أطروحة تقدّم بها الطالب : علي رجب علي محمد علي / إلى مجلس كلية الفقه بجامعة الكوفة وهي جزء من متطلبات درجة الدكتوراه في الشريعة والعلوم الإسلامية ، بإشراف الأستاذ الدكتور : عباس علي كاشف الغطاء ، 1441هـ - 2020م
مـقـدمــة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف خلقه وخير بريته وخاتم النبيين، محمد المصطفى المبعوث رحمة للعالمين وعلى أهل بيته الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجز وطهرهم تطهيراً، وعلى أصحابه المنتجبين .
تمتاز الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع كونها شريعة عامة للبشر ولجميع الأزمنة والأمكنة" بمنهج خالد يواكب العلم والتطور ووضع الحلول المناسبة لكل ما يواجه المجتمع الإنساني من مسائل في شتى المجالات؛ لأنّ الدين الإسلامي جاء لإصلاح المجتمع الإنساني ووضع نظاماً معتدلاً متوازناً يهدف إلى تحقيق مبدأ العدالة والتوازن بين طبقات الأمة، "والحفاظ على حقوقها بدون إفراط وتفريط، ومن بين هذه المسائل هو موضوع الأحوال الشخصية.
يعد موضوع الأحوال الشخصية من المواضيع المهمة جداً، سواء في المجتمع الإنساني على وجه العموم، أو في المجتمع الإسلامي العراقي على وجه الخصوص؛ لما له من مكانة في تنظيم شؤون الفرد وما يرتبط به من العلاقات الأسرية والاجتماعية وحل مشاكلهم العصرية.
ولمواكبة تطورات العصر ومعالجة آلاف المشاكل في المجتمع وضمان حقوقه ومراعاة المواثيق والاتفاقيات الدولية، وذلك من خلال تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في مواد قانونية لمسائل الأحوال الشخصية، فقد تمَّ صياغة قانون موحد للعراقيين في الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959م، بَيدَ أنَّ هذا القانون فيه الكثير من المآخذ والسلبيات، لذا طالبت المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم آنذاك بإلغائه؛ لمخالفته الشريعة الإسلامية وما له من آثار سلبية على المجتمع، إلاَّ أنْ قانون الأحوال الشخصية بقي نافذاً إلى يومنا هذا مع إجراء بعض التعديلات على فقراته .
والأحوال الشخصية مصطلح قانوني حديث وفد الينا من الفقه الايطالي، وظهر لأول مرة على يد الفقيه المصري ( محمد قدري باشا )، حيث لم يكن هذا المصطلح موجوداً عند فقهاء المسلمين ومصادرهم، بل كانت مسائله تبحث تحت عناوين منفصلة، ككتاب النكاح وكتاب الطلاق وكتاب الوصية وغيرها .
وكان السبب الأبرز في إختيار موضوع قانون الأحوال الشخصية هو لمعرفة مدى انسجامه مع الشريعة الإسلامية، وتسليط الضوء من الناحية الفقهية على آراء المذاهب الإسلامية حول تدوين الأحكام الشرعية وتقنينها وصياغتها في مادة قانونية، ليتسنى لنا معرفة التوافق والإختلاف لهذا القانون مع آراء فقهاء المذاهب الإسلامية ؟
وكذلك دراسة المبادئ والأسس العامة والخاصة لقانون الأحوال الشخصية العراقي دراسة فقهية تحليلية، ومدى موافقتها للشريعة الإسلامية .
وتجدر الإشارة إلى أنَّ المراد من عنوان الأطروحة هو قانون الأحوال الشخصية العراقي ولست معنياً بدراسة القانون بصورة عامة، لذا إقتضى التنويه .
ومن المشاكل والصعوبات التي واجهتها في كتابة الأطروحة هي قلة البحوث والدراسات الفقهية حول تدوين وتقنين قانون الأحوال الشخصية ومنهجيته، قياساً بالمصادر الكثيرة التي تناولت قانون الأحوال الشخصية من الناحية القانونية .
وفي ميدان ذكر الدراسات التي تناولت هذا الموضوع وأفدت منها نذكر منها الآتي : المصادر الفقهية للمذاهب الإسلامية كشرائع الإسلام للمحقق الحلي، وجواهر الكلام في فقه الإمامية، وكتاب الفقه على المذاهب الخمسة، والرسائل العملية للفقهاء المعاصرين، وكذلك كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، وكتاب حاشية رد المحتار لإبن عابدين، وكتاب مواهب الجليل للحطاب الرعيني، والأحكام السلطانية للماوردي، وكشاف القناع للبهوتي والمغني لإبن قدامة وغيرها من المصادر، وكذلك مؤلفات الشيخ أحمد الكبيسي الفقهية والقانونية، بالإضافة إلى المصادر الحديثية للمذاهب الإسلامية، وكذلك بعض الأطاريح الجامعية .
وقد اقتضت طبيعة الأطروحة بتقسيمها على ثلاثة فصول، يسبقها مبحث تمهيدي ويتلوها خاتمة :
فتناولت في المبحث التمهيدي قانون الأحوال الشخصية بصورة عامة منذ نشوئه، وصولاً إلى المراحل التاريخية لتطوره في العراق حتى صياغته بصورة رسمية بالقرار رقم 188 لسنة 1959، وكذلك أهم العوامل المؤثرة في قانون الأحوال الشخصية العراقي كالعوامل الدينية والسياسية؛ ليكون مفتاحاً يُمكّن القارئ الوصول منه إلى مراد البحث .
أما الفصل الأول فقد تناول : مفهوم قانون الأحوال الشخصية العراقي، وأهمية ومكانة الشريعة الإسلامية ومدى انسجامه معها .
أما الفصل الثاني فقد خصصناه : بدراسة فقهية لمعرفة آراء فقهاء المذاهب الإسلامية حول تدوين الأحكام الشرعية وتقنينها .
أما الفصل الثالث فقد تناول : الأسس والمبادئ العامة لقانون الأحوال الشخصية العراقي بدراسة فقهية تحليلية، وكذلك دراسة المواد والفقرات الخاصة بمسائل الأحوال الشخصية العراقي دراسة فقهية .
وانتهت الدراسة إلى خاتمة تضمنت أهم النتائج التي خلص البحث إليها .
وأخيراً أتقدم بالشكر والعرفان للأساتذة أعضاء لجنة المناقشة على جهودهم المبذولة في قراءة هذه الأطروحة، وتقويمها بنصائحهم الثمينة وملاحظاتهم القيّمة، فلهم منّي خالص الشكر وجزيل الاحترام .
وفي الختام أشكر الله تعالى وأحمده على ما وفقني في إتمام هذه الأطروحة وإنجازها، فإنْ أصبت فيما أصبوا إليه فهو بتوفيق منه تعالى وإلاّ فعذري قصوري وتقصيري، أسأل الله أنْ يوفقنا وسائر المشتغلين للعلم والعمل الصالح إنّه سميعٌ مجيب، والحمد لله ربِّ العالمين .
الباحــث
المبحث التمهيدي
قانون الأحوال الشخصية وطبيعة المجتمع العراقي
المطلب الأول : المراحل التأريخية لقانون الأحوال الشخصية ـ
النشوء والتطور
المطلب الثاني : قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188)
لسنة (1959)
المطلب الثالث : التنوع الديني والمذهبي في المجتمع العراقي
وأثره في قانون الأحوال الشخصية
المطلب الرابع : العوامل السياسية المؤثرة في قانون الأحوال
الشخصية
المطلب الأول : المراحل التأريخية لقانون الأحوال الشخصية ـ النشوء والتطور
الأحوال الشخصية مصطلح قانوني حديث دخيل على الفقه الإسلامي، وَفَدَ إلينا من تشريعات الفقه الايطالي في القرن الثاني عشر الميلادي، فقد كان يقوم في إيطاليا حينذاك نظامان قانونيان الأول عام وهو نظام القانون الروماني الذي كان سارياً على إقليم إيطاليا والثاني خاص وهو القانون المحلي الذي لا يتعدى سلطانه حدود إقطاعية من الإقطاعيات أو مدينة من المدن، وللتفرقة بين القانونين لجأ الفقه الايطالي إلى إطلاق تسمية لكل منهما، فأطلق على القانون الروماني كلمة قانون بينما أطلق على القانون المحلي كلمة أحوال ثم قسّم هذه الأحوال إلى أحوال تتعلق بالشخص وأحوال تتعلق بالأموال، ثم ذاعت التسمية والتقسيم ومع الزمن اختفت ظاهرة وجود قانون عام يمتد على إقليم الدولة وقانون محلي يقتصر سلطانه فقط على حدود ولاية من الدولة فأصبح الأخير يقسّم بالتالي إلى طائفتين من القواعد الأولى تتعلق بالروابط الشخصية أو بالأشخاص واصطلح عليها الأحوال المتعلقة بالأشخاص وتتعلق الثانية بالروابط المالية أو بالأموال واصطلح عليها الأحوال المتعلقة بالأموال .
أي أنّ الأحوال قسمت إلى قسمين قسم موضوعه الأشخاص ويسمى قانون الأحوال الشخصية وقسم موضوعه الأشياء ويسمى قانون الأحوال العينية .
وقد انتشر في أوربا بعد استعماله في إيطاليا وانتقل إلى فرنسا، ثم تسرّب مصطلح الأحوال الشخصية إلى التشريعات العربية .
وعند الرجوع إلى المدونات الفقهية نلاحظ أن مصطلح الأحوال الشخصية لم يكن موجوداً أو معروفاً عند فقهاء المذاهب الإسلامية، بل كانوا يدرجون مسائله تحت عناوين مختلفة، مثل : كتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب المواريث، وكتاب النفقة، وكتاب النسب وهكذا ... وهي في كلا الحالتين تنظم المسائل التي تتعلق بشخص الإنسان وعلاقته مع أقرب الناس إليه .
وقد كان القضاء في مسائل الأحوال الشخصية منذ فجر الإسلام وحتى أواخر الدولة العثمانية جزءاً من القضاء في سائر الأحكام الشرعية، وكان القاضي في الدولة الإسلامية يحكم بمبادئ الشريعة الإسلامية في مختلف القضايا المالية والجزائية والتجارية وغيرها، فلم يكن هناك قضاء مدني وقضاء شرعي، بل كان القضاء واحداً يستمد أحكامه من الشريعة الإسلامية .
وقد ابتدأت حركة التقنين بالمعنى المعاصر في الدول الإسلامية في أواخر العهد العثماني في مجال القانون المدني، بيد أن حركة التقنين لم تبدأ بعد في مجال الأحوال الشخصية، إلاّ أنّ جملة من الاعتبارات ... تمس بشكل أو بآخر مجال الأنكحة والمواريث، أدّت إلى نشوئه فظهر في أواخر القرن التاسع عشر وقيل في بداية القرن العشرين على يد الفقيه المصري محمد قدري باشا (ت/1306هـ - 1884م)، الذي دوَّن مجموعة فقهية خاصة صنفها وسمّاها ( الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية ) والتي لم تصدر بصفة رسمية كقانون ولكنها طبقت في المحاكم الشرعية على أنها تمثل الراجح من المذهب الحنفي وتضمنت أحكام الزواج والوصية والأهلية والميراث والهبة .
وفي عام (1293هـ ـ 1874م) وضع قانون مدني سمي بإسم (مجلة الأحكام العدلية) وصار العمل بموجبها في الإمبراطورية العثمانية، واقتصر العمل في المجلة على المذهب الحنفي، بَيدَ أنها لم تتضمن أحكام الأحوال الشخصية والوقف، بل اختصت بالعقود والمعاملات، وبإصدار هذا القانون تم فصل الأحوال العينية عن الأحوال الشخصية مع بقاء الأخيرة محكومةً بمقتضى الفقه الحنفي، إذْ يستمد القضاة الأحكام من كتب الفقه الحنفي أيضاً، ثم صدرالقانون الوقتي للمرافعات الشرعية (قانون حقوق العائلة) العثماني عام ( 1336هـ -1917م )، والذي اقتصر على أحكام الزواج والطلاق أما بقية الأحكام فيرجع للمذهب الحنفي .
والمادة ( 1801 ) :تعطي للسلطان بصفته خليفة للمسلمين حق الفرض على الأمة؛ لذا تصدى المرجع الديني الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء لشرح رأي الإمامية بقوله: ( إن القضاء والحاكمية عند الإمامية منصب إلهي لا دخل له بالسلطان ).
فالخلافة والولاية على أساس مذهب الإمامية مجعولة من قبل الله عزّ وجل سواء أكانت في زمن الحضور أم في زمن الغيبة، وأما على أساس مذهب أهل السنة فالمجعول من قبل الله تعالى إنما هو ولاية الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم" فحسب، وأما خلافة الخلفاء وولايتهم فإنما هي ثابتة عندهم بالإجماع وآراء الناس لا بنص من الله تعالى .
((وما يميّز قانون الأسرة العثماني في منهجيته عن مجلة الأحكام العدلية أنَّه لم يعتمد الفقه الحنفي بل أخذ بعض الأحكام من المذاهب الثلاثة الأخرى،" مثلاً يعد عقد الزواج صحيحاً والشرط معتبراً إذا اشترطت المرأة في العقد ألاّ يتزوج عليها، وأخذَ القانون بالتفريق الإجباري القضائي بين الزوجين،" ومكّنت المرأة من التخلص من زوج السوء بطلبها التفريق،" وقد أخذ من مذهب مالك إطلاق حرية الزواج لزوجة المفقود بعد أربع سنوات من فقدانه بينما يقضي المذهب الحنفي بانتظار وفاة جميع أقرانه في العمر فتبقى زوجة المفقود معلّقة حتى شيخوختها)).
وقد استعملت صيغة الأحوال الشخصية في العراق لأول مرة بعبارة ( المواد الشخصية ) في المحاكم العراقية وذلك في بيان المحاكم لسنة / 1917م بعد احتلال بغداد ثم بعبارة (الأحوال الشخصية) في بيان (مارس/1921م)، وذلك بتأسيس محاكم سميت بمحاكم الأحوال الشخصية،" وتعتمد على المذهب الشخصي للمسلمين وتصدر قرارها وفقاً لما تنص عليه فتاوى ومقررات هذا المذهب عبر العودة إلى النصوص المدونة في الكتب الفقهية وإلى الفتاوى في المسائل المختلف عليها، ويستعان في أغلب الأحيان بالمراجع الدينية لهذه المذاهب، أي أنها اعتمدت على مذهب كل شخص دون تقسيمها إلى محاكم سنية وجعفرية،" إلاّ أنها أوجدت هيئات في محكمة التمييز واحدة هيئة تمييزية جعفرية والأخرى سنية وفق المذهب الحنفي.
ثم ذكرت عبارة الأحوال الشخصية في قانون المحاكم الشرعية الصادر في (30/حزيران/1923م)، إذ أنشئت بموجبه محاكم خاصة للجعفريين وأخرى للسنة(*) فيما يخص الأحوال الشخصية،"كما اُسس مجلس تمييز شرعي جعفري ترأسه في ذلك الوقت العلامة القاضي (هبة الدين الشهرستاني) ثم القاضي (الشيخ علي الشرقي) .
وفي عام ( 1925م ) تم صدور دستور العراق الأول (القانون الأساسي في العراق)، فقد نصّت المادة (77) منه على : ( يجري القضاء في المحاكم الشرعية وفقاً للأحكام الشرعية الخاصة بكل مذهب من المذاهب الإسلامية، بموجب أحكام قانون خاص ويكون القاضي من مذهب أكثرية السكان في المحل الذي يعين له،مع بقاء القاضيين السني والجعفري في مدينة بغداد والبصرة )، ثم حددت المادة (79) اختصاص المجالس الروحية لليهود والمسيحيين في البت بأمور الزواج وغيرها من أمور الأحوال الشخصية الموافق عليها من قبل وزارة العدل فيما يخص أفراد الطائفتين،"وإلى جانب ذلك هناك مستشارون في المحاكم المدنية مختصون فيما يتعلق بالصابئة والأيزديين، حيث نصّت المادة (79) من الدستور العراقي الأول : ( تنظر المجالس الروحانية في المواد المتعلقة بالنكاح والصداق والتفريق والنفقة الزوجية وتصديق الوصايات ما لم تكن مصّدقة من كاتب العدل، عدا الأمور الداخلة ضمن اختصاص المحاكم المدنية فيما يخص أفراد الطائفة، عدا الأجانب منهم .
وفي عام (1933م) جرت محاولة لإصدار قانون للأحوال الشخصية لتوحيد المسلمين قام بها ديوان التدوين القانوني ووضعت لائحة لهذا المشروع لكنها تعثّرت .
" وفي عام (1945م) وضعت وزارة العدل مشروع قانون بإسم ( لائحة قانون الأحوال الشخصية )؛ ليكون قانوناً متمّماً لمشروع القانون المدني،"وقد تضمّن أحكام الأحوال الشخصية للمذهبين الحنفي والجعفري كلاً على حدة، ولكنه لم يقدّر لهذا المشروع أنْ يرى النور على الرغم من الجهود .
وفي عام (1947م) صدر قانون تنظيم المحاكم المدنية، حيث أوجب على الطوائف الدينية غير الإسلامية أنْ تدون أحكامها وقواعدها الفقهية التي تختص بالأحوال الشخصية وأنْ تقوم بنشرها بإشراف وزارة العدل،وفعلاً تمّ ذلك حيث :
- نشر اليهــود أحـكــامهم في صحيفة الوقــائــع العــراقية ذي العــدد (2698) في (31/ كانون الثاني/ 1949) .
- نشرت الطوائف المسيحية أحكامها في صحيفة الوقائع العراقية ذي العدد (2855) في ( 6/ تموز/ 1950م) .
- أودعت الأحكام الفقهية للصابئة المندائيين لدى وزارة العدل .
أما فيما يتعلق بالطائفة الأيزيدية فأنها لم تقم بتدوين أحكامها وقواعدها الفقهية كما فعلت بقية الطوائف إلاّ في عام (2001م) .
" وبتاريخ (7/شباط/ 1959م) شكّلت وزارة العدل العراقية لجنة لوضع لائحة الأحوال الشخصية بدعوى تعزيز التوازن السياسي وتكفل الحريات، حيث تمكّنت اللجنة صياغة مشروع قانون للأحوال الشخصية، والذي عرف بقانون رقم (188) لسنة (1959م)،"وقد وجد أنّ تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام يجعل حياة العائلة غير مستقرة، وحقوق الفرد غير مضمونة فكان هذا دافعاً للتفكير بوضع قانون موحد في أحكام الأحوال الشخصية يكون أساساً لإقامة بناء العائلة العراقية ويكفل استقرار الأوضاع فيها ويضمن للمرأة حقوقها الشرعية واستقلالها العائلي،"فتعدد المذاهب الإسلامية وكثرة الكتب الفقهية يصعب على القضاء الرجوع والوصول للحكم الشرعي، ولعل ( السبب الرئيسي [الرئيس] الذي حدى بالمشرع إلى إصدار هذا القانون هو الحرص على تعيين القواعد الخاصة بالأسرة في قانون واحد للقضاء على الصعوبة العملية في الرجوع إلى الكتب الفقهية وإلى الفتاوى في المسائل المتعددة المختلف عليها ) .
ومع تعدد الأسباب التي دعت إلى إصدار قانون موحد في أحكام الأحوال الشخصية،"يبقى السبب الرئيسي في تدوين الأحكام الشرعية هو استبدال القضاة المجتهدين بالمقلّدين، والتقييد بمذهب معين والتشريع لهم حسب المصالح والأهواء وهذا ما اقتضته السياسة، وبالتالي إمكانية البت بمسائل الأحوال الشخصية من قبل القضاة المدنيين .
وفعلاً وبعد أن أكملت لجنة وزارة العدل عملها في إعداد اللائحة، تم صدور قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) في ( 30/ 12 / 1959 )، متضمناً أهم المبادئ العامة لأحكام الأحوال الشخصية،"مهتدياً بقوانين البلاد الإسلامية العربية، وتاركاً للقاضي حرية الرجوع إلى المطولات لأخذ الأحكام الفرعية من النصوص الأكثر ملائمة لأحكام هذا القانون،"وقد اشتمل لمسائل الزواج والطلاق والولادة والنسب والحضانة والنفقة والوصية والميراث .
المطلب الثاني : قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة (1959)
بعد نهاية حكم العهد الملكي ( 1921م – 1958م ) بانقلاب الرابع عشر من تموز عام 1958م وبداية عهد النظام الجمهوري، تم إنهاء العمل بالدستور الملكي ( القانون الأساسي العراقي لسنة 1925م )، ليحل محله الدستور المؤقت لسنة ( 1958) .
وبعد أن أكملت لجنة وزارة العدل العراقية عملها بوضع لائحة الأحوال الشخصية اُعلِن القانون في ( 19/12/ 1959م )،"حيث تم نشره في جريدة الوقائع العراقية العدد (280) في ( 30/12/ 1959م ) والذي عرف بــ ( قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 )،"فقد شملت أحكامه المسلمين فقط واستثنى بقوانين خاصة كل من الطائفتين ( المسيحية واليهودية ) بموجب لوائحهم الخاصة وفق ديانتهم .
ومن الجدير بالذكر أن قانون الأحوال الشخصية العراقي هو القانون المعتمد في المحاكم العراقية منذ صدوره عام ( 1959) وإلى يومنا هذا مع إجراء تعديلات على بعض مواده حسب المرحلة التي مرّ بها العراق، واستمرت هذه التعديلات المتعاقبة طيلة مدة نفاذه، وكان للعوامل السياسية والدينية والاجتماعية الدور الأكبر في التعديلات .
((وحيث أنّ نصوص قانون الأحوال الشخصية لم تتناول الحالات كافة، لذا فقد اقتضى إعادة صياغة بعض النصوص وإضافة نصوص جديدة تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ولهذا طرأت عليه تعديلات منذ عام ( 1963م ) وبعده)) .
وقد تضمّن القانون سابق الذكر أربع وتسعين مادة قانونية فقط، بدءاً من مواد الأحكام العامة التي تتعلق بالقانون وكيفية العمل به، ثم الأحكام الخاصة التي تنظم شؤون الأسرة أو ما يسمى أحكام الأسرة أو ( فقه الأسرة ) ثم الأسباب الموجبة للقانون، وهذه الأحكام موزّعة على تسعة أبواب وهي :
الباب الأول : ويشمل الزواج وأحكامه وشروطه وأركانه
الباب الثاني : ويتعلق بالمحرمات وزواج الكتابيات
الباب الثالث : الحقوق الزوجية وأحكامها
الباب الرابع : ويتعلق بانحلال عقد الزواج ( الطلاق )
الباب الخامس : العدة
الباب السادس : الولادة ونتائجها
الباب السابع : نفقة الفروع والأصول والأقارب
الباب الثامن : في الوصاية
الباب التاسع : في أحكام الميراث
وسيأتي الكلام على آلية تقسيم هذه الأبواب ومدى مطابقتها للمنهجية العامة للموسوعات الفقهية وهل تشمل العناوين المطلوبة ؟
المطلب الثالث : التنوع الديني والمذهبي في المجتمع العراقي وأثره في قانون الأحوال الشخصية
منذ بزوغ فجر الإسلام وحتى بداية القرن العشرين كانت الأحكام الشرعية والقضاء الإسلامي هو الذي يحكم الناس في المجتمعات الإسلامية في حل مسائلهم وشؤونهم الشخصية والمدنية، فكان الناس يرجعون إلى الصحابة والتابعين اعتماداً على القرآن الكريم والسنة النبوية، فلم تكن هناك مذاهب فقهية بالمعنى الاصطلاحي المعروف اليوم، ولكن كانت هناك تيارات واتجاهات تبعاً لتأثير الصحابي أو التابعي، وبعد ذلك نشأت المذاهب الفقهية وتوسعت فكانت ولا تزال مرجعاً للناس كلٌّ بحسب مذهبه ومعتقده .
وكان أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) يرجعون في أحكامهم إلى الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، أي أنّ عصر النص عندهم امتدّ إلى بداية الغيبة الكبرى(عام/ 329هـ)، لذا أقتصروا على الأخذ بالروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فقد ورد عن الإمام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) قوله : (حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب وحديث علي حديث رسول الله ... ) ــ بينما عصر المعصوم عند المذاهب الأخرى لا يزيد على ربع قرن أي من البعثة حتى وفاة النبي (صلى الله عيه وآله وسلم) (سنة/11هـ) ــ ثم بدأت الحركة الاجتهادية ودوْر الفقهاء في فهم ومعرفة الأحكام الشرعية، كونهم الإمتداد الطبيعي لائمة أهل البيت عليهم السلام، ثم تطورت وتعمقت عصراً بعد عصر بتطور الحياة واتساعها وفي مختلف المجالات .
" وهناك مجتمعات ودول عربية وإسلامية لاتزال تطبق الشريعة الإسلامية في أحوالهم الشخصية على مواطنيها من المسلمين مثل : السعودية والبحرين ومصر ولبنان وإيران وأفغانستان".
أما في العراق وعلى الرغم من أن غالبية المجتمع العراقي مجتمع ذو عادات وتقاليد موروثة،" إلا أنَّه لم ينفصل عن الشريعة الإسلامية وعن علماء الدين في قضاياهم الدينية وأحكامهم الشرعية وحل مشاكلهم الشخصية والرجوع إليهم أحياناً أخرى في النزاعات والخصومات،" وهذا ما يؤكد عمق العلاقة بين المجتمع وعلماء الدين،" الناتجة من البعد الديني لدى المجتمع والتزامهم بالأحكام الشرعية والثوابت الدينية .
" ((وقد وجد أن تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة،" وبالتالي حاجة المجتمع إلى وجود قانون عصري موحد في مجال الأحوال الشخصية يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفق عليها؛ ليكون أساساً لإقامة بناء العائلة العراقية في حقوقها الشرعية ووحدة الشعب العراقي،" وبشكل تراعى فيه المواثيق والاتفاقيات الدولية، ويُعدُّ دفاعاً عن قيم الحضارة والتمدّن بما يسمح به الدستور الإسلامي)) .
وعلى أساس هذه الأسباب تم إلزام العراقيين المسلمين من أتباع مذهب أهل البيت وأبناء المذاهب الإسلامية الأخرى بالقانون الوضعي ( قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 ) والعمل به بصورة رسمية منذ إقراره ولحد الآن، وترك اعتماد المذهب الشخصي للمسلمين، وأما أتباع الديانات الأخرى من المسيحيين واليهود والصابئة والأيزيديين فلهم قوانين خاصة بموجب لوائحهم (أحكامهم وقواعدهم الفقهية التي تختص بالأحوال الشخصية) .
والحقيقة أنّ تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام ليس له علاقة باستقرار حياة العائلة وضمان حقوق الفرد، بل على العكس أنّ إلزام المجتمع بأحكام مخالفة لعقيدته هي مصادرة لأبسط حقوقه في اختيار عقيدته وزعزعة حياته، ولقد قامت دعوة الإسلام على احترام هذه الحرية وصونها قولاً وعملاً، وفكراً وممارسةً وفي جميع المجالات؛ "لأنَّ الإكراه يفسد اختيار الإنسان ويجعل المكره مسلوب الإرادة، فينتفي بذلك رضاه وقناعته، وإذا تأملنا قول الله تعالى:(( لَآ إِكۡرَاهَ فِي ٱلدِّينِۖ..))،
نجد أنَّ الإسلام رفع الإكراه عن المرء في عقيدته، وأقرَّ أنَّ الفكر والاعتقاد لابُدّ أنْ يتّسم بالحرية، "وإنَّ أي إجبار للإنسان أو تخويفه أو تهديده على اعتناق دين أو مذهب أو فكر فهو باطل ومرفوض؛ لأنه لا يرّسخ عقيدة في القلب ولا يثبتها في الضمير، لذلك دعت الشريعة الإسلامية إلى إحترام عقيدة الإنسان وحمايتها من جهة إلزام الناس باحترام حق الآخرين في اعتقاد ما شاءوا وترك ما يريدون، طبقاً لعقائدهم .
نعم فالمسلمون بجميع مذاهبهم ملزمون أمام الله تعالى بأحكام هذا الدين، ولا يجوز لهم مخالفته وتشريع حكم لا يكون مستنداً إلى الكتاب والسنة المباركة، بل يكون ابتعاداً عن واجبات وارتكاباً لمخالفات ترفضها الشريعة المقدسة، قال تعالى :
يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إلى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا .
مكونات المجتمع العراقي:
يضم المجتمع العراقي نسيجاً متنوعاً من الأديان والقوميات والمذاهب، إذ يعتنق غالبية الشعب العراقي الديانة الإسلامية، كما يشكّل العرب النسبة الأكبر من سكان العراق مع وجود عدد كبير من القومية الكردية التي تقطن في شمال العراق، ثم تليها القومية التركمانية والفارسية والآشورية والشبك وغيرها من القوميات .
والديانات الموجودة في العراق هي :
أولاً : الديانة الإسلامية
يعتنق غالبية سكان العراق الدين الإسلامي بنسبة تقدر بحوالي ( 95-97% )، لذا يعد الديانة الأكبر في العراق بلحاظ عدد الأتباع، وينقسم المسلمون في العراق إلى طوائف عدة، منهم طائفتين رئيسيتين هما الشيعة الإمامية وطائفة أهل السنة والجماعة :
1- الشيعة الإمامية: وتشير الإحصائيات أن نسبتهم تقدّر بحوالي(60ــ65%) وغالبيتهم من القومية العربية وبعضهم من الأكراد والتركمان والشبك والفرس، ويشير وجود أضرحة أئمة أهل البيت عليهم السلام بالعراق إلى عمق الوجود الشيعي .
2- السنة : وتبلغ نسبتهم حوالي (30 ــ 35% )، ويتوزعون بين العرب والأكراد وبعض التركمان، ويتوزعون على ثلاثة مذاهب وهي الحنفية والشافعية والحنبلية .
ثانياً : الديانة المسيحية
وهي ثاني ديانة في العراق بلحاظ عدد الأتباع بعد الإسلام، وتقدر نسبتهم حسب الإحصائيات حوالي ( 2-3% ) ويتوزعون في شمال ووسط وجنوب العراق، وهي ديانة معترف بها حسب الدستور العراقي .
ثالثاً : الأيزيدية
يعيش الأيزيديون في جبل سنجار شمال العراق وينتمون إلى الديانات القديمة، وهم أكراد ولديهم مركز ثقافي اجتماعي في محافظة دهوك في شمال العراق .
رابعاً : اليهودية
ونسبتهم قليلة جداً الآن، وما زال عدد قليل منهم يعيشون في بغداد ممن تبقى منهم بعد هجرة جماعية كبيرة بدأت عام ( 1948م ) .
خامساً : الصابئة المندائية
وهي من أقدم الديانات التوحيدية في العراق، وهاجر المندائيون من فلسطين إلى العراق بعد وفاة النبي يحيى عليه السلام بسبعين عاماً، واستقروا في جنوب العراق في محافظة ميسان، ويؤمن الصابئة بعدد من الأنبياء وهم : آدم (ع)، وشيت بن آدم، وسام بن نوح، وزكريا، ويحيى بن زكريا، وكتابهم الديني المقدس المنزل عليهم يسمى ( الكنزا ربا ) أي الكنز العظيم .
وبما أن غالبية المجتمع العراقي من المسلمين، وإن الإسلام هو دين الدولة الرسمي الذي أقّره الدستور العراقي؛ فمن حق أي فرد مسلم العمل بالأحكام الشرعية وفق المذهب الذي يؤمن ويعتقد به، وليس إلزامه بقانون وتشريعات لا يؤمن بها .
وقد وجد أنّ بعض مواد وفقرات قانون الأحوال الشخصية مخالفة ومناقضة للتشريعات الإسلامية التي هي من المسلّمات والتي لا يختلف عليها اثنان عند عامة المسلمين كأحكام الميراث وأحكام الزواج بأكثر من واحدة وغيرها والتي هي نصوص ثابتة في القرآن الكريم، فلا يمكن إلزام المسلمين بهذه الأحكام، لأنها مخالفة للشريعة الإسلامية من جهة وتتناقض مع المادة (2) من الدستور العراقي من جهة أخرى، حيث ذكرت :
أ ــ ((لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام)) .
فالقانون أعلاه فيه مخالفة صريحة لمصدر التشريع الأول ــ القرآن الكريم ــ عند المسلمين، الذي جعل حصة الانثى مساوية لحصة الذكر في الميراث وهذا يخالف النص القرآني في مسألة الميراث، بدليل قوله تعالى :
يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ... .
ففي هذه الآية دلالة صريحة توضح حصة الذكر الابن بوصفها مضاعفة لحصة الانثى في الميراث، فلا يجوز الاجتهاد في مقابلها، وهذه الفقرة من القانون تتعارض مع الأحكام التشريعية الثابتة والنصوص الصريحة للدين الإسلامي .
أما في حالة عدم توفر النص الشرعي، وكذلك الأحكام المختلف عليها بين فقهاء المذاهب الإسلامية كموضوع الشهادة في الزواج والطلاق، فيمكن الرجوع فيها إلى آراء المذاهب الإسلامية وبحسب الضوابط الشرعية، فالفقيه قد يستند إلى الكتاب والسنة ويستدل بهما معاً، أو يستند إلى الاجتهاد الشخصي واعتبارات أخرى وبحسب الأسس المنهجية المعتمدة لكل مذهب .
والدستور العراقي كفل حرية الفرد في الإلتزام بشؤونه الشخصية بحسب المادة (41) التي تنص :
(( العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب [بحسب] دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم ... )) .
تعقيب :
إنّ تقييد المسلمين بمذهب معين وإلزامهم بأحكامٍ مخالفة لمذاهبهم فيه انتهاك للحقوق الشخصية وتقييد لحرية الفرد في أحواله الشخصية، وينافي العدالة والحرية التي أقرّها الدستور العراقي وفق (المادة/41)، وليس تعدد مصادر القضاء واختلاف الأحكام هي مَنْ تجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة، وبالتالي فإنّ قانون الأحوال الشخصية العراقي قد أقرَّ وفق مذهب معيّن، فيه مخالفة لأراء المذاهب الفقهية الأخرى وسلب لحقوق اتباعهم في اختيار المذهب والعقيدة التي يؤمن بها.
المطلب الرابع : العوامل السياسية المؤثرة في قانون الأحوال الشخصية
كان العقد الأخير من حياة الملكية في العراق زاخراً بالأحداث السياسية وصولاً إلى الرابع عشر من تموز / 1958م، الذي شهد نهاية الحكم الملكي في العراق وبداية النظام الجمهوري، وكانت الأحداث الواقعة بين (1948م ــ 1958م) دامية وعنيفة، حيث شهدت انتفاضات جماهيرية من قبل الأحزاب السياسية، وكانت المرجعية الدينية ولا زالت تُسهِم أحياناً في الأحداث التي تراها ذات صلة شرعية وإعطاء التوجيهات اللازمة، وذلك من خلال مواقفها المناهضة للظلم والتعسف والاضطهاد دفاعاً عن المواطنين من جانب والحفاظ على العقيدة الإسلامية من جانب آخر .
وبعد قيام النظام الجمهوري شُكِّل مجلس السيادة برئاسة نجيب الربيعي، وشَكَّلت وزارة العدل العراقية في7/2/1959م لجنة لوضع لائحة الأحوال الشخصية بدعوى تعزيز التوازن السياسي وتكفل الحريات، واستطاعت اللجنة صياغة مشروع قانون للأحوال الشخصية والذي عرف بقانون رقم(188)لسنة 1959م.
ونقل عن عبد اللطيف الشوّاف" وهو أحد المكلفين بصياغة الدستور الدائم ـ الذي لم ينجز ـ قوله": (( جلب عبد الكريم قاسم القانون المدني، واطلع على القسم الخاص بانتقال حقوق التصرف ... واقترح وطلب إضافة المواد كما وضعها السنهوري في القانون المدني إلى قانون الأحوال الشخصية، لتطبق على المواريث كلها، وبذلك نكون قد أكملنا نقص عدم وجود قسم للميراث في المشروع، بالإضافة إلى توحيد أحكام المذهبين السني والجعفري في هذه المسألة الهامة من مسائل الحياة )) .
وأضاف الشوّاف: (( إنّ عبد الكريم رفض التحذيرات من استغلال هذا النص واعتبار الحكومة ضد الشريعة الإسلامية مستنداً إلى رأي أبداه رئيس مجلس السيادة نجيب الربيعي بأنّ الإرث ... قد جاء بالقرآن بصيغة الوصية : يوصيكم الله في ... )) .
وبهذه المادة ــ جعلُ البنت الأنثى تساوي الابن الذكر في الميراث ــ يعد مخالفاً للنص القرآني الصريح، لذلك أبدت المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم (قدس)(ت/1970م) رأيها في قانون الأحوال الشخصية رقم (188) وطالبت بإلغاءه؛ لمخالفته أحكام الشريعة الإسلامية في مواد عدّة، ولكن دون جدوى .
وبعد انقلاب (14رمضان/شباط عام1963م)، طالبت المرجعية الدينية أيضاً بإلغاء القانون، إذ جاء في كلام السيد محسن الحكيم، وذلك يوم (19/3/ 1964م ) عندما زاره رئيس الوزراء آنذاك ( طاهر يحيى )" بضرورة : (( إلغاء قانون الأحوال الشخصية الذي يخالف في قسم كبير من مواده أحكام الإسلام، لانّ هذا القانون قد شرّع في ظروف خاصة يعرفها الجميع استجداءً لرضا المستعمر الكافر،هل الحكومة الحاضرة بحاجة إلى رضا المستعمر الكافر حتى تبقيه )).
كما طالب الشيخ محمد رضا المظفر، عميد كلية الفقه ــ آنذاك ــ بإلغاء القانون من أساسه"ورأى أنّه لا يقبل التعديل وذلك بالمذكرة التي رفعها إلى حكومة الإنقلاب، مبيناً مبرراته من مخالفته الشريعة وصراحة القرآن الكريم وخروجه عن إجماع المسلمين، وهذا ما يخالف بعض المذاهب دون بعضها الآخر .
كذلك أبدى العلامة السيد محمد بحر العلوم إشكاله بقوله: (( وإنه حدّد طبيعة القضاء وهي لا تحدد بالقانون وإنّما بالشرع )) .
أي أنَّ قانون الأحوال الشخصية، الذي أقرّ على وفق مذهب معيّن قد حدّد طبيعة القضاء، وهي مخالفة صريحة للشريعة الإسلامية وسلب لحقوق المواطن في اختيار المذهب والعقيدة التي يؤمن بها .
لذلك صدر القانون رقم (11) لسنة (1963)، بإيقاف العمل بالمواد المتعلقة بالمواريث، وإرجاع أحكامه إلى الشريعة الإسلامية ــ أي جعل حصة الذكر مثل حظ الأنثيين ــ كما صرّح بها القرآن الكريم بقوله: ( للذكر مثل حظ الأنثيين .... )، ثم صدر القانون رقم (41) الذي يتضمن تعديل أحكام الأهلية في الزواج ومعاقبة من يكره أو يمنع أحداً من الزواج .
إلاّ أنّ المرجعية الدينية استمرت في مطالبتها بإلغاء القانون من أساسه،وأنّ وجود مثل هذا القانون يعطي القاضي سلطة الفقيه "ويسد باب الإجتهاد في الأحكام.
وجاء الدستور المؤقت لسنة 1968م بوضع مادة صريحة لطمأنة المؤسسة الدينية، حيث ذكر فيها: ( الإرث حقٌّ تحكمه الشريعة الإسلامية )، لكنّ المرجعية الدينية لا تكتفي إلاّ بإلغاءه كما جاء في رسالة السيد محسن الحكيم (قدس):(( إرجاع الأمور إلى العهد الذي كانت عليه سيرة المسلمين منذ أيام الخلافة الإسلامية، وإنّ موقفنا هذا هو نفس الموقف الذي وقفناه منذ صدور القانون حتى يومنا هذا، وإلى أنْ يتم رفعه )) .
وهذا الموقف من قبل السيد الحكيم يذكرنا بحادث تاريخي مرّ به الإمام مالك بن أنس(*)(93ــ179هـ) في مواجهة السلطة العباسية عندما أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ومن بعده هارون الرشيد إختيار كتابه ( الموطأ ) قانوناً قضائياً للدولة العباسية،"فنهاهما مالك بن أنس من ذلك وقال:(( إنّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان، وكلٌّ مصيب )) .
فالعامل السياسي يرتبط بالنفوذ وإيجاد غطاءً شرعياً للسلطة،لذلك نجد عدداً من الخلفاء كانوا يحملون الناس على عقيدة محددة إما إرضاءً لمتبنياتهم العقدية أو توجيهاً للمجتمع وتلوينه بطابع عقدي وفقهي واحد لغرض سياسي خاص .
وبعد وصول حزب البعث وتربعه على السلطة والقيادة السياسية في العراق عام (1968م)، فقام بتغيير الموازين، واستخدم العنف والإرهاب فاصطدم بالقيادة الدينية في النجف الأشرف، وألغى الشعائر الدينية، وأقدم على تسفير الاُسر ذي الاصول غير العربية، وقد شهدت مدينة النجف الأشرف إعدام العلماء والمفكرين وقادة الجماعات الإسلامية، واعتقال أعداد غفيرة من الشباب العراقي عموماً والنجفي خصوصاً، مما أدّى إلى هروب عدد كبير من المثقفين والجامعيين والحوزويين إلى خارج العراق، فأحدث فراغاً في الحياة العلمية والثقافية، وبقي الحال على ما هو عليه حتى سقوط النظام البعثي عام / 2003م .
واستمرت التعديلات المتعاقبة على قانون الأحوال الشخصية العراقي إبتداءً من عام ( 1963م )، وإنّ أغلب تلك التعديلات كانت في حكومة النظام البعثي السابق بعد عام ( 1968م ) حيث كان للعوامل السياسية ــ ومنها الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها ــ الأثر الكبير في تلك التعديلات .
وقد تحمل مراجع الدين أعباء الأحداث السياسية التي شهدها المجتمع العراقي، وفي مقدمتهم السيد أبو القاسم الخوئي (قدس) كونه المرجع الأعلى آنذاك، وكان لهم مواقف عظيمة في الحفاظ على الدين الإسلامي، ومكانة الحوزة العلمية واستقلالها ونهجها السليم من الإنحراف .
الفصل الأول
قانون الأحوال الشخصية العراقي
وأهمية الشريعة الإسلامية ومكانتها لدى القوانين الوضعية
المبحث الأول : مفهوم قانون الأحوال الشخصية
أولاً : تعريف المفردات لغةً
ثانياً : تعريف المفردات اصطلاحاً
ثالثاً : الفرق بين التقنين والقانون
رابعاً : الفرق بين التقنين والتدوين
المبحث الثاني : أهمية الشريعة الإسلامية ومكانتها
لدى القوانين الوضعية
المطلب الأول : مكانة الشريعة الإسلامية لدى القوانين الوضعية
المطلب الثاني : مصادر استنباط الحكم الشرعي
المطلب الثالث : أوجه التشابه والإختلاف بين التشريع الإسلامي
والقانون الوضعي
المبحث الأول : مفهوم قانون الأحوال الشخصية
أولاً : تعريف المفردات لغةً
القانون لغةً : اختلف في تحديد أصل اللفظ، فالرأي الغالب أنّه ليس بعربي ومادته لفظ ( قن )، وقنت الشيء أقينه قيناً : لممته وأصلحته، والقوانين:الأصول، الواحد قانون، والقانون: مقياس كل شيء وجمعه قوانين.
والقنقن : الدليل الهادي البصير بالماء تحت الأرض.
وقيل القانون : يوناني أو سرياني: مسطر الكتابة، ولفظة القانون تطلق بمعناها اللغوي ( مقياس لكل شيء )، أو القاعدة المطردة ولم تستعمل لفظة القانون بمعناها الاصطلاحي ( مجموعة القواعد ) إلاّ في منتصف القرن التاسع .
التقنين لغةً : من قنن، والقنة : قوّة حبل الليف، ويجمع على قنن، والقنُّ : تتبع الأخبار .
الأحوال لغةً : الحال تذكّر وتؤنّث وتجمع على الأحوال، والحال : كينة الإنسان وما هو عليه من خير أو شر ... وهي الحالة أيضا ... حال الشيء وكيفيته، والحال : ما يختص به الإنسان وغيره من الأمور المتغيرة في نفسه وبدنه وقنيته، والحالة : واحدة حال الإنسان وأحواله .
والفرق بين الحال والشأن : إنّ الشأن لا يقال إلاّ فيما يعظم من الأحوال والأمور، فكل حال شأن ولا ينعكس، والشؤون مختصة بالإنسان أما الأحوال غير مختصة به .
الشخصية لغةً : الشخص : سواد الإنسان وغيره تراه من بعد، وكل شيء رأيت جسمانه فقد رأيتَ شخصه، وجمعه : الشخوص والأشخاص ، وجمعه في القلّة أشخص، والشخيص : العظيم الشخص، بيّن الشخاصة ، الشخص : كلُّ جسم له ارتفاع وظهور . ولفظ الشخص مذكّر ، والأنثى شخيصةٌ، والاسم الشخاصة .
الأحوال الشخصية لغةً : وحال الشيء يحول حؤولاً في معنيين، يكون تغييراً ويكون تحويلاً ، وحال الشخص يحول إذا تحرّك وكذلك كل متحول عن حالته، ومنه قولهم استحلت الشخص أي نظرت هل يتحرك، فكأن القائل إذا قال لا حوْلَ ولا قوّة إلاّ بالله يقول : لا حركة ولا استطاعة إلاّ بمشيئة الله .
