكتب الفقهية:

1- كتاب الصلوات (الصلاة) وهو روضة العابدين ونزهة الزاهدين، ثلاثة أجزاء. فالجزء الأول في ذكر الفرائض، والثاني في ذكر السنن، والثالث في ذكر التطوع الذي ليس بمسنون، وما ورد في الجميع من علم وعمل، يشتمل علىٰ ثلاثمائة ورقة، عمله لولده موسىٰ.

2- الرسالة الناصرية في عمل ليلة الجمعة ويومها. عملها للأمير ناصر الدولة(*)، بدمشق جزء واحد، خمسون ورقة، وتشتمل علىٰ ذكر المفروض والمنسوب والمستحب.

3- التلقين لأولاد المؤمنين، صنّفه بطرابلس.

4- التهذيب: متصل بالتلقين، صنّفه بطرابلس يشتمل علىٰ ذكر العبادات الشرعية بتقسيم يقرب فهمه ويسهل خبطه.

5- المواريث: وهو معونة الفارض علىٰ استخراج سهام الفرائض. وقد ذكر فيه ما يستحقه طبقات الوارث، والسبيل إلىٰ استخراج سهامهم من غير انكسار.

6- المنهاج إلىٰ معرفة مناسك الحاج، وهو منسك كامل يشمل علىٰ فقه وعمل وزيارات.

7- المقنع للحاج والزائر.

8- المنسك العصبي.

9- نهج البيان في مناسك النسوان.

10- الاستطراف في ذكر ما ورد في الفقه من الانصاف، يتضمن ما اختص بذكر النصف في الفقه.

11- مختصر كتاب الدعائم للقاضي النعمان.

12- الاختيار من الأخبار، وهو اختصار كتاب «الاخبار» للقاضي النعمان يجري مجرىٰ اختصار الدعائم.

13- الإيضاح في أحكام النكاح.

14- ردع الجاهل وتنبيه الغافل، وهو نقض كلام أبي المحاسن المعرّي الذي طعن به علىٰ الشريف المرتضىٰ ، في المسح علىٰ الرجلين.

15- البستان في الفقه.

16- الكافي في الاستدلال علىٰ صحة القول برؤية الهلال.

ثانياً: مؤلفاته الكلامية والعقائدية:-

17- كتاب حجة العالم في هيئة العالم.

18- جواب رسالة الأخوه، يتضمن الرد علىٰ الأشعرية وافساد أقوالهم وطعنهم علىٰ الشيعة.

19- الاستبصار في النص علىٰ الأئمة الأطهار، يتضمن هذا الكتاب ما ورد من طريقي الخاصة والعامة في النص علىٰ إعداد الأئمة الأطهار.

20- التعجب في الإمامة من أغلاط العامة.

21- معارضة الأضداد باتفاق الأعداد.

22- المسألة القيسرانية: في تزويج النبي عائشة وحفصة.

23- الرسالة البنائية (المسألة البنائية) وهي في فضل أمير المؤمنين علىٰ البرية جميعاً سوىٰ سيدنا رسول الله.

24- مختصر كتاب (التنزيه) تصنيف المرتضىٰ.

25- نقض رسالة فردان المروزي في الجزء الذي لا يتجزأ.

26- الإبانة عن المماثلة في الاستدلال لإثبات النبوة والإمامة.

وهو كتاب حسن لطيف لم يسبق إليه. أثبت فيه تساوي طرفي إثبات الإمامة الخاصة والنبوة علىٰ منكريها، فيفترض مجلساً فيه إمامي ومعتزلي ويهودي، ويذكر الاحتجاج للنبوة علىٰ اليهودي، ومثله للإمامة علىٰ المعتزلي.

27- رياض العقول في مقدمات الأصول. وهو جزء لطيف «لم يتم».

28- غاية الإنصاف في مسائل الخلاف يتضمن النقض علىٰ أبي الصلاح الحلبي(*) في مسائل خالف بينه وبين المرتضىٰ، نصرَ فيها رأي المرتضىٰ.

29- الغاية في الأصول. أوجز فيه القول بحدوث العالم واثبات محدثه.

30- الأسباب الصادرة في معرفة الصواب.

31- رسالة نعتها بـ (دامغة النصارىٰ) وهي نقض كلام أبي الهيثم النصراني في ما رام تثبيته الثالوث والاتحاد.

32- الفاضح، (لم يتم) .

33- المجالس في مقدمات صناعة الكلام.

34- عدة البصير في حج يوم الغدير. يختص بإثبات إمامة أمير المؤمنين علي.

35- الذخر للمعاد في تصحيح الاعتقاد.

36- الرد علىٰ المنجمين.

37- الانتقام من غدر بأمير المؤمنين علي.

38- وجوب الإمامة.

39- الرد علىٰ الغلاة.

40- البيان في اعتقاد أهل الإيمان.

41- رسالة كتبها لبعض الأخوه تتضمن كلاماً في وجوب الإمامة.


ثالثاً: كتب الأنساب والآداب:-

42- الزاهر في آداب الملوك.

43- التأديب عمله لولده.

44- مختصر كتاب أبن خداع(*) في ذكر المعقبين في ولد الحسن والحسين.

45- المشجر.

رابعاً: من الكتب النجومية:-

46- نظم الدرر في مبنى الكواكب والصورة.

47- إيضاح السبيل إلىٰ علم أوقات الليل.

48- المزيل.

49- كتاب من الحساب الهندي وأبوابه.

50- كتاب النجوم.

خامساً: الكتب المختلفة:-

51- العيون في الأدب.

52- الوزيري.

53- أخبار الآحاد.

54- المؤمن.

55- نصيحة الإخوه.

56- الباهر في الأخبار.

57- معدن الجواهر ورياضة العقول.

58- الرسالة الصوفية.

59- الرسالة العامرية.

60- رياض الحكم.

61- النوادر.

62- المزار.

63- مختصر زيارات إبراهيم.

64- نصيحة الشيعة.

65- الجليس.

66- الإقناع في تعذر الإجماع، «لم يتم».

67- مختصر البيان عن دلالة شهر رمضان.

68- هداية المسترشدين.

69- مختصر الرسالة الحازمية.

70- مختصر طبقات الوارث.

71- موعظة العقلاء للنفس.

72- المنازل.

73- التعريف بوجوب حق الوالدين.

74- الرسالة العلوية، في فضل أمير المؤمنين علىٰ سائر البرية.

75- كنز الفوائد، وهو من أبرز الكتب التي عملها يتضمن كلاماً في فنون مختلفة، وتفاسير آيات كثيرة، ومختصرات عدّة عملها، واخباراً سمعها مروية من الأدب نظماً ونثراً، ونكتاً مستحسنة تسلية الرؤساء طبع الطبعة الثانية بجزئين ويشمل علىٰ مختصرات عدّة:

أ- مختصر من كلام في أن للحوادث أولاً.

ب- القول المبين في وجوب المسح علىٰ الرجلين.

ت- البيان في جمل اعتقاد أهل الإيمان.

ث- كتاب الإعلام بحقيقة إسلام أمير المؤمنين.

ج- المقدمات في صناعة الكلام.

ح- رسالة في وجوب الإمامة.

خ- مختصر التذكر بأصول الفقه.

د- البرهان علىٰ صحة طول عمر صاحب الزمان.

ذ- دليل النص بخبر الغدير علىٰ إمامة علي.

(11) وفاته ومرقده:-

أجمعت أغلب المصادر التي ترجمت أخباره علىٰ أن الكراچگي توفي في صور. في يوم الجمعة الثاني من ربيع الآخر سنة 449 هـ ، ولم ينفرد عن ذلك بحسب اطلاعي إلا الشيخ محمد حرز الدين، (ت: 1365هـ) حيث ذكر أن وفاته كانت في بغداد. أما مكان مرقده فقال حرز الدين: مرقده في بغداد من الجهة المؤدية إلىٰ باب الكوفة، بجانب الرصافة، في الضفة الشرقية لنهر دجلة رأس الجسر القديم، في جامع الصوفية، ونقل الشيخ حرز الدين بقوله: زرنا مرقد الشيخ الكليني لأول مرة سنة 1305هـ ببغداد، وكان قد دلنا علىٰ مرقد الشيخ الكراچگي فضيلة الشيخ إمامُ الجامع.     


*    *    *


 

 


توطئة:

المبحث الأول:

معرفة الله تعالىٰ والأدلة علىٰ وجوده

المطلب الأول: النظر في معرفة الله تعالى.

    المطلب الثاني: أدلة إثبات الصانع.

        1- دليل الوجوب والإمكان.

        2- دليل الحدوث.

        3- دليل التمانع والتدافع.

المبحث الثاني: الصفات الإلهية.

توطئة:

   المطلب الأول: معرفة الموصوف والصفة.

  المطلب الثاني:  أسماء الله وحقيقتها.

  ا لمطلب الثالث: آراء المسلمين في العلاقة بين الصفات الإلهية والذات المقدّسة.

   المطلب الرابع: تمييز صفات الله تعالى عند الكراچگي. 

        أولاً: الصفات الثبوتية.

              1- الوحدانية. 

              2- القدم والبقاء.

              3- القدرة.

              4- الإرادة.

              5- العلم الإلهي.

              6- الحياة.

              7- السمع والبصر.

              8- الكلام الإلهي.

        ثانياً: الصفات السلبية.

              1- انه تعالىٰ ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض.

              2- انه تعالىٰ ليس بمكان.

 



التوحيد

توطئة:

توحيد الله؛ هو أصل الشرائع الإلهية، وان الاعتقاد بهذا الأصل هو علىٰ رأس المعتقدات التي لها صلة بالدين جميعاً. وهذا أدرك الإنسان بفطرته ضرورة وجود الخالق، والإيمان به، ويستطيع أن يدرك بفكره الواعي بداهة توحيده وضرورته، ويعتقد بقناعة ويسر. ومصدر هذا وذاك استقراء هذه الكائنات السماوية والأرضية، ودقة النظام وحكمة التدبر، واتحاد القوانين المسيطر عليها، وإثباتها علىٰ أمر الدهور. كل ذلك يدلل علىٰ معرفة الصانع ووحدته.

وان كانت هذه المعرفة إجمالية غير تفصيلية، فلابدّ أن يتأمل العبد ويفكر في خلقه، فإن التفكر والتأمل يقودان العبد، إلىٰ معرفة الله جل وعلا، قال سبحانه وتعالى: إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَات لأُولِي الألْبَابِ.

»ثم أن ظهور الأنبياء والرسل جميعاً لم يكن إلّا لدعوة الخلق إلىٰ التوحيد الإلوهي، والخلاص من الشرك الجلي«. وأشار الإمام علي إلىٰ ذلك بقوله: «أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له»، فهو تعالىٰ واحد في الذات، وهو واحد في الإلهية والأزلية، ولا يشبهه شيء، ولا يجوز أن يماثله شيء، فرد في المعبودية لا ثانٍ له.

وكذلك يستلهم الفكر الواعي لتأملاته في آفاق العقيدة، آية أخرىٰ من آيات التوحيد، تلك هي قوله تعالىٰ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتَا.

وهذا يؤكد انه لو كان لله سبحانه شريك لنوّه عن نفسه وأرانا مظاهر ألوهيته، وأوفد إلينا رسله وسفراءه. حيث لم يحدث شيء من ذلك. فقد ثبتت وحدانية الله وإبطال الشرك كما قال الإمام علي: «واعلم يا بني أنه لو كان لربك شريك، لأتتك رسله،... ولكنه إله واحد كما وصف نفسه، لا يضاده في ملكه أحد...» .

وهكذا تتجلىٰ حقيقة التوحيد من تاريخ الأنبياء وهم منار الإنسانية، ومثلها العليا، فإنهم قد اجمعوا خلال العصور علىٰ الدعوة إلىٰ إله واحد، ونفي الشرك عنه لقوله تعالىٰ: وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول إلا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلا أنَا فَاعْبُدُونِ.

وفي ذلك يقول الشريف المرتضىٰ (ت: 436 هـ): «يجب أن يكون تعالىٰ واحداً لا ثاني له في القدم...» ، واثبت الكراچگي  بأن دليل التمانع الذي سنعرضه فيما بعد، هو إبراز الأدلة علىٰ أن صانع العالم واحد.

 


المبحث الأول

معرفة الله تعالى والأدلة على وجوده

المطلب الأول: النظر في معرفة الله تعالى:

أن الاعتقاد بمعرفة الله أصل مشترك بين جميع الشرائع السماوية، وهي المرتبة الأولىٰ من مراتب التوحيد، فيجب أن يكون أول تفكير للبشر هو التفكير حول الله.

وقد أشار الإمام علي  إلىٰ معرفة الله بقوله: «أول الدين معرفته». فمعرفته هي الاعتقاد النظري بأن للعالم إلهاً، وإلىٰ هذا المعنىٰ أشار الكراچگي بقوله: «إن سبحانه قد أوجب معرفته، ولا سبيل إلىٰ معرفته إلا بالنظر في الأدلة المؤدية إليها». وهذا يدُل علىٰ أن الواجب الأول علىٰ الإنسان هو وجوب معرفة خالقه، وهذا بوجوب النظر والاستدلال للوصول إليه.

ويتجسد هذا الوجوب – وجوب معرفة الله – من خلال قول للأمام الرضا: «أول عبادة الله معرفته»  وهذا ما أوضحه الشيخ المفيد (ت: 413هـ) بقوله: «أول ما يجب علىٰ العبد معرفة ربّه«.

وهو رأي سائر علماء المسلمين. ولكنهم اختلفوا في طريق إثباته.فالإمامية، والمعتزلة، يرون أن طريق إثباته هو العقل، أي: من خلال النظر والاستدلال، ولا حاجة إلىٰ الشرع في إثباته وهم بذلك يعنون أن للعقل أن يستقل بمعرفته، ووجوب النظر. واستدلوا علىٰ ذلك بأن شكر المنعم واجب عقلاً.

ولمعرفة مقدمته والنظر في هذه المعرفة الواجبة ومقدمة الواجب المطلق واجب عقلاً، كالمعرفة الواجبة. ولكون الشكر واجباً عقلاً، فلان كل عاقل إذا رجع إلىٰ نفسه يرىٰ أن عليه نعماً جلية ظاهرة، وباطنه لا تحصىٰ، ومن المعلوم أن من أنعم عليه بمثل هذه النعم، فيراد بها شكر المنعم بعد معرفته، وكل ذلك أحكام عقلية فوجوبه عقلي.

أما الأشاعرة عامة، فإنهم يرون أن معرفة الله واجبة بالسمع لا بالعقل. مستدلين علىٰ ما ذهبوا إليه، بالظواهر من الآيات، والأحاديث الدالة علىٰ وجوب النظر، كقوله تعالىٰ: مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا.

فنفىٰ التعذيب الدنيوي والآخروي قبل بعث الرسل، فدل علىٰ أنه لا وجوب عقلاً وإلا لكان ثابتاً قبلها، ويلزمه التعذيب لوجود الإخلال بالواجبات العقلية علىٰ امتناع العفو عندهم.وكذلك استدلوا بقوله تعالىٰ: قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ.

فقد أمر سبحانه وتعالى بالنظر في دليل الصنع، وصفاته والأمر للوجوب. وهو ما ذكره الأشعري(*) حين قال: العقل يستطيع أن يدرك وجود الله تعالىٰ، ولكن العقل آلة للإدراك فقط، أما الأصل الوحيد لمعرفة الله فهو الوحي. وإذا وقفنا علىٰ رأي الكراچگي، نجد أنه قد وافق القائلين بأن مدرك هذا الواجب عقلي، إذ يقول: «لا سبيل إلىٰ معرفته [الله تعالىٰ] إلا بالنظر من الأدلة المؤدية إليها» وكذلك قوله: «إن العاقل المستطيع إذا أهمل النظر والاعتبار. وأقتصر علىٰ تقليد(*)، الناس فقد خالف الله تعالىٰ».

فكل مكلّف يلزمه النظر بحسب طاقته، ونهاية إدراكه، وفطنتهُ، لقوله تعالىٰ:  أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الاِْبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وقوله تعالىٰ: أوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ.

إذ بيّن الكراچگي ان الله تعالىٰ ما أراد بذلك إلّا النظر والاعتبار فلو كان دعا الناس إلىٰ التقليد، ولم يرد منهم الإستدلال، لم يكن معنىٰ هذه الآية، ولو أرادوا ان يصدقوه ويقبلوا قوله: تقليداً بغير تأمل واعتبار، لم يحتج إلىٰ أن يكون علىٰ ما ظهر من الآيات والمعجزات.

ويجدُ الباحث من خلال هذه الآراء أن الكراچگي يؤكد علىٰ ضرورة النظر والتفكير العقلي في سبيل الوصول إلىٰ معرفة الخالق سبحانه وتعالىٰ. وعدم الأخذ بالتقليد الأعمىٰ الذي يأخذ بغير تأمل واعتبار، ذمه تعالىٰ لهذا النوع من التقليد لقوله تعالىٰ:  قَالَ مُـتْرَفُوهَا إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى اُمَّة وَإنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُـقْـتَدُونَ .



المطلب الثاني: أدلة إثبات الصانع:

في كل العصور وجد الإيمان والمؤمنون بالله، والإلحاد والملحدون به، وما خلا يوم واحد من أولئك وهؤلاء، والسبب في ذلك يرجع إلىٰ تيارات ومذاهب فلسفية زائفة في تفسير الكون، ولاسيما المذهب القائل بان المادة هي الوجود الوحيد. وإن الحياة نشأت فيها علىٰ غير قصد. وبعد اثبات وجوب النظر من معرفته تعالىٰ، أوجب اثبات مسألة وجوده سبحانه، تلك المسألة التي لا نجد فيها متكلماً من المتكلمين: القدامىٰ والمحدثين إلّا وانهمك في بيانها واستقرائها، مستعرضاً ما يراه صالحاً للدلالة علىٰ اثبات الباري. وفيما يأتي نستعرض أهم الدلالة علىٰ وجوده – سبحانه وتعالىٰ - التي تطرق إليها الكراچگي.

1- دليل الوجوب والإمكان:

وهو الدليل المنسوب للإلهيين، ومضمونه: «كل معقول إما أن يكون واجب الوجود في الخارج لذاته، وإما ممكن الوجود، وإما ممتنع الوجود لذاته».

فواجب الوجود: هو الذي لا يفتقر في وجوده إلىٰ غيره ولا يجوز عليه العدم. وممكن الوجود:  هو الذي يفتقر في وجوده إلىٰ غيره، ويجوز عليه العدم، والممتنع هو الذي لا يتصور في العقل وجوده وفاقد الشيء لا يعطيه.

وبهذا التقسيم، يرىٰ المتكلمون أن كان ذلك الوجود واجباً فهو المطلوب، وان كان ممكناً احتاج إلىٰ مؤثر، ولابدّ من الانتهاء إلىٰ الواجب دفعاً للدور والتسلسل.

ونرى هذا الدليل عند جملة من الفلاسفة العرب كالفارابي. (ت: 339 هـ) وابن سينا، (ت: 428هـ) وابن رشد، (ت: 595هـ) إذ قسموا الموجودات علىٰ ممكن الوجود وواجب الوجود، فالممكن الوجود، وجوده بغيره، والواجب الوجود وجوده بذاته. ومعنىٰ هذا ان الواجب هو السبب الأول لوجود الأشياء. ولم يخالفهم من الفلاسفة سوىٰ الكندي.(ت: 256 هـ) الذي سلك مسلك المتكلمين فأخذ بدليل الحدوث، وهو الدليل المسند إلىٰ مبدأ التناهي في كل ما هو موجود بالفعل أو قد وجد الفعل، وهو الدليل المشهور عند المعتزلة في عصر الكندي، ولكن الكندي يقيمه علىٰ أساس فلسفي واضح متين، ويدل علىٰ أهمية مسألة التناهي وضرورة إثباته. 

2- دليل الحدوث:

اختلف الناس في حدوث العالم هل هو حادث؟ بمعنىٰ انه لم يكن فكان، أو قديم لا أول له ولا آخر، حيث ذهب أرسطو (ت: 322ق.م) وجمهور الفلاسفة بانه قديم. ذهب متكلموا الإسلام والنصارى، واليهود، والمجوس إلىٰ أن العالم حادث، وهذه المسألة من أجلّ المسائل وأهمها. حيث اتفقت كلمتهم ان القديم واحد لا غير، وهو الله سبحانه، وانه وجد في الأزل.

وقد استدل متكلمو المسلمين، ومنهم الكراچگي علىٰ ان العالم حادث بما يأتي:

1- ان الجسم لا يخلو من الحوادث، وكل ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

والحوادث هي: (الاجتماع، الافتراق، الحركة، السكون) ونحو ذلك من صفات الاجسام التي تدل علىٰ أنها أشياء غير الجسم، وإن حكم الجسم كحكمها في الحدوث وان المحدث هو الذي لوجوده أول والقديم هو المتقدم علىٰ كل محدث، وليس لوجوده أول.

2- لا يجوز أن يكون جسم من الأجسام أزلياً، لأنه في الأزل إما أن يكون متحركاً أو ساكناً وكلاهما محال.

3- وهو أعمُّ من الأول والثاني، فيقال: كل ما سوىٰ الواجب ممكن، وكل ممكن محدث، فكل ما سوىٰ الواجب محدث، سواء كان جسماً أو جوهراً أو عرضاً.

وقد أشار الكراچگي إلىٰ تناهي الحوادث عند ردّه علىٰ قول الملاحدة(*). الذين يقولون أن الحوادث لا أول لوجودها مستدلاً علىٰ ذلك بالأدلة القطعية الوافية؛ وهي: كما وردت عند الكراچگي:

الدليل الأول:

يصرّح الكراچگي: أن الحوادث الماضية لابدّ من أول لها، وإننا في كل وقت من أوقات زماننا، بين آخر ما فيها، وأول مستقبلها فقد علمنا – لا محالة، آخر ما مضىٰ، وهو أحد طرفيه. ثم نحن نعلم علماً لا نشك فيه أن ما يأتي في مستقبل الحوادث إلىٰ مئة سنة يكثر عدد الماضي ويزيد فيه. فمعلوم انه قبل الزيادة أقل عدداً منه إذا انضمت إليه وهذا يدل علىٰ تناهي ما مضىٰ.

الدليل الثاني:

وفي هذا الدليل يضيف انه قد مضت أيام وليالٍ، ووقفنا اليوم عند آخرها فلا يخلو: ان تكون الأيام أكثر عدداً من الليالي، أو تكون الليالي أكثر من الأيام، أو يكونا في العدد سواء.

فإن كانت الأيام أكثر من الليالي تناهت الليالي، لأنها أقل منها، واقتضىٰ ذلك تناهي الأيام أيضاً، لبطلان اتصالها قبل الليالي بغير ليالٍ بينهما فوجب تناهيهما معاً.

وإن كانت الليالي أكثر من الأيام كان الحكم نظير ما قدمنا في الأول.

وإن كانت الأيام والليالي في العدد سواء كان مجموعها أكثر عدداً من أحدهما بإنفراد، وهذا يشهد بتناهيهما.

الدليل الثالث:

إن ما يدل علىٰ أن للأفعال الماضية أولاً، كونها، ووجودها ولو لم يكن أولاً. ما صحّ وجودها، لأنها كالعدد الذي لا يصحُّ أن يتوالىٰ إلّا أن يكون له أول. أما واحداً أو جملة يبتدئ بها تقوم مقام الواحد.

الدليل الرابع:

إن الأفعال لا يصح وجودها إلّا بعد أن تبدىٰ  بأولها.

الدليل الخامس:

أما في هذا الدليل فيعتقد: أن ما يدل علىٰ أن للأفعال الماضية أولاً، أنه ثبت أن كل واحد منها محدث كائن بعد أن لم يكن، ولها محدث متقدم عليها، فوجب أن تكون جميعها محدثة كائنة بعد أن لم تكن، ولها محدث متقدم عليها.

وجملة هذه الأدلة تشير إلىٰ أن الأحداث جميعها أفعال الفاعل، وصنعة الصانع، وثبتت بتقدم الصانع علىٰ صنعته، وهو القديم الأزلي... الصانع لكل مصنوع، والمبتدع للأشياء من غير شيء.

ومن الأدلة الأخرىٰ التي ذكرها الكراچگي علىٰ ثبوت الصانع هوَ من خلال رده علىٰ الملاحدة وعلىٰ من نفىٰ الصانع من العرب الذين كانوا ينسبون ما ينزل بهم من أفعال الله تعالىٰ كالمرض، والعافية، والخصب، والفناء، إلىٰ الدهر جهلاً منهم بالصانع جلت قدرته، مستدلين علىٰ تفسيرهم الخاطئ للحديث النبوي الشريف: «لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر».

حيث اعتقدوا أن الدهر هو الفاعل بهم هذه الأفعال. وأن النبي نهاهم عن ذلك، وقال لهم: «لا تسبوا من فعل بكم هذه الأفعال». فأكد الكراچگي في ردّه علىٰ اعتقادهم الزائف بقوله: «فإن الله تعالىٰ هو الفاعل لهذه الأفعال، وإنّما قال إن الله هو الدهر من حيث نسبوا إلىٰ الدهر أفعال الله تعالى».

3- دليل التمانع والتدافع:

اعتمد معظم المتكلمين في اثبات الصانع علىٰ برهان التمانع الذي استنبطوه من قوله تعالىٰ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتَا.

وحاصل هذا الدليل: أنه لو وجد إلهان فلا يخلو: إما أن يكون أحدهما قادراً علىٰ تدبير العالم، وإما أن لا يكون، فإن كان قادراً كان وجود الثاني عبثاً ولزوم ما لا يلزم، وإن لم يكن قادراً فلا يصلحُ للإلوهية لعجزه من جهة، وعبث وجوده من جهة ثانية، وهذا ما ذهب إليه الكراچگي معتمداً علىٰ الأدلة العقلية في إثبات الصانع بدليل التمانع بقوله: 

1- أنه لو كان لصانع العالم ثانٍ لوجب أن يكون قديماً، وإذا كان كذلك ماثله، وإذا ماثله صح أن يريد أحدهما ضد ما يريده الآخر فيقع التمانع.

2- إنهما لو كانا اثنين كان لا يخلو أحدهما من أن يكون قادراً علىٰ أن يكتم لصاحبه شيئاً، أو لا يقدر علىٰ ذلك. فإن كان يقدر فصاحبه يجوز عليه الجهل، ومن جاز عليه الجهل فليس بإلهٍ قديم، وإن كان لا يقدر فهو نفسه عاجز، والعاجز ليس بإلهٍ قديم.

3- أنه لو كان معه ثانٍ كان لا يخلو أمرهما من فعلهما للعالم من أحد الوجهين:

إما أن يكون الذي فعله أحدهما هو الذي فعله صاحبه، أو يكون كل واحد منهما انفرد ببعض منه.

ويسترسل الكراچگي قائلاً: ففي الوجه الأول إيجاد فعل واحد من فاعلين. وهذا يبطل كون فعله. وفي الوجه الثاني إيجاد تمييز فعل كل واحد منهما عن فعل الآخر، لأن القادر الحكيم إذا فعل فعلاً حسناً، لم يجز إلّا ليجعله دالاً عليه، وموسوماً به، ومميزاً عن فعل غيره، ولاسيّما إذا كان داعياً إلىٰ شكر نعمته، وموجباً لمعرفته، ولا طريق لأحد إلىٰ معرفته إلّا بفعله. فإذا لم يكن ما وجدناه في الكون، مما يدل علىٰ بعضه لواحد، وبعضه لآخر، وإنّما يدلُ علىٰ أن له فاعلاً واحداً فقط، علمنا أن الفاعل له واحد، وهو الله.

4- ويضيف الكراچگي ما معناه: أن العالم لو كان صانعه إثنين لكان غيرين، وحقيقة الغيرين هما اللذان يجوز أحدهما وعدم الآخر، أما من الزمان أو المكان، أو علىٰ وجه من الوجوه.

ومن الواضح أن الكراچگي قد نهج في ذلك علىٰ نهج الأئمة الأطهار وهو واضح من قول الإمام الصادق عندما سأله هشام بن الحكم: ما الدليل علىٰ أن الله واحد؟

قال: «اتصال التدبير وإتمام الصنع، كما قال: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللهُ لَفَسَدَتَا».


*    *    *

 



المبحث الثاني

الصفات الإلهية

توطئة:

إن الذات الإلهية لا مثيل لها ولا نظير، ولا يتصور لله بديل ولا شبيه، فهو سبحانه اجل من أن يعرفه الإنسان بالكُنه؛ أي: ليس للإنسان سبيل إلىٰ معرفة حقيقة الذات الإلهية، في حين يمكن معرفته تعالىٰ عن طريق صفاته الجمالية والجلالية.   

وتقسم الصفات الإلهية الى قسمين رئيسين هما: 

أولاً: الصفات الثبوتية: 

تعني ثبوت كل مقتضيات وجود الكمال له تعالىٰ، كالقدرة، والعلم، والحياة، ...وغيرها من الصفات، وكذلك تُعرف هذه الصفات بالصفات الجمالية، لثبوتها وعدم تغيرها، فأحد معاني الجمال أنه صفة قائمة من طبيعة الأشياء ثابتة لا تتغير، ووجه تسميتها بالثبوتية في مقابل قسيمتها الصفات السليبة، وتنقسم الصفات الثبوتية الى الصفات الذاتية والفعلية ونعني بالصفات الذاتية: تلك الصفة التي يكفي في ثبوت تحقيق  الاتصاف بها ثبوت الذات.

أما الصفات الفعلية: فيقول الفضلي:«هي تلك الصفة التي  لا يكفي في ثبوت تحقيق الاتصاف بها ثبوت الذات، بل لابدّ مع ذلك من فرض أمر خارج عن الذات، مثل الخالق، والرازق وغيرها«وهي المنتزعة من مقام الفعل.


ثانياً: الصفات السلبية:

يقول عبد الله شبر (ت: 1242): وهي التي تنفي النقائض عنه تعالىٰ معللاً ذلك بالقول: بأن إثبات الكمال لا يتم إلا بنفي النقض، فلا يتم إثبات الحق إلا بنفي الباطل، وتسمىٰ أيضاً بصفات الجلال (بمعنىٰ أن الله أجل من أن يذكر بها) مصدقاً لقوله تعالىٰ: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ وَالإكْرَامِ. وقيل: الجلال صفاته السلبية والإكرام صفاته الثبوتية.

ويمكن لمعرفة الصفات الإلهية الاستفادة من الطريقين:

1- طريق العقل: وهو التأمل في عالم الخلق ودراسة الأسرار الكافية فيه التي تدل برمتها علىٰ أنها مخلوقة، تقودنا إلىٰ كمال الله الوجودية.

2- طريق الوحي: فبعد أن أثبتت الأدلة القاطعة النبوّة والوحي، واتّضح أن الكتاب الذي أتىٰ به النبي، وكذا قوله، كان برمّته من جانب الله، وكان من الطبيعي أن يكون من مقدور الكتاب والسنة، أن يساعدا البشرية في معرفة صفات الله تعالىٰ.

وقبل بيان الصفات وكيفية ثبوتها، لابدّ من الوقوف علىٰ المفهوم اللغوي والاصطلاحي للصفة.

مفهوم الصفة لغةً:

قال أبن منظور (ت: 711 هـ): «واتصف، من الواصف، واتصف الشيء أمكن وصفه».

وقال الرازي (ت: 721 هـ): «الصفة هي الموصوف ألا ترىٰ أن الظريف هو الأخ».

وعرّفها الجرجاني (ت: 816 هـ): «الإمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها».


مفهوم الصفة اصطلاحاً:

عرّف الشيخ المفيد الصفة بقوله: «إن الصفة في الحقيقة ما أنبأت عن معنىٰ مستفاد يخص الموصوف وما شاركه فيه، ولا يكون كذلك حتىٰ يكون قولاً أو كتابه يدل علىٰ ما يدل النطق عليه وينوب منابه فيه وهذا هو مذهب أهل التوحيد».

أما تلميذه الكراچگي فقد عرّف الصفة بتعريفين، هما:

1- قوله: «الصفة ما دلّ علىٰ معنىٰ في المسمّىٰ».

2- وقوله: «الصفة ما أفادت أمراً يكون في الموصوف عليه».

وشاركهما في ذلك الشيخ الطوسي في تعريف الصفة بقوله: «هو قول الواصف».

المطلب الأول: معرفة الموصوف والصفة:

لو أطلعنا علىٰ معنى الصفة عند بعض المتكلمين والإمامية لوجب معرفة الاسم المشتق منها، فقد طال كلام المتكلمين فيها، وقد بينوا معاني الصفة والاسم، فذهبت المعتزلة: إلىٰ أن الاسم غير المسمّىٰ وغير التسمية، أي أن الاسم والمسمّىٰ والتسمية أمور ثلاثة متباينة، ووافقهم في ذلك الغزالي (ت 505 هـ)، والرازي (ت 606 هـ) . وعليه سار متكلمو الإمامية علىٰ منهج أئمتهم الأطهار في ذلك. فقد سئل الإمام الرضا عن الاسم فقال: «صفةٌ لموصوف».

فالأسماء تعبر عن الذات المقدّسة، والصفات هي عين الذات المقدّسة، وفي هذا قال الإمام الصادق: «فمن عبد الاسم دون المعنىٰ فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنىٰ فقد اشرك  وعبد الإثنين، ومن عبد المعنىٰ دون الاسم فذاك التوحيد».

وهذا تأكيد واضح من الإمام بعدم تصور الباري سبحانه أن يكون له حد أو كيفية أو صورة أو غيرها، فإذا كان كذلك فقد توهم بتصور معبود في ذهنه، وهو باطل، وهذا يؤدي إلىٰ الكفر.

أما الأشاعرة فقد ذهبوا إلىٰ أن الاسم هو المسمّىٰ نفسه وغير التسمية.

 وقد أوضح الكراچگي معنىٰ الاسم حيث قال: «إن الاسم غير المسمىٰ والصفة غير الموصوف، والاسم والصفة جميعاً لا يكونان إلّا قولاً من المسمىٰ والوصف، أو كتابه يدل علىٰ ما يدل القول».

وبهذا أراد أن الاسم في الحقيقة ما دل علىٰ المسمىٰ، والصفة ما دل علىٰ معنىٰ في المسمىٰ. ويبين الكراچگي أن الصفة كقادر، وعالم، ونحو ذلك ما يدلُ علىٰ أمور يكون الموصوف عليها. فالقول: قادر، يفيد جواز وقوع الفعل منه، وعالم يفيد صحة وقوع الفعل المحكم منه، وبهذا خالفت المجبرة(*)، في ذلك، حيث ظنوا أن الصفة غير الموصوف. وهذا الرأي غير قابل للصحة. إذ أن الصفة هي الوصف، وهما مصدران لفعلٍ واحد.


المطلب الثاني: أسماء الله وحقيقتها:

لا خلاف بين العلماء في أن ما جاء به النص الشرعي الصحيح بإطلاقه علىٰ الله تعالىٰ يجوز إطلاقه عليه سبحانه، وان أوهم لفظه بحسب معناه ومفهومه اللغوي المعلوم لنا نقصاً، لا يليق به تعالىٰ، فيطلق على الله تعالىٰ مع اعتقاد التنزيه عن النقص الذي أوهمه اللفظ.

وكذلك كل ما جاء به النص من لفظ يمنع إطلاقه عليه تعالىٰ، فلا خلاف فيه بين العلماء بعدم جواز إطلاق ذلك اللفظ عليه. ولكن اختلف العلماء فيما لم يرد فيه منع، ولا أذن من الشارع، ولم يوهم نقصاً. حيث ذهبت المعتزلة والكرامية(*)، إلىٰ جواز إطلاق كل لفظ دل علىٰ معنىٰ ثابت في حق الله تعالىٰ، سواء ورد به من الشارع أم لا.

أما الأشعرية فقد ذهبوا إلىٰ عدم جواز إطلاق ذلك علىٰ الله. سواء كان ذلك بطريق الوصفية أو الاسمية فأول الأسماء التي وردت في الشرع «الله» فهو اسم خاص بذاته لا يوصف به غيره.

أما الكراچگي فلم يخرج عن رأي متكلمي الإمامية في حقيقة أسماء الله فقد ذهب إلىٰ أن أسماء الله تعالىٰ كلها عائدة إلىٰ الصفات، لأنها دالة علىٰ معانٍ، ومتضمنة لفوائد، ليس فيها اسم يخلو من ذلك، ويجري مجرىٰ اللقب.

وهذا ما يؤكد استحالة أن يكون في أسمائه لقب، ووجب أن يكون جميعها مفيداً للمعاني، كما تفيد الصفات. 

وفي هذا الصدد روي عن الإمام الصادق في هذا المعنىٰ - في معرض جوابه لسؤال هشام بن الحكم - أنه قال: «... الاسم غير المسمىٰ، فمن عبد الاسم دون المعنىٰ فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنىٰ فقد أشرك، وعبد الإثنين. ومن عبد المعنىٰ دون الاسم فذاك التوحيد».

وأكد الكراچگي في ذلك علىٰ أسمائه جميعاً فالتسمية له تعالىٰ (الله)  فأنه يفيد من المعنىٰ ولَهَ العباد إليه، وتعلق نفوسهم به، ورغبتهم عند الشدائد في إزالة المكروه إليه.

وأخذ المحقق الطوسي (ت: 672هـ) بذلك لقوله: «لفظه «الله» ومناها الإله وهي باعتبار المألوه أو المربوب فيكون إطلاق لفظه الله باعتبار غيره وهو المألوه أو المربوب تماماً كلفظ الرب».

ويرىٰ الكراچگي من أن أسمائه الأخرىٰ هي « الرحمن الرحيم» فهو أن الرحمن مشتق عن فعل الرحمة علىٰ سبيل المبالغة في الوصف، لوقوعها في الفعل علىٰ حد لا يصح وقوعها عليه من الخلق، فكان أحد الاسمين مشتق من عموم الرحمة، وهو الرحمن، والآخر من خصوصها وهو الرحيم.

وهذا ما روي عن الإمام الباقر فقال: «الرحمن لسائر الخلق، الرحيم بالمؤمنين».

أما اللطيف: فيقيد اجتماع الحكمة والرحمة، ونفوذ مراده إذا شاء الله وقوعه علىٰ الحتم بلطفه التي يلطف بها خلقه، علىٰ العلم بمصالحهم. 

وأما الخبير: فيفيد علمه بالأشياء علىٰ حقائقها، وتبنيه لها علىٰ أوصافها .

وجميع ما سوىٰ هذا من الأسماء، مما سمي الله تعالىٰ به نفسه فصفات مفيدة لمعانٍ، يفهم ذلك من تأمله.

المطلب الثالث: آراء المسلمين في العلاقة بين الصفات الإلهية والذات المقدّسة:


أجمعت الفرق الإسلامية بأن الله سبحانه متصف بصفات الكمال الثبوتية الواجبة لذاته، التي أطلقها الباري تعالىٰ علىٰ نفسه المقدسة، غير أنهم اختلفوا في تحديد العلاقة بين هذه الصفات، والذات الإلهية المقدسة فالفلاسفة يرون أن ذات الله واحدة لا كثرة فيها بوجه من الوجوه، وان الصفات ليست معانٍ قائمة بذاته بل هي ذاته، وارجعوا كل ما ورد في الشرع من وصف الله تعالىٰ بالعلم والقدرة والإرادة وغيرها، إلىٰ صفة العلم، والعلم عندهم الذات نفسها. لأن الله في نظرهم عقل محض، وفكر محض، فليس هنالك صفات زائدة علىٰ ذات الواجب تعالىٰ. 

فالشيعة الإمامية ومنهم الكراچگي قالوا: إن الصفات عين الذات وغير زائدة عليها.

أما المعتزلة فقد اتفقوا علىٰ أن صفات الله عين ذاته. الا أنهم اختلفوا في تفسير هذه القضية فذهب واصل بن عطاء(*)، إلىٰ نفيها أصلاً، لأنها تؤدي إلىٰ الشرك، ولذلك كان يقول: أن من أثبت لله تعالىٰ معنىٰ أوصفه قديمه فقد أشرك مع الله غيره. وبهذا الرأي أخذ  النظام(**)، والجاحظ(***)، أما أبو الهنديل العلاف(****) وأبو علي الجبائي(*****) والقاضي عبد الجبار (ت: 415هـ) فقد ذهبوا إلىٰ أن صفات الله ليست وراء الذات كمعانٍ قائمة بذاته بل هي ذاته، وهي قديمة قدم الذات، فالله عند العلاف، عالم بعلم وعلمه ذاته، قادر وقدرته ذاته، حي بحياة وحياته ذاته، فالصفات إذن وجوه للذات.

ونسب لأبي هاشم(*) قوله أنه تعالىٰ يستحق هذه الصفات لما عليه في ذاته. أما الأشعرية والماتريدية(**) فقد اثبتوا لله صفات قديمة زائدة علىٰ الذات فهو عالم بعلم، قادر بقدر، مريد بإرادته.

أما الكرامية فقد ذهبوا إلىٰ أن الصفات زائدة علىٰ الذات، وهي حادثة.

المطلب الرابع: صفات الله تعالى عند الكراچگي:

يقول الكراچگي: أعلم أن جميع ما يوصف به علىٰ حقيقته، والمراد به معنى الوصف، وقسم يوصف به مجازاً واتساعاً، والمراد به غير حقيقةُ ذلك الوصف. فمنه مريد، وكاره، وغضبان، وراضٍ، ومحب، ومبغض، وسميع... .

وصفات الحقائق تقسم علىٰ قسمين:

أولاً: الصفات الذاتية: وهي التي لم يزل عليها، ولا يزول عن استحقاقها.

وهي حي، باقٍ، قادر، عالم، وكذلك موجود وقديم فهذه الصفات استحقها لنفسه لا لمعنى آخر.

ثانياً: صفات الأفعال: وهي التي تجددت عند فعله الأفعال. ولا يصحُ أن يقال أنه عليها فيما لم يزل. وان صفة الفعل هي كل صفة داخلة في باب المضاف ومعنىٰ ذلك أن يكون يقتضي وجود غير الموصوف. كقولنا: إله، وربّ، ومالك، وفاعل، وجواد، ورزاق، وراحم، ومتكلم، وصادق،... ونحو ذلك.

وهذا التقسيم نجده عند استاذه الشيخ المفيد (ت 413 هـ) - من متكلمي الإمامية - أما الفارق بين الصفة والذاتية والفعلية فنجد الشيخ المفيد يقول: «أن صفات الذات لا يصحّ لصاحبها الوصف بأضدادها، ولا خلوه منها، وأوصاف الأفعال يصحُ الوصف لمستحقيها بأضدادها وخروجه عنها».

ثم تابع كلامه بأن أعطىٰ أمثلة الفارق فيها بين صفات الذات وصفات الفعل فقال: «ألا ترىٰ أنه لا يصحُ الوصف له بالخروج عن كونه حياً عالماً قادراً ويصحُ الوصف بأنه غير خالق اليوم لزيد ولا محيي» وبهذا الطريق أوجد الكراچگي ثلاثة فروق بين صفة الذات وصفة الفعل وهي:

أ- إن كانت الصفة داخلة في باب المضاف، فهي ذاتية، وأما ما سوىٰ ذلك من الصفات الداخلة في باب المضاف المقتضية اثبات غير الموصوف، مما يكون غير معدوم، فكلها صفات أفعال.

ب- ومنها أن كل صفة تصف الله تعالىٰ بها، لا يجوز أن يدخلها التخصيص، فتثبتها له في حال. وتنفيها منه في آخرىٰ فهي صفة ذاتية، وكل صفة تصفه بها، ويجوز التخصيص فيها، فتثبتها في حال، وتنفيها عنه في غيرها فهي صفة فعل.

ج – أن كل ما أستحال أن يوصف بالقدر عليه وعلىٰ ضده فهو من صفات ذاته. أما أن كان ما يوصف به يصحُ أن يوصف بالقدرة عليه وعلىٰ ضده فهو من صفات الأفعال.


أولاً: الصفات الثبوتية:

1- الوحدانية:

اشتركت الأديان السماوية كلّها في عقيدة التوحيد، فلم يأتِ نبيٌّ من الأنبياء إلّا وبشّر بالتوحيد، وهذه رسالة جميع الأنبياء إذ يقول الله تعالىٰ:  وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول إلا نُوحِي إلَيْهِ أنَّهُ لا إلَهَ إلا أنَا فَاعْبُدُونِ.

وكان المسلمون جميعاً فلاسفة ومتكلمون قد اتفقوا علىٰ عقيدة التوحيد، لأن شرط الإسلام هو القول بوحدانية الله.

وقد أوجز الشيخ المفيد (ت: 413 هـ) آراء الفرق الإسلامية في ذلك فقال: «أن الله تعالىٰ واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء، ولا يجوز أن يماثله شيء، وأنه فرد في المعبودية، لا ثاني له فيها علىٰ الوجوه كلها والأسباب، وعلى هذا اجماع أهل التوحيد، إلّا من شذ من أهل التشبيه فإنهم أطلقوا الفاظه وخالفوا في معناه».

وقد أوضح ذلك العلّامة الحلي (ت: 726 هـ) بقوله: «أن أكثر العقلاء اتفقوا علىٰ أنه تعالىٰ واحد والدليل علىٰ ذلك النقل والعقل».

وقد اعتمد المتكلمون علىٰ كثير من الآيات القرآنية الدالة علىٰ وحدانية الله تعالىٰ، ونفي الشريك عنه منها:

قوله تعالىٰ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللّهُ لَفَسَدَتَا.

وقوله تعالىٰ: إنَّمَا اللّهُ إلَهٌ وَاحِدٌ.

وقوله تعالىٰ: أنَّمَا إلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ.

وقوله تعالىٰ: قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ.

وأما الروايات التي أنصب هدفها الأول علىٰ إثبات وحدة الخالق وبيان معنىٰ هذه الوحدة كثيرة. فقد روىٰ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ) في التوحيد عن هاني بن شريح قال: أن أعرابياً قام يوم الجمل إلىٰ أمير المؤمنين فقال: يا أمير المؤمنين أتقول: أن الله واحد؟

فحمل الناس عليه وقالوا: يا إعرابي أما ترىٰ ما فيه أمير المؤمنين من تقسيم القلب؟

فقال أميرا لمؤمنين: «دعوه فإن الذي يريده الإعرابي هو الذي نريده من القوم».

ثم قال: «يا إعرابي إن القول في أن الله واحد علىٰ أربعة أقسام: فوجهان منهما لا يجوزان علىٰ الله عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه. فأما اللذان لا يجوزان عليه فقول القائل: (واحد) يقصد به من باب الإعداد، فهذا ما لا يجوز لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الاعداد، أما ترىٰ أنه كفر من قال: (إنه ثالث ثلاثة). أو قول القائل: هو واحد من الناس يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه وجلّ ربّنا وتعالىٰ من ذلك.

أما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبيه، كذلك ربّنا عزّ وجلّ، وقول القائل: إنه ربّنا عزّ وجلّ أحدي المعنىٰ، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّ وجلّ».

والواضح من خلال هذه الرواية نوعان من الوحدة:

الوحدة العددية التي نفاها والوحدة الحقيقية أن يكون المراد بها صنفاً من نوع.

