السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. أما بعد، فإنني أستفتي فضيلتكم في أمرٍ أثقل صدري، وأرجو من الله ثم منكم التوجيه الشرعي فيه. قبل سنةٍ من الآن، دعوتُ على والديَّ -هداهما الله- بأن يأخذَ اللهُ أعزَّ شيءٍ عليهما، ولم يكن هذا الدعاء إلا بعد صبرٍ طويلٍ على أذًى شديدٍ منهما، نفسيًّا وجسديًّا، وظلمٍ تجاوز الحد. واليوم، أرى والدتي -حفظها الله- قد أصابها مرضٌ غريب، لا يُدرى سببه، فقد مضى عامٌ كاملٌ وهي تُجري الفحوصات، ولا يظهر إلا نقصٌ في الفيتامينات أو أمورٌ طبيعية، حتى كادت تموت في فترةٍ من الفترات، لولا لطف الله تعالى بها، فتحسَّنت صحتُها بعض الشيء، لكنها لا تزال تتأرجح بين الضعف والتحسن.
فأسألُكم: هل دعائي هذا حرامٌ في الشرع؟ والذي أراه -والله أعلم- أني لم أفعل حرامًا، إذ لم أكن إلا مضطرًّا، شاكيًا إلى ربي ظلمَهم، ولم يكن الدعاء نابعًا من كراهيةٍ لهم، بل أحبُّهم وأدعو لهم بالهداية، لكن أفعالهم كانت تُجبرني على اللجوء إلى الله.
والعجيبُ أن مرضَ أمي -مع شدته- كان سببًا في تقربها إلى الله تعالى، فقد زاد إيمانها بشكلٍ كبير، بعد أن كانت -للأسف- تتجاهل نصائحي الدينية، بل تُعلق أحيانًا بقولها: "كلنا بالنار فما الفرق؟"، واليوم -بحمد الله- أصبحت من أكثر الناس إيمانًا وتعلقًا بالعبادة.
فهل يُمكن -في رأيكم- أن تعودَ صحتُها كما كانت؟ وهل هناك أعمالٌ صالحةٌ أو أذكارٌ تُردُّ بها الأدواء؟ جزيتم خيرًا، وبارك الله في علمكم. مع فائق التقدير، لؤي
الجواب:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا بك في موقع شيعة ويب،
الجواب: أولًا: حكم الدعاء على الوالدين عند الظلم الأصل في فقه الإمامية: تحريم العقوق مطلقًا، ولو مع صدور الظلم، قال الإمام الباقر (عليه السلام): "إنّ أبي حدّثني، عن جدّه، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، قال: إيّاكم وعقوق الوالدين، فإنّ ريح الجنّة توجد من مسيرة ألف عام، ولا يجدها عاقٌّ..."
وعقوق الوالدين عند الفقهاء الإمامية لا يُحدّد فقط بالسب أو الضرب، بل يشمل كلّ ما يُعدّ في العُرف إيذاءً لهما أو خُروجًا عن مقام الاحترام، سواء بالفعل أو بالدعاء أو بالهجر. لكن الفقهاء فرّقوا بين "العقوق الحرام" و"التأذي غير العمدي بسبب الشكوى أو الضعف النفسي".
--- ثانياً: هل الدعاء عليهما في حال المظلومية يُعدّ عقوقًا؟وفق فقه مدرسة أهل البيت (عليهم السلام): إن كان الدعاء صادرًا عن كراهية أو رغبة في الانتقام → فهو حرامٌ قطعًا. وإن كان صادرًا عن شدة مظلومية، مع بقاء الحبّ في القلب، وتوجّهٍ لله لا للإنتقام، فإنه ليس عقوقًا بالمعنى المصطلح، لكنه عملٌ غير مستحبّ ولا يليق بمقام البر. فان "من حقّ الوالد على الولد أن لا يدعو عليه، وإن ظلمه"
وإذا صدر الدعاء في حال انفعال، وكان العبد مظلومًا متألمًا، دون قصد الإساءة، بل كشكاية إلى الله، فهو داخل في قوله تعالى: "لا يحبّ الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم"
فانه "يجوز للعبد المظلوم أن يشكو حاله إلى ربّه، أو حتى يدعو على من ظلمه، من غير أن يُدخل نفسه في باب الحرام"وبناءً على هذا، دعاؤك وإن كان غير مستحب، إلا أنه لا يُعدّ معصية صريحة إذا كان في حال الاضطرار والمظلومية، خاصة مع محبتك لهما في الباطن ودوام الدعاء لهما بالهداية.
--- ثالثًا: هل مرض الأم بسبب الدعاء؟ وما تفسير تغيّر حالها الديني؟لا يجوز الجزم بأن المصائب ناتجة عن دعاء فلان أو فعل علان، إلا إذا ثبت ذلك بنصّ أو علم قطعي.
والأئمة (عليهم السلام) يؤكدون أن البلاء قد يكون امتحانًا، أو رفعةً، أو رحمة، أو تطهيرًا من الذنوب، لا عقوبة بالضرورة.> قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"إن العبد إذا كثرت ذنوبه، ولم يكن له ما يكفّرها، ابتلاه الله بالحزن، ليكفّرها عنه"
وقد تكون هداية الوالدة بهذا المرض من لطف الله الخفي، وأن الله استجاب دعاءك في صورة الرحمة لا العقوبة، بأن جعل البلاء بابًا لهدايتها، وليس لإهلاكها.
--- رابعًا: هل يمكن أن تعود صحتها كما كانت؟ وما الأعمال التي تُعين على الشفاء؟ نعم، الشفاء ممكن بإذن الله وكرمه، وهناك أعمال وأذكار كثيرة وردت عن أهل البيت (عليهم السلام) في دفع البلاء: 1. الدعاء لأهل البلاء> عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"عليكم بدعاء المبتلى، فإنّ دعاءه يُستجاب، ويشفي الله بدعائه غيره"
2. الصدقة بنية الشفاء> قال الإمام الرضا (عليه السلام):
"استنزلوا الرزق بالصدقة، وادفعوا البلاء بالدعاء، وداووا مرضاكم بالصدقة"
3. سورة الفاتحة، وآية الكرسي، والمعوذتين> عن الإمام الصادق (عليه السلام):
"لو قرئت الفاتحة على ميت سبعين مرة، ثم ردت فيه الروح ما كان عجبًا"
4. زيارة الحسين عليه السلام بنية الشفاء> عن الإمام الباقر (عليه السلام):
"من زار الحسين وهو مريض، وعاد صحيحًا، غفر الله له ذنوبه كلّها"
خامسًا: ما يُستحب لك فعله الآن تكفيرًا عمّا مضى1. التوبة لله تعالى، والاستغفار عن ذلك الدعاء.
2. برّ أمك والإحسان إليها ولو بالدعاء.
3. طلب الرضا منها إن أمكن، أو إهداء ثواب الأعمال لها.
4. نية صادقة بأنك لم تكن قاصدًا للضرر، بل كنت شاكياً لله لا متجنّياً.
5. تذكيرها بلطف الله في هذا البلاء الذي غيّر حالها نحو الخير.
مع التحية والتقدير..