ثانياً : تعريف المفردات اصطلاحاً :
القانون اصطلاحاً : القانون بمعناه الخاص هو : مجموعة القواعد القانونية التي تسنّها السلطة المختصة بالتشريع في دولة ما لتنظيم أمر معيّن، وهذا المعنى يرادف التشريع، وهو القانون المدوّن الذي تضعه السلطة التشريعية .
فالفقهاء المسلمون نَدَرَ أنْ استعملوا هذه الكلمة، وإنما استعملوا مكانها كلمات الشرع والشريعة والحكم الشرعي .
الأحوال الشخصية اصطلاحاً : الأحوال الشخصية اصطلاح قانوني حديث وفد إلينا مع ما وفد من التشريعات الأجنبية، حيث استقاه القانون العراقي من الفقه الإيطالي، والذي يعني إبرام عقد الزواج وما يترتب على هذا العقد من آثار وكذلك إنهاء عقد الزواج وما يكون عنه، والنسب وآثاره، والوصية والميراث.
وعند الرجوع إلى المدونات الفقهية وحتى الرسائل العملية نجد أنّ الفقهاء يتناولون المواضيع الخاصة بذات الإنسان وشخصه وما يتعلق بأحواله،"كالزوجية أو الأبوة أو البنوة وما شاكلها تحت عناوين مختلفة مثل: كتاب النكاح، وكتاب الطلاق، وكتاب النفقة، وكتاب الرضاع، وكتاب المواريث ونحو ذلك، ولكنهم لم يطلقوا على تلك الأبحاث (الأحوال الشخصية)،"وهي في كلتا الحالتين تنظم المسائل التي تتعلق بشخص الإنسان وعلاقته مع أقرب الناس إليه،"إلاَّ أنَّ جمع تلك المسائل تحت عنوان (الأحوال الشخصية) أعطاها معنى أكثر تحديداً وأدق مدلولاً .
فالأحوال الشخصية : هي قواعد تبحث عن أحوال الإنسان وعلاقته بأسرته وبالمجتمع .
وحدّدت محكمة النقض المصرية المقصود بالأحوال الشخصية بأنّه" : ((مجموع ما يتميّز به الإنسان عن غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتّب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته الاجتماعية، ككون الإنسان ذكراً أو أنثى، وكونه زوجاً أو أرملاً أو مطلقاً أو أباً شرعياً، أو كونه تام الأهلية أو ناقصها لصغر سنٍ أو جنون، أو كونه مطلق الأهلية أو مقيدها بسببٍ من أسبابها القانونية)) .
ويقصد بالأحوال الشخصية أيضاً بأنها": (( مصطلح قانوني معناه مجموعة من القواعد القانونية والشرعية التي تحكم الروابط العائلية كأحكام الزواج والطلاق مما يدخل ضمن ما يسمى حقوق العائلة، بيد أنَّ مصطلح الأحوال الشخصية ليس مرادفاً لمصطلح حقوق العائلة بل هو أوسع منه أحياناً ويقابل مصطلح الأحوال المدنية أي مجموعة القواعد القانونية التي تحكم الروابط المالية )) .
وبعد بيان تعريف الأحوال الشخصية والقانون،" لذا يمكن القول أنّ قانون الأحوال الشخصية هو القانون الذي ينظم شؤون الأسرة بدءً من نشوئها بعقد الزواج وما يترتب عليه من حقوق لكلا الطرفين وواجبات،"كما ينظم طرق انحلال هذا العقد بالطلاق أو الوفاة وما يترتب لكل فرد من الأسرة بموجبها وما يجب عليه،" وينظم شؤون الأولاد وحقوقهم وحقوق والديهم عليهم، إنه القانون الذي يرافق الإنسان منذ بدء خلقه وهو جنين حتى وفاته وإلى ما بعد الوفاة من إرث ووصية .
التقنين اصطلاحاً : وهو ما عرّفه الدكتور وهبة الزحيلي بأنه : ((صياغة أحكام المعاملات وغيرها من عقود ونظريات ممهدة لها، جامعة لإطارها في صورة مواد قانونية، يسهل الرجوع إليها )) .
وعرّفه صبحي المحمصاني بأنه : ((صياغة الأحكام الشرعية في عبارات إلزامية، لأجل تنفيذها والعمل بموجبها )) .
وعرفه آخر بأنه : ((صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة مرقمة على غرار القوانين الحديثة من مدنية وجنائية وإدارية ... الخ، وذلك لتكون مرجعاً سهلاً محدداً، يمكن بيسر أنْ يتقيد به القضاة، ويرجع إليه المحامون، ويتعامل على أساسه المواطنون )) .
" وعلى ضوء ما تقدم، فقانون الأحوال الشخصية هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم ما ينماز به الإنسان من غيره من الصفات الطبيعية أو العائلية التي رتب القانون عليها أثراً قانونياً في حياته".
ثالثاً :الفرق بين التقنين والقانون : يتضح من تعريفهما اللغوي أنهما إما من مادة واحدة وهي (قنن) أو أنَّ القانون من مادة (قنّ) .
والفرق بينهما اصطلاحاً يتضح من التعريفين أعلاه، أنّ التقنين": هو وضع القوانين وصياغة الأحكام وترتيب موادها وترقيمها،"وتطبيقها على المواطنين بصورة رسمية وبعبارات إلزامية،"وأما القانون : هو مجموعة القواعد القانونية بعد تقنينها والتي تسنّها الجهة المختصة .
رابعاً : الفرق بين التقنين والتدوين :
التقنين :"هو صياغة الأحكام في صورة مواد قانونية مرتبة ومرقمة لها صفة الإلزام والجزاء على منْ خالفها .
أما التدوين :"وهو الكتابة، وتدوين الأحكام يعني صياغة الأحكام الشرعية وترتيبها، دون أنْ يكون لها صفة الإلزام وبالتالي فلا جزاء على مخالفتها .
من خلال ما تقدم فإنّ القانون يرادف التشريع، فالفقهاء لم يستعملوا مصطلح القانون في كتبهم، فهو مصطلح حديث، وانما استعملوا مصطلحات الشرع والشريعة والحكم الشرعي، ثم استخدم لفظة القانون بمعناها الإصطلاحي (مجموعة القواعد) وهو القانون المدوّن الذي تضعه السلطة التشريعية لتنظيم أمرٌ معيّن .
فالتقنين أمرٌ مستحدث أجازه بعض الفقهاء ومنعه آخرون، لذا سنبحث موقف فقهاء المذاهب الإسلامية من تقنين وتدوين الأحكام الشرعية في مواد قانونية وتقييد القضاة بمذهب معيّن وإلزامهم به في الفصل الثاني .
المبحث الثاني : أهمية الشريعة الإسلامية ومكانتها لدى القوانين الوضعية
وفيه ثلاثة مطالب :
المطلب الأول : مكانة الشريعة الإسلامية لدى القوانين الوضعية
أنّ الشريعة الإسلامية هي من أعظم وأكمل الشرائع السماوية، "فهي شريعة خالدة تمتاز بروح المرونة لكل زمان ومكان،" وشاملة لكل نواحي الحياة، وكيف لا تكون كذلك وهي شريعة السماء المنزلة من لدن حكيم عليم، قال تعالى :
(( عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡكَبِيرُٱلۡمُتَعَالِ )) .
ومن الجدير بالذكر أنّ الشرائع الوضعية العربية قد أفادت من الشريعة الإسلامية واقتبست كثيراً من أحكامها ودساتيرها، لذا فان معظم قوانين الأحوال الشخصية مستمدة من الشريعة والفقه الإسلامي، "وقد اتضح ذلك علمياً وعملياً من خلال المؤتمرات العلمية الدولية ومنها مؤتمر الفقه والقانون المقارن المنعقد في مدينة (لاهاي) سنة /1937م،" وكذلك المؤتمر العالمي للتشريع في جامعة (باريس) سنة /1951م، حيث قرّر المؤتمرون ما يأتي :
أولاً : إعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع العام .
ثانياً : إعتبار الشريعة الإسلامية شريعة حيّة صالحة للتطور .
ثالثاً : إعتبارها قائمة بذاتها ليست مأخوذة من غيرها .
لذلك فالشريعة الإسلامية تعد مصدراً مهماً من مصادر القانون في الأحوال الشخصية، بل هي تعد وفق السياق التشريعي العام مصدراً مباشراً للقانون وهو أيضاً مصدر رسمي وتاريخي قد أعتمده المسلمون .
وقد اعتمد العراق على الشريعة الإسلامية في أحكامه للأحوال الشخصية منذ تأسيس الدولة العراقية سنة (1921م) وبداية العهد الملكي،" ثم اُعتمدت القوانين الوضعية منذ العهد الجمهوري سنة (1958م) وإلى يومنا هذا،" ولو نظرنا إلى عموم القوانين العراقية نجد أنّ الشريعة الإسلامية لا تزال مصدراً من مصادر القانون في النظام القانوني العراقي،" ((فهو يظهر كمصدر تاريخي كما هو الحال بالنسبة للقانون المدني العراقي وقانون الأحوال الشخصية والأحكام القانونية المطبقة في مسائل الأحوال الشخصية في محاكم الطوائف،" وهو يبدو تارة أخرى كمصدر رسمي وذلك في المسائل التي يحيل فيها قانون الأحوال الشخصية للمذاهب الفقهية الإسلامية وبقدر ما تحكم فيه المحاكم وفقاً لتعاليم الطوائف غير المسلمة التي تختلف عن القضاء)).
فلو نظرنا إلى الدساتير العراقية المتعاقبة بدءاً من الدستور الملكي/ 1925م وإلى الدستور العراقي النافذ لسنة / 2005م ، لوجدنا أنها تشير إلى مادة صريحة مفادها : إنَّ الإسلام دين الدولة، وقد تمَّ التأكيد على هذا المبدأ في الدستور العراقي النافذ لسنة /2005 ، حيث نصّت المادة (2) منه :
أولاً : الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدرٌ أساس للتشريع :
أ ــ لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام .
أما النص المباشر الوحيد من الدستور العراقي النافذ، والذي له علاقة بالأحوال الشخصية هو ما أشارت له المادة (41) هي : (( العراقيون أحرار في الإلتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم وينظم ذلك بقانون )) .
أما مكانة الشريعة الإسلامية في القوانين العراقية الوضعية ــ ومنها قانون الأحوال الشخصية ــ فقد أشارت المادة (1) الفقرة (2) من القانون، على أنه: (( إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون ))، فهي مصدر أصلي للتشريع في قانون الأحوال الشخصية وهي مصدر احتياطي وحيد له .
وعلى أساس المادة (1) الفقرة (2)، مَنْ الذي يحكم؟ وما هي صفاته؟ وكيف يتم تحديد مبادئ الشريعة الإسلامية؟ وهذا ما سنتطرق له لاحقاً إنْ شاء الله .
وإذا ما استعرضنا الشرائع الوضعية عبر التاريخ سنجد أنّ هناك بعضها تتميز بحسن التقنين وعمق في التشريع، كما في الشرائع السابقة قبل الميلاد أو بعد الميلاد سواءً في العراق أو غيره،" ولكن هذه الشرائع والقوانين لم يكتب لها البقاء والاستمرار بل تغيّرت وتبدّلت بمجرد سقوط دولة ومجئ أخرى أو حتى بزوال ملك ومجئ آخر،" فإنّ بقاء القانون تابع لبقاء ذلك الملك أو الحاكم .
وشاءت المشيئة الإلهية أنْ تكون هذه الشريعة المقدسة خاتمة الشرائع الإلهية تقارع الزمن وتتحدى الأجيال، فهي للجميع لا لمجتمع دون آخر ولا لمجموعة دون أخرى، لذلك أخذت بعين الاعتبار التشريع الدائمي الذي يكفل السعادة لكل البشر إلى يوم القيامة .
ومن المعلوم لدى المسلمين جمعياً أنّ أحكام الشريعة لا تكون إلاّ من مشّرع حكيم وعادل هو الله سبحانه وتعالى، ولأنّه تعالى هو الخالق والمكون والمدبر، فهو العالم بحقيقة الإنسان وما هو عليه وبما يصلحه ويفسده، وسواه لا يدرك إلاّ ظاهراً من ذلك لا يلبث في أكثر الأحيان أنْ يرى خطأه فيتراجع عنه، ويدرك سقطه فيعمل على تدراكه بما يصل إليه تفكيره القاصر من قوانين وأنظمة تتبدل وتتغير وتتعدل دائماً كما هو حال دساتير الأمم وقوانين الدول وأنظمة الشعوب التي تولّت أيدي البشر تدوينها وكتابتها .
أما أحكام الشريعة فهي غير خاضعة لأهواء أحد"؛لأنّها ليست من وضع أيديهم بل هي أحكام ٌ تعبّدَ الله تعالى بها عباده وأمرهم بإتباعها وعدم الحيد عنها، وإن كانت إجتهادات الفقهاء تختلف،" وقد يبدّل الفقيه فتواه إلى أخرى لكن كل ذلك بالرجوع إلى الأدلة الشرعية فتبقى في دائرة ما افاد الفقيه من مصادر الاستنباط المقررة في الشريعة الإسلامية .
لذلك يحقُّ لمن أذن له الله سبحانه وتعالى أنْ يشرّع ضمن القواعد الكلية والمنهج العام الذي قرره سبحانه وتعالى، وهو النبي والوصي (صلوات الله عليهم) ومن أذنوا له ــ ممن توفرت فيهم شروط القدرة على الاستنباط من الفقهاء ـ في غير الثابت من الأحكام ـ يعني في الأحكام المتغيرة حسب الزمان والمكان والظروف المحيطة ــ ولا يحق لغيرهم أنْ يشرّع القوانين، وما يشرّعه غير المأذون من الله يعدّ من أحكام الجاهلية وحكماً بغير ما أنزل الله، هذا إذا كان في الأحكام الثابتة، وأما الأحكام المتغيرة وإن كان لا يجوز له تشريعها أيضاً، لكن لو شرّعها فلا يقال لتشريعه أنّه بغير ما أنزل الله تعالى حيث أنّه جلّ وعلا لم ينزّل خلافه .
وقد جاء في تعريف الحكم بأنه : (( الاعتبار الشرعي المتعلق بأفعال العباد تعلقاً مباشراً أو غير مباشر )) أو هو (( خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالإقتضاء أو التخيير أو الوضع ))، أو هو (( خطاب الله المتعلق بتصرفات الإنسان أو الوقائع الشرعية على وجه الاقتضاء أو التخيير أو الوضع )) .
أما الشهيد الصدر فقد عرّف الحكم الشرعي بأنه : (( التشريع الصادر من الله لتنظيم حياة الإنسان، والخطابات الشرعية في الكتاب والسنة مبرزة للحكم وكاشفة عنه وليست هي الحكم الشرعي نفسه ))، وهذا التعريف أكثر دقة من التعاريف السابقة من حيث كونه يشمل حياة الإنسان بما هي أعم مما يرتبط بأفعاله وتكاليفه المباشرة كالصلاة والصيام والحج وغير ذلك، حيث يشمل تكاليفه غير المباشرة وهي أكثر بكثير من تلك التكاليف الأولى، لان كل ما يحيط بالإنسان من أشياء مادية وغير مادية قريبة أو بعيدة هي داخلة في حياته ومرتبط بها، وعلى هذا الأساس سوف يكون الحكم الشرعي مغطياً لكل وجود الإنسان وما يحيط به من أشياء يتفاعل معها وتتفاعل معه .
وعلى هذا الضوء يكون من الخطأ تعريف الحكم الشرعي بالصيغة المشهورة بين قدامى الأصوليين،" إذْ يعرفونه: ((بأنه الخطاب الشرعي المتعلق بأفعال المكلفين، فان الخطاب كاشف عن الحكم والحكم هو مدلول الخطاب، وأضف إلى ذلك أنّ الحكم الشرعي لا يتعلق بأفعال المكلفين دائماً، بل قد يتعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى ترتبط بهم، لأنّ الهدف من الحكم الشرعي تنظيم حياة الإنسان"،وهذا الهدف كما يحصل بخطاب متعلق بأفعال المكلفين كخطاب (صلّ) و (صم) و (لا تشرب الخمر) كذلك يحصل بخطاب متعلق بذواتهم أو بأشياء أخرى تدخل في حياتهم من قبيل الأحكام والخطابات التي تنظم علاقة الزوجية أو تنظم علاقة الملكية"، فان هذه الأحكام ليست متعلقة بأفعال المكلفين بل الزوجية حكم شرعي متعلق بذواتهم والملكية حكم شرعي متعلق بالمال)) .
والأحكام الشرعية يمكن تقسيمها على النحو الآتي :
أولاً: مجموعة الأحكام العقائدية: وهي التي تتعلق بذات الله وصفاته، والإيمان بالله واليوم الآخر والإيمان بكتبه ورسله، وهذه الأحكام محل دراستها علم الكلام.
ثانياً: الأحكام التهذيبية: وهي التي تتعلق ببيان الفضائل والمحاسن التي يجب أنْ يتحلى بها الإنسان كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد وغيرها، وبيان الرذائل التي يجب أنْ يبتعد عنها ويتجنبها كحرمة الكذب والخيانة وخلف الوعد وغيرها، ومحل دراستها علم الأخلاق .
ثالثاً :الأحكام العملية ( العبادات والمعاملات ) : وهي ما يتعلق ببيان وتنظيم علاقة الإنسان بخالقه كأحكام الصلاة والصوم والزكاة، وتنظيم علاقة الناس فيما بينهم كأحكام النكاح والطلاق والبيع وغيرها التي تتعلق بأقوال وأفعال العباد الحسية، والتي شرّعها الله سبحانه وتعالى لعباده، وقد تكفّلت الشريعة في بيان أحكامها من وجوب وحرمة وندب وكراهة وإباحة، ومحل دراستها علم الفقه .
وعلم الفقه يمثل الجانب العملي والسلوك الخارجي للإنسان"،لذا فهو يحظى بمنزلة رفيعة ومرتبة سامية وما يشكّله من دور مهم وكبير في تربية الإنسان وتهذيب سلوكه وتقويمه" من خلال القرآن الكريم والسنة المباركة المتمثلة بالنبي الأكرم (صل الله عليه وآله وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) .
والأحكام العملية تنقسم إلى قسمين :
1- العبادات: وهي ما يرتبط بصلة العبد مع ربه ــ تنظيم علاقة الفرد مع ربه ــ كالذكر والدعاء والمناجاة والاستغفار وقراءة القرآن فهي آداب عبادية بسيطة، وهناك أمور عبادية مركبة كالصلاة والصوم والحج والجهاد والخمس والزكاة، وما يميّز العبادات عن غيرها أنها عبارة عن أفعال أو تروك يقصد العبد بها التقرب إلى الله عزَّ وجل، لذا كانت السمة البارزة فيها إشتراطها بقصد القربة، فلو لم يقصد التقرب بالعمل العبادي لما وقع صحيحاً، خلافاً لسائر الأعمال غير العبادية من المعاملات والأحكام ونحوها فلا يشترط في صحتها قصد القربة، وإنْ كان قصد القربة فيها (في غير العبادات) مما يستلزم كمال الفعل لا صحته .
فالعبادات أمور توقيفية يتبع فيها التعليمات الواردة، فلا محل لإجتهاد يقتضي تغييراً فيها بتغير الأزمنة والأمكنة لتكون من جملة المتغير من أحكام الشريعة، فهي أمور ثابتة غير قابلة للتغيير أو التبديل .
2- المعاملات :وهي التي يقصد بها تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص في الاصطلاح الحديث .
والمعاملات لا يشترط في صحتها قصد القربة ــ خلافاً للعبادة ــ نعم أنّ قصد القربة يترتب الكمال والثواب عليها، وإن ما يميز فقه المعاملات عن العبادات كثرة المسائل المعاصرة ــ المستحدثة ــ ولعلّ السبب يرجع في ذلك إلى أنّ العبادات توقيفية أي أنّ أمر تشريعها وشروطها وأجزائها وأركانها قد حدّدت من قبل الشارع المقدس، بخلاف المعاملات فأنّ جُلُها عرفية وموجود قسم منها حتى قبل الشرع، فكان دور المشرع هو إمضاء كثير منها وجعل ضوابط لقسم آخر، كما أنه نهى عن بعضها .
والأحكام العملية التي ترتبط بالمعاملات على أنواع عدة منها :
أولاً : المعاملات المالية : وتسمى بالقانون الوضعي بـ (الأحكام المدنية أو القانون المدني)، مثل البيع والشراء والإجارة والرهن والديْن والكفالة، وغيرها من المعاملات،
كقوله تعالى : وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلۡبَيۡعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَوٰاْۚ ... .
وقوله تعالى : يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ ... .
ثانياً: فقه الاُسرة: ويسمى بالقانون الوضعي بـ (الأحوال الشخصية )، والتي تبحث في العلاقات الأسرية والعائلية، مثل : النكاح، والطلاق، والعدة، والنفقة، والميراث، والحضانة، والرضاعة، وما إلى ذلك ، كقوله تعالى : يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيٓ أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِ... ، وقوله تعالى : ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ... .
وما إلى ذلك من الآيات القرآنية، وهذا النوع هو ما يتعلق بموضوع بحثنا.
ثالثاً : الفقه القضائي : وهو ما يسمى بالقانون الوضعي (أحكام المرافعات)، مثل : الشهادة، اليمين، البينة، وغيرها ، كقوله تعالى : وَٱسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ... .
وقال تعالى : وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ .
رابعاً : الفقه الجنائي : ويسمى بـ ( الأحكام الجنائية ) أو قانون العقوبات، مثل : القتل، السرقة، الزنا، القذف، وما إلى ذلك،
وقوله : وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱلله...
وقوله تعالى : ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ... .
المطلب الثاني : مصادر استنباط الحكم الشرعي عند المسلمين :
يمتاز الفقه الإسلامي بالثراء في معالجة متطلبات الحياة وحل مشاكلها"،وقد اتضحت معالم هذا الثراء الفاعل في ضوء أسس سليمة من خلال المعالجة ووضع الحلول الناجعة"،وذلك لاستناده إلى قواعد الاجتهاد والاستنباط ومن خلال النصوص الشرعية الأساسية ــ الكتاب والسنة ــ وكذلك المصادر التبعية الأخرى .
وتنقسم المصادر والأدلة عند المسلمين إلى قسمين :
الأول : المصادر الأساسية : وهي القران الكريم والسنة المباركة ، ويعد القرآن الكريم المصدر الأول للتشريع، ولا خلاف في ذلك عند جميع المذاهب الإسلامية، السنية والشيعية، وان كان من خلاف ففي تفسير بعض آياته.
والقرآن الكريم قطعي الصدور فقد وصل الينا بالتواتر، وقد روعي فيه بيان الأحكام الشرعية ممزوجة بالوعظ والإرشاد والوعد والوعيد وقصص الأنبياء والصالحين وما ناله الكفار والمخالفين من العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة، لتقوية الضمير في الطاعة والبعد عن المعصية وإيجاد الوازع الديني نحو المثل العليا والأخلاق الفاضلة، ويدل على حجيته : ثبوت تواتره الموجب للقطع، وثبوت نسبته لله عزّ وجل، وعقيدة المسلمين قائمة على ذلك، وحسبهم حجة ثبوت إعجازه بإسلوبه ومضامينه وتحدّيه لبلغاء عصره ونكولهم عن مجاراته، وإخباره بالمغيبات التي ثبت بعد ذلك صدقها ومطابقتها لما أخبر به كما ورد في سورة الروم وغيرها، وارتفاعه عن مستوى عصره بدقة تشريعاته .
((والحجة من آيات الكتاب هي خصوص ما كان نصّاً في مدلوله أو ظاهراً فيه، أما النص فهو الدال على المراد من غير إحتمال لغيره ــ أي ما لم يحتمل فيه الخلاف ــ وتكون حجيته قطعية، وأما الظاهر فهو ما دلّ على المراد مع إحتمال غيره إحتمالاً مرجوحاً ــ أي ما يحتمل أكثر من معنى ــ وتكون حجيته ظنية)) .
والقرآن فيه :
1- آياتٌ محكمةٌ : وتنقسم إلى نص وظاهر، وهي الحجة فيه .
2- آياتٌ متشابهةٌ :وتنقسم إلى مجمل ومؤول .
قال تعالى : هُوَ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ مِنۡهُ ءَايَٰتٞ مُّحۡكَمَٰتٌ هُنَّ أُمُّ ٱلۡكِتَٰبِ وَأُخَرُ مُتَشَٰبِهَٰتٞۖ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمۡ زَيۡغٞ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَآءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَآءَ تَأۡوِيلِهِۦۖ وَمَا يَعۡلَمُ تَأۡوِيلَهُۥٓ إِلَّا ٱللَّهُۗ وَٱلرَّٰسِخُونَ فِي ٱلۡعِلۡمِ يَقُولُونَ ءَامَنَّا بِهِۦ كُلّٞ مِّنۡ عِندِ رَبِّنَاۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰب .
نعم لا يجوز الأخذ بالمتشابه والمجمل والمؤول بدون دليل ولا شاهد على المراد منه بل بمجرد رأي واستحسان ما أنزل الله به من سلطان.
وأما النص والظاهر فالمحكي عن المجتهدين كافةً جواز الأخذ بهما ما عدا الأخباريين من الإمامية، حيث منعوا عن العمل بظواهر الكتاب دون الرجوع في تفسيره إلى أهل البيت (عليهم السلام) .
وأما السنة فهي المصدر الثاني بعد القران، وهي ما صدر عن المعصوم من قول أو فعل أو تقرير، مما يتصل بالتشريع وبيان الأحكام، ولا إشكال ولا خلاف في حجية السنة بين علماء المسلمين، ولولاها لتعطل العمل بالقرآن، ولما تمكن أحد أنْ يستنبط منه حكماً واحداً بكل ماله من شرائط وموانع، لانَّ أحكام القرآن لم يرد أكثرها لبيان جميع خصوصيات ما يتصل بالحكم وإنما هي واردة في بيان أصل التشريع دون تفصيلاته وتفريعاته،
قال تعالى : وَأَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ ٱلذِّكۡرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيۡهِمۡ وَلَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ .
فالحاصل أنَّ ثبوت حجية السنة المطهرة واستقلالها بتشريع الأحكام ضرورة دينية، ولا يخالف في ذلك إلاّ مَنْ لا حظّ له في دين الإسلام .
وقد وقع الإختلاف في تحديد السنة، فيرى فقهاء المذاهب الإسلامية من غير الإمامية حجية سنة الصحابة أيضاً، بينما يرى فقهاء الإمامية حجية سنة أهل البيت (عليهم السلام)؛ لانَّ الشيعة الإمامية يرون أنَّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة الاثني عشر من بعده وسيدة النساء فاطمة الزهراء بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معصومون كلهم من الخطأ والسهو، لذا فكل ما صدر عن أهل بيت النبوة وصحَّ عنهم فهو عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قد نقل اليهم بطريق صحيح وإنهم حجج الله على خلقه لذلك فمفهوم السنة يتّسع ليشمل أقوال وروايات الأئمة من آل البيت (عليهم السلام)، بينما تقف المذاهب الأربعة على أقوال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو الوحيد الذي يؤخذ منه ولا يرد عليه، ولذلك اختلفوا مع من يقدَّم منهم سنة الصحابي أو قوله على الموارد الأخرى موقفاً صريحاً، من أنّ ذلك يقتضي إعتبار الصحابة معصومين فأنكروا ذلك على كثير من المدّعين.
الثاني: المصادر التبعية: فهي الإجماع والعقل، وغيرهما من المصادر التبعية الأخرى كالقياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف وقول الصحابي وشرع من قبلنا .
وقد تختلف طرق استنباط الأحكام الشرعية عند المذاهب الإسلامية بإختلاف مناهجهم الاستنباطية، فالقرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع، لا خلاف في ذلك، وإنما حصل الإختلاف في تفسيره وتأويله وفي أمور تتعلق بطريقة الاستدلال به من حيث الظاهر والباطن والمطلق والمقيد والعام والخاص والمحكم والمتشابه وأسباب النزول وغيرها، هي التي أدّت إلى إختلاف الآراء في بعض المسائل وبالتالي الإختلاف في الأحكام المستنبطة فيها، لذلك يحصل الإختلاف بين الفقهاء لعدة أسباب، وقد أوجز ابن رشد في مقدمة كتابه ( بداية المجتهد ونهاية المقتصد ) وغيره جملة من أسباب الإختلاف .
أما السنة المباركة فهي كذلك تعد مصدراً من مصادر التشريع بالاتفاق، ولم يخالف في ذلك أحد من المسلمين في رأي معتبر، وانما حصل الإختلاف بينهم في أمور لا مساس لها في أصل الاحتجاج بالسنة .
وقد أثيرت بعض الشبهات من أنَّ نصوص الكتاب والسنة متناهية، بينما الحوادث متجددة، نظراً للتطور الهائل وظهور الكثير من المسائل وفي شتى المجالات، لذلك فالشريعة الإسلامية وأحكامها ليس لها قابلية التطبيق في العصر الحاضر، لأنّ هنالك مشكلات زمنية تعترض سبيل هذا التطبيق ولا تتسع لحلها في نظرهم ؟
وللإجابة على ذلك : إنَّ القرآن والسنة النبوية والمأثورة من العترة الطاهرة قد أظهرت الأحكام الشرعية لكل حادثة من الحوادث النازلة والوقائع المستجدة إلى يوم القيامة إما بالنص عليها بالخصوص أو بنحو العموم شأن الأنظمة والقوانين الدولية فأنها تشرّع أحكام الحوادث النازلة والوقائع المتجددة بموادها الكلية وأصولها العامة ومبادئها الشاملة، تاركة فهم الجزئيات واستنباط التفاصيل وما تهدف اليه من حقائق ومقاصد لأهل البصيرة وحسن السليقة ومعتمدة على استخراج أحكام الوقائع من نصوصها وظواهرها ومفهومها وسياق بيانها ولوازمها على أهل المعرفة والتفكير المستنير، فكذلك هو الاجتهاد عند الشيعة الإمامية .
كذلك لا يخفى أنّ الإسلام مؤلف من عنصرين ثابتين غير متحركين" وعنصر ثالث متحرك غير ثابت :
العنصر الأول :"الإيمان بوحدانية الله تعالى وبرسالة النبي الأكرم، فهو المعيار والميزان في الإسلام، فمن آمن بهما فهو مسلم محقون الدم والعرض والمال بلا فرق بين أنْ يكون بحسب المذهب شيعياً أو سنياً، ولهذا الإيمان أثرٌ بارز وكبير في تربية الناس وتهذيب سلوكهم.
العنصر الثاني:"التشريعات الإسلامية وهي متمثلة في العبادات وبعض المعاملات .
أما العبادات بالمعنى الجامع بين الواجبات والمحرمات فهي مجموعة أفعال أو تروك خاصة تشكّل علاقة معنوية روحية بين العبد وربه ولا تتغير بتغير الحياة العامة ولا تتطور بتطورها عصراً بعد عصر"،فإنّ الصلاة التي كان يصلّيها الناس في عصر النبي الأكرم (ص) هي الصلاة نفسها التي يصليها الناس في هذا العصر، فلا إمتياز للصلاة في عصر الذرّة والفضاء عن الصلاة في عصر النبي الأكرم"،وفي الصوم والحج في هذا العصر عن الصوم والحج في ذلك العصر وهكذا،وكذلك الحال في المحرمات الإلهية فانها بنفس الصيغ الموجودة في عصر النبي الأكرم موجودة في العصر الحالي".
وأما المعاملات فهي تتمثل بالأنشطة الاقتصادية الإسلامية وتختلف عن العبادات في نقطة واحدة وهي أنَّ العبادات بأسرها مجعولة من قبل الشارع فحسب، بينما المعاملات ثابتة بين العقلاء قبل الشرع وغاية الأمر أنّ الشارع ينظر إلى هذه المعاملات برمتها"، فما كان منها موافقاً لمبادئ الشريعة فهو ممضى من قبل الشارع وما لم يكن موافقاً لها وخطراً عليها فهو ملغى شرعاً كالمعاملات المحذورة في الشريعة المقدسة من الربا وبيع الخمر والخنزير والكلب والاحتكار والغش وغيرها؛ لأنَّ الشارع قد ألغى هذه المعاملات المحذورة عن الاقتصاد الإسلامي نهائياً؛ والسبب هو أنَّ الدين الإسلامي جاء لإصلاح المجتمع الإنساني بصورة عامة، وأنّ النظام الإقتصادي الإسلامي قائم على أساس المصالح الواقعية فلهذا قد يوافق النظام العقلائي وقد لا يوافق، ومن هنا قد يعتبر الشارع شرطاً زائداً في صحة المعاملة بينما لا يكون هذا الشرط معتبراً عند العقلاء هذا من ناحية"، ومن ناحية أخرى أنّ دراسة الأنشطة الإقتصادية في الإسلام بصورة معمقة وموسعة في الحوزات العلمية التي تطورت وتعمقت وتوسعت عصراً بعد عصر تؤكد أصالة المسلمين في التشريع والتفكير واستقلالهم في النظام الاقتصادي" .
فالنتيجة أنَّ الإقتصاد الإسلامي قابل للتطبيق في كل عصر ويعالج فيه مشاكل الإنسان في الحياة العامة بكل أصنافها"، فلذلك هو غير ثابت بل متحرك .
العنصر الثالث : حدود صلاحيات الفقيه للتشريع بعنوان ثانوي" ( منطقة الفراغ )، وهو ما يعرف بسلطة ولي الأمر في تقييد المباح .
إنَّ من سمات الدين الإسلامي كشريعة عامة للبشر ولجميع الأزمنة والأمكنة ومنهج خالد يواكب العلم والتطور نحو الأفضل"، هو أنْ ترك في هذه الشريعة منطقة فراغ وهي الرقعة الخالية من النصوص التشريعية في الكتاب والسنة"، وهي منطقة المباحات الأصلية وهي عنصر ثالث في الإسلام وهو العنصر المتحرك غير الثابت في الشريعة المقدسة وذلك لعوامل" عدّة :
الأول :إنّ الشريعة الإسلامية شريعة خالدة أبدية متكاملة تحل مشاكل الإنسان في كل عصر مهما تطور وعلى طول التاريخ" .
الثاني :لا يمكن وضع نظام ثابت كنظام العبادات طول التاريخ وفي كل عصر بصورة أبدية"، حيث أنّ الانظمة بصورة عامة كالنظام الاقتصادي والتعليمي والاداري والاجتماعي وغيرها تتغير بتغير الزمان وتتطور بتطور الحياة العامة بكافة جوانبها"، فلا يمكن تطبيق الأنظمة السابقة على العصور الحالية المتطورة .
الثالث :إنّه لا يسمح للفقيه أنْ يتصرف في الأحكام الشرعية الإلزامية المجعولة في الشريعة المقدسة كالمنع عن فعل الواجب والأمر بفعل الحرام" مثلاً وهكذا .
فهذه العوامل وغيرها تتطلب من الشارع ترك منطقة فراغ في الشريعة المقدسة وإعطاء صلاحية واسعة للفقيه"، للتشريع فيها بعنوان ثانوي في حدود هذه المنطقة، ومن هنا يظهر أنَّ وجود منطقة الفراغ هذه لا يدل على نقص في الشريعة الإسلامية أو إهمال في الشريعة لبعض الوقائع والأحداث " لأن الشريعة لم تترك منطقة الفراغ بالشكل الذي يعني نقصاً أو إهمالاً"، وانما حددت للمنطقة أحكامها بمنح كل حادثة صفتها التشريعية الأصيلة مع إعطاء ولي الأمر صلاحية منحها صفة تشريعيىة ثانوية حسب الظروف "، فلهذا لا يمكن تشريع نظام ثابت في هذه المنطقة"، حيث أوكل الشارع أمر التشريع في حدود المنطقة إلى الفقيه بعنوان ثانوي حسب مقتضيات الظروف المتطورة والمتبدلة والحاجة في كل وقت لملء الفراغ فيه" .
وهنا سؤال قد يتبادر إلى الذهن كيف يتعامل المسلمون مع الوقائع الخالية من النصوص أو التي لا نص فيها ؟
الجواب : الإمامية سلكوا طريق الأصول العملية ــ كأصالة البراءة والاحتياط والتخيير والاستصحاب ــ واعتمدوه، فقالوا كل ما لم يذكره النص ولم يكن عليه آية أو رواية أو دليل محرز فننتقل إلى الأدلة التي تحدد الوظيفة العملية للمكلف وهي الأصول العملية، وبعبارة أخرى يلتجأ الإمامية الى الأصول العملية في موارد ثلاثة هي :
أولاً : فقد النص
ثانياً : إجمال النص
ثالثاً : تعارض النصوص وتساقطها
أما بالنسبة للمذاهب الإسلامية الأخرى فلهم طرق مختلفة حسب أصولهم الاستنباطية:
ــ الحنفية : اعتمدوا القياس ووسعوه وعظموه، فإذا كانت واقعة فيها نص والأخرى ليس فيها نص، فإنهم يسرون الحكم إلى الأخرى ضمن شروط معينة، وكذلك اعتمدوا الاستحسان، لذا سمي المذهب بمذهب أهل الرأي .
ــ المالكية : قالوا بالاستحسان في كثير من مسائلهم، وكان يعتمد على عمل أهل المدينة، وعند عدم النص يرجع الى القياس والى دليل خاص بمذهبه عرف بالمصالح المرسلة، أي ما تقتضيه المصلحة العامة.
ــ الشافعية: وقد مزج طريقة الرأي بطريقة الحديث، فجاء مذهبه وسطاً بين الحنفي والمالكي، فهو يقبل بالاستدلال ولكنه يرفض العمل بالاستحسان والمصالح المرسلة.
ــ الحنابلة: في الغالب لن يرجحوا أو يتوقفوا على حكاية الخلاف، فكان مذهباً مستقلاً مبنيّاً على خمسة اصول:نصوص الكتاب والسنة، فتيا الصحابة عند عدم وجود مخالف لها، قول بعض الصحابة اذا وافق الكتاب والسنة، الحديث المرسل والضعيف، واخيراً القياس عند الضرورة، ويتوقفوا في الفتوى في ثلاثة موارد هي:
1- إذا تعارضت الأدلة ولا يوجد مرجح .
2- إختلاف الصحابة فيما بينهم .
3- لا يوجد أثر ولا قول صحابي ولا تابعي، عند ذلك يتوقفوا عن الإفتاء .
وتأسيساً على ذلك فإنّ اختلاف فقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم في بعض تفاصيل الأحكام والتشريعات لا يعني عدم صوابية التشريع الإسلامي"، وعدم كونه الحق الذي يجب إتباعه على عامة المسلمين"، فالمسلمون آمنوا برسالة الإسلام التي جاء بها النبي الأعظم (صلى الله عيه وآله وسلم) من عند الله تعالى، وقد انزل الله تعالى عليه قرآناً فيه آيات بينات تبيّن الكثير من التشريعات سواء بأصل تشريعها ــ وهو الأغلب ــ أم ببعض تفاصيلها ــ وهو القليل ــ والتفاصيل التي لا بد منها للمسلم أُوكل أمرُ بيانها إلى النبي الأكرم الذي كان ينزل عليه الوحي الإلهي ليبلغ المسلمين أحكام دينهم الحنيف الذين أُمروا بإتباعه، قال تعالى : ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَٰمَ دِينٗاۚ.. .
ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُون .
وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَاب .
لذلك فان المسلمين جميعاً ملزمون أمام الله تعالى بأحكام هذا الدين الحنيف، ولا يجوز لهم مخالفته ومناقضته بحكم من هنا وتشريع من هناك لا يكون مستنده الكتاب العزيز والسنة الشريفة، بل يكون ابتعاداً عن واجبات وارتكاباً لمخالفات يرفضها الله تعالى ونبيه وأولو الأمر الذين أُمرنا بطاعتهم .
قال تعالى : يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ .
المطلب الثالث :
أوجه التشابه والاختلاف بين التشريع الإسلامي والقانون الوضعي :
من المعلوم أن التشريع الإسلامي والقانون الوضعي كلاهما يهدفان إلى بيان الأحكام وتشريعها ووضع الحلول والمعالجات لقضايا ومسائل تتعلق بالفرد والمجتمع والدولة وبحسب الأسس والمناهج اللذان يسيران عليهما"، فهناك خصائص مشتركة، فكلُّ واحد منهما يستهدف تنظيم الحياة وضمان الحقوق وإقرار الواجبات وجلب المصلحة والمنفعة للإنسان ودرء المفسدة والمضرّة عنه"، وهناك نقاط اختلاف وافتراق وتمايز، إلاّ أنّ الاختلاف الأساس بينهما هو أنّ التشريع الإسلامي يتمتع بالحصانة الشرعية وصفة العصمة"، كونه تنزيل من رب العالمين، وقال تعالى: عَٰلِمُ ٱلۡغَيۡبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ ٱلۡكَبِيرُ ٱلۡمُتَعَال
بينما التشريعات الوضعية وقوانينها هي من وضع البشر بكل ما يحمل هذا الوضع من ايجابيات وسلبيات، قال تعالى : وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلۡعِلۡمِ إِلَّا قَلِيلٗا .
ومن أهم النقاط والأمور التي ينماز بها التشريع الإسلامي عن القانون الوضعي وبيان مدى الترابط والعلاقة بينهما هي":
أولاً :إنَّ مصدر الشريعة الإسلامية هو الله سبحانه وتعالى، وهي وحيه إلى رسوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) باللفظ والمعنى وكون هذا اللفظ معجزاً ومتواتراً نقله وهو القرآن أو بالمعنى دون اللفظ وهو السنة الشريفة"، لذلك فالشريعة الإسلامية تختلف عن جميع الشرائع الوضعية"، ويترتب على هذه المائزة نتائج منها :
1- إنّ مبادئ الشريعة وأحكامها خالية من الجور والنقص والهوى؛ لانها من صنع الله سبحانه وتعالى، بخلاف القوانين الوضعية التي لا تنفك عن النقص والجور والهوى؛ لأنها صادرة من الإنسان والإنسان لا يخلو من هذه النقائص.
2- هيبة واحترام نفوس المؤمنين لأحكام الشريعة الإسلامية حكاماً كانوا أو محكومين؛ لانها صادرة من عند الله تعالى ولها صفة دينية تؤمن بها النفوس ولا يقسر عليها الإنسان قسراً بخلاف القوانين الوضعية، فليس لها سلطان على النفوس"، فترى أنّ النفوس تجرأ على مخالفة القانون الوضعي كلما استطاعت الإفلات من رقابة القانون وسلطة القضاء كمسألة الخمر مثلاً .
3- لها صفة الإلزام والالتزام أي أنّها مُلزمة للتعبد بها"، لأنّها تبتني على الوحي الإلهي وهذا كافٍ لمنحها القوة ـ وهذا للفرد المؤمن والمعتقد بها ـ وهي بخلاف التشريعات الوضعية التي لا يكون فيها إلزاماً عقائدياً إيمانياً تعبدياً وإنما إلزاماً قانونياً .
ثانياً : الشريعة الإسلامية نظام شامل لجميع شؤون الحياة فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان وتبين أصول العقيدة وتنظّم صلته بربه وتأمرهُ بتزكية نفسه وتحكم علاقاته مع غيره"، فلا يخرج من حكم الشريعة شيء .
فقد روى أبو بصير عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه تحدّثَ عن الشريعة الإسلامية واستيعابها، وإحاطة أئمة أهل البيت (عليهم السلام) بكل تفاصيلها،
فقال : (( فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج الناس اليه، حتى الإرش في الخدش، وضرب بيده إلى أبي بصير، فقال : أتأذن لي يا أبا محمد؟ فقال له أبو بصير : جعلت فداك، إنما أنا لك فاصنع ما شئت فغمزه الإمام بيده وقال : حتى أرش هذا )) .
وعن الإمام الصادق (ع) في نص آخر، أنه قال : (( فيها كلُّ ما يحتاج الناس اليه، وليس من قضية إلاّ وهي فيها، حتى أرش الخدش )) .
إنَّ هذه النصوص تؤكد بوضوح استيعاب الشريعة الإسلامية لمختلف مجالات الحياة، فهي تستغرق شؤون الإنسان كلها الفردية والجماعية الدنيوية والأخروية"، وتبدأ مع الإنسان منذ نشأتهِ في بطن أمهِ إلى أنْ يُبارح الدنيا وتمتد إلى حياته الأخروية .
أما القواعد القانونية فلا تتمتع بهذا الشمول الذي تتمتع به الأحكام الشرعية، فهي على فرض استيعابها لشؤون الإنسان الدنيوية فهي قواعد قاصرة عن شؤون الإنسان الأخروية".
ثالثاً: إنَّ الشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان، فلم تكن ضيقة المرمى أو تكن قومية اللون ولا تقتصر على العرب أو شعب بعينه، بل هي رسالة شاملة ودعوة عالمية موجهة إلى جميع الناس وفي جميع الأقطار"، وهي تخاطب الأسرة البشرية كافة، قال تعالى: وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا كَآفَّةٗ لِّلنَّاسِ بَشِيرٗا وَنَذِيرٗا،
وقال تعالى : قُلۡ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنِّي رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَيۡكُمۡ جَمِيعًا ،
وقال تعالى : وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا رَحۡمَةٗ لِّلۡعَٰلَمِينَ،
فلم تأت هذه الأحكام لجماعة دون جماعة أو لقوم دون قوم أو لدولة دون دولة وإنّما جاءت للناس كافة، وقد جاءت كاملة شاملة لأمور الأفراد والجماعات والدول ...كما أنها لم تأت لوقت دون وقت أو لعصر دون عصر أو لزمن دون زمن وانما هي لكل وقت وزمان حتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها، بخلاف القوانين الوضعية التي ربما تختص بجماعة دون اُخرى وتختلف من دولة إلى دولة.