أما ما اعتمدهُ الكراچگي في إثبات الوحدانية لله تعالىٰ وفي نفي الشرك، وإبطال قول الثنوية القائلين بالنور والظلمة، وكذلك قول المجوس القائلين بالله والشيطان، والنصارىٰ، القائلين بالتثليث، فقد اتخذ الدليل العقلي وذلك من خلال نفي وجود قديم ثانٍ معه تعالىٰ بدليل التمانع الذي مفاده قوله تعالىٰ: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللّهُ لَفَسَدَتَا - وقد مرّ ذكره – في إثبات الصانع.

2- القدم والبقاء:

يعرّف الكراچگي القديم: «هو ما ليس لوجوده أول» والباقي «هو المستمر الوجود». وفي أنه تعالىٰ قديم أزلي أبدي سرمدي ليس مسبوقاً بعلّة ولا يعتريه عدم، بل هو الأول بلا أول يكون قبله، ولا آخر بلا آخر يكون بعده، ولم يسبق له حال حالاً فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً، ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً.

وما يدلُ علىٰ أزليته وأبديته: أن واجب الوجود، وهو القائم بذاته، والغني عن غيره، ولازمه أن لا يسبقه ولا يلحقه العدم، لأن كل ما يسبقه أو يلحقه العدم ممكن الوجود، يوجد بوجود علته وينعدم بزوالها، واستدل علىٰ قدمه بأنه لو لم يكن في الأزل لكان محدثاً، ولو كان كذلك لاحتاج لمحدث آخر، وهكذا إلىٰ ما لا نهاية، فيلزم التسلسل وهذا باطل.

وبهذا اتفق المتكلمون علىٰ قدم الله تعالىٰ وأزليته؛ أي: لم يسبق وجوده عدمه لأنه لو كان حادثاً لافتقر إلىٰ محدث، وينتقل الكلام لذلك المحدث، فان كان قديماً فهو المراد بالله.

أما بقاؤه فقد اتفق المثبتون للصانع علىٰ أنه باقٍ أبداً، ولكنهم اختلفوا في كونه [البقاء] صفة ثبوتية زائد أو لا. فقد أوضح أبن روز بهان(*) هذا الاختلاف بقوله: «اتفق المتكلمون علىٰ أنه تعالىٰ باقٍ. ولكن اختلفوا في كونه صفة ثبوتية زائدة أو لا فذهب الشيخ أبو الحسن الأشعري وأتباعه وجمهور معتزلة بغداد إلىٰ أنه صفة ثبوتية زائدة علىٰ الوجود... ونفي كثيرٌ من الأشاعرة كون البقاء صفة موجودة زائدة، كالباقلاني وإمام الحرمين(*) والرازي (ت: 606هـ) وجمهور معتزلة البصرة، وقالوا البقاء هو الوجود نفسه  في الزمان الثاني لا أمر زائد عليه». وأما ما عليه الإمامية فإنه باقٍ لذاته.

وهو ما عليه الكراچگي حيث أوضح بأن البقاء من صفاته تعالى. ومعناه نفي الحدوث، وإن الموصوف بهذه التسمية لا يستحق هذه التسمية، ويوصف تعالىٰ بأنه دائم فيما لم يزل، لأن الوجود ثابت له في كل حال بقوله: «اعلم أن الواجب علىٰ المكلّف أن يعتقد أن الله تعالىٰ قديم وحده ، لا قديم سواه، وأنه موجود لم يزل، وباق لا يزال، وأنه شيء كالأشياء، لا يشبه الموجودات ولا يجوز عليه ما يجوز علىٰ المحدثات».

وبهذا اتضح أنه تعالىٰ فاعل الأجسام والأعراض، والمحدث لا يصحُ منه فعل ذلك، فوجب ان يكون من صحت منه هذه الأفعال قديماً. والله هو القديم الأزلي.

3- القدرة:

أوضح الكراچگي معنىٰ القادر بقوله: «هو من صحَّ منه الفعل».

وبهذا حاول إقامة البرهان لإثبات قدرته تعالىٰ، فكونه قادراً يعني كونه فاعلاً، فإذا ثبت منه الفعل دلّ ذلك علىٰ أنه قادر، لأن الفعل لا يصحُّ صدروه إلّا عن قادر. أو بتعبير أدق أن معنىٰ القدرة إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل.


ورأي الإمامية في القدرة متمثل في قول الشيخ المفيد (ت: 413 هـ): «أن الله جلّ جلاله قادر علىٰ خلاف العدل. كما أنه قادر علىٰ العدل، إلّا أنه لا يفعل جوراً ولا ظلماً ولا قبيحاً».

وما ذهبت إليه المعتزلة أن الله قادر بلا قدرة، لأن القدرة لا يصحُّ الفعل بها. وزعم البصريون منهم، أنه لا يقدر علىٰ مقدورات غيره، وإن كان هو الذي أقدر منهم.

أما الأشعرية فيرون أن لله قدرة قديمة واحدة يقدر بها علىٰ جميع المقدورات.

وفي معرض رد الكراچگي علىٰ النظام (ت: 231 هـ) الذي ذهب إلىٰ أن الله لا يفعل الشر لأنه لا يقدر عليه بقوله في صفات الله: «أنه منزه من القبائح، لا يظلم الناس وإن كان قادراً علىٰ الظلم لأنه عالم بقبحه».

وهذا رأي سائر متكلمي الإمامية، وهو ما أكده قول الإمام الصادق. فعن زرارة قال أبو جعفر: «إن الله لا يوصف، وكيف يوصف وقد قال في كتابه: وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ فلا يوصف بقدره إلا كان أعظم من ذلك».

واستدل الكراچگي بأنه قادر، علىٰ أنها صفة استحقها لنفسه لا لمعنىٰ آخر. مستدلاً علىٰ ذلك: بأنه لو كان قادراً بقدره وعالماً بعلم، كانت حياته وبقاؤه وقدرته – لا تخلو من حالين:- 

إما أن تكون معانٍ قديمة، وإما أن تكون حادثة، فلو كانت قديمة، لشاركته في أخص صفاته، وما ثلتهُ، فيبطل التوحيد، وقد تقدمت الأدلة علىٰ صحته، ولو كانت حادثة، لم يكن لها غناء عن محدث أحدثها، ولا يصحُ أن يكون محدثاً غيره تعالىٰ، لأنه الفاعل الأول والقديم الذي لم يزل، فعند التحقيق فهو قادر عالم لنفسه. 

4- الإرادة:

لقد وقع خلاف حول أرادته تعالىٰ في الفكر الكلامي الإسلامي عامة والشيعي خاصة فما معنىٰ إرادته تعالىٰ؟ أهي قديمة أم محدثة؟ . وهل توجد في محل أو لا؟!

قبل الوقوف علىٰ رأي الكراچگي، ورأي علماء الشيعة المتقدمين والمتأخرين، سنعرض وباختصار آراء الفرق الكلامية وعلماء الكلام في معنىٰ إرادته تعالىٰ كما ذكرها اللاهيجي (ت:1051هـ) بقوله: «ثم اختلفوا في إرادته تعالىٰ، فعند الأشاعرة وجمهور معتزلة البصرة صفة قديمة زائدة علىٰ الذات قائمة بها كسائر الصفات الحقيقية عندهم، وعند الجبائية(*) صفة زائدة قائمة لا بمحل، وعند الكرامية صفة حادثة قائمة بالذات، وعند ضرار(**) الذات نفسها وعند النجار(***) صفة سلبية هي كون الفاعل ليس بمكره ويشاء وعند الفلاسفة العلم بالنظام الأكمل، وعند الكعبي(****) إرادته لفعله تعالىٰ العلم به ولفعل غيره الأمر به، وعند المحققين من المعتزلة، كأبي الحسن وجماعة من روؤساء المعتزلة كالنظام والجاحظ والعلاف والخوارزمي، العلم بما في الفعل من المصلحة، ويسميه أبو الحسين بالداعي [عين الذات]... واعلم ان إرادته تعالىٰ عند جمهور المتكلمين عبارة عن القصد إلىٰ إصدار الفعل كما في المشاهدة».

ولكن هنالك آخرين يذهبون إلىٰ أن أكثر المعتزلة ولا سيما البصريين منهم يقولون أن إرادته تعالىٰ ليست قديمة بل محدثة لا في محل.

وأما رأي الكراچگي في الإرادة فيقول: «المريد في الحقيقة والمعقول هو القاصد إلىٰ أحد الضدين اللذين خطرا بباله الموجب له بقصده وإيثاره دون غيره»، وبهذا أراد الكراچگي أن يبيّن أن الله تعالىٰ مريد لأفعاله، وأنها وقعت وهو عالم بها غير شاغلة، ولا هو موجوداً لمسبب وجب من غيره مريداً له، فصح إذا أردنا أن نخبر بأن الله يفعل لا من سهو، ولا غفلة، ولا بايجاب من غيره، وأن نقول هو مريد لفعله، ويكون هذا الوصف استعارة، لأن حقيقته لا تكون إلّا في المحدث.

واستدل الكراچگي في صحة قوله في وصف الله تعالىٰ بالإرادة، وأنه كان مريداً، ولم يخل الأمر من أحد حالين:-

إما أن يكون مريداً لنفسه، لوجب أن يكون مريداً للحسن والقبح، كما أنه لو كان عالماً لنفسه كان عالماً بالحسن والقبح وإرادة القبح لا تجوز علىٰ الله سبحانه، وإن كان مريداً بإرادة لم تخل الإرادة من حالتين: إما أن تكون قديمة أ وحادثة ويستحيل علىٰ الله تعالىٰ ذلك.

فبعد أن ثبت إبطال كونه تعالىٰ مريداً لنفسه، أو بإرادة قديمة أو محدثة، اعتبر أن الإرادة لا تكون إلّا عرضاً ، والعرض يفتقر إلىٰ محل، وبالتالي فلا يجوز أن تكون إرادته تعالىٰ فيه، ولا في غيره، لأنها عرض - كما تقدم - فهي تفتقر إلىٰ محل يحملها، ويصحُ بوجوده وجودها.

وبهذا القول خالف الكراچگي أُستاذه الشريف المرتضىٰ (ت:436هـ)، والطوسي (ت:460هـ) لقوليهما أنه مريد بإرادة محدثة لا في محل.

وكذلك خالف العلّامة الحلي (ت:726هـ) الذي ذهب إلىٰ ترجيح مذهب أبي الحسين البصري (ت: 436هـ)، حينما قال - هذا الأخير مصرحاً -: أن الإرادة نفس الداعي علىٰ الإيجاد وهو المخصص والإرادة.

وأما ما اختاره الشيخ المفيد (ت: 413هـ) من أن إرادته لأفعاله هي أفعاله نفسها وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال، مستدلاً بأن العقول شاهدة بان القصد لا يكون إلا بقلب، وثبت ان وصفه بالإرادة مخالف في معناه لوصف العباد، وأنها بها نفس فعلة الأشياء، واطلاق الوصف بها عليه مأخوذ من جهة السماع من دون القياس. وهذا الرأي الذي أشار إليه الشيخ المفيد هو ما أراده الكراچگي بقوله: «أما إرادة الله تعالىٰ لأفعال خلقه فهي أمره لهم بالأفعال، ووصفنا له بأنه يريد منهم كذا، وإنما هو أستعاره ومجاز، وكذلك كل من وصف بأنه مريد لما ليس من فعله تعالىٰ بطريق الاستعارة والمجاز... وأن الله يريد من عباده الطاعة وإنّما معناه يأمرهم بها».

وهذا ما نص عليه كتاب الله المجيد، والسنة النبوية المطهرة، وروايات أهل البيت قال تعالىٰ: إنَّمَا أمْرُهُ إذَا أرَادَ شَيْئاً أنْ يَـقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، وما روي عن الإمام الرضا قوله: «إرادة الله تعالىٰ ومشيئته في الطاعات الأمر بها والرضا لها، والمعاونة عليها، وإرادته ومشيئته في المعاصي النهي عنها والسخط لها والخذلان عليها - قال السائل فللّه فيه قضاء قال: - نعم، ما من فعل يفعله العباد من خير أو شر إلّا ولله فيه قضاء...» .

5- العلم الإلهي:

يعرّف الكراچگي العالم بأنه «من كان فعله محكماً منتظماً»، واستدل بهذا التعريف علىٰ كونه تعالىٰ عالماً، من خلال ما يظهر من أحكام صنعه واتقان فعله، كخلق الإنسان والحيوان والسموات والأرض، وغير ذلك مما فيها من بدائع الحكمة، ولطف الصنعة، وعجيب التركيب، فلو لم يكن تعالىٰ عالماً، لما وقع - كل ما تقدم - علىٰ هذا الوجه من الاحكام، ولا أختلف في بعض الأحوال، ولما كان ذلك واقعاً علىٰ حدٍ واحد، ونظام واحد، واتساق واحد، كل ذلك يدل علىٰ أن صانعه عالم.

وبهذا أجمع الإلهيون علىٰ: أن العلم من صفات الله الذاتية الكمالية، وأن العلم من صفاته وهذا لم يختلف علىٰ إجماله إثنان.

أما عن كيفية علمه تعالىٰ بالمعلومات؟، فقد وقع خلاف فيه وكلام كثير، فذهب الفلاسفة، إلىٰ أن العلم هو نفس الذات، وترجع إليه ما ورد في الشرع من وصف الله تعالىٰ بالعلم والقدرة والإرادة وغيرها. لأن الله في نظرهم عقل محض، وفكر محض فليس هنالك صفات زائدة علىٰ ذات الواجب تعالىٰ.

أما المعتزلة الذين أنكروا ان تكون صفات الله تعالىٰ زائدة علىٰ الذات قالوا: إنه تعالىٰ عليم بالذات، لا بعلم زائد علىٰ ذاته.

وهذا ما ذهبت إليه الإمامية؛ ومنهم الكراچگي بقولهم: أنه عالم بكل معلوم، وعلمه عين ذاته.

أما الأشعرية فيعتقدون ان علم الله صفة زائدة علىٰ الذات، وقد علم به معلوماته جميعاً، ما كان منها، وما يكون وما لا يكون.

وبهذا يحاول الكراچگي معرفة كيفية استحقاقه تعالىٰ لتلك الصفة فهو يرىٰ ان الوجه في كونه قادراً لنفسه وفي الإزل، فهو تعالىٰ عالم لنفسه، وفيما لم يزل، حيث أنه لو كان عالماً بعلم، لكان علمه لا يخلو من حالتين:

إما أن تكون معانٍ قديمة معه، وإما أن تكون حادثة، فلو كانت قديمة شاركته في أخص صفاته، فيبطل التوحيد. وأيضاً فلو ماثلت الصفة الموصوف لم تكن صفة له بأولىٰ من أن يكون هو صفة لها، وإن كانت هذه المعاني الموصوف بها حادثة، وجب أن يكون قبل حدوثها غير مستحق للوصف بها، وإن كانت حادثة لم يكن لها غناء عن محدث أحدثها، ولا يصحُّ أن يكون محدثها غيره تعالىٰ . وهكذا فقد اثبت الكراچگي – بما تقدم – كونهُ تعالىٰ عالماً لنفسه.

والى ما تقدم وقريباً من هذا النمط الإستدلالي المتقدم عن الكراچگي، أثبته كثير من متكلمي الإمامية، كالشريف المرتضىٰ. وأبي الصلاح الحلبي، والشيخ الطوسي.

6- الحياة:

ليس المراد بالحياة، الإتصاف بالحس والنمو والحركة المعهودة في الإنسان الحي، فإنها من الأعراض الجسمية الممتنعة علىٰ الله سبحانه، وإنّما المراد بالحياة صفة يتأتىٰ معها العلم والقدرة، وثبوت القدرة والعلم لله تعالىٰ بما تقدم دليل علىٰ الحياة.

ولذلك بين الكراچگي الذي سبق السيد عبد الله شبر في تعريف الحي بقوله: «الحي من صحّ كونه قادراً». معللاً ذلك بالقول: بأن الحياة ملازمة للقدرة، فبوجود القدرة تجد الحياة. وفي ضوء هذا يقول الشيرازي (ت: 1050 هـ): «إن حياة كل حي إنّما هي نحو وجوده، إذ الحياة هي كون الشيء بحيث تصدر عنه الأفعال الصادرة عن الأحياء من أثار العلم والقدرة، لكن من الأشياء الحية ما يجب فيه أن يسبق هذا الكون كون آخر، ومنها ما ليس يجب فيه أن يسبقه كون آخر، فالقسم الأول: كالأجسام الحية، فإن كونها ذات حياة إنّما يطرأ عليها بعد كون آخر له يسبق هذا الكون الحيواني... .

وأما القسم الثاني: فهو فيما يخرج عن الأجسام فان ما ليس بجسم لا يمتنع فيه أن يكون وجوده بعينه هو كونه بالصفة المذكورة... وواجب الوجود أولىٰ بأن يكون حياته عين وجوده لكونه بسيط الحقيقة».

وبعد ثبوت كونه تعالىٰ حياً موجوداً، لابدّ من معرفة كيفية استحقاقه لذلك. وعلىٰ هذا الأساس فقد اختلف المتكلمون في معنىٰ الحياة، فذهب جمهور الفلاسفة، وأبو الحسين البصري من المعتزلة إلىٰ أن معناه هو أنه لا يستحيل أن يكون عالماً، فليس هنالك إلّا الذات المستلزمة لانتفاء الإمتناع.

أما الأشعرية فقد ذهبت إن حياته صفة إزلية قائمة في غير روح ولا غذاء ولا تنفس.

وما ذهبت إليه الإمامية ومنهم الكراچگي بأنه حي لنفسه لا لمعان غيره، لما تقدم من أن القادر العالم لابدّ أن يكون حياً موجوداً.

واستدل الكراچگي أيضاً علىٰ كونه حياً لنفسه، كونه تعالىٰ حياً بحياة، لتأديته إلىٰ لوازم باطلة من حدوث حياته أو قدم حياتنا.

7- السمع والبصر:

لما كان الله تعالىٰ حياً ومريداً فلابدّ أن يكون سميعاً وبصيراً، وهذا ما أتفق المسلمون عليه جميعاً. والسمع والبصر الثابتان لله تعالىٰ هما غير السمع والبصر الثابتان لغيره من المخلوقات. وهذا ما يؤكده قوله تعالىٰ: إنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ.

وقد تباينت آراء الفلاسفة والمتكلمين في ذلك، فالفلاسفة، والكعبي (ت: 317 هـ) وأبو الحسين البصري (ت: 436) من المعتزلة، ذهبوا إلىٰ معناه العلم بالمسموعات والمبصرات، وهذا ما ذهب إليه الشيخ المفيد، والمحقق الطوسي، والعلّامة الحلي، من الإمامية.

أما معتزلة البصرة كالجبائي وابنه أبي هاشم فذهبوا للقول بأن السمع والبصر يفيدان الإدراك، وهذا ما ذهب إليه الشيخ الطوسي، والمقداد السيوري من الإمامية. 

أما الأشعرية فقد قالوا بأنه سميع بصير بسمع وبصر قديمين. أما موقف الكراچگي فقد أخذ براي اُستاذه الشريف المرتضىٰ. في الجمع بين التعبيرين (العلم والإدراك) بقوله: «... لأنه يدرك جميع المدركات بغير حواس ولا آلات، فقولنا: إنه سميع إنّما معناه لا يخفىٰ عليه المسموعات، وقولنا: بصير، معناه إنه لا يغيب عنه شيء من المبصرات، وإنه يعلم الأشياء علىٰ حقائقها، لا يسمع ولا يبصر، ولا بمعان زائدة علىٰ معنىٰ العلم» ومن خلال هذا النص يتبين لنا أمران. الأول: ان الكراچگي جمع بين العلم والإدراك. والثاني: إشارته إلىٰ ان الصفات عين الذات. فان التعبيرين – العلم والإدراك – يرجعان إلىٰ معنىٰ واحد علىٰ ما حققه، وبذلك، فانه تعالىٰ عند الكراچگي سميع لا بإذن، وبصير لا بعين، تنزيه عن العين الجارحة. أما معنىٰ سميع بصير: أنه يعلم المسموعات، ويعلم أيضاً المبصرات.

8- الكلام الإلهي:

أجمع المسلمون تبعاً للكتاب والسنة علىٰ كونه سبحانه متكلماً، ويبدو أن مسألة كلامه تعالىٰ من أبرز المسائل التي طرحت في تاريخ علم الكلام. حتىٰ أرجع بعض الباحثين سبب تسمية هذا العلم بعلم الكلام الإلهي. وحدثت بسببها مشاجرات بل صدامات ذكرها التاريخ، وسجل تفاصيلها وعرفت بـ «محنة القرآن» التي أُمتحن فيها الفقهاء والمحدثون في عهد الخليفة المأمون، ولعل السبب في خلق هذه المشاكل ان المعتزلة قد خشوا أن يقول المسلمون في القرآن ما قالته النصارىٰ في المسيح أنه غير مخلوق، لأنه كلمة الله.

وقد كان الخلاف قائماً حول حقيقة الكلام الإلهي من حيث قدمه وحدوثه. فالمعتزلة ترىٰ أن كلام الله لا يكون إلّا حروفاً منظومة، وأصواتاً مقطوعة. وما هو إلّا كلام الله ووحيه، وهو مخلوق محدث.

أما الأشاعرة فيرون: أن الله تعالىٰ متكلم بكلام أزلي قائم بذاته، وهو الكلام النفسي أما الحروف والأصوات فما هي إلّا دلالة علىٰ الكلام النفسي.

أما المشبهة(*) فإنهم ذهبوا إلىٰ أن كلام الله هو المكتوب في المصاحف، وهو المكتوب في اللوح المحفوظ، وقالوا: لا تعرف من القرآن إلّا ما هو بين أظهرنا نتبصره، ونسمعه، ونقرؤه، ونكتبه.

وذهب الكلابية(**) إلىٰ أن كلام الله تعالىٰ هو معنىٰ أزلي قائم بذاته مع أنه شيء واحد توراة وإنجيل وزبور، وفرقان، وان هذا الذي نسمعه ونتلوه حكاية كلام الله تعالىٰ.

أما كيفية استحقاقه تعالىٰ لصفة الكلام، فان الشيخ الكراچگي لم يشذ عن علماء الإمامية بحدوث كلامه، وهذا ما نقله الشيخ المفيد (ت: 413هـ) حول حدوث كلامه تعالىٰ بقوله: «وعليه إجماع الإمامية» وبذلك لا ينبغي أن يوصف كلامه تعالىٰ إلّا بما سمّاه تعالىٰ به من كونه محدثاً، وذلك لقوله تعالىٰ: مَا يَأتِيهِمْ مِنْ ذِكْر مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَث أو ذكراً وذلك لقوله تعالىٰ: إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ واستدل الإمامية بأقوال أئمتهم فقد قال الإمام الصادق انه قال: «...فإن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق».

وكذلك قول الإمام الرضا: «ليس القرآن بخالق ولا مخلوق ولكن كلام الله».

واستدل الكراچگي علىٰ كلامه تعالىٰ، بأن الكلام لا يصحُّ إلّا إذا وجد المتكلم، وذلك بقوله: «متكلم، يقتضي وجود كلام إذا تكلم، فكلام الله تعالىٰ أحد أفعاله، كما رزقه أحد أفعال، وهو موجود قبل كلامه». وغير ذلك من الصفات الواردة في القرآن الكريم. وعليه فلا يجوز وصف كلامه تعالىٰ بالمخلوق، لأن العرف والعادة يقتضيان بأن الكلام الموصوف بذلك هو كلام كاذب، وهذا ما عليه أُستاذه الشيخ المفيد، الذي منع من إطلاق صفة مخلوق علىٰ القرآن الكريم، الذي هو كلام الله تعالىٰ ، وقد سار علىٰ ذلك الإمامية كافة.


ثانياً: الصفات السلبية:

وهي الصفات التي تستدعي تنزيه المولى عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته من النقص وغيره. لأن وجود صفة من صفات النقص، وما لا يليق بجلاله وعظمته يستلزم تركيبه، والتركيب نقص، وتعالى الله عنه علواً كبيراً. وأول هذه الصفات كما اعتاد علىٰ بحثها المتكلمون هي:

1- انه تعالىٰ ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض:

اعتبر الكراچگي أنه لا يجوز إتصافه تعالىٰ. معللاً ذلك بقوله في معنى الجسم: «هو ذو الطول والعرض والعمق» والجوهر: «هو أصغر ما تألفت منه الأجسام» والعرض: «هو العارض في المحل بغير بقاء». وكل هذه ممكنة الوجود، والممكن الوجود يستلزم الحدوث، وثبت سبحانه أنه قديم، وأمتنع ان يكون ممكناً، فأستحال ان يكون جوهراً أو عرضاً.

وفي ذلك أدعت المشبهة بأن الله متحيز كبقية الأجسام علىٰ نحو يصحُّ أن يشار إليه وهو مماس للصفة العليا من العرش، وزاد بعض الحشوية(*) عندما اعتبروا الله جسماً مركباً من لحم ودم وانه علىٰ صورة إنسان.

وكثرت علىٰ وجه العموم أحاديث المشبهة وأقاويلهم ومالت نحو انحرافات وخرافات رفضها معظم المسلمين. أما المعتزلة فذهبوا إلىٰ أن وصف الله بصفات فلا يشبه بها اتصاف الأجسام، فذهبوا أن صفاته ليست زائدة علىٰ ذاته لأن الزيادة تؤدي إلىٰ تعدد القدماء، ولهذا أجمع المعتزلة علىٰ نفي الجسمية عن الله تعالىٰ. وهو رأي متكلمي الإمامية، والأشعرية، والزيدية وبعض الفلاسفة. فهؤلاء جميعاً ينكرون التجسيم أشد الإنكار، ويؤولون اليد في الآيات بالقدرة، والعرش بالإستيلاء والوجه بالذات، ومجيء الله بمجئ أمره، وما إلىٰ ذلك من التأويلات التي يتقبلها الذوق، ولا يأباها العقل.

أما الكراچگي فقد جاء بالأدلة الواضحة للاستدلال علىٰ أن الله تعالىٰ ليس بجسم إذ يقول:

1- ان الأجسام قد ثبت حدوثها، فلو كان صانعها جسماً، أو مثلهما لوجب أن يكون محدثاً. ويبين ذلك ان حقيقة الجسم هي أن يكون طويلاً عريضاً... فلو كان صانع الأجسام جسماً فكانت هذه حقيقة... لكان محدثاً، ولو جاز كونه عليها وهو قديم، لكانت الأجسام كلها قديمة. وفي ثبوت الأدلة علىٰ حدوث الأجسام وقدم محدثها دلالة واضحة علىٰ أنه ليس بجسم.

2- ان صانع الاجسام واحد في الحقيقة بحسبما شهدت به الأدلة فلو كان جسماً لخرج عن كونه واحد. لأن الجسم مجتمع من أبعاض وأجزاء.

3- لو كان جسماً لوجب كونه قادراً بقدره، لبطلان كون الجسم قادراً لنفسه ولو كان كذلك لاستحالة حدوث الأجسام منه. إذ لا يصح من القادر بقدرته ان يفعل الجسم في محل قدرته.

4- لو كان جسماً في الحقيقة صح منه فعل الأجسام، لصح من كل جسم حي قادر أن يفعل الأجسام، فلما علمنا يقيناً استحالة فعل الأجسام للأجسام. علمنا أن فاعل الاجسام ليس بجسم.

واستدل الكراچگي علىٰ ذلك بأن الله تعالىٰ ليس بجوهر، لأن الجوهر متحيز في جهةٍ، غير عارضٍ عليه من الأعراض الدالة علىٰ حدوثه.

زد علىٰ ذلك فقد ردَّ الكراچگي علىٰ المشبهة في وقولهم: أنه جسم لا كالأجسام وقد نسبت هذه المقولة أيضاً إلىٰ بعض متكلمي الإمامية القدماء وهو هشام بن الحكم (ت: 179هـ)، وسيأتي بطلان هذا المعنى لاحقاً، فقد اعتبر الكراچگي أن هذه المقولة تحمل عناصر تناقضها من داخلها إذ هي تنفي ما أثبته بعينه وهو الجسم.

وتأسيساً لما سبق يقول الكراچگي: «وأما الذي يدل علىٰ بطلان مقال الذين يزعمون أن الله تعالىٰ جسم لا كالأجسام، فهو أن حقيقة الجسم قد ذكرناها فمن قال القائل إنه جسم أوجب الحقيقة بعينها، فإن قال: لا كالأجسام نفي ما أوجب فكان ناقضاً» وزيادة علىٰ ذلك أكد الكراچگي ان ما نقل عن هشام بن الحكم بأنه كان ينصر التجسيم ويقول: إن الله جسم لا كالأجسام. لم يصحُّ عنه ما نسبوه إليه، وبهذا نجد من نفىٰ عن هشام ما نسب إليه من مقولته هذه الشريف المرتضىٰ، حيث أعتبر أن ما حُكي عنه بأنه تعالىٰ جسم له حقيقة الأجسام وكذلك حديث الأشبار(*)، المدعي عليه، وما هو إلّا حكاية الجاحظ عن النظام، وكلم منهم متهم عليه، وغير موثوق بقوله في مثله وذلك لما عليه هشام من وطأة وشدة معارضته لأفكار المعتزلة، وبالتالي فقد علل المرتضىٰ مقولة هشام بأنه تعالىٰ «جسم لا كالأجسام» بأنه أورد ذلك علىٰ سبيل المعارضة للمعتزلة. وأكد الكراچگي بأن هشام قد شاع عنه واستفاظ منه من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ورجوعه عنه، وإقراره خطأه وتوبته منه. وذلك حين قصد الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق إلىٰ المدينة فحجبه وقيل له: إنه ألىٰ أن لا يوصلك إليه ما دمت قائلاً بالتجسيم، فقال: والله ما قلت به إلّا لأني ظننتُ أنه وفاق لقول إمامي، فأما إذا أنكره عليّ فإنني تائب إلىٰ الله منه. وحفظ هشام عن الصادق قوله: «ان الله تعالىٰ لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شيء، كما وقع في الوهم فهو بخلافه».

ولما تقدم، فقد تأول الكراچگي بعض الآيات التي يشعر ظاهرها في التجسيم، وذلك لنفي الجسمية عنه تعالىٰ، فقوله تعالىٰ: الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى ان العرش هنا هو الملك، واستواؤه عليه، هو استيلاؤه عليه بالقدرة والسلطان.

أما الكرسي في قوله تعالىٰ: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ يعني علمه.

وبهذا المعنى روي ذلك عن الإمام الصادق قال: «وسع كرسيه السموات والأرض يعني عليمه». ومن هذا يتبين لنا لابدّ من تأويل الآيات بالمعنى الصحيح، وهذا ما أكد عليه الدكتور باسم جريو بقوله: «فلابدّ إذن من تأويل هذه الظواهر وصرفها إلىٰ معانٍ مناسبة للحكم العقلي».

2- انه تعالىٰ ليس بمكان:

المكان «هو ما أحاط بالمتمكن». وهذه المسألة من المسائل التي اختلفت فيها الفرق الإسلامية، حيث ذهب الكراچگي إلىٰ تأييد ما ذهب إليه متكلمو الإمامية. بشأن نفي الجهة والمكان عن الله سبحانه، وبذلك يرفض ما ذهبت إليه المجسمة. والكرامية. أما المعتزلة فانهم متفقون علىٰ نفي الجهة عنه. لكنهم اختلفوا في المكان، فقال جمهورهم: الباري بكل مكان، بمعنىٰ أنه مُدبر لكل مكان وان تدبيره في كل مكان، وقال آخرون: الباري تعالىٰ ليست في مكان، بل هو علىٰ ما يزال عليه. أما البغداديون من المعتزلة فقد نفوا الجهة ثم المكان.

وقد استدل الكراچگي علىٰ عدم جواز المكان لله تعالىٰ بقوله: «ذو المكان... قد حصل له حيز فصار في جهة من دون جهة، ولا يكون كذلك إلّا جسم أو بعض جسم، وقد ثبت ان الله تعالىٰ ليس بجسم، ولا بعض جسم، فعلم بطلان المكان».

وزاد مستدلاً علىٰ ما سبق بقوله: «لو كان له مكان لم يخل مكانه من حالين:

إما أن يكون قديماً أو محدثاً، ولا يصح أن يكون قديماً، لمشاركته لله تعالىٰ في القدم... ولو كان المكان محدثاً، لكان الله سبحانه قبل إحداثه لا يخلو من أمرين:

إما أن يكون محتاجاً إلىٰ المكان أو مستغنياً عنه، ولا يجوز أن يكون لم يزل محتاجاً إليه، لما في ذلك من صفة النقص الذي لا يكون للقديم، وان كان غنياً عنه قبل وجوده، فلا يجوز أن يحتاج إليه بعد ذلك. لأن حاجته تخرجه عن قدمه ، وتشابه بينه وبين خلقه، فوجب نفي المكان عنه».

ومن هذا النص يتبين لنا ان الكراچگي قدم الإدلة العقلية علىٰ نفي الجهة، والمكان عن الله سبحانه وتعالى، وانه عالم بكل مكان وبما فيه، حافظ له.

وسار الكراچگي علىٰ نهج الأئمة ولاسيما الإمام علي الذي نجد صداه في بعض الروايات فعن الإمام علي حيث سئل عن الربّ، أين هو؟ وأين كان؟ فقال: «لا يوصف الرب جلّ جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلىٰ مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف».

*    *    *


 





المبحث الأول: مفهوم العدل الإلهي لغةً واصطلاحاً.

    المطلب الأول: مفهوم العدل لغةً.

    المطلب الثاني: مفهوم العدل اصطلاحاً.

المبحث الثاني: 

    المطلب الأول:  التحسين والتقبيح العقليان.

    المطلب الثاني:  نظرية الأصلح.

    المطلب الثالث:  قدرة الله تعالىٰ علىٰٰ القبيح.

المبحث الثالث: القضاء والقدر.

    المطلب الأول: القضاء والقدر وعلاقته بالجبر والإختيار

    المطلب الثاني: التكليف بما لا يطاق.

    المطلب الثالث:  الاستطاعة.



 


المبحث الأول

مفهوم العدل

المطلب الأول: مفهوم العدل لغةً:

العدل نقيض الجور: يقال عدل في الرعية، وعدل عدولاً أي حكم بالعدلِ.

ويرىٰ ابن منظور (ت: 711هـ)أن: العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم: وهو ضد الجور.أو بمعنىٰ السوية.

وقال الجرجاني (ت: 816هـ): العدل مصدر بمعنىٰ: العدالة، وهو الاعتدال والاستقامة، وهو الميل إلىٰ الحق.

المطلب الثاني: مفهوم العدل اصطلاحاً:

اختلفت المذاهب الإسلامية في تحديد مفهوم العدل فذهب متكلمو الإمامية إلىٰ أنه تنزيه الله تعالىٰ من فعل القبيح، والإخلال بالواجب.

فقد عرف الشيخ الصدوق (ت: 381هـ) العدل: «بأنه الحكم بالعدل والحق، وسمّي به توسعاً لأنه مصدر والمراد به العادل، والعدل من الناس المرضيّ قوله وفعله وحكمه» .

ويوضح الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) العدل بأنه: «هو تنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والإخلال بالواجب» . 

أما الكراچگي فأنه لا يخرج عن واقع تعريفات علماء الإمامية الإثني عشرية في تعريفهم للعدل فقال: «العادل هو المنزه من القبائح، لا يظلم الناس وان كان قادراً علىٰ الظلم، لأنه عالم بقبحه، غني عن فعله، قوله صدق، ووعده حق».

وهذا المعنىٰ نجده عند المعتزلة، وهو فيما ذهبَ إليه القاضي عبد الجبار (ت: 415هـ) بقوله: العدل من كانت أفعاله كلها حسنة، وانه لا يفعل القبيح، ولا يخلُ بما هو واجب عليه». 

أما الأشعرية فهم يعتبرون أن العدل بمعنىٰ أن يفعل الله تعالىٰ ما يشاء، ويحكم ما يريد، فهم يقولون: «وضع الشيء في موضعه وهو التصرف في الملك علىٰ مقتضىٰ المشيئة والعلم».

وما يدلُ علىٰ أنه عدل حكيم أن معنىٰ العدل الحكيم هو الذي لا يفعل قبيحاً، ولا يخلُ بواجب، لأن فعل القبيح لا يفعله إلا الجاهل به، المحتاج إليه، والباري تعالىٰ عالم وغني في ذاته وصفاته، لوجوب وجوده، فلا يفعل قبيحاً ولا يخل بواجب. 

ونعتقد أنه في بعض الأحيان يوّسع مفهوم العدل ليكون مرادفاً للحكمة فيكون معناه وضع الشيء في موضعه، أو القيام بكل فعل علىٰ وجه حسن، فيكون الفعل العادل مساوياً للفعل الحكيم.


*    *    *

 


المبحث الثاني

المطلب الأول: التحسين والتقبيح العقليان:

لقد أنشغل المتكلمون في بحث هذا الموضوع قديماً وحديثاً، وتشعبت آراؤهم حوله، ولا يزال صدىٰ هذه القضية يشغل فكر الباحثين.

وللإجابة عن هذا السؤال نقول: الحسن والقبح في الأفعال عقليان أم شرعيان؟ وقبل الوقوف علىٰ إجابة المتكلمين، وأدلتهم ومعرفة رأي الكراچگي في ذلك، لا بد من بيان معنىٰ الحسن والقبيح عند المتكلمين، وتحديد الخلاف بينهم.

يقول الكراچگي: « الحسن هو ما كان للعقول ملائماً. والقبيح هو ما كان للعقول منافراً».

وأن معرفة صفة الحسن والقبيح تطلق علىٰ ثلاثة أنواع هي:

1- الكمال والنقص: فالعلم مثلاً حسن لأنه كمال، والجهل قبيح لأنه نقص.

2- ملائمة الغرض ومنافرته: فحسن الصحة  مثلاً كونها متوافقة مع إرادتها، وقبح المرض لكونه متنافياً مع هدفنا.

3- الفعل: حيث يناط قبح الفعل باستحقاق فاعله للذم والعقاب، ويناط حسنه بعدم استحقاقه للذم والعقاب.

فالأول والثاني لا خلاف فيهما، حيث إن العقل هو الحاكم بالحسن والقبح، أما الخلاف فقد وقع في الثالث ، أي: إن الحاكم هو العقل أم الشرع.

فقد انقسم المتكلمون في ذلك علىٰ فريقين:

الفريق الأول:

ذهب إلىٰ أن العقل البشري قادرٌ علىٰ أن يدرك بنفسه حُسن الأفعال وقبحها، ويحكم بأن الفعل الحسن علامة لكمال فاعله، والقبح علامة لنقصان فاعله، ولما كان الله تعالىٰ منسجماً بصفات الكمال جميعها، ففعله كمال، وذاته المقدسة منزهة عن كل قبيح، وأصحاب هذا الرأي الإمامية، والمعتزلة،  والماتريدية، والكرامية، واستدلوا علىٰ ذلك بجملة من الأدلة لعل أهمها دليل البديهية والفطرة حيث أن أي عاقل يشعر بفطرته إنّ الظلم والجهل والكذب قبيح.

فلو كان ذلك عن غير طريق العقل، لكان العلم بقبح القبيح، وحسن الحسن  متوقف علىٰ أهل السمع من دون شموله للعقلاء جميعاً مع أننا نعلم باشتراك العقلاء جميعهم، سواء أكانوا موحّدين أم ملحدين، مقرّين بالنبوّات أم جاحدين لها في العلم بذلك، وبهذا يثبت أن طريق معرفة الحسن والقبح هو العقل.

الفريق الثاني: 

ذهب إلىٰ أن التحسين والتقبيح شرعيان، فالحسن ما حسنه الشرع والقبح ما قبّحه الشرع، وأما العقل البشري فعاجز عن إدراك الحسن والقبح، وأصحاب هذا الرأي هم أغلب الأشاعرة(*)، وقد استدلوا لمذهبهم هنا فيما استدلوا به بأن الأفعال كلّها من نوع واحد، ومما يؤدي إلىٰ أنه ليس هنالك من شيء في نفسه يقتضي مدحاً وثواباً أو ذمّاً، وإنّما صارت الأفعال كذلك بوساطة الشارع ونهيه، وهذا ما أوضحه البغدادي(*) بقوله: «كل ما علم الله وجوبه أو تحريمه فالشرع أوجب ذلك فيه. ولو لم يرد الشارع بالخطاب لم يكن شيء واجباً ولا محضوراً وكان جائزاً من الله أن لا يكلف عباده شيئاً».

والمتأمل في كلام الكراچگي يجده بأنه لم يخرج عن رأي الإمامية، ومتسلحاً بأدلتهم، وهذا واضح من خلال تعريفه، للعقل بقوله: «هو عرض يحل الحي، يفرّق بين الحسن والقبح، ويصحُّ بوجوده عليه التكليف» وبهذا يبين أثر العقل الفعال في التمييز بين الحسن والقبح، وقابليته لإدراك الأحكام الشرعية الفرعية.


المطلب الثاني: نظرية الأصلح:

اختلف المتكلمون في الأصلح في الدنيا، هل هو واجب علىٰ الله تعالىٰ أم لا؟ فذهب المعتزلة أن الله خلق الخلق أجمعين لصلاحهم، ونفعهم حيث أنه خلقهم وكلفهم، ويجب أن يكون فعله بحسب عدله، وعظمته لذلك لم يخلق الخلق لصلاحه ونفعه بل لصلاحهم ونفعهم، وهذا واضحٌ في قول العلاف (ت:235 هـ): «إن الله لا يفعل إلّا الأصلح لعباده» وهذا رأي سائر متكلمي الإمامية.

وبه قال البلخي (ت: 317 هـ) وهو مذهب البغداديين من المعتزلة.

ولم يخالفهم في ذلك إلّا بشر بن المعتمر(*)، حيث رفض القول بالأصلح وكفّر القائلين به، وقال باللطف بدلاً من الأصلح، فالله عنده الطاف كثيرة لا نهاية لها لو أعطاها الكفار لامنوا بها وليس عليه فعل ذلك.

وقال الجبائيان، والأشاعرة، أن الأصلح ليس بواجب علىٰ الله تعالىٰ، لأن الأصلح للكافر الفقير أن لا يخلق حتىٰ يكون معذباً في الدارين، والأصلح أن يخلق العباد في الجنة، وأن يغنيهم بالمشتهيات الحسنة عن القبيحة.

أما الكراچگي فلم يخرج عن رأي سائر متكلمي الإمامية بوجوب الأصلح علىٰ الله سبحانه وتعالى بقوله: «إن الله سبحانه متفضل علىٰ جميع خلقه بنهاية مصالحهم، متطول عليهم بغاية منافعهم، لا يسألونه صلاحاً إلّا أعطاهم، ولا يلتمسون منه ما يعلم، إنه لهم أنفع إلّا فعله بهم، ولا يمنعهم إلّا مما يضرهم، ولا يصدهم إلّا عما يفسدهم، ولا يحول بينهم وبين شيء يصلحهم، وأنه لا يقضي عليهم بشيء، يسرهم أو يسوؤهم إلّا وهو خير لهم، وأصلح مما صرفه عنهم».

وفي صدىٰ ذلك ردّ الكراچگي قول الأشاعرة وأثبت وجوب الأصلح علىٰ الله بالأدلة الآتية:

1- ثبت أن الله عالم بقبح القبيح، وغني عن فعله، لا يُجبرُ علىٰ الحسن، ولا يحتاج إلىٰ منعه، وأنه مستحق للوصف بغاية الجود، ومنفي عنه البخل والتقصير، خلق الخلق لمنافعهم، واخترعهم لمصالحهم، فلو منعهم صلاحاً لناقض ذلك الغرض في خلقهم.

2- إن الحكيم كان آمراً بطاعته، فلن يجوز أن يمنع المأمور ما به يصل إليها، إذا كان قادراً أن يعطيه إياه، وكان بذله له لا يضره، ولا يخرجه من استحقاقه الوصف بالحكمة، ومنعه لا ينفعه.

3- وكان الله تعالىٰ قادراً حكيماً جواداً عالماً بمواضع حاجة عباده آمراً لهم بطاعته، وترك عداوته، والرجوع إلىٰ ولايته لا يضره الإعطاء، ولا يلحق به صفة الذم، ولا ينفعه المنع، ولا يزيد في ملكه، وبهذا ثبت أنه لا يفعل بعباده إلّا ما كان أصلح بحالهم.

وكذلك استدل الكراچگي بقوله تعالىٰ لرسوله الكريم محمد: فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أوْ يَخْشَى.

هذا حين علم أن الدعاء علىٰ جهة اللين أصلح له.

وقوله تعالىٰ: وَلَقَدْ أرْسَلْنَا إلَى اُمَم مِنْ قَبْلِكَ فَأخَذْنَاهُمْ بِالبَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ.

وبهذا يؤكد الله تعالىٰ أن الشدة والغلظة أصلح في دعائهم إلىٰ التضرع والخشوع لديهم.

زد علىٰ ذلك ما روي عن الأئمةفي وجوب الأصلح قال الإمام الصادق فيما أوصىٰ الله إلىٰ موسى بن عمران: «يا موسىٰ ما خلقت خلقاً أحبّ إليّ من عبدي المؤمن، وإنّما ابتليته لما هو خيرٌ له وأعافيه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلحُ عليه أمر عبدي فليصبر علىٰ بلائي وليشكر نعمائي وليرضىٰ بقضائي أكتبه في الصدّيقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع أمري».

وأخيراً يقول الدكتور باسم باقر جريو: «إن وجه الحقيقة في وجوب الأصلح بقي غامضاً عن كثير من الباحثين والعلماء. إذ ليس المقصود من وجوب الأصلح على الله سبحانه هو أن يلزم العبد مولاه بأن يفعل الفعل الفلاني، أو يتجنب الفعل الفلاني حتىٰ نقول أنه تعالىٰ مأمور لغيره، وأنّ غيره حاكم وآمرٌ عليه، غاية ما هنالك أن الباري سبحانه - انطلاقاً من حكمتهِ وعدلهِ - يفعل ما فيه الإحسان للعباد ويتجنب ما فيه الفساد ما دام الله سبحانه داعياً إلىٰ إيجاد الأصلح، وليس له صارفٌ عنه مع تحقق القدرة، والداعي إلىٰ ثبوته».

المطلب الثالث: قدرة الله تعالىٰ علىٰٰ القبيح:

لقد اتضح لنا أنه تعالىٰ لا يفعل القبيح، ولا يخل بالواجب – كما هو رأي الكراچگي – فهل هو قادر علىٰ القبيح؟

ذهب الكراچگي إلىٰ أنه تعالىٰ قادر علىٰ القبيح، مستنداً إلىٰ أنّ الله تعالىٰ قادر علىٰ جميع الممكنات، والقبح منها فيكون مندرجاً تحت قدرته إذ يقول في هذا الصدد: «إنه منزّه من القبائح، ولا يظلمُ الناس وإن كان قادراً علىٰ الظلم لأنه عالم بقبحه».

وهذا ما ذهب إليه العلماء كافة إلّا النظام المعتزلي (ت: 231 هـ) حيث قال: «لا يقدر علىٰ القبيح؛ لأنه مع العلم بقبحه سفه، ودونه جهل».

وقد استدل النظام بما ما ذهب إليه، بأن القبيح محال لأنه يدل علىٰ الجهل، وكلاهما محال وما يؤدي إلىٰ المحال محال.

