هل التطبير شعيرة دينية أم بدعة؟

 ❓ **السؤال:

السلام عليكم ورحمة الله،
أنا كرار من محافظة كربلاء، ومنذ صغري وأنا أرى مواكب التطبير في يوم العاشر من محرم، حيث يخرج المئات وهم يضربون رؤوسهم بالسيوف، ويعلو الصراخ والدموع والدماء.
لكن مؤخرًا، بدأت أسمع انتقادات كثيرة من وسائل الإعلام وحتى من بعض رجال الدين، تقول إن التطبير بدعة، أو أنه يسيء لصورة المذهب أمام العالم.
وفي المقابل، هناك من يقول إن التطبير شعيرة حسينية مقدّسة لا يجوز المساس بها، ولها جذورها في تراثنا الشيعي.
فهل لكم أن توضّحوا لنا في موقع "شيعة ويب" الحكم الشرعي للتطبير؟ وما رأي كبار العلماء والمراجع فيه؟ وهل هو مستحب، جائز، مكروه أم محرم؟
مع ذكر الأدلة الشرعية إن أمكن.
جزاكم الله خير الجزاء.**


الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين

مرحبًا بك أخي كرار في موقع شيعة ويب، ونشكرك على هذا السؤال المهم والحساس، الذي يتكرر في كل موسم عاشورائي، ويتعلّق بجانب من أبرز الشعائر الجسدية في إحياء ذكرى الإمام الحسين عليه السلام، ألا وهو: التطبير.

قبل أن نبيّن الحكم الشرعي، لا بدّ من توطئة علمية ووجدانية:


🔎 ما هو التطبير؟

التطبير هو ضرب الرأس أو الجبين بآلة جارحة (كالسيف الصغير أو السكين) بشكل خفيف يؤدي إلى خروج الدم، ويُمارس غالبًا في صباح يوم العاشر من محرم، تعبيرًا عن الحزن والتفاعل العاطفي مع مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، وتذكيرًا بجرح رأسه الشريف في واقعة كربلاء.


🧠 هل للتطبير جذور تاريخية؟

لم يثبت بشكل قطعي وجود التطبير بهذه الصورة في القرون الأولى بعد كربلاء، ولكنه ظَهر كجزء من الشعائر العاشورائية منذ عدة قرون، على الأرجح في العصر الصفوي أو ما قبله بقليل، وتوسع في العهد القاجاري، وأصبح رمزًا للمواساة الدموية للإمام الحسين عليه السلام.

كما روي أن بعض العلماء الكبار قد شاركوا فيه بنحو شخصي في القرون المتأخرة، كتعبير عن التفاعل العميق مع مصيبة عاشوراء.


📚 الدليل الشرعي لمن أجاز التطبير:

  • القاعدة الفقهية: "كل ما يعدّ مصداقًا للحزن على الحسين عليه السلام، ولم يكن فيه ضرر أو محرّم مستقل، فهو جائز."

  • قوله تعالى:

    ﴿ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32)
    والتطبير، عند من يعتبره من الشعائر، يدخل تحت هذه الآية.


💬 لكن هل التطبير واجب أو من أصول الدين؟

كلا، التطبير ليس من أركان الدين ولا من الواجبات، بل هو من المستحبّات أو العادات الشعائرية المختلف فيها.

  • لا يُكفَّر من يرفض التطبير.

  • ولا يُتَّهَم من يطبّر، إذا كان عن وعي وفق الرأي الفقهي الذي يتبعه.


🕊️ كيف نُحافظ على الشعائر دون أن نُسيء لصورة المذهب؟

  • الشعائر تُقيمها النية الصادقة، لا مجرد الدم أو الصوت.

  • علينا أن نُقدّم الصورة الرحيمة والعادلة عن الحسين للعالم، خصوصًا في عصر الإعلام السريع.

  • من أراد التطبير، فليُراعي الضوابط الشرعية والصحية، وليتجنّب الأماكن العامة إذا كان ذلك يسبّب الفتنة أو الإساءة.


✍️ الخلاصة الفقهية:

الرأي الفقهيالحكم على التطبير
القائلون بالجوازجائز مع عدم الضرر أو الهتك
القائلون بالكراهةمكروه إذا كان يُساء فهمه
القائلون بالتحريممحرّم لأنه يُضر بالمذهب أو النفس

💡 خاتمة وجدانية:

يا كرار، عاشوراء ليست ساحة لصراع الآراء، بل هي مدرسة وعي وصدق وولاء.
سواءً طبّرتَ أو لم تُطَبّر، فاعلم أن حب الحسين لا يُقاس بالدماء، بل بالاتباع والصدق والوفاء.
فلتكن عاشوراء موعدًا لنشر الوعي، لا للجدل العقيم. نسأل الله أن يجعلنا من أنصار الحسين في الغيبة والرجعة، إنه سميع مجيب.

تعليقات