رابعاً :إنَّ الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية بأنّ قواعدها وأحكامها تقترن بجزاء يوقع على المخالف"، ولكنها تختلف معها بأنّ الجزاء فيها اُخروي ودنيوي والأصل في أجزيتها هو الجزاء الاُخروي"، ويترتب الجزاء الدنيوي لمقتضيات الحياة وضرورة إستقرار المجتمع، ولا يخفى ما للجزاء الأخروي من فائدة (ففيه من جانب الترغيب العقلي في أعمال الخير والصلاح وفيه من جانب آخر الترهيب من العقوبة اليقينية على أعمال الشر والفساد، وإنّ ضابطته ونظامه هذا لا يحتاج في بقائه وقيامه إلى قوة مادية ولا إلى سلطة حكومية وإنما هو يضع في نفس كل إنسان بواسطة الإيمان باليوم الآخر ضميراً حيّاً يرغبه في الفضائل والمعروفات التي قد قررها الإسلام فضائل ومعروفات على اعتبار نتائجها النهائية ويحذره من الرذائل والمنكرات التي قد قررها الإسلام رذائل ومنكرات على اعتبار نتائجها النهائية) ، لذا فإنَّ الإيمان أساس الشريعة الإسلامية وهو الوازع الداخلي المتين الذي يوقظ الضمير ليراقبه ويحاسبه على أعماله وهو الضمانة لإحترام أحكام الشريعة وتنفيذها"، فلا يمكن أنْ يعوّل على سلطة القانون فقط والدليل ما نراه في العصر الحاضر من أثر ضعف الإيمان ومن شدّة صرامة القانون وإمكانات تنفيذه وشدة المراقبة على المتعدي والمخالف له ومع هذا فأنّ الإنحلال الخُلُقي قد تفشَّ، وتفاقم المشكلات الاجتماعية وازدياد الجرائم وأعمال العنف والإدمان على المخدرات والمسكّرات والإنغماس في الفجور والملذّات والإنهيار في الإباحية الجنسية وقلة الحياء"، وتفشّي الكسل والقذارة والشغب والفوضى وتفكيك الروابط التقليدية الإنضباطية في المجتمع والمدرسة والعائلة جميعاً وما شاكل ذلك، لذلك نرى أنّ الجرائم بالنسبة إلى المؤمنين أقل مقارنة بغيرهم أو تنعدم أحياناً .
فالشريعة الإسلامية تريد من ذلك أنْ تهذّب وتربي الإنسان لسعادته في الدنيا والآخرة"، بخلاف القواعد القانونية فانها لا تقترن إلاّ بالجزاء الدنيوي، وقد يفلت منه الجاني .
خامساً : إنَّ الشريعة الإسلامية هي شريعة خالدة باقية ومستمرة غير قابلة للنسخ والتبديل"، فالأحكام الشرعية من حيث النص لا تقبل كل تعديل أو تغيير مهما تطورت الحياة وتغيّرت الأزمنة والأمكنة، ولكن من حيث المضمون قد يتغير مضمونها بتغير الزمان وتطور الحياة"، وقد صيغت هذه الأحكام بحيث لا يؤثر عليها التطور الزمني ولا يقتضي تغيير قواعدها العامة ونظرياتها الأساسية، فجاءت من العموم والمرونة بحيث تحكم كل حالة جديدة، ولو لم يكن في الإمكان توقعها ومن ثم كانت غير قابلة للتغيير والتبديل كما تتغير القواعد القانونية وتتبدل .
سادساً :الأحكام الشرعية نصوص وضعها عالم خبير بأحوال الخلق غني عن العالمين"، فهي لا تتضمن أي نفع لواضعها بل لتحقيق مصالح العباد الشرعية، أما القواعد القانونية فهي نصوص من صنع البشر وقد خاطبهم الله تعالى بقوله: وما اوتيتم من العلم إلاّ قليلاً ، وهي تتضمن نفعاً لواضعها وتقرر له الامتيازات والمكاسب .
وقد أشار السيد محمد الصدر إلى أهمية الإلتزام بأحكام الشريعة الإسلامية حينما بيّنَ الفرق بين المحاكم العرفية والقضاء الشرعي، بقوله : (( وإنما الفرق الرئيسي بين المحاكم العرفية من ناحية والقضاء الشرعي الموجود فعلاً من ناحية أخرى، أمران رئيسيان يعتبر كل منهما نقطة قوة في أحدهما ونقطة ضعف في الآخر، أما نقطة القوة في القضاء الشرعي فهو الحجية الشرعية، فكل ما يقوله ويحكم به نافذ شرعاً ومجزي ومبرئ للذمة، بخلاف الأنواع الأخرى من القضاء الدنيوي أو العرفي بطبيعة الحال، بما فيها القضاء الذي تقيمه العشائر بين المتخاصمين .
وأما نقطة الضعف في القضاء الشرعي فمن حيث أنّ سائر المحاكم لها قوة إجرائية أو تنفيذية لتطبيق الحكم، من شرطة وسجون ونحوها فانها مخولة بذلك بطبيعة الحال، في حين أنّ القضاء الشرعي أعزل من هذه الأمور، غير أنّ التعويض الرئيسي بهذا الصدد مهم جداً ولطيف جداً وهو خوف الله سبحانه وتعالى، فإنّ عقاب الآخرة أهم من عقاب الدنيا وغضب الخالق أعلى وأقسى من غضب المخلوق )) .
الفصل الثاني
آراء المذاهب الإسلامية حول مشروعية تدوين الأحكام الشرعية وتقنينها/ دراسة فقهية
المبحث الأول : التقنين أو تدوين الأحكام الشرعية ثبوتاً وإثباتاً
المطلب الأول: تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين
بلحاظ العقل
المطلب الثاني : تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في
قوانين بلحاظ النقل
المبحث الثاني : التقييد بمذهب أو رأي معيَّن وإلزام القضاة به
دراسة فقهية
المطلب الأول : آراء المذاهب الفقهية حول التقييد بمذهب أو
رأي معيَّن وإلزام القضاة به
المطلب الثاني : معالجة التعارض بين المذاهب الإسلامية في
تدوين وتقنين الأحكام الشرعية
المبحث الثالث : منصب القضاء شرعاً وشرط الإجتهاد
سأتناول في هذا الفصل البحث عن التقنين ومشروعية تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في مواد قانونية عقلاً ودلالةً"، وما هو موقف المذاهب الإسلامية والمانع الفقهي الشرعي من تقنين وتدوين الأحكام الشرعية وتوحيد قانون يحكم المسلمين؟ وهو تقييد القضاة بمذهب معين وإلزامهم به"، وهو عين السبب الذي جعل الإمام مالك بن أنس يرفض أن يكون كتابه الموطأ مرجعاً للقضاء"، لذا سنبحثه في أربعة مباحث :
المبحث الأول :التقنين أو تدوين الأحكام الشرعية ثبوتاً وإثباتاً" (عقلاً ونقلاً)
وفيه مطلبان :
المطلب الأول :تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين عقلاً"
وسنذكر هنا أمرين :
الأمر الأول :إنّ من أسباب تدوين القوانين في الدولة الإسلامية"هي :
1ـ إنّ القضاة مقلّدون ( بكسر اللام ) لا مجتهدون .
2ـ تقييد القضاة بمذهب معيّن يرتضيه الخليفة".
3ـ تشريعات الخلفاء بحسب مصالحهم وأهوائهم".
لذلك ذكر الشيخ السبحاني أنّ من أسباب التدوين :
(( ولاية القضاء : فقد كان الخلفاء يختارون القضاة أول الأمر من المجتهدين لا من مقلّديهم، ولكنهم فيما بعد آثروا إختيارهم من المقلّدين، ليقيّدوهم بمذهب معيّن، ويعيّنوا لهم ما يحكمون على أساسه )) .
الأمر الثاني : الإشكالات على تقنين الأحكام الشرعية وتدوينها وإلزام القضاة بها وسلبياته ومميزاته وإيجابياته بحسب الحاجة والواقع إلى ذلك ثبوتاً عقلاً".
وقد ذكر البعض مجموعة من الإشكالات التي قد تطرح على تقنين الأحكام الشرعية وتدوينها وإلزام القضاة بها والموانع الفقهية التي قد تقف عائقاً دون تدوين القانون، وهذه الإشكالات هي :
الإشكال الأول :إنّ الكتب الفقهية تكفّلت بتنظيم كلّ ما يتعلّق بالإنسان من عبادات ومعاملات وإيقاعات وحدود وديّات وما يستحدث منها"، وهذا يعني تنظيم الأحكام الشخصية والمدنية والجنائية للمكلّف، مضافاً إلى كون باب الإجتهاد مفتوحاً وهذا ممّا يقوّي ملكة الإجتهاد والقدرة على الإستنباط بما يواكب العصر، فما الداعي لتدوين قوانين أُخرىىى؟
والجواب عنه : إنّ الكتب الفقهية تُكتَّب من طرف أهل العلم وليست أحكاماً باتَّة نافذة مُلزمة للناس كالقانون، ولا توجد آلية متبعة لكتابة الأحكام المدونة، وأغلبها ليس لها ضابط موضوعي، لذا نحتاج إلى تدوينها وصياغتها بقوانين".
الإشكال الثاني :إنّ الكتب الفقهية للمذاهب الإسلامية ذكرت جميع المسائل التي يحتاج إليها القاضي في جميع أبواب الفقه"، فليزم القاضي الحكم بها من دون الحاجة إلى الإستعانة بالقوانين الوضعية المستندة إلى شرائع أخرى أو أهواء الحكام ومصالح الدول، ويساعد القاضي على تحقيق العدل والحكم بالحقّ بظاهر الشريعة الإسلامية".
وأما تدوين القوانين الذي يقتصر على النصوص المدوّنة في كلّ قانون فهي غير شاملة لجميع المسائل التي يحتاج إليها القاضي؛ فتكون ذريعة للقاضي للاستعانة بقوانين لا تستند إلى الشريعة الإسلامية وتحدّْ من الوصول إلى الحكم بالحقّ.
والجواب عنه :إنّ إرجاع القضاة إلى اُمهات الكتب الفقهية واختلافها في الآراء والأساليب والأدلة يكون سبباً لتأخير فضّ النزاعات التي قد تسبّب مشاكل أكبر"، وقد يؤدي إلى ترك القاضي واجتهاده، فيختلف الحكم في قضية واحدة، وتنعدم وحدة الأحكام القضائية، فيختل العدل والحكم بالحقّ، وأما تدوينها فيساهم في وحدة الأحكام الشرعية الإسلامية إلى آليةٍ معينة لتكون معيناً لا ينضب ومصدراً أساساً أو رئيساً للتشريع يغطي جميع الأحكام القضائية".
الإشكال الثالث :إنّ التقنين بدعة وخطوة تمهيدية لهجر أحكام الشريعة والإنتقال إلى القوانين الوضعية وسلب سلطة فقهاء الأمة"، كما أنه يؤدي إلى إلزام الأمة إمّا بمذهب فقهي معيّن وأما بنص ليس من شرع الله في شيء، وهو مدخل للتبديل والتغيير في أحكام الشريعة بزيادة أو النقصان، أو تبديل أو تعديل مما يستلزم الحكم بغير ما أنزل الله".
والجواب : إنّ تدوين الأحكام الشرعية ليس بدعة بل سُنّة كما سنثبت ذلك .
وأما التقنين فيعدّ تطوراً في تدوين الأحكام الشرعية"، ولا يعدّ هجراً للشريعة؛ لأنه رجوع إلى فقهاء الأمة في التشريع، وعدم سلب سلطتهم خصوصاً إذا نصّ قانون المحكمة الاتحادية على الرجوع إلى فقهاء الشريعة حيث يعدّ من أركان الدولة المدنية"، فيواكب التطور من جهة، ويطبّق الشريعة الإسلامية ـ وهو الحكم بالحقّ المأمور به ـ من جهة أخرى.
فتدوين الأحكام الشرعية بخلاصة ما وصل إليه الفقه الإسلامي يجمع بين الأحكام الثابتة والأحكام المتغيرة"، ويبقى باب الإجتهاد للمشرّع مفتوحاً يرجع إليه القاضي عند عدم وجود نصّ ينطبق على القضية المطروحة أمامه، فنحافظ على روح الشريعة الإسلامية ومقاصدها وعدم الجمود على النص"، ويسهّل على القاضي تحصيل الحكم الشرعي واختصار الجهد والوقت، ويعلم الناس سلفاً ما تخضع له معاملاتهم وعقودهم من الأحكام، فيتحقّق العدل والحكم بالحقّ".
الإشكال الرابع :نصّ الدستور في المادة (41) على حرية الفرد في الأحوال الشخصية، فيحتم على المشرّع الرجوع إلى المذاهب الفقهية المختلفة، وتقييد المسلمين بمذهبٍ معيّنٍ خلافاً لمذاهبهم، له آثار على الفرد والمجتمع"، وهذا ليس من صالح الدولة؛ لأنه يفتح مسارب الجريمة والتحلل الخلقي أمام أبناء البلد وبالتالي تؤدي إلى إماتة الإخلاص فيهم"؟
الجواب : نعم، هذا الإشكال علمي وجديرٌ بالإهتمام"، وكلّ أطروحة لتوحيد القانون يجب أنْ تأخذ بعين الاعتبار هذا الإشكال، ويمكن حلّه بوضع مادة خاصة واختيارية تجيز الرجوع إلى المذاهب الفقهية كما في مسألة القسّام الشرعي في القانون العراقي، ويمكن القول أنّ عدم تدوين القانون الموحّد يحوّل التعدّد والتنوع العراقي في المذاهب والأعراق من حالة تمنح القوّة والتجدد والتآلف إلى حالة تنتج الفرقة"، ويضع الفرد والأسرة تحت سلطة السلطات المختلفة".
ويمكن القول أنّ وجود قانون عصري موحّد لكل العراقيين في الأحوال الشخصية وبشكل تراعى فيه المواثيق والاتفاقيات الدولية يعدّ دفاعاً عن قيم الحضارة والتمدّن ومفهوم المواطنة"؛ لأنه يشكّل أساساً لبناء العائلة العراقية ووحدة الشعب العراقي".
فالنتيجة : إنّ التقنين وتدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين أمرٌ راجح عقلاً وواقعاً .
المطلب الثاني :دراسة فقهية في تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين نقلاً"
يعدّ المذهب السلفي من أبرز المذاهب الإسلامية التي ذهبت إلى حرمة التقنين ـ إلى يومنا هذا ـ والإلتزام بالراجح، واستدلوا بالقرآن والسنة والإجماع، وأنّ تقنين الأحكام الشرعية وإلزام القضاة بالحكم بها هو خلاف ما عليه الإجماع العملي للقرون المفضلة، وقد أستدلّ القائلون بحرمة التقنين بالأدلة الآتية :
1 ــ القرآن الكريم : وردت آيات عدّة تشير إلى حرمة التقنين، منها :
قوله تعالى : وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡل
قال تعالى : وَإِنۡ حَكَمۡتَ فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِٱلۡقِسۡطِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِين .
قال تعالى: يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ.
والعدل والقسط أنْ يحكم القاضي بما يدين الله به من الحقّ، لا بما اُلزِمَ به مِن تقنين قد يرى الحقّ بخلافه .
قال الشافعي : ((فأعلم الله نبيه أنّ فرضاً عليه وعلى مَنْ قبله والناس إذا حكموا أنْ يحكموا بالعدل، والعدل إتباع حكمه المنزل)).
وقال البراك: ((والتقنين إنّما هو إلزام بالتقليد، ويكون كثيراً في أقوال مرجوحة)).
ويمكن الرد على ذلك : إنّ الإستدلال بالآيات القرآنية أعلاه على حرمة التقنين ليس صحيحا"، فالآية الأولى والثانية مختصّة بالحكم لا التشريع، وأما الآية الثالثة فهي أجنبية عن الموضوع؛ لأنّها في مقام بيان مفترض الطاعة بدليل قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واُولي الأمر)، وقد قرّب الفخر الرازي دلالتها على عصمة اُولي الأمر في تفسيره لهذه الآية بقوله": (( إن الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بد وأن يكون معصوماً عن الخطأ، ... فثبت إنّ الله تعالى أمر بطاعة اُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت إنّ كل من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أنْ يكون معصوماً عن الخطأ، فثبت قطعاً أنّ اُولي الأمر المذكور في هذه الآية لا بد وأنْ يكون معصوماً )) .
ويؤيد هذا التقريب مساواتهم لله والرسول في وجوب طاعتهم مما يدل على أنْ جعل الطاعة لهم ليس من نوع جعلها للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، بل هي من نوع إطاعة الله والرسول التي تجب على كل حال.
إلاّ إن الفخر الرازي خالف الإمامية في دعواهم في إرادة خصوص أئمتهم من هذه الآية، وقرّب أنْ يكون المراد منها أهل الإجماع بالخصوص .
نعم، يمكن القول أنّ الآية تصح أن تكون دليلاً إذا كُتِبَ القانون حسب المصالح والأهواء ويعدّ مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية"، كبعض مواد وأحكام قانون الأحوال الشخصية العراقي النافذ؛ لذا أبدت المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم وعلماء الدين رأيها فيه وطالبوا بإلغائه.
وأما التقنين بتدوين الأحكام الشرعية الثابتة من الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة فيعدّ رجوعاً وإطاعة لله ورسوله واُولي الأمر الذين فرض الله علينا طاعتهم، فهي تثبته ولا تنفيه .
2 ــ السنة :
قال رسول الله (ص) : (( القضاة ثلاثة : واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجلٌ عَرَفَ الحقّ فقضى به، ورجلٌ عَرَفَ الحقّ فجارَ في الحكم فهو في النار، ورجلٌ قضى للناس على جهلٍ فهو في النار )) .
ويمكن الرد : أنّ الاستدلال بالرواية على حرمة التقنين غير صحيح؛ لأنّها واردة في صفات القاضي وشروطه وحكمه وليس لها علاقة بحرمة التقنين، ومن صفاته أنْ يكون عالماً بجميع ما وليه، وأجاز بعض العامة أنْ يكون القاضي عامياً فيحكم بالتقليد مستدلين بأنّ الغرض منه هو فصل الخصومة فإذا أمكنه ذلك بالتقليد جاز، ولكن ما ذكر يرد عليه بالرواية أعلاه من أنّ وجه الدلالة أنّ العامي يحكم على جهل.
3 ــ الإجماع :
قال الشافعي : (( أجمع الناس على أنّ مَنْ استبانت له سُنة رسول الله (ص) لم يكن له أنْ يدعها لقول أحد )) .
وقال الخطيب البغدادي : (( والدليل عليه أنّ الصحابة أجمعت على جواز الأخذ بكلّ واحد من القولين، وعلى بطلان ما عدا ذلك ... )) .
وقالت هيئة كبار العلماء : (( إنّ تقنين الأحكام الشرعية وإلزام القضاة بالحكم بها هو خلاف ما عليه الإجماع العملي للقرون المفضلة )) .
ويمكن الرد على ذلك: أنّ الإجماع الذي ذكره الشافعي يصحّ الاستدلال به على حرمة التقنين إذا كان تدوين القوانين من الشرائع الاُخرى ومخالفة لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى وفق المصالح والهوى"، ويمكن القول أنّ مَنْ استبانت له سنة رسول الله أي علم بالحكم الشرعي وحكم بخلافه فهو مخالف للإجماع الذي ذكره الشافعي، أما إذا كان التدوين للأحكام الشرعية موافقة لسنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وصياغتها في قوانين فلا يصحّ دليلاً على حرمة التقنين" .
وأما الإجماع الذي ذكره الخطيب البغدادي، فهو يدل على جواز الاخذ بكلّ ما نقل من أقوال الصحابة، وأما ما خالف أقوالهم فلا يجوز الأخذ به .
وهذا الإجماع ليس له علاقة بحرمة تقنين الأحكام الشرعية الصادرة من أقوال الصحابة، فلا يصحّ أنْ يكون دليلاً على حرمة تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين .
وأما إستدلال هيئة كبار العلماء على حرمة التقنين بمخالفة الإجماع العملي للقرون المفضلة"، فيصحّ أنْ يكون دليلاً إذا كان تدوين الأحكام وفق مذهب معيّن وإلزام القاضي المجتهد به"، وهذا ما نلمسه من موقف مالك بن أنس حين أراد الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ومن بعده هارون الرشيد إختيار كتابه (الموطأ) قانوناً قضائياً للدولة العباسية"، فنهاهما مالك من ذلك وقال:
(( إنّ أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اختلفوا في الفروع وتفرقوا في البلدان، وكلٌّ مصيب )) .
ولا يصحّ الإستدلال بالإجماع العملي للقرون المفضلة على حرمة التقنين إنْ كان القاضي مقلِداً أو عامياً"، والتدوين يخصّ الثابت والمتواتر من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأنها حكم الله ورسوله"، والقانون لا يخالف حكماً شرعياً، وهذا لا إشكال فيه.
النتيجة : من خلال ما تقدم :
1 ـ إنّ السبب في تدوين الأحكام الشرعية في الدولة الإسلامية هو استبدال القضاة المجتهدين بالمقلِدين، والتقييد بمذهب معيّن والتشريع لهم حسب المصالح والأهواء، وهذا ما اقتضته السياسة .
2 ـ إنّ التقنين وهو تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في مواد قانونية هو أمر راجح عقلاً وواقعاً .
3ـ إنّ تدوين الأحكام الشرعية مستحب شرعاً؛ لما ورد من إجازته من قبل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وحثه على الكتابة، وكذلك إجماع المسلمين ـ سيرة المسلمين ـ على جواز التدوين .
4ـ تأليف عشرات المصادر من قبل جميع المذاهب الإسلامية، وهذه المصادر والموسوعات الحديثية في تدوين الحديث والأحكام الشرعية خير دليل على جواز التدوين واستحبابه شرعاً، والتي كان لها الفضل في فقه المذاهب الإسلامية.
5ـ أما التقنين فهو أمرٌ مستحدث والفرق بينه وبين التدوين الإلزام والجزاء"، كما أنّ التدوين جائز ومستحب؛ لعدم الإلزام، وأما التقنين فعلى القول بعدم الفرق بينه وبين التدوين فيأخذ حكمه"، وأما على القول بالفرق بينه وبين التدوين وأنه أمرٌ مستحدث، فيكون الإشكال الفقهي منه هو التقييد بمذهب معين وإلزام القضاة المجتهدين به"، والأخذ بالأقوال الراجحة والمشهورة، وهذا ما اختلفت فيه المذاهب الفقهية الإسلامية.
المبحث الثاني: التقييد بمذهب أو رأي معين وإلزام القضاة به/ دراسة فقهية":
إنّ تقييد المسلمين بمذهب معين خلافاً لمذاهبهم وإلزام القضاة به ــ والذي يخالف المادة الدستورية (41) التي تشير إلى حرية الفرد في الأحوال الشخصية ــ يعدُّ مانعاً فقهياً من تقنين وتدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين .
فالتقنين قد يلزم منه تقييد المسلمين بأحكام مخالفة لمذاهبهم، وهو محل إشكال ورفض من قبل المذاهب الفقهية، لذا سنبحثه في مطلبين :
المطلب الأول: آراء المذاهب الفقهية حول التقييد بمذهب أو رأي معيّن وإلزام القضاة به".
اختلفت آراء المذاهب الفقهية حول تقييد القضاة بمذهب معيّن أو القول الراجح وإلزام القضاة به بين قائل بوجوبه وجوازه وآخر بعدم جوازه على أقوال :
الرأي الأول : مذهب الإمامية : ذهب فقهاء الإمامية إلى القول بأنّ مذهب أهل البيت هو الحقّ الذي يجب أنْ يُتّبع وتقييد القضاة والحكم به، ولا يجوز الحكم بالمذاهب الأخرى إلاّ للتقية والإكراه ما عدا الدماء والفروج ـ أي في دائرة النفوس والأعراض ـ فلا يجوز الحكم فيها بخلاف مذهب أهل البيت، حيث ورد في كلماتهم : لا يجوز لمن يتولى الفصل بين المختلفين والقضاء بينهم أنْ يحكم إلاّ بموجب الحق، ولا يجوز له أنْ يحكم بمذهب أهل الخلاف.
فعبارات الفقهاء واضحة فهي توجب التقييد بمذهب أهل البيت، فهو المذهب الحق ويجب أخذ التشريع منه والحكم به"، ولا يجوز للقاضي الفصل بين المختلفين والقضاء بينهم على وفق المذاهب الأخرى، إلاّ للتقية والاضطرار ما عدا الدماء والفروج فلا تقية فيها، وأما مع عدم التقية والإكراه كما نحن فيه فيجب التقييد بمذهب أهل البيت"(عليهم السلام).
وقد وردت عدة روايات في المنع من التحاكم لغير العارف بأحكامهم والذي لا يحكم بحكمهم، منها ما ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : (( كلّ حَكَمٍ حَكَمَ بغير قولنا أهل البيت فهو طاغوت ))، وهذه الرواية صريحة بتقييد الحكم بقول أهل البيت (عليهم السلام)، وكذلك رواية أبي خديجة ورواية عمر بن حنظلة وغيرها من الروايات التي سيأتي الكلام فيها .
الرأي الثاني : جمهور الفقهاء : فقد ذهب فريق منهم إلى عدم جواز إلزام القضاة بمذهب أو رأي معيّن، فالمجتهد لا يجوز أنْ يعقد تقلّد القضاء على أن يحكم بمذهب بعينه" لقوله تعالى : فَٱحۡكُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَقِّ ، والحق ما دلّ عليه الدليل، وذلك لا يتعيّن في مذهب أو رأي معين، وقد ذكره ابن الحاجب بقوله : (( أنّ الحق ليس في شيء معيّن ))، وقال البهوتي : (( ولا يجوز أنْ يقلّد القضاء لواحد على أنْ يحكم بمذهب بعينه لقوله تعالى فاحكم بين الناس بالحق والحق لا يتعيّن في مذهب)).
فإنْ كان القاضي مجتهداً فعليه أنْ يعمل باجتهاده، وإنْ كان مقلّداً يعمل باجتهاد مقلَّده، والمقلّد فيه اختلاف وتفصيل، فقالوا : بجواز تقييد المقلّد بمذهبه، وقيل : بعدم الجواز، وقيل : بالتفصيل بين كونه متبحراً فلا يجوز، وغير متبحر فيجوز تقييده على أنْ يحكم بمذهبه وأنْ يقلّد كبار مذهبه في ذلك .
فإذا اشترط الوالي على القاضي القضاء بمذهب معيّن(التقييد بمذهب أو رأي معيّن)في عقد التولية سواء كان القاضي مجتهداً أو مقلّداً، قال بعض الفقهاء بفساد الشرط وفساد التولية، ومنهم من قال بفساد الشرط فقط مع بقاء التولية صحيحاً، وذكر ابن قدامة:((لا يجوز أنْ يقلّد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافاً لأنّ الله تعالى قال فاحكم بين الناس بالحق والحق لا يتعين في مذهب، وقد يظهر له الحق في غير ذلك المذهب فإنْ قلّده على هذا الشرط بطل الشرط وفي فساد التولية وجهان بناءً على الشروط الفاسدة في البيع)).
وذهب فريق آخر من الفقهاء إلى جواز إلزام القاضي بمذهب أو رأي معيّن يراه ولي الأمر حسب ما تقتضيه المصلحة من جهة وانه حق لولي الأمر بما له من حق الطاعة على رعيته في غير معصية من جهة أخرى"، وبحكم ولايته له أنْ يخصّص القضاء بمذهب أو رأي معيّن، وذكر ابن عابدين في حاشيته: ((ثم من المقرّر أنّ القضاء يتخصص فإذا ولى السلطان قاضياً ليقضي بمذهب أبي حنيفة لا ينفذ قضاءه بمذهب غيره لأنه معزول عنه بتخصيصه)).
وقد استدل القائلون بجواز إلزام القاضي بمذهب أو رأي معيّن وترجيحه على القول الآخر بأدلة نقلية وعقلية منها :
قوله تعالى:يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ.
فإذا تبنى رئيس الدولة حكماً شرعياً صار هذا الحكم وحده هو الحكم الواجب العمل به وأصبح حينئذٍ قانوناً نافذاً وجبت طاعته على كل فرد من أفراد الرعية، وما هذا إلاّ تطبيق من تطبيقات حق الطاعة المفروض على أفراد الأمة لولاة أمورهم فكما هو معلوم أنّ طاعة الإمام واجبة على الأمة .
أما الأدلة العقلية على جواز إلزام ولي الأمر القاضي برأي أو مذهب معيّن في مسألة معينة فلعلّ أهمها هو المصلحة، فرئيس الدولة هو المسؤول أمام الأمة عن رعاية شؤونها؛ لأنّه المكلف شرعاً بحماية ورعاية مصالح الناس، يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):((كلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته فالإمام راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ...))، وهذه المسؤولية تقتضي وضع الوسائل التي تمكنه من القيام بحق هذه المسؤولية، فلولي الأمر يجب عليه بمقتضى هذه المسؤولية التوسل بكل وسيلة تحقق المصلحة للأمة كما عليه غلق كل وسيلة تؤدي إلى المفسدة، ولعلّ أبرز مظاهر هذا الواجب اختيار الصالح من آراء الفقهاء لحكم هذه المسألة أو تلك لما في ذلك من مصالح تتحقق ومفاسد تدفع بهذا التخير، وعلى الرغم من أنّ تعدّد هذه الآراء مظهر من مظاهر ثراء الفقه الإسلامي إلاّ أنه من الناحية العملية قد يولد إشكالية مهمة توجب على ولي الأمر التوسل إلى حلها من خلال اختيار المناسب من هذه الآراء لحكم مسألة من المسائل.
أما عند مذهب الإمامية فإن القضاء والحاكمية منصب إلهي لا دخل له بالسلطان أو رئيس الدولة كما بيّناه سابقاً .
الرأي الثالث : السلفية : وقالوا بحرمة التقنين والإلزام بمذهب معيّن أو الراجح من الأقوال، واستدلوا بالقرآن والسنة والإجماع كما أشرنا إليه سابقاً، وقالت هيئة كبار العلماء : (( أنّ تقنين الأحكام الشرعية وإلزام القضاة بالحكم بها هو خلاف ما عليه الإجماع العملي للقرون المفضلة )) .
المطلب الثاني : معالجة التعارض بين المذاهب الإسلامية في تدوين وتقنين الأحكام الشرعية".
إنّ تدوين الأحكام الشرعية مستحب شرعاً؛ لما ورد من إجازته من قبل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وحثه على الكتابة، وفعله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما فعل ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومجموعة من الصحابة وإجماع المسلمين ـ سيرة المسلمين ـ على جواز التدوين، فهل يتعارض هذا الاستحباب مع تحريم المذاهب الفقهية والسلفية"؟
والجواب : تبيّن مما سبق أنه لا تعارض بينهما؛ لأنّ المستحب هو تدوين الأحكام الشرعية الثابتة من الله ورسوله، بينما آراء المذاهب الفقهية والسلفية هو عدم جواز تقنين الأحكام الشرعية من مذهب معيّن أو القول بالراجح وإلزام القضاة المجتهدين به".
لهذا يحصل التعارض بين المذاهب الفقهية حول تقنين الأحكام الشرعية من مذهب معيّن أو القول بالراجح وإلزام القضاة المجتهدين به"، ومن خلال ما تقدّم يكون التعارض بين مذهب الإمامية وبين المذاهب الأخرى في تدوين القانون بمذهب معيّن؛ لأنّ مذهب الإمامية يدّعي أنّ الحق في مذهبه ولا يجوز الحكم بالمذاهب المخالفة، والمذاهب الأخرى تدّعي أنّ الحق لا يخرج عنها؛ وذلك لحصر الحق في المذاهب الأربعة ونقل الإجماع على ذلك فيخرج مذهب الإمامية عنها"، وهذا ما أشار إليه ابن عابدين في حاشيته بقوله: ((المراد بالفقه ما يشمل مذهبنا وغيره، فإنّه بهذا المعنى لا يقبل الزيادة أصلاً، فإنّه لا يجوز أحداث قول خارج عن المذاهب الأربعة))، وكذلك ما ذكره البهوتي بقوله : (( لكن في الإفصاح أنّ الإجماع انعقد على تقليد كل من المذاهب الأربعة وأنّ الحقّ لا يخرج عنهم )) .
ولمعالجة هذا التعارض لا بد من دراسة منصب القضاء، وهذا ما سنبينه في المبحث التالي .
المبحث الثالث : منصب القضاء شرعاً وشرط الإجتهاد :
القضاء من أهم الوظائف الإلهية في الإسلام، لما له من مكانة كبيرة واحد الركائز في استتباب الأمن والنظام والاستقرار وإقامة العدل وصيانة الحقوق والحريات من التعسف والتعدي، وإعطاء كل ذي حق حقه وذلك طبقاً للموازين الشرعية، لا على أساس الأهواء والمصالح، وقد أكّد القرآن الكريم على ذلك بقوله تعالى: فَٱحۡكُم بَيۡنَهُم بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُۖ وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَهُمۡ عَمَّا جَآءَكَ مِنَ ٱلۡحَقّ.
أنّ تدوين الأحكام الشرعية في قوانين تتوقف على معرفة منصب القضاء شرعاً"، فإذا انحصر المنصب بالقاضي المجتهد المطلق فلا داعي للتدوين؛ لأنّ كل مجتهد مطلق يحكم برأيه ويحرم عليه تقليد غيره في الفتوى فضلاً عن القضاء، لذا يمكن القول أنّ الرسالة العملية لكل مجتهد هي القانون الذي يحكم به".
وأما إذا كان منصب القضاء للمجتهد المطلق وغيره فتدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين أمراً ضرورياً وحاجةً ماسةً.
وقبل الدخول في صلب الموضوع لا بد من الإشارة إلى معنى القضاء.
معنى القضاء لغةً واصطلاحاً :
القضاء لغةً : ذكر اللغويون للقضاء معاني مختلفة، منها : القضاء : الحكم والبيان، والقاضي : الحاكم، واستقضى فلان أي صيّر قاضياً، وقضى : أي حَكَمَ ومنه قوله تعالى : وقضى ربُّك ألاّ تعبدوا إلاّ إيّاه أي أمر أمراً مقطوعاً به أو حكم بذلك، وقوله تعالى: إنّ ربك يقضي بينهم أي يحكم ويفصل، وقد يكون بمعنى الفراغ تقول (قضى) حاجته، وقضى نحبه : مات، وقضى عليه : أي قتله، وقضى وطره : أتمه وأدامه، وقضى عليه عهداً : أوصاه وأنفذه، وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء تقول قضى دَيْنَه، ومنه قوله تعالى:وقضيْنا اليه ذلك الأمر أي أنهيناه إليه وأبلغناه ذلك، وقد يكون بمعنى الصنع والتقدير يقال قضاه : أي صنعه وقدّره ومنه قوله تعالى : فقضاهنّ سبع سموات في يومين، ومنه القضاء والقدر.
القضاء إصطلاحاً : ذكر علماء الفقه تعريفات كثيرة للقضاء منها :
- هو ولاية شرعية على الحكم والمصالح العامة من قبل الإمام (عليه السلام) .
ويرد عليه: أنه ليس تعريفاً للقضاء فالولاية أعم من القضاء بل هو تعريف لمنصب القضاء.
- هو فصل الخصومات وقطع المنازعات، أو فصل الخصومة بين خصمين فاكثر تحكم بحكم الله تعالى، أو هو فصل الخصومة بين المتخاصمين والحكم بثبوت دعوى المدعي أو بعدم حق له على المدعى عليه،أي فصل الخصومة بين المتخاصمين وإنهائها على طبق الموازين المقرّرة في الشرع .
وهذه التعاريف تفتقر إلى الشمول، فهي تعاريف لبعض مهام القاضي .
- هوالحكم بين الناس، واضاف اليه آخر عبارة(بالحق والحكم بما انزل الله)،وهو تعريف عام يحتاج إلى إضافة ( ما يعدّ من شؤون القاضي) .
لذلك يمكن القول أنّ القضاء هو: (الحكم بين الناس فيما يعدّ من شؤون القاضي) ليكون تعريف القضاء أكثر دقة وأقرب لشؤون القاضي، سواء كان غاية للحكم كإثبات حقّ أو نفيه أو إجراء الحدود والتعزيرات، أو لغرض مصالح المسلمين كالحكم بالهلال أو توقيف الأموال، أو الحكم بجمع القرائن والشواهد، لذلك لابدّ من وجود قاضٍ يحكم بين الناس لِفضِّ النزاعات وحلّ الخصومات وحفظ النظام.
وقد ورد في كلمات الفقهاء أنّ منصب القضاء على قسمين :
الأول : القاضي المنصوب.
الثاني : قاضي التحكيم وهو ما يتراضى المترافعان على قضاءه وحكمه، إذا كان عارفاً بالأحكام .
فالأول : القاضي المنصوب : وهو الذي بالنصب العام له الولاية شرعاً على تطبيق الأحكام الشرعية وإجراء الحدود وإقامة التعزيرات وخصم النزاعات والمرافعات بين المسلمين ، وأخذ حقوق المظلومين من الظالمين بأيّ كيفية متاحة له شرعاً، بغاية الحفاظ على مصالح المسلمين، وهي العدالة الإجتماعية وخلق التوازن، فهو منصب إلهي وهو يلازم الولاية فيما عُيِّنَ له، فيعتبر فيه الإجتهاد بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب .
وأما الثاني: قاضي التحكيم : فهو ليس منصباً وليس له ولاية، وانما يصبح قضاءه نافذاً برضا المتخاصمين بقضائه، وهنا يرد تساؤل أنّ قاضي التحكيم هل هو قضاء أم ماذا ؟
وقد ذكر البعض :
1- انه ليس قضاءاً، وإنّما هو عقد بالتراضي بين شخصين في أنْ يختاروا شخصاً حَكَمَاً بينهما .
2- أنه عقد وقضاء في آنٍ واحد، أي أنه يبدأ بعقد يرتضيه طرفان وينتهي بقضاء وهو الراجح، لانّ قاضي التحكيم لا يحمل صفات القاضي فهو ليس قضاءاً، لأنه إذا حكم بنقل الفتوى ــ عن طريق التقليد للفقيه الجامع للشرائط ــ يصحح قضاءه، فهو لم يخرج عن الإطار الإسلامي ولكن لا نقول عنه أنه قاضٍ، هذا من جهة أنه ليس قضاءاً مستقلاً ومن جهة أخرى هو ليس عقداً مجرداً مستقلاً لوحده، لأنه يعقبه قضاءً وينتهي بقضاء، لذلك يمكن القول أنّ قضاء التحكيم هو عقدٌ ينتهي إلى قضاء.
3- انه قضاء .
ولكن هل يشترط الاجتهاد في قاضي التحكيم بلا فرق بينه وبين القاضي المنصوب؟ هناك أقوال ثلاثة :
الأول: يشترط الاجتهاد في قاضي التحكيم بلا فرق بينه وبين القاضي المنصوب.
ويرد عليه : أنّ افتراض ذلك في زمن الغيبة غير ممكن، فإنْ كان الشخص مجتهداً في زمن الغيبة فهو منصوب بالنصب العام من الإمام (عليه السلام) .
الثاني: لا يعتبر الإجتهاد في قاضي التحكيم ويشترط باقي شروط القاضي المنصوب من الشرائط العامة للتكليف كالبلوغ والعقل والإسلام وغيرها، لإطلاق الأدلة وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ .
وردّه : أنّ الآية بصدد بيان المحكوم به (صفة الحكم) لا شروط القاضي .
الثالث: لا يعتبر في قاضي التحكيم أي من شروط القاضي المنصوب بل تكفي العدالة، ومطلق العلم وخاصةً معرفة الأحكام ولا سيما أحكام القضاء، والتراضي بين المتخاصمين.
ودليل مشروعية قضاء التحكيم أدلة الوفاء بالشروط والروايات .
الصلح : هو بابٌ واسعٌ لا يشترط فيه الإجتهاد ولا العلم بالقضاء، كما هو الحال في تدخل شيوخ العشائر عندما يفصلون ويحكمون بالخصومات التي تتعلق بالقضايا المالية فهذه يدخلها الصلح شرعاً، وأما القضايا الجنائية كالدماء (النفوس) والأعراض (ما يحرم بسبب المصاهرة وبسبب النسب في مسألة الزواج) فهذه المسائل لا يجوز الصلح فيها وإنّما هي اُمور محددة شرعاً، فدائرة النفوس والأعراض تتشدد فيها الشريعة الإسلامية، فلا يجوز التلاعب بها بالآراء الشخصية .
نعم .. الأموال الشخصية تدخل في نطاق الصلح والتراضي، فكلُّ إنسان حرٌ في أمواله الشخصية، لأنّ الناس مسلّطون على أموالهم .
أما القضايا المتعلقة بالنفوس والأعراض فلا تكون خاضعة للصلح والمصالحة على حساب الحكم الشرعي وقانون الله تعالى .
إذن فهل هناك فرق بين قاضي التحكيم وشيوخ العشائر ؟
قلنا أنّ قاضي التحكيم يكون بموجب تراضي طرفين بعقد إتفاقي ينتهي إلى قضاء.
وأما شيخ العشيرة فقد يحكم عن طريق المصالحة بين أطراف أو طرفي النزاع، والمشرّع الإسلامي يصحّح ذلك الحكم الذي حصل بالتراضي بين جميع الأطراف، لأنّه يعتبر ذلك صُلحاً، لكن هذا الإمضاء والقبول الشرعي لحكم رؤساء وشيوخ العشائر يكون بشرط وهو عدم مخالفة الحكم لأحكام الشريعة في دائرة النفوس والأعراض فقط، أما بالنسبة للقضايا المالية فقد لا يكون حكم العشائر مطابقاً لقوانين الشريعة بل قد يخالفها، وهذا يدخل في باب الصلح القائم على عنصر التراضي بين أطراف النزاع .
وعليه ينبغي أنْ يكون الحَكَم العشائري أهلاً للفصل بين الخصومات ويقضي بحكم درايته وخبرته الاجتماعية، أما قاضي التحكيم فلا بد أنْ يكون أهلاً للقضاء بما صحَّ صدوره من الأدلة الشرعية .
وقد تباينت آراء الفقهاء حول منصب القاضي واجتهاده :
مذهب الإمامية : فآراء فقهائهم على أقوال ثلاثة :
القول الأول : يشترط الإجتهاد المطلق: وهو المشهور بين الفقهاء بل أدعيّ عليه الإجماع من أنّ منصب القضاء للمجتهد المطلق وهو الفقيه الجامع للشرائط"، ولا يحل لفاقدها أو بعضها تولي منصب القضاء حتى لو كان مجتهداً متجزءاً أو دون ذلك، لانّ المجتهد المطلق هو من يعرف حلالهم وحرامهم وينظر في أحكامهم نظرة فاحصة ودقيقة، حيث ذكر الشيخ الطوسي : ((ولا يتولى القضاء إلاّ من كان عارفاً بجميع ما وليه ولا يجوز أنْ يشذ عنه شيء من ذلك ولا يجوز أنْ يقلّد غيره ثم يقضي به ... دليلنا إجماع الفرقة وأخبارها )) .
وذكر المحقق الحلي :((وكذا لا ينعقد القضاء لغير العالم والمستقل بأهلية الفتوى ولا يكفيه فتوى العلماء ولا بد من أنْ يكون عالماً بجميع ما وليه )).
وذكر صاحب المسالك: ((المراد بالعالم هنا: المجتهد في الأحكام الشرعية وعلى اشتراط ذلك في القاضي إجماع علمائنا )) .
وقد استدلّ على ذلك بروايات عدّة منها :
التوقيع الشريف الذي رواه إسحاق بن يعقوب:((وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله )) .
وقد ذكر السيد الخوئي أنّ الرواية على تقدير تماميّتها والإغماض عن ضعف إسنادها فهي لا تعم غير العالم المتمكن من استنباط الأحكام من الكتاب والسنّة .
ويستدل على نصب القاضي ولزوم كونه مجتهداً بمقبولة عمر بن حنظلة، قال : ((سألت أبا عبد الله(عليه السلام)عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في ديْن أو ميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة، أيحلّ ذلك؟ قال: من تحاكم اليهم في حقٍ أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت، وما يحكم له فإنما يأخذه سحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً له، لأنّه أخذه بحكم الطاغوت، وما أمرَ الله أن يكفر به، قال الله تعالى : يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به قلت: فكيف يصنعان؟ قال : ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونَظَرَ في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً، فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله وعلينا ردَّ، والرادّ علينا الرادّ على الله، وهو على حد الشرك بالله )) .
وذكر السيد الخوئي أنّ الرواية تامة من حيث الدلالة على نصب القاضي إلاّ أنّها قاصرة من ناحية السند، فإنّ عمر بن حنظلة لم يثبت توثيقه .
وفي قبال ذلك ذكر السيد الخميني : ان الرواية من الواضحات ولا تشكيك في سندها أو دلالتها ، ولا شك أّن الإمام قد عين الفقهاء للحكومة والقضاء ، وألزم المسلمين كافة أنْ يأخذوا ذلك بنظر الاعتبار.
والمفهوم عرفاً من الروايتين أعلاه هو الإجتهاد والفقاهة، فإنّ مقتضى مناسبات الحكم والموضوع كون المقصود برواة الحديث حملة الحديث فهماً وعلماً بصحيحها وسقيمها، وعامها وخاصها، ومطلقها ومقيّدها إلى غير ذلك من الجوانب، لا حملة ألفاظ الحديث كمن يحمل أسفاراً .