وإذا كان الله تعالىٰ قادراً علىٰ القبيح فهل يصدر منه قبيح؟؛ أي: أنه تعالىٰ هل يفعل القبيح؟

اختلف المتكلمون في قدرته تعالىٰ علىٰ القبيح وأوضح ذلك العلّامة الحلي (ت: 726هـ) بقوله: «اختلف الناس هنا، فقالت المعتزلة: انه تعالىٰ لا يفعل قبيحاً، ولا يخل بواجب، ونازع الأشعرية في ذلك؛ واسندوا القبائح إليه تعالىٰ عن ذلك».

أما الكراچگي فلم يختلف عن رأي سائر علماء الإمامية بأنه تعالىٰ لا يفعل القبيح.

حيث أشار في قوله : «انه منزه من القبائح، لا يظلم الناس، وإن كان قادراً علىٰ الظلم، لأنه عالم بقبحه، غني عن فعله...» .

 وقد استدل الإمامية علىٰ ذلك بأن فعل القبيح لا يصدر من شخص إلا إذا كان جاهلاً بقبح ما يفعله، أو انه محتاج إلىٰ فعل هذا القبيح، وكلاهما لا ينطبقان عليه تعالىٰ، لعلمهُ بالقبائح وعلمه بغناه عن هذه القبائح.

وهذا يقودنا إلىٰ سؤال مفادهُ هل أن الله لا يريد من خلقه إلا الطاعة؟! وهل انه كاره للمعاصي كلها؟

ذهبت المعتزلة إلىٰ كونه تعالىٰ مريداً للطاعات من المؤمن والكافر؛ سواء وقعت الطاعات أم لم تقع، وبالتالي فإنه تعالىٰ كاره للمعاصي سواء وقعت أم لم تقع. وهو ما عليه الإمامية.

أما الأشاعرة فقد ذهبوا إلىٰ أن كل ما هو واقع تحقق فهو مرد له تعالىٰ سواء كان طاعة أم معصية.

والكراچگي يتوافق هنا مع الرأي المعتزلي والإمامي، ونلحظ ذلك من خلال الأدلة التي قدمها علىٰ انه سبحانه لا يريدُ المعاصي والقبائح،ولا يجوز أن يشاء منها، وانه كاره لها، ساخط لجميعها، والأدلة هي:

أولاً: الأدلة العقلية:-

1- أن الله تعالىٰ نهىٰ عن المعاصي،والنهي إنّما يكون نهياً بكراهة الناهي للفعل المنهي عنه.

2- أنه سبحانه كارهاً لجميع المعاصي والقبائح، من حيث كونه ناهياً عنها، استحال أن يكون مريداً لها، لاستحالة أن يكون مريداً كارهاً لأمر واحد.

3- أنه تعالىٰ لو كان مريداً للقبيح لوجب أن يكون علىٰ صفة نقصٍ وذمٍ إن كان مريداً له بلا إرادة، وإن كان مريداً بإرادة وجب أن يكون فاعلاً للقبيح، لأن إرادته القبيح قبيحة.

ثانياً: الأدلة النقلية:  

لقد دل السمعُ في ذلك علىٰ مثل ما دل عليه العقل، قال الله: وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُـلْماً لِلْعِبَادِ.¬

وقوله تعالىٰ: وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ.

وقوله تعالىٰ: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ.

وقوله تعالىٰ: وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإنسَ إلا لِـيَعْبُدُونِ.

وغير ذلك من الآيات القرآنية الأخرىٰ التي استدل بها الكراچگي.

*   *   *



المبحث الثالث

القضاء والقدر

المطلب الأول: القضاء والقدر وعلاقته بالجبر والاختيار:

يقودنا البحث في العدل الإلهي عند الكراچگي، إلىٰ البحث في قضية مهمة مترتبة علىٰ تلك المسألة، ألا وهي قضية حرية الإرادة الإنسانية وبمعنىٰ أدق: مسألة الجبر والتفويض، أو الجبر والاختيار، والقضاء والقدر. ودراسة هذه المسألة تعني البحث في أفعال الإنسان الصادرة عنه وعلاقتها بقدرة الله تعالىٰ، ويتلخص فحوىٰ القضية في السؤال التالي: هل أن الإنسان مجبور ومقسور علىٰ أفعاله الإرادية؟ أو بتعبير أدق: هل الإنسان مسلوب الإرادة، وجميع أفعاله مخلوقة لله تعالىٰ؟ أم أنه حرُّ  الإرادة وله الاختيار في أن يفعل أو لا يفعل؟ فتكون جميع أفعاله مخلوقة له ليس للإرادة الإلهية أي دخل بها، أم أن أفعاله في وضع هو بين بين؟.

وهذه المسألة - كما هو واضح وظاهر من حيث إنما تمس الحرية الإنسانية – ليست من النوع النظري المنطقي الجدلي الذي لا يمت للواقع بصلة، بل هي متصلة بحياة الإنسان ومصيره وماله، ولذا فقد شغلت عقول الناس من مفكرين وفلاسفة وغيرهم منذ أقدم العصور.

ولا تزال من أعقد المسائل الكلامية التي شاع النزاع في القرن الأول الإسلامي بين العلماء والمتكلمين، وبقيت موضع عناية الباحثين والمفكرين طوال هذه القرون. وعلىٰ الرغم من توجه الأفكار إليها، بالبحث وإعطائها تلك الأهمية، وعلىٰ الرغم من ذلك، فلم يقف العلماء الباحثون فيها علىٰ رأي واحد، ولا استطاعوا أن يضعوا الحلول التي تزيح الشبهة والشكوك حول أفعال الإنسان، وتحديد المسؤولية المترتبة عليها.

ولا ينبغي التوهم أن مشكلة الجبر والاختيار مختصة بالفلاسفة الإلهيين والمتكلمين،             وإن الماديين لا يجهدون أنفسهم لحل معضلتها، بل إنها تطرح أمامهم هذه المشكلة مع قليل من الفرق، إذ أنهم لما كانوا يأخذون بمبدأ العلية العامة، والضرورة التي تفرض وجوداً قطعياً للمعلول عند وجود علته، وانتفائه عند انتفائها منه، فإن السؤال يطرح أمامهم حول تبعية أفعال البشر لهذا القانون، واستحالة استثنائها منه، فأعمال البشر مشمولة لقوانين مسلمة حتمية وجبرية، ومع هذا، فهل يمكن تصور الحرية والاختيار؟.

إلىٰ ذلك فقد تعددت أقوال الفرق الإسلامية حول هذه المسألة، وقبل الوقوف علىٰ رأي الكراچگي وتحديد موقفه من مختلف الآراء لابدّ من توضح معنىٰ القضاء والقدر عنده.

معاني القضاء: كما وردت عند الكراچگي:

1- منها ما يكون بمعنىٰ الأعلام:

كقوله تعالىٰ: وَقَضَيْنَا إلَيْهِ ذَلِكَ الأمْرَ أنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ، أي: بمعنىٰ أعلمناه.

وقوله سبحانه: وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ، أي: أعلمناهم بذلك.

2- بمعنى الحكم والالتزام:

كقوله تعالىٰ: وَقَضَى رَبُّكَ ألا تَعْبُدُوا إلا إيَّاهُ؛ أي: حكم بذلك في التكليف علىٰ خلقه وإلزامهم به.

معاني القدر عند الكراچگي: 

1- منها ما يكون بمعنىٰ: الكتاب والإخبار. كقوله تعالىٰ: إلا امْرَأتَهُ قَدَّرْنَا إنَّهَا لَمِنَ الغَابِرِينَ. يعني كتبنا وأخبرنا.

2- منها ما يكون بمعنىٰ تبيين مقادير الأشياء وتفاصيلها والأعلام باختلاف أحوالها.

3- ومنها ما يكون بمعنىٰ ترك الأشياء في التدبير علىٰ نظام ووضعها في الحكمة مواضعها من غير زيادة ولا نقصان. كما في قوله تعالىٰ: وَقَدَّرَ فِيهَا أقْوَاتَهَا.

أما مفهوم القضاء اصطلاحاً: فيقول الشريف المرتضى (ت: 436 هـ): «هو إيجاد علىٰ التمام وقد يقال في فضل الحكم أما بالأمر أو بالخبر».

ومفهوم القدر اصطلاحا: «هو إيجاد الفعل علىٰ وجه الأحكام بحسب المنفعة. يقال للخبر بما يكون إذا كان يجيء علىٰ مقدار ما تقدم من الخبر».

وفي دراسة هذه المسألة كلامياً يستلزم دراسة، وتحديد الصلة بين إرادة الله العامة الشاملة، والإرادة الإنسانية، أو بعبارة أدقٰ بين قدرة الله وأفعال العباد، فهل أفعال العباد مخلوقة لله تعالىٰ، أم هي من خلقهم واختراعهم؟ أو أن هنالك طريقاً ثالثاً يتوسط هذين الأمرين؟ وعليه فقد تعددت أقوال الفرق الإسلامية حول هذه المسألة، وقبل الوقوف علىٰ رأي الكراچگي وتحديد موقعه من مختلف الآراء والأقوال لابدّ أن نستعرض آراء الفرق في هذه المسألة فنجد أن أهمها أربعة:

1- المجبرة: وهي التي قالت بالجبر. ومعناه: نفي الفعل حقيقة من العبد وإضافته إلىٰ الربّ تعالىٰ. وصاحب هذه المقالة الجهم بن صفوان(*)، ويزعم أن الله تعالىٰ هو الموجد لأفعال العباد وإضافتها إليهم علىٰ سبيل المجاز. وذهب إلىٰ أن الإنسان ليس أن يقدر علىٰ شيء ولا يوصف بالاستطاعة، وإنما هو مجبور علىٰ أفعاله ولا قدرة له ولا إرادة ولا اختيار، وإنما يخلق الله تعالىٰ فيه علىٰ حساب ما يخلق علىٰ حساب الجمادات.

أما الإنسان لا يكون إلّا أدة أو ظرفاً ككأس الشراب أو إناء طعام، وهذا هو المراد بالجبر.

2- المعتزلة: إذ ذهبوا إلىٰ القول بـ (الاختيار والتفويض) واعتبرت هذه المسألة أساساً للعدل، حيث ذهبوا إلىٰ الاعتقاد بأن أفعال العباد جميعاً غير مخلوقة فيهم، وإنهم المحدثون لها.

ويعود نشر هذه الفكرة إلىٰ معبد الجهمي(*)، وغيلان الدمشقي(**)، فالأول تولى نشرها في العراق، والثاني في الشام، ومن هنا اعتنق المعتزلة هذه الفكرة وتبنوها فقد أجمع المعتزلة علىٰ أن العباد خالقون أفعالهم مخترعون لها، وأن الله تعالىٰ ليس له في أفعال العباد المكتسبة صنع، ولا تقدير كما يرىٰ بعضهم.

واستدل المعتزلة علىٰ أن أفعال الإنسان هي من فعل العباد بقوله تعالىٰ: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَـلام لِلْعَبِيدِ.

أما القدرة التي يحقق الإنسان أعماله بوساطتها فهي من الله تعالىٰ سواء كانت القدرة حادثة أم غير حادثة.

فالإنسان في نظر المعتزلة، فاعل مختار حر الإرادة، يتصرف بالقدرة التي منحها إياه  الله تعالىٰ كيف يشاء، ويوجهها كما يريد.

3- الأشعرية:

حاولوا أن يسلكوا طريقاً وسطاً بين القائلين بحرية الإرادة والقائلين بالجبر، فالجئوا إلىٰ فكرة الكسب.

وحاصل هذه الفكرة أن الأفعال الاختيارية للإنسان يكسبها عبر خلق الله تعالىٰ القدرة فيه، فعبر هذه المقدرة الحادثة يكتسب الإنسان أفعاله، فإذا أراد العبد الفعل وتجرد له – أي لم يشغل نفسه بفعل سواه- خلق الله تعالى في هذه اللحظة قدرة علىٰ الفعل مكتسبه من العبد مخلوقة من الربّ، فيكون الفعل خلقاً وإبداعاً وإحداثاً من الله تعالىٰ، وكسباً من العبد لقدرته التي خلقها الله تعالىٰ له وقت الفعل.

ومن أجل هذا الكسب يستحق العبد الثواب والعقاب وهذا ما أقره الأشعري في كتابه «الإبانة» بقوله: «لا خالق إلّا الله، وأن أعمال العبد مخلوقة لله مقدرة» كما قال الله تعالىٰ: وَاللّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ.

وإذا كانت حصيلة رأي المجبرة أن لا أثر لقدرة العبد في خلق أفعاله الاختيارية وإيجادها، وحصيلة رأي المعتزلة أن الإنسان يقدر أفعاله بيده، فإن ذلك قد هيأ الأجواء لتبادل التهم بينهم ووصف كل فريق الآخر بأنه قدري.

فأهل العدل يقولون لأهل الجبر: أنتم القدرية(*)، وأهل الجبر يقولون لأهل العدل أنتم القدرية.

وإنما تبراء الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله لعن القدرية واصفاً إياهم بمجوس هذه الأمة، والأخبار بذلك مشتهرة منها ما روي عن الرسول قوله: «لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة الذين يقولون لا قدرة، من مات منهم فلا تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فلا تعودوهم».

وقوله: «القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم».

وهذا القول يدل علىٰ تشبيه القدرية بالمجوس لموضع المشابهة بينهم في المقال والاعتقاد، ومن خلال الإطلاع علىٰ آراء الكراچگي في ذلك نجده قد صرف هذا المصطلح إلىٰ الجبرية، واستدل علىٰ  ذلك أن من أقوال المجوس أنه تعالىٰ فاعل الجميع ما سرّ ولذَّ وأبهج، ومالت إليه الأنفس، واشتهته الطباع، كائناً ما كان وهذا مذهب المجبرة بغير خلاف. ومن الشبهة الأخرىٰ التي تجمع المجبرة مع المجوس هو أن المجوس قالوا: إن الله تعالىٰ محمودُ علىٰ فعل الخير، وهو لا يقدر علىٰ ضده، وإن إبليس مذموم علىٰ فعل الشر، ولا يقدر علىٰ ضده.

وهذا بعينه يضاهي قول المجبرة: إن الله محمود علىٰ الإيمان، وهو لا يقدر علىٰ ضده وإن الكافر مذموم علىٰ الكفر ولا يقدر علىٰ ضده.

وذهب المجوس إلىٰ القول بما لا يطاق، وهو رأيهم الذي يدينون به في الإعتقاد. وهذا هو قول المجبرة بتكليف ما لا يستطاع فإنهم مجوس هذه الأمة وقدريتها بما اقتضاه هذا البيان.

ورفضت المجبرة هذه التسمية إذ يقولون لخصومهم: أنتم أحق بهذا الاسم، لأنكم نفيتم القدر وجحدتموه، وأنكرتم أن يكون الله سبحانه قدّر لعباده ما أكتسبوه.

فقالت العدلية: قد غلطتم فيما ذكرتموه، لأن الشيء يجب أن ينسب إلىٰ من أثبته وأوجبه، لا من نفاه وسلبه، ويضاف إلىٰ من أقرَّ به واعتقده، لا من أنكره وجحده.

ولكن هذا لا يزيل من أغلاط المعتزلة وزلاتهم الفضيحة ما يكثر تعداده، وقد وردت الأخبار بذمهم من أهل البيت ولعنهم جعفر بن محمد الصادق فقال: «لعن الله المعتزلة أرادت أن توحد فالحدت، ورامت أن ترفع التشبيه فأثبتت».

وهذا يؤكد علىٰ أن المعتزلة أرادوا أن ينزهوا الله تعالىٰ عن الظلم والجور الذي نسبته المجبرة إليه تعالىٰ، فعزلوه عن ملكه، وجعلوا له شريكاً في خلقه، وحاولوا الفرار من القبيح فوقعوا فيما هو أسوء منه وأقبح، وقال الملا صدرا (ت: 1050هـ) في ذلك: «كل من الجبرية والمفوضية أعور دجال».

4- الإمامية:

وهو مذهب الأمر بين الأمرين، الذي تدين به وتعتقد بثوبته بعد أن أثبتت ذلك عقلاً ونقلاً، وهذا ما نص عليه قول الإمام الصادق: «لا جبر ولا تفويض، ولكن أمر بين أمرين».

وبمعنى أدق أن الإنسان موجد لأفعاله، ولكن بالقدرة التي اودعها الله فيه، وبتلك القدرة بعد وجود الدواعي للفعل، وانتفاء الموانع عنه يصدر الفعل من الفاعل وينسب إليه مباشرة... ولا يكون مجبوراً في هذه الحالة، لأن قدرته لم تتعلق بطرف الوجود فقط أو بالطرف الآخر، بل هي بالنسبة إلىٰ الطرفين متساوية.

ولا يصحُ نسبة الفعل إلىٰ الله تعالىٰ لمجرد أنه أوجد في الإنسان القدرة علىٰ فعل الشيء وتركه، لأن القدرة علىٰ فعل الشيء، وتركه ليست سبباً تاماً لإيجاد الفعل وتركه، وإنما هي من قبيل المعد أو قابلية المحل الذي يتوقف عليه تأثير العلة. وعليه نجد الإمامية قد وقفت موقفاً وسطاً بين المعتزلة والأشاعرة. وهذا المذهب استنتج من قول الإمام علي بعد أن سأله شامي عند انصرافه من صفّين قائلاً: أخبرنا يا أمير المؤمنين عن مسيرنا إلىٰ الشام أبقضاء الله وقدره؟

فقال له أمير المؤمنين:

«ياشيخ، فوالله ما علوتم تلعةً ولا هبطتم وادياً إلّا بقضاء من الله وقدره».

فقال الشيخ: عند الله احتسب عنائي يا أمير المؤمنين.

فقال: «مهلاً  ياشيخ، لعلك تظن قضاءً حتماً وقدراً لازماً؟

لو كان ذلك به، لبطل الثواب والعقاب، والأمر والنهي والزجر، وسقط معنىٰ الوعيد، ولم يكن علىٰ مسيءٍ لائمة، ولا لمحسن محمدة، ولكان المحسن أولىٰ باللائمة من المذنب، والمذنب أولى بالإحسان من المحسن.

تلك مقالة عبدة الأوثان وخصماء الرحمن، وقدرية هذه الأمة ومجوسها، ياشيخ: إن الله كلّف تخييراً، ونهى تحذيراً، وأعطىٰ بالقليل كثيراً، ولم يعصِ مغلوباً ولم يطع مكرهاً، ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً، ذلك ظن الذين كفروا، فويل للذين كفروا من النار».

فقال له الرجل: فما القضاء والقدر الذي ذكرته يا أمير المؤمنين؟

فقال: «الأمر بالطاعة والنهي عن المعصية، والتمكن من فعل الحسنة وترك السيئة، والمعونة علىٰ القربة إليه، والخذلان لمن عصاه، والوعد والوعيد والترغيب والترهيب، كل ذلك قضاء الله في أفعالنا وقدرة لأعمالنا فأما غير ذلك فلا تظنه، فإنه الظن محبط للأعمال»، فقال الرجل: فرّجت عنّي يا أمير المؤمنين وأنشأ يقول:

أنت الإمام الذي نرجوا بطاعته

يومَ النجاة من الرحمن غفرانا


أوضحت من ديننا ما كان ملتبساً

جزاك ربُّك عنّا فيه إحسانا


ومن النص المتقدم نستنتج أمرين مهمين في مسألة القضاء والقدر وهما:

1- أشارته إلىٰ مبدأ الأمر بين الأمرين  في قوله :«إن الله كلف تجبيراً، ونهىٰ تحذيراً».

2- إن القول بالجبر ينفي فائدة البعثة وتشريع الأحكام، ومنها أن القول بالتفويض يقتضي سلب القدرة الإلهية عن البشر، واستغلاله عنه تعالىٰ.

وبعد ما تقدم نستطيع الآن بيان رأي الكراچگي في هذه المسألة، ومعرفة انتسابه إلىٰ أي منها. فإننا نجده لا يخرج عن مسلك الإمامية بقوله: «فأما أفعال العباد فيصح أن نقول فيها، إن الله تعالىٰ قضىٰ بالطاعة منها علىٰ معنىٰ أنه حكم بها والزمها عباده وأوجبها. وهذا إلزام أمرٍ، وليس بالجاءٍ ولا جبر». 

واستدل الكراچگي علىٰ ذلك بأدله وجدانية، وعقلية ونقلية، ومنها:

1- الدليل علىٰ أنه سبحانه لم يفعلها ان فيها قبائح، من كفر أو فسق، وظلم وكذب، وليس بحكيم من فعل القبائح، ولا يجوز من الحكيم أيضاً سب نفسه وسؤ الثناء عليه.

 2- إن فعل شيئاً اشتق له اسم من فعله، كما يقال فمن فعله الحركة متحرك، ومن فعل القتل قاتل، فلو كان الله تعالىٰ هو الفاعل لأفعالنا والخالق لها من دوننا لوجب أن يسمىٰ بها الله.

3- إن الأفعال وقعت بحسب تصورنا وإرادتنا وانتفاء المنفي منها بحسب كراهتنا، وانتظام ما ينتظم منها بحسب مبلغ علومنا واختلالها بقدر اختلالاتنا.

4- إن الله تعالىٰ خلق فينا الشيب والهرم، والصحة والسقم؛ ولم يأمرنا بشيء من ذلك، ولا نهانا عنه، ولا مدح الشباب علىٰ شبيبته ولاذم الشيخ لشيخوخته، عدلاً منه سبحانه في حكمه، فلو كانت الطاعات والمعاصي أيضاً من فعله وخلقه لجرت مجرىٰ ذلك، وقبح أن يأمرنا بطاعة، أو ينهانا عن معصية، ولم يصح علىٰ شيء من ذلك مدح ولا ذم، ولا ثواب ولا عقاب.

5- ومن الأدلة الأخرىٰ التي اتخذها الكراچگي جوابه عن معنىٰ حديث الرسول: «من لم يرضىٰ بقضائي ولم يصبر علىٰ بلائي فليتخذ رباً سوائي» الذي أوضح فيه أن هذا القضاء من الله تعالىٰ هو مما يُبتلىٰ به العبد من أعلاله وأسقامه وعوارضه وآلامه، وفقره بعد الغنىٰ وما بمحنته من فقد الأعزاء والأقرباء كل ذلك من قضاء الذي يجب الرضا به والصبر عليه، وهو ما يفعله الله سبحانه بعبده للحكمة التي تقتضيه وما يعلمه الله من قائل: وَاللّهُ يَقْضِي بِالحَقِّ.

وكذلك قوله في الخبر المروي عن النبي من إيجابه الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره، فالخير من القضاء والقدر هو ما مالت إليه الطباع، والتذّت به الحواس. والشر بالضد من ذلك.

وسمي أيضاً شراً لما علىٰ النفس في تحمله من المشاق، وهو ما أجمع المسملون عليه من الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره.

وزيادة علىٰ ذلك، فقد استشهد الكراچگي بعدّة آيات من القرآن الكريم بقوله تعالىٰ: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ اُمَّةً وَاحِدَةً، وقوله تعالىٰ: وَلَوْ شِئْنَا لاَتَيْنَا كُلَّ نَـفْس هُدَاهَا.

وإنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف، وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم.

ومن الأدلة النقلية الأخرى التي ذكرها الكراچگي ما روي عن الإمام موسىٰ بن جعفر عند جوابه لسؤال أبي حنيفة عن أفاعيل العباد حيث قال الإمام: «إن كانت أفاعيل العباد من الله دون خلقه، فالله أعلا وأعز وأعدل من أن يعذب عبيده علىٰ فعل نفسه، وإن كانت من خلقه فالله أعلا وأعز من أن يعذب عبيده علىٰ فعلٍ قد شاركهم فيه. وإن كانت أفاعيل العباد من العباد، فإن عذّب فبعدله، وإن غفر فهو أهل التقوىٰ وأهل المغفرة»، ثم أنشأ الإمام يقول:

لم تخل أفعالنا اللاتي نُذمَّ بها

إحدىٰ ثلاث معان حين نأتيها


إما تفرد بارينا بصنعتها

فيسقط الذم عنّا حين ننشيها


أو كان يشركنا فيها فيلحقه

ما سوف يلحقنا من لائمٍ فيها


أو لم يكن لإ لهي في جنانيها

ذنب فما الذنب إلّا ذنب جانيها



المطلب الثاني: التكليف بما لا يطاق:

من الأمور العبادية التي تترتب عليها جملة من المفاهيم المتصلة بالعدل الإلهي، مسألة التكليف بما لا يطاق، وعدم وقوع الحرج في ذلك الإنسان وبهذا أختلف المتكلمون في هذه المسألة علىٰ فريقين:

الفريق الأول: ذهب إلىٰ ان الله تبارك وتعالى قد أمر عباده، وكلّفهم بما هو حسن لهم، وما هو ميسور فعله عليهم، ولم يكلفهم بغير الحسن، ولا بما يشق عليهم تنفيذه، وهو مبني علىٰ أن الله سبحانه علام حكيم، والحكيم لا يصدر منه القبيح قطعاً، والتكليف بما لا يطاق قبيح وهو ما ذهبت إليه الإمامية، والمعتزلة.

الفريق الثاني: ذهب إلىٰ جواز أن يكلّف الله تعالىٰ عباده بما لا يطيقون وهو ما ذهبت إليه الأشعرية.

وقد تجسد الرأي الإمامي بأقوال المتكلمين، حيث أوضحه الشيخ المفيد (ت: 413هـ) بقوله: «إن الله عدل كريم خلق الخلق لعبادته وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته وعمهم بهدايته... لم يكلّف أحداً إلّا دون الطاقة».

وقال الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) في تفسير قوله تعالىٰ: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أنْ يَـتَـقَدَّمَ أوْ يَـتَأخَّرَ، «معناه أن هذا الإنذار متوجه إلىٰ من يمكنه أن يتقي عذاب النار بأن يجتنب معاصيه ويفعل طاعته، فيقدر علىٰ التقدم والتأخر في أمره بخلاف ما يقوله المجبرة الذين يقولون بتكليف ما لا يطاق لمنع القدرة».

وعلى هذا تعرّض الكراچگي لرأي المجبرة بإقامة الحجة عليهم لأن الله لا يكلّف عباده إلّا ما يسعهم وما يقدرون عليه بقوله: «إن الله تعالىٰ لا يكلف عباده ما لا يطيقون». الذي يدل علىٰ أن الله تعالىٰ لا يفعل ذلك إنا وجدنا قبحه في عقولنا لا لعلة من نهي أو غيره، بل جعل العقول شاهدة بأنه قبيح لنفسه، وما كان قبيحاً لنفسه لا لنهي عنه، فلن يجوز أن يفعله فاعل إلّا وقد خرج عن كونه حكيماً.

واستند الكراچگي في ذلك إلىٰ أدلة عقلية ونقلية أهمها.

الأدلة العقلية:

1- لو جاز أن يكلفنا سبحانه وتعالىٰ ما لا نطيق لجاز أن يكلف الأعمىٰ النظر، والأخرس النطق، والزمن العدو، ولجاز أن يكلف السيد منا عبده ذلك، ويعاقبه علىٰ ما لا يقدر عليه. وهذا واضح البطلان، فعلم أنه لا يكلف أحداً من عباده إلا ما يطيقه ويستطيعه.

الأدلة النقلية:

لقد استدل الكراچگي علىٰ أن الله تعالىٰ لا يكلّف عباده بما لا يطاق بالآيات القرآنية.

1- قوله تعالىٰ: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إلا وُسْعَهَا.

2- قوله تعالىٰ: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَـفْساً إلا مَا آتَاهَا..

ومن الروايات التي وردت عن أهل البيت: ما روي عن أبي عبد الله الصادق عن رسول الله أنه قال: «الله تعالىٰ عفىٰ عن أُمّتي ثلاثاً: الخطأ، والنسيان، والإستكراه»، وقال أبو عبد الله: «وفيها الرابعة ما لا يطيقون».

وروي عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله قال: «تبارك وتعالى أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون والله أعزّ من أن يكون في سلطانه ما لا يريد».

والذي يبدو للباحث من خلال النصوص المتقدمة أن النظرية الأخيرة لدىٰ المسلمين من الشيعة والمستلهمة من آيات القرآن الكريم، وأحاديث أئمة أهل البيت هي الأحق في الإتباع، إذ أن الحقائق والوقائع تشير إلىٰ أن الله سبحانه يعلم بمحدودية الطاقة البشرية، فليس من الحكمة أن يكلفه بما هو خارج عن قواه وطاقته ثم يعذبه عليه، فنحن في عالمٍ لا تجري فيه إلّا إرادته وإحاطتهُ وإدراكه وعلمه.

المطلب الثالث: الإستطاعة:

الإستطاعة هي قدرة الإنسان علىٰ الفعل مع صحة الفعل منه ومن غيرها، فإنه غير قادر علىٰ الإتيان به مع مساواتهما في جميع الصفات.

وعرّف الجرجاني (ت: 816 هـ) الإستطاعة: هي القدرة التامة التي يجب عندها صدور الفعل.

وبهذا يتبين أن الإستطاعة هي: القدرة علىٰ الفعل وهو ما ذهب الكراچگي، مؤكداً علىٰ توافرها قبل إحداث الفعل بقوله: «إن القدرة علىٰ الفعل توجد قبله وإن الفعل يوجد بعدها»، وهو ما عليه متكلمو الإمامية.

ووافقهم بعض الزيدية. والمعتزلة. أما الأشعري فيقول: إن الإنسان يستطيع باستطاعة هي غيره، وذلك يكون تارة مستطيعاً وتارة عاجزاً، ويكون مستطيعاً بمعنىٰ هو غيره. ونقل عنه  بدوي عبد الرحمن قوله: استحالة تقدم الإستطاعة علىٰ الفعل.

وعلى هذا ردّ الكراچگي علىٰ مزاعم المجبرة التي تقول: أن القدرة علىٰ الفعل توجد هي والفعل معاً ولا يتأخر الفعل عنها بالأدلة الآتية:

1- إن القدرة متقدمة في الوجود علىٰ الفعل لحاجة الفعل إليها ويخرج بها من العدم إلىٰ الوجود. فمتى وجدت والفعل موجود فلا حاجة لوجودها.

2- القدرة لو كانت مع الفعل لكان الكافر غير قادر علىٰ الإيمان، لأنه لو قدر عليه لكان موجوداً منه علىٰ هذا المذهب، ويكون مؤمناً في حالة كفره، وهذا فاسد.

3- من كان في يده شيء فألقاه، إن استطاع الإلقاء لا تخلو من حالتين: أما أن تأتيه والشيء في يده، أو تأتيه وهو خارج عن يده، فإن كانت تأتيه والشيء في يده فقد صح تقدم القدرة علىٰ الإلقاء وهو المطلوب.

وإن كانت تأتيه والشيء خارج عن يده، ملقىٰ عنها فقد أتت في حال الغنىٰ عنها.

وروى الكراچگي حديثاً عن شيخه المفيد أثبت فيه إمكان تقدم القدرة علىٰ الفعل، والرد علىٰ مزاعم المجبرة بقوله: «إن متكلمين أحدهما عدلي، والآخر جبري كانا كثيراً ما يتكلمان في هذه المسألة وإن الجبري أتىٰ منزل العدلي، فدق الباب عليه، فقال العدلي: من ذا؟ قال الجبري: أنا فلان. فقال العدلي: أدخل، قال له الجبري: إفتح لي الباب حتىٰ أدخل. قال العدلي: أدخل حتىٰ أفتح فأنكر هذا عليه وقال له: لا يصحُ دخولي حتّىٰ يتقدم الفتح، فوافقه علىٰ قوله في القدرة والفعل، وأعلمه بذلك وجوب تقدمها عليه فانتقل الجبري عن مذهبه وصار إلىٰ الحق».

ويسترسل الكراچگي في الرد علىٰ المجبرة بما مضمونه أن القدرة التي أعطاها الله لا تصلح إلّا لشيء واحد أما الإيمان أو الكفر إذ يقول: «إن القدرة التي أعطاها الله تعالىٰ للعبد هي قدرة علىٰ الإيمان والكفر وأنه يفعل بهما أيهما شاء باختياره، ولا يصح أن يفعلها معاً في حالة واحدة لتضادهما. فحصل من هذا أن الذي أمره الله بالإيمان ونهاه عن الكفر قادر علىٰ أمره به ونهاه عنه، وصح أنه سبحانه لا يكلّف العبد إلّا بما يستطيعه»، وهذا يؤكد أن القدرة التي منحها الله تعالىٰ للإنسان قدرة واحدة، قدرة علىٰ الإيمان والكفر.

ويردف الكراچگي علىٰ ما تقدم لها أدلة أخرى بالقول:

1- إن الكفر مأمور بالإيمان، فلو كانت قدرة الإيمان لست معه، كان قد كلف ما لا يطيقه. وقد تقدم القول في فساد هذا.

2- إذا كانت القدرة معه فلا يجوز أن تكون غير قدرة الكفر الحاصلة له لما في ذلك من إجتماع الضدين. فعلم أنها قدرة واحدة تصلح للضدين، علىٰ أن يفعل بها ما يتعلق به اختيار المكلّف منها، حيث أعطاه الله سبحانه وتعالى قدرة تصلح للكفر وتصلح للطاعة، مثل السيف الذي يعطيه السيد لعبده ليقتل به أعدائه، وهو يصلح أن يقتل به أوليائه.

ومما تقدم يظهر أن القدرة علىٰ الفعل هي الإستطاعة توسعاً ومجازاً. وهذا ما ذهب إليه الكراچگي. فيقال لمن لا يفعل شيئاً لثقله علىٰ قلبه ونفور طبعه منه أنّك لا تستطيعه. وإن كان في الحقيقة مستطيعاً له. ويقال للمريض الذي يجهده الصوم: إنّك لا تستطيع الصيام، وهو في الحقيقة يستطيعه، ولكن بمشقة تدخل عليه، وثقل يناله.

واستدل الكراچگي علىٰ ذلك بتأويل قوله تعالىٰ فيما حكاه عن العالم الذي يتبعه موسى، حيث قال له موسى: هَلْ أتَّبِعُكَ عَلَى أنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً * قَالَ إنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً. والمعنىٰ فيه إنك لا تصبر ولا يخف عليك، وإنه يثقل علىٰ طبيعتك فعبّر عن نفي الصبر بنفي الإستطاعة، وإلا فهو قادر مستطيع فيدل علىٰ ذلك قول موسى في جوابه له: سَتَجِدُنِي إنْ شَاءَ اللّهُ صَابِراً. ولم يقل: إن شاء الله مستطيعاً، ومن حق الجواب أن يطابق السؤال، فدل جوابه علىٰ أن الإستطاعة المذكورة في الإبتداء هي عبارة عن الفعل نفسه مجازاً.

وعلىٰ هذا المعنىٰ أوّلَ الكراچگي قوله تعالىٰ: مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُـبْصِرُونَ.

فهم لاستثقالهم استماع آيات الله تعالىٰ وكراهتهم تأملها وتدبرها اجروه مجرىٰ من لا يستطيع السمع، كما يقال لمن عهد منه العناد، واستثقال إستماع الحجج والبيّنات، ما يستطيع إستماع الحق، وما يطيق أن يذكر له.

وهذا يؤكد إن الكراچگي ينص علىٰ وجود الإستطاعة عند العبد مستدلاً في ذلك علىٰ قول الإمام الصادق: «لا يكون العبد فاعلاً ولا متحركاً إلّا والإستطاعة معه من الله عزّ وجلّ، وإنّما وقع التكليف من الله عزّ وجلّ بعد الإستطاعة، فلا يكون مكلفاً للفعل إلّا مستطيعاً».

*    *    *

 



المبحث الأول: مفهوم النبوّة.

    المطلب الأول: مفهوم النبوّة لغةً.

    المطلب الثاني: مفهوم النبوّة اصطلاحاً.

    المطلب الثالث: الفرق بين النبيّ والرسول.

المبحث الثاني: بعثة الأنبياء. 

  المطلب الأول: ضرورة بعثة الأنبياء ووجوبها.

  المطلب الثاني: طريق معرفة النبي.

      المعجزة.

  المطلب الثالث: الشخص الذي تظهر على يده المعجزة. 

المبحث الثالث: الأنبياء (صفاتهم وتفاضلهم).

  المطلب الأول: صفات الأنبياء.

      أولاً: العصمة.

      ثانياً: السلامة من النقائض.

      ثالثاً: كمال العقل.

      رابعاً: الصدق والأمانة.

      خامساً العلم.

  المطلب الثاني: التفاضل بين الأنبياء. 

المبحث الرابع: النبوة الخاصة.

المطلب الأول: إثبات نبوّة نبينا محمد.

      1-ادعاء النبوّة.

      2-إظهار المعجز.

  المطلب الثاني: وجه الإعجاز في القرآن. 

المبحث الخامس: مفهوم نسخ الشرائع.

      مفهوم النسخ لغةً واصطلاحاً.

 


المبحث الأول

مفهوم النبوّة

المطلب الأول: مفهوم النبوّة لغةً:

المتأمل في كتب اللغة يجد أن لفظة (النبيّ) وردت بصيغتين مهموزة وغير مهموزة.

1- فإذا كانت اللفظة بالهمزة (النبيء) فهي ترد بمعنىٰ (الإنباء والإخبار)، وهي مأخوذة من النبأ، فنقول: نبأ، أو أنبأ أي أخبر، ومنه أخذ النبيّ لأنه يُنبأ عن الله تعالىٰ.

2- وإن كانت بلا همز (النبيّ) فهي ترد بمعنىٰ (العلو والرفعة) وهي مأخوذة من «النبوّة» و«النباوة» وهي ما ارتفع عن الأرض، والنبوّة بمعنىٰ الرفعة، وعلو المنزلة، والنبي شرف علىٰ سائر الخلق.

وتأسيساً علىٰ ما تقدم فقد أورد الكراچگي لفظة (النبوّة) بالصيغتين كلتيهما، إذ يقول: «النبوّة اسم إذا كان مهمزاً فهو مشتق من الأنباء، فالأنبياء هم الذين ينبؤن عن الله تعالىٰ، وإذا كان غير مهموز فهو مشتق من الرفعة، فالأنبياء هم الذين رفع الله منازلهم علىٰ الخلق».

المطلب الثاني: مفهوم النبوّة اصطلاحاً:

لها في الاصطلاح تعريفات عدّة منها: ما ذكره الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) بقوله: «النبيّ المؤدي عن الله تعالىٰ بلا واسطة من البشر».

فبقيد المؤدي عن الله، خرج المخبر عن غيره، وبقيد بلا واسطة من البشر يخرج الإمام، والعالم فإنهما مخبران عن الله تعالىٰ بواسطة النبيّ.

وعرفه المحقق الطوسي (ت: 672هـ) بقوله: »النبيّ إنسان مبعوث من الله تعالىٰ لعبادهُ ليكلمهم بأن يعرفهم ما يحتاجون إليه في طاعته وفي الاحتراز من معصيته».

ويقول المقداد السيوري (ت: 826هـ): «إن النبيّ هو الإنسان المأمور من السماء بإصلاح حال الناس في معاشهم ومعادهم، العالم بكيفية ذلك، المستغني في علمه وأمره عن واسطة البشر، المقترن دعواه بظهور المعجز».

وما عليه الكراچگي في مفهوم الأنبياء فقد أوضح أن الله أوجد للناس في كل زمان مسمعاً لهم من أنبيائه، وحججه بينه وبين الخلق، ينبههم علىٰ طريق الاستدلال في العقليات ويفقههم ما لا يعلمونه إلا به من السمعيات.

فالعقل الإنساني مهما بلغ عن الإدراك والرفعة والسمو يبقىٰ عاجزاً عن إدراك الجزئيات، وان إدرك الكليات، وتبقىٰ الفطرة البشرية كما جبلها الله تعالىٰ ناقصة، وهي تحتاج إلىٰ كمالها وإلىٰ من يهديها ويرشدها إلىٰ ما تعجز إليه، وكل هذا يتحقق بتواجد قائد ومرشد يتمتع بسمات، ومميزات تكون غير متوافرة عند الأفراد العاديين وهو الذي نسميه بالنبي.

ومن ذلك يتضح أن مهمة الأنبياء الرئيسة هي أعانة الناس علىٰ تحديد الاتجاه لحياتهم ومسيرتهم التكاملية، وتمكنهم التعرف علىٰ وظائفهم في شتىٰ الظروف، وكل ذلك مقتضىٰ حكمة الله تعالىٰ ورحمته بعباده، وان يأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر ويعرفهم بما فيه صلاحهم، لأنه العالم بذلك جميعاً، ومن أجل هذا لابد أن يرسل إليهم رسلاً منهم يخالطونهم ويبلغونهم بأوامره ونواهيه.

المطلب الثالث: الفرق بين النبيّ والرسول:

بعث الله تعالىٰ إلىٰ الناس رسلاً، وهم كثيرون. وهو مرة يطلق علىٰ بعضهم اسم «النبيّ» وأخرىٰ اسم «الرسول»، وثالثه اسم «النذير»، ومفهوم هذه الكلمات واضح إلىٰ حدٍ ما، فالنذير بمعنىٰ المخوّف لأن كل مرسل لهداية الإنسان وتربيتهُ تكون دعوته مقرونة بـ الاندار» والرسول هو ما يحمل رسالة من شخص إلىٰ شخص آخر، ومما لا شك فيه أن كثيراً من الأنبياء يحملون رسالة إلىٰ الناس، فالله مرسِل، والنبيّ مرسَل أو رسول، والناس مرسَل إليهم.

أما مفهوم النبيّ فقد سبق بيان معناه. ومن خلال ذلك انقسمت رؤىٰ العلماء في بيان الفرق بين النبيّ والرسول علىٰ فريقين:

الفريق الأول:

أوجد فرقاً بين النبيّ والرسول ، وهذا ما ذهب إليه متكلمو الإمامية، والأشعرية، فكل رسول نبيّ، وليس كل نبيّ رسول مستدلين علىٰ ذلك بقوله تعالىٰ: وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِيٍّ. إذ دلّت الآية علىٰ ثبوت التباين بين الرسول والنبيّ. وهنالك روايات عن أئمة أهل البيت تؤكد علىٰ ذلك حيث روي عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عن قوله تعالىٰ:      وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً ما الرسول؟ وما النبيّ؟ قال: النبيّ الذي يرىٰ في منامه ويسمع الصوت، ولا يعاين الملك. والرسول الذي يسمع الصوت، ويرىٰ في المنام، ويعاين الملك، قلتُ والإمام ما منزلتهُ؟ قال: يسمع الصوت، ولا يرىٰ ولا يعاين الملك، ثم تلا الآية: وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِيٍّ،.

وعن بريد، عن أبي جعفر وأبي عبد الله: «إن الرسول: الذي يظهر له الملك فيكلمه، والنبيّ: هو الذي يرىٰ في منامه، وربما أجمعت النبوّة والرسالة لواحد».

وذكر العلّامة الطباطبائي (ت: 1402هـ) في تفسيره الفرق بين النبيّ والرسول بقوله: معنىٰ الرسول حامل النبأ، وللرسول شرف الطاعة بين الله تعالىٰ وبين خلقه، والنبيّ شرف العلم بالله وبما عنده. فيمكن أن يقال: إن النبيّ والرسول كليهما مرسلٌ إلىٰ الناس إلّا أن النبيّ بعث لينبئ الناس بما عنده من نبأ الغيب، والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة علىٰ أصل نبأ النبوّة، ومخالفة الرسول توجب عقوبة و عذاب، ومن لوازم النبوّة الوحي، وهي أعمُّ مصداقاً من الرسالة، والنبوّة هي منصب البعث والتبليغ، والرسالة سفارة خاصة تستتبع الحكم، والقضاء بين الناس بالحق.

الفريق الثاني:

عدم وجود فارق بين المعنيين وهو ما ذهب إليه جمهور المعتزلة، فالنبي رسول والرسول نبيّ. مستدلين علىٰ ذلك بقوله تعالىٰ: وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً وقوله تعالىٰ: وَمَا أرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول وَلا نَبِيٍّ حيث دلت الآيتين علىٰ معنىٰ أن النبيّ والرسول واحد. فكل نبيّ رسول وكل رسول نبيّ «إلّا أنه يسمّىٰ رسولاً من حيث أنه قد أرسل إلىٰ الناس ويسمّىٰ نبياً من حيث أنه نبئ وأوحىٰ  إليه في نومه».

وقال القاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ): «لا فرق بين الرسول والنبيّ، والكلمتان متفقتان في المعنىٰ».

ومن ذلك يتضح أنّ مفهوم النبيّ يعني من عنده أخبار مهمة وغيبية، فهما مختلفان في المفهوم، وعند الالتفات إلىٰ هذين المفهومين نجدهما منصبين قد يجتمعان في شخص وقد لا يجتمعان، فلا يقتضي أن يكون كل نبيّ رسولاً، أما من له مقام الرسالة فهو يتمتع أيضاً بمقام النبوّة، وهذا واضح مما أشار إليه الشيخ المفيد بقوله: «... إن كل رسول فهو نبيّ وليس كل نبيّ فهو رسول وقد كان من أنبياء الله حفظة الشرائع الرسل» وإن رسولنا محمد تميز من بين الأنبياء باعتبار أن النبوّة والرسالة قد اجتمعتا عنده، بدليل قوله تعالىٰ: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أبَا أحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ. 

*    *    *

 


المبحث الثاني

بعثة الأنبياء

        المطلب الأول: ضرورة بعثة الأنبياء ووجوبها:

بعد الاطلاع علىٰ مفهوم النبيّ والرسول يظهر أن النبوّة ضرورية لتدارك الخلق ولتعريفهم بالطريق الصحيح، وتنهاهم عن الشر، وتبيّن لكل إنسان ما عليه من واجبات تجاه نفسه وغيره، وماله من حقوق علىٰ سواه، ولا طريق إلىٰ معرفتها إلّا بالنبوّة «فالنبوّة وسيلة لا غاية».

ولذا يعتقد أهل الأديان كافة أن الناس يحتاجون إلىٰ الأنبياء، أما الذين لا يدينون بدين فيسخرون من فكرة النبوّة، فرد الله عليهم بقوله: قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكاً رَسُولا،.

فالنبوّة منهج في إكمال لطف الله تعالىٰ بعباده من الناحية التكوينية من خلال لطفه بهم من الناحية التشريعية.

وإذا كان أهلُ الأديان ومنهم المتكلمون وفلاسفة الإسلام يتفقون علىٰ ضرورة البعثة فإنهم يختلفون في حكم البعثة أهي واجبة أم جائزة؟

يقول في ذلك زين الدين العاملي (ت: 877 هـ): «نفت الأشاعرة وجوب البعثة بناءً علىٰ إنكار الوجوب العقلي، وأواجبها الأوائل من حيث العقل العملي، ومشايخ المعتزلة لم تعمم وجوبها، واتفقت المعتزلة، والإمامية مطلقاً علىٰ وجوبها» وتابعهم علىٰ مذهبهم هذا الفلاسفة.

واستدل الفلاسفة والمعتزلة من المتكلمين علىٰ حسن البعثة ووجوبها ، بأن النظام الأكمل والمصلحة الشاملة الكاملة التي تستدعيها العناية الإلهية لا تتم إلّا بوجوب نبيّ مبلغ لقوانين الحق والعدل فيكون وجوده واجباً، لأن ما لا يتم الواجب إلّا به فهو واجب، ولأن التكاليف السمعية ألطاف في التكاليف العقلية، واللطف واجب فالتكليف السمعي واجب.

