مقدمة
تُعدّ الاستخارة من الممارسات الروحية المهمة في حياة المؤمن، وهي طلب الخير من الله سبحانه وتعالى في الأمور التي يحتار فيها الإنسان ولا يدري أيَّ خيارٍ هو الأفضل له. وقد وردت الاستخارة في النصوص الإسلامية، ولها مكانة خاصة في روايات أهل البيت عليهم السلام، حيث وجّهوا أتباعهم إلى كيفية أدائها والاستفادة منها في مختلف شؤون الحياة.
مفهوم الاستخارة عند أهل البيت عليهم السلام
الاستخارة في معناها اللغوي تعني طلب الخير، وفي الاصطلاح تعني طلب التوجيه الإلهي عند التردد في اتخاذ قرارٍ معين، سواء كان زواجًا، سفرًا، تجارة، أو أي أمر آخر. وهي ليست وسيلة لمعرفة الغيب، وإنما هي وسيلة لطلب التوفيق من الله تعالى في اختيار الطريق الأفضل.
أهل البيت عليهم السلام لم يقتصروا على نوع واحد من الاستخارة، بل ذكروا عدة طرق لها، تختلف حسب الحاجة وظروف الشخص السائل.
أنواع الاستخارة عند أهل البيت عليهم السلام
- الاستخارة بالدعاءوهي أفضل أنواع الاستخارة وأعلاها منزلة، حيث يرفع المؤمن يديه إلى الله تعالى بالدعاء طالبًا منه أن يوفقه لما فيه الخير والصلاح. وقد ورد في رواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله:"إذا هممت بأمرٍ فاستخر الله فيه سبع مرات، ثم انظر إلى الذي يقع في قلبك فافعل به، فإن الخير فيه".
- الاستخارة بالقرآن الكريموهي من الطرق المشهورة بين الشيعة، حيث يتم فتح المصحف الشريف بنية خالصة لمعرفة التوجيه الإلهي، ثم يتم التدبر في الآية الأولى التي تقع عليها العين، والاسترشاد بمعناها لفهم التوجه المناسب.فإذا أردت أمراً فخذ المصحف وافتحه، فانظر إلى أول ما ترى فيه، فاعمل به إن شاء الله
- الاستخارة بالسبحةيتم فيها إمساك السبحة بعد النية، وقراءة ذكر معين، ثم عدّ الخرزات لمعرفة التوجيه الإلهي بناءً على العدد الزوجي أو الفردي. وهذه الطريقة وردت عن بعض العلماء من أهل البيت عليهم السلام.
- الاستخارة بالصلاةيُصلّي المؤمن ركعتين بنيّة الاستخارة، ثم يدعو الله بتوجهٍ وإخلاص ليهديه إلى ما فيه الخير. وقد ورد عن الإمام عليه السلام:"من دخل في أمرٍ بغير استخارةٍ ثم ابتُلي لم يُؤجر".
ضوابط الاستخارة عند أهل البيت عليهم السلام
رغم أهمية الاستخارة، إلا أن أهل البيت عليهم السلام وضعوا ضوابط لها حتى لا يتم التعامل معها بشكل خاطئ أو خرافي، ومن هذه الضوابط:
- عدم جعلها بديلاً عن التفكير والمشاورةفقد أكد أهل البيت عليهم السلام على ضرورة المشاورة مع أهل الحكمة والتجربة، والتفكير في الأمور قبل اللجوء إلى الاستخارة. قال الإمام علي عليه السلام:"ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار" (غرر الحكم ودرر الكلم، حديث ٧٥٦).
- عدم تكرار الاستخارة بلا مبرربعض الناس يعيدون الاستخارة عدة مرات حتى يحصلوا على الجواب الذي يوافق هواهم، وهذا غير صحيح. فإذا استخار الإنسان مرة واحدة بصدق وإخلاص، فينبغي له الالتزام بالنتيجة.
- الاستخارة لا تُستخدم في المحرماتلا يجوز الاستخارة في الأمور التي يعلم الإنسان مسبقًا أنها حرام، مثل الاستخارة على شرب الخمر أو الغيبة، لأن الحلال والحرام واضحان، والاستخارة تكون في الأمور المباحة فقط.
- الاتكال على الله بعد الاستخارةإذا قام الإنسان بالاستخارة وأخذ بالتوجيه الناتج عنها، فعليه أن يتوكل على الله ويمضي دون تردد، لأن الاستخارة تعني التسليم لحكمة الله سبحانه وتعالى.
خاتمة
تُعدّ الاستخارة من نعم الله على عباده، فهي وسيلة للاطمئنان والتوجيه الإلهي في القرارات المصيرية. وقد أوضح أهل البيت عليهم السلام طرقها وضوابطها، مؤكدين أنها يجب أن تكون مبنية على الإيمان والتوكل، وليست مجرد وسيلة عشوائية لتحديد القرارات. إذا التزم الإنسان بها بالشكل الصحيح، فستكون له نورًا وهدايةً في طريقه.