إلاّ أنّ صاحب الجواهر أدعى أنّ قول الإمام ( فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً ) يدلّ على الحكومة، وهي الولاية العامة لا خصوص القضاء .
والظاهر أنّه لا بأس بالخبر من جهة السند وإن وقع بعض المناقشات في عمر بن حنظلة، وقد تلقى الأصحاب الرواية بالقبول حتى اشتهرت بالمقبولة والمشهورة .
ويستدل على ذلك أيضاً بمعتبرة أبي خديجة، قال:قال أبو عبد الله الصادق(عليه السلام): (( إياكم أنْ يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا اليه )) .
أما من حيث السند فقد أفاد السيد الخوئي بأنّ الرواية صحيحة بعد توثيق النجاشي، فإنّ أبا خديجة ثقة على الأظهر، حتى أنها اشتهرت بين الأصحاب ومتفق على العمل بمضمونها بينهم وسمّوها بمشهورة أبي خديجة، وأما من حيث الدلالة بتقريب أنّ المراد بقول الإمام (ع) : ( يعلم شيئاً من قضايانا ) لا يراد به العلم ببعض الشيء اليسير بل بمقدار يمكنه من فهم كلامهم وهو المراد بالاجتهاد المطلق، وهذا ما أشار اليه السيد الخوئي : ( فلابد أنْ يكون ذلك الشيء مقداراً معتدّاً به حتى يصدق عليه أنه يعلم شيئاً من قضاياهم، والمراد به هو المجتهد العالم بالأحكام من الكتاب والسنّة ) .
يمكن أنْ نستنتج أنّ ما يستفاد من الروايات المتقدمة، إنّ للفقيه ولاية في موردين هما : الفتوى والقضاء، فمن باب جعله مفتياً لحجية فتواه وعلمه بالأحكام، وكذلك جعل الفقيه قاضياً حتى لا يرجع المؤمنون لقضاة الجور .
القول الثاني : يكفي الإجتهاد المتجزئ : وبه قال الشيخ الأنصاري من أنه : (( لا فرق بين المجتهدين المطلق والمتجزئ على الأقوى )).
واستدلّ الشيخ الأنصاريبرواية أبي خديجة:((ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قد جعلته قاضياً))، أي جزءاً من قضايانا، وهي عمدة الأدلة على تولي المجتهد المتجزئ للقضاء لأنّها واضحة الدلالة على كفاية العلم ببعض أحكامهم، ولكن ذلك البعض والشيء الذي يعلمه لابد أنْ يخص القضاء وإنْ لم يكن مجتهداً وعارفاً لمعظم الأحكام، فعند ذلك يجوز للمترافعين أنْ يتحاكما اليه .
القول الثالث : يكفي مطلق العلم من القاضي، وبه قال الشيخ محمد حسن النجفي صاحب الجواهر"وهو جواز تولي القضاء لكل مؤمن عارف بالأحكام ولو عن طريق تقليد المجتهد بشرط الحكم بالحق، حيث ذكر:(إنّ المستفاد من الكتاب والسنة صحة الحكم بالحق والعدل والقسط من كل مؤمن، كقوله تعالى:وَإِذَا حَكَمۡتُم بَيۡنَ ٱلنَّاسِ أَن تَحۡكُمُواْ بِٱلۡعَدۡلِۚ إِنَّ ٱللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِۦٓۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ سَمِيعَۢا بَصِيرٗا، وقول الإمام الصادق (عليه السلام): ((القضاة أربعة، ثلاثة في النار وواحد في الجنة: رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النار، ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النار، ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنة))، وخبر أبي خديجة، قال (عليه السلام):((إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يعلم شيئاً من قضايانا...)) بناءاً على إرادة الأعم من المجتهد، بل لعلّ ذلك أولى من الأحكام الإجتهادية الظنية، فدعوى قصور من علم جملة من الأحكام مشافهة أو بتقليد لمجتهد عن منصب القضاء بما علمه خالية عن الدليل، ونصب خصوص المجتهد في زمان الغيبة بناءً على ظهور النصوص فيه لا يقتضي عدم جواز نصب الغير.
وحينئذ فتظهر ثمرة ذلك بناءً على عموم هذه الرئاسة أنّ للمجتهد نصب مقلِده للقضاء بين الناس بفتاواه التي هي حلالهم وحرامهم، فيكون حكمه حكم مجتهده، وحكم مجتهده حكمهم (عليهم السلام)، وحكمهم (عليهم السلام) حكم الله تعالى شأنه، والراد عليه رادٌّ على الله تعالى ) .
فالمقلِد إما أنْ يكون جاهلاً أو متخصصاً بفن القضاء من حيث التحقيق واستخدام القرائن والأدلة وتطبيقها على الموضوع حيث يكون له مذاق خاص في هذا الفن، فعليه لا كلام مع الأول - أي الجاهل – وهذا ثابت بحكم العقل قبل الرجوع إلى الشرع، لكن الكلام يكون بمشروعية التصدي ممن لم يحمل صفة الإجتهاد لكنه عارف بفنون القضاء عموماً باعتباره ذا كفاءة وممارسة في موضوع القضاء.
واستدل كذلك بأنّ الظاهر بل المقطوع أن القضاة المنصوبين في زمن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن لبعضهم بل كلهم ملكة الاستنباط والاجتهاد .
وقد ذكر الشيخ محمد إسحاق الفياض: للفقيه الجامع للشرائط له أنْ ينصب للقضاء مَنْ يكون واجداً لتمام شروط حل المنازعات والمرافعات بالطرق الشرعية دون أنْ يتصف بالاجتهاد، بحيث يكون حكمه نافذاً، وله إحضار المدعي عليه إذا شاء ورأى؛ على أساس أنّ له جعل الولاية لمن يرى مصلحة فيه، كجعل الولاية على الأيتام أو الأوقاف أو ما شاكل ذلك، وعلى هذا فإذا كانت هناك مصلحة عامة أو خاصة تتطلب نصب القاضي فله ذلك على الأظهر، كما كان الأمر في زمن الحضور، حيث نصّب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب شريحاً للقضاء، ولم يكن شريحاً مجتهداً، وإبقاءه في هذا المنصب كونه يتصف بالممارسة والتخصص في القضاء .
لذا قال صاحب الجواهر:((بل قد يدعى أنّ الموجودين في زمن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ممن أمر بالترافع اليهم قاصرون عن مرتبة الإجتهاد وإنما يقضون بين الناس بما سمعوه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ))، وقد يكون الملاحظ من تعيين النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقضاة لم يكن النظر فيه إلى هذا المعنى بل المطلوب العلم والتخصص سواء كان في كشف الجريمة أو الدقة في التحقيق في كشف الجناية واستخدام القرائن وكل هذا هو الذي يحتاجه القاضي في عمله وقد لا يوجد في المجتهد الذي تشتّت علمه في أبواب الفقه لذا لم يهتم به في عصر الرسول والأئمة (عليهم السلام)، ويبدو أنّ إبقاء الإمام علي (عليه السلام) لشريح في منصب القضاء لاجل ذلك كونه يتّصف بالممارسة والتخصص في القضاء .
وقد أذِنَ السيد السيستاني للقاضي الوضعي ممارسة عمله شريطة أنْ يحكم بالحق والعدل ما أمكن، وإلاّ فإنْ تعارض مع القانون الوضعي ولم يستطع الحكم بالحق والعدل، فيلزم القاضي إخبار المتخاصمين إنّما حكم به هو وفق القانون الوضعي، وإلاَّ فيجب إخبارهم إنّ الحكم الشرعي هو كذا وكذا .
يقول الشيخ الفياض في هذا الصدد أنّ القاضي المنصوب من قبل الفقيه الجامع للشرائط وقاضي التحكيم فلا يعتبر فيهما الإجتهاد، فلو كان القاضي مقلداً وله معرفة في أحكام القضاء ويعمل على طبق الموازين الشرعية والاستعانة بفتاوى الفقهاء، فقضاءه جائز بعد إجازة الحاكم الشرعي وتوكيله .
وكلام السيد السيستاني والشيخ الفياض في غاية الأهمية، لأنه قد يشمل القضاة والمتخصص في مهمة القضاء دون أنْ يبلغ مرتبة الاجتهاد، فيكفي العلم بأمور القضاء ولو عن طريق التقليد والاستعانة بالفتوى، حيث أجاز الفقهاء للمقلِّد الحكم والقضاء بشرط أنْ يكون الحكم بالحق والتمكن منه خصوصاً للضرورة، ولعدم تعطيل الأحكام والفصل بين المنازعات والخصومات، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنّ هناك يومياً الكثير من الدعاوى والمشاكل والقضايا المتعددة التي تحتاج إلى المئات من القضاة بل أكثر، للبت فيها لحل المنازاعات وحفظ الحقوق .
المذهب الحنفي : وعندهم الاجتهاد ليس بشرط، فمع تعذّره فيصح تولية العامي إلاّ في الدماء والفروج فلا بد أنْ يكون القاضي عالماً ديناً كالكبريت الأحمر.
وهذا ما ذكره الكاساني في باب القضاء بقوله:(وعندنا هذا ـ الاجتهاد ـ ليس بشرط الجواز في الإمام الأعظم لأنه يمكن أنْ يقضي بعلم غيره بالرجوع إلى فتوى غيره من العلماء، فكذا في القاضي)، كما يجوّزون قضاء المقلِّد لما ذكره أبو يوسف، وابن عابدين.
المذهب المالكي: الإجتهاد شرط فلا يصح تولية المقلد لمنصب القضاء، فمع فقد المجتهد المطلق يقولون بجواز تولي المقلِّد الأمثل، وهذا ما ذكره الحطاب الرعيني
بقوله:((وقدرةٌ على الترجيح بين أقاويل أهل مذهبه)) .
وقال ابن فرحون : (( قال ابن شاش : ولا المقلد إلاّ عند الضرورة، قال القاضي أبو بكر: فيقضي بفتوى مقلده بنص النازلة )) .
المذهب الشافعي: فالإجتهاد المطلق شرط لتولية القضاء، وهو القادر على الاستنباط المباشر من الكتاب والسنة، ولا يجيز تولي غيره للقضاء ممن دونه، وهذا ما أشار اليه الماوردي:((فإنْ قلّد القضاء فحكم بالصواب أو الخطأ كان تقليده باطلاً، وحكمه وإنْ وافق الصواب مردود)) ، وأشار النووي إلى جواز تولي مَن دون المجتهد المطلق .
المذهب الحنبلي : فقد إدعى الإجماع، والمفتي انه لا يجوز أنْ يكون عامياً مقلداً والحاكم أولى، ونسب إلى بعضهم القول بجواز تولي العامي ورفضه الأغلب .
وقال ابن قدامة: ((ولا يشترط في معرفة المسائل التي فرّعها المجتهدون في كتبهم فانّ هذه فروع فرّعها الفقهاء بعد حيازة منصب الإجتهاد فلا تكون شرطاً له ـ أي القاضي ـ وهو سابق عليها وليس من شرط الإجتهاد في مسألة أنْ يكون مجتهداً في كل المسائل بل من عرف أدلة مسألة وما يتعلق بها فهو مجتهد فيها وإنْ جهل غيرها، كمن يعرف الفرائض وأصولها ليس من شرط اجتهاده فيها معرفته بالبيع فلذلك ما من إمام إلاّ وقد توقف في مسائل وقيل من يجيب في كل مسألة مجنون وإذا ترك العالم (لا أدري) أصيبت مقالته، وحكي ان مالكاً سُئل عن أربعين مسألة فقال في ست وثلاثين منها: لا أدري، ولم يخرجه ذلك عن كونه مجتهداً وإنما المعتبر أصول هذه الأمور وهو مجموع مدون في فروع الفقه وأصوله، فمتى عرف ذلك ورزق فهمه كان مجتهداً له الفتيا وولاية الحكم إلاّ إذا وليه والله أعلم))
بناءاً على ما تقدم أنّ القدر المتيقن في منصب القاضي عند جميع المذاهب الفقهية هو المجتهد المطلق، وذهب بعض الإمامية كالشيخ الأنصاري إلى جواز تولي المجتهد المتجزئ القضاء حاله حال المجتهد المطلق؛ بدليل رواية أبي خديجة (...يعلم شيئاً من قضائنا...) فالشيء الذي يعلمه لا بد أنْ يخص القضاء وإنْ لم يكن مجتهداً وعارفاً لمعظم الأحكام ولكنه يفهم بفنون القضاء ولديه كفاءة وممارسة في موضوع القضاء .
كما جوّزت المذاهب الفقهية تولي المقلِّد الأمثل لمنصب القضاء مع فقد المجتهد المطلق أو تعذره .
وجوّز الشيخ محمد حسن الجواهري تولي القضاء لكل مؤمن عارف بالأحكام ولو تقليداً، كما جوّز الشيخ محمد إسحاق الفياض تفويض القضاء إلى المقلِد وتوكليه والحكم بفتوى المجتهد المطلق لولايته العامة، وله أنْ ينصب للقضاء مَنْ يكون واجداً لتمام شروط حلّ المنازعات والمرافعات بالطرق الشرعية دون أنْ يتصف بالإجتهاد.
فالمقلد والعامي لا يعد قاضياً وإنما قاضي تحكيم وهو الصحيح"، لعدم قابليته لمنصب القضاء، وقد ذكر السيد الخوئي : ((فمن كان يعلم شيئاً من قضاياهم (عليهم السلام) يجوز للمترافعين أنْ يتحاكما اليه وينفذ حكمه فيه وإنْ لم يكن مجتهداً وعارفاً بمعظم الأحكام))، فإنّ حفظ الحقوق إنّما تكون بفصل الخصومات ورفع المنازعات بين المتداعيين فإذا لم يتمكن من الرجوع إلى المجتهد ولم يجز نصب العامي للقضاء تقليداً لزم إرتكاب المحاذير الآتية :
1 ـ اما أنْ ترفع الشكوى إلى المحاكم غير الشرعية وهو المنهي عنه بنص الكتاب والسنة .
2 ـ منع الترافع إلى الأبد وفيه إبطال للحقوق ورفعهِ للأمان عن الدماء والأعراض والأموال .
3 ـ أنْ يلزم الصبر إلى أنْ يتمكن من الرجوع إلى الفقيه أو تتغير الظروف وهذا غير ممكن، لأنّه إما موجب للعسر والحرج وإما ضياع للحقوق واختلال النظام .
وعليه لا مناص للفقيه من نصب المقلد للقضاء حفظاً للحقوق بشرط معرفته بأحكام القضاء ولديه القدرة على تطبيق تلك الأحكام والكليات على مصاديقها .
ولكون تدوين القوانين من وظائف سلطة التقنين ولزوم كون الأحكام الصادرة في الدعاوى المتشابهة على نسق واحد يجمعها قانون وإلاّ لزم الفوضى واختل نظام الإجتماع، فلا يبعد القول بأنْ كون القاضي مجتهداً غير لازم بل غير ممكن، وانه من أعظم أقسام الحرج والعسر بل ممكن أنْ يقال تعذره في هذه الأزمنة وهو بعيد عن مذاق الشارع،
ونتيجة لما تقدم : بعد أنْ عرفنا آراء المذاهب الفقهية الإسلامية في منصب القاضي، لذا يمكن معالجة التعارض بين المذاهب الفقهية في تقنين وتدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في قوانين والحكم بها"، والخروج بمشروع قانون إسلامي شرعي بجميع فروعه وخصوصاً في الأحوال الشخصية "وذلك من خلال :
1ـ تدوين الأحكام الشرعية فيما يخص الثابت والمتواتر من الكتاب والسنة والمجمع عليها عند المسلمين .
2ـ أنْ لا يخالف القانون حكماً شرعياً وأن لا يكتب بحسب المصالح والأهواء .
3ـ وضع مادة خاصة واختيارية تجيز الرجوع إلى المذاهب الفقهية في الأحكام الخلافية .
4ـ تحقيق الحكم بالحق والعدل بحسب الأسس والضوابط الشرعية .
5ـ عدم اقتصار منصب القضاء على المجتهد المطلق .
6ـ على القول بجواز تصدي المقلِد للقضاء، تكون الحاجة ماسة للتقنين وتدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في مواد قانونية ليحكم على طبقها .
الفصل الثالث
دراسة فقهية في الأسس والإشكالات
لمواد وفقرات قانون الأحوال الشخصية العراقي
رقم (188) لسنة (1959م)
المبحث الأول : دراسة فقهية تحليلية في الأسس والمبادئ العامة
لقانون الأحوال الشخصية العراقي
المبحث الثاني : دراسة فقهية في الأحكام الخاصة والإشكالات
لمسائل الأحوال الشخصية العراقي
تمهيد :
بالنظر إلى طبيعة المواد التي تناولها قانون الأحوال الشخصية والموضوعات التي تناولتها هذه المواد، كونها تتناول أحكام تتعلق بشؤون الأسرة والعلاقات الاجتماعية وهي ذات الموضوعات التي تكفلت الشريعة الإسلامية ببيان تفاصيلها إعتماداً على ما ورد في النصوص الشرعية كالقرآن والسنة، فهي بصورة إجمالية تتعلق بأحوال الإنسان الشخصية وعلاقاته الأسرية .
والمشرّع العراقي جعل النصوص التشريعية لقانون الأحوال الشخصية المصدر الأصلي والأساس للتشريع، "فيجب على القضاة الالتزام بنصوصه وأخذ الأحكام من ألفاظ النصوص الصريحة أو ما يفهم من عبارة النصوص إنْ لم تكن دلالة النص غير واضحة، وهذا ما أشارت له الفقرة (1) من المادة الأولى والتي تنص" : (( تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناول هذه النصوص في لفظها أو فحواها )) .
وعند الإطلاع على قانون الأحوال الشخصية العراقي نجد أنَّه يحتوي على (94) مادة قانونية فقط متضمنة فقرات فرعية تابعة لها، فهي مواد قليلة غير مستوعبة لجميع مسائل الأحوال الشخصية المذكورة في المدونات الفقهية للمذاهب الإسلامية، وحيث أنّ نصوص قانون الأحوال الشخصية لم تتناول الحالات كافة، فقد اقتضى إعادة صياغة بعض النصوص وإضافة نصوص جديدة تتفق مع مبادئ الشريعة الإسلامية، ولهذا طرأت عليه تعديلات منذ عام ( 1963م ) وبعده، ولا تزال الإشكالات تلاحقه لعدم شموليته واستيعابه للمواضيع تارةً، ومخالفة بعض مواده لأحكام الشريعة الإسلامية تارةً اُخرى .
المبحث الأول : دراسة فقهية تحليلية في الأسس والمبادئ العامة
لقانون الأحوال الشخصية العراقي
يمكن تقسيم الأسس والمبادئ المعتمدة في قانون الأحوال الشخصية العراقي على النحو الآتي :
الأول : التشريع الوضعي
الثاني : التشريع الديني ( مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة للقانون )
وعلى الرغم من أنّ غالبية مواد وفقرات قانون الأحوال الشخصية العراقي مستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية، فهي تعد المصدر الأساس لمسائله والمغذي الرئيسي في حالة عدم وجود نص تشريعي للقانون، إلاّ أنَّ المشرّع جعل الأحكام الوضعية في هذا القانون مقدمة على الأحكام الشرعية وإنْ كان بعضها مطابق للأحكام الشرعية .
وقد أشارت المادة الأولى إلى مصادر قانون الأحوال الشخصية العراقي وكيفية تطبيقه وسريانه، وذلك من خلال الفقرات الآتية :
الفقرة (1) من المادة الأولى : (( تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناول هذه النصوص في لفظها أو فحواها ))
الفقرة (2) من المادة الأولى :(( إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون ))
ومما سبق يظهر على أنّ المصدر الأول لقانون الأحوال الشخصية العراقي هو النصوص التشريعية للقانون، وعلى القضاة الالتزام بهذه النصوص وتطبيق أحكامها من خلال ألفاظها واستنباط الأحكام من فحواها.
ثم انتقل المشرع العراقي إلى الفقرة الثانية، وهي إذا لم يوجد نص تشريعي ينطبق على المسألة لفظاً أو فحوى عند ذلك يحكم القاضي بمبادئ الشريعة الإسلامية الأقرب للنصوص التشريعية للقانون .
وقد استهلَّ قانون الأحوال الشخصية العراقي مواده ببيان كيفية تطبيق النصوص التشريعية الواردة في القانون، حيث ذكر المشرّع العراقي قواعد عامة في المادتين الأولى والثانية من قانون الأحوال الشخصية سالكاً بذلك المسلك المتبع في القانون المدني العراقي، وتستهدف هذه القواعد وضع منهج عام لتطبيق هذا القانون ، فهذه قواعد وأحكام عامة تتعلق بالقانون نفسه، فهي تحاول أنْ توضح كيفية العمل بالقانون، أما الأحكام الخاصة فهي النصوص التشريعية التي تنظم شؤون الأسرة وما يتعلق بها وهو ما يصطلح عليه بفقه الأحوال الشخصية أو ما يسمى بـ(فقه الأسرة) وهذا ما سنبحث مواده وفقراته لاحقاً .
المادة الأولى: سريان وتطبيق قانون الأحوال الشخصية ومصادره وكيفية العمل به
حيث نصّت الفقرة (1) من المادة الأولى على أنه :
(( تسري النصوص التشريعية في هذا القانون على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو فحواها ))
ويعنى المشرع من هذه الفقرة أنَّ القضاة كما يأخذون الأحكام من ألفاظ النصوص وعباراتها، فإنّ عليهم إستنباط الأحكام عن طريق النظر في فحوى هذه النصوص ومفاهيمها، ولا يصح إنتقالهم إلى مصدر آخر (غير النص) إلاَّ بعد التأكد من خلو النص لفظاً وفحوى من إيجاد حل للقضية المعروضة أمامهم، فجاءت الفقرة الأولى من المادة الأولى صريحة بالعمل بعبارة النص أو بدلالته أو بإشارته، فعندما تكون القضية المعروضة منضوية تحت نص من نصوص هذا القانون بلفظه يجب على القاضي حينئذٍ أنْ يطبق النص، وإنْ كانت القضية منضوية تحت دلالة نص من هذه النصوص فعلى القاضي أنْ يطبق عليها ذلك النص ولا يجتهد برأيه، وحينئذٍ فليس للقاضي أن ينتقل إلى مصدر آخر إلاّ إذا كانت القضية المطروحة أمامه غير منضوية تحت النص في لفظه ولا في فحواه، وفي هذه الحالة عليه أنْ يطبق الفقرة الثانية من نفس المادة الأولى .
وقد أشكل الدكتور مصطفى الزلمي على الفقرة أعلاه على النص (في لفظها أو فحواها) كونها اقتصرت إستنباط الأحكام على اللفظ والفحوى مع أنَّ هناك قنوات أخرى غيرهما بإمكان القاضي إستنباط الأحكام عن طريقهما، لذا إقترح الزلمي تعديل النص على أنْ يكون كالآتي:(تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص بمنطوقها ومفهومها)
وعلّل ذلك بأنّ المنطوق يشمل المنطوق الصريح ( عبارة النص )، والمنطوق غير الصريح ويشمل إشارة النص، وإقتضاء النص، وإيماء النص، كما أنَّ المفهوم يشمل مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة.
فالمنطوق هو ما يدل عليه اللفظ في حد ذاته على وجه يكون اللفظ المنطوق حاملاً لذلك المعنى وقالباً له، فيسمى المعنى ( منطوقاً ) تسمية للمدلول باسم الدال، لذلك يمكن القول : المنطوق : هو المدلول المطابقي للجملة.
وعليه، فالمفهوم الذي يقابله ما لم يكن اللفظ حاملاً له دالاً عليه بالمطابقة ولكن يدل عليه باعتباره لازماً لمفاد الجملة، ولاجل ذلك يمكن القول:
المفهوم : هو المدلول الإلتزامي للجملة، وهو المعنى الذي يدلّ عليه بالدلالة الإلتزامية، التي هي نوع من أنواع الدلالة الوضعية اللفظية (*) .
والمفهوم ينقسم على قسمين هما :
1- مفهوم الموافقة : وهو ما كان الحكم في المفهوم موافقاً للحكم في المنطوق .
2- مفهوم المخالفة : وهو ما كان الحكم فيه مخالفاً للحكم في المنطوق .
لذا فمقترح الدكتور الزلمي أنْ يكون النص ( بمنطوقها ومفهومها ) بدلاً عن (لفظها أو فحواها ) جدير بأن يؤخذ به لأنه يوسع من شمولية النصوص، وهذا ما يعطي مساحة أكبر للقاضي في إستنباط الأحكام، وبالتالي تكون أكثر قدرة على إيجاد الحلول للمسائل المعروضة .
والمشرّع العراقي بعبارة الفقرة((تسري النصوص التشريعية في هذا القانون...)) ألزَمَ القاضي بتطبيق نصوص قانون الأحوال الشخصية والعمل به كونه المصدر الأصلي، وذلك من خلال أخذ الأحكام من الفاظ النصوص الصريحة أو إستنباط الأحكام من فحوى النصوص ومعانيها، فلا يجوز الانتقال إلى مصدر آخر إلاّ بعد التأكد من خلو النص لفظاً أو فحوى، فعند ذلك ينتقل إلى الفقرة (2) من المادة الأولى وهي : .
الفقرة (2) من المادة الأولى:(( إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون ))
عند خلو قانون الأحوال الشخصية من نص ملائم يمكن تطبيقه، فقد أحالت هذه الفقرة القاضي إلى الحكم وفق مبادئ الشريعة الإسلامية، فيأخذ بالرأي الأكثر ملائمة مع نصوص هذا القانون وهو قيد مشروط، وهذه الملائمة تعني عدم تقييد القاضي بمذهب فقهي معين، وهذه الفقرة هي في ذلك كالقانون المدني العراقي، والقانون المصري، أما القانون السوري ـ الذي امتاز عن سابقيه ـ هو تقديم مبادئ الشريعة الإسلامية على العرف، وهذا مما يستدعي إعادة النظر في هذه الفقرة من القانون المدني العراقي.
وقد حدّدت هذه الفقرة الشريعة الإسلامية كمصدر إحتياطي أول بعد نصوص القانون، وهذا ما صرّحت به الفقرة أعلاه حيث ألزمت القضاة بالحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية في حالة خلو القانون من نص تشريعي، على أنْ يتلاءم مع النص التشريعي، وهذه الملاءمة قضية إجتهادية على القاضي أنْ يبذل من أجلها جهداً قائماً على العلم والفهم والفقه .
وبالرغم من أنَّ قانون الأحوال الشخصية العراقي مستمد بروحه من أحكام الشريعة الإسلامية إلاَّ انَّ المشرع جعلها كمصدر احتياطي، وإذا كان هذا القانون عاجزاً عن الإحاطة بجميع المسائل والفروع فانه تخلص من هذا العجز بما نصّت عليه الفقرة الثانية من المادة الأولى من أنه : (( إذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه فيحكم بمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية الأكثر ملائمة لنصوص هذا القانون))
وعلَّقَ الدكتور أحمد الكبيسي على ذلك بقوله : لا يخفى ما تدل عليه هذه الفقرة من تطور ملموس في مناهج القضاء في العراق، إذ أحالت الأمر إلى الشريعة الإسلامية وعدم الجمود على مذهب معين، بل تفرض على القاضي أنْ يتخير بين المذاهب الإسلامية ويوازن بين إجتهادات الفقهاء التي تحفل بها موسوعات الفقه الإسلامي، ويختار منها ما يراه محققاً للمصلحة وفقاً لضوابط المصلحة وقيودها .
تعقيب: الكلام أعلاه فيه شيء من المسامحة، لانّ قانون الأحوال الشخصية العراقي وإنْ كان عاجزاً فعلاً عن الإحاطة بجميع المسائل والفروع إلاَّ أنّ الفقرة الثانية من المادة الأولى لا يمكنها أنْ تكون الحل للتخلص من العجز، فضلاً عن الإحاطة بجميع المسائل والفروع، لانّ إرجاع القضاة إلى المدونات الفقهية واختلافها في الأدلة والآراء والترجيح ليس بالأمر اليسير، فيتطلب من القاضي أنْ يكون مجتهداً عالماً، وقد اختلفت المذاهب الإسلامية حول صفات القاضي ومنها مسألة الإجتهاد، وهذا ما بحثناه سابقاً.
الفقرة (3) من المادة الأولى :(( تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرّها القضاء والفقه الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية الأخرى التي تتقارب قوانينها مع القوانين العراقية )) .
وهذه الفقرة بمثابة شرح وتوضيح للفقرة التي قبلها، وهو كيفية رجوع القاضي والإستعانة بالشريعة الإسلامية عند عدم وجود نص تشريعي قانوني، فأرشده في ذلك بالأحكام التي أقرّها القضاء والفقه الإسلامي في العراق أولاً ومن ثم في البلاد الإسلامية الأخرى شريطة أنْ تتقارب قوانين تلك البلاد مع القوانين العراقية، وهذا القيد والشرط أمر مقصود، وذلك للتحرز من الدول التي لها قوانين للأحوال الشخصية والتي تحكم بمذهب فقهي معين لا تحيد عنه ولا تتجاوزه إلى غيره مثل دولة اليمن حيث يعتمد القضاء فيها المذهب الزيدي وكذلك المملكة العربية السعودية حيث يعتمد القضاء فيها المذهب الحنبلي،
تعقيب : يمكن القول أنّ عبارة ( الأحكام التي أقرّها القضاء والفقه الإسلامي ) فيها شيء من الإرباك، لانّ توجيه القاضي وإحالته إلى الشريعة الإسلامية عند خلو النص في القضية المطروحة أمامه مشروطة بأنْ يأخذ بالرأي الأكثر ملائمة للقانون، فجاء المشرّع العراقي بكيفية الرجوع إلى مبادئ الشريعة فأرشده إلى الاستعانة بالأحكام التي أقرّها القضاء والفقه الإسلامي .
فإذا كان قصد المشرع من القضاء هو القضاء الشرعي فما الداعي إلى إضافة عبارة ( الفقه الإسلامي )، فيستلزم تعديل الفقرة (3) : (( تسترشد المحاكم في كل ذلك بالأحكام التي أقرها القضاء الإسلامي في العراق وفي البلاد الإسلامية ... )) .
المادة الثانية : سريان الأحكام على الأشخاص وتنازع القوانين
حيث نصّت الفقرة (1) من المادة الثانية : (( تسري أحكام هذا القانون على العراقيين إلاّ من أستثني منهم بقانون خاص )) .
وهي تعني أنَّ جميع العراقيين على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم تسري عليهم أحكام قانون الأحوال الشخصية العراقي وهو حكم عام، وقد استثنى هذا القانون بعض العراقيين وإخراجهم من الحكم العام بعدم شمولهم بهذا القانون وإدخالهم في قانون خاص بالقرينة المتصلة ( إلاّ من استثني منهم بقانون خاص ) .
وهذه الفقرة صريحة وتختص بالعراقيين، أما غير العراقيين فلا يشملهم هذا القانون، ويطبّق عليهم قانون الأحوال الشخصية رقم (78) لسنة 1931، وأما مَنْ استثني من العراقيين بقانون خاص فهم :
أولاً : المسيحيون والموسويون : فإنَّ لهم قانوناً خاصاً هو : ( قانون تنظيم المحاكم الدينية للطوائف المسيحية والموسوية رقم 32 لسنة 1947 .
ثانياً : طائفة الأرمن الأرثوذكس : ولهم قانون خاص هو القانون رقم 70 لسنة 1931 الذي أناط كثيراً من شؤون هذه الطائفة بالمجلس الروحاني لها .
ثالثاً :الطائفة الاسرائيلية : ولها قانون خاص رقم 77 لسنة 1931 .
وصدرت في سنة (1949) بيان الأحكام الفقهية للموسويين، كما صدرت في سنة (1950) الأحكام الفقهية للارثوذكس .
ونظراً لما سبق فالمستثنى من العراقيين من العمل بقانون الأحوال الشخصية هم من الطوائف غير الإسلامية، وقد تم شمولهم بقانون خاص بهم كل ٌّ بحسب أحكامه.
إشكال: قد يطالب ويتسائل الكثير من الشعب العراقي لماذا لا يكون للمسلمين كلُّ حسب مذهبه حرية العمل بأحكامهم وهذا ما كفله الدستور لهم كما للطوائف غير الإسلامية؟ بعد أنْ تم الاعتراض على بعض فقرات القانون لمخالفته أحكام بعض المذاهب فضلاً عن مخالفته للشريعة الإسلامية بصورة عامة .
الفقرة (2) من المادة الثانية :(( تطبق أحكام المواد : 19 و20 و21 و22 و23 و24 من القانون المدني في حالة تنازع القوانين من حيث المكان )) .
وطبقاً لهذه الفقرة فقد ألزم المشرّع العراقي القاضي بتطبيق القواعد العامة المتعلقة بتنازع القوانين من حيث المكان الواردة في القانون المدني (المواد من 19 – 24) على أحكام الأحوال الشخصية، كونها قواعد لا تتنافى ومبادئ الشريعة الإسلامية، فهي قواعد تنظيمية يجب الأخذ بها في أحكام الأحوال الشخصية .
والمواد المذكورة في القانون المدني والتي تتعلق بموضوعنا هي المواد (19-21) والتي نوجزها فيما يلي :
المادة التاسعة عشر من القانون المدني :
الفقرة (1) : ((يرجع في الشروط الموضوعية لصحة الزواج إلى قانون كل من الزوجين أما من حيث الشكل فيعتبر صحيحاً الزواج(*) ما بين أجنبيين، أو ما بين أجنبي وعراقي إذا عقد وفقاً للشكل المقرر في قانون البلد الذي تمّ فيه أو إذا روعيت فيه الإشكال التي قرّرها قانون كل من الزوجين)) .
الفقرة (2) : ((ويسري قانون الدولة التي ينتمي اليها الزوج وقت انعقاد الزواج على الآثار التي يرتبها عقد الزواج بما في ذلك من أثر بالنسبة للمال)) .
الفقرة (3) : ((ويسري في الطلاق والتفريق والإنفصال قانون الزواج وقت الطلاق ( وقت رفع الدعوى ) .
الفقرة (4) : ((المسائل الخاصة بالبنوة الشرعية والولاية وسائر الواجبات ما بين الآباء والأولاد يسري عليها قانون الأب)) .
الفقرة (5) : ((في الأحوال المنصوص عليها في هذه المادة إذا كان أحد الزوجين عراقياً وقت إنعقاد الزواج يسري القانون العراقي وحده)) .
إنَّ قانون الأحوال الشخصية العراقي قانون شخصي يلازم الشخص حيثما كان من حيث وجوب تطبيقه عليه، لذلك فان الفقرة (1) من المادة التاسعة عشر من القانون المدني التي نصَّ قانون الأحوال الشخصية في الفقرة (2) من المادة الثانية على تطبيقها إنما تعالج وجوب مراعاة قانون الزوجين فيما يتعلق بالشروط الموضوعية أينما كان الزوجان، فإذا كانت تلك الشروط متوفرة صحّ الزواج وإلاّ فلا، فمثلاً لو تزوج مسلم بكتابية صحّ الزواج، أما لو تزوج غير المسلم بمسلمة فإنّ الزواج لا يصح، وعلى المحكمة أنْ تحكم ببطلانه، لانّ قانون أحد الزوجين هنا ــ الزوجة المسلمة ــ لا يبيح للمسلمة أنْ تتزوج من غير المسلم .
أما فيما يتعلق بالشروط الشكلية مثل تسجيل العقد في دائرة حكومية وما أشبه ذلك من الشروط، فإذا كانت غير متوفرة في العقد بالنسبة لقانون كل من الزوجين وكانت متوفرة بالنسبة لقانون البلد الذي تم فيه العقد صحّ الزواج، لانّ قانون البلد الذي تم فيه العقد يقوم مقام قانوني الزوجين .
تعقيب : نعم يجب مراعاة قانون الزوجين بشرط عدم مخالفته أحكام الشريعة الإسلامية الذي يدين به الزوجين، لذا فعند الحكم ببطلان زواج غير المسلم من المسلمة من قبل المحكمة؛ لانّ قانون أحد الزوجين ( الزوجة المسلمة ) هنا لا يسمح بهذا الزواج ,
وهذا الحكم ــ لا يجوز للمسلمة أنْ تنكح غير المسلم ــ مطابق لرأي الفقهاء.
أما الفقرة (2) من المادة التاسعة عشر من القانون المدني فقد عالجت ما يترتب على عقد الزواج من آثار تتعلق بكل من الزوجين كوجوب إنفاق الزوج على زوجته، وحضانة الزوجة لأطفالها، وغير ذلك من الحقوق التي تنشأ عن عقد الزواج، فأي قانون يجب إتباعه في ذلك ؟
فجاء الجواب على ذلك ما نصَّت عليه الفقرة الثانية على أنَّ قانون الدولة التي ينتمي اليها الزوج وقت إنعقاد العقد هو الذي يطبق على الآثار التي تترتب على العقد .
تعقيب : بما أنّ قانون الأحوال الشخصية العراقي يسري على جميع العراقيين من المسلمين، فانّ المسلمين ملزمون بتطبيق قانون الدولة التي ينتمي اليها الزوج بشرط أنْ لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ومنها ما يترتب على عقد الزواج من آثار كوجوب النفقة وحضانة الزوجة لأطفالها .
أما إذا كان الزوج غير مسلم كالمسيحي مثلاً، فتجري عليه أحكامه وفق لوائحهم الخاصة .
أما الفقرة (3) فقد نصَّت على أنَّ قانون الزوج هو الذي يطبق أيضاً في الطلاق والتفريق والإنفصال، ويعتبر في ذلك وقت وقوع الفرقة أو وقت رفع الدعوى وليس وقت العقد .
تعقيب : إن الفقرة (3) لا تختلف عن الفقرة (2) لذلك نقول أنّ قانون الزوج في الطلاق والتفريق يسري بشرط عدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية .
أما الفقرة (4) التي تتعلق بالمسائل الخاصة بالبنوة الشرعية، والولاية وحقوق الأولاد وحقوق الآباء، فقد نصَّت على أنَّ ذلك يخضع لقانون الأب .
تعقيب : على أنْ لا يخالف قانون الأب، الولاية الشرعية التي ذكرها الفقهاء .
أما الفقرة (5) فقد نصَّت على سيادة القانون العراقي في حالة كون أحد الزوجين عراقياً وقت إنعقاد العقد، فيجب الرجوع إلى أحكام القانون العراقي عند حدوث نزاع بين الزوجين في حالتها تلك .
تعقيب : الفقرة أعلاه تقيّد إطلاق ما سبقها من نصوص، فأوجبت الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية العراقي حينما يكون أحد الزوجين عراقي الجنسية وقت انعقاد الزواج، فإذا تزوج شخص غير عراقي بعراقية فانّ القانون العراقي هو الذي يسري ويطبق بحسب المذهب الذي تنتمي اليه .
المادة العشرون من القانون المدني :
(( المسائل الخاصة بالوصاية والقوانين وغيرها من النظم الموضوعية لحماية عديمي الأهلية وناقصيها والغائبين يسري عليها قانون الدولة التي ينتمون اليها )).
لما كانت الدولة هي المسؤولة عن حماية رعاياها عامة والقاصرين منهم خاصة حيث لها الولاية العامة عليهم، فقد نصَّت هذه المادة على وجوب تطبيق قانون البلد الذي ينتمي اليه اليتيم أو الغائب وكلّ عديم الأهلية أو ناقصها، وذلك في المسائل التي تخصهم وهم على تلك الصفة .
فمسائل الوصاية : كعزل الوصي ومحاسبته، ومسائل القوامة : كمن تعهد اليه المحكمة بالقيام بشؤون المعتوهين والمفقودين ونحو ذلك من كل ما يتعلق بعديمي الأهلية : كالصبي غير المميّز والمجنون، وناقصي الأهلية : كالسفيه والمغفل، والغائبين : وهم الذين يغيبون عن بلادهم غيبة منقطعة ويطلق عليهم (المفقودون) أو غير منقطعة، يجب أنْ تخضع لأحكام قانون الدولة التي ينتمي اليها هؤلاء .. فهي التي تشرّع الأحكام المتعلقة بإدارة أموالهم والمحافظة عليها وتنميتها وكيفية تسليمها اليهم إذا آنست منهم الرشد، أو إذا حضر الغائب وجاء المفقود .
تعقيب : ذهب فقهاء الإمامية الى أنّ الحاكم الشرعي هو من له الولاية على القاصرين بعد فقد الوصي أو عدم تعيينه، وليست للدولة ولاية عامة عليهم، وهذه مخالفة للشريعة الإسلامية بحسب المذهب الإمامي .
نعم على أساس مذهب الجمهور فالمجعول من قبل الله تعالى إنما هو ولاية الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فحسب وأما خلافة الخلفاء وولايتهم فإنما هي ثابتة عندهم بالإجماع وآراء الناس لا بنص من الله تعالى، وعلى هذا فكل حاكم في البلاد الإسلامية إذا ثبتت حكومته على الناس بالانتخابات أي بآراء الناس أو بالقوة لا بنص من الله تعالى، فهو ولي أمر المسلمين وحكمه نافذ وحكومته حكومة إسلامية شرعية، أما على أساس مذهب الإمامية فالولاية والخلافة مجعولة من قبل الله تعالى سواء أكانت في زمن الحضور أم في زمن الغيبة، لذا فالسلطة الحاكمة فيها تتمثل في ولي أمر المسلمين والحاكم الشرعي وهو المنصوب من قبل الله تعالى .
المادة الحادية والعشرون : (( الإلتزام بالنفقة يسري عليه قانون المدين بها ))
يذهب بعض رجال القانون إلى أنَّ مسائل النفقة من الحقوق العينية، في حين يذهب المشرّع العراقي إلى أنها من الأحوال الشخصية، وبهذه المادة من القانون المدني الزمت المحاكم بتطبيق قانون المدين بها، وعلى هذا إذا كانت النفقة للأولاد فانها تخضع لقانون الأب وإذا كانت للزوجة فانها تخضع لقانون الزوج .
تعقيب : سواء كانت النفقة للأولاد أو كانت النفقة للزوجة فان الشريعة الإسلامية تحكم بوجوب النفقة على الأولاد من قبل الأب وعلى الزوجة من قبل الزوج، حيث ذكر فقهاء المسلمين بلا خلاف على وجوب النفقة بعد تحقق الشروط، واستدلوا بآيات وروايات عديدة منها، قوله تعالى : وَعَلَى ٱلۡمَوۡلُودِ لَهُۥ رِزۡقُهُنَّ وَكِسۡوَتُهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ، ومن الروايات : (( حق المرأة على زوجها أنْ يشبع بطنها، ويكسو جنبها، وإنْ جهلت غفر لها )) .
وهناك ثلاثة مواد من قانون الأحوال الشخصية العراقي ليس لها علاقة بمسائل الأحوال الشخصية، فهي مواد تكميلية شكلية وليست موضوعية، وهي :
المادة الثانية والتسعون : (( تلغى جميع النصوص التشريعية التي تتعارض وأحكام هذا القانون )) .
المادة الثالثة والتسعون : ((ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية)).
المادة الرابعة والتسعون : (( على وزير العدل تنفيذ هذا القانون )) .
تعقيب : بقدر ما تتعلق المادة (94) بأهل القانون، يمكن تعديل هذه المادة مراعاة للدقة لتكون :
((على وزير العدل الإيعاز إلى الجهات ذات العلاقة بتنفيذ هذا القانون)) .
المبحث الثاني : دراسة فقهية في الأحكام الخاصة والإشكالات
لمسائل الأحوال الشخصية العراقي
وهو دراسة فقهية لمواد وفقرات قانون الأحوال الشخصية العراقي
وفيه تسعة مطالب :
المطلب الأول : الزواج
يعد الزواج ــ المعروف بين الناس بمعنى التزويج ــ من أهم العقود في حياة الإنسان بين الرجل والمرأة، وهو من المستحبات المؤكدة الذي حثّ عليه الإسلام وأولاه إهتماماً كبيراً، لأنه يشكّل النواة واللبنة الأولى لبناء المجتمع، فالزواج عملية حياتية يتوخى من وراءها تثبيت دعائم هذه الحياة بمفهومها العام الشامل .
وقد نهى الإسلام عن التبتل والرهبنة ـ فلا رهبانية في الإسلام ـ ولا عبادة ولا زهد في العزوف عن الزواج، وهذا يعني أنّ الإسلام في ذاته دين إجتماعي لا يقوم على الرهبانية والعزوف عن الزواج، وقد جاءت أحاديث كثيرة صريحة في الحث عليه، منها : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ما بني في الإسلام بناء أحب الى الله من التزويج)) وقال : (( ما أحلَّ الله شيئاً أحبُ إليَّ من النكاح )) وقوله : ((اتخذوا الأهل فانه أرزق لكم))، وغير ذلك من الأحاديث التي تحث على الزواج .
وعلى الرغم من أنّ الأبواب الفقهية التي تدخل في الأحوال الشخصية كالنكاح والطلاق والميراث، وإنْ كانت من المعاملات التي تكون عادةً إمضائية ــ أي أنّ دور الشارع المقدس هو إمضاء كثير منها وجعل ضوابط لقسم آخر كما نهى عن بعضها ــ إلاّ أنّ الشارع كان له مزيد إهتمام بها خصوصاً مسائل النكاح وما يتعلق به، كونه ينفرد بقواعد خاصة لا يشترك بها مع بقية المعاملات التي يقوم بها الفرد كالبيع ونحوه فلها قواعد عامة تحكمها بشكل عام .