وهذا ما أشار إليه الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) بقوله: «أن الذي يدلُ علىٰ حسن بعثة الرسل فهو ما يؤدونه إلينا من المصالح والألطاف» وإلىٰ هذا فإن الكراچگي نراه لم يخرج عن رأي الإمامية ومستدلاً علىٰ البعثة ووجوبها.

وأردف راداً علىٰ شبهات البراهمة(*) الذين ذهبوا إلىٰ إنكار البعثة، ويرون عدم وجود الداعي لها، حيث يقول براهما: «إن الذي يأتي به الرسول لم يخل من أحد أمرين: أما أن يكون معقولاً وأما أن لا يكون معقولاً، فإن كان معقولاً فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه، فأي حاجة بنا إلىٰ الرسول؟ وإن لم يكن معقولاً فلا يكون مقبولاً، إذ قبول ما ليس بمعقول خرج عن حد الإنسانية ودخول في حريم البهيمة».

ويبطل الكراچگي هذا الدليل فيقول: إن الرسول لا يأتي أبداً بما يخالف العقل غير أن الأمور في العقول علىٰ ثلاثة أقسام: واجب، وممتنع، وجائز فالواجب في العقل لا يأتي السمع بإيجابه تأكيداً له عند من علمه، وتنبيهاً عليه لمن لا يعلمه. والجائز هو الذي يمكن في العقل حسنة تارة وقبحه تارة، كانتفاع الإنسان بما يمتلكه غيره، فإنه يجوز أن يكون حسناً إذا أذن له فيه مالكه، وقبيحاً إذا لم يأذن له، وكل واحدٍ من القسمين جائز في العقل لا طريق إلىٰ القطع علىٰ أحدهما إلّا بالسمع.

ومن الأمور التي لا يصل العقل إليها أيضاً فيها إلىٰ القطع علىٰ العلم بأدوية الإعلال ومواضعها، وطبائعها، وخواصها، ومقاديرها، فهذا مما لا سبيل للعقل فيه إلىٰ حقيقة العلم ولا يمكن امتحان كل ما في البر والبحر، ولا تحسن التجربة والسير، لما فيهما من الخطر المستقبح، فعلم أن هذا مما لا غنىً فيه عن طارق السمع.

وبهذا كلّه كان العقل الإنساني محتاجاً في قيادة القوىٰ الإدراكية والبدنية إلىٰ ما هو خيرٌ له في الحالتين إلىٰ معين يستعين به، ومعرفة ما ينبغي أن يعرف من أحوال الآخرة بالجملة من وسائل السعادة في الدنيا والآخرة، ولا يكون لهذا المعين سلطان علىٰ نفسه حتّىٰ يكون من بني جنسه ليفهم منه ما يقول، ويكون مميزاً عن سائر الأفراد بأمر خارقٍ علىٰ ما عرف في العادة، ويكون بذلك مبرهناً علىٰ أنه يتكلم عن الله، معيناً للعقل، وذلك المعين هو النبيّ.

أما الدليل الثاني: الذي ذكره الكراچگي قوله: لو لم يكن في العقل القسم الجائز الذي ذكرناه، وكانت الأشياء لا تخلو من واجب وممتنع، من دون ما بيناه لم يستغن عن هذا التسليم عن المرسلين، لأنهم ينبهون علىٰ طريق الاستدلال المسترشدين، ويحركون الخواطر بالتذكار إلىٰ سنن التأمل والإعتبار.

ومن ذلك تبين أن بعثة الأنبياء واجبة، بل هي حسنة في نفسها لأنها تهدي الناس إلىٰ الحق، وطريقه القويم، وتعاضد العقل وأحكامه، وترشده إلىٰ الحسن والقبيح اللذين لا يستقل العقل بمعرفتهما، وما إلىٰ ذلك مما يحصل به اللطف للمكلف.

وفي هذا الصدد يقول أحد الباحثين:

«ومن هنا نشعر بحاجة البشر الماسة إلىٰ أفراد من الناس يتمتعون بخاصية الثنائية، فمن ناحية يرتبطون بالجوانب البشرية والمادية، ومن ناحية أخرىٰ فإنهم يستطيعون الارتباط بعالمين في زمان واحد بسبب ما يتميزون به من مميزات معنوية وروحية راقية، وهؤلاء الأفراد هم الأنبياء».

 

المطلب الثاني: طريق معرفة النبي:

لاشك في أن الشخص الضالَّ والمرتكب المعاصي التي يدرك العقل أيضاً قبحها لا يمكن الاعتماد عليه، والثقة به وتصديقه، ويمكن بذلك إثبات كذبه في ادعائه النبوّة. ولهذا فإن العلامة  والحجة التي يقيمها النبيّ علىٰ أنه مُرسل من قبل الله تعالىٰ ممّا يؤدي بأن يلزم الناس بها من حيث يُعد من خالفها مكابراً أو معانداً، هي «المعجزة» التي يعجز الآخرون عن مجاراتها، ومن هنا فإن المتكلمين قد اشترطوا أموراً ثلاثة من خلالها تعرف رسالة الرسول هي:

1- أن لا يأتي النبيّ بما يخالف الواقع والعقل ومما يؤدي إلىٰ أن تنقضي تعاليمه مع الفطرة الإنسانية، ولا تتعارض مع طبيعتها وسجيتها.

2- أن يكون الهدف والغاية من دعوته هو طاعة الله تعالىٰ وخدمة الإنسان ومصالحه.

3- أن يظهر منه عقيب دعوة النبوّة معجزة مقرونة بالتحدي مقرونة بدعواه.

المعجزة:

المعجزة لغة: كلمة المعجزة مشتقة من مصدر الإعجاز والعجز: نقيض الحزم.

ويقال: المعجز الشيء بمعنىٰ أفاته وسبقه.

والمعجز: بفتح الجيم وكسرها: مفعله من العجز، عدم القدرة.

المعجزة اصطلاحاً:

عرفها المتكلمون بأنها: ثبوت ما ليس بمعتاد أو نفي ما هو معتاد مع خرق العادة، ومطابقة الدعوىٰ.

وقال المحقق الطوسي: (672هـ): بأنها فعل خارق للعادة يعجز عن أمثاله البشر».

أما الرازي (ت: 606هـ) فذهب إلىٰ تعريف المعجزة بقوله: «أمَرٌ خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة» ومن خلال هذه التعاريف تبيّن أن المعجزة: هي خرق القوانين الطبيعية والنواميس الكونية مع التحدي البشري لصياغة مثلها.

فإذا أتىٰ النبيّ بها كانت برهاناً لإرتباطه بالله تعالىٰ وصدقه في دعواه النبوّة «لأن الإنسان بقدرته الاعتيادية لا يمكنه أن يغير في الكون شيئاً». إلّا أن يكون مستمداً قدرته الاستثنائية من الله تعالىٰ، ويرتبط بالله ارتباطاً يميزه عن الآخرين وهذا يحتم علىٰ الناس تصديقه عند ادعائه النبوّة والإتيان بالمعجزة. وبهذا لأبدّ أن تتوافر في المعجزة المميزات والشروط الآتية:

1- وجود كل الظواهر الخارقة للعادة، التي لا يمكن أن تتواجد من خلال الأسباب والعلل العادية.

2- ظهور بعض هذه الأمور الخارقة للعادة من الأنبياء بالإرادة الإلهية.

3- وان مثل هذه الأمور الخارقة للعادة، يمكن أن تكون دليلاً علىٰ صدق دعوىٰ النبيّ، وفي هذه الحالة يصطلح عليه بـ (المعجزة).

4- أن تكون الأمور في زمان التكليف، لأن العادة تنتقض عند قيام الساعة.

المطلب الثالث: الشخص الذي تظهر علىٰ يده المعجزة:

لقد اختلف المتكلمون في ذلك فذهب الجبائيان وأصحابهما إلىٰ ظهور المعجز علىٰ يد غير النبيّ أيًّ كان غير جائر، وكذلك لم يجوزوا ظهوره علىٰ من سيبعث علىٰ سبيل الإرهاص لنبوته، ولم يجوزوا أيضاً ظهور الخوارق للعادات علىٰ الكذب، وإن لم يطابق دعواه بل كان علىٰ النقيض.

وحكىٰ الشيخ أبو الحسين البصري (ت: 436هـ) عن ابن الأخشيد(*) تجويز ظهور المعجز علىٰ الصالح لكنه قال: السمع منع منه، وذكر أبو الحسين في الرسالة التي أملاها في هذه المسألة، جواز ظهور المعجز علىٰ الصالحين، وبيّنَ أن السمع لم يمنع منه، وهذا هو مذهب الصوفية(**) والأشعرية وأصحاب الظاهر لكنهم لا يسمون علىٰ ما يظهر عليهم معجزاً، بل يسمونه كرامة وهذا ما نقله الرازي (ت: 606 هـ) بقوله: «الكرامات جائزة عندنا خلافاً للمعتزلة والأستاذ أبي إسحاق منا، لنا التمسك بقصة مريم واصف، ثم تتميز الكرامة عن المعجز بتحدي النبوة».

ومع ما تقدم فإن رأي أستاذ الكراچگي الشيخ المفيد علىٰ جواز ظهور المعجزات علىٰ يد غير المعصومين والصالحين معبراً عن ذلك بقوله: «لا يمنع منه عقل وسنة ولا كتاب وهو مذهب جماعة من مشايخ الإمامية، وإليه يذهب ابن الأخشيد من المعتزلة، وأصحاب الحديث من الصالحين الأبرار».

وعليه فإن الكراچگي لا يخالف أُستاذه في ما تقدم معتبراً جواز ظهورها علىٰ الأئمة الصالحين، وهذا واضح من خلال حديثه عن الإمامة بقوله: «أما في جواز ظهور المعجز علىٰ يده [الإمام] فإن النص يجوز خفاؤه وانقطاع نقله، لكتمان النقلة له، فلابدّ من قطع عذر المكلفين في تعريفهم من يجب اتباعه بعلم يظهر علىٰ يده، ويجوز ذلك بجواز وجه فيه من اللطف يعلمه الله دون خلقه».

وهذا ما نقله في كنز الفوائد أيضاً بقوله: «وهم أفضل الخلق بعد رسول الله... وإنه سبحانه أظهر علىٰ أيديهم الآيات وعلّمهم كثيراً من الغائبات والأمور المستقبلات، ولم يعطهم ذلك إلّا ما قارن وجهاً يعمله من اللطف والصلاح».

إلّا أننا نجد من قدماء متكلمي الإمامية هشام بن الحكم (ت: 179 هـ) كان يرىٰ كما نسب إليه البغدادي (ت: 429هـ)، «عدم جواز ظهور الاعلام المعجزة علىٰ غير نبيّ» .

وهذا ضمن الآراء التي نسبت إليه كيداً لمعارضته لأفكار المعتزلة، ولم يصح عنه ما نسبوه إليه.  

وإلىٰ ما تقدم فإن المعجزة عند الكراچگي – وكذلك عند أكثر الإمامية – لا تظهر إلّا علىٰ يد المعصوم وتكون دالة عليه، وهي تدلُ كذلك علىٰ تعظيم من ظهرت علىٰ يده وعلو منزلته، فهذا يلزم علىٰ القول بجواز إظهار المعجزة علىٰ يدِّ الأئمة جميعهم، بينما الأمر يختلف بالنسبة للنبيّ الذي لابدّ له من المعجزة لأن لا طريق لنا إلىٰ معرفته من دونها.

*    *    *

 


المبحث الثالث

الأنبياء (صفاتهم وتفاضلهم)

المطلب الأول: صفات الأنبياء:

الأنبياء هم صفوة الخلق، ونخبة العباد، اصطفاهم الله وبعثهم سفراءً إلىٰ البشر، وقادةً لهم، وحججاً عليهم ولذلك وجب أن يكونوا متصفين بصفات تميزهم عن غيرهم من البشر ومنها:

أولاً: العصمة:

1- مفهوم العصمة لغةً واصطلاحاً:

العصمة لغة: العصمة في اللغة بمعنىٰ: الوقاية والمنع والدفع والحفظ والحماية. ومنه قوله تعالىٰ: وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.

والعاصم: «المانع والحامي». وعصم، يعصم من باب ضرب: حفظه ووقّاه. وقال ابن فارس (ت: 395 هـ): «عصم، أصل واحد يدل علىٰ إمساك، والمعنىٰ في ذلك كله واحد إن العصمة: أن يعصم الله تعالىٰ من سوء يقع فيه، واعتصم العبد بالله تعالىٰ، إذا امتنع. واستعصم: التجأ، وتقول العرب: «أعصمتُ فلاناً» أي هيأت له شيئاً يعتصم به بما نالته يده، أي يلتجيء ويتمسك به».

ويدلُ القرآن علىٰ معنىٰ التمسك بقوله تعالىٰ: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا.

العصمة اصطلاحاً: العصمة: «لطف يمنع من أختص به من الخطأ علىٰ وجه القهر».

ويعرّفها الشيخ المفيد (ت: 413 هـ) بقوله: «التوفيق واللطف والاعتصام من الحجج بهما عن الذنوب والغلط في دين الله تعالىٰ... والعصمة تفضيل من الله تعالىٰ علىٰ من علم أنه يتمسك بعصمته، والاعتصام فعل المعتصم وليس العصمة مانعة من القدرة علىٰ القبيح ولا مضطرة للعموم إلىٰ الحسن ولا ملجئة إليه».

 وعرّفها العلّامة الحلي (ت: 726هـ): «لطف يفعله الله بالمكلّف، تمنع من وقوع المعصية وترك الطاعة، مع القدرة عليها». وعرّفها أبو الحسين البصري (ت: 436هـ): «القدرة علىٰ الطاعة وعدم القدرة علىٰ المعصية».

أما تعريف العصمة عند الأشاعرة فهي: «العصمة أن لا يخلق الله تعالىٰ في العبد ذنباً».

ومن خلال عرض هذه التعاريف تبيّن أن هناك خلافاً عند القائلين بها من جهة هل صاحب العصمة قادر علىٰ فعل المعصية؟ فذهب أبو الحسين البصري والأشعرية إلىٰ أن صاحب المعصية مجبرٌ علىٰ الطاعة لعدم تمكنه وقدرته علىٰ المعصية.

أما ما ذهب إليه ابن نوبخت والشيخ المفيد بأن العصمة إختيارية(*) وهذا ما يميل إليه الشيخ الكراچگي في تعريفه للعصمة بقوله: بأن عصمة الأنبياء عصمة اختيارية. وليس كل الخلق يعلم هذا في حاله، بل المعلوم منهم ذلك الصفوة والإختيار قال الله تعالىٰ: إنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الحُسْنَى.

وقوله تعالىٰ: وَلَـقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْم عَلَى العَالَمِينَ.

وقوله تعالىٰ: وَإنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ المُصْطَفَيْنَ الأخْيَارِ.

والعصمة الاختيارية لا يمكن أن يكتسبها الإنسان إلّا أن تتوافر فيه أمور عدّة أجملها العلّامة الحلي بالنقاط الآتية: 

1- أن يكون لنفسه، أو لبدنه خاصية، تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهي الملكة المغايرة للفعل.

2- أن يحصل له علم بمثالب المعاصي، ومناقب الطاعات.

3- تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي، أو الإلهام من الله تعالىٰ.

4- مؤاخذته علىٰ ترك الأولىٰ، حيث يعلم أنه لا يترك مهملاً بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة.

ومجمل ما سبق تبيّن أن العصمة حصيلة شيئين هما: اللطف الإلهي، والتهذيب النفسي، فيكون صاحبها متصفاً بالعدالة بأعلىٰ مراتبها، وذلك لأن الله تعالىٰ يقول: اللّهُ أعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ.

وأما في حدود وجوب العصمة عند الفرق الإسلامية فاجتمعت الأمة علىٰ عصمة الأنبياء من الكفر، غير أن الازارقة(*)- من الخوارج – جوزوا عليهم، الذنب وكل ذنب عندهم كفر.

أما عصمتهم من الكذب والتحريف وفيما يتعلق بالتبليغ، فقد اتفقت الأمة علىٰ وجوب عصمتهم عمداً وسهواً، إلّا الباقلاني (ت: 403هـ) فإنه جوز ما كان من ذلك علىٰ سبيل النسيان، وفلتات اللسان.


أما ما يقع في أفعالهم فقد اختلف فيه علىٰ خمسة أقوال:

الأول: مذهب الإمامية: وهو أنه لا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة ولا عمداً ولا نسياناً، ولا بخطأ في التأويل، ولا للاسهاء، من الله سبحانه لا قبل البعثة ولا بعدها. ولم يخالف فيه إلّا ما نسب للشيخ الصدوق (ت: 381هـ)، وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد فانهما جوزا الاسهاء لا السهو الذي يكون من الشيطان. وقد اعتمد من نسب ذلك علىٰ رواية ذي اليدين(*) وقد تصدىٰ الشيخ المفيد (ت:413هـ) لإبطال هذه الرواية باعتبارها خبر آحاد والفقهاء – أهل الاجتهاد والنظر- لا يعتمدون علىٰ خبر الآحاد وأن النبيّ بحسب الرواية نفسها قد نفي عنه السهو إذ يقول: «كل ذلك لم يكن» وإن هذه الرواية تقتضي أنه لم ينتبه إلىٰ هذا السهو إلّا ذو اليدين وهو مجهول الشخصية من بين الصحابة.

وكذلك تابع الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) شيخه المفيد في تفنيد الأحاديث الدالة علىٰ جواز السهو علىٰ النبي بقوله: «... وذلك مما تمنعه الأدلة القاطعة في أنه لا يجوز عليه [النبي] السهو والغلط».

الثاني: قول أكثر المعتزلة: وهو أنه لا يجوز عليهم الكبائر، ويجوز عليهم الصغائر، إلّا الصغائر الخـسيسة المنفرة كسرقة حبة، أو لقمة، وكل ما ينسب فاعله إلىٰ الدناءة والضعّة.

الثالث: ما ذهب إليه الجبائي (ت: 303 هـ) وهو أنه لا يجوز أن يأتوا بصغيرة ولا كبيرة علىٰ جهة العمد، ولكن يجوز علىٰ جهة التأويل أو السهو.

الرابع: ما نقل عن النظام (ت: 231 هـ) وجعفر بن مبشر (ت: 234 هـ ) ومن تابعهما: وهو أنه لا يقع منهم الذنب إلّا علىٰ جهة السهو والخطأ، ولكنهم مؤاخذين بما يقع منهم سهواً.

الخامس: قول الحشوية(*)، وكثير من أصحاب الحديث من العامة: وهو أنه يجوز عليهم الكبائر والصغائر، عمداً وسهواً وخطأ.

أما الكراچگي فقد نهج في دليله علىٰ مدعاة في عصمة الأنبياء من الصغائر والكبائر نهج استاذه المرتضىٰ (ت: 436هـ) قائلاً: إن القبيح سواء كان صغيراً أم كبيراً كذباً أم غير كذب، لا يجوز أن يتصف به نبيّ إذ يقول: «وإن الله تعالىٰ أوجد للناس في كل زمان مسمعاً لهم من أنبيائه وحجة بينة وبين الخلق... وإنهم معصومون من الخطأ والزلل عصمة اختيار». ويتضح من كلام الكراچگي وأقوال علماء الإمامية كافة عدم وقوع المعاصي من الأنبياء عمداً أو سهواً.

أما ما ذهب إليه الرازي (ت: 606هـ) ، والايجي (ت: 756 هـ) ، بدعواهما وفترائِهما علىٰ الإمامية بأنهم يجوزون علىٰ الأنبياء إيقاع الكفر تقية. فإنه لا صحة لدعواهما، والافتراء إذ لم يصرح أحد من الإمامية بذلك. بل صرّح مخالفوهم نفي القول بالكفر وغيره من الذنوب، الكبائر والصغائر مطلقاً عن الأنبياء إلىٰ الإمامية، ولاسيما قبل النبوّة وبعدها. وهذا ما ذكره البدخشي(*). في بحث الأفعال في شرح مناهج الأصول حيث قال: «الأكثر من المحققين علىٰ أنه لا يمنع عقلاً قبل النبوّة ذنب من كبيرة أو صغيرة خلافاً للروافض مطلقاً...» .

ونلحظ في هذا القول أن من جوز علىٰ الأنبياء الكفر خوفاً جماعة غير الإمامية؛ لأنه ذكر أن الإمامية ما نعون مطلقاً في قوله: «خلافاً للروافض مطلقاً». 

ويستدل علىٰ عصمة الأنبياء والمرسلين وغيرهم من الأوصياء بالأدلة العقلية والنقلية.

2- الأدلة العقلية علىٰ عصمة الأنبياء:-

1- أن المكلفين مأمورون بإتباع الأنبياء في أفعالهم وأقوالهم، فلو وقع منهم كفر أو ذنب صغير أو كبير لوجب عدم اتباعهم. ولكن نجد أن يحث علىٰ اتباعهم بقوله تعالىٰ: وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ، قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ.

2- لو وقع منهم ذنب لكانوا من حزب  الشيطان، لأنهم فعلوا ما أراد الشيطان، وحزب الشيطان هم الخاسرون، ومعلوم أنهم من حزب الله، وحزب الله هم المفلحون، ولو وقع منهم كفر أو ذنب لفسقوا، لأن الفسق هو الخروج عن طاعته، وحينئذٍ لا تقبل شهادتهم. ولقوله تعالىٰ: ألا إنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الخَاسِرُونَ.

وقوله تعالىٰ: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أبَداً وَاُوْلَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ.

3- لو لم يكونوا معصومين لم تقبل شهادتهم، إذ لا شهادة لفاسق بالإجماع. لقوله تعالىٰ: إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأ فَـتَـبَـيَّـنُوا أنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة.

يتضح مما تقدم أن الأنبياء مرسلون من قبل الله تعالىٰ لتحقيق الهدف الخاص لبعثتهم فالحكمة واللطف الإلهيان يقتضيان أن يكون الأنبياء معصومين عن جميع المعاصي، سواء كان سهواً أو نسياناً حتّىٰ ينالوا قبول الناس إليهم.

3- الأدلة النقلية علىٰ عصمة الأنبياء:-

احتوىٰ القرآن الكريم كثيراً من الأدلة النقلية علىٰ عصمة الأنبياء منها:

1- قوله تعالىٰ: وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

إذ دلّت الآية الشريفة علىٰ أن عهد الله تعالىٰ لإبراهيم بالإمامة في ذريته وأن هذا المنصب لا يناله الظالم منهم. والظاهر أن كل معصية ظلم، ولو لله تعالىٰ لكونها تعدٍّ عليه وخروجاً عن مقتضى حقه العظيم، وعن مقتضى العبودية له فلابدّ من أنْ يكون الإمام منزهاً من الظلم والمعاصي، وحيثما كان النبيّ إماماً لأمته وجب عليهم إتباعه.

2- قوله تعالىٰ: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لاَُغْوِيَنَّهُمْ أجْمَعِينَ * إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ.

حيث عبّر القرآن الكريم عن بعض الأفراد بـ (المخلص)، وهو لا يطمع في اغوائه حتّىٰ الشيطان، ومن هنا أقسم الشيطان علىٰ إغواء بني آدم جميعهم واستثنىٰ المخلصين، ولا شك في أن السبب في ياس الشيطان من إغوائهم، هو ما يملكونه من تنزيه وصيانة من الضلال والآثام من الله تعالىٰ وإن عنوان كلمة المخلص مساوٍ لـ «المعصوم» لقوله تعالىٰ: وَاذْكُرْ فِي الكِتَابِ مُوسَى إنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولا نَبِيّاً .

3- قوله تعالىٰ: وَتَعِيَهَا اُذُنٌ وَاعِيَةٌ. حيث روىٰ الطبرسي (ت: 548هـ) وغيره من طريق العامة والخاصة أنها نزلت في أمير المؤمنين، وأنه قال: «ما سمعتُ شيئاً من رسول الله فنسيته».

وهذا مطلق في التبليغ وغيره. فيستحيل النسيان علىٰ النبيّ بطريق الأولوية.

4- قوله تعالىٰ: إنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ. والمعلوم أن الاصطفاء والاجتباء والاختيار نظائر، وهو أفتعال من الصفوة، وهذا من أحسن البيان الذي يمثل به المعلوم بالمرئي، لأن الصافي هو النقي من الشوائب الكدر فيما يشاهد، فمثل الله خلوص هؤلاء القوم من الفساد ظاهراً وباطناً بخلوص الصافي من شوائب الأدناس.

فهذه الآيات وغيرها كثيرٌ تدلُ علىٰ عصمة الأنبياء، أما الأحاديث النبوية التي تدل علىٰ ذلك فإنها كثيرة نذكر منها: 

1- ما روي عن أمير المؤمنين قال: «إن الله طهرنا وعصمنا وجعلنا شهداءً علىٰ خلقه وحجته في أرضه، وجعلنا مع القرآن، وجعل القرآن معنا، لا نفارقه ولا يفارقنا».

2- ما روي عن الإمام الصادق عن أبيه قال: «إن أيّوب أبتلي بغير ذنبٍ سبع سنين، وإن الأنبياء معصومون لا يذنبون ولا يزيغون، ولا يرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً».

3- قال الإمام الصادق: «نحن خزإن علم الله، نحن تراجم أمرُ الله، نحن قوم معصومون، أمر الله تبارك وتعالىٰ بطاعتنا، ونهىٰ عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة علىٰ من دون السماء وفوق الأرض».

ثانياً: السلامة من النقائض:

ذكرنا أن العصمة أول الصفات اللازمة في الأنبياء، وهنالك صفات أُخرىٰ وهي التنزه عن كل ما يؤدي إلىٰ تنفر الناس منهم، والتحلي بكل ما يوجب انجذابهم إليهم، والسلامة من النقائض ومنها:

أ –  أن يكون سالماً من نقص الخلقة:-

من صفات النبيّ أن يكون أكمل أهل زمانه خلقاً حال البعثة إلىٰ الناس، خالياً من العاهات الجسمية باعتبار أنه مبعوث من الله، وأنه لا يعقل إرسال شخص بهذه المهمة وهو ذو عاهة. وقد يعترض بعقدة لسان موسى، فيجاب: بأن عقدة لسان موسى كانت قبل الإرسال وأزيلت بدعوته. بدليل دعاء موسى الوارد في الآية: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي. فأجابه تعالىٰ: قَدْ اُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى.

ب- أن يكون سالماً من العيوب المنفرة للطباع من الأمراض والإسقام. كالبرص والجذام. وقد يتعرض ببلاء أيوب الذي أصيب بداء جلدي نفر الناس منه فيجاب: أن بلاءه كان قبل نبوته وقد زال بعدها: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ.

ج- أن يكون سالماً من الفضاضة والغلظة، لأن الغلظة والشدة وعدم اللين مع الناس يوجب النفرة عن النبيّ، ولذا قال الله تعالىٰ: وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.

د- أنْ يكون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات لأن ذلك يسقط محل النبيّ من القلب وينفر الناس عن الانقياد.

ثالثاً: كمال العقل:

أن يكون متصفاً بكمال العقل والذكاء، وسداد الرأي. فكل رسول ونبي يجب أن تكون له هذه الصفة، فلا يجوز أن يكون مغفلاً أو بليداً أو أبلهاً . وذلك قوله تعالىٰ: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ، أي ناظرهم بالقرآن، وبأحسن ما عندك من الحجج ولا يكون إلّا من فطن ذكي، فإن الجدل هو فتل الخصم عن مذهبه بطريقة الحجاج والجدال.

رابعاً: الصدق والأمانة:

الصدق منبع الثقة وأساس التسليم، باعتبار أن الصادق لا يخالف الواقع. ويجب أن يكون صادقاً أميناً في إيصال الأحكام التي أمر بتبليغها إلىٰ المرسل إليهم، وعدم كتمان ما أمر بتبليغه، فلو أنه كتم ما أمر بتبليغه لكان ملعوناً بنص الكتاب: مَا بَـيَّـنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الكِتَابِ اُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ الله.

وقوله تعالىٰ: يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا اُنزِلَ إلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ.

وقد توافرت هذه الصفة في نبيّ الإسلام فلم يجدوا نقطة ضعف في حياته المضيئة الحافلة بالنور والعطاء، وعرفوه بالصدق والأمانة، حيث لقّب بـ(الصادق الأمين) فلا يُحتمل الكذب في مثل هذا الشخص.

خامساً: العلم:

بُعث النبيّ لهداية البشر إلىٰ الصراط القويم، وهذا لا يتحقق إلّا إذا كان ذا علمٍ ومعرفة كاملة بالمعارف والأحكام الإلهية. فعلمه يكون من الله سبحانه، لا ينطق عن الهوىٰ إن هو إلّا وحي يوحىٰ، ولذلك إذا سئل عن شيء لا يقول: لا أعلم، لأنه كمال وعلمه من الله وليس بالتكسب، فهو يمدُ بما هو الحق والواقع من الله.

المطلب الثاني: التفاضل بين الأنبياء:

الأنبياء أطهارُ ولكنهم ليسوا بدرجة واحدة من الفضل والمكانة، فبعضهم أفضل من بعض، فقد جعلهم الله تعالىٰ، درجات، وفي ذلك يقول القرآن الكريم: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْض....

ويقول أيضاً: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْض وَآتَـيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً.

ومن الرسل الكرام من أسماهم القرآن الكريم بأولي العزم وهم قادة الأنبياء وسادتهم، وقد اتفق الشيعة الإمامية علىٰ كون أولي العزم من الأنبياء خمسة. وهو ما أشار إليه الكراچگي بقوله: «وإن أفضل الأنبياء أولو العزم، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسىٰ، وعيسىٰ، ومحمّد «.

وهذا ما ورد عن أهل البيت فقد روي عن الإمام زين العابدين قال: «فهم خمسة أولو العزم من الرسل» قلنا: من هم؟ قال: «نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ ومحمد « قلنا له: ما معنىٰ اولو العزم؟ قال: «بعثوا إلىٰ شرق الأرض وغربها، جنها وأنسها» وهذا الحديث يؤكد علىٰ عددهم وسبب تسميتهم بهذا الاسم لأن رسالاتهم عامة للبشر جميعاً ، فكل واحد منهم في زمانه لابدّ من أن يأخذ البشرُ جميعاً بشريعته ويعملوا بها إلىٰ وقت النبيّ الذي يأتي بعده. فينتهي العمل بالرسالة الأولىٰ، ويؤخذ بالرسالة الجديدة. وذكر أيضاً أن سبب تسمية هؤلاء الأنبياء بأولي العزم لشدة عزمهم علىٰ الإقرار بالله وأنبيائه والصبر علىٰ ما أصابهم.

وروي في الكافي عن سماعة عن الإمام الصادق في قوله تعالىٰ: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ اُوْلُوا العَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ.

فقال: «نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ ومحمد» قلت: كيف صاروا أولو العزم فقال: «لأن نوحاً بعث بكتاب وشريعة وكل من جاء بعد نوح أخذ بكتاب نوح وشريعته ومنهاجه حتّىٰ جاء إبراهيم بالصحف وبعزيمة ترك كتاب نوح لا كفرانه، فكل نبي جاء بعد إبراهيم أخذ بشريعة إبراهيم ومنهاجه وبالصحف حتّىٰ جاء موسىٰ بالتوراة وبشريعته ومنهاجه وبعزيمته ترك الصحف، وكل نبي جاء بعد موسىٰ أخذ بتوراته وبشريعته ومنهاجه حتّىٰ جاء بعد موسىٰ أخذ بتوراته وبشريعته ومنهاجه حتّىٰ جاء محمد فجاء بالقرآن وبشريعته ومنهاجه فحلاله حلال إلىٰ يوم القيامة وحرامه حرام إلىٰ يوم القيامة، فهؤلاء أولو العز من الرسل». وإنَّ محمداً بن عبد الله أفضل الأنبياء أجمعين وخير الأولين والآخرين.

*    *    *


 


المبحث الرابع

المطلب الأول: النبوّة الخاصة وإثبات نبوّة نبينا محمد:

إثبات النبوّة لنبينا الأكرم وأفضليته، وخاتميته للأنبياء، ومعجزاته صلوات الله عليه وآله وسلم، من مباحث النبوّة الخاصة التي أطلع عليها جميع  من كتب في النبوّة.

ومما تقدم أن إثبات نبوّته لا يكون إلّا باجتماع أمرين: إدعاء النبوّة، وإظهار المعجزة.

أولاً: إدعاء النبوّة:-

تواتر عن النبي أنه ادعى النبوّة بلا خلاف من أحد، تواتر الحقه بالعيان والمشاهدة. قال الشيخ الصدوق (ت: 381 هـ): «إن محمداً سيدهم وأفضلهم، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين، وأن الذين كذبوا لذائقوا العذاب الأليم... ويجب أن نعتقد أن الله تعالىٰ لم يخلق خلقاً أفضل من محمّد والأئمة، وأنهم أحب الخلق إلىٰ الله، وأكرمهم عليه، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين». فدل علىٰ أن آباءَهُ كلّهم كانوا مؤمنين، فلقد كان والده عبد الله سيد الحرم، وصاحب الوجه الأغر وحليف الإيمان الأكبر.

وكان جدّه عبد المطلب من أوصياء إبراهيم، وكذلك سائر آبائه إلىٰ إسماعيل كلّهم كانوا أوصياء.

كما كان عمّه وكفيله أبو طالب وصياً بعد أبيه عبد المطلب عاش حليف الإيمان، ولم يسجد لصنم قط، ولذا ورد عنهم: «ليس من شيعتنا من لم يقل بإسلام أبي طالب» .

وقال المجلسي (ت: 1111 هـ): «إجماع الشيعة علىٰ إسلام أبي طالب، وأنه قد آمن بالنبي في أول الأمر، ولم يعبد صنماً قط، بل كان من أوصياء إبراهيم ».

ثانياً: إظهار المعجز:

ثبت عن الرسول أنه أتى المعجزة علىٰ يديه، ومعجزاته نوعان:-

النوع الأول: المعجزة الوقتية: كمعجزات الرسل والأنبياء السابقين قصيرة الأمد، زالت بزوال أيامها، وبموت شاهدها. والمتطلع عليها لا يجدها إلّا في الأخبار كمعجزة موسى من قلب العصا حيّة، وفلق البحر.التي جمعها الإمام الصادق  في حديث واحد. ففي رواية حمزة الغنوي الصيرفي قال: سألته عن التسع آيات التي أوتىٰ موسىٰ، فقال: «الجراد والقمّل والضفادع والدم والطوفان والبحر والحجر والعصا ويده».

أو معاجز النبيّ عيسىٰ كإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتىٰ فقد أشار القرآن الكريم لها في قوله تعالىٰ: رَسُولا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَة مِنْ رَبِّكُمْ أنِّي أخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإذْنِ اللّهِ وَاُبْرِئُ الأكْمَهَ وَالأبْرَصَ وَاُحْيِي المَوْتَى بِإذْنِ اللّهِ وَاُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ.

وقد أشار الأمام الصادق إلىٰ تلك المعاجز بقوله: «فأقام بين أظهرهم يحي الموتىٰ ويبرئ الأكمة والأبرص ويعلمهم التوراة، وانزل الله عليه الإنجيل لما أراد أن يتخذ عليه حجة، وكان يبعث إلىٰ الروم رجلاً لا يداوي أحد إلّا برأ من مرضه أو يبرئ الأكمة والأبرص».

النوع الثاني: المعجزة الدائمة والخالدة وهي القرآن الكريم فإنها باقية مابقي الدهر وهي عين رسالته، «ورسالته هي معجزته وهما معاً القرآن».

ومن المعجزات التي جاء بها نبينا محمد ما ثبتت في القرآن الكريم وهي مجمع عليه باتفاق الفرق الإسلامية. وقد ذكر الشيخ ابن شهر آشوب في المناقب هذه المعاجز بقوله: «وكان له معجزات لم يكن لغيره، وذكر أن له أربعة آلاف وأربعمائة وأربعين معجزة ذكرت منها ثلاثة آلاف تتنوع أربعة أنواع، ما كان قبله وبعد ميلاده وبعد بعثتهُ وبعد وفاته وقواها وأبقاها القرآن».وقد قسمها الكراچگي علىٰ قسمين: أفعال، وأقوال .

أولاً: الأفعال:

أشار الكراچگي إلىٰ معجزات النبيّ  التي وردت عن أفعال قام بها وهي:

1- تسبيح الحصىٰ في كفه: روىٰ الراوندي في الخرائج والجرائح عن انس بن مالك أنه أخد كفاً من الحصىٰ فسبحنَّ في يده، ثم صبهنَّ في يد علي فسبحن في يده حتىٰ سمعنا التسبيح في أيديهما ثم صبهنَّ في أيدينا فما سبحن في أيدينا».

وروىٰ ابن شهرآشوب (ت: 588 هـ) في المناقب: أن النبي أتاه مكرز العامري وسأله آية، فدعا تسع حصيات فسبحن في يده.

2- نبوع الماء من بين أصابعه الشريفة.0

3- مجيء الشجرة إليه، إنه دعا شجرة فجاءت تخذ الأرض، ثم أشار إليها فرجعت.

4- رمىٰ الحصىٰ في وجوه الأعداء يوم بدر، فنالهم في عيونهم ما نالهم، وكابت في الحال عزيمتهم. وأنزل الله تعالىٰ قوله: وَمَا رَمَيْتَ إذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى .

5- ومن ذلك أنه نزل بالحديبية فإذا ببئرها لا ماء فيه، فشكا الناس ذلك اليه فأخرج سهماً من كنانته فدفعه إلىٰ البئر فنزل في البئر فأقبل الماء من عيون البئر، حتىٰ ملؤوا ما معهم وسقوا ركابهم.

وغير ذلك من المعاجز الأخرىٰ التي ذكرها الكراچگي.


ثانياً: الأقوال:

وقد تجسدت في القرآن الكريم ولاسيما  أنه كلام الله سبحانهودستور للناس، تبنىٰ به حياة عزيزة كريمة، يريد أن تعمر بها الأرض، ولم يكن مقصده أن يؤسس نظريات علمية، أو أن يقص علينا إنباء الأولين، أو يكون صورة أدبية فريدة في الأسلوب، لكنه ذكر آيات الله في الخلق بذلك الأسلوب الرفيع، ليعلمهم أنه كلام الهي معجز في حد ذاته والقرآن الكريم معجز من وجوه متعددة هي: 

1- فصاحة الفاظه وعجيب نظمه:

 الفاظ القرآن الكريم جميعها فصيحة فلذلك عجز بلغاء العرب عن الإتيان بمثله، مع علمهم بأن النبي قد جعله علماً علىٰ صدقه. وجعل الله تعالىٰ عباراته مطابقة لمقتضىٰ الحال، وارفع مستوىٰ من البلاغة، يُحس بطلاوته ورقته وروعته من أدنىٰ ذوق في اللغة العربية، وهذا واضح في تشبيهاته واستعاراته ومجازاته ومختلف أساليبه، وهو غريب علىٰ العرب بأسلوبه وهذا ما أشار إليه الكراچگي بقوله: «وإذا سمعوا القرآن الوارد علىٰ يده الذي جعله علماً علىٰ صدقه، ورأوا قصور العرب عن معارضته، وعجزهم عن الإتيان بمثله، قالوا: أنه كان قد فاق جميع البلغاء من البلاغة، وزاد علىٰ سائر الفصحاء في الفصاحة، قصر عن مساواته في ذلك الناس كافة» ومن النصوص التاريخية التي تصور فصاحة القرآن وموقف المشركين القلق من تحديه للقوانين والعادات الطبيعية.

فمن ذلك أن الوليد بن المغيرة استمع يوماً إلىٰ النبي في المسجد الحرام وهو يقرأ القرآن، فانطلق إلىٰ مجلس قومه بني مخزوم فقال: «والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلىٰ» ثم انصرف إلىٰ منزله فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله ليصبان قريش كلهم... فغرق الوليد في الفكر ثم قال: ما هو إلّا ساحر! أما رأيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولده ومواليه فنزل قوله تعالىٰ: إنَّهُ فَـكَّـرَ وَقَدَّرَ * فَـقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَـيْفَ قَدَّرَ *  ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ *  ثُمَّ أدْبَرَ وَاسْتَـكْـبَـرَ * فَقَالَ إنْ هَذَا إلّا سِحْرٌ يُـؤْثَرُ.

«وما فعلوه بعد ذلك من بذل النفوس والأموال في حربه، والحرص علىٰ اهلاكه، مع علمهم بأن ذلك لا يشهد بكذبه، ولا فيه إبطال الحجة، ولا يقوم مقام معارضته فيما جعله دلالة علىٰ صدقه وتحداهم علىٰ الإتيان بمثله».

وأنزل قوله تعالىٰ: وَإنْ كُنتُمْ فِي رَيْب مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ. وأوجز الكراچگي هذا الإعجاز بقوله: «ورغم أنهم كانوا قوماً فصحاء، حكماء، عقلاء، خصماء، لا يصبرون علىٰ التقريع، ولا يتغاضون عن التعجيز... وتحدي بعضهم لبعض بالخطب والأشعار، وفي انصرافهم عن المعارضة دلالة علىٰ أنهما كانت متعذرة عليهم وإلتجائهم إلىٰ الحروب الشاقة دونها بيان أنها الأيسر عندهم».

ونلحظ من هذا أن القرآن جاء بمنتهىٰ الفصاحة والبلاغة، حيث كانت الفصاحة أسلوباً متميزاً مألوفاً وكانت البلاغة فناً متأصلاً معروفاً عند الفصحاء والبلغاء من الناس. ولكن القرآن بإسلوبه السهل الممتنع أذهل الناس بفصاحته وبلاغته فعجزوا عن مجاراته.

2- الإعجاز الغيبي:- ويتمثل بما تحدث عنه القرآن الكريم بضرس قاطع في الأشياء عن الغيب الماضي والمستقبلي ومنها:

أ- إخباره عن الدهور الماضية، وأحوال القرون الخالية، أنباء الأمم الغابرة، ووصف الديار الدائرة، وقصص الأنبياء المتقدمين.

فأخبر عن آدم ونوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ وذي القرنين، وأهل الكهف وقوم عاد وثمود ولوط وشعيب، وجمهرة عظيمة ممن أصابهم عذاب الاستئصال بمجريات أحوالهم بما يعتبر كشفاً لأدق التفصيلات التاريخية، وهي حالة لا عهد بها للمجتمع العربي في مكة. مما جعلهم يتهافتون علىٰ هذه الأخبار.

ب- تضمن ما ثبت فيه من الأخبار بالكائنات قبل كونها، وإعلام ما في القلوب وضمائرها، كقوله سبحانه في اليهود من أهل خيبر: وَلَوْ آمَنَ أهْلُ الكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ المُؤْمِنُونَ وَأكْثَرُهُمُ الفَاسِقُونَ * لَنْ يَضُرُّوكُمْ إلا أذىً وَإنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ .

وقال في قصة بدر تشجيعاً للمسلمين، وإخباراً لهم عن عاقبة أمرهم وأمر المشركين سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ .

وكان ذلك قريباً كما قال سبحانه، وقال فيهم: الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ. فكان الظفر قريباً كما قال سبحانه، وقال عز اسمه: الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ.

فأخبر الله تعالىٰ عن ظفرهم بغلبهم وغلبتهم له، وحدد زمان ذلك وحصره، فكان الأمر فيه بحسب ما قاله سبحانه.

3- الإعجاز التشريعي: ويتمثل بما تضمنه القرآن من عجيب الفقه، وحدود الشريعة وأحكامها. بما لم تسبق إليه أعرق الامم تشريعاً بل كانت مفردات حياة جديدة متأطرة بإطار التطور الإنساني. وبتوجيهه إلىٰ الخير، ويعلّم ويرشد إلىٰ ما فيه صلاحهم، ليحقق غايته وهدفه. 

«وتوالت عليه أمة بعد أمة وجيلاً بعد جيل، وكلها تستهدف هدفاً واحداً، وهو إقامة الدين» قال تعالىٰ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أوْحَـيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أنْ أقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَـتَـفَرَّقُوا.

المطلب الثاني: وجه الإعجاز في القرآن:

الإيمان بأن الله تعالىٰ قد أيد أنبياءه ورسله بالمعجزات واجب، فلا يجوز الاعتقاد بخلافه، وقد ثبت بما بينا كون القرآن معجزة نبينا محمد وهذا باتفاق أكثر المتكلمين(*). إلاّ أنهم اختلفوا في وجه هذا الإعجاز، فذهب أكثر المعتزلة أن سبب إعجاز القرآن هو فصاحته البالغة. وأما جمهور الأشعرية فذهبوا إلىٰ أن الإعجاز يمكن أن يلتمس عن طريقين:

الأول: أسلوب القرآن وفصاحته وبلاغته.

والثاني: إخباره عن المغيبات الماضية والمستقبلية.

في حين ذهب النظام، وابن حزم، والسيد المرتضىٰ من الإمامية، إلىٰ أن وجه الإعجاز هو الصرفة. بمعنىٰ أن الله تعالىٰ صرف الناس واعجزهم عن الإتيان بمثله علىٰ الرغم من أنه من جنس كلامهم.

أما الإمامية فبعضهم يقول في إعجاز القرآن بالصرفة ولكن بإتجاهين مختلفين:

الأول: أن المراد به أن الله تعالىٰ صرف دواعي أهل اللسان عن معارضته علىٰ الرغم من توافر الدواعي لا سلبها، وهذا ما ذهب إليه الشيخ المفيد، وهو ما عليه الكراچگي إذ قال بالصرفة مع إبقاء الدواعي لا مع سلبها «وفي انصرافهم عن المعارضة – معارضة القرآن – دلالة علىٰ أنها – المعارضة – كانت متعذرة عليهم» وفي  موضع سابق أشار الكراچگي إلىٰ سلب الدواعي بقوله: «فمن ذلك عجز بلغاء العرب عن الإتيان بمثله في فصاحته ونظمه... وهذا اجتهادهم في دفع ما أتىٰ به وتوفر دواعيهم – وهذا محل الشاهد – إلىٰ إبطال أمره».

ولكن ما نراه عند الشيخ المفيد بأنه يوجه هذه المسألة إلىٰ ناحية أخرىٰ فيتبنىٰ الرأي القائل بأن الناس عجزوا من معارضة القرآن لعلو مقام باطنه وتفوقه الحقيقي وأشير إلىٰ الاعتراض بأن الله تعالىٰ عندما قال: فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات. فإنما أمر العرب بشيء خارج عن استطاعتهم، وفي هذه النقطة بالذات فإن القول بأن الله صرف العرب عن طاعة أمره إننا نتهمه بالظلم علناً وفي رده علىٰ هذا لاعتراض تخلىٰ المفيد عن مبدأ الصرفة فيقول في ذلك: «... فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات، يريد به الله تعالىٰ أنه لو كان القرآن من كلام بشر قد افتراه لكان مقدوراً لغيره من البشر، فأمتحنوا أنفسكم، فإذا عجزتم عن افتراء مثله، فقد علمتم بطلان دعواكم علىٰ محمد، الافتراء للقرآن، ومن لم يفهم فرق بين التحدي والتقريع والتعجيز، والأمر والتكليف والالزام كان من عداد البهائم وذوي الآفات الغامرة للعقول من الناس».