وبما أنّ النكاح من العقود المهمة وله قواعده الخاصة والشارع المقدس أولاه مزيداً من الإهتمام، لذا نلاحظ أنّ الفقهاء يعبّرون عنه بأنّ فيه شائبة العبادة، وهذا لا يقصد به أنّه من العبادات التي يجب أنْ تؤتى مقترنة بقصد القربة، وإنما فسرت بأنّ الشارع قد تصرف في مسألة الزواج إثباتاً ونفياً، حتى صار بمنزلة المخترعات الشرعية كالعبادات وأخرجها عما هو دارج في العرف، فلا تجري فيه كل الأحكام الخاصة بعقود المعاوضات كالخيار والمعاطاة، وبالتالي إتفق الفقهاء من جميع المذاهب على إعتبار أحكامه توقيفية، لذا فانّ توقيفية الأحكام الشرعية الخاصة بالنكاح تعني عدم إمكانية الرجوع إلى الأعراف والعادات التي تشيع في المجتمع بخلاف المعاملات والعقود التي أمضاها الشارع المقدس بقوله تعالى : يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِۚ والذي يعدُّ إمضاءً عاماً لكل ما يسمى عقداً سواء كان في زمن التشريع أم مستحدثاً في الأزمنة اللاحقة، أما عقد النكاح فانّ القول بكونه فيه شائبة العبادة يعني أنّ الشارع قد تدخلّ فيه بنحو أكثر من تدخله في المعاملات والعقود الأخرى ولكنه لم يصل إلى مرتبة العبادات الأخرى، فكانت هذه المرتبة المتوسطة بين العبادة والمعاملة فله من تلك أحكام ومن تلك أحكام أخرى.
لذا نلاحظ أنّ القرآن الكريم أضفى على عقد الزواج والعلاقة الحميمة من القداسة ومزيد الإهتمام ما أبعده عن كل المعاملات والعقود كعقد البيع مثلاً، لانَّ البيع تمليك عين بعوض أما الزواج فهو عقد رحمة ومودّة وسكون، وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم بقوله:وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ وقوله تعالى:هُنَّ لِبَاسٞ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٞ لَّهُنَّۗ.
لذا ذكر الفقهاء أنّ عقد الزواج فيه شائبة العبادة وأنه أقرب إلى العبادات منه إلى المعاملات والعقود الأخرى ، لأنه إستحباب مؤكد ومن أجل هذا يجرونه على اسم الله وكتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) .
وعند الرجوع إلى قانون الأحوال الشخصية نلاحظ أنه قد اشتمل على أهم الأبواب الفقهية المتعلقة بالأحوال الشخصية مثل باب الزواج والمحرمات والحقوق الزوجية وانحلال عقد الزواج والعدة والولادة والنفقة والوصية والميراث .
وقد عنون المشرِّع العراقي الباب الأول من قانون الأحوال الشخصية بـ : الزواج، فكان الفصل الأول منه بعنوان : الزواج والخطبة، والمفروض تقديم الخطبة على الزواج، لأنّه من مقدماته .
ولكن استعمال مفردة ( الزواج ) هل هو اللفظ الصحيح والدقيق الموافق للقرآن الكريم والسنة المباركة، أي أنَّ لفظ الزواج هل وافق اللغة والقرآن والسنة بمعنى التزويج المعروف بين الناس أم أنَّ مفردة النكاح هي الأقرب للمعنى المتعارف وهذا ما سنبحثه في النقاط الآتية :
أولاً : الزواج لغةً من زوج أصل يدلُّ على مقارنة شيء لشيء، ويجمع الزوج: أزواجاً، والزوج خلاف الفرد، يقال : زوج أو فرد، وزوج المرأة بعلها وزوج الرجل امرأته، قال تعالى : اسكن أنت وزوجك الجنة .
والزواج : الإقتران، وزوّج الأشياء تزويجاً وزواجاً : قرن بعضها ببعض كما في قوله تعالى: وَزَوَّجناهم بحورٍ عينٍ ، أي قرناهم بهنَّ .
أما النكاح لغةً من نكح أصل واحد وهو البضاع، ونكح ينكح والنكاح يكون العقد دون الوطء، يقال : نكحت تزوجت وأنكحت غيري، ونكحها ينكحها : باضعها أيضاً، وامرأة ناكح : أي ذات زوج، وأنكحه المرأة : زوّجه إياها، وأنكحها: زوّجها .
وعليه فالزواج لا يختص بالإنسان بل يعم غيره أيضاً : فتقول عندي زوجا حمامٍ، وأنت تعني ذكراً وأنثى، كما لا يختص بالعلاقة الزوجية أيضاً ، أما النكاح فهو للإنسان خاصةً دون غيره .
ثانياً : الزواج والنكاح إصطلاحاً، حيث ورد لفظ الزواج في قوله تعالى :
وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ
فذهب أغلبُ المفسرين أنَّ الآية بمعنى الإقتران، أي قرناهم ـ المتقين ـ بالحور العين، حيث ذكر مفسرو الإمامية ومنهم السيد الطباطبائي : ( المراد بالتزويج القرن أي قرناهم بهن دون النكاح بالعقد، والدليل تعديه بالباء ) .
وذهب مفسرو المذاهب الإسلامية الأخرى أنَّ الآية بمعنى الاقتران .
وغيرها من الآيات القرآنية التي ورد لفظ الزواج فيها بمعنى الاقتران .
أما قوله تعالى : فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا
فهي الآية الوحيدة التي تدل على الزواج المعروف بين الناس ( أي النكاح )، فهي تشير إلى زواج الرسول الأكرم من زينب بنت جحش ( فان التزويج بمعنى النكاح ... ) .
أما لفظ النكاح وهو الزواج المعروف ـ بمعنى التزويج ـ فقد ورد في آيات قرآنية عدة أكثر استعمالاً واشهر من المعنى الأول، منها :
قوله تعالى:وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وأمآئِكُمۡۚ ...
وقوله تعالى : يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَانَكَحۡتُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَٰتِ ...
وقوله تعالى : وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ وَلَا تُنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤۡمِنُواْۚ ...
فالنكاح يراد به الزواج المعروف بين الناس، سواء بمعنى عقد الزواج أو بمعنى الوطء أو بمعنى الزواج بحقيقته وجميع ملابساته، فالمشهور أنه علقة الزواج، ويقال أيضاً على سببها وهو العقد المبيح للوطء دخل العاقد أو لم يدخل.
أما فقهاء الجمهور فقد اختلفوا في حقيقة النكاح :
فقال الشافعية والحنابلة والمالكية: أنّ النكاح حقيقة في العقد دون الوطء.
وقال الحنفية: أن النكاح حقيقة في الوطء دون العقد.
وهناك قول أن النكاح مشترك لفظي بين العقد والوطء.
ثالثاً : عند مراجعة كتب الحديث واستقراء الروايات التي تتضمن موضوع التزويج، نلاحظ أنَّها تعبّر بصورة صريحة عنه بلفظ النكاح، منها :
عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم):((من أحبَّ فطرتي فليستن بسنتي، ومن سنتي النكاح))
وقوله : (( أيُما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ))
ومنها قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( تناكحوا تناسلوا تكثروا، فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط ))
رابعاً : عند الرجوع إلى الموسوعات الفقهية لجميع المذاهب الإسلامية، نلاحظ استخدام الفقهاء لمصطلح النكاح في مسائله تحت عنوان كتاب النكاح، ولم يستعمل الفقهاء في مدوناتهم الفقهية والرسائل العملية لفظ أو مصطلح الزواج في الأحكام والمسائل التي تتضمن هذا الموضوع، فلفظ الزواج مصطلح حديث لم يستعمل من قبل الفقهاء، لذا كان استعمال لفظ النكاح في الفقه اكثر شيوعاً من لفظ الزواج.
نستنتج مما تقدم أنَّ مصطلح ( النكاح ) هو اللفظ الادق والأولى من ( الزواج )
لذا يمكن القول أنَّ المشرّع العراقي لقانون الأحوال الشخصية لم يكن موفقاً ودقيقاً في اختيار عنوان الباب الأول وهو ( الزواج ) والفصل الأول ( الزواج والخطبة )، بل كان عليه إختيار مصطلح ( النكاح )؛ لأنّه الأدق الذي يوافق اللغة والاستعمال القرآني والفقهي .
المقصد الأول : الزواج والخطبة
ذكر المشرع العراقي في الباب الأول أربعة فصول، فجاء الفصل الأول بعنوان ( الزواج والخطبة )، حيث تضمّنت المادة الثالثة سبع فقرات في تعريف أحكام الزواج والخطبة، وهي كالآتي :
المادة الثالثة:
1 ـ الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل.
2 ـ اذا تحقق انعقاد الزوجية لزم الطرفين أحكامهما المترتبة عليه حين انعقاده.
3 ـ الوعد بالزواج وقراءة الفاتحة والخطبة لا تعتبر عقداً.
4 ـ لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلاّ بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن تحقق الشرطين التاليين:
أ- أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة .
ب- أن تكون هناك مصلحة مشروعة.
5 ـ اذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي.
6 ـ كل من أجرى عقداً بالزواج بأكثر من واحدة خلافا لما ذكر في الفقرتين (4 و 5) يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة أو بالغرامة بما لا يزيد على مائة دينار أو بهما.
7 ـ استثناء من أحكام الفقرتين 4 و5 من هذه المادة يجوز الزواج بأكثر من واحدة اذا كان المراد الزواج بها أرملة.
حيث تضمنت الفقرة الأولى تعريف الزواج وغايته، فنصّت على أنّ : (( الزواج عقد بين رجل وامرأة تحل له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل ))
يمكن القول أنّ المشرّع كان موفقاً في تعريفه للزواج، فلا إشكال فيه من الناحية الفقهية، فقد وافق المشرّع فقهاء المذاهب الإسلامية بأنّ الزواج عقد، واليك ما ذكره الفقهاء في تعريف التزويج :
ما ذكره الإمامية منهم الشهيد الأول : ( التزويج حقيقة في العقد ) .
وعرّفه الحنفية : ( عقد يفيد ملك المتعة )
وعرّفه المالكية:( عقد بين الرجل والمرأة يبيح استمتاع كلّ منهما بالآخر ويبيّن ما لكل منهما من حقوق وما عليه من واجبات، ويقصد به حفظ النوع الإنساني )
وعرفه الشافعية : ( عقد يتضمن إباحة وطء بلفظ الإنكاح والتزويج )
وعرفه الحنابلة : ( عقد التزويج )
لذا فالتزويج في المصطلح الفقهي لا يخرج عن كونه عقد تحل به العشرة وكافة الاستمتاعات بين الرجل والمرأة، وقد أحسن المشرّع حين قيّد عقد الزواج بين رجل وامرأة؛ ليُميّزه عن باقي العقود والمعاملات، فلا يجوز بين رجلين أو امرأتين كزواج المثليين الذي أقرّته بعض الدول الاوربية .
اما جملة ( تحل له شرعاً ) فهي تشير إلى الرجل دون المرأة، لذا فالأولى أن يكون التعريف : (( النكاح عقد بين رجل وامرأة يحل بسببه استمتاع كل منهما بالآخر غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل ))
أما الهدف من تشريع عقد الزواج فهي :
الأول : إنشاء رابطة للحياة المشتركة، وهذا ما أشار اليه القرآن الكريم في قوله تعالى : وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحۡمَةًۚ
الثاني : تحصيل النسل، وهذا ما أشار اليه بقوله تعالى : وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةٗ وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ
أما الفقرة الثانية من المادة الثالثة، فهي من باب تحصيل الحاصل حتى أنها لو حذفت من هذه المادة فإنّ المعنى لا يخل ولا يختل، فإن من البداهة أنْ تترتب آثار العقد الملزمة لكلا الطرفين إذا ما تحقق انعقاده ولزمهما أحكامه جبراً لا اختياراً.
أما الفقرة الثالثة التي تتعلق بأحكام الخطبة كالخطبة والوعد بالزواج، فهي من مقدمات عقد الزواج وممهدة له، لذا كان الأولى تقديم أحكام الخطبة على عقد الزواج .
وكيفما كان فالمشرع في أحكام الخطبة لم يخالف الشريعة الإسلامية، لأنّ الخطبة والوعد بالزواج ليست عقداً وإنما هي إجراءات ومقدمات تسبق العقد، فهي مرحلة أولى ليتعرف الخاطبين على بعضهما وفرصة أنْ ينظر الخاطب إلى مخطوبته وبالعكس ومنحهم فترة زمنية للتشاور والتداول، لذا فهي مرحلة لاختيار الشريك المناسب، والفقهاء كذلك يجيزون للمرأة أنْ تخطب الرجل.
والجدير بالذكر أنَّ الشريعة الإسلامية حينما سمحت أنْ ينظر الرجل الخاطب إلى المرأة المخطوبة وتبادل الآراء، إنّما وفق قواعد وضوابط قد حدّدها الشارع المقدس، فلا يجوز استغلال فترة الخطبة للإنفراد والتلاقي بعيداً عن الأهل أو السماح بأي تصرف جسدي لا تقتضيه طبيعة الأمور، لذا إحتاطت الشريعة الإسلامية في هذا الأمر فلم تبح الخلوة بالمرأة قبل عقد الزواج إلاّ بحضور محرم لها كأبيها أو أخيها؛ كيلا تخدش سمعتها أو تجرح كرامتها، بيد أنّ ما يريده بعض الشباب اليوم من الإختلاط والزيارة لوحدهم، والذهاب في رحلات ونزهات على أساس التعرف على الطباع أمرٌ لا تقرّه الشريعة، حيث اثبتت التجربة مفاسده الإجتماعية وأضراره للمرأة المخطوبة .
إذن فالوعد بالزواج والخطوبة وحتى قبض المهر كله أو بعضه وتبادل الهدايا لا يعتبر عقداً، فالوعد والخطوبة رسمياً لا يلزم أي من الخاطبين بالزواج من الآخر وليس له الحق مطالبته بعوض لمجرد الامتناع عن الارتباط به.
فالخطبة من مقدمات عقد الزواج وحكمها تابع له، فإنْ كان العقد جائزاً فهي كذلك وإنْ كان العقد غير جائز فالخطبة كذلك، فمنْ يصح زواجها تصح خطبتها، أي إنّ الرجل يجوز له خطبة أي امرأة تحل له شرعاً ولا يجوز خطبة امرأة تحرم عليه .
وخير ما فعلت المحاكم العراقية بمطالبة كل من الخاطبين أنْ يعمل اختبار وشهادة طبية تثبت سلامتهما من الأمراض المعدية كالسل والزهري، وكذلك السلامة من الآثار السلبية مستقبلاً على الزوجين بغية عدم الدخول في منازعات تؤدي الى الطلاق لاحقاً، أو إنجاب ذرية مشوهة ومريضة .
الفقرة الرابعة : تعدد الزوجات
وهي من نقاط الإختلاف بين الشريعة الإسلامية وقانون الأحوال الشخصية، فقد ذكر المشرّع العراقي في هذه الفقرة عدم جواز تعدد الزوجات لأكثر من واحدة، وأعطى الولاية للقاضي في جواز التعدد، حيث اشترط عليه لإعطاء الإذن تحقق شرطين وهما :
ـ الكفاية المالية للزوج
ـ والمصلحة المشروعة ( وأمر تحديدها إلى إجتهاد القاضي )
وأما الشريعة الإسلامية فقد جوّزت للرجل أنْ يتزوج بأربع نساء مجتمعات بشرط العدل بينهن وإلاّ فواحدة، وهذا ما نصّ عليه القرآن الكريم في قوله تعالى : فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثۡنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا تَعۡدِلُواْ فَوَٰحِدَةً أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَعُولُوا
وبهذا فإنّ الحكم الشرعي لتعدد الزوجات في الشريعة الإسلامية مباح في الأصل، وقد اتفقت المذاهب الإسلامية على جواز التعدد بشرط العدل، والشرط هو القسم بين الزوجات في الليالي والنفقة، والعيلولة هي المدار عند المذاهب الإسلامية ـ عدا الإمامية ـ في العدالة بين الزوجات على اختلاف الرأي في القسم والنفقة، حيث اشترطوا لإباحة التعدد شرطين هما :
أولاً: توفير العدل بين الزوجات أي العدل الذي يستطيعه الإنسان ويقدر عليه فالعدل الواجب على الرجل لزوجاته بأن يسوي بينهن في الإنفاق عليهن وفي المبيت عندهن بحيث يكون عند كل واحدة منهن عدد من الليالي مثل عدد الليالي التي يكون فيها عند الأخرى، أما ما لا يملكه الزوج ــ ميل القلب ــ فانّ الله لا يكلفه المساواة بينهن فيه .
ثانياً : القدرة على الإنفاق فلا ينبغي للزوج الإقدام على الزواج سواء من واحدة أو أكثر إلاّ بتوافر القدرة على مؤن الزواج وتكاليفه والاستمرار في أداء النفقة الواجبة للزوجة .
لكن مشهور الإمامية لا تعدّ النفقة شرطاً في الصحة، فالزواج مع عدم القدرة المالية صحيح عند الإمامية، وهذا ما ذكره السيد السيستاني : (( تستحب التسوية بين الزوجات في الإنفاق والالتفات وطلاقة الوجه والمواقعة .. ))، وأما القسمة في الليالي فيجب عليه القسم بينهن في كل أربع ليالٍ
لذا فالمشرّع العراقي في هذه الفقرة خالف النص القرآني من جهةٍ، وخالف الفقه الإسلامي في إعطاء الولاية للقاضي في جواز التعدد وعدمه من جهةٍ أخرى؛ إذْ ليس للقاضي ولا لغيره الولاية على البالغين الراشدين حتى يمنعهم من الزواج بما سمحت به الشريعة الإسلامية بل يترك تقديره للزوجين، فمنعهم مما أحلّهُ الله تعالى لهم تقييد لحرياتهم وتعسف في استعمال حقهم، لاسيما المرأة المحتاجة إلى الزواج ولا مانع لديها أنْ تكون زوجة أخرى .
لذا يمكن القول إنَّ الشريعة الإسلامية سايرت منطقها الخاص، وسايرت الطبيعة البشرية وجاءت متفقة مع الغرض من الزواج حين أباحت تعدد الزوجات، فأما إنّها سايرت منطقها الخاص فذلك أنّها حرمت الزنا تحريماً مغلّظاً وعاقبت عليه عقاباً صارماً يبلغ حد القتل في بعض حالاته، فوجب أنْ لا تحرمه على الناس من وجه وتدفعهم اليه من وجه آخر، وأما أنّها سايرت الطبيعة البشرية فذلك أنّ حرمان المرأة من الزواج مع استعدادها له يؤدي إلى أنْ تجاهد المرأة طبيعتها..وأما أنها جاءت متفقة مع الغرض من الزواج، فذلك أنَّ ضرورات التعدّد إنَّما هي قضايا إجتماعية وإنسانية في الأغلب، وإذا كان من أهداف الأسرة في الإسلام أنْ يقوم مجتمع قوي وسليم، فإنَّ بعض مشاكل هذا المجتمع هي الدافع الذي يجعل التعدد ضرورة لا بديل عنها إلاّ الخلل، من حيث أنَّ البديل الوحيد عن رابطة الزوجية في هذه الحالة هو علاقة الزنا .
أما بالنسبة للفقرة الخامسة : فالرجل له حق الزواج بأكثر من واحدة إلاّ إذا لحق الضرر بأحداهنَّ فترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي .
وأما الفقرة السادسة : فهو إجراء قانوني ليس له مبرر شرعي .
وأما الفقرة السابعة : فيجوز الزواج بأكثر من واحدة سواء كانت أرملة أو باكراً.
المقصد الثاني : أركان العقد وشروطه
المادة الرابعة: (( ينعقد الزواج بإيجاب ـ يفيده لغة أو عرفاً ـ من أحد العاقدين وقبول من الآخر ويقوم الوكيل مقامه )).
أشار المشرع العراقي في المادة الرابعة إلى أركان عقد الزواج وحصرها بالإيجاب والقبول، وهذا العقد كغيره من العقود الثنائية الطرف لا بدَّ فيه من الإيجاب والقبول، وبطبيعة الحال فإنّهما يستلزمان وجود عاقدين، ووجود عاقدين يستلزم وجود الشيء المعقود عليه، لذا اكتفى بذكر الإيجاب والقبول، لانّهما يصدران من العاقدين .
فأركان العقد بصورة عامة هي : الزوج والزوجة والإيجاب والقبول اللفظيان من الزوجين للقادر أو من يقوم بالعقد مقامهما، فإذا تخلّفَ أحد هذه الأربعة كان العقد باطلاً، لذا قد يصدر الإيجاب والقبول من الزوجين أو من وكيليهما أو من ولييهما .
وقد ذهب فقهاء الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط أنْ تكون الفاظ عقد الزواج باللغة العربية، ولا يجوز العدول إلى ترجمتها بغير العربية إلاَّ مع العجز عن العربية، فيمكن استخدام اللغة التي يجيدونها ( فالذي يعرف العربية يعقد بالعربية، والذي لا يعرف العربية يعقد باللغة التي يعرفها ولو عجزا عن النطق أصلا لا بالعربية ولا بغيرها كالأخرس اقتصر على الإشارة إلى العقد والإيماء)، وألفاظ عقد الزواج يجب أنْ تكون مشتقة من مادة (نكح ، زوَّج) مثل لفظ الإيجاب: أنكحتك أو زوَّجتك، وقال فقهاء الإمامية بجواز استخدام لفظ متعتك أو الاستمتاع، والقبول أنْ يقول : قبلت التزويج أو قبلت النكاح أو ما شابه، ولا ينعقد النكاح بلفظ البيع ولا الهبة ولا التمليك ولا الإجارة .
بينما يرى فقهاء الحنفية أنَّ الزواج يجوز انعقاده باللغة التي يعرفها المتعاقدين غير العربية، كما يجوز انعقاد الزواج بألفاظ ليست مشتقة من مادة ( نكح أو تزوج ) كلفظ البيع والهبة والصدقة والأجرة، بشرط أنْ يكون هناك نية على إرادة الزواج أو قرينة أنّ المراد هو الزواج .
ويمكن القول أنَّ ما ذهب اليه فقهاء الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة هو الرأي الراجح، لانّ لفظ التزويج والنكاح هو الأصح والأدق والذي يوافق اللغة والاستعمال القرآني والفقهي، بينما لفظ البيع والأجرة لا يدل على عقد الزواج وكذلك لفظ الهبة فانّه يختص بالنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ الشارع المقدس يحتاط في الفروج؛ لذا استوجب أنْ يكون النكاح بألفاظ خاصة، فلا يصح عقد الزواج بالمعاطاة وهذا ما يميّز العقد الشرعي عن الزنا .
المادة الخامسة: (( تتحقق الأهلية في عقد الزواج بتوافر الشروط القانوينة والشرعية في العاقدين أو من يقوم مقامهما )).
أشارت هذه المادة أنَّ لعقد الزواج نوعين من الشروط لتحقق الأهلية : القانونية والشرعية، فإذا تحققت هذه الشروط تحققت الأهلية وإذا تخلّفت ولو بعضها لم تتحقق الأهلية .
المادة السادسة:
1ـ لا ينعقد عقد الزواج اذا فقد شرطاً من شروط الانعقاد أو الصحة المبينة في ما يلي:
أ: اتحاد مجلس الإيجاب والقبول.
ب: سماع كل من العاقِدَيْن كلام الآخر واستيعابهما بانه المقصود منه عقد الزواج.
ج: موافقة القبول للايجاب.
د: شهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية على عقد الزواج.
هـ: أنْ يكون العقد غير معلق على شرط أو حادثة غير محققة.
2ـ ينعقد الزواج بالكتابة من الغائب لمن يريد أنْ يتزوجها بشرط أنْ تقرأ الكتاب أو تقرؤه على الشاهدين وتسمعهما عبارته وتشهدهما على أنها قبلت الزواج منه.
3ـ الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الايفاء بها.
4ـ للزوجة طلب فسخ العقد عند عدم إيفاء الزوج بما اشترط ضمن عقد الزواج.
أشارت الفقرة الأولى من المادة السادسة إلى نوعين من الشروط الشرعية: وهي شروط الانعقاد وشروط الصحة، فإذا فقد أي شرط منها يعتبر عقد الزواج باطلاً فلا تترتب عليه الآثار الشرعية والقانونية، والمشرّع في هذه الفقرة لم يفرق بين شروط الانعقاد وشروط الصحة، لذا ذكرها مشتركة لكلا المصطلحين سواء الانعقاد أو الصحة، والشروط الشرعية هي :
أ ـ ((اتحاد مجلس الإيجاب والقبول))
وهذا الشرط لا إشكال فيه، فإذا أختلَّ المجلس حقيقةً أو حكماً بطل العقد، فالمجلس الحقيقي هو إذا كان الرجل والمرأة في مكان واحد يسمع كلُّ منهما الآخر مباشرةً، فعندئذٍ يكون العقد صحيحاً بعد إجراء الصيغة الشرعية، أما المجلس الحكمي فهو إذا كان الطرفان لا يجمعهما مكان واحد، بل في مكانين مختلفين، ولكن كلُّ منهما يسمع كلام الآخر وذلك عن طريق الاتصال الهاتفي، فإذا صدر الإيجاب من الرجل مثلاً والقبول من المرأة فيتحقق عقد الزواج بعد تحقق أركانه وشروطه، وكذلك يمكن إجراء العقد ( الإيجاب والقبول ) في حال كون الرجل والمرأة في مكانين مختلفين عن طريق وكيلهما .
وذكر فقهاء الإمامية والشافعية والحنابلة : يشترط الفور في العقد، وهو أنْ يقع القبول عقيب الإيجاب من غير فاصل زماني .
وقال فقهاء المالكية: لا يضر الفاصل اليسير، كما إذا فصل بخطبة يسيرة.
وقال فقهاء الحنفية: لا يشترط الفور، فلو أرسل رجل إلى امرأة كتاباً يخطبها فيه وهو غائب، فأحضرت شهوداً وقرأت عليهم الكتاب، وقالت: زوجته نفسي يتم الزواج .
ب ـ ((سماع كل من العاقدين كلام الآخر واستيعابهما بأنَّ المقصود منه عقد الزواج)).
هذا الشرط لا إشكال فيه، إذا كان المقصود من العاقدين إنشاء عقد الزواج، أو أنْ يفهم الغرض فهماً لا لبس فيه .
لذا يجب أنْ يقصد العاقد معنى الزواج زوجاً كان العاقد أو وكيلاً أو ولياً، فلو كان هزلاً كان عقده لغواً .
وقد ذكر فقهاء الإمامية : كلُّ هزلٍ فهو لغو؛ لعدم القصد .
واتفق فقهاء المذاهب الأربعة: بأنّ الزواج ينعقد بالهزل، وكذا الطلاق، واستدلوا بحديث:(( ثلاثةٌ جدهنَّ جدٌّ، وهزلهنَّ جد : النكاح والطلاق والرجعة )).
ج ـ ((موافقة القبول للإيجاب ومطابقته له)) .
هذا الشرط لا إشكال فيه أيضاً، فيجب تطابق القبول للإيجاب في المؤدى أي في موضوع العقد ومقدار المهر، فلو اختلفا في المضمون بطل العقد، فمثلا إذا قال وكيل المرأة زوجتك : موكلتي فاطمة على مهر قدره (مليوني دينار)
فقال الرجل : قبلت التزويج على مهر قدره (مليون دينار)
فهنا اختلفا في المضمون وهو قيمة العقد، فالعقد باطل .
أما آراء الفقهاء فالمهر ليس بركن، فإذا لم يذكر فلها مهر المثل .
د ـ ((شهادة شاهدين متمتعين بالأهلية القانونية على عقد الزواج)) .
هذا الشرط فيه خلاف بين مذهب الإمامية وبقية المذاهب الإسلامية .
الإمامية : قالوا لا يشترط الشهود في النكاح ولا تتوقف صحة عقد الزواج عليه، لكنه مستحب، لإثبات وقوع العقد لا صحته بل تثبيت الحقوق الزوجية والآثار
الزوجية، فإذا تمَّ العقد بدون شاهدين فهو صحيح خلافاً للمذاهب الأربعة .
بينما اتفق فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على ضرورة الإشهاد عند العقد، فإذا لم يشهد شاهدان عند الإيجاب والقبول بطل العقد، فقالوا أنّ الإشهاد شرط لصحة عقد الزواج فإذا تخلَّف هذا الشرط كان العقد فاسداً، واعتبروا أنَّ الشهادة من الأمور التي انفرد بها عقد الزواج تكريماً له وإظهاراً لشأنه ودفعاً للشبهات ومقالة السوء على الزوجين، ولهذا حثّ الشارع الحكيم على إشهار الزواج والاحتفال به، واستدلوا برواية عائشة عن النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) :
(( لا نكاح إلاَّ بولي وشاهدي عدل ... )) .
بَيدَ أنّ فقهاء المالكية قالوا : لا يشترط تحقق الشهادة حين إبرام العقد، فالشهادة لازمة في الزواج ولا يلزم تحققها ساعة إجراء العقد وانما يلزم تحققها قبل الدخول، فإذا وجدت الشهادة حين العقد فقد حصل الواجب والمندوب، وان وجدت بعده قبل الدخول فقد حصل الواجب وفات المندوب واعتبر العقد صحيحاً من وقت إنشاءه، وأما إذا لم تتحقق الشهادة أصلا لا وقت العقد ولا بعده ولا قبل الدخول كان العقد فاسداً والدخول معصية محرمة .
الرأي الراجح : ما ذهب اليه الإمامية، لأنَّ الآيات القرآنية الواردة بشأن النكاح لم يرد فيها شرط الإشهاد، فيعمل على إطلاقها، بخلاف الطلاق، كقوله تعالى :
وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ .
هـ ـ ((أنْ يكون العقد غير معلق على شروط أو حادثة غير محققة)) .
هذا الشرط لا إشكال فيه فلا بد من منجزية العقد، لانّ عقد الزواج لا ينعقد إذا كان معلقاً على أمر محتمل الوقوع أو وقت متأخر وان تأكد وقوعه كما لو قالت الزوجة : زوجتك نفسي إذا نجحت في الإمتحان أو إذا طلعت الشمس، فعقد النكاح لا يقبل التعليق، بل شرطه الجزم .
أما لو علق العقد على ما هو حاصل معلوم الحصول صح العقد، كما لو قالت المرأة : زوجتك نفسي إنْ كان اليوم جمعة، وفعلاً كان هو يوم الجمعة وكلاهما عالماً بذلك، ففي مثله لا يبطل العقد .
2 ـ((ينعقد الزواج بالكتابة من الغائب لمن يريد أنْ يتزوجها بشرط أنْ تقرأ الكتاب أو تقرؤه على الشاهدين وتسمعهما عبارته وتشهدهما على أنّها قبلت الزواج منه)).
ذكر فقهاء المسلمين أنَّ للإيجاب والقبول ثلاثة صور هي :
أولاً : الكلام
ثانياً : الإشارة
ثالثاً : الكتابة
الصورة الأولى ( الكلام ): وهو لفظ الإيجاب والقبول الذي يصدر من الزوجين أو من وكيلهما أو من وليهما مباشرةً، أو عن طريق الهاتف بأي وسيلة من وسائل التواصل الإجتماعي، كما أشرنا اليه سابقاً، فلا يمكن الإستعانة بالإشارة إلاَّ إذا كان أحد الطرفين أخرساً، فعندئذٍ يمكن الإنتقال إلى الصورة الثانية .
الصورة الثانية ( الإشارة ): فيما إذا كان أحد العاقدَيْن أو كلاهما أخرس
أتّفق الفقهاء على أنَّ الإشارة المفهومة من الأخرس تكفي للتعبير عن إرادته في عقد الزواج أو في إنشاء غيره من العقود، إلاَّ أنّهم اختلفوا في مسألة وهي :
إنّ الأخرس إذا كان يستطيع الكتابة فهل يجوز له أنْ يستخدم الكتابة بدل الإشارة ؟
ذكر فقهاء الحنفية أنّ الأخرس إذا كان يقدر على الكتابة، فلا يجوز له أنْ يستخدم الإشارة بل يعبر عن إرادته من خلال الكتابة، أما اذا كان لا يستطيع الكتابة فعندئذٍ يعبر عن إرادته من خلال الإشارة المفهومة .
الصورة الثالثة : ( الكتابة )
الرأي الأول : ذكر فقهاء الإمامية والشافعية والحنابلة أنّ عقد الزواج لا ينعقد بالكتابة، فلا يجوز التعبير عن الإيجاب والقبول بالكتابة بل لا بد أنْ ينعقد باللفظ أو ما يقوم مقام اللفظ من الإشارة المفهومة من الأخرس .
الرأي الثاني : ما ذكره الحنفية بجواز التعبير عن الإيجاب والقبول في عقد الزواج بالكتابة إذا لم يكن الخاطب والمخطوبة في مكان واحد، وهذا ما أشار اليه المشرع العراقي في الفقرة الثانية من المادة السادسة، بأنه يجوز عقد الزواج بالكتابة إذا كان أحد العاقدين غائباً وذلك من خلال إنشاء خطاب ( الكتاب ) يرسله إلى المرأة، بشرط أنْ تقرأه بحضور شاهدين أو تجعل غيرها يقرأه وتُسمِع الشاهدان عبارته، فيشهدان على قبول المرأة بالزواج منه فعندئذٍ ينعقد الزواج، لإنَّ الكتاب الذي أرسله الغائب للزواج منها هو بمثابة الإيجاب .
3 ـ((الشروط المشروعة التي تشترط ضمن عقد الزواج معتبرة يجب الإيفاء بها)).
4 ـ((للزوجة طلب فسخ العقد عند عدم إيفاء الزوج بما اشترط ضمن عقد الزواج)).
قد يتضمن عقد الزواج شروط معينة يشترطها الزوج على زوجته أو تشترطها الزوجة على زوجها، وذكر الفقهاء أنَّ هذه الشروط تارةً تكون مشروعة فيلزم الوفاء بها واخرى تكون غير مشروعة فلا يلزم الوفاء بها، والجدير بالذكر أنَّ المشرّع العراقي لم يحدد الشروط المشروعة، فعليه يجب الرجوع إلى الفقه الإسلامي لتحديد هذه الشرط وتمييزها عن غير المشروعة.
فإذا كانت الشروط المقترنة بالعقد تخالف الشريعة الإسلامية، كما لو اشترطت الزوجة على زوجها أثناء العقد أنْ لا يتزوج عليها، أو لا يطلقها، أو لا يرثها، أو أنْ يطلق زوجته السابقة، أو لا يمنعها من الخروج متى شاءت وإلى أي مكان تشاء، أو أنْ يشترط الزوج على زوجته أنْ تقوم بالإنفاق على الأسرة، أو يشترط أن تقابل الرجال الاجانب وما إلى ذلك مما يتنافى مع مقتضى العقد، فهذه الشروط وغيرها التي لم يرد بجوازها نصٌ والمخالفة للشريعة الإسلامية تعتبر شروط باطلة سواء كان المشترط الزوج أو الزوجة، فإذا اقترن بالعقد شرط باطل فهذا الشرط لا يلزم الوفاء به ويبقى العقد صحيحاً.
أما إذا كان الشرط مشروعاً مما يقتضيه العقد، كما إذا اشترطت الزوجة على زوجها ضمن العقد أنْ لا يخرجها من بلدها، أو لا يسافر بها، أو يسكنها منزلاً معيناً، أو أنْ يحسن عشرتها، أو يشترط الزوج على زوجته أن تراعي كرامته أو أن لا تخرج من داره إلاّ بإذنه، فهذه الشروط وغيرها من الشروط المشروعة والصحيحة يجب على الطرفان الوفاء بها، وهذا ما أشار اليه المشرع العراقي في المادة (6) الفقرة (3) على أنَّ الشروط المشروعة يجب الوفاء بها .
أما في حالة عدم وفاء الزوج بالشروط المشروعة فما هو الحكم ؟
فقهاء الإمامية قالوا : إذا تخلّف الزوج لا يحق لها فسخ العقد، فلو امتنعت عن الإمتثال لأوامره ففي مثل هذه الحالة لا تعد ناشزاً بل تستحق جميع الحقوق الزوجية كالنفقة والمعاشرة، وللقاضي أنْ يلزم زوجها بالوفاء بشرطها إنْ طالبت به، وبه قال فقهاء الحنفية : (أن عدم الوفاء بالشرط لا يعطي للطرف الذي اشترطه الخيار في فسخ العقد، بل له الحق في المطالبة بالوفاء به أمام القضاء) .
بينما ذهب جمهور الفقهاء : إنَّ لصاحب الشرط إذا لم يفِ به الطرف الآخر فسخ العقد، لانّه لم يقبل بالزواج إلاَّ على أساس الوفاء بالشرط، وعدم الوفاء به يعيب الرضا، والأخير أمر لازم لانعقاد الزواج، وهذا ما أخذ به المشرّع العراقي في الفقرة (4) حيث أعطى للزوجة الحق في طلب فسخ العقد، أما في حالة عدم وفاء الزوجة بالشرط الذي قبلت به فلم يتطرق المشرّع إلى ذكر الحكم الشرعي؟ ويمكن تبرير ذلك على أساس أنّ الرجل غالباً هو الطرف الاقوى في الأخذ بخياراته وقرارته والامتثال لأمره .
بما أنّ الطلاق بيدْ الرجل، لحديث: (الطلاق لمن أخذ بالساق)، ولانّ الرجل الذي دفع المهر وانفق على الزوجة والبيت يكون أكثر تقديراً لعواقب الأمور، فهو أولى من المرأة بإعطائه حق التطليق؛ لذلك يمكن القول أنَّ الرأي الراجح في الفقرة (4) من المادة السادسة، هو ما ذهب اليه الإمامية والحنفية بعدم إعطاء الزوجة الخيار في فسخ العقد في حالة عدم وفاء الزوج بالشرط، وإنْ كانت تستحق جميع الحقوق الشرعية؛ لأنّه سيؤدي إلى النفور وبالتالي كثرة حالات الطلاق .
المقصد الثالث : الأهلية
المادة السابعة:
1. ((يشترط في تمام أهلية الزواج العقل وإكمال الثامنة عشر)).
2. ((للقاضي ان يأذن بزواج أحد الزوجين المريض عقليا اذا ثبت بتقرير على أنّ زواجه لا يضر بالمجتمع وانه في مصلحته الشخصية إذا قبل الزواج الآخر بالزواج قبولا صريحاً)).
أشارت الفقرة (1) من المادة السابعة إلى أهلية الزواج الكاملة (تمام الأهلية) التي تتحقق بالعقل وإكمال الثامنة عشر من العمر، والمقصود بتمام الأهلية : الصفة التي يمكن معها للرجل والمرأة أنْ يباشر كل واحد منهما عقد الزواج بنفسه أو بواسطة وكيل مستوف للشروط، وإذا تخلّف أحد الشرطين أو كلاهما فتعتبر الأهلية ناقصة، وهذان الشرطان قانونيان للأهلية لا شرعيان، فقانون الأحوال الشخصية العراقي لم يفرّق بعد توفر شروط الأهلية بين الذكر البالغ الرشيد وبين الأنثى البالغة الرشيدة، أما فقهاء المسلمين فلهم رأي آخر حول أهلية الرجل والمرأة وخاصةً سن البلوغ .
مشهور فقهاء الإمامية قالوا : إنَّ سن البلوغ للذكر إكمال خمسة عشر سنة وللأنثى إكمال تسع سنين والدخول في العاشرة، إعتماداً على النصوص الكثيرة في هذا المقام، منها رواية ابن سنان : (( إذا بلغت الجارية تسع سنين، دفع اليها مالها، وجاز أمرها، وأقيمت الحدود التامة لها وعليها )) .
وفي سؤال إلى سماحة السيد السيستاني (دام ظله) : ماهي علامات البلوغ ؟
فأجاب : علامات البلوغ في الأنثى إكمال تسع سنين هلالية، وفي الذكر أحد الأمور الثلاثة :
1ـ نبات الشعر على العانة .
2ـ خروج المني .
3ـ إكمال خمس عشرة سنة هلالية .
وذكر فقهاء الحنفية إنّ الحد الأدنى للبلوغ هو اثنتا عشرة سنة للغلام وتسع للجارية، والحد الأقصى للبلوغ هو ثماني عشرة في الغلام وسبع عشرة في الجارية .
وذكر المالكية : سبع عشرة سنة للذكر والأنثى .
وقال الشافعية والحنابلة : خمس عشرة سنة في الغلام والجارية .
واتفق الفقهاء على أنّ الحيض علامة على بلوغ الأنثى، وهو بمنزلة المني في الرجال .
ووفقاً للدراسات والاستقراءات الطبية المتخصصة، فتعريف سن البلوغ عند جامعة ميشيغان/ النظام الصحي (university of Michigan health system): هو بداية مرحلة النضج الجنسي وهي فترة عندما يتغير الطفل جسدياً، هرمونياً، وجنسياً، ويصبح قادراً على التكاثر.
وذكر مركز نيمور المتخصص بصحة وتعليم الطفل/ الولايات المتحدة، يبدأ سن البلوغ عادةً عند من تتراوح أعمارهم بين 8-13سنة في الفتيات، وعند الذكور ما بين 9- 15سنة، وذكرت صحيفة usa today)) في دراسة للفتيات في الأعمار 6-8 سنة وعلى مدى سبع سنوات وجدت أنّ السود يسبقون البيض في البلوغ المبكر، فالبلوغ عند السود في سن (8,8 سنة) مقابل (9,3سنة) للاتينيين و (9,7سنة) للآسيويين، وغيرها من الدراسات الغربية التي ذكرت أنّ سن البلوغ عند الفتيات يبدأ دون (9سنة) بقليل ولا يتجاوز (10سنة) .
نستنتج مما تقدم : أنّ هناك توافق وتطابق بين الدراسات الطبية وبين الآراء الفقهية في علامات البلوغ عند الإمامية والحنفية، لذا يمكن القول أنّ أهلية الزواج عند الأنثى هي العقل وإكمال تسع سنوات وعند الذكر إكمال خمس عشرة سنة، وهذه الآراء الفقهية حول سن البلوغ وأهلية الزواج لا يعني بالضرورة إجبار الأنثى على الزواج في هذا السن بل يعني أنّ لها القابلية والحق في إتخاذ القرار .
وقد يتبادر إلى الذهن لماذا هذا الفرق بين بلوغ المرأة في سن التاسعة أو العاشرة وحتى الثالثة عشر وبلوغ الرجل في الخامسة عشر، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار ضعف القابلية البدنية للمرأة قياساً بالرجل ؟
يمكن القول أنَّ اشتهار الحكم بين الأصحاب وإنْ لم يكن في نفسه حجة، إلاّ أنّه قد يوجب الإطمئنان، بل العلم بالواقع كما في مثل المقام مما كان الحكم فيه عملياً، لا تنفك الناس عن كثرة الإبتلاء به في جميع العصور بما في ذلك عصور المعصومين الطويلة، حيث لا يمكن مع ذلك خفاء حكمهم (عليهم السلام) فيه على شيعتهم، فاشتهار هذا التحديد بين شيعتهم شاهد بأخذهم له منهم، ولا سيما مع عدم خلو التحديد المذكور عن غرابة، لأنَّ إرتكاز ضعف المرأة لا يناسب كون بلوغها أسبق من بلوغ الرجل، لولا كون الحكم المذكور تعبدياً مأخوذاً من أدلة قاطعة من المعصومين (عيهم السلام) بَخَعَ لها شيعتهم وتعبدوا بها خاضعين .
أما الفقرة (2) من المادة السابعة فقد أجازت زواج فاقد الأهلية وهو المريض عقلياً من قبل القاضي بعد تحقق الشروط المطلوب توفرها في هذه الحالة وهي :
الأول : أنْ يكون هناك تقريراً طبياً يثبت أنّ زواج المريض عقلياً ( المجنون ) لا يضر بالمجتمع .
الثاني : أنْ يكون هذا الزواج في مصلحة المريض عقلياً .
الثالث : أنْ يكون الطرف الآخر قد قبل الزواج من الطرف الأول المريض عقلياً بعد الإطلاع على حالة الزوج المريض وإبداء تصريحه بالموافقة، والقصد من هذا الشرط عدم استعمال الغش أو إخفاء الحالة المرضية ويجب إثبات الموافقة في سجل الزواج .
فإذا قدم طلب إلى القاضي بزواج المريض عقلياً فوجد القاضي أنّ هذه الشروط متحققة، فعندئذٍ يمنح الإذن بزواج المريض عقلياً .
أما فقهاء الإمامية فقالوا : الولاية على المريض عقلياً (المجنون) ترجع إلى الأب أو الجد فإنْ لم يوجد فالحاكم الشرعي، فليس للقاضي ولاية على أحد إلاّ إذا كان القاضي يتمتع بصفات الحاكم الشرعي .
المادة الثامنة:
1. ((اذا طلب الزواج من أكمل الخامسة عشر من العمر، فللقاضي أنْ يأذن به إذا ثبت له أهلية قابليته البدنية بعد موافقة وليه الشرعي، فإذا امتنع الولي طلب القاضي منه موافقة خلال مدة يحددها له، فان لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار أذن القاضي بالزواج)).
2. ((للقاضي أنْ يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشر من العمر اذا وجد ضرورة قصوى تدعو إلى ذلك، ويشترط لإعطاء الإذن تحقيق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية)).
تشير الفقرتان أعلاه إلى أنَّ صاحب الأهلية الناقصة من الناحية القانونية، كالذكر إذا بلغ الخامسة عشر ولم يتم الثامنة عشر من العمر، يجوز له الزواج وتتوقف على موافقة القاضي بعد تحقق أهلية الزوج وقابليته البدنية وكذلك موافقة وليه الشرعي .
وقد ذكر الفقهاء : للحاكم الشرعي الولاية على المجنون اذا لم يكن له ولي وكذا على الصبي الذي ليس له ولي ولا وصي اذا دعت الضرورة إلى تزويجه، كما أنّه لا ولاية للأب والجد والحاكم الشرعي على البالغ الرشيد ولا على البالغة الرشيدة الثيب، اما الباكر فالولاية في تزويجها لوالدها مع اخذ رأيها أيضا، وسنبحث مسألة الولاية في المادة الآتية .
المادة التاسعة:
1. ((لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص، ذكرا كان أم أنثى على الزواج دون رضاه، ويعتبر عقد الزواج بالإكراه باطلاً اذا لم يتم الدخول، كما لا يحق لأي من الأقارب أو الاغيار منع من كان أهلاً للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج)).
2. ((يعاقب من خالف أحكام الفقرة واحد (1) من هذه المادة بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة أو بأحدى هاتين العقوبتين اذا كان قريبا من الدرجة الأولى، أما اذا كان المخالف من غير هؤلاء فتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على عشر سنوات او الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات)).
ذكر المشرّع العراقي في الفقرة (1) من المادة التاسعة مسألتين هما : الإكراه على الزواج وكذلك المنع من الزواج، حيث أشار إلى بطلان عقد الزواج بالإكراه من قبل الأقارب أو غيرهم، سواء كان المكرَه ـ بالفتح ـ الذكر أم الأنثى، بشرط عدم الدخول، أما إذا تحقق الدخول فلم يذكر المشرّع ما هو الحكم ؟
كما لا يحق لأي شخص مهما كانت صلته منع من كان أهلاً للزواج، ولم يذكر المشرع حدود صلاحية الولي في تزويج الذكر أو الأنثى، أو منع تزويجهما ؟
نعم لا يصح زواج المكره رجلاً كان أو إمرأة، لكن لو ارتفع الإكراه ورضي المكره بالزواج صح العقد .
أما الفقرة (2) فهي مجرد إجراءات قانونية تنظيمية .
صلاحية الولي في تزويج الباكر :
ذهب مشهور الإمامية إلى إعتبار إذنهما معاً ( الولي والبكر الرشيدة) :
واستدلوا بروايات عدة، كما في رواية صفوان قال :
(( استشار عبد الرحمن موسى بن جعفر (عليه السلام) في تزويج ابنته لابن أخيه فقال : إفعل ويكون ذلك برضاها ، فإن لها في نفسها نصيباً ، قال : واستشار خالد بن داود موسى بن جعفر (عليه السلام) في تزويج ابنته علي بن جعفر ، فقال : افعل ويكون ذلك برضاها فإن لها في نفسها حظاً )).
ولخصوص ظهور قوله (عليه السلام) في هذه الرواية ( فان لها في نفسها نصيباً ) أو قوله ( فان لها في نفسها حظاً ) فانهما ظاهران في عدم استقلالها وكون بعض الامر خاصة لها .
ومنها رواية زرارة بن اعين ، قال :
(( سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : لاينقض النكاح إلاّ الأب )).
ومنها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :
(( لا ينقض النكاح إلاّ الأب )).
لذا يمكن القول أنّ الصحيح في الاستدلال على الاشتراك هو التمسك بهاتين الروايتين المتضمنتين لحق الأب في نقض العقد، ورواية صفوان في أنَّ بعض الأمر خاصة للبكر الرشيدة.
واختار هذا القول الشيخ الفياض حيث ذكر : ( أما إذا كانت البالغة الرشيدة بكراً، فلا يجوز لها أنْ تزوج نفسها بدون إذن وليها، كما إنّ الأظهر أنّه لا يجوز للولي تزويجها بدون إذنها ورضاها، فيشترط في تزويج البكر رضاها ورضا وليها معاً، ولا فرق في ذلك بين العقد الدائم والمنقطع ).
نعم يسقط حق الأب في نقض العقد إذا منعها من التزويج بالكفؤ، ولا إعتبار حينئذٍ لإذنه، وذلك لانّ منعها عن التزويج بالمرة فيه الفساد والله لا يحب الفساد، وكذلك دليل نفي الحرج - اذا فرضنا أنّ في بقائها حرجاً - فان هذا الدليل يرفع في هذه الحالة إعتبار إذن الأب والجد على نحو الاستقلال أو الاشتراك .
وذكر السيد السيستاني : ( لا يعتبر إذن الاب والجد اذا كانت البنت بكراً ومنعاها عن الزواج بكفؤها شرعاً وعرفاً مطلقاً ، أو اعتزلا التدخل في امر زواجها مطلقاً، أو سقطا عن أهلية الإذن لجنون أو نحوه ، وكذا اذا لم تتمكن من استئذان أحدهما لغيابهما مثلاً فانّه يجوز لها الزواج حينئذٍ مع حاجتها الملحة اليه فعلاً من دون إذن أي منهما ) .
أما بالنسبة للبالغ الرشيد والبالغة الرشيدة الثيب، فلا ولاية لأي شخص عليهما سواء كان الأب أو الجد أو الحاكم الشرعي، أما الباكر البالغة الرشيدة فالولاية مشتركة بينها وبين الولي، وكذا من كانت بحكم الباكر من الثيبات .
وذكر فقهاء الحنفية : ((إنّ البالغة العاقلة لها أنْ تنفرد باختيار الزوج، وأنْ تنشئ العقد بنفسها بكراً كانت أو ثيباً، وليس لأحد عليها ولاية ولا حق الإعتراض، شريطة أنْ تختار الكفء، وأنْ لا تتزوج بأقل من مهر المثل، فإنْ تزوجت بغير الكفء يحق للولي أنْ يعترض ويطلب من القاضي فسخ الزواج، وإنْ تزوجت بالكفء على أقل من مهر المثل يطلب الفسخ إذا لم يتمم الزوج مهر المثل)).
ودليلهم قوله تعالى: فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُۥ مِنۢ بَعۡدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوۡجًا غَيۡرَهُ .
وَإِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَبَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعۡضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحۡنَ أَزۡوَٰجَهُنَّ .
فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ فِيمَا فَعَلۡنَ فِيٓ أَنفُسِهِنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۗ .
ويرد عليهم أنّ هذه الآيات القرآنية تدل على المرأة الثيب (المطلقة والمتوفى زوجها)، وأما الباكر فليس كالثيب .
وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة :"ينفرد الولي بزواج البالغة الرشيدة إذا كانت بكراً، أما إذا كانت ثيباً فهو شريك لها في الزواج، لا ينفرد دونها ولا تنفرد دونه، ويجب أن يتولى هو إنشاء العقد، فلا يصح الزواج إلاّ بولي لقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( لا نكاح إلاّ بولي ... )).
المقصد الرابع : تسجيل عقد الزواج وإثباته
المادة العاشرة : ((يسجل عقد الزواج في المحكمة المختصة بدون رسم في سجل خاص وفقا للشروط الآتية))
1. تقديم بيان بلا طابع يتضمن هوية العاقدين وعمرهما ومقدار المهر وعدم وجود مانع شرعي من الزواج على ان يوقع هذا البيان من العاقدين ويوثق من مختار المحلة او القرية او شخصين معتبرين من سكانهما.
2. يرفق هذا البيان بتقرير طبي يؤكد سلامة الزوجين من الأمراض السارية والموانع الصحية وبالوثائق الأخرى التي يشترطها القانون.
3. يوثق ما تضمنه البيان في السجل ويوقع بامضاء العاقدين أو بصمة ابهامهما بحضور القاضي ويوثق من قبله وتعطى للزوجين حجة بالزواج.
4. يعمل بمضمون الحجج المسجلة وفق أصولها بلا بيَنة وتكون قابلة للتنفيذ فيما يتعلق بالمهر، ما لم يعترض عليها لدى المحكمة المختصة.
5. يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد عن سنة أو بغرامة لا تقل عن ثلاثة مائة دينار ولا تزيد على مئة الف دينار كل رجل عقد زواجه خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات اذا عقد خارج المحكمة زواجاً اخر مع قيام الزوجية.
تسجيل عقد الزواج شرط قانوني وليس شرطاً شرعياً، ولذلك فإنّ حصوله وعدم حصوله سيّان من حيث التأثير على ذات العقد، فمتى توفرت في العقد شروطه الشرعية ترتبت على آثاره سواء سجل العقد أم لم يسجل .
لذا لا مانع شرعاً من تسجيل عقد الزواج في محكمة الأحوال الشخصية في سجل خاص ويوقع بإمضاء الزوجين أو الوليين أو الوكيلين أو بصمة ابهاميهما وكذلك الشهود بحضور القاضي وتوثيقه، وتعطى للزوجين أو من يقوم مقامهما حجة (وثيقة) بالزواج .
أما بالنسبة للفقرة (5) فعقوبة الحبس أو الغرامة المالية اجراء قانوني لا مبرر له، لأنّ عقد الزواج خارج المحكمة ليس فعلاً محرماً، فالأولى والأجدر : عدم ترتب الآثار القانونية على عقد الزواج الذي يتم إجراؤه خارج المحكمة.
المادة الحادية عشرة :
1- ((إذا أقر أحد لإمرأة أنها زوجته، ولم يكن هناك مانع شرعي أو قانوني وصدقته ثبتت زوجيتها له بإقراره)).
2- ((إذا أقرت المرأة إنها تزوجت فلاناً وصدقها في حياتها ولم يكن هناك مانع قانوني أو شرعي ثبت الزواج بينهما. وإن صدقها بعد موتها فلا يثبت الزواج)).
إنّ دعوى الرجل على المرأة في الإقرار بالزوجية في الفقرة الأولى هي عين دعوى المرأة على الرجل في الفقرة الثانية، إلاّ أنّ المشرع اشترط في تصديق الرجل لها في دعواها أنْ يكون هذا التصديق في حياتها، فإن كذّبها في حياتها ثم صدّقها بعد وفاتها فإنّ تصديقه هذا لا يقبل؛ لانّه مظنة الطمع ببعض التركة .
فإذا اعترف الزوج بزوجية امرأته فصدّقته، أو اعترفت هي فصدّقها، قُضي بالزوجية ظاهراً وتوارثاً .
المطلب الثاني : المحرمات وزواج الكتابيات
المادة الثانية عشرة :
((يشترط لصحة الزواج أن تكون المرأة غير محرمة شرعاً على من يريد التزوج بها)).
نعم هذه المادة لا إشكال فيها، لانّ عقد الزواج لا يجوز إذا كانت المرأة محرمة على من يريد الزواج بها، سواء كانت الحرمة مؤبدة أو مؤقتة، ويمكن الزواج من المرأة المحرمة مؤقتةً بعد زوال العارض .
المادة الثالثة عشرة: ((أسباب التحريم قسمان مؤبدة ومؤقتة فالمؤبدة هي القرابة والمصاهرة والرضاع والمؤقتة الجمع بين زوجات يزدن على أربع وعدم الدين السماوي والتطليق ثلاثاً وتعلق حق الغير بنكاح أو عدة وزواج إحدى المحرمين مع قيام الزوجة بالأخرى)).
أي أنّ اسباب التحريم قسمان هما : المحرمات بالنسب (القرابة)، والمحرمات بالسبب، وما جاء في هذه المادة لا إشكال فيها .
قال تعالى: حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمۡ أُمَّهَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُمۡ وَعَمَّٰتُكُمۡ وَخَٰلَٰتُكُمۡ وَبَنَاتُ ٱلۡأَخِ وَبَنَاتُ ٱلۡأُخۡتِ وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ وَأُمَّهَٰتُ نِسَآئِكُمۡ وَرَبَٰٓئِبُكُمُ ٱلَّٰتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ ٱلَّٰتِي دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمۡ تَكُونُواْ دَخَلۡتُم بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ وَحَلَٰٓئِلُ أَبۡنَآئِكُمُ ٱلَّذِينَ مِنۡ أَصۡلَٰبِكُمۡ وَأَن تَجۡمَعُواْ بَيۡنَ ٱلۡأُخۡتَيۡنِ إِلَّا مَا قَدۡ سَلَفَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورٗا رَّحِيمٗا .
وقوله تعالى: وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ... .
المادة الرابعة عشرة:
-1 ((يحرم على الرجل أن يتزوج من النسب أمه وجدته وإن علت وبنته وبنت إبنه وبنت بنته وإن نزلت. وأخته وبنت أخته وبنت أخيه وإن نزلت وعمته وعمة أصوله وخالته وخالة أصوله)).
-2 ((ويحرم على المرأة التزوج بنظير ذلك من الرجال)).
الفقرة الأولى بيَّنت أنّ المحرمات بسبب النسب (القرابة) أصول الرجل من النساء، وما يحرم على الرجل من النساء يحرم في مقابله على المرأة من الرجال وهذا ما أشارت له الفقرة الثانية، وما جاء في هذه المادة لا إشكال فيها.
المادة الخامسة عشرة :
((يحرم على الرجل أن يتزوج بنت زوجته التي دخل بها وأم زوجته التي عقد عليها وزوجة أصله وإن علا وزوجة فرعه وإن نزل)).
هذه المادة بيَّنت المحرمات بسبب المصاهرة، فمن عقد على إمرأة وإنْ لم يدخل بها حرمت عليه بنتها ما دامت أمها في ذمته، فإنْ فارقها قبل الدخول بها جازَ له العقد على بنتها، أما زوجة الأب وإنْ علا وزوجة الابن وإنْ نزل وأم الزوجة فلا فرق بين المعقود عليها فقط أو المدخول بها، وهذه الفقرة لا إشكال فيه.
المادة السادسة عشرة:
((كل من تحرم بالقرابة والمصاهرة تحرم بالرضاع إلاّ فيما أستثني شرعاً)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
لقوله تعالى : وَأُمَّهَٰتُكُمُ ٱلَّٰتِيٓ أَرۡضَعۡنَكُمۡ وَأَخَوَٰتُكُم مِّنَ ٱلرَّضَٰعَةِ ... .
وقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)).
المادة السابعة عشرة:
((يصح للمسلم أن يتزوج كتابية، ولا يصح زواج المسلمة من غير المسلم)).
إنّ المشهور عند فقهاء الإمامية عدم جواز الزواج من الكتابية بالعقد الدائم، أما زواج المسلمة من الرجل الكتابي فلا يصح، وخالف المشهور الشيخ الفياض والسيد كاظم الحائري بجواز الزواج من الكتابية بالعقد الدائم .
وذهب جمهور الفقهاء إلى جواز زواج الرجل المسلم من الكتابية، وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية العراقي برأي جمهور الفقهاء .
المادة الثامنة عشرة:
((إسلام أحد الزوجين قبل الآخر تابع لأحكام الشريعة في بقاء الزوجية أو التفريق بين الزوجين).(
في هذه المادة أحال المشرّع العراقي القاضي إلى أحكام الشريعة الإسلامية :
ذكر الفقهاء إذا أسلم زوج الكتابية بقيا على نكاحهما الأول، وإذا اسلم زوج غير الكتابية كتابياً كان ام غيره فإن كان إسلامه قبل الدخول انفسخ العقد في الحال، وان كان بعده يفرّق بينهما وينتظر إلى انقضاء العدة فان أسلمت الزوجة قبل انقضائها بقيا على نكاحهما وإلاّ انفسخ، أما إذا أسلمت زوجة غير المسلم كتابية كانت أم غيرها فإنْ كان قبل الدخول انفسخ النكاح في الحال وإنْ كان بعده فالمشهور توقفه على انقضاء العدة فإنْ اسلم قبل انقضائها فهي امرأته وإلاّ انكشفت أنّها بانت منه حين إسلامها .
المطلب الثالث: الحقوق الزوجية وأحكامها
المقصد الأول: المهر
المادة التاسعة عشرة:
-1 ((تستحق الزوجة المهر المسمى بالعقد، فإن لم يسم أو نفي أصلاً فلها مهر المثل)).
-2 ((إذا سلم الخاطب إلى مخطوبته قبل العقد مالاً محسوباً على المهر ثم عدل أحد الطرفين عن إجراء العقد أو مات أحدهما فيمكن إسترداد ما سلم عيناً وإن أستهلك فبدلاً)).
-3 ((تسري على الهدايا أحكام الهبة)).
بيَّنت الفقرة الأولى أنّ المهر نوعان :
أ ـ المهر المسمى : وهو ما اتفق الزوجان على تسميته وتعيين مقداره في متن العقد.
ب ـ مهر المثل : ليس له مقدار معين، بل جعل الامر فيه موكولاً لأهل العرف يتحرونه من خلال ما له دخل في تقديره من حيث حسب المرأة ونسبها وحالتها الاجتماعية وغير ذلك .
فالمرأة تملك المهر بالعقد ويسقط نصفه بالطلاق قبل الدخول، فإنْ لم يسم صحّ العقد وكان لها مع الدخول مهر المثل سواء بقيت في زوجيته أم طلقها، ومع الطلاق قبل الدخول بها لها المتعة على الموسر وعلى الفقير بحسب قدرهما، ولو مات أحدهما قبل الدخول فلا مهر ولا متعة .
أما الفقرة الثانية فلا إشكال فيها .
أما الفقرة الثالثة، فقد ذكر فقهاء الإمامية والحنفية أنّه إذا كانت بين الخاطبين صلة قرابة، فهدية أحدهما للآخر ماضية لا تسترد لمن أهداها، أما إذا لم يكن بينهما صلة قرابة فيحق للواهب استردادها ما دامت العين موجودة لم يتصرف بها،أما إذا استهلكت لا ترد ببدل ما هلك .
أما فقهاء المالكية قالوا : إذا كان العدول من الخاطب فلا يجوز استرداد ما أهداه، وأما إذا كان العدول من قبل المخطوبة فيجب عليها رد الهدايا إلى الخاطب، وأما إذا كانت الهدايا تالفة أو هالكة فعليها رد بدل ما هلك .
أما فقهاء الشافعية قالوا : إذا عدل الخاطب عن الخطبة فيحق له استرداد هديته بعينها إنْ كانت قائمة وببدلها إذا كانت مستهلكة، وكذلك بالنسبة للمخطوبة .
أما مذهب الحنابلة فقالوا : لا يجوز لأي من الخاطبين استرداد هداياه سواء كانت قائمة أو مستهلكة، وسواء حصل العدول من الخاطب أو من المخطوبة .
وقد أخذ قانون الأحوال الشخصية العراقي برأي الإمامية والحنفية؛ لأنّ الهبة هي تمليك مال بلا عوض، لذا فمن حق الواهب استرداد الشيء الموهوب .
المادة العشرون:
-1 ((يجوز تعجيل المهر أو تأجيله كلاً أو بعضاً. وعند عدم النص على ذلك يتبع العرف)).
-2 ((يسقط الأجل المعين في العقد لإستحقاق المهر بالوفاة أو الطلاق)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الحادية والعشرون :
((تستحق الزوجة كل المهر المسمى بالدخول أو بموت أحد الزوجين وتستحق نصف المهر المسمى بالطلاق قبل الدخول.((
هذه المادة أيضا لا إشكال فيها.
المادة الثانية والعشرون:
((إذا وقعت الفرقة بعد الدخول في عقد غير صحيح. فإن كان المهر مسمى فيلزم أقل المهرين من المسمى والمثل وإن لم يسم فيلزم مهر المثل)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
وعند الصاحبين ( أبو يوسف ومحمد الشيباني ) الاقل من المسمى ومهر المثل.
المقصد الثاني :نفقة الزوجة
المادة الثالثة والعشرون:
-1 تجب النفقة للزوجة على الزوج من حين العقد الصحيح ولو كانت مقيمة في بيت أهلها إلا إذا طالبها الزوج بالإنتقال إلى بيته فإمتنعت بغير حق.
-2 يعتبر إمتناعها بحق مادام الزوج لم يدفع لها معجل مهرها أو لم ينفق عليها.
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الرابعة والعشرون :
-1 ((تعتبر نفقة الزوجية غير الناشز ديناً في ذمة زوجها عن مدة لا تزيد على سنة واحدة من وقت إمتناعه عن الإنفاق عليها)) .
قال الحنفية : لا تصير النفقة ديناً في ذمة الزوج إلاّ بالقضاء أو التراضي.
وقال جمهور الفقهاء: إنها تصير ديناً، فلا يسقط إلاّ بالأداء أو الإبراء كسائر الديون
-2 ((تشمل النفقة الطعام والكسوة والسكن ولوازمها وأجرة التطبيب بالقدر المعروف وخدمة الزوجة التي يكون لأمثالها معين)) .
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الخامسة والعشرون :
-1 ((لا نفقة للزوجة في الأحوال الآتية)):
أ- إذا تركت بيت زوجها بلا إذن، وبغير وجه شرعي.
ب- إذا حبست عن جريمة أو دين.
ج- إذا إمتنعت عن السفر مع زوجها بدون عذر شرعي.
-2 ((لا تلزم الزوجة بمطاوعة زوجها، ولا تعتبر ناشزاً إذا كان الزوج متعسفاً في طلب المطاوعة قاصداً الإضرار بها أو التضييق عليها، ويعتبر من قبيل التعسف والإضرار بوجه خاص ما يلي)):
أ- عدم تهيئة الزوج لزوجته بيتاً شرعياً يتناسب مع حالة الزوجين الإجتماعية والإقتصادية.
ب- إذا كان البيت الشرعي المهيأ بعيداً عن محل عمل الزوجة، بحيث يتعذر معه التوفيق بين إلتزاماتها البيتية والوظيفية.
ج- إذا كانت الأثاث المجهزة للبيت الشرعي لا تعود للزوج.
د- إذا كانت الزوجة مريضة بمرض يمنعها من مطاوعة الزوج.
-3 ((على المحكمة أن تتريث في إصدار الحكم بنشوز الزوجة حتى نقف على أسباب رفضها مطاوعة زوجها)).
-4 ((على المحكمة أن تقضي بنشوز الزوجة، بعد أن تستنفذ جميع مساعيها في إزالة الأسباب التي تحول دون المطاوعة)).
-5 ((يعتبر النشوز سبباً من أسباب التفريق، وذلك على الوجه الآتي)):
أ- للزوجة طلب التفريق، بعد مرور سنتين من تاريخ إكتساب حكم النشوز درجة البتات، وعلى المحكمة أن تقضي بالتفريق وفي هذه الحالة يسقط المهر المؤجل، فإذا كانت الزوجة قد قبضت جميع المهر، ألزمت برد نصف ما قبضته.
ب- للزوج طلب التفريق، بعد إكتساب حكم النشوز درجة البتات، وعلى المحكمة أن تقضي بالتفريق وتلزم الزوجة برد ما قبضته من مهرها المعجل، ويسقط مهرها المؤجل، إذا كان التفريق بعد الدخول، فيسقط المهر المؤجل، وتلزم الزوجة برد نصف ما قبضته، إذا كانت قد قبضت جميع المهر.
-6 ((يعتبر التفريق، وفق الفقرة (5) من هذه المادة، طلاقاً بائناً بينونة صغرى)).
يمكن القول أن فقرات المادة الخامسة والعشرون لا إشكال فيها، إلاّ أنّ النشوز يقضي به الحاكم الشرعي.
المادة السادسة والعشرون :
-1 ((ليس للزوج أن يسكن مع زوجته بغير رضاها ضرتها في دار واحدة.((
))-2 للزوج أن يسكن مع زوجته في دار الزوجية ولده من غيرها حتى سن البلوغ)).
-3 ((على الزوج إسكان أبويه أو أحدهما مع زوجته في دار الزوجية، وليس للزوجة الإعتراض على ذلك)).
))-4 للزوج أن يسكن مع زوجته في دار واحدة من يكون مسؤولاً عن إعالتهم شرعاً، بشرط أن لا يلحقها ضرر من ذلك)).
من حق الزوجة أنْ يكون البيت لها سكناً ملائماً لائقاً بحالها عند قدرة الزوج عليه، وليس له أنْ يسكن معها أحداً من ضرة أو غيرها إلاّ برضاها .
المادة السابعة والعشرون:
((تقدر النفقة للزوجة على زوجها بحسب حالتيهما يسراً وعسراً)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثامنة والعشرون :
-1 ((تجوز زيادة النفقة ونقصها بتبدل حالة الزوجين المالية وأسعار البلد)).
-2 ((تقبل دعوى الزيادة أو النقص في النفقة المفروضة عند حدوث طوارئ تقتضي ذلك)).
يجوز تعديل نفقة الزوجة بزيادتها أو نقصانها تبعاً لتبدل حال الزوج وحده يسراً وعسراً، وكذلك لتغير الأسعار .
المادة التاسعة والعشرون :
((إذا ترك الزوج زوجته بلا نفقة وأختفى أو تغيب أو فقد حكم القاضي لها بالنفقة من تاريخ إقامة الدعوى بعد إقامة البينة على الزوجية وتحليف الزوجة بأن الزوج لم يترك لها نفقة وإنها ليست ناشزاً ولا مطلقة إنقضت عدتها. ويأذن لها القاضي بالإستدانة باسم الزوج لدى الحاجة.((
المادة الثلاثون:
((إذا كانت الزوجة معسرة ومأذونة بالإستدانة حسب المادة السابقة فإن وجد من تلزمه نفقتها لو كانت ليست بذات زوج فيلزم بإقراضها عند الطلب والمقدرة وله حق الرجوع على الزوج فقط. وإذا استدانت من أجنبي فالدائن بالخيار في مطالبة الزوجة أو الزوج وإن لم يوجد من يقرضها وكانت غير قادرة على عمل إلتزمت الدولة بالإنفاق عليها)).
المادتان أعلاه لا إشكال فيهما .
المادة الحادية والثلاثون :
))-1 للقاضي أثناء النظر في دعوى النفقة أن يقرر تقدير نفقة مؤقتة للزوجة على زوجها ويكون هذا القرار قابلاً للتنفيذ)).
-2 ((يكون القرار المذكور تابعاً لنتيجة الحكم الأصلي من حيث إحتسابه أو رده)).
فإذا حُكِمَ للزوجة بالنفقة احتسب المبلغ الذي تسلّمته من المبلغ الكلي الذي حكم لها به، وإنْ ردّت دعواها فما قبضته على سبيل النفقة المؤقتة يكون ديْن للزوج في ذمتها .
المادة الثانية والثلاثون:
((لا يسقط المقدار المتراكم من النفقة بالطلاق أو بوفاة أحد الزوجين)).
نعم هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثالثة والثلاثون :
((لا طاعة للزوج على زوجته في كل أمر مخالف لأحكام الشريعة وللقاضي أن يحكم لها النفقة).(
هذه المادة لا إشكال فيها، لانّه :
( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ).
المطلب الرابع : إنحلال عقد الزواج
المقصد الأول : الطلاق
المادة الرابعة والثلاثون :
أولاً: الطلاق رفع قيد الزواج بإيقاع من الزوج أو من الزوجة وإن وكلت به أو فوضت أو من القاضي. ولا يقع الطلاق إلا بالصيغة المخصصة له شرعاً.
ثانياً : لا يعتد بالوكالة في إجراءات البحث الإجتماعي والتحكيم وفي إيقاع الطلاق.
الفقرة الأولى: ذكر فقهاء الإمامية: أنّه لا يقع الطلاق إلاّ بالصيغة المخصصة، وهي: أنت طالق أو فلانة طالق، ولو خيَّر زوجته وقصد تفويض الطلاق اليها، فاختارت نفسها بقصد الطلاق، لا يتحقق الطلاق، ولو قال الزوج لزوجته: أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق أنت طالق أنت طالق، تقع طلقة واحدة مع تحقق الشروط .
وقد أشترط الإمامية لصحة الطلاق شروط هي :
1ـ حضور شاهدين عدلين ذكرين يسمعان الصيغة ويعتبر اجتماعهما عند الإنشاء، وأنْ يكونا غير الزوج والزوجة وغير الوكيل .
2ـ ألاَّ يقع الطلاق في طهر المواقعة أو الحيض أو النفاس، فلو طلقت وهي في الحيض أو النفاس أو في طهر المواقعة فسد الطلاق .
واستدل الإمامية على وجوب الإشهاد على الطلاق، قوله تعالى :
يَٰٓأَيُّهَاٱلنَّبِيُّ إِذَا طَلَّقۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحۡصُواْ ٱلۡعِدَّةَۖ وَٱتَّقُواْٱللَّهَ رَبَّكُمۡۖ لَا تُخۡرِجُوهُنَّ مِنۢ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخۡرُجۡنَ إِلَّآ أَن يَأۡتِينَ بِفَٰحِشَةٖ مُّبَيِّنَةٖۚ وَتِلۡكَ حُدُودُٱللَّهِۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَقَدۡ ظَلَمَ نَفۡسَهُۥۚ لَا تَدۡرِي لَعَلَّ ٱللَّهَ يُحۡدِثُ بَعۡدَ ذَٰلِكَ أَمۡرٗا١ فَإِذَا بَلَغۡنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمۡسِكُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ فَارِقُوهُنَّ بِمَعۡرُوفٖ وَأَشۡهِدُواْ ذَوَيۡ عَدۡلٖ مِّنكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلشَّهَٰدَةَ لِلَّهِۚ .
أما المذاهب الإسلامية الأخرى لم تشترط الإشهاد لصحة الطلاق، وأجازوا الطلاق بكل ما دلّ عليه لفظاً وكنايةً، مثل : أنت عليَّ حرام، واذهبي فتزوجي وحبلك على غاربك وما شاكل ذلك، وأجازوا الطلاق بتفويضه إلى المرأة، كما أجازوا وقوع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد .
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ محمد أبو زهرة ذكر بخصوص الآية أعلاه : ( إنّ الأمر بالشهادة جاء بعد ذكر إنشاء الطلاق وجواز الرجعة، فكان المناسب أنْ يكون راجعاً اليه، وإنّ تعليل الإشهاد بأنه يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، يرشح ذلك ويقويه؛ لأنَّ حضور الشهود العدول لا يخلو من موعظة حسنة يزجونها إلى الزوجين، وإنّه لو كان لنا أنْ نختار للمعمول به في مصر لاخترنا هذا الرأي، فيشترط لوقوع الطلاق حضور شاهدين عدلين) .
وذكر فقهاء الإمامية أنَّ النهي عن طلاق الزوجة البالغة المدخول بها، غير الحامل الحائض، أو في طهر واقعها فيه، هو نهيٌ للفساد لا للتحريم، أي أنّ طلاقه لا يتحقق ويعد فاسداً، ولا يعد تلفظه بالطلاق محرماً.
بينما ذكر فقهاء السنة أنّ النهي للتحريم لا للفساد، فمن أوقع الطلاق بدون تحقق الشروط أعلاه يأثم ويعاقب، ولكن طلاقه يقع صحيحاً.
أما الفقرة الثانية فهي مخالفة للشريعة الإسلامية، لأنّه يمكن للزوج أنْ يوكل زوجته أو شخصاً آخر في طلاقها، فيجوز للزوجة أنْ تشترط في عقد النكاح أنْ يوكلها زوجها في طلاق نفسها أما مطلقاً أو لاسباب تعينها، بل يجوز ضم التوكيل لعقد النكاح مشروطاً بعدم العزل كأن تقول الزوجة في صيغة العقد : زوجتك نفسي وجعلت نفسي وكيلة عنك في طلاقي منك على أنْ لا تعزلني، فيقول : قبلت .
المادة الخامسة والثلاثون :
لا يقع طلاق الأشخاص الآتي بيانهم:
))-1 السكران والمجنون والمعتوه والمكره ومن كان فاقد التمييز من غضب أو مصيبة مفاجئة أو كبر أو مرض)).
وأضاف فقهاء الإمامية طلاق الهازل فطلاقه باطل؛ لأنّه لم يقصد إيقاع الطلاق، خلافاً لفقهاء الجمهور فقالوا بوقوع طلاق الهازل، واستدلوا برواية : ( ثلاثة جدّهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) .
-2 ((المريض في مرض الموت أو في حالة يغلب في مثلها الهلاك إذ مات في ذلك المرض أو تلك الحالة وترثه زوجته)).
هذه الفقرة مخالفة إلى ما ذهب اليه فقهاء المسلمين بمذاهبهم كافة إلى أنّ طلاق المريض مرض الموت يقع، ولكنهم اختلفوا في ميراث المطلقة في مرض الموت، فقهاء الإمامية قالوا ترث بشروط :
أـ إذا مات الزوج قبل إنتهاء سنة كاملة على الطلاق .
ب ـ لم يبرأ من مرضه الذي طلق فيه .
ج ـ لم يكن الطلاق بسؤالها .
د ـ لم تتزوج بغيره أثناء السنة .
فلو مات بعد انتهاء السنة ولو بلحظة أو برءَ من مرضه فمات أو كان الطلاق بسؤالها أو كان الطلاق خلعاً أو مباراة أو كانت قد تزوجت بغيره بعد الطلاق لم ترثه، ولو تزوجت به ورثته وإنْ لم يدخل بها .
المادة السادسة والثلاثون :
((لا يقع الطلاق غير المنجز أو المشروط أو المستعمل بصيغة اليمين).(
وهذا موافق لرأي الإمامية، خلافاً للمذاهب الاخرى .
المادة السابعة والثلاثون :
-1 ((يملك الزوج على زوجته ثلاث طلقات)).
))-2 الطلاق المقترن بعدد لفظاً أو إشارة لا يقع إلا واحدة)).
-3 ((المطلقة ثلاثاً متفرقات تبين من زوجها بينونة كبرى)).
أجازت المذاهب الاربعة وقوع الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد .
وقال الإمامية: لو قال أنت طالق ثلاثاً، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، تقع طلقة واحدة مع تحقق الشروط، وهذا ما أخذ به المشرع العراقي في المادة أعلاه.
المادة الثامنة والثلاثون :
-1 رجعي: وهو ما جاز للزوج مراجعة زوجته أثناء عدتها منه دون عقد وتثبت المراجعة بما يثبت به الطلاق.
-2 بائن: وهو قسمان:
أ- بينونة صغرى - وهي ما جاز فيه للزوج التزوج بمطلقته بعقد جديد.
ب- بينونة كبرى - وهي ما حرم فيه على الزوج التزوج من مطلقته التي طلقها ثلاثاً متفرقات ومضت عدتها.
هناك إشكال على البند (ب) حول تعريف البينونة الكبرى في عبارة (ومضت عدتها)، لأنّ الزوج بمجرد طلاقه الثالث تنحل الرابطة الزوجية في الحال فعندئذٍ لا يجوز للزوج الرجوع لزوجته خلال عدتها أو العقد عليها بعد إنتهاء عدتها إلاّ أنْ تنكح زوجاً غيره بعقد صحيح ودخل بها حقيقةً ثم طلقها أو مات وانقضت عدتها، لذا فعباراة ( ومضت عدتها ) ليس لها مسوغ فقهي .
المادة التاسعة والثلاثون:
-1 ((على من أراد الطلاق أن يقيم الدعوى في المحكمة الشرعية يطلب إيقاعه وإستحصال حكم به، فإذا تعذر عليه مراجعة المحكمة وجب عليه تسجيل الطلاق في المحكمة خلال مدة العدة)).
لإيقاع الطلاق يجب توفر شروط الطلاق الشرعية .
-2 ((تبقى حجة الزواج معتبرة إلى حين إبطالها من المحكمة)).
إذا تحققت شروط الطلاق الشرعية تبطل حجة الزواج .
))-3 إذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة أن الزوج متعسف في طلاقها وإن الزوجة أصابها ضرر من جراء ذلك، تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها بتعويض يتناسب وحالته المادية ودرجة تعسفه، يقدر جملة، على أن لا يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الأخرى)).
إذا طلق الزوج زوجته تعسفاً أو غير متعسف، فللزوجة تمام المهر .
المقصد الثاني : التفريق القضائي
المادة الأربعون :
((لكل من الزوجين، طلب التفريق عند توافر أحد الأسباب الآتية)):
-1 إذا أضر أحد الزوجين بالزوج الآخر أو بأولادهما ضرراً يتعذر معه استمرار الحياة الزوجية، ويعتبر من قبيل الأضرار الإدمان على تناول المسكرات أو المخدرات، على أن تثبت حالة الإدمان بتقرير من لجنة طبية رسمية مختصة، ويعتبر من قبيل الأضرار كذلك، ممارسة القمار ببيت الزوجية.
-2 إذا ارتكب الزوج الآخر الخيانة الزوجية، ويكون من قبيل الخيانة الزوجية، ممارسة الزوج اللواط بأي وجه من الوجوه.
-3 إذا كان عقد الزواج، قد تم قبل إكمال أحد الزوجين الثامنة عشرة، دون موافقة القاضي.
-4 إذا كان الزواج، قد جرى خارج المحكمة عن طريق الإكراه، وتم الدخول.
-5 إذا تزوج الزوج بزوجة ثانية بدون إذن من المحكمة ففي هذه الحالة لا يحق للزوجة تحريك الدعوى الجزائية، بموجب الفقرة(1) من البند) أ)من المادة الثالثة من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 1971 ، بدلالة الفقرة (6) من المادة الثالثة من هذا القانون.
اختلف الفقهاء في جواز التفريق للضرر :
فقال فقهاء الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة، أنّ الزوجة ليس لها الحق في أنْ تطلب التفريق للضرر، لأنّ رفع أذى الزوج عنها يمكن ازالته بتقديم شكوى للقاضي يأمره بمعاشرتها بالمعروف، لقوله تعالى: وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ .
وذهب المالكية واحمد بن حنبل في رواية له، الى أنّ للزوجة الحق في طلب التفريق إذا أساء الزوج اليها. وهذ ما أخذ به قانون الأحوال الشخصية العراقي .
المادة الحادية والأربعون :
-1 لكل من الزوجين طلب التفريق عند قيام خلاف بينهما، سواء أكان ذلك قبل الدخول أم بعده.
-2 على المحكمة إجراء التحقيق في أسباب الخلاف، فإذا ثبت لها وجوده تعين حكماً من أهل الزوجة، وحكماً من أهل الزوج -إن وجدا - للنظر في إصلاح ذات البين، فإن تعذر وجودهما كلفت المحكمة الزوجين بإنتخاب حكمين، فإن لم يتفقا إنتخبتهما المحكمة.
-3 على الحكمين أن يجتهدا في الإصلاح، فإن تعذر عليهما ذلك، رفعا الأمر إلى المحكمة موضحين لها الطرف الذي ثبت تقصيره، فإن إختلفا ضمت لهما المحكمة حكماً ثالثاً.
-4 أ- إذا ثبت للمحكمة إستمرار الخلاف بين الزوجين وعجزت عن الإصلاح بينهما وإمتنع الزوج عن التطبيق، فرقت المحكمة بينهما.
ب- إذا تم التفريق بعد الدخول، يسقط المهر المؤجل، إذا كان التقصير من جانب الزوجة سواء كانت مدعية أم مدعى عليها، فإذا كانت قد قبضت جميع المهر، تلزم برد ما لا يزيد على نصفه، أما إذا ثبت أن التقصير واقع من الطرفين، فيقسم المهر المؤجل بينهما بنسبة التقصير المنسوب لكل منهما.
ج- إذا تم التفريق قبل الدخول وثبت التقصير من جانب الزوجة، تلزم برد ما قبضته من مهر معجل.
حينما يتقدم أحد الزوجين طالباً التفريق بسبب الخلافات، يتعين على القاضي أنْ يتحقق من اسباب الخلاف ويحاول إصلاحه قدر الإمكان، وإلاّ يطلب تعيين حكماً من أهل الزوجة وحكماً من أهل الزوج، فإن تعذّر وجودهما فتكلف المحكمة الزوجين بانتخاب حكمين من اقاربهما أو من غير الأهل، فإنّ لم ينتخبا، فإنّ المحكمة تتولى انتخاب الحكمين، ليقوما ببذل الجهد في اصلاحهما وتسوية الخلاف، فإنْ اختلفا عيّن القاضي حكماً ثالثاً .
قال تعالى : وَإِنۡ خِفۡتُمۡ شِقَاقَ بَيۡنِهِمَا فَٱبۡعَثُواْ حَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهِۦ وَحَكَمٗا مِّنۡ أَهۡلِهَآ إِن يُرِيدَآ إِصۡلَٰحٗا يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيۡنَهُمَآۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرٗا .
فإنْ استمرّ الخلاف والشقاق بين الزوجين، فإنْ تبيّن أنّ الضرر من قبل الزوج وامتنع عن تطليق زوجته حكمت المحكمة بالتفريق بينهما وللمرأة نصف صداقها إنْ كان التفريق حاصلا قبل الدخول، وكله إنّ كان التفريق بعد الدخول، وإنْ كانت الإساءة من جانب الزوجة وحدها فللزوج الحق في المطالبة بتعويض تدفعه الزوجة له ويخالعها عليه إنْ أراد ولو كان أكثر من المهر الذي دفعه لها ما دامت هي التي تشاكس .
المادة الثانية والأربعون:
((إذا ردت دعوى التفريق لأحد الأسباب المذكورة في المادة الأربعين من هذا القانون لعدم ثبوته واكتسب قرار الرد درجة البتات، ثم أقيمت دعوى ثانية بالتفريق لنفس السبب، فعلى المحكمة أن تلجأ إلى التحكيم، وفقاً لما ورد في المادة الحادية والأربعين)).
إنّ من حق أحد الزوجين إقامة دعوى ثانية بالتفريق للضرر بعد رد دعوى التفريق المقامة وفقاً للمادة (40)، فهنا يتعيّن على القاضي القيام بإجراءات التحكيم وفق المادة (41)، فتكرار إقامة الدعوى للسبب نفسه يؤكد وجود الخلاف والشقاق الذي يهدد استمرار الحياة الزوجية، فإذا ما قال الحكمان أنّ الخلافات مستمرة بين الطرفين ولا يمكن حلها، عندئذٍ سوف يفرّق القاضي بينهما، لذلك ستكون الدعوى الأولى شكلية والغاية هي الدعوى الثانية، وصولاً الى التفريق بين الزوجين .
المادة الثالثة والأربعون:
أولاً: للزوجة طلب التفريق، عند توفر أحد الأسباب الآتية:
))-1 إذا حكم على زوجها بعقوبة مقيدة للحرية مدة ثلاث سنوات فأكثر، ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه)).
اختلف الفقهاء في حق الزوجة لطلب التفريق بسبب حبس الزوج (عقوبة مقيدة للحرية)، فالقانون أخذ بمدة ثلاث سنوات فأكثر إستناداً على مذهب المالكية، الذي يجيز للزوجة طلب التفريق لغيبة الزوج سنة فأكثر سواء أكانت الغيبة بعذرٍ ـ كالمحبوس ـ أم بغير عذرٍ كمجهول الإقامة، ووافقهم الشافعية، وقال الحنابلة أدنى مدة للتفريق هي ستة أشهر، فقالوا: لا يجوز التفريق إلاّ إذا كانت الغيبة لعذرٍ، أما الحنفية فقالوا: عدم الإنفاق، والغيبة، والحبس الموبد، وما الى ذلك لا يسوغ طلاق المرأة من زوجها بدون رضاه؛ لأنّ ((الطلاق لمن أخَذَ بالساق)).
الإمامية : لا يجعلون للزوجة حق طلب التفريق لهذا السبب، ما عدا زوجة المفقود متى تحققت الشروط ، في حين ذهب بعض الإمامية الى جواز التفريق إذا خيف الفتنة ولم تستطيع الزوجة الصبر .
))-2 إذا هجر الزوج زوجته مدة سنتين فأكثر بلا عذر مشروع، وإن كان الزوج معروف الإقامة، وله مال تستطيع الإنفاق منه)).
إلاّ إذا كان الزوج قد هجر زوجته دون عذر مشروع، فحينئذٍ ترفع أمرها للحاكم الشرعي، أما إذا كان الهجر لعجز أو سفر أو نحوهما فلا يجوز لها طلب التفريق .
وقال الحنفية : لا يملك القاضي الطلاق مهما كانت الاسباب، لانّ الطلاق لمن أخذ بالساق.
))-3 إذا لم يطلب الزوج زوجته غير المدخول بها للزفاف خلال سنتين من تاريخ العقد، ولا يعتد بطلب الزوج زفاف زوجته، إذا لم يكن قد أوفى بحقوقها الزوجية)).
))-4 إذا وجدت زوجها عنيناً أو مبتلى بما لا يستطيع معه القيام بالواجبات الزوجية، سواء كان ذلك لأسباب عضوية أو نفسية، أو إذا أصيب بذلك بعد الدخول بها وثبت عدم إمكان شفائه منها بتقرير صادر عن لجنة طبية رسمية مختصة، على أنه إذا وجدت المحكمة أن سبب ذلك نفسي، فتؤجل التفريق لمدة سنة واحدة، شريطة أن تمكن زوجها من نفسها خلالها)).
ذهب فقهاء الإمامية والمالكية والحنفية والشافعية والحنابلة الى جواز التفريق بين الزوجين بسبب عيوب خاصة، إلاّ أنهم اختلفوا في العيوب الموجودة في الزوجين :
فالاحناف لا يجوزون التفريق بين الزوجين إلاّ بعيوب خاصة توجد في الرجل دون المرأة، وقد اختلفوا فيما بينهم في عدد هذه العيوب .
أما الإمامية والمالكية والشافعية والحنابلة فقالوا : يجوز التفريق بين الزوجين بسبب العيوب التي توجد في الرجل والمرأة، وهذا الحق ثابت لكل من الزوجين إذا وجد بالآخر أحد هذه العيوب .
في الفقرة (4) أعلاه نلاحظ أنّ القانون ساوى بين العنن قبل الدخول والعنن الحاصل بعد الدخول، إلاّ أنّ فقهاء الإمامية قالوا : إنّ العنن لو تجدد بعد العقد والوطء ـ ولو مرة ـ لم يوجب الخيار، أما إذا تجدد بعد العقد وقبل الوطء فلها الحق في الخيار، على أنْ ترفع الزوجة أمرها إلى الحاكم الشرعي ليمهله سنة من يوم رفع الامر اليه، فإنْ وطأها أو وطأ غيرها فلا فسخ وإلاّ فسخت إنْ شاءت ولها نصف المهر مع الفسخ .