الإتجاه الثاني: ما ذهب إليه السيد المرتضىٰ وهو الصرف عن المعارضة لقوله: «إن جهة إعجازه هي الصرفة لا فرط فصاحته، لأنه قد علم تعذر المعارضة وإذا لم تكن متعذرة لفرط فصاحته فليس إلّا الصرف». ولكن العلّامة الحلي (ت: 726 هـ) أشار بأن معنىٰ الصرف عند السيد المرتضىٰ هو أن يكون لسلب العلم من الذين كانوا يتمكنون من المعارضة، وهذا بخلاف ما عند النظام، لأن معنىٰ الصرف عند النظام يحتمل أن يكون لسلب القدرة.

أما الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) فقد ذهب بأن إعجازه من جهة النظم والأسلوب مع الفصاحة، ويرىٰ الباحث أن الشيخ الكراچگي أخذ القول بالصرفة مع إبقاء الدواعي – من العقل والعلم والقدرة – عندهم وبذلك لم يستطيعوا الإتيان بمثله في فصاحته ونظمه، وبهذا لم يكن متوافقاً في الرأي مع استاذه السيد المرتضىٰ في القول بالصرفة مع سلب العلم. وهذا يؤكد أن السيد المرتضىٰ هو الوحيد من علماء الإمامية من الذين قالوا بالصرفة وهو ذكره صدر الدين الشيرازي (ت: 1050 هـ) بقوله: «ذهب من علمائنا الإمامية السيد المرتضىٰ – رضي الله عنهم – طبقاً لكثير من المعتزلة إلىٰ إعجازه بالصرفة».

*    *    *

 


المبحث الخامس

نسخ الشرائع

مفهوم النسخ لغةً واصطلاحاً:

النسخ لغة: النسخ هو الإزالة يقال: نسخت الريح آثار الديار، ونسخت الشمس الظل، ونسخ الشيب الشباب.

ويقال نسخ الله الآية: أزال حكمها. وفي التنزيل العزيز مَا نَنسَخْ مِنْ آيَة أوْ نُنسِهَا نَأتِ بِخَيْر مِنْهَا أوْ مِثْلِهَا. والآية الثانية ناسخة والأولى منسوخة.

 النسخ اصطلاحاً:

يقول الشيخ المفيد (ت: 413 هـ): «والنسخ عندي في القرآن إنما هو نسخ ما تضمنه من الأحكام وليس هو رفع اعيان المنزلة عنه».

وعرّفه الطوسي (ت: 460 هـ): «أما الناسخ فهو كل دليل شرعي يدل علىٰ زوال مثل الحكم الثابت بالنص الأول في المستقبل علىٰ وجه لولاه لكان ثابتاً بالنص الأول مع تراضيه معه».

أما الكراچگي فقد عرّف النسخ: بأن يأمر الأمر في الشيء وإذا فعل وجاز وقت فعله، نهىٰ عنه من بعد، فيكون في الحقيقة إنّما نهىٰ عن مثله».

والواضح من تعريف النسخ بأن وقع لغرض مصلحة. لأن الاحكام التي شرّعها الله تعالىٰ لمصالح العباد، والمصلحة لا يجب دوامها، فلا يمتنع أن يصير ما هو مصلحة في وقت مفسدة في وقت آخر فيتغير الحكم المتعلق بها، وحينئذٍ يجوز نسخه.

وبهذا جوز عامة أصحاب الفرق الإسلامية النسخ. ويبرهن ابن حزم (ت: 456 هـ) علىٰ ذلك بما حدث فعلاً في الإسلام، فإن الله «أحل لنا الخمر ولم يلزمنا الصلاة ولا الصوم يفرضه في زمن الإسلام، ورضي لنا شرب الخمر وأكل رمضان والبقاء بلا صلاة – ويسخط الله تعالىٰ ذلك بلا شك – للمبادرة بتحريم ذلك كما قال تعالىٰ: وَلا تَعْجَلْ بِالقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أنْ يُـقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ. ثم فرض علينا الصلاة والصوم وحرم علينا الخمر وسخط لنا ترك الصلاة، وأكل رمضان وشرب الخمر ورضي لنا خلاف ذلك وهذا لا ينكره مسلم».

ولم يخالف القول بالنسخ إلّا اليهود الذين أنكروا نبوة المسيح ونبوة المصطفىٰ لأنهم يقولون بعدم جواز نسخ الشرائع. وبهذا ردّ الكراچگي علىٰ أقوال اليهود الذين ذهبوا إلىٰ فريقين أحدهما: يدعي أن النسخ لا يجوز في العقل. والآخر: يجيز ذلك عقلاً، وتزعم أن المنع منه ورد به السمع.

«فأما المدعون علىٰ العقل الشهادة بقبح النسخ، فإنهم زعموا أن النسخ هو البداء. وبقولهم البداء لا يجوز علىٰ الله».

إذ أبطل الكراچگي هذا، وبيّن أن النسخ هو غير البداء بقوله: «أن يأمر الأمر بالشيء في وقت، وإذا فُعِل وجاز وقت فعله، نهىٰ عنه من بعد، فيكون في الحقيقة، إنّما نهىٰ عن مثله. وهذا هو النسخ بعينه... وأما أن يأمر بفعل الشيء في وقت، فإذا أتىٰ ذلك الوقت نهىٰ عنه بعينه، قبل أن يفعل فيكون هذا البداء دون القسم الأول».

ومن الردود الأخرىٰ التي تؤكد إبطال قول اليهود المانعين للنسخ:أنه لما ثبتت نبوة نبينا محمد ولا شك أنه مستلزم لرفع كثير من أحكام الشرائع السابقة فقد وقع النسخ وهو المطلوب.

وكذلك الإجماع واقع علىٰ أن آدم كان يزوج الأخ باخته ثم رفع ذلك.

وفي معرض رد الكراچگي علىٰ المدعين من اليهود، بأن إبطال النسخ علم بالسمع من دون العقل بقوله: «والذي يدل علىٰ بطلان دعواهم هذه ظهور المعجزات علىٰ من أتىٰ بالنسخ، ولو كان خبرهم لم يصح إتيان ذي معجز بنسخ».

زد علىٰ ذلك ردّ العلّامة الحلي (ت: 726 هـ) علىٰ ادعاء اليهود الذين تمسكوا بما روي عن موسىٰ أنه قال: «تمسكوا السبت ابداً». وقوله: «ان شريعتي هذه لازمة لكم ومؤيدة عليكم» بأدلة عدّة منها:

1- أن هذا الحديث مختلف فيه ونسب إلىٰ ابن الراوندي(*).

2- لو سلمنا نقله، ولكن اليهود انقطع تواترهم لأن «بخت نصّر» استأصلهم وأفناهم حتىٰ لم يبق منهم من يوثق نقله.

3- إن لفظ التأييد لا تدل علىٰ الدوام قطعاً فإنها قد وردت في التوراة لغير الدوام.

وفي ضوء ما تقدم يرىٰ الباحث أنه لا يصح القول بعدم وجود النسخ وما زعمه اليهود في ذلك مردود بشهادة التوراة بعد شهادة العقل. وإن الله شرع الشرائع ومنها النسخ لطفاً بعبادة ورحمته لهم برعاية مصالحهم بحسب ما تقتضيه حكمته وعلمه بالأمور بما يناسبها من الأحكام بحسب اختلاف الأحوال، وعلىٰ ذلك  اقتضىٰ الله تبديل الحكم إلىٰ حكم آخر بما تقتضيه المصلحة للعباد، وهذا التبديل هو النسخ الذي شرعه الله تعالىٰ.

*    *    * 









 




المبحث الأول: مفهوم الإمامة.

     - المطلب الأول: مفهوم الإمامة لغةً.

     - المطلب الثاني: مفهوم الإمامة اصطلاحاً.

المبحث الثاني: أهمية الإمامة ووجوبها.

     - المطلب الأول: أهمية الإمامة (أصل أم فرع).

     - المطلب الثاني: وجوب الإمامة.

المبحث الثالث: إثبات الإمامة 

     - المطلب الأول: طرق إثبات الإمامة.

     - المطلب الثاني:طرق إثبات إمامة الأئمة الاثني عشر.

         1- إثبات إمامة الإمام علي.

         2- إثبات إمامة الأحد عشر

المبحث الرابع: صفات الإمام.

          1- العصمة.

          2- الأفضلية.

          3- الأعلمية.

المبحث الخامس: الغيبة والظهور.

         1- مناقشة الكراچگي للحكمة من غيبة الإمام.

         2- طول عمر الإمام  المنتظر.

 


المبحث الأول

مفهوم الإمامة

- المطلب الأول: مفهوم الإمامة لغةً:

الإمامة لغةً: هي الطريق، لأنهُ يقصد ويتبع لطريق واضح.

وأم القوم، وأم بهم أي تقدمهم.ولقوله: وَإنَّهُمَا لَبِإمَام مُبِين.

والإمام: الخَيط الذي يمدُ البناء، ... والحادي إمام الإبل وأن كان وراءها لأنه الهادي لها.

- المطلب الثاني: مفهوم الإمامة اصطلاحاً:

عرفَ المتكلمون الإمامة بتعاريف عدة منها: 

1- رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا.

2- «رئاسة عامة دينية مشتملة علىٰ ترغيب عموم الناس في حفظ مصالحهم الدينية، والدنياوية وزجرهم عما يضرهم بحسبها«.

3- «الإمامة رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص من الأشخاص نيابة عن النبيّ» .

4- وعرفها الايجي (ت: 756هـ) «هي خلافة الرسول في إقامة الدين بحيث يجب إتباعه علىٰ كافة الأمة» .

وعرفها الماوردي (ت: 450هـ) «الإمامة موضوعة لخلافة النبوّة في حراسة الدين وسياسة الدنيا».

5- ويقول الفضل بن روز بهان: الإمامة عند الأشاعرة: «هي خلافة الرسول في إقامة الدين وحفظة حوزة الملة، بحيث يجب إتباعه علىٰ كافة الأمة».

أما الكراچگي فقد عرف الإمام: هو من كان والياً للأمرَ ومتحققاً بتدبيره فهو وليهُ وأولىٰ به. وعرفه في موضع آخر بقوله: «الإمام هو القائم مقام الرسول في التهذيب والتعريف والتعليم والتوفيق والأمر والنهي، والعقد والحل، وإن الأمة يلزمها في تبجيله وتعظيمه وإتباعه وإطاعته بنظر ما كان يلزم النبيّ».

وبهذه التعاريف، فإن كان علماء اللغة قد اتفقوا علىٰ هذه المعاني التي تشير إليها كلمتا «الإمامة» و«الخلافة». فإن علماء الكلام وأنصارهم قد اختلفوا في كون هاتان الكلمتان بمعنىٰ واحد.

«فالإمام يعني صاحب الحق الشرعي» وبهذا يتضحُ أن الإمامة نيابة عن النبي بمعنىٰ أنها تشكل امتداد للنبوّة، وهذه المهمة لم تنته بوفاة النبي فالمهمة التي تكون ماهية الإمامة وأساس تشريعها من الله تعالىٰ في المعتقد والتشريع الإسلامي، وعند الإمامية، هي مهمة تتعلق بالإسلام نفسه عقيدة وشريعة علىٰ مستوىٰ الحراسة والتبليغ والتفسير والحفظ، وهذه هي ماهية الإمامة المعصومة، والمهمة ذات الأولية الأولىٰ للأمام المعصوم كون الإمام لا يختلف عن النبيّ إلّا من حيث أنه لا يرىٰ الوحي في المنام ولا يعاينه في اليقظة.

أما المهمة السياسية التنظيمية: مهمة الحكم السياسي فتقع في الدرجة الثانية من مهمات الإمام المعصوم وبالتالي فإن هنالك فرقاً واضحاً بين مفهوم الإمامة والخلافة «لأن لفظ الخليفة يشير إلىٰ صاحب السلطة الفعلية» وهو ما ذهبت إليه الإمامية كافة مستدلين عليه من خلال موقف الأئمة الاثني عشر الذي لا يدلُ سعيهم إلىٰ الخلافة علىٰ الرغم من إصرارهم علىٰ الإمامة الدينية وتوارثها.

فيقول الإمام الرضا في بيان معنىٰ الإمامة: «الإمامة منزلة الأنبياء، وأرث الأوصياء، إن الإمامة خلافة الله، وخلافة الرسول، والإمامة زمام الدين ونظام المسلمين، وان الإمامة   وصلاح الدنيا وعز المؤمنين».

إما فكرة الإمامة عند أهل العامة فهيَ فكرة عائمة غير محدودة بشخص معين، فيمكن أن تطلق علىٰ الحاكم كما يمكن أن تطلق علىٰ الفقيه، ومن يصلي بالناس. فالإمام أو الخليفة تطلق علىٰ الحاكم، وليست هنالك أية أبعاد شرعية تعطي خصوصية للإمام عندهم. فهو فرد كبقية أفراد الرعية.وهذا ما دلَّ عليه تعريف الماوردي السابق للإمامة وما تضمنه قول أبن خلدون (ت: 808هـ) الذي أوضح أن مهمة صاحب الشريعة هي حفظ الدين وسياسة الدنيا به، وتسمىٰ هذه المهمة بالخلافة والإمامة، والقائم بها خليفة وإمام، وتسميتهُ إماماً فتشبيهاً بإمام الصلاة في إتباعه والإقتداء به.

وفي الأخير يقول الدكتور أحمد محمد صبحي ما نصه: «وبالرغم من الترادف اللغوي بين الخلافة والإمامة إلّا أن الصلة معقودة بينهما في نظر أهل السنة بتشبيه الخلافة بالصلاة للردِ على عقائد الشيعة ونقضها ودحضها».

*    *    * 


المبحث الثاني

أهمية الإمامة ووجوبها

- المطلب الأول: أهمية الإمامة (أصل أم فرع):

قبل أن نبين أهمية الإمامة نطلع علىٰ مفهوم أصول الدين وفروعه. فأصول الدين: هي الإيمان بالله والرسول، واليوم الآخر، ويعبر عنها بالاعتقاد والعلم الذي يبحث فيها يقال له علم التوحيد أو علم الكلام.

إمّا الفروع: فهي الأحكام الشرعية التي تتعلق بأفعال المكلفين من العبادات والمعاملات والعلم الذي يبحث فيها يسمىٰ بعلم الفقه والشريعة.

وبهذا وقع الخلاف بين الفرق الإسلامية القائلة بوجوب الإمامة هل الإمامة فرع أم أصل؟

فذهب أهل السنة والخوارج(*)والمرجئة(**) والجمهور الأعظم من المعتزلة والزيدية(***) من الشيعة اعتبروا الإمامة فرعاً من فروع الدين. 

فقال الايجي (ت: 756هـ): «الإمامة عندنا من الفروع، وإنما ذكرها في علم الكلام تأسياً بمن قبلنا».

وذهب إلىٰ ذلك التفتازاني (ت: 791هـ) بقوله: «لا نزاع في أن مباحث الإمامة الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات، وهي أمور كلية تتعلق بها مصالح دينية أو دنيوية، لا ينتظم الأمر بحصولها، فيقصد الشارع تحصيلها في الجملة، من غير أن يقصد حصولها من كل أحد ولاخفاء في أن ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية» ولكنّها عند الإمامية هي أصل من أصول الدين وضرورة من ضرورياته حيث نقل عن شمس الدين قوله: «ذهبت الإمامية عدا الزيدية منهم، والنظامية(*) والحابطية(**) والحدثية(***) من المعتزلة إلىٰ أن الإمامة أصل من أصول الدين».

وموقف متقدمي الإمامبة هذا قد سار عليه متأخروهم أيضاً، فالشيخ المظفر (ت: 1383هـ) يقول: «أن الإمامة أصل من أصول الدين لا يتم الإيمان إلّا بالاعتقاد بها».

وهذا ما ذهب إليه الكراچگي بقوله: «إن الإمامة أصل يتعلق بالنبوة من خالف فيه فقد كفر، وان الحجج في إثباتها متماثلة، والطاعن في الإمامة كالطاعن في الرسالة».

واستدل الكراچگي علىٰ قوله هذا بأدلة عدّة منها: 

1- وجوب الإمامة في العقل، وثبوت الحجة علىٰ إنها انتظام التكليف في العدل، وذلك أن الله كلف الخلق إصابة الحق، وهو يعرف من وجهين هما : والعقل، والسمع.

 ويوضح الكراچگي ما تقدم بقولهِ: بأن الله أزاح علل المكلفين في وقت الرسول فيما تعبدهم به من العقليات، بأن أوجدهم العقول وفيما تعبدهم من السمعيات، بأن أقام لهم الرسول، والناس من بعده مكلفون بنظير من كلفه من كان في وقته، فوجب من عدل الله سبحانه، وحكمته أن يزيح علل المكلفين في زمان بإيجاد العقول. 

ويسترسل الكراچگي قائلاً: ومَن يقوم مقام الرسول ولو جاز أن يكلفهم السمعيات ويعدمهم السمع، لجاز أن يكلفهم العقليات، ويعدمهم العقل، وهذا لا يجوز من أقر بالعدل.

ويردف قائلاً: بأن النبيّ كان منبهاً علىٰ العقليات، كما كان معرفاً في السمعيات، مفزعاً للامه في التأويلات، وملجأً لهم عند المشكلات، ولم يكن الله سبحانه وتعالىٰ ليعم الكل بالتكليف، ويخص البعض بيسير السبيل، فلم تبقَ شبهه في وجوب الإمامة، وإنها أصل متعلق بالنبوة.

3- ويضيف قائلاً: إن كل فريضة أفترضها الله تعالىٰ في الشرع من العبادات المختصة بالسمع، قد تنقص عن كمالها تارة، ويسقط وجوبها تارة، ويتغير الحكم فيها من حالة إلىٰ حالة، كالصلاة التي هي علىٰ الحاضر سبع عشر ركعة في اليوم والليلة، فإذا سافر نقصت من تلك العدّة، ... وما يجري هذا المجرىٰ من العبادات السمعية، والفرائض الفقهية، التي يختلف وجوبها، ولا تتماثل أحوال المكلفين فيها. وليس هذا حكم الإمامة ووجوبها، والفرض علىٰ الأمة من الإقرار بالإمام ووجوب طاعته عليها، لأن هذا فرض عام شامل، ولا ينقص ولا يسقط، ولا يختص ببعض العقلاء من دون بعض، ولا وقت من دون وقت، بل هو لازم في الأحوال جميعها لزوماً واحداً لا يسقط عن أحد ما دام عاقلاً، وهو كالإقرار بالله سبحانه ورسوله وهذا جلي لمن تأمله.

وقد استمد الكراچگي ذلك من الروايات المنقولة عن النبيّ محمد فقد روي عن أبي سعيد الخدري قال: جاء رجلٌ إلىٰ النبيّ فقال: يا رسول الله، علمني شرائع الإسلام قال: «تشهد أن لا إله إلّا الله وإن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت أن استطعت إليه سبيلاً. فلما ولي الرجل، قال له النبي: أفلا أخبرك أوكدهن، وبما هو أملك لكم بعد الله ورسوله؟».

فقال:بلىٰ، وما هو يا نبي الله؟

قال : «مودة هذا وولايته – وأشار إلىٰ علي ابن أبي طالب- ثم ولده من بعده».

قال: يا رسول الله! وإنها لمنهنَّ؟!

قال: «أو لم أخبرك بأنها أو كدهن؟! بل هي أوكدهن!» قالها ثلاثاً .

وقد بان من هذا أن الإمامة أصل وليست فرعاً، وان الإقرار بها فرض عام متقدم علىٰ كل فرض أتىٰ به الشرع، ولا يتقدمها إلّا الإقرار بالله وبرسوله فقط، وان كان الإقرار بالإمام يشتمل علىٰ الإقرار بالله وبالرسول. وأن طاعة الإمام هي طاعة لله ولرسوله. وان كانت طاعة الله ذاتية فإن طاعة الرسول عرضية لأهمية الأولىٰ ووجوبها فكانت الثانية ضرورة أوجبتها الطاعة الأولىٰ للتوكيد عن أهمية الطاعتين ووجوبَ تنفيذ ما أمر الله بهِ عن طريق رسوله.

- المطلب الثاني: وجوب الإمامة:

أختلف المسلمون في الإمامة هل هي واجبة؟ وعلىٰ القول بوجوبها يأتي الكلام في أنه أيجب علىٰ الله أن يعين الإمام، ويدلُ عليه أم يجب ذلك علىٰ المسلمين؟ 

وفي حال وجوبها علىٰ المسلمين فهل هذا الوجوب هو من جهة العقل أم من جهة الشرع؟ 

وعند الإجابة علىٰ هذه الأسئلة ننقل كلام المقداد السيوري الحلي (ت: 826هـ) حول اختلاف الناس في وجوب الإمامة إذ يقول: «اختلف الناس في مقامات ثلاثة: 


الأول: أهي واجبة أم لا؟ فذهبَ الجمهور من الناس بوجوبها.

خلافاً للنجدات(*)من الخوارج والأصم(**)وهشام الفوطي(***)من المعتزلة ، إلّا أن النجدان والأصم قالا: يجوز نصب الإمام في حال الاضطراب وعدم التناقص، وليردعهم عن مفاسدهم، وهشاماً قال بخلافهما وقال: لا يجوز نصبه حال الاضطراب، لأن ذلك يؤدي إلىٰ زيادة الشر وقيام الفتنة.

الثاني: أهي واجبة عقلاً أم سمعا؟ فذهب... الإمامية وأبو الحسين البصري والجاحظ ومعتزلة بغداد إلىٰ الأول، والجبائيان والأشاعرة، وأصحاب الحديث والحشوية إلىٰ الثاني.

الثالث: أواجبه علىٰ الله أم علىٰ الخلق؟ أي أيجب أن ينصبوا لهم رئيساً دفعاً للضرر عن أنفسهم؟ 

فذهب أبو الحسين البصري والجاحظ والكعبي إلىٰ الثاني. وذهب أصحابنا (الإمامية) والإسماعيلية إلىٰ الأول. فقالت الإسماعيلية: يجب نصبه علىٰ الله ليعلمنا معرفته ويرشدنا إلىٰ وجود الأدلة والمطالب. وأصحابنا: يجب نصبه ليكون لطفاً لنا في أداء الواجبات العقلية والشرعية واجتناب المقبحات، ويكون مبيناً للشريعة حافظاً لها».

والمتبع لذلك يجد الكراچگي كغيره من الإمامية في وجوب الإمامة من جهة العقل من خلال ما تمثله من اللطف في فعل الواجبات والتقريب إليها وترك القبائح والتبعيد عنها الذي يستدل به علىٰ كونها لطفاً، معللاً ذلك بالأدلة العقلية التالية: 

1- إن النبي لم يشمل الأمة جميعاً بالإبانة علىٰ سبيل التفصيل، والجملة وإنما بيّن لهم شرعه علىٰ الحد الذي أمر به، فعين لهم بعضه بالمشافهة، ودلّهم علىٰ الجملِ الباقية بالإشارة إلىٰ من خصّه الله بعلمها، واستحفظه إياها وجعله [الإمام] الخليفة علىٰ الأمه. يعده في تبليغها بحسب ما تقتضيه مصالحها في تكليفها، في أخبار تورات علىٰ السنتها منها قوله: «أنا مدينة العلم وعلي بابها». .

فكان ما خصه به من تفصيل ما أجمل لهم، ومكّن منه فقد أزاح عللهم.

ويعتقد الكراچگي أن النبيّ لو شمل الأمة جميعاً بالإبانة علىٰ سبيل التفصيل والجملة، لم تسقط الإمامة، لأن النبي علَّم أهل عصره، وكانت أحوالهم مخلتفة، فمنهم الذكي الرشيد، والبطيء البليد، والمحب للعلم، والمجتهد في الحفظ مع كثرة نسيانه، وهذا مع عدم العصمة عندهم، وجواز الغلط  منهم، ولذلك حصل الاختلاف بينهم. ولم يكن الله سبحانه ليجليء عباده بعد نبيه إلىٰ غير حفظ لما استودعوه، وبهذا فإن الله سبحانه أزاح علل المكلفين بعد رسول بالأئمة الراشدين، الذي أمر الله تعالىٰ بالرد إليهم، ولقوله تعالىٰ: وَلَوْ رَدُّوهُ إلَى الرَّسُولِ وَإلَى اُوْلِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ.

ويذهب الكراچگي إلىٰ القول: ولو قدرنا أن الأمة قد أحاطت بالأحكام جميعاً، لم يغنِ ذلك عن الأئمة لأن الأمة علىٰ كل حال يجوز عليها الشك والنسيان ويمكن منها الجحد والكتمان، وفي جواز ذلك مع عدم وجود الأئمة جواز سقوط الحجة علىٰ الأمّة إذ لا معقل يدرك منه الصواب. وهذا أوضح البيان علىٰ وجوب الحاجة إلىٰ الإمام.

ويذكر الكراچگي أن الأمّة مجتمعة علىٰ أن في الشريعة أحكاماً تفتقر إلىٰ من ينفذها، وحدوداً علىٰ الجناة تحتاج إلىٰ من يتولاها. وهي مقرّة بأن الله تعالىٰ ما جعل ذلك لها، وأنه لا يجوز إهمالها وتركها فوجب أن يكون للناس أمام في كل زمان، ينفذ الأحكام ويقيم حدود شريعة الإسلام. حافظاً البيضة من الكفار، دافعاً علىٰ المسلمين أسباب الأذىٰ والمضار.

ومن الأدلة التي كانت أكثر رواجاً عند الشيعة الإمامية مناظرة هشام بن الحكم (ت: 179هـ) مع عمر بن عبيد المعتزلي (ت: 143 هـ) في مسجد البصرة حوله مسألة وجوب الإمامة، فسأله عن فوائد الحواس الخمس واحدة واحدة، ثم سأله عن فائدة القلب، فقال له: إن الله خلقه ليميز بما يريد علىٰ بقية الجوارح... فقال له هشام: أن الله لم يترك جوارحك حتّىٰ يجعل لها إماماً يكشف الحق، فلم يستطع عمر بن عبيد أن يرد عليه بشيء.

أما الأدلة  النقلية التي ذكرها الكراچگي من السنة النبوية المطهرة فهي: 

1- قول الرسول: «من مات وليس له إمام من ولدي مات ميتة جاهلية يؤخذ بما عمل في الجاهلية والإسلام».

وظاهر قول النبي يدلُ علىٰ أن لكل زمان إمامً في الحقيقة، يصحُ أن يتوجه منه الأمر، ويلزم منه الإتباع.

2- روي عن الإمام الصادق قال خرج الحسين بن عليعلىٰ أصحابه فقال: «يا أيها الناس إن الله – والله – ما خلق العباد إلّا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن سواه». فقال له رجل: (بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ما معرفة الله؟) قال: «معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته».

ويتضح من هذا الحديث أن معرفة الله وطاعته لا ينفعان من لا يعرف الإمام، ومعرفة الإمام وطاعته لا ينفعان إلّا بعد معرفة الله، صح أن يقال أن معرفة الله هي معرفة الإمام وطاعته.

ولما كانت المعارف الدينية العقلية والسمعية تحصل من جهة الإمام وكان الإمام آمراً بذلك. وداعياً إليه صح القول: أن معرفة الإمام وطاعته هي معرفة الله سبحانه.

3- وهو ما أجمع عليه أهل الإسلام من قول النبي: «إني مخلّف فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتّىٰ يردا عليَّ الحوض».

وفي هذا دليل علىٰ أن الزمان لا يخلو من إمام.

*    * 


المبحث الثالث

إثبات الإمامة

- المطلب الأول: طرق إثبات الإمامة:

بعد أن ثبت ضرورة وجود الإمام بين المكلفين لكي يتصدىٰ لرئاسة الدين وزعامة الدنيا، وإقامة الأحكام، وإدارة أمورهم، ولكن ما الطريق الذي يؤدي إلىٰ نصب الإمام؟ أهو النص أم الإختيار؟

هذا ما أختلفت فيه فرق المسلمين، فقد ذهب جماعة من المعتزلة والأشعرية والخوارج إلىٰ أن الإمامة تكون بالأختيار.

وقالت العباسية(*) أن الطريق إلىٰ تعيين الإمام النص أو الميراث. وقالت: الزيدية والجارودية(**) أن تعيين الإمام بالنص أو الدعوة لنفسه.

وقد ذهب ابن سينا من الفلاسفة الإسلاميين إلىٰ القول بأن الإمامة بالنص من دون أن يخصص باسم أو صفه.

أما الإمامية والكيسانية(*) فقالوا: إن الإمامة تثبت بالنص من الله وهو منصوص من قبل الله تعالىٰ ولا غيره. ووافقهم في ذلك البكرية(**) والكرامية.

لأن البشر هو العاجز المخطيء الظلوم، لا يقدر علىٰ ذلك إلّا الله تعالىٰ وهو خالق البشر والعالم باسرارهم ولقوله تعالىٰ:  وَاللّهُ يَعْلَمُ المُفْسِدَ مِنْ المُصْلِحِ.

ومن ثم فإن الإمامة - كما تقدم - هي منصب إلهي يكون بجعل الله وتشريعه كالرسالة، وليست اعتباراً عرفياً أو عقلائياً، حتىٰ يجعلها العرف والعقلاء، فلابدّ أن ينتهي تعيينها إلىٰ من له التشريع فيقلدها من اصطفاه من خلص عباده الصالحين، وأوليائه المقرّبين، وإن الله سبحانه وتعالى يعرف ويختار نبياً لخلقه وليس للأمة حكم في إختياره.

«فالطريقتان متماثلتان، والنبيّ والإمام حجتان لله تعالىٰ علىٰ خلقه بالعيان» . وهذا يؤكد أن الإمامة لا تختلف عن النبوّة، وكلتاهما ترجعان في الاختيار إلىٰ الباري وحده، وإن المخالف في إحداهما قد خالف في الثانية من دون فصل يقول الكراچگي: «وإن المخالف في احداهما نظير المخالف فيهما، والطاعن علىٰ أحدهما كالطاعن عليهما».

فالناكر أو الطاعن في الإمامة، فإنما استعار كلام اليهود في إبطال نبوة النبي. وغير ذلك من الأدلة النقلية والعقلية الأخرىٰ التي دل عليها الكتاب والسنة والعقل:

1- الكتاب المجيد:

من الآيات القرآنية التي ذكرها الكراچگي قوله تعالىٰ: فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَة مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَـتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُـنذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ.

حيث أكد الكراچگي أن الله يحث في هذه الآية علىٰ طلب العلم ورغب فيه. وأوجب علىٰ من يستطعه أن يلتمسه ويسارع إليه، وهذا لازم في وقت الرسول وبعده لأن الناس بعد الرسول مُكلفون في شرعه كما كانوا مكلفين في زمنه، فوجب في عدل الله وحكمته أن يزيح علل المكلفين فيقيم لهم في كل زمان عالماً أميناً... تثق النفوس بكماله ومعرفته، ليكون النفر إليه والتعويل في الهداية عليه، ولولا ذلك لأمر الله تعالىٰ بالتنفير.

وقوله تعالىٰ: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ.

حيث يستفاد من الآية أن المختار في أمور الدين والدنيا هو الله تعالىٰ دون خلقه، ولا اختيار في التصرف في ذلك ولا سيما مع تقدّم الرب بقوله: وَرَبُّكَ في نسبة الخلق والاختيار إليه ونفيه عن المخلوقين، فيختار الله الإمام وليس لهم أن يختاروا.

ويستفاد هذا الملاك من تلو هذه الآية التي قالت بعد ذلك: وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ. وفي هذه الآية دلالة علىٰ أن من لا يعلم السر والجهر فلا اختيار له.

وقوله تعالىٰ: وَإذِ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

والواضح من هذه الآية أن جاعل الإمامة هو الله تعالىٰ، وإنها عهد من الله تعالىٰ، وأن هذا العهد لا ينال الظالم، وقد فسر هذا العهد بالإمامة من قبل الخاصة والعامة.

2- السنة النبوية: 

أكدت السنة النبوية في كثير من المواضع علىٰ لزوم تعيين الإمام من الله تعالىٰ ومنها: 

1- روي عن الإمام الرضا قوله«... إن الإمامة هي منزلة الأنبياء وارث الأوصياء، وان الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعز المؤمنين، إن الإمامة أسّس الإسلام النامي وفزعة السامي ، بالإمام تمام الصلاة ولزكاة والصيام والحج والجهاد، وتوفير الفي والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف... » .

2- روي عن الإمام الصادق بقوله: «لعلكم ترون أن هذا الأمر في الإمامة إلىٰ الرجل منّا يضعه حيث يشاء، والله إنه لعهد من الله نزل علىٰ رسول الله إلىٰ رجال مُسمّين رجل فرجل حتّىٰ ينتهي إلىٰ صاحبها».

3- العقل:

أوجز الكراچگي الدليل العقلي علىٰ إثبات الإمامة بقوله: «فالعقليات دالة علىٰ الأصل من وجوب الحاجة إلىٰ الإمام في كل عصر، وكونه علىٰ صفات معلومة يتميز بها عن الأمّة جميعاً لست موجودة في غيره من اشار إليه ولامدعاه بسوى من اعتمدوا عليه».

وبهذا يؤكد أن الناس من كل وقت محتاجون إلىٰ عالم بكل ما كلف الله تعالىٰ به عباده وجاء به الرسول من عنده من حلال وحرام، ولأن نصب الإمام لطف واللطف واجب علىٰ الله. 

آليات تنصيب الإمام:

- النص:

يرىٰ الشيخ المفيد أن تعيين الإمام إنّما يكون بالنص وهو بهذا يؤكد أهمية منصب الإمامة وضرورته وكونه مسألة شرعية في المقام الأول، فلا مجال لتدخل اجتهادات الناس فيها. فهي امتداد لمهمة الرسول ومرجع الأمة من بعده، فلابدّ أن يكون منصوصاً عليها حتىٰ تأخذ صفة المرجعية المطلقة. فلو كان منصب الإمامة بالترشيح والاختيار لتنازع الناس عليها، واختلفوا فيها. ولهذا أجمعت الإمامية علىٰ وجوب النص علىٰ الإمام. والنص أما أن يكون من الله تعالىٰ أو من رسوله أومن إمام ثابتة إمامته بالنص. وهذا واضح من قول الشيخ المفيد (ت: 413 هـ): «اتفقت الإمامية علىٰ أن الإمامة لا تثبت مع عدم المعجز لصاحبها إلّا بالنص علىٰ عينه والتوقيف، وأجمعت المعتزلة والخوارج والزيدية والمرجئة، المتسمون بأصحاب الحديث علىٰ خلاف ذلك، وأجازوا الإمامة في من لا معجز له ولا نص عليه ولا توقيف».

وهو ما صرحت به كثير من روايات أهل البيت فقد روي عن الإمام الكاظم عن الإمام السجاد أنه قال: «الإمام لا يكون إلّا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلق فيعرف بها ولذلك لا يكون إلّا منصوصاً».

ومما تقدم فإن الكراچگي لم يخرج عن منطلق الروايات وعن استاذه الشيخ المفيد حيث يرىٰ وجوب النص علىٰ الإمام أو ما يقوم مقام النص مما يدل علىٰ إمامته، كالمعجزة واستدل علىٰ أن الإمام منصوص عليه من قبل الله، وان الله تعالىٰ هو الذي اختاره إماماً لخلقه، وليس للأمة حكم في اختياره، وأن الله سبحانه وتعالىٰ يعرف النبي، ويختاره نبياً لخلقه، وليس للأمة حكم في اختياره.

واستدل الكراچگي بالنص علىٰ الأئمة الإثني عشر من الاخبار الواردة فيهم بالنص والتعيين فأما النص في ذلك المختص بإمارة أمير المؤمنين دون غيره ممن يليه فقد عمت معرفته واشتهرت، وترددت الأقوال فيه وتكررت وعرف العدو والولي احتجاج الشيعة بالخفي والجلي، والنقل الوارد بوجوب الإمامة فيهم، والإشارة بالخلافة إليهم، وقد وجدنا أصحاب الحديث الخاصة والعامة وأهل النقلين – الشيعة والناصبة – وما بينهما من الاختلاف قد تراسلا في نقل النص علىٰ الأئمة الإثني عشر تراسلاً وتماثلاً في وجوب الخلافة فيهم.

ودفع الكراچگي مزاعم المعتزلة وإنكارها النص علىٰ الأئمة الإثني عشر بقوله: «وأما المعتزلة فإنها لا أصل لها في الحديث ونقله وليس متعلقة برواية وحمله، وإنما هي طائفة نشأت في زمن معلوم وابتدأت في زمن معروف فلا معتبر بدفعها خبراً توارده الناقلون قبل وجودها وحمله المحدثون قبل حدوثها» . 

وذكر الكراچگي كثيراً من روايات الخاصة والعامة في النص علىٰ الأئمة صلوات الله عليهم في كتابه الاستنصار. فمن روايات الخاصة:

ما روي عن النبي أنه قال: «إن الله اختار من الأيام يوم الجمعة ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي، ليلة القدر، واختار من الناس الأنبياء واختار من الأنبياء الرسل، واختارني من الرسل واختار منّي عليّاً واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء وهم تسعة من ولده ينفون عن هذا الدين تحريف الظالين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين تاسعهم ظاهرهم وناطقهم قائمهم وهو أفضلهم».

ومن روايات العامة: ما روي عن النبي قال: «معاشر الناس اعلموا إن لله تعالىٰ بابٌ من دخله أمن من النار ومن الفزع الأكبر» فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال: يا رسول الله إهدنا إلىٰ هذا الباب حتىٰ نعرفه فقال: «هو علي ابن أبي طالب سيد الوصيين وأمير المؤمنين وأخو رسول ربّ العالمين، وخليفته علىٰ الناس أجمعين».

ومن خلال هذا يتبيّن أن الإمامة ضرورة لابدّ منها لاستمرار المسيرة الإسلامية، ولا إمامة إلّا بنص وتعيين من النبي نفسه بإعتباره الإنسان الذي لا ينطق عن الهوىٰ.

- المطلب الثاني: طرق إثبات إمامة الأئمة الإثني عشر:

1- إثبات إمامة الإمام علي:-

من هنا نبدأ الكلام في أول الأئمة بعد الرسول بلا وساطة عند الإمامية، وهو علي بن أبي طالب، حيث اتفقت الإمامية قاطبة بالنص عليه باستخلافه من قبل الرسول. ولكن غير الإمامية اختلفوا في ذلك حيث يقول المفيد (ت: 413هـ) عارضاً اختلاف الفرق مع الإمامية في ذلك: «اتفقت الإمامية علىٰ أن رسول الله استخلف أمير المؤمنين في حياته ونصّ عليه بالإمامة بعد وفاته، وإن من دفع ذلك فقد دفع فرضاً من الدين، وأجمعت المعتزلة والخوارج والمرجئة والبترية(*) والحشوية والمنتسبون إلىٰ الحديث إلىٰ خلاف ذلك، وأنكروا نص النبي إلىٰ أمير المؤمنين ورفعوا أن يكون الإمام بعده بلا فصل علىٰ المسلمين».

ونقل المقداد السيوري (ت: 826 هـ) هذا الاختلاف بقوله: «اختلف الناس في تعيين الإمام، فقال قوم أن الإمام بعد الرسول العباس بن عبد المطلب لمكان إرثه، وقال جمهور المسلمين هو أبو بكر... باختيار الناس، وقالت الشيعة هو علي بن أبي طالب بالنص المتواتر».

وعند الاطلاع علىٰ آراء متكلمي المعتزلة نجد القاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) قد ذكر أن الإمام بعد النبي علي بن أبي طالب بقوله: «... أعلم أن مذهبنا إن الإمام بعد النبيّ علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم زيد بن علي...» .

وإلى هذا فإن الكراچگي قد اسهب في مختلف كتبه في الإمامة والحديث عن إمامة علي بن أبي طالب بعد الرسول محمد بلا فصل محاولاً إثباتها عبر طرق مختلفة عقلية ونقلية من آيات وروايات. ومن الملاحظ أن أدلته التي استعرضها في هذا المجال لا تعدو كونها متابعة لما افاده السابقون عليه من متكلمي الإمامية وبالأخص استاذيه المفيد والمرتضى، ولقد أنتهج الكراچگي طريقين في الاستدلال علىٰ إمامة الإمام علي وهما: (النقل والعقل).

الأول: الأدلة النقلية: وهي متضمنة آيات من القرآن الكريم أو من السنة النبوية.

أولاً: القرآن الكريم:

إن ما في القرآن الكريم من الآيات الكثيرة التي تنص علىٰ إثبات إمامة الإمام علي بعد رسوله الكريم فاستدل الكراچگي بأقواها دلالة وهي قوله تعالىٰ: إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ.

فأشار الكراچگي المراد بقوله «وليكم» هو الأولىٰ بكم، والأحق بتدبيركم، والقيّم بأموركم ومن تجب طاعته عليكم.

وهذا هو معنىٰ الإمام بقوله: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ، المراد به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لأنه كان قد تصدق بخاتمه وهو راكع في الصلاة.

وما يدل أن قوله: «وليكم» يردا بها الأولىٰ ، وإن كل من كان ولياً الأمر ومتحققاً بتدبيره فهو وليه وأولىٰ به.

وردّ الكراچگي علىٰ من أنكر، بأن المراد من هذه الآية هو أمير المؤمنين بقوله: الدليل علىٰ ذلك نقل أصحاب الحديث من الفريقين أنها نزلت في أمير المؤمنين، وأنه الذي تصدق بخاتمه علىٰ السائل، وهو راكع، ولم يخالف في ذلك إلّا من نشأ من متكلمي ذي المتكلمين، وليس الإنكار يقوم مقام الإقرار، ولا مجرد النفي بقادحٍ في الإثبات، وإذا اتفق علىٰ رواية شيء أهل النقل جميعاً كان ذلك حجة من له تمييز وعقل.

وقد أحصىٰ الشيخ الأمين (ت: 1390 هـ) في الغدير، ستة وستين مصدراً من مصادر العامة، ذكرت نزول هذه الآية المحكمة في حق أمير المؤمنين وبإتفاق المفسرين علىٰ ذلك.

وأبطل الكراچگي المزاعم التي قالت: كيف يصح وحكم هذا؟ وقد روي أن الآية نزلت بحق عبد الله بن سلام، بقوله: «يصحُ لنا ذلك من حيث أن هذه رواية واحدة، وأخبار الآحاد لا تزيل الاتفاق إلىٰ الحاصل في جملة الأخبار، والقول الشاذ لا يقدح في الإجماع». واشار الكراچگي كذلك بأنه عبر عنه في الآية بلفظ الجمع للتفخيم والتعظيم، فإنه يعبر عن الواحد لفظ الجمع إذا كان معظماً عالي الذكر نظير قوله تعالىٰ:  إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

وقد علمنا أن الله قد أرسل نوحاً وحده، وأنزل الذكر وحافظه وأيد ذلك الزمخشري (ت:538هـ) في الكشاف بعد التنصيص علىٰ نزولها في علي فقال: «إنّما جيء به علىٰ لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ليرغب الناس في مثل فعله وليبينه علىٰ سجية المؤمن يجب أن يكون علىٰ هذه الغاية من الحرص علىٰ البر والإحسان».

وإذا تبيّن أن المعنىٰ الحقيقي المتعين هنا هو الأولوية وولاية الأمر قلنا أن الآية الشريفة حصرت هذه الولاية بالذات المقدسة الثلاثة الله ورسوله والمتصدق في ركوعه بكلمة (إنّما) المفيدة للحصر باتفاق أهل اللغة العربية، وهي شاهدة بصحة التخصيص ونفي المثبت عن من سوىٰ المذكويين.

وهذا ما ذكره الطبرسي (ت: 548 هـ) بقوله: «لفظة إنّما مخصصة لما أثبت بعدها، نافية لما لم يثبت... وقالوا إنّما السخاء حاتم، يرون نفي السخاء عن غيره ولتقدير، إنّما السخا سخاءُ حاتم».

فهذه الآية الكريمة أوضح الأدلة، وأجلى البراهين علىٰ أن الإمام والحجه والولي الذي عينه الله تعالىٰ هو أمير المؤمنين.

ثانياً: السنّة النبويّة:

وردت في السنة النبوية الأحاديث الشريفة الدالة علىٰ إمامة الهداة الإثني عشر أكثر من أن تحصىٰ إلّا أننا نتيمن منها ما ذكره الكراچگي في كتبه التي قسّمها علىٰ قسمين: أحدها أفعال والآخر أقوال.

فأما النص بالأفعال من رسول الله فهو ما خص به أمير المؤمنين دون الناس أجمعين وتميز به عن سائر الأمة في الدنيا والدين من التفضيل بالإجلال والتعظيم وهي: 

1- مؤاخاته له:

إذ أن ابرز الأحاديث التي استدل بها الكراچگي علىٰ صحة النص علىٰ إثبات إمامة أمير المؤمنين من قول النبي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلّا أنه لا نبيّ بعدي».

فأوجب له منازل هارون من موسىٰ جميعاً إلّا ما خصه العرف من الأخوة، واستثناه من النبوّة، وذلك موجب له الخلافة والإمامة، وكاشف عن استحقاقه علىٰ الكافة فضل الطاعة.

وما يدل  علىٰ صحة هذا الخبر تواتر الشيعة به تواتراً يقطع الاعذار، وروايات أكثر أصحاب حديث العامة له في الصحيح عندهم من مسند الأخبار. 

«وتلقىٰ الكافة له مع ذلك بالتسليم والإقرار، ضمن شيعي يحتج به وناصبي يتأوله» .

ومن الواضح في هذا الحديث أنه اراد بقوله: «أنت مني بمنزلة هارون من موسىٰ» منازله جميعاً منه علىٰ العموم، وإن عبر عن ذلك بلفظ التوحيد. وأبطل الكراچگي من ادعىٰ أن المراد به منزله واحده، وهم نفر يسير بقوله: «ما يدل علىٰ فساد قول من قصر علىٰ منزله واحده، وجود الاستثناء الظاهر فيه الذي لا يصح ايراده إلّا والمستثنىٰ منه أكثر من واحد، لأن الاستثناء هو إخراج بعض من جملة، لو لم يستثنىٰ لدخل فيها، والخصلة الواحدة لا يصح هذا فيها».

وأما ما ورد الخبر بلفظ التوحيد في هذا المكان من حيث اعتقدوا أن كثرة المنازل والرتب المختلفة، وقد حصل جميع ذلك كالمنزلة الواحدة التي هي جملة، وإن تفرعت إلىٰ أشياء عدّة، فعبروا عنها بلفظ التوحيد اتساعاً لهذه العلة.

وأثبت الكراچگي بأن الحديث يراد منه أن الخلافة الواجبة لأمير المؤمنين بنص رسول الله تجب له بعده بغير فصل، لوجوه منها:

أ – لاستحقاقه الخلافة بعد رسول الله بهذا الخبر لأن هارون لو بقي لكان خليفة لموسىٰ من بعده ويليه من غير فصل.

ب- قول النبي: «إلّا أنه لا نبيّ بعدي» وبهذا الحديث يتضح نفيه للنبوة بعده لا يتخصص بزمان دون زمان، بل يعم جميع الأوقات والأحوال، فيجب أن يكون الثابت لأمير المؤمنين في الخبر عاماً في جميع الأوقات، غير مخصص بحال دون أخرىٰ فهو الخليفة بعده علىٰ الفور.

2- إنكاحه لسيدة نساء العالمين ابنته.

3- إنه لم يؤل عليه أحد قط من أصحابه من جيش إلّا وجعل علياً المتقدم فيه علىٰ جميع من معه.

4- إنه لم ينقم عليه مع طول الصحبة وتراضي المدة.

5- ولا أنكر منه فعلاً.

وما دلت هذه الأفعال المفضلة له علىٰ من سواه واستحقاقه الإمامة علىٰ الأنام ونبهت علىٰ أنه أولىٰ بالمقام.

ثانياً: الأقوال:

أما الأقوال علىٰ إمامة أمير المؤمنين فتنقسم علىٰ قسمين:

أ – النص الجلي: الذي علم سامعوه من رسول الله منه بالظرورة منها قوله: «سلّموا علىٰ عليّ بإمرة المؤمنين».

وقوله: «هذا خليفتي فيكم من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا».

ب – النص الخفي: الذي لا يقطع علىٰ أن سامعيه من الرسول علموا النص بالإمامة منه اضطراراً.

كقوله: «فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله».

فقد اعترف المؤآلف والمخالف حتىٰ الخوارج والنواصب بصحته وتواتره والتسالم عليه.

فقال البدخشي (ت: 1126 هـ): «هذا حديث صحيح مشهور لم يتكلم في صحته إلّا متعصب جاحد ولا اعتبار بقوله».

ونقل الغزالي (ت: 505 هـ): «أجمع الجماهير علىٰ متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: «من كنت مولاه فعلي مولاه» فقال عمر: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن فقد أصبحت مولاي ومولىٰ كل مؤمن» فهذا تسليم ورضىٰ وتحكيم».

وجاءت نصوص الحديث الخاصة في ثلاثة وأربعين حديثاً، ومن طريق العامة في تسعة وثمانين حديثاً وردت أسانيدها في غاية المرام وغيرها.

وألّف الكراچگي كتاباً خاصاً بحديث الغدير «النص بخبر الغدير علىٰ إمامة أميرالمؤمنين ».

وأورد الحجة الكافية علىٰ صحة هذا الحديث لأن العلماء كافة قد تلقوه بالقبول وتناولوه بالتسليم، فمن شيعي يحتج به من صحة النص بالإمامة، ومن ناصبي يتأوله، ويجعله دليلاً علىٰ فضيلة ومنزلة جليلة، كونه قد ورد بالاسانيد المتصلة، ورواه أصحاب الحديث من الخاصة والعامة من طريق في الروايات كثيرة فقد اجتمع فيه الحالان وحصل له البيان.

ورد الكراچگي علىٰ مزاعم السجستاني (ت:275هـ) من إنكاره له وعلىٰ الجاحظ (ت:255هـ) من طعنه في كتابه العثمانية. بقوله: أنه قول شاذ وهذا ليس بقادح في الاجماع الحاصل علىٰ صحته، والرأي المستحدث لو أبطل مقدَّم الاتفاق، لم يصح الاحتجاج بالإجماع، ولا يثبت التعويل علىٰ اتفاق. وأضاف الكراچگي برده علىٰ الجاحظ بقوله: أما الجاحظ فهو معروف في تصنيفاته المختلفة وأقواله المتضادة المتناقضة، وتأليفاته القبيحة في اللعب والخداع، وأنواع السخف والمجانة الذي لا يرتضيه لنفسه ذو عقل وديانة.

أما الخوارج الذين هم أعظم الناس عداوةً لأمير المؤمنين فليس يحكي عنهم صادق دفعاً للخبر.

أما الحجة علىٰ أن لفظة مولى يحتمل أولى، وأنها أحد أقسامها فليس يطالب به منصف كان له أدنىٰ اطلاع في اللغة، حيث نقل أبو عبيد معمر بن المثنىٰ (ت: 211 هـ) في كتاب المجاز: «أن معنىٰ مولاكم: أولى بكم».

وقال المبرّد في كتاب العبارة: «أصل الوليّ: الذي هو أولىٰ؛ أي: أحق ومثله الولي».

وذكر الزبيدي (ت: 1205 هـ) عن ابن الاعرابي: «أن الولي هو الذي يلي عليك أمرك».

أما ابن الأثير (ت: 606 هـ) فنقل في النهاية: «كأنّ الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ما لم يجتمع ذلك فيه لم ينطلق عليه اسم الولي».

ثم ذكر الحديث: «من كنت مولاه فعلي مولاه» ونص بكلامه علىٰ الآتي: «وقال الشافعي: يعني بذلك ولاء الإسلام كقوله تعالىٰ: ذَلِكَ بِأنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأنَّ الكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ».

ونقل ابن منظور (ت: 711 هـ) عن الفرّاء (ت: 207 هـ) قوله: «أن الولي والمولى واحد في كلام العرب».

وهو أيضاً ما ذكره القاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) بقوله: «... «من كنت مولاه» والمولى والاولىٰ في اللغة وعرف الشرع واحد، قال تعالىٰ: فَإنَّ اللّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِـحُ المُؤْمِنِينَ».

وهذا ما ذكره الكراچگي بقوله: «أن لفظة مولى في اللغة تحتمل عشرة أقسام: أولها الأولىٰ، وهو الأصل الذي يرجع إليه جميع الاقسام الأخرىٰ وهي: مالك الرق المعتِق، المعتَق، ابن العم، الناصر، المتولي، الحليف، الجار ، الإمام السيد المطاع، لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من كان لذلك مولاه، والمعتَق لما كان أولى بمعتقه في تحمله لجريرته، والعتق به من غيره كان مولاه» .

والأقسام الأخرىٰ جارية هذا المجرىٰ، وما هي إلّا مجازات، يلاحظ فيها المناسبة للمعنىٰ الأول.

واستند الكراچگي علىٰ أن المراد بها في خبر الغدير الأولى دون ما سوى ذلك من أقسامها بقوله: أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أورد جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم به التصريح ولغيره فإنهم لا يريدون بالمحتمل إلّا ما صرحوا به من الخطاب المتقدم.

فما جاء في لفظ الحديث من تفريع قوله: «... فعلي مولاه» بحرف العطف «الفاء» العاطفة التي يبتدأ بها الكلام، يقتضي تفريع هذا علىٰ ما جاء في صدر الحديث الذي قرّر فيه النبي ولاية نفسه بقوله: «من كنتم مولاه...» الذي يراد به أولويته علىٰ الناس وفرض طاعته وإمامته عليهم، بلا ريب.

وقدم الكراچگي الحجج القاطعة علىٰ دلالة لفظة (أولىٰ) علىٰ معنىٰ الإمامة والرئاسة علىٰ الأمة بقوله: إنا نجد أهل اللغة لا يصفون بهذه اللفظة إلّا من كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولىٰ به، ويصرفه وينفذ فيه أمره ونهيه، وأنهم يقولون: أن السلطان أولىٰ بإقامة الحدود من الرعية، والمولى أولىٰ بعبده، والزوج أولى بإمرأته.

وقد أجمع المفسرون علىٰ أن المراد بقوله سبحانه: النَّبِيُّ أوْلَى بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أنْفُسِهِمْ، أنه أولى بتدبيرهم والقيام بأمورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم، وزيادة علىٰ ذلك، أن أي واحدٍ من المعاني الأخرىٰ المستعمل فيها المولى لا تناسب بوجه مقام كلام النبي. وذلك أن أمير المؤمنين لم يكن مالكاً لرقٍ كل من ملك رسول الله رقه، ولا معتقاً لكل من أعتقه فيصح أن يكون أحد هذين القسمين المراد، ولا يصح أن يريد المعتق لا ستحالة هذا فيهما علىٰ كل حال.

ولا يجوز أن يريد ابن العم والناصر، فيكون قد جمع الناس في ذلك المقام وشدة الحر، ويقول لهم من كنت ابن عمه فعلي ابن عمه، أو من كنت ناصره فعلي ناصره.

ولا يصح أيضاً أن يريد من كنت جاره فعلي جاره، لأن ذلك لا فائدة فيه، وهكذا بطلان الاقسام الأخرىٰ، ولم يبقَ إلّا أن يكون قصده ما كان حاصلاً له في تدبير الأنام وفرض الطاعة علىٰ الخاص والعام، وهي رتبة الإمام.

أما الذين غلطوا فقالوا: إن السبب في ما قاله رسول الله في يوم الغدير، إنّما هو كلام جرى بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة، فقال علي لزيد: «تقول هذا وأنا مولاك؟»، فقال له زيد: لست مولاي، إنّما مولاي رسول الله فوقف يوم الغدير فقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه» إنكاراً علىٰ زيد وإعلاماً له أن علياً مولاه.

فانهم قد فضحهم العلم بأن زيداً قتل مع جعفر بن أبي طالب في أرض مؤتة قبل يوم غدير خم بمدةٍ طويلة من الزمان، وغدير خم إنّما كان قبل وفاة النبي بنحو ثمانين يوماً.

وما يبطل قولهم أيضاً ما نقله الفريقان أن عمر بن الخطاب قام يوم غدير خم فقال: «بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن ، أصبحت مولاي ومولىٰ كل مؤمن ومؤمنة».

2- حديث المؤاخاة: وقد سبق بيان هذا الحديث مفصلاً.

ومن لاحظ اخبار الغدير، والمنزلة ونصوصهما الجليلة مما لا يبقىٰ معها مجال لأدنىٰ شك، وأقل ريب في هذه الحقيقة التي هي أظهر من الشمس، وأبين من الأمس، وبعد كلماتهم الدريّة وبعد اعتراف جميع البرية من المؤآلف والمخالف، وهذان الحديثان يكفيان في الاستدلال مع أن بجنبيهما الأحاديث القطعية المتواترة الاخرىٰ المتفق عليها بين الفريقين كحديث الثقلين، وحديث المؤاخاة، وحديث السفينة وحديث العشيرة وغيرها. مما يحصل معها القطع واليقين بانحصار الإمامة في أهل البيت الطيبين (صلوات الله عليهم أجمعين).

الطريقة الثانية: الأدلة العقلية:

العقل يحكم بقبح تقديم المفضول، ولزوم تقديم الأفضل، حتىٰ لا يلزم ترك اوانحطاط لمرتبة الفضل والفضيلة. ومن الواضح عدم استواء مرتبة من يعلم ومن لا يعلم، لقوله تعالىٰ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ، وإن العقل حاكم بتقديم الأعلم.

وأهل البيت في كمال العلم والعصمة من الآثام نظير الأنبياء وأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله.

وبهذا هم الأفضل والأعلم، والأولىٰ للإمامة بحكم العقل، واعتراف الخصماء حيث سئل الخليل بن أحمد الفراهيدي: ما الدليل علىٰ أن علياً إمام الكل في الكل؟ فأجاب: «لاحتياج الكل إليه. واستغنائه عن الكل».

2- في إمامة الأحد عشر:

قد سبق أن الإمامة هي امتداد للنبوة، واحتياج الخلق إلىٰ الإمام، وثبت تنصيبه بيد الخالق، وهذا ما لا يعتريه شك في كون الأئمة صفوة الخلق اختارهم الله تعالىٰ للإمامة، واختارهم للخلافة، وعينهم للوصاية هم الأئمة الإثنا عشر.

أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، الذي سبق بيان الأدلة القاطعة علىٰ إمامته. ثم الإمام الحسن المجتبىٰ، ثم الإمام الحسين، ثم الإمام السجاد علي بن الحسين، ثم الإمام الباقر محمد بن علي، ثم الإمام الصادق جعفر بن محمد، ثم الإمام الكاظم موسى بن جعفر، ثم الإمام الرضا علي بن موسى، ثم الإمام الجواد محمد بن علي، ثم الإمام الهادي علي بن محمد، ثم الإمام العسكري الحسن بن علي، ثم خاتمهم الإمام الثاني عشر والولي المنتظر الحجة ابن الحسن المهدي صلوات الله عليهم.

وقد دل علىٰ ذلك الدليل القاطع والبرهان الساطع، كتاباً وسنة وعقلاً، فذكر الله تعالىٰ في كتابه المجيد قوله: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطِيعُوا اللّهَ وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ.

حيث أشار الكراچگي أن أولي الأمر من هذه الآية هم الأئمة الابرار، من أهل بيت الرسول المصطفين صلوات الله عليهم. وهم أفضل العلماء قدراً وأعلاهم منزلة، وأشهرهم ذكراً، وإن من أطاعهم فقد أطاع الرسول وأطاع الله، والأئمة معصومون بالإجماع فيكونون هم المرادون في الآية الكريمة.

وروىٰ الكليني (ت: 328 هـ) عن أبي بصير قال: سألنا الإمام الصادق عن قوله تعالىٰ:وَأطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُوْلِي الأمْرِ مِنْكُمْ، فقال: «نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين..» .

وقوله تعالىٰ: إنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَـيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فقد روىٰ المخالف، والمؤآلف بأسانيد عديدة، وطرق شتىٰ إنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين. وهذه الآية دالة علىٰ عصمتهم من الأرجاس والمعاصي جميعاً، وغيرهم ليس بمعصوم اتفاقاً فتكون الإمامة فيهم.

وأضاف عبد الحسين شرف الدين (ت: 1377 هـ) أنه يكفي آية التطهير في دلالتها لإمامة أهل البيت المعصومين في بيانها إمامتهم من قبل ربّ العالمين. وأن الآيتيين السابقتين جزء يسير من الآيات الباهرة والكثيرة الدالة علىٰ إمامة الأئمة.

أما الأحاديث الشريفة الدالة علىٰ إمامة الهداة أكثر من أن تحصىٰ فقد ذكر الكراچگي منها في كتاب الاستنصار من روايات العامة منها:

ما رواه جابر الأنصاري فقال: قلت: يا رسول الله فما عدّة الأئمة؟ فقال: «يا جابر سألتني رحمك الله عن الإسلام بأجمعه، عدتهم عدّة الشهور وهي إثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض وعدتهم عدّة العيون التي انفجرت لموسىٰ بن عمران حين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشر عيناً، وعدتهم عدّة نقباء بني اسرائيل... فالأئمة يا جابر عدّتهم إثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم»...».

وما روي عن عبد الله بن عمر بن الخطاب أنّه قال: قال رسول الله لعلي بن أبي طالب: «أنا نذير أمتي وأنت هاديها والحسن قائدها والحسين ساقيها وعلي بن الحسين جامعها ومحمد بن علي عارفها وجعفر بن محمد كاتبها وموسى بن جعفر محصيها وعلي بن موسىٰ معبرها ومنجيها وطارد مبغضيها، وهدي مؤمنيها ومحمد بن علي قائمها وسائقها، وعلي بن محمد سائرها وعاملها والحسن ناديها ومعطيها، والقائم الخلف شافعها وناشدها».

وأضاف الكراچگي علىٰ ذلك بنقل النصوص التي أفاضت القول بالنص علىٰ الائمة صلوات الله عليهم قبل بعثة النبيّ محمد، وما موجود في السفر الاول من التوراة من بشارة الله تعالىٰ خليله إبراهيم لولده اسماعيل حيث قال بعد ذكر إسحاق: وأما إسماعيل فقد سمعت دعائك فيه وقد باركته وسأثمره وأكثره، جداً جداً، وأجعل منه اثني عشر شريفاً يولد، وأجعله حزباً عظيماً.

وهذا نص واضح من الله تعالىٰ علىٰ ساداتنا صلوات الله عليهم وأبانةٌ عن تشريف منزلتهم وعلو قدرتهم، ووجوب رئاستهم.

*    *    *

 


المبحث الرابع

صفات الإمام

بعد أن انتهىٰ البحث من أن الإمامة منصب رباني كخلافة رسول الله رب العالمين والإمام هو من يقوم بوظائف رسول الله - ما عدا تلقي الوحي والإتيان بالشريعة – بديهي أن تكون له صفات يلزم توافرها فيه، وإلّا لكان كل واحدٍ نائلاً لكل منصب، وهو خلاف السداد ومن هذه الصفات:

1- العصمة.

سبق وأشار البحث إلىٰ معنىٰ العصمة لغة واصطلاحاً في فصل النبوة. واثبت عصمة الأنبياء، فالنبي المعصوم لا يوصي إلّا لمعصوم مثله، والإمام هو وصي رسول الله. ومثلما مهمة النبيّ تحتاج إلىٰ عصمة، كذلك مهمة الإمام التي هي امتداد لمهمته تحتاج لعصمة، ولو لم يكن الإمام معصوماً لتساوىٰ مع بقية الناس، وهذا ما أجمعت عليه الإمامية قاطبة، لقولهم بالنص – في تعيين الإمام – واوفقهم الإسماعيلية في ذلك، كون الإمام الواسطة بين الله وبين خلقه، ويقول الإمام علي: «إن كبار حدود الله الإمام المفروض الطاعة أن يعلم أنه معصوم من الخطأ والزلل والعمد من الذنب كلّها صغيرها وكبيرها،...».

وخالفت الفرق الاسلامية الأخرى بوجوب عصمة الإمام. لأن الإمامة عندهم بمعنى الحكومة، ولا معنىٰ للقول بعصمة الحاكم وعدم خطئه، وقد استدلوا علىٰ ثبوت ذلك بخلافة أبي بكر مع كونه غير واجب للعصمة.

أما الكراچگي فلم يخرج عن الإمامية في ذلك، وقدم الأدلة القطعية علىٰ وجوب عصمة الإمام وهي:

الدليل الأول: أن علة الحاجة إلىٰ الإمام أن يكون لطفاً للرعية في الصلاح ليصدها عن ارتكاب القبائح والفساد، ويردها إلىٰ فعل الواجب والسداد، فمن جاز منه القبيح وفعل غير الجميل كان فقيراً محتاجاً إلىٰ إمام متقدم عليه، ويمنعه مما هو جائز منه ويأخذ علىٰ يديه، ويكون الكلام في إمامته كالكلام فيه، حتّىٰ يؤدي ذلك إلىٰ المحال من وجود أئمة لا يتناهون.

الدليل الثاني: أن الإمام قدوة في الدنيا والدين واتباعه مفترض من رب العالمين، فوجب أن لا يجوز الخطاء والزلل عليه وإلّا كان الله تعالىٰ قد أمر باتباع من يعصيه، ولولا اسحقاقه العصمة لكان إذا ارتكب المعصية يتضاد مع التكليف علىٰ الأمة وتصير الطاعة منها معصية، والمعصية طاعة، وذلك أنها مأمورة باتباعه ولا قتداء به، فمتى اتبعه في المعصية امتثالاً للمأمور من الاقتداء لكانت من حيث الطاعة عاصية لله سبحانه، ومتىٰ خالفته ولم يقتد به طلباً لطاعة الله تعالىٰ كانت أيضاً عاصية لمخالفتها لمن أمرت بالاقتداء به واتباعه وهذا يدل العاقل علىٰ أن القدوة المتبع هو من عُرف الحق به وبقوله وبفعله وجميع ذلك دلالة علىٰ عصمته.

وزيادة علىٰ ذلك نقل الكراچگي الأحاديث الدالة علىٰ وجوب عصمة الإمام علي منها:

1- ما روي عن رسول الله قال: «أخبرني عن كاتبي عليّ أنهما لم يكتبا علىٰ عليّ ذنباً مُذ صحباه».

2- وروىٰ عمار بن ياسر قال: سمعت النبي يقول: «إن حافظي علي يفتخران علىٰ سائر الحفظة بكونهما مع علي ذلك أنهما لم يصعدا إلىٰ الله بشيءٍ منه فيسخطه».

2- الأفضلية:

يقول السيد المرتضىٰ أن الإمام يجب أن يكون أفضل الرعية، وهذا ما اتفقت عليه الإمامية وخالف فيه الجمهور، فجوزوا تقديم المفضول علىٰ الفاضل وهو قبيح عقلاً وسمعاً. لأن  العقل لا يسمحُ تقديم المفضول علىٰ الفاضل ورفع مرتبة المفضول وخفض مرتبة الفاضل، وكذلك ما دل عليه قوله تعالىٰ: أفَمَنْ يَهْدِي إلَى الحَقِّ أحَقُّ أنْ يُتَّبَعَ أمَّنْ لا يَهِدِّي إلا أنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ.

وقوله تعالىٰ: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ اُوْلُوا الألْبَابِ.

وعليه فإن شرط الأفضلية من مختصات الإمامية. أما الأشاعرة والمحدثون من أهل السنة ذهبوا إلىٰ أن المتقدم من الخلفاء الأربعة أفضل من المتأخر، اعتمادً علىٰ بعض المرويات عندهم لكنّهم لا يعتبرون الأفضلية شرطاً في الخلافة، لأن أمر الإمام عندهم يرجع إلىٰ الأمّة وحدها.

وهو ما ذهب إليه المتقدمون من المعتزلة إلّا واصل بن عطاء (ت: 131 هـ) فإنه يفضل أمير المؤمنين علي ولذلك سموه شيعياً.

أما المتأخرون من المعتزلة فقد إدّعىٰ ابن أبي الحديد (ت: 656 هـ) أنهم يقولون بافضلية علي علىٰ أبي بكر وعمر.

وأكد القاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) بأفضلية الإمام علي بقوله: «والذي يدل علىٰ ذلك الآيات والأخبار المروية في علي نحو خبر الطير وخبر المنزلة وغيرها».

وقد ألّف الكراچگي كتاباً خاصاً في ذلك بيّن فيه أفضلية الإمام علي علىٰ البرية كافة سوىٰ نبينا محمد أسماه «التفضيل»(*).

وزيارة علىٰ ذلك فقد أورد في كتاب «التعجب» فصلاً كاملاً يتعجب فيه من أغلاط العامة في تقديم إمامة المفضول علىٰ الفاضل وهذا يخالف العقول. حيث أنهم قصدوا إلىٰ من اعترفوا بأنه أشرف الأمة وأفضلها وأوسعها علماً وأنه البصير بسياستها... مبرزاً في الفضائل عليها، وقد جعل الله أعماله أعلىٰ وأفضل من أعمالها، فمنعوه أعلىٰ المنازل وأشرف الرتب وأفضلها وهي منزلة الإمامة التي تليق به ويليق بها. وبهذا يشهد الأعداء والعقل بأفضلية الإمام علي حيث ذكر الذهبي (ت: 748 هـ) عن أحمد بن حنبل، قال: «ما ورد في أصحاب رسول الله من الفضائل ما ورد لعلي بن أبي طالب».

وما يعجب به اعتذارهم لتقديم المفضول علىٰ الفاضل وقولهم: أن العاقدين خافوا أن يلي الفاضل، فيرتد إلىٰ الكفر قوم منهم لما في نفوسهم من الاحقاد وما بينه وبينهم من الطوائل فوجب تأخيره، وتقديم من هو دونه ليؤمن في وقوع هذا الحال، وتسكن نفوس من يخاف الارتداد، وباعتذارهم هذا قد اجمعوا معنا ولم يخالفونا بأفضلية مولانا الإمام علي.

لكن حقدهم الدفين جعلهم يولوها إلىٰ المفضل دون الفاضل، وهذا من الظلم والجور وأعقب الكراچگي علىٰ اعتذارهم هذا وتفنيده بذكره أن الله عالم بكفر قوم موسى إذا قدم أخاه هارون ويتخذون العجل إلهاً من دون الله تعالىٰ، ولم ينهه عن تقديمه، وإنّما فعل الأفضل في حكمته، وليس لهم أن يفعلوا فإن الامتحان هو إلىٰ الله دون العباد وتقديمهم الفاضل وهذا الحال امتحان، لأن هذه العلة تسقط من أيديهم من حيث أن الله هو الدال علىٰ وجوب تقديم الفاضل بدليل العقل والسمع.

وزيادة علىٰ ذلك فقد ردّ الكراچگي علىٰ المعتزلة التي قالت كيف يفضل من ليس بنبي نبياً.

يقول: «ليس ببعيد تفضيل من ليس بنبي علىٰ من هو نبي في العقل إذا لم يجمعهما زمان، وإذا اجتمعا أيضاً ولم يكن الفاضل رعية للمفضول ومعرفة الحق من ذلك موقوفة علىٰ الدليل». وهذا ما صرّح به القاضي عبد الجبار المعتزلي في كتابه المغني، في كلامه علىٰ الإمامة حيث قال: ومن قولنا أن الرسول يجوز أن يكون مفضولاً، وأن يكون مساوياً لغيره في الفضل، وإنما يرجع الكلام إلىٰ السمع في أنه أفضل بعد أن يصير رسولاً، ولولا السمع لكنا نجوز أن يكون هو الأفضل، وأن يكون في أمته من يساويه في ذلك، وقوله هذا يؤكد من هو ليس بنبي علىٰ من هو نبي.

وجلّ رواياتهم تؤكد ذلك أيضاً حيث ادعوا أن النبي قال: «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة» مع علمهم أن الجنة فيها آدم ونوح وابراهيم... ومحمد ففضلوهما علىٰ هؤلاء الأنبياء بهذا القول. وقد ساق الكراچگي كثير من الأدلة النقلية والعقلية لإثبات إفضلية الإمام علي:

الأدلة النقلية: 

1- قوله تعالىٰ: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنَا وَأبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأنْفُسَنَا وَأنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ.

فأمر سبحانه بأن يحضر لمباهلتهم في إثبات الحجة عليه أبنائه ونسائه ونفسه فأجمعت علىٰ أنه أتاهم ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين وأراد بقوله نسائنا فاطمة، وأنه عبر عنها بلفظ الجمع، وبقوله أنفسنا علي بن أبي طالب، وهذا علىٰ طريق التمثيل المقتضىٰ علو المنزلة من التفضيل وهو ما رواه الجمهور بطرق مستفيضة.

2- ما روي عن رسول الله قوله: «... انه لا خير في دين لا يكون فيه ركوع ولا سجود أما والذي نفسي بيده ليقيمن الصلوات وليؤتن الزكاة أو لأبعثن إليهم رجلاً هو مني كنفسي فليضربن أعناق مقاتليهم وليسبين ذراريهم هو هذا هو هذا»، ثم أخذ بيد علي فرفعها.

3- ومن ذلك ما أجمعت الأمّة عليه، ولم يختلف فيه من خبر المؤاخاة وهو أن رسول الله آخىٰ بين الصحابة وأختار علياً أخاً لنفسه من دون الناس أجمعين فعلم أنه أشبه الخلق به في مقتضى الشرع والدين وأشبه الخلق برسول الله هو أفضل من كل من فُضّل عليه رسول الله. وقد اتصلت كثير من الأدلة الأخرىٰ التي نقلها الكراچگي بتفضيل علي وأنه أخو رسول الله في الدنيا والآخرة.

الدليل العقلي:

العقل يحكم بقبح تقديم المفضول، ولزوم تقديم الأفضل، حتّىٰ لا يلزم خفض وانحطاط لمرتبة الفضل والفضيلة.

ومن المعلوم عدم استواء مرتبة من يعلم ومن لا يعلم، وأن العقل حاكم بتقديم الأعلم، ومن الأفضل والأعلم بحكم العقل والعقلاء هو علي ابن أبي طالب، وهو ما أكده الكراچگي بقوله: «أن إجماع الطائفة الذين هم علماء الشيعة الإمامية... علىٰ أفضلية علي وإجماعهم حجة يوجب العلم».

وهو ما اشار إليه السيد المرتضىٰ، وباعتراف الخصماء علىٰ ذلك أيضاً. ويدخل في هذا وجوب كونه اشجع الناس وأعفهم لرجوع الكمالات النفسانية إلىٰ الشجاعة والصفة التي مجموعها العدالة المطلقة.

3- الأعلمية.

اتفقت الإمامية. علىٰ تواتر شرط الاعلمية في الإمام، ولكن اختلفوا في دائرة الاعلمية وحددوها، وهم في ذلك فرقتان - كما يقول أبو الحسن الأشعري-: الأولىٰ منهم: ذهبت إلىٰ «أن الإمام يعلم كل ما كان وكل ما يكون ولا يخرج شيء عن علمه من أمر الدين ولا من أمر الدنيا».

وأما الفرقة الثانية – التي سنجد أن الكراچگي منسجماً معها – ذهبت إلىٰ «أن الإمام يعلم كل أمور الأحكام والشريعة، وأن لم يُحط بكل شيء علماً لأنه القيم بالشرائع والحافظ لها، ولما يحتاج الناس إليه؛ فأما ما لا يحتاج الناس إليه فقد يجوز أن لا يعلمه الإمام».

وهو ما عليه استاذه الشيخ المفيد من قبله أيضاً حيث يقول: «أن إجماع الشيعة ثابت علىٰ أن الإمام يعلم الحكم في كل ما يكون، دون أن يكون عالماً بأعيان ما يحدث، ويكون علىٰ التفضيل والتمييز... ولسنا نمنع أن يعلم الإمام أعيان الحوادث تكون باعلام الله تعالىٰ له ذلك، فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون، فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله لدعواه فيه في غير حجة ولا بيان».

وأوضح عبد الله شبر: (ت: 1242هـ) «بأن الإمام يجب أن يكون حافظاً للشرع عالماً بأحكام الله تعالىٰ جميعاً المودعة في كتابه لا نقطاع الوحي بموت النبي وقصور ما يفهمه الناس من الكتاب والسنة».

وفي ضوء هذا فإن الكراچگي أوجب أن يكون الإمام عالماً بما أسند إليه، ولا يجب أن يكون غير عالم بما ليس بمسند إليه وهذا ما أفاده في قوله: «وإنهم في كمال العلم والعصمة نضير الأنبياء... وأنه سبحانه أظهر علىٰ أيديهم الآيات،وعلمهم كثير من الغائبات والأمور المستقبلات، ولم يعطهم من ذلك إلّا ما قارن وجهاً يعمله من اللطف والصلاح«.

وبهذا يحكم العقل بأعلمية الإمام نظيراً لأعلمية الأنبياء وكونه حافظاً للشرع وحجة في الدين.

وأشار الكراچگي إليه بعد وجوب علم الإمام بما ليس بمسند إليه بقوله: «وليسوا عارفين بجميع الضمائر والغائبات علىٰ الدوام، ولا يحيطون بالعلم بكل ما علمه الله تعالىٰ».

وأفرد الكراچگي فصلاً في كتاب «التعجب» في أغلاط العامة في علم الإمام، حيث أنهم يقولون أن الإمام قدوة في الشريعة مع جواز جهله ببعضها... وأنه يرجع في بعضه الذي لا يعلمه إلىٰ الأمة، وبهذا يكون الإمام محتاجاً إلىٰ من هو يحتاج إليه، مقتدياً برعيته ويقتدون به، وهذا عند العقلاء من المناقضة القبيحة.

ومن عجيب أمرهم بأنهم ينكرون علم الإمام، ويروون عن النبيأنه قال: «ما ولّت أمة أمرها جاهلاً وفيهم [من هو] أعلم منه إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً، حتّىٰ يرجعوا إلىٰ ما تركوا» ، وبعد ذلك يولون الأمر للعاجز الناقص، ويتقدم الجاهل علىٰ العالم.

وكذلك يروون عن النبي أنه قال: «من تولى شيئاً من أمور المسلمين فولىٰ رجلاً شيئاً من أمورهم وهو يعلم مكان رجل هو أعلم منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين» ثم يعلموه مع ذلك أن أبا بكر وعمر لم يوليا عليا مع معرفتهما بكمال علمه.

وعلىٰ غرار ذلك كثير من الأغلاط والفضائح التي لا يسع المجال اذكرها.

التي أركنت العلم جانباً وسارت بما يخالف الدين ونصرته، العلم الذي نهله الإمام علي من النبي وهو القائل: «سلوني قبل أن تفقدوني، فإن بين ضلوعي علماً جماً»، إذن كيف يهديه إلىٰ الصواب عمر بن الخطاب؟! وعمر يقول بغير خلاف لما ردّه أمير المؤمنين عن مواضع ظهر منه الاغلاط: «لولا علي لهلك عمر».

*    *    *

 


المبحث الخامس

الغَيْبَة والظهور

ثبت فيما سبق أن الإمام المهدي هو الأمام الثاني عشر، وهو من خلفاء رسول الله وأوصيائه الذين ثبتت إمامتهم وخلافتهم بالنص الإلهي، وأنه من ولد فاطمة الزهراء، ومن ولد الحسين، وأنه حيٌّ موجود يخرج في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما مُلئت ظلماً وجوراً.

ولا يقتصر هذا الاعتقاد علىٰ الشيعة الإمامية فقط بل أن جميع المسلمين علىٰ أختلاف مذاهبهم، وطوائفهم يعتقدون به.

وأكد الكراچگي وجوده بنقله الأخبار والروايات التي تشهد علىٰ وجود الإمام الغائب، قوية إلىٰ الحد الذي لو أنكرها أحداً ، فيجب أن ينكر كافة الروايات المتعلقة بالشريعة الإسلامية.

ودل عليه بحجة العقل الشاهد في الجملة، بأن لابدّ من إمام معصوم في كل عصر. وقد مضى آباء صاحب الزمان بلا خلاف، ولم يبق من يستحق الإمامة سواه.

وعليه نقل أصحاب الحديث من أهل العامة والشيعة الإمامية خاصة كثيراً من الروايات التي تؤكد غيبة الإمام المنتظر # حيث نقل أحمد بن حنبل (ت: 241هـ) قول الرسول: «لا تقوم الساعة حتّىٰ تملئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثم يخرج رجل من عترتي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً».

ونقل أبو داود السجستاني (ت: 275 هـ) قول الرسول: «لا يزال هذا الدين قائماً حتّىٰ يكون عليكم إثنا عشر خليفة كلّهم تجتمع عليهم الأمة... كلّهم من قريش». وزيادة علىٰ ذلك قول رسول: «لو لم يبق في الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّىٰ يبعث فيه رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً» وغير ذلك من الروايات الأخرىٰ، التي صرّح عنها ابن تيمية (ت: 728 هـ) بقوله: «إن الأحاديث التي يحتج بها علىٰ خروج المهدي أحاديث صحيحة رواها أبو داود الترمذي وأحمد وغيرهم...» .

وما ذكره ابن خلدون (ت: 808 هـ) بقوله: «الذي يهلك قيصر وينفق كنوزه في سبيل الله هو هذا المهدي المنتظر...»، وأضاف الإسفرائيني (ت: 1188هـ) بقوله: «وقد كثرت الروايات بخروجه حتّىٰ بلغت حد التواتر المعنوي... فالإيمان بخروج المهدي واجب، كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة».

أما الروايات التي وردت في كتب الشيعة الإمامية، التي دلّت علىٰ غيبة الإمام المنتظر # أكثر من أن تحصى.

وزد علىٰ ذلك ما أشار إليه الكراچگي لوجود الإمام بأن السائل عن سبب الغيبة لا يسأل هذا السؤال إلّا من أعطىٰ صحة وجود الإمام، وسلَّم ما ذكره من غيبته من الأنام، لأن النظر في سبب الغيبة فرع عن كونها موجوده، فلا يجوز أن يسأل عن سببها من القول: أنها لم تكن، وكذلك الغيبة نفسها فرع عن صحة الوجود.

ومن الأدلة التي ذكرها الطوسي في ذلك أيضاً ما دل علىٰ أن الأئمة اثنا عشر فهذا دال علىٰ صحة ولادته لأن العدد لا يكون إلّا لموجود.


- إثبات إمامته - 

«إن ما يدل علىٰ صحة إمامته وإثبات غيبته ظاهر لمن نظر، قاطع لعذر من اعتبر، بين لمن تأمله، قريب لمن تناوله».

وهذا مبني علىٰ أصلين، يشهد العقل بهما ويدل عليهما أحدهما: وجوب الإمام في كل زمان، والآخر: كونه معصوماً من السهو والخطأ والنسيان، فإذا علم المتأمل صحة هذين الأصلين وثبتا عنده بواضح الدليل ثبت له عقيبهما صحة الإمامة والغيبة. وهذا ظاهر لا لبس فيه فعلم بذلك صحة إمامته.

وبهذه الحجة تثبت إمامة ساداتنا جميعاً، لأن وجوب الإمامة وثبوت العصمة لرئيس الأمّة مع ما علمناه من تعري الكافة من هذه الخصلة ساق إلىٰ الإقرار بإمامة الإثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) ومانع للعقل من الإنصراف عنهم.

وهذه الأدلة القاطعة تثبت إمامة الإمام المنتظر، وتبطل الأقاويل والمزاعم الباطلة التي أصدرها أعداؤهم وأوجزها الشيخ الطوسي (ت: 460هـ) بقوله: «... وجدنا أن الأمة بين أقوال: بين قائل يقول: لا إمام، فما ثبت من وجوب الإمامة في كل حال يفسر قوله. وقائل يقول: بإمامة من ليس بمقطوع علىٰ عصمته، فقوله يبطل بما دللنا عليه في وجوب القطع علىٰ عصمة الإمام ومن ادّعىٰ العصمة لبعض من يذهب إلىٰ إمامته فالشاهد يشهد بخلاف قوله، لأن أفعالهم... تنافي العصمة. ومن أدعيت له العصمة وذهب قوم إلىٰ إمامته كالكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية، والناووسية(*) القائلين بإمامة جعفر بن محمد، وأنه لم يمت والواقفية(**) الذين قالوا أن موسىٰ بن جعفر لم يمت فقولهم باطل». وببطلان هذه الأقاويل ثبتت إمامة الإمام المنتظر وكونه أفضل الأئمة بعد الإمام الحسين، وهذا واضح في قول الكراچگي: «أفضل الأئمة بعد أمير المؤمنين، ولده الحسن، ثم الحسين وأفضل الباقين بعد الحسين إمام الزمان المهدي# ثم بقية الائمة بعده».

وزد علىٰ ذلك فقد نقل الكراچگي ما روي عن الرسول محمد قوله: «إن الله اختار من كل شيء شيئاً اختار من الأرض مكة، واختار من الأنعام إناثها، واختار من الغنم الصمأن، واختار من الناس بني هاشم، واختارني وعلياً من بني هاشم واختار مني ومن علي الحسن والحسين اثني عشر إماماً تسعة من ولد الحسين تاسعهم ناطقهم وهو ظاهرهم وهو أفضلهم وهو قائمهم».

مناقشة الكراچگي للحكمة من غيبة الإمام:

ذهب الكراچگي عند السؤال علىٰ أسباب الغيبة أنه ليس يلزمنا معرفة هذا السبب ولا يتعين علينا الكشف عنه، ولا يضرنا عدم العلم به، وإن لم يُعلم هذا السبب علىٰ وجه التفصيل، ويثبته الكراچگي هذا أيضاً من أصول الشريعة عن السبب في إيلام الاطفال وخلق الهوام، والمسمومات من الحشائش، والأحجار ونحو ذلك مما لا يحيط أحدٌ بمعرفة معناه.

فالواجب أن نعتقد أن الامام الوافر المعصوم الكامل العلوم، لا يفعل إلّا ما هو موافق للصواب، وإن لم نعلم الاغراض في أفعاله والأسباب سواء ظهر أو استتر.

ويلزمنا التمسك بالأصل من تصويبه من كل فعل، لأن ثبت عندنا وعند مخالفينا إصابة رسول الله في جميع أقواله وأفعاله، والتسليم له والرضا بما يأتي منه، وإن لم نعرف سببه.

إذن ما هو الوجه في علة استتاره؟

يجيب الكراچگي عن ذلك «بأن السبب في غيبة الإمام إخافة الظالمين له، وطلبهم بسفك دمه، وإعلام الله أنه متىٰ أبدىٰ شخصه لهم قتلوه، ومتىٰ قدروا عليه أهلكوه».

»وهنا فإن علّة استتاره خوف الإمام علىٰ نفسه من القتل وهذه من الأمور التي هي مردودة إليه ومعول في تدبرها عليه فإنما يلزمه القيام بها بشرط التمكن والقدرة، وعدم المنع وإزالة المخافة علىٰ النفس والمهجة، فمتىٰ لم يكن ذلك فالتقية واجبة، والغيبة عند الأسباب الملجئة إليها لازمة، وهو في ذلك كاستتار النبي في غار حراء، ولم يكن لذلك سبب غير المخافة من الأعداء«.

وأما في امتداد غيبته وتطاولها عبر الزمان، فالكراچگي  لا يرىٰ هنالك فارقاً بين أن تكون طويلة أو قصيرة ما دامت العلة الموجبة لها حاصلة. فيقول: «ليس القصر والطول في الزمان يفرق في هذا المكان، لأن الغيبتين كلتيهما سببهما واحد، وهي المخافة من الأعداء، فهما في الحكم سواء، وإنما قصر زمان إحداهما لقصر مدة المخافة فيها، وطول زمان الأخرىٰ لطول زمان المخافة».

ويتضح من هذا بجواز الاستتار ولو يوماً واحداً لعلة جاز الاستتار الطويل مع استمرار العلة فلا فرق بين الطول والقصر.

وزيادة علىٰ ذلك فقد أجاب الكراچگي علىٰ تسائل عن الفارق بين استتار الإمام وظهور آبائه وعن ذلك عبر التفريق بين حالة المهدي وحالة آبائه فوجدها تفترق عنهم من ناحيتين: 

الأولىٰ: أن خوف إمامنا أعظم من خوف آبائه وأكثر، والسبب في ذلك أنهم لم يروا عن أحد من آبائه أنه يقوم بالسيف ويكسر تيجان الملوك، ولا يبقىٰ لأحد دولة سواه ويجعل الدين كلّه له فكان الخوف المتوجه إليه بحسب ما يعتقد من ذلك فيه، وتطلعت نفوس الأعداء إليه، وتتبعت الملوك أخباره الدالة عليه. أما آباؤه فلم ينسب إلىٰ أحدٍ من آبائه شيء من هذه الأحوال، لظروف زمانهم الخاصة التي حكمت عليهم تحركهم إذ أن سلوكيتهم قبل الإمام المنتظر تجاه الحاكم لم تكن مطبوعة بطابع الثورة والتحرك العسكري ضد الحاكمين.

أما الثانية: أن مخافة الإمام المهدي كانت منذ مخافة أبيه بل كان الخوف عليه قبل ذلك في حالة حمله وولادته، لما كان يفعله سلطان ذلك الزمان مع أبيه وتتبع أخباره، وطرحه العيون عليه، انتظاراً لما يكون من أمره، وخوفاً مما روت الشيعة أنه يكون من نسله، إلىٰ أن أخفى الله تعالىٰ الحمل بالامام، وستر أبوه ولادته إلّا  عما اختصهُ من الناس، وذلك ليبقىٰ حجةً في الأرض وهذا ما روي عن أمير المؤمنين أنه ذكر المهدي فقال: «اللهم إنّك لا تخلي الأرض من حجةٍ لك علىٰ خلقك، ظاهراً موجوداً، أو خائفاً مغموراً كي لا تبطل حججك وبيناتك».

وفي ذلك قول الإمام الصادق: «إن للغلام غيبة قبل أن يقوم»، فقال له زرارة: ولِمَ ؟ قال: «يخاف علىٰ نفسه».

طول عمر الإمام  المنتظر:

لقد بيّنّا وجوب الإمامة، ووضحت الأدلة علىٰ اختصاصها بائمتنا الإثني عشرمن دون الأمّة جميعاً، فلا منصرف عن القول بطول عمر إمامنا وصاحب زماننا لان الزمان لا يخلو من إمام، وقد مضىٰ آباؤه بلا خلاف، ولم يستحق الخلافة سواه، وهذا يؤكد علىٰ بقائه طوال هذه الفترة، وهذا ما أشار إليه الكراچگي بقوله: «فإن لم يكن عمره ممتداً من وقت أبيه إلىٰ أن يظهره الله سبحانه حصل الزمان خالياً من إمام» وبهذا يناقض القول بأن الزمان لا يخلو من إمام، وهذا دليل واضح ورد دامغ علىٰ من شكك بعدم جواز طول عمر الإمام وزيادة علىٰ ذلك فإن القرآن يخصم هذا الشك بما تضمنته من الخبر عن طول عمر نوح، قال تعالىٰ: فَلَبِثَ فِيهِمْ ألْفَ سَنَة إلا خَمْسِينَ عَاماً.

وزد علىٰ ذلك قول الكراچگي : «قد أجمع المسلمون علىٰ بقاء الخضر من قبل زمان موسىٰ إلىٰ الآن، وأن حياته متصلة إلىٰ آخر الزمان»، وما أجمع عليه المسلمون فلا سبيل إلىٰ دفعه أو التشكيك فيه ولا طريق للإنصراف عنه إلّا ببرهان، وبقاء (لقمان بن عاد) الكبير أطول الناس عمراً بعد الخضر وذلك أنه عاش ألفاً وخمسمائة سنة، ويقال أنه عاش سبعة أنسر وقال فيه الأعشىٰ(*):

لنفسك أن تحتار سبعة أنسرٍ

إذا ما مضى نسر خلوت إلىٰ نسر


فعمّر حتىٰ أن خال أن نسورة

خلود، وهل تبقى النفوس علىٰ الدهر


وضم الكراچگي إلىٰ الأدلة التي قدمها علىٰ طول عمر صاحب الزمان بقاء إبليس اللعين من عهد آدم وقبل ذلك إلىٰ الآن، وإنه سيبقىٰ إلىٰ الوقت المعلوم، كما نطق به القرآن ومن المعلوم أن إبليس ليس من الأنبياء حتّىٰ يأتي بمعجز له ولا علىٰ سبيل الإكرام، وهذا واضح بقول الكراچگي: «فإن أنكر الخصم إبليس وبقاءه خرج عن ظاهر الشريعة ودفع إجماع الأئمة، فإن تأول ذلك طولب علىٰ صحة تأويله بالحجة» أما طول حياة الإمام المنتظر وإن كان خارقاً للعادة، فإن ذلك أمراً ممكناً والله تعالىٰ قادر علىٰ ذلك، بقول الكراچگي: «إن حكم الإمام عندنا كحكم النبيّ في الاحتجاج وظهور المعجز والاكرام بما يتميز به عن الأنام، فليس بمنكر أن يطيل الله تعالىٰ عمره علىٰ سبيل المعجز والاكرام».

ومن الأدلة الأخرىٰ التي احتج بها الكراچگي، أنه لاستبعاد في طول حياته، لأن أهل الملل كلّهم متفقون علىٰ جواز الأعمار وطولها، وقد تضمنت التوراة من الأخبار بذلك ما ليس بينهم فيه منازع، ففيها أن آدم عاش تسعمائة وثلاثين سنة، وعاش شيث تسمعائة واثنتي عشر سنة، وكثير من أخبار المعمرين التي ضمها كتاب البرهان، للكراچگي.

وزيادة علىٰ ذلك فقد بيّن الكراچگي بأن الزمان لا تأثير له في الاعمار، وأن زيادتها ونقصانها من فعل قادر مختار يغيرها في الأوقات بحسب ما يراه من الصلاح وبهذا ردّ علىٰ من أراد القول بأن الاعمار قد كانت تتطاول في سالف الدهر، ثم تناقصت عصراً بعد عصرٍ، وبهذا لم يترك الكراچگي منفذاً لأحدٍ للتشكيك بجواز طول عمر الامام إلّا كان بارعاً في الرد عليه وتفنيده بما يوافق العقل إذا أنعم الاستدلال.

*    *    *













 




المبحث الأول

المعاد تعريفه ووجوب كيفيته

     المطلب الأول: مفهوم المعاد.   

     المطلب الثاني: وجوب المعاد.

     المطلب الثالث: كيفية المعاد.

المبحث الثاني: الوعد والوعيد.

المبحث الثالث: الشفاعة.

المبحث الرابع: التوبة.

المبحث الخامس: الميزان والصراط.

 


المبحث الأول

المعاد تعريفه ووجوب كيفيته

المطلب الأول: مفهوم المعاد:

المعاد لغةً: هو المصير والمرجعُ، والآخرة، وقال ابن فارس (ت: 395 هـ): «والمعاد: كل شيء إليه المصير، والآخرة معاد للناس، والله تعالىٰ المبدئ المعيد، وذلك أنه أبدأ الخلق يم يعيده». وبهذه المعاني ورد في تفسير قوله تعالىٰ: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَام بمعنىٰ لزوم الجزاء بالمعاودة.