-5 ((إذا كان الزوج عقيماً، أو ابتلي بالعقم، بعد الزواج ولم يكن لها ولد منه على قيد الحياة)).
))-6 إذا وجدت بعد العقد، أن زوجها مبتلى بعلة لا يمكن معها معاشرته بلا ضرر، كالجذام أو البرص أو السل أو الزهري أو الجنون، أو أنه قد أصيب بعد ذلك بعلة من هذه العلل أو ما يماثلها، على أنه إذا وجدت المحكمة بعد الكشف الطبي، أن العلة يؤمل زوالها، فتؤجل التفريق حتى زوال تلك العلة، وللزوجة أن تمتنع عن الإجتماع بالزوج طيلة مدة التأجيل، أما إذا وجدت المحكمة، ان العلة لا يؤمل زوالها خلال مدة مناسبة وإمتنع الزوج عن الطلاق وأصرت الزوجة على طلبها، فيحكم القاضي بالتفريق)).
ذكر أغلب الفقهاء بأنَّ العقم ليس من العيوب التي تؤدي إلى فسخ العقد، حيث ذكر الإمامية أنّ العيوب التي توجب الخيار للزوجة في فسخ عقد الزواج أربعة هي: الجنون والعنن والخصاء والجب، واضاف الاحناف اليها : الجذام والبرص، عدا الجنون، وذكر آخرون : كل عيب بأحد الزوجين ينفر منه الآخر .
))-7 إذا إمتنع الزوج عن الإنفاق عليها دون عذر مشروع، بعد إمهاله مدة أقصاها ستون يوماً)).
لفقهاء المذاهب الإسلامية رأيان :
الرأي الأول : مذهب الحنفية الى عدم جواز طلب التفريق لعدم الإنفاق؛ لأنّ الزوج إما معسراً أو موسراً، فإنْ كان معسراً في ظلمه منه بعدم الإنفاق، والله تعالى يقول : لِيُنفِقۡ ذُو سَعَةٖ مِّن سَعَتِهِۦۖ وَمَن قُدِرَ عَلَيۡهِ رِزۡقُهُۥ فَلۡيُنفِقۡ مِمَّآ ءَاتَىٰهُ ٱللَّهُۚ لَا يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا مَآ ءَاتَىٰهَاۚ سَيَجۡعَلُ ٱللَّهُ بَعۡدَ عُسۡرٖ يُسۡرٗا .
وإذا لم يكن ظالماً فلا نظلمه بإيقاع الطلاق عليه، وإنْ كان موسراً فهو ظالم بعدم الإنفاق، ولكن دفع ظلمه لا يتعيّن بالتفريق، بل بوسائل أخرى كبيع ماله جبراً عنه للإنفاق على زوجته.
الرأي الثاني : قال فقهاء الإمامية: إذا امتنع القادر على النفقة عن الإنفاق جاز للزوجة أنْ ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيلزمه بأحد الأمرين من الإنفاق أو الطلاق، فإنْ امتنع عنهما ولم يمكن الإنفاق عليها من ماله جاز للحاكم أنْ يطلقها بطلب منها، ولا فرق بين الحاضر والغائب، لقوله تعالى: فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ .
فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة قالوا بجواز التفريق لعدم الإنفاق، قال تعالى : وَلَا تُمۡسِكُوهُنَّ ضِرَارٗا لِّتَعۡتَدُواْۚ .
فإمساك المرأة بدون إنفاق عليها اضرار بها .
أما إذا كان الزوج معسراً وطلبت الزوجة التفريق : فقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة أنّ الزوجة لها أنْ ترفع أمرها الى القاضي فيأمر زوجها بالإنفاق أو الطلاق .
-8 ((إذا تعذر تحصيل النفقة من الزوج بسبب تغيبه أو فقده أو إختفائه أو الحكم عليه بالحبس مدة تزيد على سنة)).
مذهب الحنفية والشافعي : عدم جواز التفريق بين الزوجين بسبب غياب الزوج مهما طالت مدة الغياب، وسواء أكانت بعذرٍ أم بغير عذرٍ .
وذهب المالكية : الى جواز التفريق للغيبة مطلقاً سواء أكانت بعذر أم بغير عذر، وحد الغيبة عندهم سنة فأكثر.
أما الحنابلة : يجوزون التفريق للغيبة إذا كانت بدون عذرٍ مقبول، وحد الغيبة عندهم ستة أشهر .
الإمامية : يجوزون التفريق فيما إذا غاب الزوج ولم يكن له مال ولا متبرع بالإنفاق عنه، فإنْ عرف مكانه ارسل اليه الحاكم إنذاراً للحضور وإعطاء النفقة أو يطلقها مختاراً، فإن رفض ذلك كله، طلّقها الحاكم، وإن جهل مكانه ولم يعلم موته ولا حياته ورفعت الزوجة أمرها الى الحاكم، يؤجّلها أربع سنوات، يتفحص عن الزوج، فإنْ لم يظهر له على أثر، أمرَ الحاكم ولي الزوج بطلاقها، فإنْ امتنع عن الطلاق أو لم يكن له ولي، طلّقها الحاكم .
))-9 إذا إمتنع الزوج عن تسديد النفقة المتراكمة المحكوم بها، بعد إمهاله مدة أقصاها ستون يوماً من قبل دائرة التنفيذ)).
يشترط في وجوب الإنفاق قدرة المنفق على الإنفاق، وإذا لم يتمكن من دفعها جاز للزوجة أنْ تنفق على نفسها من مالها بقصد الرجوع على زوجها فتبقى بذمته إلى وقت قدرته المالية، وإذا تعذّر على الزوج أو تعنّت في الإنفاق عليها أُلزم بطلاقها إذا طلبت منه ذلك، وهذا هو مذهب الإمامية والحنفية فإنهم لا يعطون الحق للزوجة في طلب التفريق لعدم الإنفاق وإنما لها الحق أنْ تقاضيه في النفقة.
قال الإمامية والشافعية والحنابلة : تثبت نفقة الزوجة ديناً في ذمة الزوج متى تحقّقت الشروط ومهما طال الزمن، سواء أكان موسراً أم معسراً، حكم بها القاضي أم لم يحكم .
وقال المالكية: اذا طالبت الزوجة بالنفقة الماضية وكان الزوج موسراً فلها، وأما إذا كان معسراً فليس لها الرجوع عليه، لأن العسر عندهم يسقط النفقة.
وقال الحنفية : لا يطالب الزوج بالنفقة الماضية، إلاّ إذا كانت دون شهر، أو كان القاضي قد حكم بها، فإنّ النفقة المحكوم بها تبقى ديناً في ذمة زوجها .
ثانياً : ((للزوجة الحق في طلب التفريق قبل الدخول، وفي هذه الحالة على المحكمة أن تقضي بالتفريق، بعد أن ترد الزوجة إلى الزوج ما قبضته من مهر وجميع ما تكبده من أموال ونفقات ثابتة صرفها لأغراض الزواج.((
ليس للزوجة الحق في طلب التفريق قبل الدخول، فإنْ طلقها الزوج فلها نصف المهر .
ثالثاً:
أ))- للزوجة العراقية طلب التفريق عن زوجها المقيم خارج القطر بسبب تبعية جنسيته لدولة أجنبية إذا مضى على إقامته في الخارج مدة لا تقل عن ثلاث سنوات بسبب منعه أو إمتناعه عن دخول القطر)).
ب))- يعتبر تأييد الجهة الرسمية المختصة بإقامة الزوج في الخارج لأغراض هذه الفقرة بديلاً عن إجراءات تبليغه بلائحة الدعوى وموعد المرافعة، على أن يتم نشر الحكم الصادر على الزوج في إحدى الصحف المحلية.((
غيبة الزوج بسبب منعه أو امتناعه عن دخول العراق، هو من حالات الضرر التي يلحق بالزوجة، وقد تناولت آراء الفقهاء حول غيبة الزوجة سابقاً، ص161 .
رابعاً:
-1 ((لزوجة المفقود الثابت فقدانه بصورة رسمية أن تطلب من المحكمة التفريق عن زوجها بعد مرور أربع سنوات على فقدانه، وعلى المحكمة أن تتثبت من إستمرار الفقدان بالطريقة نفسها التي ثبت بها فقدانه ثم تصدر حكمها بالتفريق)).
))-2 تعتد زوجة المفقود بعد الحكم بالتفريق أربعة أشهر وعشرة أيام)).
ذكرنا سابقاً آراء الفقهاء حول طلب الزوجة التفريق عن زوجها لغيبته، وقد ذكر فقهاء الإمامية أنّ ذلك الزوج الغائب اما :
أ ـ تعلم حياته، ففي هذه الحالة تصبر زوجته، ولا يحق لها طلب التفريق .
ب ـ جهل خبره، ولكن ينفق على الزوجة وليه من مال الغائب أو من ماله الخاص، ففي هذه الحالة تصبر أيضاً .
ج ـ جهل خبره، ولم يكن للغائب مالاً ولم ينفق الولي عليها من نفسه، فإنْ صبرت الزوجة على ذلك فهو وإنْ لم تصبر فالمشهور أنّها ترفع أمرها إلى الحاكم الشرعي فيؤجلها أربع سنين، ثم يفحص عنه في الجهات التي فقد فيها فإنْ علم حياته صبرت وإنْ علم موته اعتدّت عدة الوفاة، وإنْ جهل حاله وانقضت الأربع سنين أمر الحاكم وليه أنْ يطلقها فإنْ امتنع أو لم يكن له ولي طلقها الحاكم الشرعي، ثم تعتد عدة الوفاة (أربعة أشهر وعشرة أيام) .
المادة الرابعة والأربعون :
((يجوز إثبات أسباب التفريق بكافة وسائل الإثبات بما في ذلك الشهادات الواردة على السماع، إذا كانت متواترة، ويعود تقديرها إلى المحكمة، وذلك بإستثناء الحالات التي حدد القانون وسائل معينة لإثباتها)).
اشترطت المادة بالشهادة السماعية أنْ تكون متواترة أي صدورها من جماعة يستحيل تواطئهم على الكذب، باستثناء الحالات التي حدّد القانون وسائل معينة لإثباتها، ومن هذه الحالات :
أولاً : الإدمان على تناول المسكرات والمخدرات، فقد حدّد القانون إثبات ذلك بتقرير من لجنة طبية متخصصة .
ثانياً : إبتلاء الزوج بالعنة أو اصابته بأي مرض يمنعه القيام بالواجبات الزوجية مع عدم إمكانية شفائه بتقرير من لجنة طبية متخصصة .
المادة الخامسة والأربعون:
((يعتبر التفريق في الحالات الواردة في المواد) الأربعين، والحادية والأربعين، والثانية والأربعين، والثالثة والأربعين)، طلاقاً بائناً بينونة صغرى)).
تناولت آراء الفقهاء حول المواد أعلاه .
المقصد الثالث : التفريق الإختياري (الخلع)
المادة السادسة والأربعون :
-1 ((الخلع إزالة قيد الزواج بلفظ الخلع أو ما في معناه وينعقد بإيجاب وقبول أمام القاضي مع مراعاة أحكام المادة التاسعة والثلاثين من هذا القانون)).
أخذ المشرّع العراقي مسألة صيغة الخلع (إزالة قيد الزواج) برأي جمهور الفقهاء، حيث أجازوا أنْ ترد صيغة الخلع باللفظ الصريح، كالخلع والفسخ أو أي لفظ يدل على المعنى، بينما ذهب الإمامية أنْ تكون صيغة الخلع باللفظ الصريح وهو لفظ الخلع أو الطلاق أو كلاهما .
-2 ((يشترط لصحة الخلع أن يكون الزوج أهلاً لإيقاع الطلاق وأن تكون الزوجة محلاً له ويقع بالخلع طلاق بائن)).
الإمامية: قالوا يشترط لصحة الخلع ما يشترط في الطلاق من أمور معتبرة في المطلق والمطلقة وصيغة الطلاق بالإضافة إلى شرط الإشهاد .
فقهاء الجمهور: يصح الخلع على أية حال تكون عليها المختلعة تماماً كالمطلقة.
))-3 للزوج أن يخالع زوجته على عوض أكثر أو أقل من مهرها)).
وهذه الفقرة لا إشكال فيها .
تعقيب : للحد أو التقليل من ظاهرة الطلاق أقترح ما يأتي :
أولاً: إنشاء مكتب في كل محافظة بإسم مكتب الصلح، وظيفته معالجة المشاكل واسباب طلب الطلاق .
ثانياً : فكما تستنفر الدولة امكانياتها لمواجهة أي وباء، كذلك ينبغي لها أن تستنفر كل المؤسسات لحماية المجتمع من مخاطر الطلاق وتفكيك الأسرة عبر القنوات السمعية والمرئية .
المطلب الخامس : العدة
المادة السابعة والأربعون :
تجب العدة على الزوجة في الحالتين الآتيتين:
))-1 إذا وقعت الفرقة بينها وبين زوجها بعد الدخول سواء كانت عن طلاق رجعي أو بائن بينونة صغرى أو كبرى أو تفريق أو متاركة(*)أو فسخ أو خيار بلوغ(*)(*).((
))-2 إذا توفى عنها زوجها ولو قبل الدخول بها)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثامنة والأربعون :
-1 ((عدة الطلاق والفسخ للمدخول بها ثلاثة قروء)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها، وقد فسّر الإمامية والمالكية والشافعية القرء: بالطهر، وفسّره الحنفية والحنابلة : بالحيض .
))-2 إذا بلغت المرأة ولم تحض أصلاً فعدة الطلاق أو التفريق في حقها ثلاثة أشهر كاملة)).
وهذه الفقرة لا إشكال فيها .
-3 ((عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام للحائل أما الحامل فتعتد بأبعد الأجلين من وضع الحمل والمدة المذكورة)).
اتفق الفقهاء على أنّ عدّة المتوفى عنها زوجها وهي غير حامل (الحائل) أربعة أشهر وعشرة أيام، أما الحامل ففيه تفصيل :
ذكر الإمامية: إنّ عدتها أبعد الأجلين من وضع الحمل والأربعة أشهر وعشرة أيام .
أما المذاهب الأربعة : فقالوا إنّ عدتها تنقضي بوضع الحمل .
))-4 إذا مات زوج المطلقة وهي في العدة فتعتد عدة الوفاة ولا تحتسب المدة الماضية)).
إذا كان الطلاق رجعياً فمات الزوج أثناء العدة فتعتد عدة الوفاة من البداية، أما لو كان الطلاق بائناً أكملت عدة الطلاق وليس عليها عدة الوفاة .
المادة التاسعة والأربعون:
((تبتدئ العدة فوراً بعد الطلاق أو التفريق أو الموت ولو لم تعلم المرأة بالطلاق أو الموت)).
قال الإمامية : مبدأ عدة الطلاق من حين وقوعه، أما عدة الوفاة من حين سماع خبر الوفاة إذا كان الزوج غائباً.
اما المذاهب الأخرى: فقالوا مبدأ عدة الطلاق بعد الطلاق أو الموت ولو لم تعلم.
المادة الخمسون :
((تجب نفقة العدة للمطلقة على زوجها الحي ولو كانت ناشزاً ولا نفقة لعدة الوفاة)).
أتفق فقهاء المذاهب الإسلامية على وجوب النفقة للمعتدة من طلاق رجعي على زوجها إنْ لم تكن ناشزاً، ولا نفقة لعدة الوفاة .
المطلب السادس : الولادة ونتائجها
المقصد الأول :في النسب
المادة الحادية والخمسون :
ينسب ولد كل زوجة إلى زوجها بالشرطين التاليين:
-1 ((أن يمضي على عقد الزواج أقل مدة الحمل)).
أتفق فقهاء المذاهب الإسلامية على أنّ أقل مدة للحمل هي ستة أشهر، ولكن اختلفوا من أي وقت يبدأ حساب المدة :
ــ فقهاء الإحناف قالوا تحسب من تاريخ عقد الزواج، وهو ما أخذ به المشرّع العراقي .
ــ فقهاء الإمامية قالوا أنّها تحسب من تاريخ الدخول بعد العقد (أي من حين الوطء) .
ــ ذهب فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنّها تحسب من تاريخ إمكانية الدخول .
))-2 أن يكون التلاقي بين الزوجين ممكناً)).
أي حدوث التلاقي بين الزوجين ( وطىء الزوجة )، فلو تم عقد الزواج وكان الزوجان يعيشان في مكانين منفصلين، فإنّ النسب لا يثبت للزوج فيما إذا جاءت الزوجة بولد، وهذا مذهب جميع الفقهاء، وبه أخذ المشرع العراقي، وخالفهم فقهاء الحنفية : فقالوا أنّ مجرد العقد يكفي لثبوت النسب، بصرف النظر عن إمكان التلاقي بين الزوجين .
وأضاف الإمامية شرطاً ثالثاً وهو : عدم التجاوز على أقصى مدة للحمل وهي تسعة أشهر أو عشرة أشهر ورأي آخر سنة كاملة .
المادة الثانية والخمسون :
))-1 الإقرار بالبنوة -ولو في مرض الموت- لمجهول النسب يثبت به نسب المقر له إذا كان يولد مثله لمثله)).
))-2 إذا كان المقر إمرأة متزوجة أو معتدة فلا يثبت نسب الولد من زوجها إلا بتصديقه أو بالبينة)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثالثة والخمسون :
((إقرار مجهول النسب بالأبوة أو بالأمومة يثبت به النسب إذا صدق المقر له وكان يولد مثله لمثله)).
وهذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الرابعة والخمسون :
((الإقرار بالنسب في غير البنوة والأبوة والأمومة لا يسري على غير المقر إلا بتصديقه)).
هذه المادة لا إشكال فيها.
المقصد الثاني : في الرضاع والحضانة
المادة الخامسة والخمسون :
((على الأم إرضاع ولدها إلا في الحالات المرضية التي تمنعها من ذلك)).
اتفق جمهور الفقهاء على أنّ الرضاع واجب على الأم .
الإمامية : إرضاع الأم لولدها ليس على نحو الوجوب، بل هي مخيرة وهي أحق بالرضاعة إذا رضيت بما يرضى به غيرها من أجرة أو تبرع .
المادة السادسة والخمسون :
((اُجرة رضاع الولد على المكلف بنفقته ويعتبر ذلك في مقابل غذائه)).
وهذه المادة لا إشكال فيها .
المادة السابعة والخمسون:
))-1 الأم أحق بحضانة الولد وتربيته، حال قيام الزوجية وبعد الفرقة، ما لم يتضرر المحضون من ذلك)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها، بعد تحقق شروط الحضانة.
-2 ((يشترط أن تكون الحاضنة بالغة عاقلة أمينة قادرة على تربية المحضون وصيانته، ولا تسقط حضانة الأم المطلقة بزواجها، وتقرر المحكمة في هذه الحالة أحقية الأم والأب في الحضانة في ضوء مصلحة المحضون)).
اتفق فقهاء المسلمين في صفات الحاضنة، ولهم حول شرط السقوط آراء :
ـ فقهاء الإمامية : قالوا إذا كان الأب حيّاً تسقط حضانة الأم بزواجها، أما إذا تزوجت بعد موت الأب فلا تسقط حضانتها .
ـ فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة : قالوا إذا تزوجت الأم من أجنبي غير محرم للمحضون تسقط حضانتها، أما إذا تزوجت من محرم فلا تسقط حضانتها .
ـ فقهاء المالكية : تسقط حضانة الأم بزواجها،سواء كان الزوج أجنبي أو محرم .
-3 ((إذا إختلفت الحاضنة مع من تجب عليه نفقة المحضون في أجرة الحضانة قدرتها المحكمة، ولا يحكم بأجرة الحضانة ما دامت الزوجية قائمة، أو كانت الزوجة معتدة من طلاق رجعي.((
أختلف الفقهاء حول أجرة الحضانة :
ـ مشهور الإمامية : قالوا أنّ الأم تستحق أجرة الحضانة مطلقاً .
ـ الأحناف : قالوا أنّ الأم المطلقة تستحق أجرة الحضانة إذا لم تكن الزوجية قائمة أو معتدة من طلاق رجعي، أما إذا كانت متزوجة أو في عدة الطلاق الرجعي فلا تستحق أجرة الحضانة، وهذا الرأي أخذ به قانون الأحوال الشخصية .
ـ المالكية : قالوا بعدم استحقاق الزوجة لأجرة الحضانة
))-4 للأب النظر في شؤون المحضون وتربيته وتعليمه، حتى يتم العاشرة من العمر. وللمحكمة أن تأذن بتمديد حضانة الصغير، حتى إكماله الخامسة عشرة، إذا ثبت لها بعد الرجوع إلى اللجان المختصة الطبية منها والشعبية، أن مصلحة الصغير تقضي بذلك، على أن لا يبيت إلا عند حاضنته.((
))-5 إذا أتم المحضون الخامسة عشرة من العمر، يكون له حق الإختيار في الإقامة مع من يشاء من أبويه، أو أحد أقاربه لحين إكماله الثامنة عشرة من العمر، إذا آنست المحكمة منه الرشد في هذا الإختيار)).
في الفقرتين (4)و(5) لم يفرّق المشرّع العراقي بين حضانة الذكر والأنثى وكذلك في مدة الحضانة، فذكر أنْ يتم المحضون العاشرة من العمر، وكذلك إمكانية تمديد مدة الحضانة إلى إكمال السنة الخامسة عشر من العمر، أما الفقهاء فلهم رأي آخر :
ـ الإمامية : قالوا أنّ حضانة الأم للذكر سنتان وللانثى سبع سنوات، بعدها تنتقل الحضانة إلى الأب إلى أنْ تتم الأنثى تسع سنوات والذكر خمس عشرة سنة، بعدها يختار أي الأبوين يشاء .
ـ الحنفية : قالوا مدة الحضانة للذكر سبع سنوات وللانثى حتى البلوغ.
ـ المالكية : قالوا مدة الحضانة للذكر من حين الولادة إلى البلوغ، أما الأنثى من حين الولادة إلى أنْ تتزوج ويتم الدخول بها فعلاً
ـ الشافعية : قالوا ليس للحضانة مدة معلومة بل يبقى الطفل عند الأم حتى يميز ويمكنه أنْ يختار أحد أبويه .
ـ الحنابلة : مدة الحضانة هي سبع سنوات للذكر أو الأنثى وبعدها يختار الطفل بين الأم أو الأب .
-6 ((للحاضنة التي أنهيت حضانتها بحكم، أن تطلب إسترداد المحضون ممن حكم له بإستلام المحضون منها. إذا ثبت تضرر المحضون خلال مدة وجوده معه)).
نعم يجوز للأم إسترداد المحضون في جميع الحالات ضمن المدة المحددة شرعاً لحضانتها مع تحقق شروط إستحقاق الحضانة وهذا مذهب فقهاء المسلمين عدا المالكية، وقد أخذ القانون بهذا الرأي إذا ثبت تضرر المحضون خلال مدة وجوده معه.
أما فقهاء المالكية قالوا أنّ سقوط الحضانة إذا كان لأسباب خارجة عن إرادة الأم كالمرض فلها الحق في طلب استرداد المحضون، أما إذا كان سقوط الحضانة بسبب من الأم كزواجها فلا يحق لها طلب الاسترداد .
-7 ((في حالة فقدان أم الصغير أحد شروط الحضانة أو وفاتها، تنتقل الحضانة إلى الأب، إلا إذا إقتضت مصلحة الصغير خلاف ذلك، وعندها تنتقل الحضانة إلى من تختاره المحكمة، مراعية بذلك مصلحة الصغير)).
هذه الفقرة أقرب إلى رأي الإمامية في ترتيب الحاضنين، أما بفقدان الأب للأهلية أو وفاته تكون الحضانة للجد من الأب، ولفقهاء المسلمين آراء مختلفة في ترتيب الحاضنين .
-8 ((إذا لم يوجد من هو أهل للحضانة من الأبوين، تودع المحكمة المحضون بيد حاضنة أو حاضن أمين، كما يجوز لها أن تودعه إلى دور الحضانة المعدة من قبل الدولة عند وجودها.((
لفقهاء المسلمين آراء حول ترتيب الحاضنين إذا فقد الأبوين أهلية الحضانة، فيراعى الأقرب فالأقرب من الورثة، لذا يجب مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك .
-9 أ- ((إذا فقد أبو الصغير أحد شروط الحضانة فيبقى الصغير لدى أمه ما دامت محتفظة بشروط الحضانة، دون أن يكون لأقاربه من النساء أو الرجال حق منازعتها لحين بلوغه سن الرشد)).
ب))- إذا مات أبو الصغير فيبقى الصغير لدى أمه وإن تزوجت بأجنبي عنه من العراقيين بشرط)):
-1 أن تكون الأم محتفظة ببقية شروط الحضانة.
-2 أن تقتنع المحكمة بعدم تضرر الصغير من بقائه مع الأم.
-3 أن يتعهد زوج الأم حال عقد الزواج برعاية الصغير وعدم الإضرار به.
الفقرتان أعلاه لا إشكال فيهما .
ج))- إذا أخل زوج الأم بالتعهد المنصوص عليه في (3) من البند) ب) فيكون ذلك سبباً لطلب التفريق من قبل الزوجة)).
لو أخلّ زوج الأم بالتعهد فلا يكون سبباً لطلب التفريق، لأنّ الطلاق بيد الرجل، وبعبارة أدق : إذا أخلّ زوج الأم بالتعهد المنصوص عليه في (3) من البند(ب) فيكون سبباً لأولياء الصغير بطلب ضم حضانته اليهم .
المطلب السابع : نفقة الفروع والأصول والأقارب
المادة الثامنة والخمسون :
((نفقة كل إنسان في ماله إلا الزوجة فنفقتها على زوجها)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة التاسعة والخمسون :
-1 ((إذا لم يكن للولد مال فنفقته على أبيه ما لم يكن فقيراً عاجزاً عن النفقة والكسب)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها، بشرطين:فقر المنفق عليه، والقدرة على الإنفاق .
-2 ((تستمر نفقة الأولاد إلى أن تتزوج الأنثى ويصل الغلام إلى الحد الذي يتكسب فيه أمثاله ما لم يكن طالب علمٍ)).
))-3 الإبن الأكبر العاجز عن الكسب بحكم الإبن الصغير)).
الفقرتان الثانية والثالثة لا إشكال فيهما .
المادة الستون :
))-1 إذا كان الأب عاجزاً عن النفقة يكلف بنفقة الولد من تجب عليه عند عدم الأب)).
-2 ((تكون هذه النفقة ديناً على الأب للمنفق يرجع بها عليه إذا أيسر)).
هذه المادة لا إشكال فيها.
المادة الحادية والستون :
((يجب على الولد الموسر كبيراً كان أو صغيراً نفقة والديه الفقيرين ولو كانا قادرين على الكسب ما لم يظهر الأب إصراره على إختيار البطالة)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثانية والستون :
((تجب نفقة كل فقير عاجز عن الكسب على من يرثه من أقاربه الموسرين بقدر إرثه منه)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثالثة والستون :
((يقضي بنفقة الأقارب من تاريخ الإدعاء)).
لا يقضي نفقة الأقارب، لانّها مواساة لسد الخلّة، فلا يستقر في الذمة.
المطلب الثامن :في الوصايا
المقصد الأول : الوصية
وتجمع وصايا، وهي على قسمين :
1ــ تمليكية" : وهي تمليك عين أو منفعة أو حق من تركته لزيدٍ أو للفقراء مثلاً بعد وفاته.
2ــ عهدية" : تسليط على تصرف مضاف لما بعد الموت، كأن يأمر بالتصرف بشيءٍ يتعلق به من بدن أو مال كأن يأمر بدفنه في مكان معيّن أو يأمر بأن يعطى من ماله أحداً أو يستناب عنه في الصوم والصلاة من ماله أو نحو ذلك"، فإنْ وجّه أمره إلى شخص معيّن فقد جعله وصياً عنه وجعل له ولاية التصرف، وإنْ لم يوجّه أمره إلى شخص معيّن ولم تكن قرينة على التعيين ــ كما إذا قال أوصيت بأنْ يحج عني أو يصام عني أو نحو ذلك، فلم يجعل له وصياّ معيّناً ــ كان تنفيذه من وظائف الحاكم الشرعي" .
المادة الرابعة والستون :
((الوصية تصرف في التركة مضاف إلى ما بعد الموت مقتضاه التمليك بلا عوض)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
وقد عرفها الفقهاء بأنّها تمليك عين أو منفعة أو تسليط على تصرف لما بعد الموت.
المادة الخامسة والستون :
-1 ((لا تعتبر الوصية إلا بدليل كتابي موقع من الوصي أو مبصوم بختمه أو طبعة إبهامه فإذا كان الموصى به عقاراً أو مالاً منقولاً تزيد قيمته على خمسمائة دينار وجب تصديقه من الكاتب العدل)).
))-2 يجوز إثبات الوصية بالشهادة إذا وجد مانع مادي يحول دون الحصول على دليل كتابي)).
نعم ذكر الإمامية، منهم السيد الخوئي : يكفي في تحقق الوصية كل ما يدل عليها من لفظ صريح أو غير صريح أو فعل وإنْ كان كتابة أو إشارة، بل يكفي وجود مكتوب بخطه أو بإمضائه.
وقال الحنفية والمالكية والشافعية : " إنّه لو كتب وصيته بخطه وعلم أنّها بخطه، ولكن لم يشهد فيها لم يحكم بها، أي لو وجدت وصية بخطه ولم يكن قد أشهد عليها ولا أقرّ بها أمام الناس، لا تثبت الوصية مع العلم بصدورها عنه ") ).
وقال الحنابلة : بل يحكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها.
المادة السادسة والستون :
((الوصية المنظمة من قبل المحاكم والدوائر المختصة قابلة للتنفيذ إذا لم يعترض عليها من قبل ذوي العلاقة)).
الوصية تعتبر قابلة للتنفيذ إذا لم تخالف أحكام الشريعة الإسلامية .
المادة السابعة والستون :
((يشترط في الموصى أن يكون أهلاً للتبرع قانوناً مالكاً لما أوصى به)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الثامنة والستون :
يشترط في الموصى له :
))-1 أن يكون حياً حقيقة أو تقديراً حين الوصية وحين موت الموصى، وتصح الوصية للأشخاص المعنوية والجهات الخيرية والمؤسسات ذات النفع العام)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها، ولكن فقهاء المذاهب الإسلامية اختلفوا في اشتراط وجود الحَمل حال الوصية :
ذكر الإمامية والحنفية والشافعية والحنابلة : يشترط وجود الحَمل حال الوصية وأنْ تضعه حياً فلو وضعته ميتاً بطلت الوصية، لذا فلا يجوز الوصية للمعدوم .
وذكر المالكية : تصح الوصية للحَمل الموجود فعلاً ولمن سيوجد في المستقبل"، فقالوا بجواز الوصية للمعدوم.
))-2 أن لا يكون قاتلاً للموصي.((
فيه تفصيل عند فقهاء المذاهب الإسلامية :
الإمامية : تصح الوصية للقاتل ولغيره، فقالوا أنّ أدلة جواز الوصية عامة .
وقالوا : لا تصح الوصية للقاتل .
الحنفية : قالوا تصح مع إجازة الورثة، وتبطل بدونها.
وقالوا : لا تصح .
المالكية والشافعية : تصح الوصية للقاتل سواء أكان القتل عمداً أم خطاً.
وذكر الشافعي في قول آخر : لاتجوز الوصية للقاتل.
الحنابلة : قالوا تصح إنْ حصلت بعد الجرح الذي أفضى الى الموت، وتبطل إنْ حصل القتل بعد الوصية .
المادة التاسعة والستون :
((يشترط في الموصى به أن يكون قابلاً للتمليك بعد موت الموصي)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها، فقد اتفقت كلمة الفقهاء على أنّ الشيء الموصى به يجب أنْ يكون قابلاً للتمليك كالمال والدار، فلا تصح الوصية بما لا يقبل التمليك عرفاً كالحشرات، أو شرعاً كالخمر.
المادة السبعون :
((لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث إلا بإجازة الورثة وتعتبر الدولة وارثاً لمن لا وارث له)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها، إلاّ أنّ بيت المال يعتبر وارثاً لمن لا وارث له .
المادة الحادية والسبعون :
((تصح الوصية بالمنقول فقط مع إختلاف الدين وتصح به مع إختلاف الجنسية بشرط المقابلة بالمثل.((
نعم تصح الوصية للذمي، وكذلك تجوز الوصية من غير المسلم للمسلم، لقوله تعالى : لَّا يَنۡهَىٰكُمُ ٱللَّهُ عَنِ ٱلَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي ٱلدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ، لذا فقد اجمعت المذاهب الإسلامية على جواز وصية المسلم لغير المسلم ولا تشترط اتحاد الدين، غير انّه يشترط لصحة هذه الوصية أنْ يكون الموصى له ذمياً أو مستأمناً في دار الإسلام، أما إذا كان حربياً، فقال: المالكية والشافعية والحنابلة: تصح، وقال : الإمامية والحنفية: لا تصح، وكذلك تجوز الوصية من غير المسلم للمسلم فتجوز وصية الذمي والمستأمن للمسلم .
المادة الثانية والسبعون:
((تبطل الوصية في الأحوال الآتية)):
-1 برجوع الموصي عما أوصى به، ولا يعتبر الرجوع بدليل يعدل قوة ما ثبتت به الوصية.
-2 بفقدان أهلية الموصي إلى حين موته.
-3 بتصرف الموصي بالموصى به تصرفاً يزيل اسم الموصى به أو معظم صفاته.
-4 بهلاك الموصى به أو إستهلاكه من قبل الموصي.
-5 برد الموصى له الوصية بعد موت الموصي.
هذه المادة بفقراتها لا إشكال فيها .
المادة الثالثة والسبعون :
((تراعى في الوصية أحكام المواد من 1108 إلى 1112 من القانون المدني)).
من المآخذ على قانون الأحوال الشخصية هو التداخل بينه وبين القوانين الأخرى
المادة 1108 :
1ـ ((يكسب الموصى له بطريق الوصية المال الموصى به)) .
2ـ ((وتجوز الوصية للوارث وغير الوارث في ثلث التركة ولا تنفذ فيما جاوز الثلث إلاّ باجازة الورثة)) .
هذه المادة موافقة لما ذكره الإمامية : تجوز الوصية للوارث وغير الوارث، ولا تتوقف على إجازة الورثة إلاّ ما جاوز الثلث .
اما المذاهب االإسلامية الأخرى فقالوا : بعدم جواز الوصية لوارث إلاّ إذا أجاز الورثة.
المادة 1109 :
1ـ ((كل تصرف ناقل للملكية يصدر من شخص في مرض الموت مقصود به التبرع أو المحاباة يعتبر كله أو بقدر ما فيه من محاباة تصرفاً مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية أياً كانت التسمية التي تعطى له)) .
2ـ ((ويعتبر في حكم الوصية إبراء المريض في مرض موته مدين وارثاً أو غير وارث وكذلك الكفالة في مرض الموت)) .
كل تصرفات المريض سواء التبرع أو المحاباة تسري عليه أحكام الوصية ـ إذْ لا فرق في الوصية بين صدورها في حالة الصحة وحالة المرض"، ما دام المريض ثابت العقل كامل الإدراك والشعور .
المادة 1110 :
((ليس لأحدٍ أنْ يؤدي دين غرمائه في مرض موته ويبطل حقوق باقيهم ولكن له أنْ يؤدي ثمن المال الذي اشتراه أو القرض الذي استقرضه حال كونه مريضاً)) .
نعم يجوز للمريض في مرض الموت أنْ يؤدي دين الغرماء .
المادة 1111 :
1ـ ((إذا أقرّ شخص في مرض موته بدين لوارث أو لغير وارث فان جاء إقراره على سبيل التمليك كان بحكم الوصية، وان جاء على سبيل الإخبار أو كان اقراراً بقبض أمانة له أو استهلاك أمانة عنده ثبت بخبر اقراره نفذ الإقرار في جميع ماله ولو لم تجز الورثة، وتصديق الورثة الإقرار في حياة المورث ملزم لهم)) .
2ـ ((ولا يستحق المقر له ما أقر به المريض وفقاً لأحكام الفقرة السابقة إلاّ بعد أنْ تؤدى ديون الصحة، ويعتبر في حكم ديون الصحة الديون التي ثبتت في ذمة المريض وقت المرض بخبر اقراره فتؤدى هي أيضاً مع ديون الصحة قبل الديون التي ثبتت بإقرار المريض في وقت مرضه)) .
في الفقرة (1) إذا أقرّ بعين أو دين لوارث أو لغيره حال مرض الموت، فان كان المقر مأموناً ومصدقاً في نفسه نفذ الإقرار من الأصل، وان كان متهماً في إزالة حق ورثته نفذ اقراره من الثلث .
أما الفقرة (2) فيستحق المقر له ما أقرّ به المريض .
المادة 1112 :
1ـ ((إذا أقرّ شخص في مرض موته بأنّه استوفى ديناً له في ذمة أحد فان كان الدين قد ثبت في ذمة المدين حال صحة الدائن نفذ الإقرار في حق غرماء الصحة، أما إذا كان الدين قد ثبت في ذمة المدين حال مرض الدائن فلا ينفذ الإقرار في حق هؤلاء الغرماء)).
2ـ ((وإذا أقرّ بأنه كفل حال صحته ديناً لأحد نفذ اقراره في جميع ماله ولكن بعد أنْ توفى ديون الصحة وما في حكمها من الديون)) .
تنفذ الإقرارات في مرض الموت من المقر مطلقاً سواء أكانت ديناً أو استوفى ديناً في ذمة أحد مالم يكن المقر متهماً في إقراره، فإنْ كان متهماً فإنّه ينفذ من الثلث .
المادة الرابعة والسبعون :
))-1 إذا مات الولد، ذكراً كان أم أنثى، قبل وفاة أبيه أو أمه، فإنه يعتبر بحكم الحي عند وفاة أي منهما، وينتقل إستحقاقه من الإرث إلى أولاده ذكوراً كانوا أم إناثاً، حسب الأحكام الشرعية، بإعتباره وصية واجبة، على أن لا تتجاوز ثلث التركة)).
))-2 تقدم الوصية الواجبة، بموجب الفقرة (1) من هذه المادة، على غيرها من الوصايا الأخرى وفي الإستيفاء من ثلث التركة)).
بحسب القاعدة الفقهية إنّ الحي يرث الميت فقط ولا يرث الميت الحي، فإذا مات الولد قبل أبيه أو أمه، فإنّ الأحفاد لا يستحقون من الإرث بإتفاق جميع المذاهب الإسلامية؛ لأنّ أخوة الميت يحجبون أبناء أخيهم عن الميراث، أما إذا لم يكن له أخوة فعندئذٍ يستحقون الميراث مع من تبقى.
إلاّ أنّ المشرع العراقي أخذ بمبدأ الوصية الواجبة لحفظ وصيانة حقوق الأحفاد وبمقدار حصة أبيهم المتوفى قبل والده، فينبغي للجد أن يوصي لحفيده الذي لا يرث في حدود الثلث ما هو أقل من الثلث، وأما زوجة المتوفى ـأي والدة الأحفادـ فلا تستحق من الوصية الواجبة شيء؛ لأنها ليست من ورثة أب زوجها المتوفى قبل أبيه، فقد ورد عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) : ( من لم يوصي عند موته لذوي قرابته ممن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية ).
الفصل الثاني : الإيصاء
المادة الخامسة والسبعون:
((الإيصاء إقامة الشخص غيره لينظر فيما أوصى به بعد وفاته)).
ويقصد بالإيصاء هي الوصية العهدية، فهذه المادة لا إشكال فيها .
المادة السادسة والسبعون :
((يشترط في الوصي توفر الأهلية القانونية والشرعية)).
نعم يشترط توفر الأهلية الشرعية في الوصي أولاً بالإضافة إلى القانونية .
المادة السابعة والسبعون :
-1 ((إذا قبل الوصي الوصاية في حياة الموصي لزمته ولا يخرج منها بعد موت الموصي إلا إذا جعل له حق الإختيار)).
نعم لزمته ولا يخرج منها بعد موت الموصي سواء قبلها قبل الرد أم لم يقبلها.
-2 ((إذا رد الوصي الوصاية في حياة الموصي وبعلمه صح الرد)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها .
المادة الثامنة والسبعون :
-1 ((إذا أقام الموصي أكثر من وصي واحد فلا يصح لأحدهم الإنفراد بالتصرف وإن تصرف فلا ينفذ تصرفه إلا بإذن الآخر)).
))-2 ينفذ تصرف أحد الوصيين دون إذن الآخر فيما يلي)):
أ- ما لا يختلف بإختلاف الآراء.
ب- ما ليس فيه قبض أو تسلم مال.
ج- ما كان في تأخيره ضرر.
))-3 إذا نص الموصي على إنفراد الأوصياء أو إجتماعهم فيتبع ما نص عليه)).
))-4 إذا تشاجر الأوصياء اجبرهم القاضي على الإجتماع وإلا إستبدل غيرهم بهم)).
المادة بفقراتها لا إشكال فيها .
المادة التاسعة والسبعون:
((كل شرط إشترطه الموصي في وصيته لزم الوصي العمل به إلا إذا كان الشرط مخالفاً للشرع والقانون)).
نعم كل شرط مخالف للشريعة الإسلامية لا يجوز العمل به .
المادة الثمانون:
((الوصي أمين على الأموال التي تحت وصايته فلا يضمن إلا بتعديه أو تقصيره)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الحادية والثمانون :
((إذا توفي شخص ولم ينصب وصياً فللقاضي نصبه في الأحوال)):
-1 إذا كان للمتوفي دين ولا وارث له لإثباته وإستيفائه.
-2 إذا كان عليه دين ولا وارث له لإيفائه.
-3 إذا كانت له وصية ولا يوجد من ينفذها.
-4 إذا كان أحد الورثة صغيراً ولا ولي له.
هذه المادة بفقراتها لا إشكال فيها، لكن يجب مراجعة الحاكم الشرعي في ذلك .
المقصد الثالث: إنتهاء الوصية
المادة الثانية والثمانون :
((تنتهي مهمة الوصي في الأحوال الآتية)):
-1 ((موت القاصر)).
الفقرة لا إشكال فيها .
-2 ((بلوغه الثامنة عشر إلا إذا قررت المحكمة إستمرار الوصاية عليه)).
لم يفرق القانون بين الذكر والانثى في الفقرة (2)، لكن في الشريعة الإسلامية إذا وصل القاصر إلى سن البلوغ، فعندئذٍ ترفع الوصاية عنه إذا كان قادراً على التصرف وإلاّ فلا ترفع .
-3 ((عودة الولاية للأب أو الجد بعد زوالها عنه)).
الولاية لا تزول عن الأب والجد في الشريعة الإسلامية إلاّ بموتهما .
-4 ((إنتهاء العمل الذي اقيم الوصي المنصوب لمباشرته أو إنقضاء المدة التي حدد بها تعيين الوصي المؤقت)).
نعم هذه الفقرة لا إشكال فيها .
-5 ((قبول إستقالته)).
ذكرنا في المادة ( 77 ) أنّه لا يجوز الرد بعد موت الموصي .
))-6 زوال أهليته)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها .
-7 ((فقده.((
هذه الفقرة لا إشكال فيها .
-8 ((عزله)).
هذه الفقرة لا إشكال فيها .
المادة الثالثة والثمانون:
-1 ((للموصي أن يعزل وصيه عن الوصاية ولو كان ذلك بدون علمه)).
))-2 ليس للقاضي عزل الوصي المختار إلا بسبب شرعي فإن كان عاجزاً ضم إليه غيره أما إذا ظهر عجزه نهائياً فيستبدل غيره به)).
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة الرابعة والثمانون:
يعزل الوصي في الحالات الآتية:
))-1 إذا حكم عليه عن جناية أو جنحة مخلة بالشرف)).
))-2 إذا حكم بعقوبة مقيدة للحرية سنة فأكثر)).
))-3 إذا حدث بينه أو بين أحد اصوله أو فروعه أو زوجه وبين القاصر نزاع قضائي أو خلاف عائلي يخشى منه على مصلحة القاصر)).
))-4 إذا رأت المحكمة في أعمال الوصي أو أهماله ما يهدد مصلحة القاصر)).
-5 ((إذا ظهرت في حسابات الوصي خيانة)).
يعزل الوصي في الحالات الآتية : ذهاب عقل أو ارتداد أو خيانة أو سفه ..
المطلب التاسع : في أحكام الميراث (خيانة الوصي).
المادة الخامسة والثمانون:
((ينعزل [يُعزَل] الوصي إذا فقد أحد شروط الأهلية من تاريخ فقده إياه)).
نعم يُعزَل الوصي إذا فقد أحد شروط الأهلية التي ذكرناه في المادة السابقة .
المادة السادسة والثمانون:
أ- أركان الإرث ثلاثة:
-1 المورث: وهو المتوفي.
-2 الوارث:وهو الحي الذي يستحق الميراث.
-3 الميراث: وهو مال المتوفي الذي يأخذه الوارث.
ب- أسباب الإرث إثنان هما القرابة والنكاح الصحيح.
ج- شروط الميراث ثلاثة هي:
-1 موت المورث حقيقة أو حكماً.
-2 تحقق حياة الوارث بعد موت المورث.
-3 العلم بجهة الإرث.