المعاد اصطلاحاً: عرف المتكلمون المعاد بتعريفات عدّة منها:

1- «هو زمان العود أو مكانه، وهو الوجود الثاني للأجسام وإعادتها بعد موتها وتفرقها» .

2- عرفه التفتازاني (ت: 791هـ): بأنه إعادة الأجزاء الأصلية لا إعادة الأجزاء الفاضلة.

3- وعرفه الرازي (ت: 606هـ) بقوله: هو عبارة عن إحياء الموتىٰ وإخراجهم من قبورهم بعد جمع الأجزاء الأصلية التي من شأنها ذلك الظفر.

المطلب الثاني: وجوب المعاد:

أجمع المسلمون علىٰ وجوب المعاد.واتفقوا علىٰ كونه أحد أصول الدين وأنكره الدهريون. والملاحدة. وقالوا: الإنسان ينعدم بموته، ولا يكون عوده إلىٰ الوجود، والقائلون بأن المعدم شيء قالوا: بأنه ينعدم بموته، ثم يعود إلىٰ الوجود وحينئذٍ يثاب أو يعاقب، ونقل العلّامة الحلي (ت: 726هـ) أوجه الاستدلال بثبوت المعاد مطلقاً بوجوه عدّة منها.

1- إن الله تعالىٰ وعد بالثواب، وتوعد بالعقاب مع مشاهدة الموت للمكلفين فوجب القول بعودتهم ليحصل الوفاء بوعد ووعيد.

2- إن الله تعالىٰ قد كلّف، وفعل الألم وذلك سيستلزم الثواب والعوض، وإلّا لكان ظالماً، تعالىٰ الله علواً كبيراً.

وهذا ما أشار إليه الكراچگي بوجوب الاعتقاد بالمعاد بقوله: «ويجب أن يعتقد أن الله سبحانه، يميت العباد ويحيهم بعد الممات ليوم المعاد. وأن المحاسبة حق والقصاص، وكذلك الجنة والنار والعقاب».

ومصداقاً لما جاءَ في كتاب الله المجيد في كثير من آياته المباركة الدالة علىٰ وقوع المعاد منها:

1- قوله تعالىٰ: ألا يَـظُنُّ اُولَئِكَ أنَّهُمْ مَـبْعُوثُونَ* لِـيَوْم عَظِيم* يَوْمَ يَـقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ العَالَمِينَ.

2- قوله تعالىٰ: وَقَالَ الَّذِينَ كَـفَرُوا لا تَأتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَـتَأتِيَـنَّكُمْ.

3- قوله تعالىٰ: وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُـبْعَثُون.

4- قوله تعالىٰ: وَيَا قَوْمِ إنِّي أخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّـنَادِ.

وغيرها من الآيات الأخرىٰ التي ذكرت بوجوب المعاد ولكن لا يسع البحث ذكرها جميعاً.

المطلب الثالث: كيفية المعاد:

اتفق المسلمون جميعاً علىٰ حقيقة المعاد، ولكنهم اختلفوا في كيفيتهُ علىٰ أقوال:

فذهب جمهور المتكلمين ومعظم الفقهاء، وأهل الحديث إلىٰ أنه جسماني بناءً علىٰ أن الروح عندهم جسم سارٍ في البدن سريان النار في الفحم والماء في الورد.

وذهب جمهور الفلاسفة وإتباع المشاءين إلىٰ أنه، روحاني فقط.لأن البدن ينعدم بصورته وأعراضه فلا يعاد، والنفس جوهر باقٍ لا سبيل إليه للفناء فتعود إلىٰ عالم المجردات لقطع التعلقات بالموت الطبيعي.

وذهب كثير من الحكماء، وجماعة من المتكلمين، كالغزالي، والكعبي والحلمي والراغب الأصفهاني والقاضي أبي زيد الدبوسي ومعمر من قدماء المعتزلة، وكثير من الصوفية أن المعاد جسماني روحاني معاً . ذهاباً إلىٰ أن النفس مجردة تعود إلىٰ البدن وهو ما عليه الإمامية. وبه يقول الكرامية وجمهور النصارىٰ والتناسخية(*) .

والقول بهذا النوع من المعاد الجسماني والروحاني معاً هو مسلك أقوىٰ المذاهب، وهو الذي دلّت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وأيدته المؤيدات العقلية، «حيث أن الكاسب للطاعات البدن والروح معاً، فينبغي عودتها معاً». وإجماع المسلمين عليه من غير منكر بينهم فإجماعهم حجة.

وقد دل السمع دلالة قطعية علىٰ الجسماني فقال تعالىٰ: وَضَرَبَ لَـنَا مَثَلا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي العِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أنشَأهَا أوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ.

ودل علىٰ المعاد الروحاني أيضاً لقوله تعالىٰ: وَتَرَى الأرْضَ هَامِدَةً فَإذَا أنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ أهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأنْبَـتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْج بَهِيج * ذَلِكَ بِأنَّ اللّهَ هُوَ الحَقُّ وَأنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ * وَأنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ، يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً .

وما دل علىٰ ذلك قول النبي في بعض خطبه: «حتّىٰ إذا حمل الميّت علىٰ نعشه رفرفت روحه فوق النعش، ويقول: يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنَّ بكم الدنيا كما لعبت بي» .وهذا دليل علىٰ أن الروح باقية بعد الموت لوصفها بالرفرفة، ولا شيء من البدن وأجزائه باقٍ، فلا شيء من الروح ببدن.

وما استدل علىٰ وقوع المعاد الجسماني والروحاني معاً من المرويات منها: ما روي عن الإمام الصادق عندما سئل عن الميّت يبلىٰ جسده؟ قال: نعم حتّىٰ لا يبقىٰ له لحم إلّا طينته التي خُلق منها فإنها لا تبلىٰ، تبقىٰ في القبر مستديرة حتّىٰ يخلق منها كما خلق أول مرّة».

ومما تقدم يتضح أن الإمامية ومنهم الكراچگي يعتقدون كسائر المسلمين بأن الله تعالىٰ يعيد الخلائق ويحيهم بعد موتهم يوم القيامة للحساب والجزاء. وما استدل به الكراچگي من الروايات ففي جوابه عن معنىٰ الآية المباركة: وَإذَا المَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأيِّ ذَنْب قُتِلَتْ وكيف يصحُ أن يسأل من لا عقل له؟ حيث بين الكراچگي بأن هذا لا يكون إلّا والمؤودة قد أكمل لها العقل، وجعلت علىٰ أفضل الهيئات لأنها في القيامة تعوض عما نالها بالنعيم الدائم، فلا بد من إكمال عقلها، لتعرف عدل الله تعالىٰ.

ويسترسل الكراچگي متعرضاً لأحوال الأطفال يوم القيامة فيقول: «إن الأطفال والمجانين والبله من الناس، يتفضل عليهم في القيامة بأن تكمل عقولهم...» .

*    *    *



 


المبحث الثاني

الوعد والوعيد

مفهوم الوعد اصطلاحاً: هو كل خبر يتضمن إيصال نفع إلىٰ الغير أو دفع ضرر عنه في المستقبل، أما الوعيد فهو كل خبر يتضمن إيصال ضرر إلىٰ الغير، أو تفويت نفع عنه في المستقبل، والوعد والوعيد من الأصول الخمسة التي يبنىٰ عليها مذهب الاعتزال، حيث يقول أبو الحسين الخياط      (ت: 300هـ): «وليس يستحق  منهم اسم الاعتزال حتّىٰ يجمع القول بالأصول الخمسة: التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا اكتملت في الإنسان هذه الخصال الخمس فهو معتزلي» ولهذا ذهبت المعتزلة إلىٰ وجوب الوفاء - عليه تعالىٰ - بوعده ووعيده. ولكن الأشاعرة لا يصغون لذلك، لأن الإنسان عندهم لا يستحق عند الله شيء فعلىٰ الرغم ممّا وعد الله تعالىٰ به المطيعين من الثواب تفضلاً منه، وتوعد العصاة بالعقاب، لا يجب عليه شيء مما وعده أو توعد به.

أما مذهب الإمامية، وهو الجمع بين الرأيين السابقين: (رأي الأشاعرة ورأي المعتزلة)؛ أي يجب علىٰ الله أن يفي بما وعده، وهو ما ذهب إليه المعتزلة، ولا يجب عليه الوفاء بما توعد به، لأن العقاب حق له سبحانه وتعالىٰ، وله أن يسقطه باعتباره حقاً مملوكاً له. 

وقد وردت في ذلك بعض الروايات فعن الإمام الصادق أنه قال: «قال رسول الله: من وعده الله ثواباً علىٰ عمل فهو مُنجز له، ومن أوعده علىٰ عمل عقاباً فهو فيه الخيار».

وهذا ما ذهب إليه الكراچگي حيث لم يختلف عما ذهبت إليه الإمامية في الوعد والوعيد، وأنه نهج منهج استاذه الشيخ المفيد في ذلك حيث أشار الكراچگي «أن الحكمة الإلهية لما اقتضت الخلق والتكليف، وجب أن يرغب العبد فيما أمر به من الإيمان بغاية الترغيب... وليس غاية الترغيب إلّا الوعد بالنعيم الدائم المقيم، ولا يكون غاية التخويف والترهيب، إلّا التوعيد بالعذاب الخالد الأليم».

ويضيف الكراچگي في موضع آخر قوله: «إن مرتكبي المعاصي من العارفين بالله ورسوله والأئمة الطاهرين... يستحقون العقاب علىٰ معاصيهم، والثواب علىٰ معرفتهم بالله تعالىٰ ورسوله والأئمة من بعده، وما بعد ذلك من طاعتهم وأمرهم مردود إلىٰ خالقهم، وان عفا عنهم فبضله ورحمته وان عاقبهم، فبعدله وحكمته، كما قال سبحانه: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللهِ إمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ» .

وأما ما يتعلق بوعيده من حيث دوام العقاب الأخروي علىٰ المعصية، وانقطاه فقد أختلفت فيه الفرق الإسلامية، حيث أوضح الشيخ المفيد هذا الاختلاف بقوله: «واتفقت الإمامية علىٰ أن الوعد بالخلود في النار متوجه إلىٰ الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالىٰ والإقرار بفرائضه من أهل الصلواة ووافقهم علىٰ هذا القول المرجئة كافة سوىٰ محمد بن شيب(*) وأصحاب الحديث قاطبة، وأجمعت المعتزلة علىٰ خلاف ذلك وزعموا  أن الوعيد بالخلود في النار عام في الكفار وجميع فساق أهل الصلواة.

واتفقت الإمامية علىٰ أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة والصلوات لم يخلد في العذاب، واخرج من النار إلىٰ الجنة فينعم فيها علىٰ الدوام، ووافقهم علىٰ ذلك من عددنا ، وأجمعت المعتزلة علىٰ خلاف ذلك، وزعموا أنه لا يخرج من النار أحد دخلها للعذاب».

أما الكراچگي فقد وافق استاذه المفيد، إذ يرىٰ أن عذاب المشركين والكفار متصل في النار بغير نفاذ. وقام الكراچگي بمناظرة أحد رجال المعتزلة في حكم مرتكب الكبيرة وخلوده في النار إذ أقحم خصمه في ذلك حين بيّن أن الله تعالىٰ أوعد المؤمن بالنعيم الدائم المقيم وتوعد الكفار بالعذاب الخالد الأليم، ومخالفة الخبر كذب، والكذب لا يجوز علىٰ الحكيم، فإن بهذا الوجه أن تخليد الكافر في العذاب الدائم، ليس بخارج عن الحكمة، والقول به مناقض للأدلة.

واشترط الكراچگي لذلك، عدم اعتبار فيما يستحق علىٰ المعصية بقدر زمانها، ولا يجب أي تماثل وقت الجزاء عليها لوقتها، وإنّما وجب أن يكون المرجح إليها نفسها، فبعضها يعظم المستحق عليها، سواء أطال الزمان أم قصر، أتصل أم انقطع، وما يؤكد ذلك قد رأينا معصية وقعت في مدة قصيرة كان المستحق من العقاب عليها يحتاج إلىٰ اضعاف تلك المدة، ووقوع معصيتين تماثل في القدر زمانهما، واختلف زمان العقاب المستحق عليهما، كعبد شتم سيده فاستحق من الأدب علىٰ ذلك أضعاف ما يستحقه إذا شتم عبداً مثله، وإن كان زمان الشتمتين متماثلاً.

ويتضح من ذلك أن الإمامية قد اتخذوا هذا الموقف من أئمتهم الإثني عشر واستدلوا برواياتهم حيث روي عن الإمام موسىٰ بن جعفر قوله: «لا يخلد في النار إلّا أهل الكفر والجحود وأهل الشرك والضلال».

*    *    *

 


المبحث الثالث

الشفاعة

الشفاعة لغة: الشفاعة مأخوذة من الشفع وهو خلاف الوتر، وهو ما كان من العدد أزواجا. وقد تأتي الشفعة: بمعنىٰ الزيادة والتقوية والإعانة، والشفيع صاحب الشفعه وصاحب الشفاعة.

الشفاعة اصطلاحاً: «هي طلب العفو من الله عزّ أسمه عن المذنبين فتكون تقوية للسمتغفر عن ذنبه وإعانة له» .

وعُرّفت أيضاً: «هي كرامة من الله لبعض عباده في ما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة، فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده» .

والشفاعة من الأمور الثابتة في القرآن الكريم بحقه تعالىٰ، وحق غيره من عباده من آيات كثيرة منها: قوله تعالىٰ: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بِإذْنِهِ، وقوله تعالىٰ: مَا مِنْ شَفِيع إلا مِنْ بَعْدِ إذْنِهِ، وأما حكم ثبوت الشفاعة للنبي محمد فقد قال عبد الله شبر (ت: 1242 هـ): «... لا خلاف بين المسلمين في ثبوت الشفاعة لسيد المرسلين في أمته، بل وفي سائر الأمم الماضين، وذلك من ضروريات الدين. قال الله تعالىٰ: عَسَى أنْ يَـبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً». وقد أجمع المفسرون علىٰ أن المراد بالمقام المحمود مقام الشفاعة.

لكنّ الفرق الإسلامية أختلفت في جواز استحقاق أصحاب الكبائر للشفاعة قبل التوبة.

حيث ذهبت المعتزلة إلّا أبا هاشم (ت: 321هـ) منهم. إلىٰ أن الشفاعة لا تكون إلّا لمن يستحق الثواب من المؤمنين، ويكون متعلق الشفاعة طلب زيادة الثواب له وعلو الدرجات. أما أصحاب الكبائر الذين يموتون بلا توبة فلا شفاعة لهم. انسجاماً مع مذهبهم في خلود مرتكبيها في النار. وقد أختار هذا الرأي الزيدية، والخوارج.

أما ما ذهبت الإمامية الاثنا عشرية. وجمهور الأشاعرة. وأبو هاشم من المعتزلة أن الشفاعة شرعت لتنال العصاة من أهل الكبائر.

والسبب الذي دفع المعتزلة إلىٰ إنكار الشفاعة بالمعنى المتقدم، هو التمسك بالآيات القرآنية التي تقول بالشفاعة ظاهراً، دون التدبر والإمعان فيها.

ومنها قوله تعالىٰ: مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيم وَلا شَفِيع.

والجواب عن هذه الآية أن المراد بالظالمين هنا الكفار جميعاً من بين الأدلة، والآية مانعة من أن تكون الشفاعة عن أهل الكبائر.

ومنها قوله تعالىٰ: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أنصَار، فلو شفع في الفاسق لكان ناصراً له.

أما الوجه الثاني من رفضهم للشفاعة، قولهم «أن الشفاعة تتعارض مع مبدأ الوعد والوعيد، فلا يستطيع أحد أن يشفع عند الله لأحد ويجعله ينجو من العقاب، بل تجد كل نفسٍ يؤمئذٍ من الثواب بقدر عملها الصالح ومن العذاب بقدر عملها السيء».

أما المثبتون للشفاعة فقد احتجوا بآيات كريمة ورد ذكرها في مقدمة المبحث، وأحاديث نبوية منها قال الرسول: «إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي».

أما ما يخص شفاعة أهل البيت فقد انفردت به الإمامية من دون غيرهم من الفرق الإسلامية، وهذا يتضح في قول الشيخ المفيد (ت: 413 هـ): «اتفقت الإمامية علىٰ أن أمير المؤمنين يشفع في أصحاب الذنوب من شيعته وأن أئمة آل محمد يشفعون كذلك وينجي الله بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين...» .

وقد تابع الكراچگي أُستاذه الشيخ المفيد في جواز شفاعة أهل البيت وأكد بقوله: «أن لرسول الله والأئمة من بعده شفاعة مقبولة يوم القيامة، ترجىٰ للمؤمنين من مرتكبي الآثام».

ومن خلال نص الكراچگي أن من طلب الشفاعة لغيره يسمىٰ راجياً لكونه يرجىٰ العفو والمغفرة للمشفوع له. وفي صدد ذلك ردّ الكراچگي علىٰ مزاعم المعتزلة التي أفترت بالقول علىٰ أن الإمامية مرجئة كونها ترجو من الله العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات قبل أن تقع منه التوبة.


إذ بيّن الكراچگي أن المرجئة أسم مشتق من الإرجاء، وهو التأخير يقال لمن أخر أمراً: أرجأت الأمر يا رجل فأنت مرجيء: قال تعالىٰ: أرْجِهِ وَأخَاهُ. أي أخّره.

وقوله تعالىٰ: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ. يعني مؤخرون إلىٰ مشيئته. وأما الرجاء فإنما يقال منه أرجوت فأنا راجٍ فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة.

ومن المؤكد أن الإمامية قد اعتمدوا في شفاعة أهل البيت علىٰ كثير من الروايات منها ما روي عن الإمام علي قال رسول الله: «ثلاثة يشفعون إلىٰ الله فيشفّعون، الأنبياء، ثم العلماء ثم الشهداء». 

وما روي عن النبي قوله: «إني أشفع يوم القيامة فأشفع ويشفع علي فيشفع ويشفع أهل بيتي فيشفعون...» .

وبعد القول بالشفاعة واثباتها أشار الكراچگي بأن هذا لا يذهب في الإنسان بالقطع علىٰ  انه مشفوع فيه علىٰ كل حال.

ولا سبيل إلىٰ العلم بحقيقة هذا الحال، وإنّما يجب أن يكون المؤمن واقفاً بين الخوف والرجاء. ومن خلال هذا يتضح أن الشفاعة ليست سبباً بمعنىٰ العلم التام لدخول المذنبين في الجنة وإنّما هي توسل بالعطف الإلهي، وهذا يوجب علىٰ المؤمن التذكرة دائماً بالعقاب جزاء ارتكاب المعاصي.

*    *    *

 


المبحث الرابع

التوبة

أخذ مفهوم التوبة اهتمام جلّ العلماء والمتكلمين، لما يرتكبه الإنسان من معاصٍ في حياته الدنيا، ويندم علىٰ فعله، ويرجو العفو والمغفرة من خالقه جل جلاله.

وقد عرف الشيخ الطوسي التوبة بقوله: «إنها الندم علىٰ القبيح والعزم علىٰ أن لا يعود إلىٰ مثله في القبح».

وعرّفها الكراچگي بقوله: «هي الندم علىٰ ما مضىٰ من المعصية، والعزم علىٰ ترك المعاودة إلىٰ مثلها».

وروى العلّامة الحلي: «بأن التوبة هي الندم علىٰ المعصية والعزم علىٰ ترك المعاودة في المستقبل، لأن ترك العزم يكشف عن نفي الندم».

وبعد التعرف علىٰ معنىٰ التوبة يبدو أن هنالك تساؤلاً: هل الله تعالىٰ يغفر الذنوب ويسقط العقاب بالتوبة؟

أشار الشيخ الكراچگي إلىٰ عدم اشتراط التوبة في سقوط العقاب. وهو ما عليه الشيخ المفيد. والشريف المرتضىٰ.

أما المعتزلة فقد اختلفوا في ذلك، فالبغداديون يرون أن التوبة لا تأثير لها في اسقاط العقاب وإنّما الله يتفضل باسقاطه عند التوبة.

وأما ما ذهب إليه القاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) وأصحابه، أن التوبة هي التي تسقط العقوبة لا غير. وقد استدل الكراچگي علىٰ رأيه بقوله تعالىٰ: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأمْرِ اللّهِ إمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ .

وأما فيما يخص بحصول التوبة، فقد أجمع المسلمون علىٰ سقوط الذنب مع التوبة، ولكن اختلفوا بأن سقوطه. أهو واجب عقلاً أم أنه بالتفضيل؟

فالمعتزلة اختلفوا في ذلك، فذهب بعضهم إلىٰ أن التوبة سمعاً لا عقلاً إذا كانت الطاعات أكثر من المعاصي. أما أبو علي الجبائي (ت: 303 هـ) فذهب إلىٰ أن التوبة عن الصغائر تجب عقلاً لاسمعاً. وقال أبو هاشم (ت: 321 هـ: بأنه لا تجب إلّا سمعاً، وهو رأي القاضي عبد الجبار وأكثر المعتزلة.

أما الكراچگي فقد اعتبر أن ذلك لا يكون إلّا بالتفضيل ونعلمه بالسمع لقوله: «وان الله يقبل التوبة بفضله وكرمه، وليس ذلك لوجوب قبولها في العقل قبل الوعد، وإنّما علم بالسمع دون غيره».

وهذا ما أجمع عليه الإمامية قاطبة. وزد علىٰ ذلك ردّ الكراچگي علىٰ المعتزلة القائلين بوجوب سقوط العقاب عقلاً عند التوبة، وقد تقدمه في ذلك استاذه الشيخ المفيد الذي يقول: «اتفقت الإمامية علىٰ أن قبول التوبة بفضل من الله، وليس بواجب في العقول اسقاطها لما سلف من استحاق العقاب، ولولا أن السمع ورد بإسقاطها لجاز في العقول بقاء التائبين علىٰ شرط الاستحقاق، ووافقهم علىٰ ذلك أصحاب الحديث، وأجمعت المعتزلة علىٰ خلافهم، وزعموا أن التوبة مسقطة لما سلف من العقاب علىٰ الوجوب».

*    *    *

 


المبحث الخامس

الميزان والصراط

الميزان: عبارة عن العدل في الآخرة فيوزن فيه أعمال العباد والحسنات والسيئات.

أما عند الكراچگي فالموازين: هي التي توضع في القيامة لإقامة العدل في الحساب والانصاف في الحكم والمجازات. وهذا المعنى للميزان هو المختار عند الشيخ المفيد، والسيد المرتضىٰ. وعباده بن معمر من المعتزلة، وجماعة من البصريين وآخرين من البغداديين. أما بعض شيوخ المعتزلة، والحشوية، فذهبوا بقولهم: أن الميزان في الآخرة يشبه ما عليه في الدنيا،وأنه ميزان ذو كفتين، وأن الاعمال وأن لم توزن فالصحف التي كتبت فيها هذه الأعمال يصح وزنها.

وقد استمد الكراچگي هذا المعنى للميزان من قول الإمام الصادق عندما سئل في مناظرة مع أحد الزنادقة عن معنىٰ الميزان فقال: العدل، قال:- فيما معناه - في كتابه فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ، قال: فمن رجح عمله. 

أما ما ذهب إليه الشيخ الصدوق (ت: 381هـ) فإن معنىٰ الميزان هم الأنبياء والأوصياء، وقد استند في ذلك إلىٰ رواية عن الإمام الصادق عندما تسئل عن قوله تعالىٰ: وَنَضَعُ المَوَازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً، قال: «الموازين الأنبياء والأوصياء». وفي رواية أخرىٰ قال: «نحن الموازين القسط».

أما الصراط فقد ذكر الكراچگي نوعين من الصراط: صراط في الدنيا، وصراط الآخرة، فقال: «إن الصراط في الدنيا دين محمد وآل محمد وهو في الآخرة طريق الجنان».

وقد استمد الكراچگي هذا من قول الإمام الصادق: «هو الطريق إلىٰ معرفة الله وهما صراطان، صراط في الدنيا، وصراط في الآخرة، فأما الصراط الذي في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدىٰ بهداه مرّ علىٰ الصراط الذي هو جسر جهنم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلت قدمه عن الصراط في الآخرة فتردىٰ في نار جهنم».

وهذا المعنى الذي ذكره الكراچگي للصراط قد أورده الشيخ المفيد بقوله: «ان الصراط جسر بين الجنة والنار تثبت عليه أقدام المؤمنين وتزل عنه أقدام الكفار إلىٰ النار» وهو ما أورده الجويني (ت: 478 هـ) أيضاً بقوله: «الصراط جسر ممدود علىٰ متن جهنم يرده الأولون والآخرون». وأما ما ذهب إليه السيد المرتضىٰ، والشيخ الطوسي، بأن هنالك قولين في الصراط الأول: طريق أهل الجنة والنار. والثاني: الحجج، والأدلة المفرقة بين أهل الجنة والنار، والمميزة بينهم.

أما الحشوية فقد وصفوا الصراط «بأنه أدق من الشعرة وأحد من السيف».

*    *    *

 



1- البداء:

لقد تظافرت الأخبار عن الأئمة  بالقول بالبداء. ففي الكافي عن زرارة عن الباقر عن الصادق قال: «ما عبد الله بشيءٍ مثل البداء».

وفي رواية أخرىٰ عن هشام بن سالم عن الصادق قال: «ما عظم الله بمثل البداء» ومسألة البداء من أهم مسائل الخلاف التي وقع فيها الكلام بين الشيعة الإمامية، والفرق الإسلامية الأخرىٰ الذين ذهبوا إلىٰ استحالة البداء علىٰ الله سبحانه، وقد يعود سبب ذلك أنهم لا يفهمون مقصد الإمامية من البداء، ولم يطلعوا علىٰ حقيقة قولهم، لذا نجدهم قد نسبوا إلىٰ الإمامية اشياءً غير موجودة في صلب عقائدهم ولا يقولون بها ابداً.

وقبل أن نبين المعنىٰ المراد من البداء الوارد في أحاديث أهل البيت الذي تقول به الإمامية، لابدّ من بيان المعنىٰ الذي يحتمله هذا اللفظ، فقد وردت هذه الكلمة في القرآن الكريم بقوله تعالىٰ: وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ.

وقوله تعالىٰ: وَبَدَا لَهُمْ سَيِّـئَاتُ مَا كَسَبُوا.

وهو في الآيتين بمعنىٰ الظهور، كونه مأخوذ من بدأ: بدأ الشيء يبدو بدواً، بداءً فيقال: فلان بدا له في الرأي أي: ظهر له ما كان مخفياً عنه.

وهذا هو البداء المنسوب إلىٰ الإمامية، علىٰ حد زعم بعض الفرق الإسلامية وهو الذي أحدثه المختار الثقفي(*) كما جاء في مروياتهم. وهذا النوع من البداء لم يقل به الإمامية، لأنه يستلزم التغير في علمه، وتبدل أرادته وعدم إحاطته بما كان وسيكون وجاء في الحديث عن منصور بن حازم قال: (سألت الإمام الصادق هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس؟ قال: «لا! أخزاه الله! قلت: أرأيت ما كان، وأرأيت ما هو كائن إلىٰ يوم القيامة، اليس في علم الله؟ قال بلىٰ! أن يخلق الله الخلق) .

أما البداء المنسوب لله سبحانه وتعالى فمعناه «أن الله يأمر بالشيء في وقت مخصوص علىٰ وجه معين بمكلف واحد، ثم ينهي عنه علىٰ هذه الوجوه كلّها».

وقد بين الشيخ الصدوق (ت: 381 هـ) معنىٰ البداء المنسوب لله تعالىٰ فقال: «ليس البداء كما يظنه جهال الناس بأنه بداء ندامة، تعالىٰ الله عن ذلك، علواً كبيراً ولكن يجب علينا أن نقر لله بأن له البداء، ومعناه أن له أن يبدأ بشيء خلقه فيخلقه قبل شيء، ثم يعيد ذلك الشيء ويبدأ بخلق غيره، أو يأمر بأمر ثم ينهىٰ عن مثله، أو ينهىٰ عن شيء ، ثم يأمر بمثل ما نهىٰ عنه، وذلك مثل نسخ الشرائع وتحويل القبلة وعدّة المتوفي عنها زوجها، ولا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلّا وهو يعلم أن الصلاح لهم في ذلك الوقت».

وقال الشيخ المفيد: «الذي أقوله في البداء هو ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله من الأفقار بعد الإغناء، والإمراض بعد الإعفاء، والإماتة بعد الإحياء، والزيادة في الآجال والأرزاق بسبب بعض الأعمال...» .

أما الكراچگي فلم يختلف عن الإمامية في ذلك حيث بين أن المراد من البداء، أن يظهر للناس خلاف ما توهموه، وينكشف لهم غير ما كانوا يعتقدون من دوام الأمر واستمراره، وسمي بداء لمشابهته لمن يأمر بالشيء ثم ينهىٰ عنه في وقته.

وكانت في ذلك للكراچگي مناظره حول البداء مع أحد علماء المعتزلة أكد له فيها أن البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية لا يختلف به غيرهم إلّا بالاسم، ولا يعنون به تبدل إرادة الله وتغير علمه، فهو نظير ما لو أمر السيد عبده بعمل من الأعمال، فاظهر العبد استعداده للقيام بذلك العمل وانجازه وقبل أن يباشر نهاه عن القيام به.

فقد بداء للعبد غير ما كان يعتقد، حيث اعتقد دوام إرادة السيد وبقائها. فلما نهاه عنه ظهر له خلاف ما كان يعتقد، مع أن الآمر يعلم بطاعته له واقدامه علىٰ العمل، ولكنه إنّما أمر به ليظهر للناس انقياده لأوامره.

واستدل الكراچگي كذلك بقصة إبراهيم وولده اسماعيل حيث أوصىٰ إليه في نومه أن يذبح ولده اسماعيل، ولما تهيأ لذبحه واظهر ولده رضاه واستعداده لتنفيذ أمر الله فيه، ونهاه الله عن ذبحه. 

فقد بداء لابراهيم بعد النهي غير ما كان يعتقده، وإرادة الله سبحانه لم تتعلق بالذبح وإنّما تعلقت بمقدماته من القصد، والقيام بكل ما يتوقف عليه الذبح كأخذ السكين ووضعها في العنق وغير ذلك، وقد أطلق علىٰ هذا النوع من العمل ذبحاً تجوزاً وتوسعاً في الكلام.

ومن خلال هذه المناظرة تبيّن معنىٰ البداء عند الكراچگي مستنداً إلىٰ ما جاء عن أهل البيت وهي مقولة الشيعة الإمامية وهذا واقع في القضاء غير المحتوم، قضاء الله الذي أخبر نبيه وملائكته بوقوعه في الخارج، إلّا أنه موقوف علىٰ أن لا يتعلق مشيئة الله بخلافه. فروي عن زرارة عن الإمام الصادق قال: «كان علي بن الحسين يقول: لولا آية في كتاب الله لحدثتكم بما يكون إلىٰ يوم القيامة»، فقلت له: أية آية؟ قال: «قول الله: يَمْحُوا اللّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ اُمُّ الكِتَابِ».

وعن الإمام الصادق عن تفسيره لقوله تعالىٰ:  فِيهَا يُـفْرَقُ كُلُّ أمْر حَكِيمقال: «أي يقدر الله كل أمر من الحق ومن الباطل، وما يكون من تلك السنة وله فيها البداء والمشيئة، يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض، ويزيد فيها وينقص ما يشاء».

وعلىٰ هذا الأساس يعتقد الباحث أن علىٰ كتّاب الفرق عدم رمي الشيعة بما ليس فيهم، فالواجب الوقوف علىٰ مقالة الشيعة والتدبر فيها والتدقيق بمضامينها، كما أن الواجب العقلي يحتم أن تأخذ الأقوال من أفواه قائليها ومن مصادرهم المعتبرة، فإذا كانت هناك ثغرة، وجب الوقوف عندها أو ردّها، واعتقد أن ما ذهب إليه بعض الكتّاب من تغير علم الله وإرادته هو غير مقبول لصحيح المنقول والمعقول لأن الله يفعل الأصلح لعباده بموجب لطفه ورحمته من دون أن تكون له غاية إلّا مصلحة العباد ومنفعتهم.

2- الآجال:

عرّف الكراچگي الآجال بقوله: «هي الأوقات، فأجل الحياة وقتها وأجل الموت وقته الذي يوجد فيه والآجال في الدين إنّما هو وقت وجوبه».

وتعريف الآجال بالوقت أمر متفق عليه عند أغلب متكلمي الفرق الإسلامية.

وفي تعريف الوقت ذهب القاضي عبد الجبار (ت: 415 هـ) بقوله: «هو كل حادث يعرف به المخاطب حدوث الغير عنده أو ما يجرىٰ مجرىٰ الحادث» .

وبهذا يصحُّ أن يكون الموقت كالوقت في أنه ينبغي أن يكون حادثاً أو ما يجرىٰ مجرى الحادث، ولهذا يصحُّ أن يجعل وقتاً مرّة ومؤقتاً أخرىٰ، وقد أجمع المتكلمون علىٰ أن من مات حتف أنفه أو قتل فإنما مات بأجله الذي جعله الله أجلاً لعمره.

لأن الأجل ليس المراد به إلّا وقت الموت، وهما قد ماتا جميعاً في وقت موتهما.

إنّما الخلاف وقع في المقتول لو لم يقتل كيف يكون حاله في الحياة والموت؟

فقد بيّن العلّامة الحلي (ت: 726 هـ) هذا الاختلاف بقوله: «أختلف الناس في المقتول لو لم يقتل، فقالت المجبرة: أنه كان يموت قطعاً وهو قول أبي الهذيل العلاف [ت: 235هـ]، وقال بعض البغداديين: إنه كان يعيش قطعاً، وقال أكثر المحققين: أنه كان يجوز أن يعيش ويجوز أن يموت».

وما ذهب إليه الإمامية هو القول بوجوب أجلين. وهو ما ورد في قوله تعالىٰ: ثُمَّ قَضَى أجَلا وَأجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أنْتُمْ تَمْتَرُونَ.

فقد أوضح العياشي  (ت: 320 هـ) عن الصادق في صدر هذه الآية بقوله: «الأجل الذي غير المسمّىٰ فهو أجل موقوف يقدّم فيه ما يشاء ويؤخر فيه ما يشاء، وأما الأجل المسمّىٰ فهو الذي يريد أن يكون في ليلة القدر إلىٰ مثلها من قابل».

وهذا ما عليه الكراچگي وقد أوضح هذا مفصلاً بقوله: كل ذلك جائز وجوازه علىٰ قسمين:

1- بمعنىٰ إنا نشك فيه لعدم توافر دليل القطع علىٰ حقيقته بما يكون منه.

2- بمعنىٰ أن الله تعالىٰ يقدر علىٰ ذلك كلّه ولا يستحيل منه.

فهو لو لم يقتل جاز أن يبقىٰ حياً وجاز أن يموت في الحال من غير قتل.

ومهما كان من ذلك فهو معلوم قبل كونه لله تعالىٰ ولو كان الظالم إنّما يقتل المظلوم لأن أجله قد حضر، ولأن حضور أجله حمله علىٰ قتله، لم يكن ملوماً ولا ظالماً، بل كان محمولاً علىٰ ذلك مضطراً.


وأما في حقيقة المقتول أمات بأجله أم أن قاتله قطع أجله؟ فقد أوضح الكراچگي بالوقت الذي قتل به فهو أجل موته، كما هو وقت موته، كما قال تعالىٰ: فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لا يَسْتَأخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ.

فالأجل الذي علم الله تعالىٰ أنهم يمتهم فيه. وهذا ما ذهب إليه الأشاعرة، والبغداديون من المعتزلة.

وفي هذا الصدد بين الكراچگي أن حدوث أجل الموت لا يكون ثابتاً وإنّما الأمر لله وحده، يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء بقوله: «إن الله قادر علىٰ تأخير أجل الموت بالزيادة في مدة الحياة وعلىٰ تقديمه بالنقصان منها».

وبهذا تتجلى قدرته تعالىٰ في ذلك لأن الوقت الذي أمات الله تعالىٰ العبد فيه قد كان قادراً علىٰ أن لا يميته فيه. بل يبقيه بدلاً من ذلك ويحيه، فيكون هذا هو تأخير أجله وزيادة عمره وهذا ناتج عن أعمال الإنسان التي يحدثها، فعقوق الوالدين وقطع صلة الرحم، يؤديان لنقص العمر خلافاً لبر الوالدين، وصلة الارحام التي تزيد في العمر، وقال النبي: «إن صلة الرحم تزيد في العمر»، فأخبر الرسول الكريم: «إن عمر العبد يكون مقدوراً معلوماً عند الله، فإن هو وصل رحمه زاد الله في عمره وإن لم يصل رحمه مات في وقت كذا».

3- الأرزاق:

عرّف الكراچگي الرزق: هو التمليك، وأصل التمليك من الله تعالىٰ، وهو الرازق للعباد.

وهو ما ذهب إليه المعتزلة بتعريفهم للرزق «هو الملك، ورزق كل موجود ملكه».

أما الرزق عند الأشاعرة: يطلق علىٰ من ينتفع به إذا تقرر الانتفاع به فهذا مقتضىٰ الإطلاق، ومن المتسع ملكه ولم ينتفع به: يقال له: لم يجعل الله ما هو حوله رزقاً له.

وبعد بيان معنىٰ الرزق عند الكراچگي فإنه بيّن أن أرزاق العباد علىٰ قسمين:

1- ما وصل إليهم من غير سعي منهم ولا اكتساب، ولا تحمل شيء كالمواريث.

2- ما يشترط بحركة العبد وسعيه واجتهاده، وحرصه، فمن سعىٰ ناله، ومن قعد فاته، وقد أمر الله بالاكتساب والطلب. لقوله تعالىٰ: فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْـتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللّهِ.

وبهذا يحثُ الله تعالىٰ علىٰ طلب الرزق من فعل يقع من العباد أنفسهم بشرط أن لا يكون هذا الفعل مفسداً قال تعالىٰ: وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النَّاسُ اُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِـبُـيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّة وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَـظْهَرُونَ.

وبهذا يكون الحلال رزقاً للإنسان وهو لم يختلف فيه قط.

أما الخلاف فقد وقع بين المتكلمين في أن الحرام ينحصر رزقاً أم لا؟

فقد ذهبت الإمامية، والمعتزلة، إلىٰ أن الله لا يرزق الحرام لأن الله تعالىٰ منع الإنسان من انفاقه واكتسابه، فلو كان رزقاً لم يجز ذلك.            

وقال الشيخ الطوسي في تفسير  قوله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ إن هذه الآية تدل علىٰ أن الحرام ليس رزقاً لأنه سبحانه وتعالى مدحهم بالانفاق من الرزق، والانفاق من الحرام لا يوجب المدح. 

أما الأشاعرة فقد خالفوهم في ذلك وذهبوا إلىٰ أن الله يتولى الأرزاق حلالها وحرامها، فلو كان الله يرزق الحلال دون الحرام لكان من نشأ وتربىٰ في حرام – كقاطع الطريق مثلاً – كان الله لا يرزقه قط.

أما رأي الكراچگي في ذلك فإنه لم يخرج عن سائر العلماء الإمامية الإثني عشرية وذلك بقوله: «أما المغتصبات فليس بارزاق لغاصبها، ولا ملّكهم الله تعالىٰ أياها وإنّما تسمّىٰ أرزاقاً علىٰ المجاز، من حيث أنها من الأشياء التي خلقها الله تعالىٰ ليغذىٰ الإنسان بها».

واستدل الكراچگي في رأيه بقوله تعالىٰ: الَّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ اليَتَامَى ظُلْماً إنَّمَا يَأكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً.

وأمره سبحانه بقطع يد السارق في قوله تعالىٰ: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالا مِنَ اللّهِ . 

ولو كان الغاصب قد أخذ ما رزقه الله تعالىٰ علىٰ الحقيقة، لكان المطالب له برد ما أخذه ظالماً له. ولم يجز في العدل أن يعاقب عليه في الدنيا والآخرة.

وبعد بيان معنىٰ الرزق عند الكراچگي وهو التمليك نجد أنه قد سلك مسلك استاذه الشيخ الطوسي (ت: 460 هـ) في هذا المعنىٰ حيث أشار الشيخ الطوسي إلىٰ أن الملك والرزق متداخلان ولا ينفصلان.

وهذا من خلال ردّه علىٰ من قال بانفصال الملك عن الرزق.

وإن الرزق منفصل عن الملك واستدلوا علىٰ ذلك باطلاق علىٰ الكلاء بأنه رزق البهائم لا ملك لها.

فقال الشيخ الطوسي: لا فرق بينهما لأن قبل تناوله فهو رزقه وملكه، وليس له ما منعه منه كالكلاء والماء ويجوز أيضاً تسميته الولد رزقاً وكذلك العقل لا يمنع تسمية بأنه ملك بمعنىٰ أن له الانتفاع بولده وبعقله، ولا فرق بينهما.

*    *    *




الخاتمة

بعد هذه الدراسة التي عشنا فيها مع الشيخ الكراچگي وأهم آرائه الكلامية لابدّ لنا من وقفة ختامية نستخلص فيها أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذه الدراسة. 

1- انماز عصر الشيخ أبي الفتح الكراچگي بكثرة الفتن وضخامة الأحداث السياسية وتعاقبها بين الشدة واللين، واختلفت طبيعة الحكام والولاة في تعاملهم مع الناس، فمنهم من أزدهرت الحياة الثقافية والفكرية في عصره لتوافر المناخ الملائم لها، وبين من تشدد في سلطانه، ومال إلىٰ فئة من الناس دون فئة، وتأثر الكراچگي بهذه الأجواء المتفاوتة.

2- يعدُ أبو الفتح الكراچگي من أهم الشخصيات التي تحملت مسؤولية نشر الفكر الشيعي في البلدان المجاورة للعراق ولا سيما عندما استقر في بلاد الشام، ولبنان مدة من الزمن ليعمل علىٰ ترسيخ العقيدة الإسلامية، وأصبح ممثلاً عن الشريف المرتضى في تلك المناطق.

3- انماز الشيخ الكراچگي بثقافة موسوعية ذات طابع شمولي. الامر الذي جعل منه متكلماً، وفقيهاً، ومنجماً، ونحوياً،... وهذا بما يملك من شدة المعارضة، وروح الجدل، ووافر العلم، وعمق الملاحظة، وتنوع الثقافة.

4- ظهر بأن نسب الكراچگي يرجع إلىٰ – كراچگ – وهو عمل الخيم أو من سكنها، ولكثرة تنقله بين البلدان.

5- تمتع الشيخ الكراچگي بمكانة سامية، واحترام عظيم، حيث وصفه جلّ من العلماء والباحثين المخالفين والمؤالفين بأوصاف عدّة واثنوا علىٰ علمه، وثقافته، ومكانته العلمية الفذّة.

6- تبنى الكراچگي إلىٰ ضرورة النظر والتفكير العقلي في سبيل معرفة الله تعالىٰ، وعدم الأخذ بالتقليد الأعمىٰ الذي يُوخذ بغير تأمل واعتبار.

7- استدل الكراچگي علىٰ وجود الله تعالىٰ بادلة عدة، وافق بها الفلاسفة والمتكلمين الإلهين ومنها: دليل الوجوب والإمكان ودليل الحدوث، ودليل التمانع والتدافع، واستدل الكراچگي بحدوث العالم، وأن القديم واحد لا غيره، وهو الله سبحانه، وأن الحوادث متناهية، وأن الأفعال الماضية لابدّ لها من أول وأنها أفعال الفاعل، وصنعة الصانع، واثبت بتقدم الصانع علىٰ صنعته، وهو القديم الازلي.

8-  وأما فيما يخص أسماء الله تعالىٰ، فإن الكراچگي يؤكد أن أسماء الله سبحانه كلّها عائدة إلىٰ الصفات، لأنها دالة علىٰ معانٍ ومتضمنة لفوائد، وليس فيها اسم يخلو من ذلك، ويجري مجرىٰ اللقب.

9- أكد الكراچگي بأن صفات الله سبحانه هي عين ذاته، فهذه الصفات استحقها لنفسه لا لمعنىٰ آخر. فعلم أنه حي وباقٍ وعالم لنفسه لا لمعانٍ غيره. هذا ما يخصُ صفاته الثبوتية، أما في صفاته تعالىٰ السلبية. فقد نفىٰ الكراچگي عنه تعالىٰ ما ينافعى مع التنزيه والوحدانية، كالجوهر، والعرض، والجهة، وغيرها من الأمور التي تتنافىٰ وتنزيهه تعالىٰ عن مشاكلة الجسميات ومشابهتها، وأكد الكراچگي علىٰ أن العدل الإلهي: هو تنزيه الله سبحانه عن فعل القبيح، وأنه لا يظلم الناس، وإن كان قادراً علىٰ الظلم، لأنه عالم بقبحه.

10- يرى الشيخ الكراچگي أن للعقل أثراً بارزاً في التمييز بين حسن الأشياء من قبحها، وقابليته لإدراك الأحكام الشرعية وبهذا خالف علماء الأشعرية حينما اتهموا باطلاً علماء الإمامية بقولهم أن الإمامية قد جعلوا العقل قبال الشارع المقدس في تشريع الأحكام.

11- وفي مسألة القضاء والقدر، أو الجبر والتفويض، فإننا وجدنا الكراچگي لا يخرج عن المدرسة الإمامية في خط وسط بين المعتزلة والأشاعرة. وهو ما عبرت عنه الأحاديث الواردة عن أهل البيت بـ «الأمر بين الأمرين».

12- أشار الكراچگي أن الله تعالىٰ لا يكلف الناس بما لا يطيقون، كون الله تعالىٰ يعلمُ بقدرة الإنسان وطاقته، فليس من الحكمة أن يكلفه بما هو خارج عن قواه وطاقته.

وفيما يخصُّ الاستطاعة، فقد أكد الكراچگي بتقدمها علىٰ الفعل، إذ أن العبد لا يكون مكلفاً للفعل إلّا بالاستطاعة التي جعلها الله فيه.

13- أوضح الكراچگي أن النبوّة فعلٌ إلهي وهبةٌ ربانية يهبها الله لمن يشاء من عباده ويخصُ بها من يريد من خلقه، فالأنبياء «صلوات الله تعالىٰ عليهم» هم خير الخلق وصفوة البشر، وخصهم بالنبوة هو بمحض الفضل الإلهي، والحكمة الربانية، وشار الكراچگي إلىٰ وجود فارق بين النبيّ والرسول.

14- يرى الكراچگي ضرورة بعثة الأنبياء الكرام، ليكونوا سفراءً بين الله تبارك وتعالى وبين عباده حتّىٰ يبيّنوا للناسِ أوامر الله ونواهيه. وإن الأنبياء والرسل معصومون، مطهرون من كل دنس، وأنهم لا يذنبون ذنباً لا صغيرً ولا كبيراً، ولا يعصون الله تعالىٰ ما أمرهم به، ويفعلون ما يؤمرون.