هذه المادة بفقراتها لا إشكال فيها، إلاّ أنّ أسباب الإرث التي ذكرها الفقهاء فهي ثلاثة: القرابة والنكاح الصحيح والولاء بأقسامه الثلاثة (ولاء ضامن الجريرة، وولاء العتق، وولاء الإمامة)، لكن قانون الأحوال الشخصية لم يعتبر الولاء سبباً؛ لإلغاء الرق وخاصةً في المجتمعات الإسلامية .
المادة السابعة والثمانون :
الحقوق التي تتعلق بالتركة بعد وفاة المورث أربعة مقدم بعضها على بعض هي:
-1 تجهيز المتوفي على الوجه الشرعي.
-2 قضاء ديونه وتخرج من جميع ماله.
-3 تنفيذ وصاياه وتخرج من ثلث ما بقي من ماله.
-4 إعطاء الباقي إلى المستحقين.
هذه المادة بفقراتها لا إشكال فيها .
المادة الثامنة والثمانون:
المستحقون للتركة هي الأصناف التالية:
-1 الوارثة بالقرابة.
-2 المقر له بالنسب.
-3 الموصي له بجمع المال.
-4 بيت المال.
هذه المادة لا إشكال فيها .
المادة التاسعة والثمانون :
الوارثة بالقرابة وكيفية توريثهم:
-1 الأبوان والأولاد وإن نزلوا للذكر مثل حظ الانثيين.
-2 الجد والجدات والإخوة والأخوات و أولاد الإخوة والأخوات.
-3 الأعمام والعمات والأخوال والخالات وذوي الأرحام.
-4 تعتبر الأخت الشقيقة بحكم الأخ الشقيق في الحجب.
هذه المادة موافقة لرأي الإمامية حيث وزّعوا التركة على الوارثين بحسب مراتبهم الطبيعية، فالمرتبة الأولى للأبوين والأولاد فهم الأحق بالميراث؛ لأنهم يتقربون إلى الميت بلا واسطة، ثم المرتبة الثانية للإخوة والأخوات والأجداد والجدات؛ لأنهم يتقربون للميت بوساطة واحدة وهي الأب أو الأم، ثم المرتبة الثالثة للأعمام والعمات والأخوال والخالات؛ لأنهم يتقربون للميت بوساطتين، هما الجد أو الجدة والأب أو الأم، فكل مرتبة من هذه المراتب الثلاث أولى وأحق بتركة الميت ممن يليها"، فإذا فقدت المرتبة الأولى بجميع أفرادها انتقل استحقاق الإرث إلى المرتبة الثانية، واذا لم يوجد واحد في الثانية انتقل الميراث إلى أصحاب المرتبة الثالثة.
أما المذاهب الإسلامية الأخرى فقد أشركوا العم في الميراث مع البنت، كما أنهم ورثوا الذكر وحرموا أخته من الميراث في بعض الحالات"، فمثلاً بنت الأخ لأبوين أو لأب لا ترث عندهم مع أخيها من أمها وأبيها، فالميراث للأخ فقط، وكذلك العمة لأبوين أو لأب مع أخيها من أمها وأبيها .
المادة التسعون :
((مع مراعاة ما تقدم يجري توزيع الإستحقاق والأنصبة على الوارثين بالقرابة وفق الأحكام الشرعية التي كانت مرتبة قبل تشريع قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 كما بقي من أحكام المواريث)).
هذه المادة لا إشكال فيها، لانّها تشير إلى توزيع الاستحقاقات وفق الأحكام الشرعية، إذْ لم يحدد نص المادة (89) ما يشير إلى حصة الورثة وإنما ترك الأمر إلى فقه المذاهب الإسلامية وهو عين الصواب، لأن الأمر يختلف من مذهب لآخر .
المادة الحادية والتسعون :
-1 ((يستحق الزوج مع الفرع الوارث لزوجته الربع ويستحق النصف عند عدمه، أما الزوجة فتستحق الثمن عند الفرع الوارث والربع عند عدمه)).
))-2 تستحق البنت أو البنات، في حالة عدم وجود إبن المتوفي، ما تبقى من التركة، بعد أخذ الأبوين والزوج الآخر فروضهم منها وتستحق جميع التركة في حالة عدم وجود أي منهم)).
الفقرة الأولى من المادة أعلاه موافقة للشريعة الإسلامية، واستدل بالآية المباركة :
وَلَكُمۡ نِصۡفُ مَا تَرَكَ أَزۡوَٰجُكُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٞ فَلَكُمُ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡنَۚ مِنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ يُوصِينَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۚ وَلَهُنَّ ٱلرُّبُعُ مِمَّا تَرَكۡتُمۡ إِن لَّمۡ يَكُن لَّكُمۡ وَلَدٞۚ فَإِن كَانَ لَكُمۡ وَلَدٞ فَلَهُنَّ ٱلثُّمُنُ مِمَّا تَرَكۡتُمۚ مِّنۢ بَعۡدِ وَصِيَّةٖ تُوصُونَ بِهَآ أَوۡ دَيۡنٖۗ.
أما الفقرة الثانية فأخذ المشرع برأي الفقه الجعفري في توريث البنت عندما تكون منفردة وليس معها أي من إخوانها، فقالوا أنّها تأخذ كل التركة، لأنّ البنت كالابن تحجب بقية الورثة عدا أصحاب الفروض .
المادة الثانية والتسعون :
((تلغى جميع النصوص التشريعية التي تتعارض وأحكام هذا القانون)).
بعد أنْ تبيّن أنّ هناك بعض المواد والفقرات تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وهذا يتناقض مع ما يصرّح به الدستور العراقي في المادة(2) : الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع .
المادة الثالثة والتسعون :
((ينفذ هذا القانون من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية)) .
هذه المادة ليس لها علاقة بالأحكام الشرعية بقدر ما تتعلق بقانون الدولة .
المادة الرابعة والتسعون :
((على وزير العدل تنفيذ هذا القانون)) .
هذه المادة والتي قبلها هي إجراءات تنظيمية للقانون .
استنتاج : بعد هذه الدراسة الفقهية لقانون الأحوال الشخصية العراقي نلحظ أنّ هناك الكثير من الإشكالات والمآخذ على هذا القانون من حيث صياغته وتبويبه وأحكامه العامة وعدم استيعابه وشموله لكافة المسائل الشخصية، وكذلك من جهة مواضيعه وأحكامه الخاصة التي تتناول الشؤون الشخصية كالزواج والطلاق والنفقة وغيرها من المسائل المخالفة لإراء فقهاء المذاهب الإسلامية وإلزامهم بها، وهذا الإلزام يعدُّ سلباً لحقوق أتباعهم في أختيار المذهب والعقيدة التي يؤمن بها، لذا طرأ على قانون الأحوال الشخصية العراقي جملة من التعديلات وإبدال مواد بأُخرى منذ تشريعه والى يومنا هذا، إلاّ أنَّ القصور التشريعي لا زال قائماً .
أبرز المحاولات لإلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي :
لقد واجه هذا القانون منذ صدوره ولغاية الآن الكثير من الإنتقادات والإشكالات منها على القانون بصورة عامة؛ كونه يخالف الشريعة الإسلامية، لذا طالبت المؤسسات الدينية وغيرها بإلغائه أو إبداله بقانون آخر يوافق الشريعة الإسلامية، وأبرز هذه المحاولات والإنتقادات التي طالبت بإلغائه هي :
أولاً : المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم آنذاك أبدت رأيها في قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة (1959) بعد صياغته وتشريعه مباشرةً وطالبت بإلغائه لمخالفته الشريعة الإسلامية، وكذلك بعد إنقلاب عام (1963م) طالبت المرجعية أيضاً بإلغاء القانون، إلاّ أنّ النظام الحاكم إكتفى بتعديل المادة المتعلقة بالميراث، وتطبيق فقه المذاهب وهو : (( للذكر مثل حظ الأُنثيين))، إلاَّ أنّ المرجعية الدينية آنذاك لا تكتفي إلاّ بإلغائه كما جاء في رسالة السيد محسن الحكيم : ( إرجاع الأمور إلى العهد الذي كانت عليه سيرة المسلمين منذ أيام الخلافة الإسلامية، وإنّ موقفنا هذا هو نفس الموقف الذي وقفناه منذ صدور القانون حتى يومنا هذا وإلى أنْ يتم رفعه ) .
ثانياً : طالب الشيخ محمد رضا المظفر (عميد كلية الفقه آنذاك) بإلغاء القانون، حيث رأى أنّه لا يقبل التعديل بالمذكرة التي رفعها إلى حكومة انقلاب 1963م، مبيّناً مبرراته وآثار مخالفة ظاهر القرآن والشريعة والرؤى الإسلامية على المجتمع .
إلاّ أنّ الأنظمة المتعاقبة لم تستجيب لصوت المرجعية بإلغاء القانون سوى إجراء بعض التعديلات، وأغلب هذه التعديلات جاءت بعد عام( 1968م) .
ثالثاً : قرار مجلس الحكم المرقم (137) لسنة (2003م)، الذي يقضي بإلغاء قانون الأحوال الشخصية والإحتكام إلى الأحوال الشخصية بحسب المذاهب والأديان، إلاّ أنّ الحاكم المدني آنذاك (بول بريمر) إستخدم حق النقض على هذا القرار، فضلاً عن ضغط منظمات المجتمع المدني فتم إلغائه .
هذا القرار من قبل مجلس الحكم بإلغاء القانون والإحتكام إلى الأحوال الشخصية بحسب المذاهب والاديان تعتبر محاولة متسرعة وغير مدروسة؛ وذلك للتطورات الكبيرة في المجتمع وكثرة مشاكلهم وبالتالي صعوبة السيطرة في حل هذه المشاكل والشكاوى المتراكمة من جهة، والإحتكام حسب المذاهب والاديان بعد إلغاء القانون يفقد صفة الإلزام بهذه الأحكام ولا جزاء على مخالفتها من جهة أخرى .
ومن الجدير بالذكر أنّ وجود قانون عصري موحد لكل العراقيين في الأحوال الشخصية وغيرها وبشكل تراعى فيه الرؤى الشرعية بما يتوافق مع الدستور، يشكّل أساساً لبناء العائلة العراقية وضمان حقوقهم .
رابعاً : الأطروحة التي تقدم بها وزير العدل حسن الشمري في عام( 2013م) وهي مسودتي قانوني الأحوال الشخصية الجعفري والقضاء الجعفري .
وقد واجهت هذه الأطروحة آثاراً وردود أفعال متباينة إتسمت بين المواقف الرافضة وبين المؤيدة، لذا لم يتم التصويت عليه من قبل مجلس النواب .
إنّ مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري لا يصح أنْ يكون أطروحة حديثة لتقنين وتدوين الأحكام الشرعية الإسلامية؛ لانّ كل مذهب يدوّن الأحكام المشهورة فيه ويلزم القضاة والحكّام بها، وهذا ما يظهر من بعض الروايات في الفقه الجعفري وما التزم به بقية المذاهب .
لكن يمكن القول أنّ تشريع قانون للأحوال الشخصية على وفق المذهب الجعفري حقٌ مشروع، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار أنّ نسبة الإمامية أكثر من النصف ( أي ما يقارب 65 بالمئة من نفوس العراق )، وكذلك حرية الفرد أنْ يختار القانون الذي يناسب عقيدته التي يؤمن بها، إلاّ أنّ هذا الإجراء سيقابل بالرفض بحجة أنّه يؤدي إلى تعدد القوانين وبالتالي يهدد وحدة النسيج الاجتماعي وإثارة النعرات الطائفية، ويمكن معالجة ذلك بأنْ تكون هنالك محاكم شرعية جعفرية ومحاكم شرعية للأحوال الشخصية للمذاهب الأخرى، وهذا ليس بضائر كما هو المعمول به في بعض الدول مثل الكويت والإمارات .
المقترحات :
1- تشكيل لجنة من خبراء وأساتذة القانون والشريعة، وأساتذة الحوزات والمؤسسات العلمية، لصياغة قانون جديد وفق دراسة فقهية قانونية يتوافق مع الشريعة الإسلامية والدستور العراقي وأسس الديمقراطية .
2- أن يكون القانون الجديد تحت مسمى : (قانون الشؤون الشخصية للمسلمين)، على أن لا يخالف النصوص القرآنية وثوابت الشريعة الإسلامية .
3- إضافة مادة تجيز الرجوع إلى المؤسسات الدينية في المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية وكذلك المسائل المستحدثة، كلٌّ بحسب مذهبه .
4- إصدار قانون جديد للطوائف الأخرى كالمسيحية والصابئة والمندائيين، حسب لوائحهم الخاصة بكل طائفة، تحت مسمى : ( قانون الشؤون الشخصية لغير المسلمين ) .
5- إلغاء قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 لما فيه من المخالفات للشريعة الإسلامية وعدم شموليته للأحكام الشخصية، والعمل بالقوانين الجديدة .
نتائج البحث
الخاتمة ونتائج البحث
الحمد لله الذي ختم الشرائع بأسمحها طريقة وأوضحها وأظهرها حقيقة، والحمد لله الذي هدانا للاستضاءة والتمسك بها، والحمد لله الذي مَنَّ علينا برسوله الأكرم، الأمين على وحيه والمبلّغ لرسالته .
بعد الدراسة التحليلية والفقهية لقانون الأحوال الشخصية العراقي وما فيه من الإيجابيات والسلبيات توصلنا إلى النتائج الآتية :
1- يعد تشريع قانون الأحوال الشخصية العراقي المرقم 188 لسنة 1959 إنجازاً مهماً في الدفاع عن قيم الحضارة والتمدن ومفهوم المواطنة، لأنّه يشكّل أساساً لبناء العائلة العراقية ووحدة الشعب العراقي في حل مشاكلهم وضمان حقوقهم من جهة، ومواكبة التطور الحاصل من جهة أخرى، بشرط عدم مخالفته لأحكام الشريعة الإسلامية .
2- إنّ تدوين الأحكام الشرعية وصياغتها في مواد قانونية وفق رؤية إسلامية متكاملة في زماننا هو أمر راجح عقلاً وواقعاً .
3- ذكر علماء اللغة أنّ مصطلح (الأحوال) : وهو ما يشمل الإنسان وغيره، أما مصطلح (الشؤون) فيختص بالإنسان فقط، لذا فالأولى والأدق هو أنْ يكون مصطلح (الشؤون الشخصية) بدلاً عن (الأحوال الشخصية).
4- بعد الإطلاع على قانون الأحوال الشخصية العراقي نجد أنَّه يتضمن (94) مادة قانونية، موزعة على أغلب أبواب الفقه إلاَّ أنّ مواده وفقراته لم تستوعب جميع بل جُل المسائل الشخصية، ورغم التعديلات التي طرأت عليه لا يزال يعاني من النواقص والقصور التشريعي في صياغته العامة ومواضيعه التي تتناول مسائله الشخصية الخاصة.
5- إنّ عنوان ( قانون الأحوال الشخصية العراقي ) هو عنوان يشمل جميع العراقيين دون استثناء، في حين أنّ هذا القانون ينطبق على المسلمين فقط واستثنى بقوانين خاصة أصحاب الطوائف الدينية الأخرى من المسيحين واليهود والصابئة والأيزيدية، لذا ينبغي أنْ يكون العنوان ( قانون الشؤون الشخصية للمسلمين العراقيين ) وتشريع قانون آخر لغير المسلمين من العراقيين تحت عنوان (قانون الشؤون الشخصية لغير المسلمين) .
أو أنّ العنوان يبقى (قانون الشؤون الشخصية العراقي) ليشمل كل العراقيين دون استثناء، فينظم شؤون المسلمين وغير المسلمين وفق منهجية محددة لكل ديانة .
6- ما يلاحظ على قانون الأحوال الشخصية العراقي سرعة إقراره، فجاءت الخطوة الأولى بعد قيام النظام الجمهوري مباشرةً بتكليف لجنة في وزارة العدل لوضع مسودة القانون، وفعلاً أُقرَّت اللجنة صياغة (قانون الأحوال الشخصية العراقي) رسمياً بعد عشرة أشهر من تكليفها، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أنَّ تشريع هكذا قوانين تحتاج إلى التأني، وتشكيل لجان من المؤسسات الدينية والقانونيين وأصحاب الاختصاص للخروج بأطروحة للأحوال الشخصية موافقة للشريعة الإسلامية وتتوافق مع الدستور .
7- بعد الإطلاع على القانون نجد أنّ المشرِّع العراقي قسَّم مسائله على تسعة أبواب، وهو تقسيم غير دقيق حيث ابتدأ بالأحكام العامة دون تبويب أو تمهيد، ثم الباب الأول بعنوان الزواج، والباب الثاني بدون عنوان ( مواده تتعلق بالمحرمات وزواج الكتابيات)، والثالث للحقوق الزوجية، والرابع انحلال عقد الزواج(الطلاق)، والخامس للعدة، والسادس للولادة، والسابع للنفقة، والثامن للوصاية، والتاسع لأحكام الميراث .
لذا فالتبويب الأدق أن يكون الباب الأول : الأحكام العامة التي تتعلق في كيفية العمل بالقانون، والباب الثاني : النكاح ومتعلقاته، والباب الثالث : الطلاق، الباب الرابع : للوصية، والباب الخامس : الميراث .
8- عنون المشرِّع العراقي الباب الأول بالزواج، وهذا اللفظ يشترك به الإنسان وغيره، أما لفظ النكاح فيختص به الإنسان فقط، لذا فالأولى استخدام لفظ النكاح بدلاً عن الزواج؛ لأنّه يوافق الاستعمال القرآني والفقهي واللغوي .
9- عدم تبويب مواضيع الأحوال الشخصية بصورة دقيقة، فمثلاً في الفصل الأول من الباب الأول كان العنوان : الزواج والخطبة، والأولى تقديم الخطبة وأحكامها على عقد الزواج؛ لأنّ الخطبة من مقدمات عقد الزواج، ثم عاد المشرِّع في الباب الثالث في الفصل الأول فذكر أحكام الهدايا في فترة الخطوبة، لذا فالأجدر أنْ يتناول أحكام الخطوبة في فصل خاص مستقل .
10- إنّ من المسلَّمات عند المذاهب الإسلامية أنّ مصادر التشريع الأساسية هي : القرآن الكريم والسنة النبوية المباركة، فهي مصادر التشريع المعتمدة عند الفقهاء نظرياً وعملياً ومنها روافد عملية الاستنباط، لذا نجدهم يعتمدون عليها ولكن بنسب متفاوتة .
11- لقد أولت الشريعة الإسلامية اهتماماً كبيراً بشؤون المرأة من قبيل تصديها للمناصب السيادية، وخوضها سائر الأعمال الأخرى عند مراعاتها للحشمة والأدب والوقار، شكّل ذلك رسالة إلى الآخرين ولاسيما من لا يدينون بالدين الإسلامي، إنّ الفقه الإسلامي قد أعطى للمرأة كامل حقوقها، وجعلها بمنزلة الرجل في كافة مجالات الحياة العلمية والعملية والوظيفية، وهذا يكشف عن مقدار انفتاح الإسلام على جميع شرائح وطبقات المجتمع .
12- من المآخذ على هذا القانون مخالفته لبعض أحكام الشريعة الإسلامية، لذا طالبت المرجعية الدينية المتمثلة بالسيد محسن الحكيم آنذاك بإلغائه، وكذلك طالب الشيخ محمد رضا المظفر عميد كلية الفقه آنذاك بإلغاء القانون من أساسه ورأى أنّه لا يقبل التعديل .
13- مخالفته للأحكام الفقهية للمذاهب الإسلامية، حيث أعتمد في كثير من مواده وفقراته على المذهب الحنفي لأنّه المذهب الرسمي للبلاد، خارماً المذاهب الأخرى وخصوصاً أتباع المذهب الإمامي من ممارسة حقوقهم، إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار نسبتهم السكانية الأكبر بالعراق والتي تقدّر بحوالي 65% وكذلك يتعارض مع حرية الأفراد في ممارسة حقوقهم الشخصية التي كفلها لهم الدستور .
14- إنّ تشريع قانون الأحوال الشخصية بصورة عامة يستدعي استبدال القضاة المجتهدين بالمقلِدين، وبالتالي تقييدهم وفق مذهب معيّن وهذا ما يخالف آراء فقهاء المذاهب الإسلامية .
15- القدر المتيقن عند فقهاء المذاهب الإسلامية أنّ منصب القضاء للمجتهد المطلق، وأما القاضي الوضعي كالمقلِد والعامي فلا يعد قاضياً، وإنّما يعتبر قاضي تحكيم إلاّ إذا توفرت فيه شروط تولي القضاء منها الاجتهاد، لذا أجاز الفقهاء تفويض القضاء إلى المقلِد أو توكيله والحكم بفتوى الحاكم الشرعي وإخبار المتخاصمين بذلك بحسب مذاهبهم .
16- من المآخذ على هذا القانون مخالفته للفقه الإسلامي في إعطاء الولاية للقاضي الوضعي في الإذن وعدمه .
المـصـادر والمـراجـع
المـصـادر والمـراجـع
القرآن الكريم خير ما نبتدئ به .
• أبحاث هيئة كبار العلماء :
1- تدوين الراجح من أقوال الفقهاء في المعاملات وإلزام القضاة بالحكم به/أبحاث هيئة كبار العلماء/اصدار 1421هـ ـ 2001م .
• ابن إدريس الحلي، أبو جعفر محمد بن منصور بن أحمد :
2- السرائر الحاوي في تحرير الفتاوي، الناشر/ مؤسسة النشر الإسلامي-قم، المطبعة/ مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الثانية/ 1410هـ .
• ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد الحضرمي :
3- المقدمة، دار احياء التراث العربي/ بيروت، الطبعة الثالثة .
• ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن :
4- علوم الحديث، تحقيق/ نور الدين عتر، الطبعة الثانية/1972م.
• ابن حجر العسقلاني، أبو الفضل أحمد بن علي :
5- تهذيب التهذيب، مطبعة دائرة المعارف النظامية، ط الأولى/1327هـ .
• ابن رشد، محمد بن أحمد القرطبي الاندلسي:
6- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، طبع مصطفى الحلبي واولاده بمصر، ط4/ 1395هـ ـ 1975م .
• ابن سعد، أبو عبد الله محمد بن سعد :
7- الطبقات الكبرى، دار صادر/ بيروت- 1957م .
• ابن سيده، علي بن إسماعيل الاندلسي :
8- المخصص، الناشر/ دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الاولى/ 1417هـ ـ 1996م .
• ابن عابدين، محمد امين :
9- حاشية رد المحتار على الدر المختار، منشورات/محمد علي بيضون/ دار الكتب العلمية/بيروت-لبنان، ط2/1424هـ .
• ابن عبد البر : أبو عمر يوسف بن عبد البر القرطبي
10- جامع بيان العلم، مطبعة العاصمة/ القاهرة، الطبعة2/1968م.
• ابن فارس، أحمد :
11- معجم مقاييس اللغة، الناشر/ مكتبة الإعلام الإسلامي/ 1404هـ .
• ابن فرحون :
12- تبصرة الحكام .
• ابن قدامة، عبد الله :
13- المغني،الناشر: دار الكتاب العربي/بيروت _ لبنان .
• ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد :
14- المغني،مطبعة القاهرة/مصر/1968 .
• ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكارم :
15- لسان العرب، دار الكتب العلمية/بيروت-لبنان، الطبعة الأولى/2005 .
• أبو داود، سليمان بن الاشعث السجستاني :
33- السنن، كتاب العلم، مطبعة مصطفى الحلبي واولاده/ مصر، ط1/1952م .
• أبو زهرة، محمد :
16- الأحوال الشخصية، دار الفكر العربي/ القاهرة، ط3/ 2005 .
• أبو زهو، محمد محمد :
17- الحديث والمحدثون، مطبعة مصر/ الطبعة الأولى- 1958م .
• أبو زيد، بكر بن عبد الله :
18- فقه النوازل، الطبعة الأولى .
• البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي :
19- السنن الكبرى، طبعة دار الفكر .
• الاردبيلي: عبد الكريم الموسوي.
20- فقه القضاء، مؤسسة النشر/جامعة المفيد، ايران-قم، ط2/1423هـ.
• الأسدي، محمد علي هاشم :
21- نظام القضاء في الإسلام/ دراسة مقارنة بالقانون .
22- محاضرات مادة أحاديث الأحكام/مرحلة الدكتوراه/2016-2017.
• الأصفهاني، أبو الحسن :
23- وسيلة النجاة، مكتبة دار العلم/قم ، 1965م .
• البلاغي، محمد جواد :
24- آلاء الرحمن في تفسير القرآن، مطبعة العرفان – صيدا، 1933 .
• الأنصاري، مرتضى :
25- القضاء والشهادات، تحقيق لجنة تراث الشيخ الأعظم، المطبعة/باقري- قم، الطبعة الأولى/ 1415هـ . .
• بابا خان، فائزة جبار محمد :
26- الوضع القانوني لحقوق المرأة في التشريعات العراقية (دراسة مقارنة)، ط1/2009 .
• بحر العلوم، عز الدين :
27- الطلاق ابغض الحلال إلى الله، مطبعة العاني/ بغداد / 1988 .
• بحر العلوم، محمد :
28- أضواء على قانون الأحوال الشخصية .
• البخاري، أبو عبدالله محمد بن اسماعيل :
29- صحيح البخاري، دار الفكر للطباعة والنشر/ 1401هـ ـ 1981م .
30- التاريخ الكبير، الناشر/ المكتبة الإسلامية ، ديار بكر/ تركيا .
• البغدادي، إسماعيل باشا :
31- هدية العارفين وأسماء المؤلفين وآثار المصنفين، دار احياء التراث العربي ، بيروت/ لبنان .
• البكري، عبد الباقي :
32- المدخل لدراسة القانون، المكتبة القانونية/ 1989م .
• البكري، محمد عزمي :
33- موسوعة الفقه والقضاء في الأحوال الشخصية، دار النشر والتوزيع 1989م.
• البهوتي، منصور بن يونس بن صلاح الدين :
34- كشاف القناع عن متن الاقناع، دار الفكر/بيروت/1402هـ .
• الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد :
32- تذكرة الحفاظ ، الناشر/ دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان .
• الجزائري، طاهر بن صالح بن أحمد الدمشقي :
34- توجيه النظر إلى اصول الاثر، المكتبة العلمية/ المدينة المنورة.
• الجزيري، عبد الرحمن :
35- الفقه على المذاهب الاربعة، منشورات محمد علي بيضون، دار الكتب العلمية/بيروت ـ لبنان ، ط2/ 1424هـ ، ج4 / ص 28 .
• الجوزي، ابن القيم :
36- الروح ، الناشر/ دار ابن تيمية، الطبعة الثانية .
• الجوهري، أبي نصر إسماعيل بن حماد:
37- الصحاح، دار الفكر/بيروت- لبنان، ط2/2003م .
• الحائري، كاظم الحسيني :
38- القضاء في الفقه الإسلامي، مجمع الفكر الإسلامي، مطبعة/شريعت – قم، ط2/1423هـ .
• الحر العاملي، محمد بن الحسن :
39- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، مؤسسة آل البيت لاحياء التراث، المطبعة/ مهر-قم ، ط2/1424هـ .
• الحسني، هاشم معروف :
40- دراسات في الحديث والمحدثين، دار التعارف/بيروت، ط2/ 1978م.
• الحكيم، حسن عيسى :
41- المفصل في تاريخ النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية/ قم المقدسة، ط1/1432هـ، المطبعة/ شريعت .
42- مذاهب الإسلاميين في علوم الحديث .
• الحكيم، محسن :
43- مستمسك العروة الوثقى،مطبعة الآداب/النجف الأشرف، ط4/1391هـ
• الحكيم، محمد تقي :
44- الأصول العامة للفقه المقارن،المجمع العالمي لاهل البيت، ط3/2011.
• الحكيم، محمد سعيد :
45- فقه الأحوال الشخصية، دارالهلال، المطبعة/نينوا، ط الأولى/2016م .
46- مسائل معاصرة في فقه القضاء، الناشر/ مكتب آية الله العظمى السيد الحكيم، المطبعة/ ستارة، الطبعة الأولى/1420هـ .
• الحطاب الرعيني :
47- مواهب الجليل،الناشر/ دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان،الطبعة الأولى/ 1995م .
• حوى، سعيد :
48- الإسلام ، دار الكتب العلمية ، ط2/ 1979م .
• خروفه، علاء الدين :
49- شرح قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959، مطبعة العاني/ بغداد .
• الخطيب البغدادي، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت :
50- الفقيه والمتفقه، الناشر/ دار ابن الجوزي، الطبعة الثالثة/1997م .
51- تقييد العلم، دار إحياء السنة المحمدية، الطبعة الثانية/ 1974م .
• الخطيب، حسن محمد :
52- مبادئ أصول القانون، مطبعة حداد/ بصرة – 1963.
• خلاف، عبد الوهاب :
53- أحكام الأحوال الشخصية في الشريعة الاسلامية،دار القلم/الكويت، ط2/1990.
• الخليل الفراهيدي :
54- العين ، الناشر/ مؤسسة دار الهجرة، الطبعة الثانية/ 1410هـ .
• الخميني، روح الله :
55- الحكومة الاسلامية، الناشر/ مركز بقية الله الأعظم (ع) – بيروت ، الطبعة الأولى / 1998م .
• الخوئي ، محمد تقي :
56- مباني العروة الوثقى ، (تقريرات بحث السيد الخوئي)، منشورات مدرسة دار العلم، مطبعة الآداب في النجف الأشرف/ 1984م .
• الخوئي، أبو القاسم الموسوي :
57- مباني تكملة المنهاج، موسوعة الإمام الخوئي، القضاء والحدود، ط5/1434هـ .
58- معجم رجال الحديث، الطبعة الخامسة/1413هـ ـ 1992م، مدينة العلم/قم ـ ايران .
59- منهاج الصالحين/ المعاملات، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي، إيران- قم ، ط/30 .
• الخيون، رشيد :
60- الأديان والمذاهب بالعراق، ماضيها وحاضرها، منشورات الجمل، ط2/ 2007م .
61- الدستور العراقي وقانون الأحوال الشخصية، في مجموعة باحثين، مأزق الدستور – نقد وتحليل ــ معهد الدراسات الاستراتيجية، ط6/بغداد – 2006.
• الدسوقي، شمس الدين محمد بن عرفة :
62- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، دار إحياء الكتب العربية/ بيروت .
• الذهبي، محمد حسين :
63- الأحوال الشخصية بين مذهب أهل السنة ومذهب الجعفرية، ط1/1958م .
• الرازي، فخر الدين :
64- التفسير الكبير، دار الكتب العلمية، بيروت ـ لبنان، ط3/2016م .
• الرازي، محمد بن أبي بكر بن عبد القادر :
65- مختار الصحاح، الناشر/ دار الكتب العلمية ، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى/ 1994م .
• الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد بن المفضل :
66- المفردات في غريب القرآن، الطبعة الثانية/ 1404هـ .
• الرملي، شمس الدين أحمد بن حمزة بن شهاب الدين :
67- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، دار الفكر/ بيروت/ 1984 .
68- الزاهر في معاني كلمات الناس ، ص96 .
• الزبيدي، أبو الفيض محمد بن محمد :
69- تاج العروس في شرح القاموس،المطبعة/دار الفكر- بيروت،1994.
• الزحيلي، وهبة :
70- جهود تقنين الفقه الإسلامي، الناشر/ دار الفكر، ط1/2014م .
71- مسيرة الفقه الاسلامي المعاصر، دار عمان ـ الاردن، ط1/2001م .
72- الفقه الإسلامي وأدلته، دار الفكر ـ دمشق، ط4/1997م .
• الزرقا، مصطفى أحمد :
73- المدخل الفقهي العام ، الناشر/ مطابع الاديب، ط9/1968.
• الزلمي، مصطفى إبراهيم :
74- أصول الفقه الإسلامي في نسيجه الجديد، الخنساء للطباعة المحدودة، ط5/ 1999م .
• الزويني، بشرى :
75- قراءة سياسية اجتماعية في قانون الأحوال الشخصية الجعفري، دار ومكتبة البصائر/بيروت-لبنان، ط1/2016م.
• زيدان، عبد الكريم :
76- المفصل في أحكام المرأة والبيت المسلم في الشريعة الإسلامية، مؤسسة الرسالة/ بيروت ، الطبعة الأولى/ 1993.
• السباعي، مصطفى :
77- شرح قانون الأحوال الشخصية، مطبعة جامعة دمشق/ط5/ 1962 .
• السبحاني، جعفر :
78- نظام القضاء والشهادة في الشريعة الإسلامية الغراء، مؤسسة الامام الصادق(ع)، ايران-قم، ط1.
79- نظام النكاح في الشريعة الاسلامية الغراء، مؤسسة الامام الصادق/ قم .
• السبزواري، عبد الأعلى الموسوي :
80- مهذب الأحكام في بيان الحلال والحرام، مطبعة الآداب/النجف الأشرف/ 1985 .
• السرخسي، شمس الدين :
81- المبسوط، الناشر/ دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت- لبنان، 1986م .
• سلامة، أحمد :
82- الأحوال الشخصية للوطنيين غير المسلمين وللأجانب، دار الفكر العربي، ط2/1962.
• السيستاني ، علي الحسيني :
83- المسائل المنتخبة ، المطبعة/سرور ، ط2 / 1425هـ - 2004م .
84- منهاج الصالحين، الناشر/ مكتب آية الله العظمى السيد السيستاني-قم، مطبعة/ مهر-قم، الطبعة الأولى/ 1414هـ .
• السيوطي، جلال الدين :
85- تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي .
• الشاطبي، أبو اسحاق ابراهيم بن موسى :
86- الموافقات في اصول الشريعة .
• الشافعي، محمد بن أدريس :
87- الأم ، دار المعرفة/بيروت- 1990 .
• الشافعي الصغير :
88- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، الناشر/ دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة/ 1413هـ .
• الشثري، عبد الرحمن بن سعد بن علي :
89- تقنين الأحكام الشرعية/ تاريخه، حكمه ، دار التوحيد للنشر، ط1/1435هـ .
• الشربيني، محمد بن أحمد :
90- مغني المحتاج، الناشر/دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان، 1958م .
• شعبان، زكي الدين :
91- الزواج والطلاق في الإسلام .
• شلبي، محمد مصطفى :
92- المدخل العام لدراسة الشريعة .
• الشواف، عبد اللطيف :
93- عبد الكريم قاسم وعراقيون آخرون، الناشر/ الوراق للنشر، بيروت/2004م .
• الشوكاني، أبو بكر :
94- إرشاد الفحول .
• الشيرازي، محمد الحسيني :
95- الفقه، دار العلوم/ بيروت- لبنان، ط2/ 1988م .
• الصابوني، عبد الرحمن :
96- شرح قانون الأحوال الشخصية السوري، المطبعة الجديدة/دمشق ، 1398- 1399هـ/ 1978- 1979م .
• الصافي، علي عبد الحكيم :
97- فقه الأحوال الشخصية، فتاوى السيد محمد سعيد الحكيم، دار الهلال، الطبعة الأولى/1438هـ ـ 2016م .
• الصالح، صبحي :
98- علوم الحديث ومصطلحه،دارالعلم للملايين/بيروت- لبنان،ط10/1959.
• الصدر، محمد باقر :
99- اقتصادنا ، دار التعارف للمطبوعات، بيروت/1990 .
100- دروس في علم الأصول ، دار الاضواء، ط2/ 2009م .
• الصدر، محمد محمد صادق :
101- ما وراء الفقه، دار الاضواء للطباعة والنشر، الطبعة الاولى.
102- الجمعة السابعة والعشرون/الخطبة الثانية، مسجد الكوفة،24/جمادي الثانية/1419هـ.
• الصدوق، محمد بن علي :
103- من لا يحضره الفقيه، الناشر/مؤسسة النشر الإسلامي-قم،الطبعة الرابعة/ 1426هـ .
• الطباطبائي، محمد حسين :
104- الميزان في تفسير القرآن، الناشر/ مؤسسة النشر الإسلامي- قم .
• الطريحي، فخر الدين :
105- مجمع البحرين، منشورات دار ومكتبة الهلال/بيروت-1985.
• الطوسي، محمد بن الحسن :
106- الخلاف، مؤسسة النشر الإسلامي/ قم .
107- النهاية، الناشر/ دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى/ 1390هـ - 1970م .
• العاملي، أحمد عبد الله أبو زيد :
108- محمد باقر الصدر، السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، بيروت/ مؤسسة العارف للمطبوعات، ط1.
• العاملي، إسماعيل حريري :
109- الأحوال الشخصية بين الشرع والقانون،دار الوفاء، ط1/ بيروت-لبنان/2017م .
• العاملي (الشهيد الأول)، محمد بن مكي :
110- الدروس الشرعية في فقه الإمامية، مؤسسة النشر الإسلامي/ قم، ط2/1417هـ .
111- غاية المراد في شرح نكت الإرشاد ، طبع ونشر/ مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، ط/ الأولى /1420هـ .
• العاملي (الشهيد الثاني)، زين الدين بن علي :
112- مسالك الافهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الناشر/ مؤسسة المعارف الإسلامية، ايران- قم، مطبعة/عترت، الطبعة الثالثة/ 1425هـ .
113- الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، الناشر/ منشورات جامعة النجف الدينية، الطبعة الثانية/ 1398هـ .
• العاني، محمد شفيق :
114- أحكام الأحوال الشخصية في العراق، المطبعة الفنية الحديثة/1970 .
• عبد الله، هاشم جميل :
115- مسائل من الفقه المقارن، القسم الأول ، ط1/ 1989.
• العجيلي، سليمان بن عمر بن منصور :
116- فتوحات الوهاب بتوضيح شرح منهج الطلاب، دار الفكر .
• العسكري، أبو هلال :
117- الفروق اللغوية، الناشر/مؤسسة النشر الإسلامي-قم، ط1 /1412هـ.
• العلامة الحلي، جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر :
118- تذكرة الفقهاء، الناشر/ مؤسسة آل البيت(ع) لإحياء التراث، المطبعة/ مهر- قم، الطبعة الأولى/ 1414هـ .
• عودة، عبد القادر :
119- التشريع الجنائي الإسلامي مقارناً بالقانون الوضعي، دار احياء التراث العربي، ط4/1985 .
• الغرباني، الصادق عبد الرحمن :
120- مدونة الفقه المالكي وأدلته، الناشر: مؤسسة الريان/بيروت/ 1423هـ/ ط الأولى .
• الغزالي، أبو حامد :
121- الوجيز في فقه الإمام الشافعي، الناشر: دار الارقم / 1418هـ .
• الفاضل الهندي :
122- كشف اللثام عن قواعد الأحكام، الناشر/ مؤسسة النشر الإسلامي- قم، الطبعة الأولى/ 1416هـ .
• الفياض ، محمد إسحاق :
123- المسائل المنتخبة .
124- الأنموذج في منهج الحكومة الإسلامية .
125- موقع المرأة في النظام السياسي الإسلامي، الناشر/ دار البذرة،ط7/1432هـ ـ 2011م .
126- منهاج الصالحين/ المعاملات، الناشر/دار البذرة، ط5/1431هـ .
127- الاستفتاءات الشرعية ، المعاملات/ القسم الثاني .
• الفيروزابادي، مجد الدين محمد بن يعقوب :
128- القاموس المحيط، الناشر/ دار الفكر للطباعة، بيروت/1983م .
• الفيض الكاشاني :
129- الوافي، الناشر/ مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (ع) العامة/اصفهان، المطبعة/ أفست نشاط اصفهان، الطبعة الأولى/ 1406هـ .
• :
130- قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959م .
• القيسي، رياض :
131- علم أصول القانون، بغداد/ 2000 ، ط1 .
• الكاساني، علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد :
132- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، دار الكتب العلمية/ 1986 ، ط2.
• كاشف الغطاء، عباس علي :
133- المدخل إلى الشريعة الإسلامية، منشورات مؤسسة كاشف الغطاء/ النجف الأشرف، مطبعة شركة صبح للطباعة/بيروت- لبنان، ط3.
• كاشف الغطاء، علي :
134- مصادر الحكم الشرعي، المجلد الأول / ط1 ، مطبعة الاداب/ النجف / 1988م .
• كاشف الغطاء، علي محمد رضا :
135- مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني .
• الكبيسي، أحمد :
136- الأحوال الشخصية في الفقه والقضاء والقانون،مطبعة عصام/بغداد، 1397هـ ـ 1977م .
137- الأحوال الشخصية/ الزواج والطلاق واثارهما ، مطبعة الارشاد-بغداد، ط2/1972.
138- الوجيز في شرح قانون الأحوال الشخصية وتعديلاته، المكتبة القانونية/1431هـ - 2010م، ط3.
• الكبيسي، أحمد والخطيب، أحمد علي والسامرائي، محمد عباس :
139- شرح قانون الأحوال الشخصية، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي/ بغداد ، الطبعة الأول/ 1980 ، ص41 .
• كريم، فاروق عبد الله :
140- الوسيط في شرح قانون الأحوال الشخصية العراقي، طبع على نفقة جامعة السليمانية .
• الكشبور، محمد :
141- الوسيط في قانون الأحوال الشخصية ، ط4 / 1999.
• كشكول، محمد حسن و السعدي، عباس :
142- شرح قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 وتعديلاته .
• الكليني، محمد بن يعقوب :
143- الكافي، دار الكتب الإسلامية، المطبعة/ حيدري، الطبعة الرابعة .
• :
144- لائحة الأسباب الموجبة لصدور قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959.
• اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق (ع)، إشراف: جعفر السبحاني:
145- موسوعة طبقات الفقهاء، المطبعة/ اعتماد – قم، الطبعة الأولى/1424هـ .
• الماوردي، علي بن محمد البغدادي :
146- الأحكام السلطانية والولايات الدينية، الناشر/ دار التعاون للنشر والتوزيع/ مكة المكرمة، المطبعة/ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي واولاده بمصر، الطبعة الثانية/ 1966م .
• المجلسي، محمد باقر :
147- بحار الأنوار، مؤسسة الوفاء/ بيروت-لبنان، ط2/1983م .
• المحقق الاردبيلي :
148- مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، الناشر/ مؤسسة النشر الإسلامي- قم .
• المحقق الحلي، نجم الدين جعفر بن الحسن :
149- شرائع الاسلام في مسائل الحلال والحرام، مطبعة/ شريعت، ايران- قم، الطبعة الأولى/ 1428هـ .
• المحقق الكركي، علي بن الحسين :
150- جامع المقاصد في شرح القواعد، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/قم.
• المحمصاني، صبحي :
151- فقه النوازل، دار الكشاف/بيروت، ط2/1952م .
• محمود، هادي :
152- قانون الأحوال الشخصية العراقي الضرورة ومتطلبات التطوير/استهلال تاريخي .
• المشرّع العراقي :
153- قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959م .
• المظفر، محمد رضا :
154- أصول الفقه، دار الغدير للطباعة، المطبعة/معراج، ط1/1432هـ .
• مغنية، محمد جواد:
155- الفقه على المذاهب الخمسة، دار العلم للملايين/ بيروت، ط5/ 1977م .
• المليباري، زين الدين بن عبد العزيز :
156- فتح المعين بشرح قرة العين، دار الفكر .
• :
157- الموجز في شرح القانون المدني العراقي .
• الناهي، صلاح الدين :
158- الأسرة والمرأة، بغداد / 1958 .
• النجفي، محمد حسن :
159- جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام،دار الكتب الإسلامية/طهران، ط6 .
• نصار، صاحب محمد حسين :
160- مبادئ الفكر الإسلامي،مطبعة الثقلين/النجف الأشرف، ط2/2018م .
• نعمات أحمد :
161- المرأة كرمها الإسلام ،
• النقشبندي، عبد الله مصطفى :
162- معالم الطريق في عمل الروح الإنساني .
• النوري، حسين:
163- مستدرك الوسائل، مؤسسة آل البيت(ع)/ بيروت، ط3/1991م .
• النووي، أبو زكريا محي الدين بن شرف :
164- روضة الطالبين، دار احياء التراث العربي ـ بيروت، ط2/1392هـ .
• النووي، ابو زكريا يحيى بن شرف :
165- المجموع شرح المهذب، الناشر/ دار الفكر، 1417هـ ـ 1996م .
• النيسابوري، عبد الملك الثعالبي :
166- فقه اللغة وسر العربية، الناشر/ دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية/ 1996م .
• النيسابوري، مسلم بن الحجاج :
167- صحيح مسلم، دار الفكر/بيروت، ط2/1972م .
• الهندي، علاء الدين علي المتقي :
168- كنز العمال في سنن الاقوال والافعال، مطبعة دائرة المعارف النظامية/1313هـ .
الرسائل والأطاريح الجامعية :
1- بحر العلوم، محمد علي : التنظيم القانوني لحرية الالتزام بالأحوال الشخصية وفقا لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، اطروحة دكتوراه / معهد العلمين للدراسات العليا / 2019م .
2- الدليمي، علي أحمد عباس: التأصيل الشرعي لقانون الأحوال الشخصية، اطروحة دكتوراه، اشراف : د. مصطفى الزلمي، جامعة بغداد / كلية القانون .
3- السهلاني، حيدر : فقه التمثيل النيابي، اطروحة دكتوراه/إشراف: د. عبد الأمير زاهد، جامعة الكوفة/ كلية الفقه .
4- علي رجب علي : الشيخ إسحاق الفياض وآراؤه الفقهية، رسالة ماجستير/ إشراف : د. عبد الأمير زاهد، جامعة الكوفة/ كلية الفقه .
المجلات والدوريات :
1- دراسات علمية / مجلة تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية / النجف الأشرف .
2- حوار الفكر/ مجلة فصلية تصدر عن المعهد العراقي لحوار الفكر.