15- وفي فصل الإمامة فقد بيّن الكراچگي بأن الامامة نيابة عن النبي وهي من توابع النبوّة وفروعها، فكل دليل قام علىٰ وجوب بعثة النبيّ وإرسال الرسل فهو دالٌ علىٰ وجوب نصب النائب عنه والقائم مقامه في وضائفه فالإمامة أصل يتعلق بالنبوة وليس بفرعاً، وإن الإقرار بها فرض عام. وثبت وجوبها بالعقل والنقل.

16- أوضح الكراچگي أن الطرق إلىٰ تعيين الإمام عند الإمامية منحصر بالنص، كون الإمامة منصب إلهي يكون بجعل الله وتشريعه كالرسالة، وليس اعتباراً عرفياً أو عقلانياً، حتّىٰ يجعلها العرف والعقلاء.

17- بيّن الكراچگي أن العقل والنقل دالان علىٰ اشتراط العصمة والأعلمية والأفضلية والنص علىٰ الشخص الذي يخلف النبيّ، واثبت كثيراً من الأدلة النقلية من الكتاب العزيز والسنة الشريفة في إثبات أعلمية وأفضلية أمير المؤمنين علي علىٰ باقي الصحابة بعد النبي.


18- أن العدل الإلهي يقتضي بوجوب المعاد وعودة الأجساد إلىٰ الحياة من جديد، فيبعثه ليحاسبه علىٰ أعماله التي سلفت منه في دار الدنيا وهذا ما أكد عليه الكراچگي وهو مقتضىٰ ما ورد في الكتاب العزيز والسنة النبوية وادلة العقل.

19- وفيما يخصُ شفاعة النبي وأهل بيته، فقد أكد الكراچگي علىٰ أن للرسول والأئمة من بعده شفاعة مقبولة يوم القيامة ترجىٰ للمؤمنين من مرتكبي الآثام.

20- ردّ الكراچگي علىٰ قول المعتزلة بأن الإمامية مرجئة كونها ترجو من الله العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية، وأثبت أن المرجئة أسم مشتق من الإرجاء، فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة.

21- دافع الشيخ الكراچگي عن رأي الإمامية في القول بالبداء وبيّن بأن حقيقة البداء عبارة عن تغيير المصير بالأعمال الصالحة أو الطالحة، وهو الذي تقول به الشيعة الإمامية. وليس كما يعتقده مخالفوهم بأنه بداء ندامة.

وأخيراً: فهذه خطوط عامة اتضحت لي من خلال دراستي لهذه الشخصية الكلامية الفذة، أرجو أن أكون قد وفقتُ وهذا دعائي إلىٰ الله عزوجل، وإلّا فحسبي أنني قدمت جهدي علىٰ ما وقع في وسعي وطاقتي والله ولي التوفيق.

                                                                                الباحث

 


المصادر والمراجع

1- القرآن الكريم خير ما نبتدئ به.

2- نهج البلاغة. للإمام علي بي أبي طالب جمعه الشريف الرضي/ مؤسسة المختار للطباعة والنشر/ القاهرة، ط1، 1427 هـ .

ابن الأثير، أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت: 606هـ ).

3- النهاية في غريب الحديث والأثر . تح : طاهر أحمد الرازي .ومحمود محمد الطناحي، مطبعة شريعت، ط1، 1426 هـ .

ابن الأثير، علي بن محمد (ت: 630 هـ).

4- الكامل في التاريخ . تح : عبد الله القاضي / منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية/بيروت ، ط4، 1424.

5- اللباب في تهذيب الأنساب، تح: عبداللطيف حسن عبدالرحمن، دار الكتب العالمية/بيروت، ط1 1420هـ.

أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ).

6- مسند أحمد . دار الكتب العلمية / بيروت ، ط 1 ، 1413 هـ.

أحمد محمود صبحي .

7 - في علم الكلام.دار النهضة العربية/ بيروت، ط 5، 1405 هـ.

8 - نظرية الإمامة لدىٰ الشيعة الإثنىٰ عشرية. دار المعارف/ مصر، 1389 هـ.

آدم متز.

9- الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري. تر: محمد عبد الهادي أبو ريده. دار الكتب العربية / بيروت، ط 4، 1387 هـ.

الأسنوي، عبد الرحيم بن الحسن بن علي بن إبراهيم الاموي (ت : 772 هـ).

10- طبقات الشافعية .تح: كمال يوسف الحوت ، منشورات محمد علي بيضون. دار الكتب العلمية / بيروت ط 2 ، 1422 هـ.

الأشعري، أبو الحسن علي بن إسماعيل (ت: 324 هـ ).

11- الإبانة عن أصول الديانة. تح: بشير محمد عيون ، مكتبة دار البيان/ بيروت، ط5، 1424هـ .

12- اللّمع في الرد على أهل الزيغ والبدع . دار الكتب العلمية /بيروت، ط1، 1420 هـ.

13- مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين . مطبعة دار النشر فرانز شتايز، ط 3، 1400 هـ.

الأصفهاني، الميرزا عبد الله أفندي (ت : 1130 هـ ).

14- رياض العلماء وحياض الفضلاء . تح : محمود المرعشي والسيد أحمد الحسيني، منشورات مكتبة آية الله المرعشي / قم ط2، 1403 هـ .

الآمدي، أبو الحسن علي بن محمد بن سالم التغلبي (ت: 631 هـ ).

15- غاية المرام في علم الكلام. تح: أحمد فريد المزيدي. دار الكتب العلمية/بيروت ،ط4، 1424هـ.

الآملي، حيدر. 

16- أسرار الشريعة وأطوار الطريقة وأنوار الحقيقة.تحقيقات فرهنگي، مؤسسة مطالعات/طهران، 1362هـ .

الأمين، حسن (ت: 1368 هـ).

17- لمحات في تاريخ التشيع، تح: مركز الغدير للدراسات الإسلامية/دائرة معارف الفقه الإسلامية، ط1، 1419 هـ .

18- مستدركات أعيان الشيعة. دار التعارف للمطبوعات / بيروت ،ط5، 1419هـ .

الأمين، محسن الحسيني العاملي (ت : 1371 هـ ).

19- أعيان الشيعة. دار التعارف للمطبوعات / بيروت ، ط1، 1419 .

الأمين، عبد الحسين أحمد الأميني النجفي (ت: 1390 هـ ).

20- الغدير في الكتاب والسنة والأدب، دار الكتب الإسلامية / طهران 1366 هـ.

الايجي، عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد (ت: 756 هـ ).

21- المواقف في علم الكلام. مكتبة المتنبي / القاهرة (د ، ت ).

الباقلاني ، أبو بكر محمد بن الطيب (ت: 403 هـ ).

22- أعجاز القرآن، دار ومكتبة الهلال / بيروت ، ط 1، 1993م.

23- تمهيد الاوائل وتلخيص الدلائل في الرد على الملحدة والمعطلة والرافضة والخواج والمعتزلة، تح: أحمد فريد المزيدي .دار الكتب العلمية / بيروت ، ط1، 1426 هـ.

بحر العلوم ، محمد مهدي الطباطبائي (ت: 1212 هـ ).

24- رجال السيد بحر العلوم. تح: السيد محمد صادق بحر العلوم ، مطبعة الآداب / النجف الأشرف ،ط1، 1385 هـ .

البحراني، كمال الدين ميثم علي بن ميثم (ت: 699 هـ).

25- قواعد المرام في علم الكلام، تح: السيد أحمد الحسيني. منشورات مكتبة اية الله العظمى المرعشي النجفي / قم ، ط2، 1406هـ .

البحراني، هاشم بن سلمان عبد الجواد الحسيني التوبلي (ت: 1107 هـ).

26- البرهان في تفسير القرآن. مؤسسة دار التفسير، مطبعة إسماعيليان/ قم، ط1، 1417 هـ .

27- غاية المرام وحجة الخصام. تح: السيد علي عاشور، مؤسسة التاريخ العربي/بيروت، ط1، 1422هـ.

البحراني، يوسف بن أحمد (ت: 1186 هـ).

28- لؤلؤة البحرين. تح: محمدصادق بحر العلوم، مطبعة النعمان/النجف الأشرف ط2، 1389هـ .

البخاري، محمد إسماعيل بن إبراهيم (ت: 256 هـ).

29 - الصحيح. تح: مصطفى ديب البغا، دار ابن كثير للطباعة والنشر/بيروت، ط3، 1407هـ.

البدخشي، محمد بن معتمد خان، الحارثي (ت: 1126 هـ).

30 - نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار. تح: محمد هادي الأميني، شركة الكتبي للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1413هـ .

بدوي، عبد الرحمن.

31 - مذاهب الإسلاميين. دار العلم للملايين / بيروت ،ط2، 1426 هـ .

البروسوي، إسماعيل حقي (ت: 1137 هـ ).

32 ¬- تفسير روح البيان. دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع / بيروت ،ط2، 1424 هـ .

البغدادي، إسماعيل باشا بن محمد أمين الباباني(ت: 1339 هـ).

33- إيضاح المكنون في الذيل على كشف الضنون عن أسامي الكتب. دار إحياء التراث العربي/ بيروت، (د.ت).

34 - هدية العارفين وأسماء المؤلّفين وآثار المصنّفين. دار إحياء التراث العربي / بيروت .(د . ت).

البغدادي، صفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق (ت: 739 هـ).

35- مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع. تح:علي محمد البجاوي.دار إحياء الكتب العربية/ بيروت، ط1، 1374 هـ.

البغدادي، عبد القاهر بن طاهر التميمي (ت: 429 هـ).

36- أصول الدين. تح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1423هـ.

37- الفرق بين الفِرَق وبيان الفِرقة الناجية منهم. تح: لجنة إحياء التراث العربي/بيروت، ط2، 1408هـ .

البيضاوي، أبو سعيد عبد الله بن عمر فهد الشيرازي (ت: 791 هـ ) .

38- التفسير. دار الكتب العلمية / بيروت، ط1، 1424هـ .

البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسن (ت: 458 هـ).

39- السنن الكبرى ، تح : محمد عبد القادر عطا ، دار الكتب العلمية / بيروت، ط2، 1424هـ.

الترمذي، أبو عيسىٰ بن سورة (ت: 297 هـ).

40- سنن الترمذي. تح : محمود محمد محمود، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1، 1421 هـ .

التفتازاني، سعد الدين مسعود بن عمر الشافعي (ت: 791هـ).

41 - شرح المقاصد .تح : عبدالرحمن عميرة، منشورات الشريف الرضا /بيروت، ط 1، 1409 هـ.

ابن تيميه، أبو العباس تقي الدين أحمد بن عبد الحليم الحراني الدمشقي الحنبلي(ت: 728 هـ) .

42 - منهاج السنة المحمدية في نقض لكلام الشيعة والقدرية. دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1420هـ .

الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت: 255 هـ).

43-العثمانية، تح: عبد السلام محمد هارون، مكتبة الجاحظ/ مصر (د. ت).

جار الله، زهدي حسن.

44- المعتزلة.جامعة الدول العربية ، مطبعة مصر، 1366 هـ .

الجرجاني، السيد علي محمد علي (ت: 816 هـ ).

45- التعريفات. دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر/ بيروت، ط1، 1424 هـ.

46 - شرح المواقف للايجي. مطبعة السعادة / مصر، ط1، 1325 هـ .

الجلالي، محمد رضا الحسيني.

47- نظرات في تراث الشيخ المفيد. الناشر المؤتمر العالمي لالفية المفيد، ط1، 1413 هـ.

الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت: 395 هـ ).

48- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية. تح: شهاب الدين أبو عمر، دار الفكر للطباعة والنشر/بيروت، ط2، 1424هـ .

الجويني، عبد الملك بن يوسف (إمام الحرمين) (ت: 478 هـ).

49- الإرشاد إلىٰ قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد. دار الكتب العلمية/ بيروت، ط 1، 1416 هـ .

الحائري، كاظم الحسيني.

50- أصول الدين. دار البشير للطباعة و النشر/قم، ط3، 1427 هـ .

الحاكم النيسابوري، أبو عبد الله محمد بن عبد الله (ت: 405 هـ) .

51- المستدرك على الصحيحين.تح: مصطفى بن عبدالقادر عطا، دار الكتب العلمية/بيروت، ط2، 1422هـ .

ابن أبي الحديد، عز الدين أبو حامد عبد الحميد بن هبة الله المدائني (ت : 656هـ).

52 - شرح نهج البلاغة. منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي/قم، ط2، 1385 هـ.

الحر العاملي، محمد بن الحسن (ت: 1104 هـ).

53- أمل الآمل. تح: السيد أحمد الحسيني، مطبعة الآداب/النجف الأشرف، ط1، 1385 هـ.

54 - التنبيه بالمعلوم من البرهان على تنزيه المعصوم عن السهو والنسيان. تح: محمود البدري، مركز النشر لمكتب الإعلام الإسلامي/ قم ،ط1، 1424 هـ.

55- الفصول المهمة في أصول الأئمة، تح: محمد بن محمد الحسيني القائيني، مؤسسة المعارف الإسلامي الإمام الرضا، مطبعة نگين/ قم، ط1، 1418 هـ.

56- وسائل الشيعة إلىٰ تحصيل مسائل الشريعة. تح: محمد الرازي. دار إحياء التراث العربي / بيروت، ط4، 1319 هـ.

الحراني، أبو محمد حسن بن علي الحسين بن شعبة (ت: 381 هـ).

57- تحف العقول عن آل الرسول، تح: علي أكبر الغفاري.

مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم، ط2، 1404 هـ.

حرز الدين، محمد (ت: 1365 هـ).

58 - مراقد المعارف. تح: محمد حسين حرز الدين، مطبعة شريعة/قم،ط2، 1380 هـ .

ابن حزم، علي بن أحمد الأندلسي (ت: 456 هـ).

59 - الفصل في الملل والأهواء والنحل، مكتبة الخانجي/ القاهرة (د. ت ) .

الحسن، عبد الله.

60- مناظرات في العقائد والأحكام. منشورات ، دليل ، مطبعة عترت / قم ،ط2، 1421 هـ .

حسن مكي العاملي.

61 - بداية المعرفة. دار المغرب للطباعة والنشر / بغداد ( د. ت).

الحسني، هاشم معروف العاملي .

62- الشيعة بين الأشاعرة المعتزلة. دار النشر للجامعين/ بيروت، ط 1، 1384.

الحكيم، محمد باقر (ت: 1424 هـ).

63- علوم القرآن. مؤسسة شهيد المحراب للتبليغ الإسلامي، ط 1، 1426 هـ.

الحموي، شهاب الدين أبي عبد الله ياقوت بن عبد الله (ت: 626 هـ).

64- معجم البلدان. تح: فريد عبد العزيز الجندي، دار الكتب العلمية /بيروت. (د.ت).

حنفي، د. حسن.

65- من العقيد إلىٰ الثورة (( النبوّة والمعاد )) دار التنوير للطباعة والنشر/ بيروت، ط1، 1409 هـ.

خالد عزام.

67- موسوعة التاريخ الإسلامي (( العصر العباسي )). دار أسامة للنشر والتوزيع/الأردن، ط1، 1427هـ.

الخرازي، محسن.

68- بداية المعارف الإلهية. تح ونشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم، ط1، 1366هـ.

الخضري، محمد بن عفيقي الباجوري (ت: 1345 هـ).

69 - محاضرات في تاريخ الأمم الإسلامية ((الدولة العباسية)). المكتبة التجارية الكبرى/مصر، ط10، (د. ت).

الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي (ت: 463 هـ).

70- تاريخ بغداد أو مدينة السلام . دار الكتب العلمية / بيروت ط1، 1407 هـ .

ابن خلدون، عبد الرحمن أبو زيد ولي الدين (ت: 808 هـ).

71- مقدمة ابن خلدون. دار الكتب العلمية/بيروت، ط8 ، 1424 هـ .

ابن خلكان، أحمد بن محمد بن أبي بكر (ت: 681 هـ).

72- وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان. تح: يوسف علي طويل ود. مريم قاسم طويل. دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1419 هـ .

الخن، مصطفى سعيد.

73- مبادئ العقيدة الإسلامية. مطبعة جامعة دمشق، ط4، 1411 هـ.

الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي (ت: 1413 هـ).

74- البيان في تفسير القرآن. مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي/طهران، ط30، 1424 هـ .

75 - معجم رجال الحديث.مطابع مركز نشر الثقافة الإسلامية/ قم، ط5، 1413 هـ.

الخوارزمي، الموفق أحمد بن محمد المكي (ت: 568 هـ).

76 - المناقب. تح: مالك المحمودي. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين/قم، ط2، 1414هـ .

الخوانساري، الميرزا محمد باقر الموسوي الأصبهاني (ت: 1313 هـ).

77- روضات الجنّات في أحوال العلماء والسادات. مطبعة الدار الإسلامي/ قم، ط1، 1411هـ.

الخياط،  أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد بن عثمان . (ت: 300 هـ).

87- الانتصار والرد على ابن الرواندي الملحد. المطبعة الكاثوليكية/ بيروت، 1975م.

أبو داود، سليمان الأشعث السجستاني (ت: 275 هـ).

79- سنن أبي داود.مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي واولاده/مصر (د.ت).

الدارمي، أبو محمد عبد الله بن عبد الرحيم بن هرام (ت: 255 هـ).

80- سنن الدارمي. دار الفكر للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1424 هـ .

د ستغيب، عبد الحسين.

81- سلسلة أصول الدين. ترجمة: أحمد القبانچي، الدار الإسلامية للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1408هـ.

دي بور.

82 - تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة: محمد عبد الهادي أبوريدة. مطبعة الجنة للتأليف والترجمة: والنشر / القاهرة، ط1، 1357 هـ.

الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان (ت: 748 هـ).

83 - تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.تح: د. عبدالسلام التدمري دار الكتاب العربي/ بيروت ،ط2، 1423 هـ.

84- العبر في خير من عبر. دار الفكر للطباعة والنشر/ بيروت، ط1، 1418هـ.

85- ميزان الاعتدال في نقد الرجال.دار الفكر للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1424هـ.

الرازي الحمصي، سديد الدين محمود. (من أوائل القرن السابع الهجري).

86- المنقد من التقليد. تح: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة.لجماعة المدرسين/ قم، ط1، 1412 هـ.

الرازي، فخر الدين محمد بن الحسن بن الحسين (ت: 606 هـ).

87- الأربعين في أصول الدين. مطبعة جامعة طهران/ طهران، ط1، 1371 هـ .

88- التفسير الكبير. دار الفكر للطباعة والنشر/ بيروت، ط3، 1408 هـ.

89- عصمة الأنبياء.طبع ونشر المكتبة الشرقية، ط1، 1410 هـ.

90- المحصل. تح: د.حسين اتاي، منشورات الشريف الرضي،مطبعة أمير/قم، ط1، 1420 هـ.

الرازي، محمد بن بكر بن عبد القادر (ت: 371 هـ).

91- مختار الصحاح .دار ومكتبة الهلال/ بيروت ، 1408 هـ.

الراوندي، قطب الدين سعيد بن هبة الله (ت: 573 هـ).

92- الخرائج والجرائح .تح : ونشر مؤسسة الإمام المهدي #/ قم، ط1، 1409 هـ.

ابن رشد، محمد بن أحمد بن محمد أحمد (ت: 595 هـ).

93- تهافت التهافت. دار الكتب العلمية/ بيروت، ط2، 1424 هـ.

94- مناهج الأدلة في عقائد الملة. تح: محمود قاسم. مكتبة الانجلو المصرية/ القاهرة، 1955م.

أبو ريان، محمد علي.

94- تاريخ الفكر الفلسفي في الإسلام. دار الجامعات المصرية ، ط2، 1973م.

الزبيدي، محمد مرتضى الحسيني الواسطي (ت : 1205 هـ).

95- تاج العروس من جواهر القاموس.تح:علي بشيري. دار الفكر للطباعة والنشر/بيروت، ط2، 1414هـ .

الزرگلي، خير الدين (ت: 1410 هـ).

96- الاعلام. دار العلم للملابين/ بيروت، ط16، 1425 هـ.

الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود عمر بن محمد الزمخشري (ت: 538 هـ).

97- تفسير الكشاف. دار الكتب العلمية/ بيروت ، ط3، 1424 هـ.

زين الدين، أبو محمد علي بن يونس النباطي (ت: 877 هـ).

98- الصراط المستقيم في مستحقي التقديم، تح: محمد باقر البهبودي . نشر المكتبة الرضوية / طهران، ط1، 1384 هـ.

99- عصر المنجود. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت، ط2، 1408 هـ .

زين الدين بن علي الجبعي العاملي (ت: 965 هـ).

100- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت، ط2، 1387هـ.

السبحاني، جعفر.

101- الإلهيات علىٰ هدىٰ الكتاب والسنّة والعقل. المركز العلمي للدراسات الإسلامية/قم،ط1، 1420هـ.

102- العقيدة الإسلامية في ضوء مدرسة أهل البيت. دار التعارف للمطبوعات / قم (د.ت).

103- معجم طبقات المتكلمين. مؤسسة الإمام الصادق / قم ، ط1، 1424 هـ.

ابن سعد محمد بن سعد بن منبع الهاشمي البصري (ت: 230 هـ).

104- الطبقات الكبرى. تح: محمد عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1، 1410 هـ .

السفاريني. محمد بن أحمد الحلبي الأثري (ت: 1188 هـ).

105- لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية.مطبعة المنار الإسلامية/مصر، ط1، 1323هـ.

سليمان طاهر.

106- تاريخ الشيعة. تح: عبد الله سليمان طاهر. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت، ط1، 1422 هـ.

السمعاني، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد بن منصور (ت: 562 هـ).

107- الأنساب. دار الكتب العلمية / بيروت، ط2، 1419 هـ.

ابن سينا، أبو علي الحسين بن أبي عبد الله (ت: 428 هـ).

108- الشفاء (الإلهيات). تح : الاب قنواتي ، المطبعة الحيدرية /القاهرة ، 1960م.

109- النجاة في الحكمة المنطقية والإلهية. مطبعة السعادة / مصر، ط2، 1357 هـ .

السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر (ت: 911 هـ).

110- الإتقان في علوم القرآن. دار المعرفة / بيروت، ط 4، 1398 هـ.

111- الدر المنثور في التفسير المأثور. دار الكتب العلمية / بيروت، ط4، 1424 هـ.

شرف الدين، عبد الحسين (ت: 1377 هـ).

112- الكلمة الغراء في تفضيل الزهراء. الإمام للنشر والدراسات الإسلامية/بيروت، 1416هـ .

113- المراجعات. تح : حسين الراضي. نشر مؤسسة دار الكتب الإسلامي / قم، ط2، 1414 هـ.

الشريف المرتضىٰ، أبو القاسم علي بن الحسين (ت: 436 هـ ).

114- الآمالي. تح: محمد بدر الدين النعمان، منشورات مكتبة الإمام المرعشي النجفي/قم، ط1، 1352هـ.

115- الآيات الناسخة والمنسوخة. تح: علي جهاد الحساني. مؤسسة البلاغ للطباعة والنشر / بيروت، ط2، 1421 هـ.

116- تنزية الأنبياء .منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات / بيروت ،ط1، 1412 هـ .

117- جمل العلم والعمل. تح : رشيد الصفار، مطبعة النعمان /النجف الأشرف، ط1، 1387هـ.

118- رسائل المرتضىٰ: تح : السيد أحمد الحسني. دار القرآن الكريم للطباعة والنشر/ قم مطبعة سيد الشهداء/ قم، ط1، 1405 هـ.

119- الذخيرة. تح: وليد أحمد الحسيني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم، ط1، 1405هـ.

120- الشافي في الإمامة. تح: السيد عبدالزهرة الحسيني الخطيب، مؤسسة الصادق للطباعة والنشر مطبعة شريعة/ طهران، ط2، 1426 هـ.

ابن أبي الشريف، مال الدين محمود بن محمد المقدسي (ت: 905 هـ).

121- المسامرة في شرح المسايرة. دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1، 2002 هـ.

شمس الدين، محمد مهدي.

122- نظام الحكم والإدارة في الإسلام. منشورات دار أحمد للطباعة والنشر،مطبعة الأنصاف بيروت، ط1، 1374 هـ.

ابن شهرآشوب، مشير الدين أبو عبد الله محمد بن علي المازندراني (ت: 588 هـ ).

123- معالم العلماء. منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف، ط1، 1380هـ.

124- مناقب آل أبي طالب ، المطبعة الحيدرية/النجف الأشرف، ط1، 1376هـ.

الشهرستاني، أبو الفتح محمد بن عبد الكريم بن أحمد (ت: 548 هـ).

125- المملل والنحل.دار الكتب العلمية / بيروت، ط2، 1413هـ.

126- نهاية الأقدام في علم الكلام، مكتبة المتنبي/ القاهرة (د.ت) .

الشيرازي.صدر الدين محمد بن إبراهيم (ت: 1050 هـ).

127- تفسير القرآن الكريم. انتشارات بيدار/قم، ط3، 1379هـ.

128- الحكمة المتعالية في الإسفار العقلية الأربعة. دار إحياء التراث العربي/بيروت، ط4، 1410هـ.

129- المبدأ والمعاد .دار الهادي للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1420 هـ.

صاحب نصار.

130- جهود الشيخ المفيد الفقهية ومصادر استنباطه، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية /     قم، ط1، 1421 هـ.

الصدر، حسن السيد هادي الكاظمي (ت: 1354 هـ).

131- تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام. مؤسسة النعمان للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1411 هـ.

الصدر، مهدي.

132- أصول العقيدة التوحيد والعدل. دار الزهراء للطباعة والنشر/ بيروت ، ط3، 1393 هـ.

الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (ت: 381 هـ).

133- الآمالي. تح ونشر: قسم الدراسات الإسلامية، مؤسسة البعثه/طهران ،ط1، 1417 هـ.

134 - التوحيد. تح: السيد هاشم الحسيني الطهراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجامعة المدرسين /قم، ط9، 1427 هـ.

135- الخصال. تح: علي أكبر الغفاري. طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم، ط6، 1424 هـ.

136- عيون أخبار الرضا. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت، ط1، 1404 هـ.

137- من لا يحضره الفقيه. تح: السيد حسن الخرسان، دار الأضواء/بيروت، ط6، 1405 هـ.

138- كمال الدين وإتمام النعمة. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت، ط1، 1412هـ.

139- معاني الأخبار. منشورات المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف، ط1، 1391 هـ .

الصغير، محمد حسين علي.

140- نظرات معاصرة في القرآن الكريم. دار المؤرّخ العربي/بيروت، ط1، 1420 هـ.

الصفدي، صلاح الدين خليل بن أيبك (ت: 764 هـ).

141- الوافي بالوفيات. المطبعة الهاشمية / دمشق، ط1، 1959م.

أبو الصلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم الدين بن عبد الله (ت: 447 هـ).

142- تقريب المعارف في علم الكلام. تح: رضا الأستاذي مطبعة الدار الإسلامية/قم، ط1، 1404هـ.

الطباطبائي، محمد حسين (ت : 1402هـ ).

143- الميزان في تفسير القرآن. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت، ط1، 1417هـ.

الطبراني، سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي (ت: 360 هـ).

144- المعجم الكبير، تح: حمدي عبد الحميد السلفي، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر/بيروت، ط2، 1423هـ.

الطبرسي، أبو علي الفضل بن الحسن (ت: 548 هـ).

145- أعلام الورىٰ باعلام الهدىٰ . تح : مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مطبعة ستارة/قم، ط1، 1417هـ.

146- مجمع البيان في تفسير القرآن. تح: لجنة من العلماء والمحققين المختصّين مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت، ط 1، 1415هـ.

الطبرسي، منصور أحمد بن علي بن أبي طالب (ت : 560 هـ).

147- الاحتجاج. منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت، ط3، 1421هـ.

الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير (ت: 310 هـ).

148- جامع البيان في تفسير القرآن. دار المعرفة للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1400هـ.

الطريحي، فخر الدين بن عمر بن علي (ت: 1085هـ).

149- مجمع البحرين. منشورات دار ومكتبة الهلال/بيروت، ط2، 1985م.

طقوش، محمد سهيل.

150- تاريخ الدولة العباسية. دار النفائس للطباعة والنشر/بيروت، ط5، 1426 هـ.

151- تاريخ الفاطميين في شمال أفريقيا ومصر وبلاد الشام. دار النفائس للطباعة والنشر/بيروت ط1، 1422 هـ .

الطهراني، »أغا برزگ« محمد محسن (ت: 1389 هـ).

152- الذريعة في تصانيف الشيعة. مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر/قم، ط3، 1408هـ.

153- طبقات إعلام الشيعة. مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر/قم، ط2، (د.ت).

154- مصفىٰ المقال في مصنفي علم الرجال. دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر/بيروت، ط2،  1408 هـ.

الطوسي ، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت: 460 هـ).

155- الاقتصاد في ما يتعلق بالاعتقاد. دار الأضواء/بيروت، ط2، 1406هـ.

156- الآمالي. منشورات المكتبة الأهلية للسيد شمس الدين الجبوري/بغداد، 1348هـ.

157- التبيان في تفسير القرآن. تح: أحمد حبيب، نشر مكتبة الأمين/النجف الأشرف، ط1، 1383هـ.

 158- تلخيص الشافي. تح: حسين بحر العلوم، مطبعة معراج/قم، ط1، 1383هـ.

159- تمهيد الأصول في علم الكلام. انتشارات دانشگاه/طهران، 1362هـ.

160- تهذيب الأحكام. تح: السيد حسن الخرسان, مطبعة النعمان/النجف الأشرف، ط2، 1383هـ.

161- رجال الطوسي. تح: السيد محمّد محمّد صادق بحر العلوم ، المطبعة الحيدرية/النجف الأشرف، ط1، 1381 هـ.

162 - الرسائل العشر. مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم (د.ت).

163 - الغيبة. تح: عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناجح، مؤسسة المعارف الإسلامية للطباعة والنشر، قم/ط3، 1425هـ.

عبد الله شبر بن محمد رضا الحسيني الكاظمي، (ت: 1242 هـ) .

164- حق اليقين في معرفة أصول الدين. أنوار الهدىٰ للطباعة والنشر/قم، ط1، 1423هـ .

عبد الله نعمة (ت: 1303 هـ).

165- الأدلة الجلية في شرح الفصول النصيريّة. دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1406هـ.

166- فلاسفة الشيعة حياتهم وآرائهم. دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر/ط1، 1407 هـ.

167- هشام بن الحكم. دار الفكر اللبناني للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1405هـ.

ابن أبي العز، صدر الدين علي محمد الاذرعي (ت: 746هـ).

168- شرح الطحاوية في العقيدة السلفية، المطبعة السلفية/مكة المكرمة، ط1، 1349هـ.

ابن عساكر، أبو قاسم علي بن الحسين بن هبة الله الدمشقي (ت: 571 هـ).

169- تاريخ دمشق. تح: عمر بن غرامة العمروي، دار الفكر للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1417 هـ.

العسقلاني، شهاب الدين بن الفضل أحمد بن علي بن حجر (ت: 852 هـ).

170- لسان الميزان. دار الفكر للطباعة والنشر/بيروت، ط2 ، 1424 هـ.

العلامة الحلي، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهر (ت: 726 هـ).

171- أنوار الملكوت في شرح الياقوت. انتشار / دانشگاه / طهران ، ط1، 1338 هـ.

172- الرسالة السعدية. تح: عبد الحسين محمد علي، دار الصفوة / بيروت، ط1، 1413هـ.

173-كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد. تح: حسن حسن زاده الآملي، طبع ونشر مؤسسة النشر الإسلامية التابعة الجماعة المدرسين/ قم ، ط 11، 1427 هـ.

174- مناهج اليقين في أصول الدين، تح: يعقوب الجعفري المراغي، دار الاسوه للطباعة والنشر، ط1، 1415 هـ .

175- نهج الحق وكشف الصدق. تح: الارموي، منشورات، دار الهجرة /إيران مطبعة ستارة/قم ، ط2، 1414 هـ .

علي حسين مكي.

176- معتقدات الشيعة. مؤسسة النبراس للطباعة والنشر/النجف الأشرف، ط1، (د.ت).

ابن عماد، أبو الفلاح عبد الحي الحنبلي (ت: 1089هـ).

177 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب. دار المسيرة للطباعة والنشر / بيروت ،ط2، 1399 هـ.

العياشي، أبو النظر محمد بن مسعود بن عياش السلمي (ت : 320 هـ).

178- تفسير العياشي .تح: هاشم الرسولي المحلاتي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت، ط1، 1411هـ.

العيني، بدر الدين محمود بن أحمد (ت : 855).

179- عمدة القارئ. دار إحياء التراث العربي/ بيروت (د. ت).

الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت: 505 هـ).

180- الاقتصاد في الاعتقاد .تح: علي بو ملحم، دار ومكتبة الهلال/ بيروت، ط3، 2002م.

181- تهافت الفلاسفة. تح: أحمد شمس الدين، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1، 1424 هـ.

182- سر العالمين وكشف ما في الدار ين. مطبعة النعمان/ النجف الأشرف، ط1، 1385 هـ .

183- المنقذ من الضلال والموصل إلىٰ ذي العزة والجلال.تح: د. جميل صلبيا و د. كامل عبادى، مطبعة الجامعة السورية، ط5، 1385 هـ.

الفارابي، أبو نصر محمد بن طرخان (ت: 339 هـ).

184- آراء أهل المدينة الفاضلة. دار المشرق للطباعة والنشر/ بيروت، ط8، 2002م.

ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت: 395 هـ).

185- معجم مقاييس اللغة. تح: عبدالسلام محمد هارون، الدار الإسلامية لطباعة والنشر/ لبنان، ط2، 141هـ .

الفراهيدي، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد (ت: 175 هـ).

186- العين. تح: د. مهدي المخزومي و د. إبراهيم السامرائي مؤسسة دار الهجرة /بيروت، ط2.

الفضلي، عبد الهادي.

187- خلاصة علم الكلام. دار الكتاب الإسلامي، مطبعة ستاره/ قم، ط2، 1427هـ.

الفيض الكاشاني، محمد محسن (ت: 1090 هـ).

188- علم اليقين في أصول الدين. تح: محسن بيدا رمز، مطبعة أمير/ قم، ط1، 1418 هـ .

الفيومي، أحمد بن محمد بن علي المقري (ت: 770هـ).

189- المصباح المنير. منشورات دار الهجرة/ قم، ط1، 1405 هـ.

القاضي عبد الجبار، بن أحمد الاستربادي المعتزلي (ت: 415 هـ).

190- شرح الأصول الخمسة. تح: أحمد بن الحسين بن بني هاشم، دار إحياء التراث العربي/ بيروت، ط1، 1422 هـ.

191- المغني في أبواب التوحيد والعدل، تح: أبو العلاء العفيفي، دار الكتب/ط1، 1380هـ.

القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت: 671 هـ).

192- الجامع لإحكام القرآن. تح: سالم مصطفى البدري، دار الكتب العلمية/بيروت، ط2، 1424هـ.

القزويني، د. جودت.

193- تاريخ المؤسسة الدينية الشيعية في مصر 300 هـ - 912 هـ. دار الرافدين للطباعة والنشر / بيروت، ط1، 1426 هـ.

القمي، أبو الحسن علي بن إبراهيم (ت: 329 هـ).

194- تفسير القمي. منشورات الأعلمي للمطوعات/ بيروت، ط1، 1412 هـ.

القمي، عباس محمد رضا (ت: 1359 هـ).

195- الكنىٰ والألقاب. تح: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/قم، ط1، 1424هـ.

القوشجي، علاء الدين علي بن محمد (ت: 879 هـ).

196- شرح تجريد الكلام، مطبعة الرضي وبيدار العزيزي/ قم (د. ت).

197- الكتاب المقدس، كتاب الحياة، ترجمة تفسيرية، الناشر: جي سي ستتر/ القاهرة، ط4، 1992م.

ابن كثير ، عماد الدين أبو الفداء إسماعيل ( ت: 774 هـ).

198- البداية والنهاية في التاريخ. تح: أحمد أبو ملحم و د. عنجيب عطوي، دار الكتب العليمة/ بيروت، ط1، 1408 هـ.

199- تفسير القرآن العظيم. دار الخير للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1414 هـ.

كحالة، عمر رضا .

200- معجم المؤلّفين. دار إحياء التراث العربي/ بيروت، ط1، 1376 هـ.

الكراچگي، أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان (ت: 449 هـ).

201- الإبانة عن المماثلة في الاستدلال بين النبوّة والإمامة. طبع حجرية/ إيران 1370 هـ.

202- الاستنصار. النجف الأشرف: ط1، 1356 هـ .

203- التعجب. تح: علي الكوراني، مكتبة الشيرازي العالمية/ بيروت، ط2، 1424 هـ.

204- التعريف بوجوب حق الوالدين. تح: السيد حسين الموسوي البروجودي. منشورات دليل مطبعة نگارشي/ طهران، ط1، 1427 هـ.

205- التفضيل. عني بنشره جلال الدين المحدّث ومحمد الآخوند، دار الكتب الإسلامية/طهران 1370هـ.

206- كنز الفوائد. تح: عبد الله نعمة، دار الأضواء/ بيروت، ط2، 1405 هـ.

207- النص بخبر الغدير. تح: علاء آل جعفر، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم، ط1، 1416هـ.

الكليني، أبو جعفر محمد بن يعقوب بن إسماعيل (ت: 328 هـ).

208- الأصول في الكافي. تح: محمد جعفر شمس الدين، دار التعارف للمطبوعات/بيروت، ط2، 1419هـ.

الكندي، أبو يوسف يعقوب بن إسحاق (ت: 256 هـ).

209- رسائل الكندي الفلسفية. تح: محمد عبدالهادي أبوريدة، دار الفكر العربي مطبعة الاعتماد/ مصر 1369هـ.

اللّاري، مجتبى الموسوي.

210- أصول العقائد في الإسلام. الدار الإسلامي للطباعة والنشر/ بيروت، ط1، 1408هـ.

اللاهيجي، عبد الرزاق (1051 هـ).

211- شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام /طبعة حجرية / إيران .

اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق.

212- معجم التراث الكلامي. بأشراف جعفر السبحاني، مؤسسة الإمام الصادق، مطبعة الاعتماد/ قم، ط1، 1423 هـ.

لؤيس معلوف.

213- المنجد في اللغة. مطبعة أميران/ قم، ط 37، 1422 هـ.

المازندراني، محمد صالح (ت: 1081 هـ).

214- شرح أصول الكافي. تح: ميرزا أبو الحسن الشعراني. دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر/ بيروت، ط1، 1421 هـ.

المامقاني، عبد الله بن محمد حسن (ت: 1351 هـ).

215- تنقيح المقال في أصول الرجال. تح: محيي الدين المامقاني. مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ، مطبعة ستاره/قم، ط1، 1424 هـ.

الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البغدادي (ت: 450هـ).

216- الأحكام السلطانية والولايات الدينية. منشورات دار الكتب العلمية/بيروت، ط1، 1380هـ.

217- أعلام النبوّة. دار ومكتبة الهلال/ بيروت، ط1، 1409 هـ.

المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي (ت: 1111 هـ).

218- بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار. مؤسسة الوفاء للطباعة والنشر، بيروت، ط2، 143 هـ .

219- العقائد ، تح: حسين درگاهي، مؤسسة الهدى للطباعة والنشر، ط1، 1420هـ.

المحقق الطوسي، نصير الدين محمد بن محمد بن الحسن (ت: 672 هـ).

220- تلخيص المحصل. دار الأضواء/ بيروت، ط2، 1405 هـ.

221- قواعد العقائد. تح: علي الرباني، لجنة ادارة الحوزة العلمية/ قم مطبعة أمير، ط1، 1416 هـ.

محمد بخيت.

222- القول المفيد. المطبعة الخيرية/ مصر 1326 هـ.

محمد بن علي بن سلوم (ت: 1246 هـ).

223- مختصر لوائح الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية. تح: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية / بيروت، ط2، 1403 هـ.

محمد جواد مشكور.

224- موسوعة الفرق الإسلامية. تعريب علي هاشم، مجمع البحوث الإسلامية للدراسات والنشر/ بيروت، ط1، 1415هـ.

محمد عبده (ت: 1323 هـ).

225- رسالة التوحيد. دار الكتب العلمية/ بيروت (د. ت).

المرعشي. نور الله الحسيني التستري (ت: 1019 هـ ).

226- إحقاق الحق وإزهاق الباطل. منشورات مكتبة آية الله المرعشي/ قم (د. ت).

مسلم، أبو الحسن مسلم بن الحجاج. (ت: 260هـ).

227- صحيح مسلم. دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1، 1412 هـ.

مصطفى، إبراهيم وآخرون.

228 - المعجم الوسيط. منشورات ناصر خسرو، مطبعة باقري/ قم ط4، 1426 هـ .

ابن المطهر، أحمد بن سليمان بن محمد (ت: 566 هـ).

229- حقائق المعرفة في علم الكلام. مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية/ قم، ط1، 1424 هـ .

المطهري، مرتضىٰ بن محمد بن حسين (ت: 1399 هـ).

230- التوحيد. تر: إبراهيم الخزرجي، دار المحجة البيضاء. للطباعة والنشر/بيروت، ط1، 1418هـ.

231- مفاهيم إسلامية. طبع ونشر مؤسسة أهل البيت 1987م.

المظفر، محمد حسن (ت: 1375 هـ).

232- دلائل الصدق. دار المعلم للطباعة والنشر/ القاهرة، ط1، 1396 هـ.

233- علم الإمام. دار الزهراء للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1402هـ .

المظفر محمد رضا (ت : 1383 هـ).

234- أصول الفقه، منشورات إسماعليان، مطبعة نينوا/ قم، ط2، 1425 هـ.

235- عقائد الإمامية. مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر/ قم، ط5، 1432 هـ.

مغنية، محمد جواد (ت: 1400 هـ).

236- فلسفات إسلامية. دار التعارف للمطبوعات/ بيروت، ط1، 1398 هـ.

المفيد، أبو عبد الله محمد بن النعمان العكبري (ت: 413هـ).

237- الاختصاص. تح: علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي/قم، ط6، 1418هـ.

238- الإرشاد. تح: ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، مطبعة مهر/ قم، ط2، 1416هـ.

239- الأمالي. تح: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي / قم ط5، 1425 هـ.

240- أوائل المقالات في المذاهب والمختارات. تح: فضل الله الزنجاني. مطبعة رضائي/تبريز، ط2، 1370 هـ.

241- تصحيح الإعتقاد بصواب الإنتقاد ، دار الكتب الإسلامية/ بيروت، 1403هـ.

242- المسائل العبكرية. دار المفيد للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1414 هـ.

243- النكت الإعتقادية. المجمع العلمي لأهل البيت، ط1، 1413 هـ.

المقداد السيوري، بن عبد الله بن محمد الحلي الأموي (ت: 826 هـ).

244- إرشاد الطالبين في نهج المسترشدين. تح: مهدي الرجائي. نشر مكتبة آية الله المرعشي النجفي، مطبعة سيد الشهداء/ قم ، ط1، 1405 هـ.

245- اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية. تح: مجمع الفكر الإسلامي، مطبعة شريعت/قم ،ط1، 1424هـ.

246- النافع يوم الحشر. منشورات مؤسسة مسلم بن عقيل للطباعة والنشر/النجف الأشرف، ط1، 1428هـ .

المقلد، علي.

247- نظام الحكم في الإسلام ، دار الاضواء / بيروت ، ط1، 1406 هـ.

منتجب الدين، أبو الحسن عل بن عبد الله بن بابوية (ت: 585 هـ).

248- فهرست أسماء علماء الشيعة ومصنّفاتهم. تح: عبدالعزيز الطباطبائي. دار الاضواء/ بيروت، ط2، 1406هـ.

ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (ت: 711 هـ).

249- لسان العرب. تح: عمار أحمد حيدر ، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط11، 1426هـ.

النجاشي، أبو العباس أحمد بن علي (ت: 450 هـ).

250- الرجال، مطبعة مصفوي/طهران (د.ت).

ابن النديم، أبو الفرج محمد بن أبي يعقوب إسحاق الوراق (ت: 385هـ ).

251- الفهرست، المطبعة الرحمانية/ مصر، ط1، 1348 هـ.

النسائي، أبو عبد الله أحمد بن شعيب (ت: 303هـ).

252- فضائل الصحابة. دار الكتب العلمية/ بيروت ( د. ت ) .

النوري، حسين الطبرسي (ت: 1320هـ).

253- خاتمة المستدرك، تح: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث مطبعة ستارة/ قم ، ط1، 1416هـ.

النيسابوري/ أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي (ت: 468 هـ).

254- أسباب النزول، تح: عصام بن عبد المحسن الحميدان. مؤسسة الريان للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1420 هـ.

ابن هشام، أبو محمد بن عبد الملك بن هشام الحميري (ت: 418 هـ).

255- السيرة النبوية. تح: مصطفى السقا واخرون، دار إحياء التراث العربي / بيروت / (د . ت ).

هشام عثمان.

256- تاريخ الشيعة في ساحل بلاد الشام، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/بيروت، ط1،1414هـ .

ابن الهمام، كمال الدين محمد بن همام الدين عبد الواحد (ت: 681 هـ).

257- المسايرة في علم الكلام. المطبعة المحمودية/ مصر، ط1، (د. ت).

الهيثمي، علي بن أبي بكر (ت: 708 هـ).

258- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. دار الكتب العلمية/ بيروت، ط1، 1408 هـ.

الورداني، صالح.

259- عقائد السنة وعقائد الشيعة التقارب والتباعد. منشورات مكتب الغدير للطباعة والنشر/ بيروت، ط2، 1424 هـ.

آل ياسين، محمد حسن،

260- أصول الدين. مؤسسة قائم آل البيت  (# / قم، ط1، 1413 هـ .

اليافعي، أبو محمد عبد الله بن اسعد بن علي بن سليمان (ت: 768 هـ).

261- مرآة الجنان وعبر اليقضان . دار الكتب العلمية/بيروت، ط2، 1417 هـ.

اليزدي، محمد تقي مصباح.

262- دروس في العقيدة الإسلامية ترجمة: هشام محمد منشورات مؤسسة الهدى/طهران ،ط4، 1424هـ.

263- النبوة في القرآن. تر: محمد عبدالمنعم الخاقاني منشورات فقاهية/مطبعة آفق/طهران، ط1، 1426هـ.


المخطوطات

د. باسم باقر جريو.

الاصلح عند المتكلمين ( غير منشور ).

هشام بن الحكم ومشبهة التجسيم ( غير منشور ).


الرسائل الجامعية

د. باسم باقر جريو.

1- العلامة الحلي وآرؤه الكلامية، رسالة ماجستير، جامعة بغداد/لكلية العلوم الإسلامية 1413هـ.

د. رؤوف الشمري.

2- الشريف المرتضى متكلما . رسالة ماجستير ، جامعة بغداد /لكية العلوم الإسلامية 1412هـ.


(( المجلات والدوريات ))

مجلة تراثنا.

1- مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث، مكتبة العلّامة الكراچگي العدد ( 43-44).

السنة الحادية عشر رجب - 1416 هـ ).

مجلة المنهاج.

2- يحيى محمد: حقيقة النبوّة في الفكر الفلسفي العرفاني عدد (33) سنة 9 مركز الغدير 1425 هـ.

*    *    *

Comments